همع الهوامع - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

١٧٦] ، أي : لئلا تضلوا ، قال أبو حيان : والصحيح المنع وتأويل الآية كراهة أن تضلوا.

السادس : بمعنى إذ أثبته بعضهم مع الفعل الماضي ، قيل : ومع الفعل المضارع ، وجعل منه قوله تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) [ق : ٢] ، وقوله تعالى : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة : ١] أي : إذ آمنتم.

قال أبو حيان : وهذا ليس بشيء ، بل (أن) في الآيتين مصدرية والتقدير بل عجبوا لأن جاءهم ، وكذلك (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة : ١].

وقد انقضى القول في شرح الكتاب الثاني من كتابنا «جمع الجوامع» وهذا القدر إلى هنا نصف الكتاب ، واعلم أني لما شرعت في شرحه كنت بدأت أولا بشرح النصف الثاني ، فكتبت من أول الكتاب الثالث إلى بناء جمع التكسير على طريقة المزج ، ثم بدا لي أن أغير الأسلوب فشرحت من أوله على النمط المتقدم ، وكان في نيتي الاستمرار على هذه الطريقة إلى آخر الكتاب وإلغاء القطعة التي كتبتها أولا ممزوجة ، ثم لما ضاق الزمان عن ذلك أبقيت كل قطعة على حكمها ، وضممت هذه القطعة إلى تلك ووصلت بينهما ولا يضير كون الشرح على أسلوبين نصفه بلا مزج ونصفه ممزوج ، ونعود هناك إن شاء الله تعالى إلى تكملة بقية الكتاب من جمع التكسير إلى آخره على طريقة أوله والله الموفق.

***

٢٦١
٢٦٢

الكتاب الثالث :

في المجرورات وما حمل عليها وهي المجزومات

وما يستتبعها من ذكر أدوات الشرط غير الجازمة ، وما استطرد إليه من ذكر بقية حروف المعاني المرتبة على حروف المعجم ، وآخرها نون التوكيد ، وعقب بخاتمة في التنوين.

المجرورات

(الجر إما بحرف أو إضافة) لا ثالث لهما ، ومن زاد التبعية فهو رأي الأخفش مرجوح عند الجمهور كما سيأتي.

فإن قلت : الجر بالإضافة أيضا رأيه وهو مرجوح! قلت : نعم ولكن المراد الجر الكائن بسببها أو فيها على رأي سيبويه من أن الجار المضاف ، وعلى رأي ابن مالك أنه الحرف المقدر لا جارّ سواه.

الحروف

(الحروف) أي : هذا مبحث حروف الجر ، وسميت به قال ابن الحاجب : لأنها تجر معنى الفعل إلى الاسم ، وقال الرضي : بل لأنها تعمل إعراب الجر ، كما قيل : حروف النصب وحروف الجزم ، وكذا قال الرضي ، وتسميها الكوفيون حروف الإضافة ؛ لأنها تضيف الفعل إلى الاسم ، أي : توصله إليه وتربطه به ، وحروف الصفات ؛ لأنها تحدث صفة في الاسم ، فقولك : جلست في الدار ، دلت (في) على أن الدار وعاء للجلوس ، وقيل : لأنها تقع صفات لما قبلها من النكرات ، وإنما عملت لما تقدم من اختصاصها بما دخلت عليه فأشبهت الفعل ولم تعمل رفعا ؛ لأنه إعراب العمد ومدخولها فضلة ، ولا نصبا ؛ لأن محل مدخولها نصب بدليل الرجوع إليه في الضرورة ولو نصبت لاحتمل أنه بالفعل ، ودخل الحرف لإضافة معناه إلى الاسم كما في ما ضربت إلا زيدا فتعين عملها الجر.

٢٦٣

إلى

(إلى) له معان فيكون (لانتهاء الغاية مطلقا) أي : زمانا نحو : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] ، ومكانا نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] ، قال الرضي : ومعنى قولهم : انتهاء الغاية وابتداؤها نهايتها ومبدؤها ، (قال ابن مالك) في «التسهيل» : (والتبيين) ، قال في شرحه : وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف : ٣٣] ، قال : (وبمعنى في) أي : الظرفية ؛ لقوله تعالى (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [النساء : ٨٧] ، أي : فيه ، وذكره جماعة في قوله :

١٠٤٦ ـ فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني

إلى الناس مطليّ به القار أجرب

قال (و) بمعنى (اللام) نحو : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) [النمل : ٣٣] ، أي : لك ، وقيل : هي لانتهاء الغاية ، أي : منته إليك (و) قال (الكوفية) وطائفة من البصرية : (و) بمعنى (مع) أي : المعية ، وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر في الحكم به أو عليه أو التعلق كقوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] ، وقوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ، وقولهم : (الذود إلى الذود إبل) ، ولا يجوز إلى زيد مال تريد مع زيد مال ، قال الرضي : والتحقيق أن (إلى) هذه للانتهاء ، فقوله : (إِلَى الْمَرافِقِ ،) أي : مضافة إليها ، والذود إلى الذود ، أي : مضافة إلى الذود ، وقال غيره : وما ورد من ذلك مؤول على تضمّن العامل وإبقاء إلى على أصلها ، والمعنى في قوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) من يضيف نصرته إلى نصرة الله ، و (إلى) حينئذ أبلغ من (مع) ؛ لأنك لو قلت : من ينصرني مع فلان لم يدل على أن فلانا وحده ينصرك ، وقيل : التقدير من ينصرني حال كوني ذاهبا إلى الله ، (و) بمعنى (من) كقوله :

١٠٤٧ ـ تقول وقد عاليت بالكور فوقها :

أيسقى فلا يروى إليّ ابن أحمرا

__________________

١٠٤٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٧٣ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٦ ، والأزهية ص ٢٧٣ ، والجنى الداني ص ٣٨٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٦٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٢٢٣ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٣٥ ، مادة (إلى) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٧٩٨ ، وجواهر الأدب ص ٣٤٣ ، ورصف المباني ص ٨٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ، ومغني اللبيب ص ٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٣.

١٠٤٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لابن أحمر في ديوانه ص ٨٤ ، وأدب الكاتب ص ٥١١ ، والجنى الداني ص ٣٨٨ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢٥ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢٥.

٢٦٤

أي : مني ، (و) بمعنى (عند) كقوله :

١٤٠٨ ـ أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره

أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل

أي : أشهى عندي ، كذا مثل ابن مالك وابن هشام في «المغني» ، ونازعه ابن الدماميني بأنه تقدم أن المتعلقة بما يفهم حبا أو بغضا من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين ، فعلى هذا تكون (إلى) في البيت مبينة لفاعلية مجرورها لا قسما آخر.

وأجاب شيخنا الإمام الشمني بأن تلك شرطها كون التعجب والتفضيل من نفس الحب والبغض وهي هنا متعلقة بتفضيل من الشهوة ، (و) قال أبو الحسن (الأخفش : و) بمعنى (الباء) نحو : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) [البقرة : ١٤] ، أي : بشياطينهم ، (و) قال (الفراء) : تكون (زائدة) للتوكيد كقوله تعالى : (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم : ٣٧] بفتح الواو ، أي : تهواهم ، وغيره خرجها على تضمين تهوي معنى تميل ، أو على أن الأصل تهوي بالكسر فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كما قيل في (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق : ١٦] : ناصاة ، ذكره ابن مالك.

قال ابن هشام : وفيه نظر ؛ لأن شرط هذه اللغة تحرك الياء في الأصل ، وأجاب ابن الصائغ بأن أصل هذه الياء الحركة وسكونها عارض للاستثقال.

الباء

(الباء مكسورة) مطلقا (وقيل : تفتح مع الظاهر) فيقال : بزيد ، قال أبو حيان : حكاه أبو الفتح عن بعضهم (للإلصاق) ويقال : الإلزاق ، قال في شرح «اللب» : وهو تعلق أحد المعنيين بالآخر ، قال أبو حيان : قال أصحابنا : هي نوعان :

أحدهما : الباء التي لا يصل الفعل إلى المفعول إلا بها نحو : سطوت بعمرو ، ومررت بزيد ، قال : والإلصاق في مررت بزيد مجاز لما التصق المرور بمكان بقرب زيد جعل كأنه ملتصق بزيد.

__________________

١٠٤٨ ـ البيت من الكامل ، وهو لأبي كبير الهذلي في أدب الكاتب ص ٥١٢ ، والجنى الداني ص ٣٨٩ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٦٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢٦ ، ولسان العرب ١١ / ٣٤٣ ، مادة (سلسل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥ / ٢٣٧ ، والاشتقاق ص ٤٧٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٥.

٢٦٥

والآخر : الباء التي تدخل على المفعول المنتصب بفعله إذا كانت تفيد مباشرة الفعل للمفعول نحو : أمسكت بزيد ، الأصل أمسكت زيدا فأدخلوا الباء ؛ ليعلموا أن إمساكك إياه كان بمباشرة منك له ، بخلاف نحو : أمسكت زيدا بدون الباء فإنه يطلق على المنع من التصرف بوجه ما من غير مباشرة ، قيل : والإلصاق معنى لا يفارق الباء ولهذا لم يذكر لها سيبويه معنى غيره ، زاد غيره (والتعدية) وتسمى باء النقل أيضا ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا ، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد وأذهبته ، ومنه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] ، وقد تكون مع المتعدي نحو : (دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [الحج : ٤٠] ، وصككت الحجر بالحجر ، والأصل : دفع بعض الناس بعضا ، وصك الحجر الحجر.

(والسببية والاستعانة) جمع بينهما ابن مالك في «الألفية» وابن هشام في «المغني» ، وفسر الثانية بالداخلة على آلة الفعل نحو : كتبت بالقلم ، ومثل الأولى بنحو (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤] : وقال الرضي : السببية فرع الاستعانة ولذا اقتصر عليها ـ أعني الاستعانة ـ ابن مالك في «الكافية» الكبرى ، وحذف السببية ، وعكس في «التسهيل» فاقتصر على السببية ، وقال في شرحه : باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معد لها مجازا نحو : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : ٢٢] ، فلو قصد إسناد الإخراج إلى الماء ، وقيل : أنزل ماء أخرج من الثمرات رزقا لصح وحسن لكنه مجاز والآخر حقيقة ، ومنه كتبت بالقلم وقطعت بالسكين فإنه يصح أن يقال : كتب القلم وقطع السكين ، والنحويون يعبرون عن هذه الباء بباء الاستعانة ، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إليه تعالى فإن استعمال السببية فيها يجوز واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز انتهى.

وقال أبو حيان : ما ذهب إليه ابن مالك من أن باء الاستعانة مدرجة في باء السببية قول انفرد به ، وأصحابنا فرقوا بين باء السببية وباء الاستعانة فقالوا : باء السببية هي التي تدخل على سبب الفعل نحو : مات زيد بالحب وبالجوع ، وحججت بتوفيق الله ، وباء الاستعانة هي التي تدخل على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله الذي هو آلة نحو : كتبت بالقلم ، ونجرت الباب بالقدوم ، وبريت القلم بالسكين ، وخضت الماء برجلي ؛ إذ لا يصح جعل القلم سببا للكتابة ، ولا القدوم سببا للنجارة ، ولا السكين سببا للبري ، ولا الرجل سببا للخوض ، بل السبب غير هذا.

٢٦٦

(والظرفية) وهي التي يحسن موضعها (في) نحو : (نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) [آل عمران : ١٢٣] ، (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤].

(والمصاحبة) وهي كما قال ابن مالك : التي يحسن موضعها (مع) ويغني عنها وعن مصحوبها الحال نحو : (اهْبِطْ بِسَلامٍ) [هود : ٤٨] ، أي : مع سلام ، (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) [النساء : ١٧٠] ، أي : مع الحق ومحقا ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [النصر : ٣] ، أي : مع حمده وحامدا ، وهذه المعاني الخمسة تجامع الإلصاق كما نقله أبو حيان عن الأصحاب ، وضم إليها باء القسم ولذا ذكرتها متوالية خلاف صنيع «التسهيل».

(والغاية) نحو : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) [يوسف : ١٠٠] ، أي : إلي ، (وكذا البدل) وهي التي يحسن موضعها بدل ، (والتبعيض) وهي التي يحسن موضعها (من) (على الصحيح) فيهما ، مثال الأول قول عمر رضي‌الله‌عنه : كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا (١) ، أي : بدلها ، وقول الحماسي :

١٠٤٩ ـ فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا

ومثال الثاني قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] ، أي : منها ، وقوله :

١٠٥٠ ـ شربن بماء البحر

وقول الآخر :

١٠٥١ ـ شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج

وهذا المعنى أثبته الكوفيون والأصمعي والفارسي والعتبي وابن مالك ، والأول وهذا المعنى أثبته الكوفيون والأصمعي والفارسي والعتبي وابن مالك ، والأول

__________________

١٠٤٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لقريط بن أنيف في خزانة الأدب ٦ / ٢٥٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٧٥٩).

١٠٥٠ ـ ذكر في نسخة العلمية بدون شرح.

١٠٥١ ـ البيت من الكامل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٨٨ ، والأغاني ١ / ١٨٤ ، وجمهرة اللغة ١١٣٣ ، ولجميل بثينة في ملحق ديوانه ٢٣٥ ، ولجميل أو لعمر في البداية والنهاية ٩ / ٤٧ ، ولسان العرب ٢ / ٢٣٧ ، مادة (حشرج) ١٢ / ٥٣٣ ، مادة (لثم) ، ولعبيد بن أوس الطائي في الحماسة البصرية ٢ / ١١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٩.

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء (١٤٩٨).

٢٦٧

المتأخرون ، وأنكرهما جماعة وقالوا في أمثلة الأول : الباء للسببية ، وأولوا أمثلة الثاني بأن (يشرب) و (شربن) و (شرب) ضمن معنى يروى ونحوه ، وقيل : المعنى يشرب بها الخمر كما تقول : شربت الماء بالعسل ، قال بعضهم : ولو كانت الباء للتبعيض لصح زيد بالقوم تريد من القوم وقبضت بالدراهم ، أي : من الدراهم.

(قال ابن مالك) في «التسهيل» : (والتعليل) قال في شرحه : وهي التي يحسن موضعها اللام غالبا نحو : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) [القصص : ٢٠].

قال : واحترزت بقولي : «غالبا» من قول العرب : غضبت لفلان إذا غضبت من أجله وهو حي ، وغضبت به إذا غضبت من أجله وهو ميت ، قال أبو حيان : ولم يذكر أصحابنا هذا المعنى ، وكأن التعليل والسبب عندهم شيء واحد ، قال : ويدل لذلك أن المعنى الذي سمى به باء السبب موجود في باب التعليل ؛ لأنه يصلح أن ينسب الفعل لما دخلت عليه باء التعليل كما يصح ذلك في باء السبب فتقول : ظلم أنفسكم اتخاذكم العجل ، وأما (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) [القصص : ٢٠] فالباء فيه ظرفية ، أي : يأتمرون فيك ، أي : يتشاورون في أمرك لأجل القتل انتهى. وهذا هو الحق.

قال أيضا : (والمقابلة) قال : وهي الداخلة على الأعواض والأثمان ، قال : وقد تسمى باء العوض نحو : اشتريت الفرس بألف ، وكافأت الإحسان بضعف ، والظاهر أنها داخلة في باء البدل ، (و) قال (الكوفية : وبمعنى على) أي : الاستعلاء ، وجزم به ابن مالك نحو : (إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) [آل عمران : ٧٥] ، أي : عليه ، بدليل (إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ) [يوسف : ٦٤] ، (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) [المطففين : ٣٠] ، أي : عليهم بدليل (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) [الصافات : ١٣٧].

١٠٥٢ ـ أربّ يبول الثّعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب

قالوا : (و) بمعنى (عن ، وفي اختصاصها بالسؤال خلاف) فقيل : تختص به ، وظاهر

__________________

١٠٥٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للعباس بن مرداس في ملحق ديوانه ص ١٥١ ، وللعباس أو لغاوي بن ظالم السّلمي ، أو لأبي ذر الغفاري في لسان العرب ١ / ٢٣٧ ، مادة (ثعلب) ، ولراشد بن عبد ربه في شرح شواهد المغني ص ٣١٧ ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ١٠٣ ، ٢٩٠ ، وجمهرة اللغة ص ١١٨١ ، ومغني اللبيب ص ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٢.

٢٦٨

كلام أبي حيان أن الكوفية كلهم عليه كقوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] بدليل (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) [الأحزاب : ٢٠] ، وقول علقمة :

١٠٥٣ ـ فإن تسألوني بالنّساء فإنني

بصير بأدواء النّساء طبيب

وقيل : لا ، وعليه ابن مالك نحو : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد :١٢] ، (تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥] ، والبصرية أنكروا هذا المعنى وأولوا الآية والبيت على أن المعنى اسأل بسببه خبيرا وبسبب النساء لتعلموا حالهن ، أو تضمين السؤال معنى الاعتناء والاهتمام ، قالوا : ولو كانت الباء بمعنى (عن) لجاز أطعمته بجوع وسقيته بعيمة تريد عن جوع وعن عيمة.

قال ابن هشام : في التأويل الأول بعد ؛ لأن المجرور بالباء هو المسؤول عنه ولا يقتضي قولك : سألت بسببه أن المجرور هو المسؤول عنه.

(و) قال ابن هشام (الخضراوي : و) بمعنى (الكاف) داخلة على الاسم حيث يراد التشبيه نحو : لقيت بزيد الأسد ورأيت به القمر ، أي : لقيت بلقائي إياه الأسد ، أي : شبهه ، قال أبو حيان : والصحيح أنها للسبب ، أي : بسبب لقائه وسبب رؤيته ، (وتزاد توكيدا في مواضع) ستة هي : الفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر والحال والتوكيد ، وهي مذكورة في محالها ، ومن غريب زيادتها أنها تزاد في المجرور كقوله :

١٠٥٤ ـ فأصبحن لا يسألنه عن بما به

(قال ابن مالك : و) تزاد (عوضا) ومثله بقوله :

١٠٥٥ ـ ولا يواتيك فيما ناب من حدث

إلّا أخو ثقة فانظر بمن تثق

__________________

١٠٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٣٥ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٨ ، والأزهية ص ٢٨٤ ، والجنى الداني ص ٤١ ، وحماسة البحتري ص ١٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٦ ، ٤ / ١٠٥ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٦ ، ورصف المباني ص ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٥.

١٠٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٢١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٤٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٢٧ ، ٥٢٨ ، ٥٢٩ ، ١١ / ١٤٢ ، وسر صناعة الإعراب ص ١٣٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤١١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٧٤ ، ولسان العرب ٣ / ٢٥١ ، مادة (صعد) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٧.

١٠٥٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لسالم بن وابصة في شرح شواهد المغني ٢ / ٤١٩ ، والمؤتلف والمختلف ص ١٩٧ ، ونوادر أبي زيد ص ١٨١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٩٢ ، ٢ / ٢١٩ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٠٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٩.

٢٦٩

قال : أراد من تثق به ، فزاد الباء قبل (من) عوضا ، (وحكاه) أيضا (في عن وعلى) ، وأنشد قوله :

١٠٥٦ ـ أتجزع إن نفس أتاها حمامها

فهلّا التي عن بين جنبيك تدفع

أي : فهلا عن التي بين جنبيك تدفع ، فحذف (عن) وزادها بعد التي عوضا ، وقول الآخر :

١٠٥٧ ـ إنّ الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل

أي : إن لم يجد من يتكل عليه ، فحذف (عليه) وزاد (على) قبل (من) عوضا.

(وقاسه في إلى ، وفي اللام ، ومن) فقال في الشرح : يجوز عندي أن يعامل بهذه المعاملة (من) و (اللام) و (إلى) و (في) قياسا على (عن) و (على) و (الباء) فيقال : عرفت ممن عجبت ، ولمن قلت ، وإلى من أديت ، وفيمن رغبت ، والأصل عرفت من عجبت منه ، ومن قلت له ، ومن أديت إليه ، ومن رغبت فيه ، فحذف ما بعد من وزيد ما قبلها عوضا (ورده أبو حيان) أي : العوض بأنواعه فقال في الأبيات المستشهد بها : لا يتعين فيها التأويل المذكور ؛ لاحتمال أن يكون الكلام تم عند قوله : فانظر ، أي : فانظر لنفسك ، ولما قدم أنه لا يواتيه إلا أخو ثقة استدرك على نفسه فاستفهم على سبيل الإنكار على نفسه حيث قرر وجود أخي ثقة ، فقال : بمن تثق ، أي : لا أحد يوثق به ، فالباء في بمن متعلقة ب : (تثق) ، وكذا البيت الآخر يحتمل تمام الكلام عند قوله : إن لم يجد يوما ، أي : إنه إذا لم يجد ما يستعين به اعتمل بنفسه ، ثم قال : على من يتكل ، ومن استفهامية ، أي : لا أحد يتكل عليه ، فعلى متعلقة بيتكل ، ولم يؤول البيت الثاني ، وقال في المقيس : هذا الذي أجازه قياسا لم يثبت الأصل الذي يقاس عليه ألا ترى إلى ما ذكرناه من التأويل فيما استدل به ،

__________________

١٠٥٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لزيد بن رزين في جواهر الأدب ص ٣٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٦ ، وله أو لرجل من محارب في ذيل أمالي القالي ص ١٠٥ ، وذيل سمط اللآلي ص ٤٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦ ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣١.

١٠٥٧ ـ الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٩٢ ، والجنى الداني ص ٤٧٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٦ ، والخصائص ٢ / ٣٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغني ٤١٩ ، والكتاب ٣ / ٨١ ، ولسان العرب ١١ / ٤٧٥ ، مادة (عملا) ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، وانظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢٨.

٢٧٠

ولو كانت لا تحتمل التأويل لكانت من الشذوذ والندور والبعد من الأصول بحيث لا يقاس عليها ولا يلتفت إليها ، قال : وقد نص سيبويه على أن (عن) و (على) لا يزادان لا عوضا ولا غير عوض.

حتى

(حتى كإلى) في انتهاء الغاية ، لكن (إلى) أمكن منها ، ولذلك خالفتها في أشياء:

الأول : أنها (تفيد تقضّي الفعل شيئا فشيئا) ، ولذا لا يجوز كتبت حتى زيد وأنا حتى عمرو ، ويجوز كتبت إلى زيد وأنا إلى عمرو ، أي : هو غايتي كما في حديث مسلم : «أنا بك وإليك» (١).

(و) الثاني : أنها (لا تقبل الابتداء) لضعفها في الغاية ، فلا يقال : سرت من البصرة حتى الكوفة ، كما يقال : إلى الكوفة.

(و) الثالث أنها (لا تجر إلا آخرا) أي : آخر جزء نحو : أكلت السمكة حتى رأسها ، (قال الأكثر : أو ملاقيا له) أي : متصلا به نحو : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥] ، ولا يجوز سرت حتى نصف الليل ، بخلاف (إلى) ، ومقابل الأكثر قول السيرافي وجماعة : إنها لا تجر إلا الآخر فقط دون المتصل به.

قال الرضي : وهو مردود بالآية ، (خلافا لابن مالك) ؛ إذ قال في «التسهيل» وشرحه : والتزم الزمخشري كون مجرورها آخر جزء أو ملاقي آخر جزء ، وهو غير لازم بدليل قوله :

١٠٥٨ ـ عيّنت ليلة فما زلت حتى

نصفها راجيا فعدت يؤوسا

قال أبو حيان : وما نقله الزمخشري هو قول أصحابنا ، وما استدل به لا حجة فيه ؛ لأنه لم يتقدم العامل فيها حتى ما يكون ما بعدها جزءا له في الجملة المغياة بحتى ، فليس البيت نظير ما مثل به أصحابنا ، ولو صرح فقال : ما زلت راجيا وصلها تلك الليلة حتى نصفها كان ذلك حجة على الزمخشري ، ونحن نقول : إذا لم يتقدم في الجملة المغياة بحتى ما يصح أن يكون ما بعدها آخر جزء ، جاز أن تدخل على ما ليس به ولا ملاقيا له ، وكذا قال ابن هشام في «المغني» ، على أن ابن مالك جزم باشتراط ذلك في «الكافية».

__________________

١٠٥٨ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦١.

٢٧١

الرابع : أنها لا تجر إلا (ظاهرا ، خلافا للمبرد والكوفية) في تجويزهم جرها المضمر ، مستدلين بنحو قوله :

١٠٥٩ ـ فلا والله لا يلقى أناس

فتى حتّاك يا ابن أبي زياد

والجمهور قالوا : إنه ضرورة ، قال أبو حيان : ومن أجاز جرها المضمر أدخلها على المضمرات المجرورة كلها ، قال : ولا ينبغي القياس على (حتاك) في هذا البيت ، فيقال ذلك في سائر الضمائر ، قال : وانتهاء الغاية في (حتاك) هنا لا أفهمه ، ولا أدري ما يعني هنا بحتاك فلعل هذا البيت مصنوع انتهى.

ومثل ابن هشام في «المغني» بقوله :

١٠٦٠ ـ أتت حتّاك تقصد كلّ فجّ

ترجّي منك أنها لا تخيب

قال : واختلف في علة المنع فقيل : هي أن مجرورها لا يكون إلا بعضا لما قبلها أو كبعض منه ، فلم يمكن عود ضمير البعض على الكل ، قال : ويرده أنه قد يكون ضميرا حاضرا كما في البيت فلا يعود على ما تقدم ، وأنه قد يكون ضميرا غائبا عائدا على ما تقدم غير الكل ، كقولك : زيد ضربت القوم حتاه ، وقيل : العلة خشية التباسها بالعاطفة فإنها تدخل عليه على الأصح ، قال : ويرده أنها لو دخلت عليه لقيل في العاطفة : قاموا حتى أنت ، وأكرمتهم حتى إياك بالفصل ؛ لأن الضمير لا يتصل إلا بعامله ، وفي الخافضة حتاك بالوصل كما في البيت ، وحينئذ فلا التباس ، وقيل : العلة أنها لو دخلت عليه قلبت ألفها ياء كما في إليّ ، وهي فرع عن (إلى) فلا تحتمل ذلك وإلا ساوى الفرع الأصل.

قال شيخنا الإمام الشمني : والجواب بعد تسليم بطلان هذا اللازم أن فرعية حتى عن إلى إنما هي في المعنى والعمل ، وذلك يوجب ألا يحتمل ما يحتمله إلى فيهما لا في غيرهما ، وقال الشاطبي : قال سيبويه : استغنوا عن الإضمار في (حتى) بقولهم : حتى ذاك ، وبالإضمار في (إلى) ؛ لأن المعنى واحد كما استغنوا ب : (ترك) عن (وذر) و (ودع).

__________________

١٠٥٩ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤٤ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٤ ، ٤٧٥ ، ورصف المباني ص ١٨٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٦٥ ، والمقرب ١ / ١٩٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٦.

١٠٦٠ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٧ ، ٢ / ٢١٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٧٠ ، ومغني اللبيب ص ١٢٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٧.

٢٧٢

(وإمالتها وعتّى) بإبدال حائها عينا (لغة) الأولى يمنية والثاني هذلية ، قال ابن مالك : قرأ ابن مسعود : ليسجننه عتى حين [يوسف ٣٥] ، فكتب إليه عمر إن الله أنزل هذا القرآن عربيا وأنزله بلغة قريش فلا تقرئهم بلغة هذيل.

(ومنع البصرية جر ما لا يصلح) أن يكون (غاية لما قبلها) ، وأوجبوا فيه الرفع على أنها ابتدائية نحو : العجب حتى الخز يلبس زيد ، وجوز جره الكسائي (و) الفراء ، ومنعوا أيضا الجر فيما إذا تلا الاسم بعدها جملة اسمية وما بعدها غير شريك لما قبلها في المعنى (نحو ضربت القوم حتى زيد فتركت) ، وحتى زيد أبوه مضروب ، وجوز جره الكوفية (و) منع (الكوفية) الجر فيما إذا تلا الاسم الذي بعدها فعل عامل في ضميره نحو : ضربت القوم (حتى زيد ضربته) وقالوا : لا يجوز حتى يقال : فضربته ، وجوزه البصرية فيهما ، وجوزوا في الأول أيضا العطف والابتداء (و) منع (الكل) الجر فيما إذا تلاه اسم مفرد نحو : ضربت القوم (حتى زيد مضروب) ، وأوجبوا الابتداء وجوزوهما ، والعطف فيما إذا تلاه ظرف أو مجرور نحو : القوم عندك حتى زيد عندك ، والقوم في الدار حتى زيد في الدار ، أو جملة اسمية وما بعدها شريك لما قبلها في المعنى نحو : ضربت القوم حتى زيد هو مضروب ، وجوزوا الجر والعطف فيما إذا تلاه فعل عامل في ضمير ما قبل حتى نحو : ضربت القوم حتى زيد ضربتهم ، فإن كان في ضميره وهو غير شريك فالابتداء والحمل على الإضمار نحو : ضربت القوم حتى زيد ضربت أخاه ، وأوجبوا العطف فيما إذا قامت عليه قرينة نحو : ضربت القوم حتى زيدا أيضا ، فأيضا تدل على إرادة تكرر الفعل وهذا المعنى لا يعطيه إلا العطف ، كأنك قلت : ضربت القوم حتى ضربت زيدا أيضا.

(وزعم الفراء الجر) بحتى (نيابة) عن إلى لا بنفسها كما جرت الواو نيابة عن رب ، قال : وربما أظهروا (إلى) في بعض المواضع ، قالوا : جاء الخبر حتى إلينا ، جمعوا بينهما بتقدير إلغاء أحدهما ، كما جمعوا بين اللام وكي ، (وتكون) حتى (حرف ابتداء) أي : حرفا تبتدأ بعده الجمل ، أي : تستأنف ، وحينئذ (تليه الجملتان) الاسمية كقول جرير :

١٠٦١ ـ فما زالت القتلى تمجّ دماءها

بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

وقول الفرزدق :

__________________

١٠٦١ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٣ ، وتقدم الشاهد برقم (٩٦٩).

٢٧٣

١٠٦٢ ـ فوا عجبا حتى كليب تسبّني

والفعلية المضارعة كقراءة نافع : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤] ، والماضية نحو : (حَتَّى عَفَوْا) [الأعراف : ٩٥] ، والمصدرة بشرط نحو : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) [النساء : ٦] ، (خلافا لابن مالك في زعمه) أنها (جارة قبل) الفعل (الماضي) بإضمار (أن) بعدها على تأويل المصدر.

قال أبو حيان : وقد وهم في ذلك. وقال ابن هشام : لا أعرف له في ذلك سلفا ، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة ، (و) خلافا (له وللأخفش) أبي الحسن (في) زعمهما (أنها) جارة (قبل إذا) ، وأن إذا في موضع جر بها ، والجمهور على أنها حينئذ ابتدائية ، وإذا في موضع نصب بشرطها أو جوابها ، قال أبو حيان : وليس معنى قولهم حرف ابتداء أنه يصحبها المبتدأ دائما ، بل معناه أنها بصدد أن يقع بعدها المبتدأ كما قالوا : هل وبل ولكن من حروف الابتداء ، وإن كان يقع بعدها غير المبتدأ ، وإنما المعنى أنها تصلح أن يقع بعدها المبتدأ ، وما تقدم في تفسيره أخذا من ابن هشام في «المغني» أولى وأقعد ، ثم قال : قال بعض شيوخنا : ضابط حتى أنها إذا وقع بعدها اسم مفرد مجرور أو مضارع منصوب فحرف جر ، واسم مرفوع أو منصوب فحرف عطف ، أو جملة فحرف ابتداء ، وتقدم في باب الحال أنه لا محل لهذه الجملة على الأصح.

(مسألة : متى دلت قرينة على دخول الغاية) أي : التي بعد إلى وحتى في حكم ما قبلها ، (أو) على (عدمه) أي : عدم دخوله فواضح أنه يعمل به ، فالأول نحو : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، وبعتك الحائط من أوله إلى آخره ، دل ذكر الآخر وجعله غاية على الاستيفاء (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ، دلت السنة على دخول المرافق في الغسل.

١٠٦٣ ـ ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتى نعله ألقاها

__________________

١٠٦٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤١٩ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤١٤ ، ٩ / ٤٧٥ ، ٤٧٦ ، ٤٧٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢ ، ٣٧٨ ، وشرح المفصل ٨ / ١٨ ، والكتاب ٣ / ١٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٩ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٨١ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٢ ، والمتقضب ٢ / ٤١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٢٧.

١٠٦٣ ـ البيت من الكامل ، وهو للمتلمس في ملحق ديوانه ص ٣٢٧ ، وشرح شواهد المغني ١٠ / ٣٧٠ ، ولأبي (أو لابن) مروان النحوي في خزانة الأدب ٣ / ٢١ ، ٢٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤١ ، والكتاب ١ / ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٤ ، ولمروان بن سعيد في معجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٥٢.

٢٧٤

والثاني نحو : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] ، دل النهي عن الوصال على عدم دخول الليل في الصوم ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] فإن الغاية لو دخلت هنا لوجب الإنظار حال اليسار أيضا وذلك يؤدي إلى عدم المطالبة وتفويت حق الدائن.

١٠٦٤ ـ سقى الحيا الأرض حتى أمكن عزبت

لهم فلا زال عنها الخير مجذوذا

دل على عدم الدخول دعاء الشاعر على ما بعد حتى بانقطاع الخير عنه ، (وإلا) أي : وإن لم تقم قرينة تدل على الدخول ولا عدمها (فثالثها) أي : الأقوال (وهو الأصح) ورأي الجمهور (تدخل مع حتى دون إلى) حملا على الغالب في البابين ؛ لأن الأكثر مع القرينة عدم الدخول في (إلى) ، والدخول في (حتى) فوجب الحمل عليه عند التردد ، وأولها يدخل فيهما ، وثانيهما لا فيهما واستدل القولان في استواء حتى وإلى بقوله تعالى (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) [الصافات : ١٤٨] ، وقرأ ابن مسعود : عتى حين.

(ورابعها يدخل معهما) أي : مع إلى وحتى (إن كان من الجنس) و (لا) يدخل (إن لم يكن) نحو : إنه لينام الليل حتى الصباح أو إلى الصباح نقله أبو حيان في حتى عن الفراء والرماني وجماعة وابن هشام في إلى غير المسمى قائله ، وهو قول الأندلسي فيما نقله الرضي.

(فإن كانت حتى عاطفة دخلت وفاقا) نحو : أكلت السمكة حتى رأسها. قال ابن هشام : ووهم من ادعى الاتفاق في دخول الغاية في حتى مطلقا ، وإنما هو في العاطفة ، والخلاف في الخافضة مشهور ، قال : والفرق أن العاطفة بمنزلة الواو.

رب

(رب) بضم الراء وتشديد الباء وفتحها (ويقال رب) بفتح الراء (وربت) بضمها (وربت) بالضم وفتح الباء والتاء (وربت) بسكون التاء (وربت) بفتح الثلاثة (وربت) بفتح الأولين وسكون التاء (وتخفيف) الباء في هذه (السبعة وربتا) بالضم وفتح الباء المشددة (ورب) بالضم وبالسكون (ورب) بالفتح والسكون فهذه سبع عشرة لغة حكاها ما عدا (ربتا) ابن هشام في «المغني» ، وحكى ابن مالك منها عشرا ، وزاد أبو حيان (ربتا) وزعم أبو

__________________

١٠٦٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧١ ، والقافية في هذه المصادر : «محدودا» مكان «مجذوذا» ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٨٨.

٢٧٥

الحسن علي (بن فضال) المجاشعي في كتاب «الهوامل والعوامل (أنها ثنائية الوضع) ساكنة الثاني كهل وبل وقد ، (وأن فتح التاء مخففة دون الباء ضرورة) لا لغة (وأن فتح الراء مطلقا) أي : في الجميع مشددا ومخففا مع التاء ودونها (شاذ) ، والجمهور على أنها ثلاثية الوضع وأن التخفيف المذكور وفتح الراء لغة معروفة.

(و) زعم (الكوفية وابن الطراوة أنها اسم) مبني ؛ لأنها في التقليل مثل (كم) في التكثير ، وهي اسم بإجماع ، وللإخبار عنها في قوله :

١٠٦٥ ـ إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك وربّ قتل عار

ف : (رب) عندهم مبتدأ ، و (عار) خبره ، قال : وتكون معمولة بجوابها كإذا فيبتدأ بها فيقال : رب رجل أفضل من عمرو ، ويقع مصدرا كرب ضربة ضربت ، وظرفا كرب يوم سرت ، ومفعولا به كرب رجل ضربت ، واختار الرضي أنها اسم ؛ لأن معنى رب رجل في أصل الوضع قليل في هذا الجنس ، كما أن معنى كم رجل كثير من هذا الجنس ، لكن قال : إعرابه أبدا رفع على أنه مبتدأ لا خبر له كما اختاره في قولهم : أقل رجل يقول ذلك إلا زيدا ؛ لتناسبهما في معنى القلة ، قال : فإن كفت ب : (ما) فلا محل لها حينئذ ؛ لكونها كحرف النفي الداخل على الجملة ، ومنع ذلك البصريون بأنها لو كانت اسما لجاز أن يتعدى إليها الفعل بحرف الجر ، فيقال : برب رجل عالم مررت ، وأن يعود عليها الضمير ويضاف إليها ، وذلك وجميع علامات الاسم منتفية عنها ، وأجيب عن البيت الأول بأن المعروف وبعض قتل عار وإن صحت تلك الرواية فعار خبر محذوف ، أي : هو عار كما صرح به في قوله :

١٠٦٦ ـ يا ربّ هيجا هي خير من دعه

والجملة صفة المجرور أو خبره ؛ إذ هو في موضع مبتدأ ، قال أبو علي : ومن الدليل على أنها حرف لا اسم أنهم لم يفصلوا بينها وبين المجرور كما فصلوا بين كم وبين ما تعمل فيه ، وفي مفادها أقوال :

__________________

١٠٦٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لثابت بن قطنة في ديوانه ص ٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٣.

١٠٦٦ ـ الرجز للبيد في ديوانه ص ٣٤٠ ، والأغاني ١٥ / ٢٩٥ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤٤٩ ، ومجمع الأمثال ٢ / ١٠٣ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٣ / ٦٧ ٥٨٢ ، ٥٨٧ ، وشرح الرضي ٤ / ٢٩١ ، ٢٩٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٩٦.

٢٧٦

أحدها : أنها للتقليل دائما وهو قول الأكثر ، قال في «البسيط» : كالخليل وسيبويه وعيسى بن عمر ويونس وأبي زيد وأبي عمرو بن العلاء وأبي الحسن الأخفش والمازني وابن السراج والجرمي والمبرد والزجاج والزجاجي والفارسي والرماني وابن جني والسيرافي والصيمري ، وجملة الكوفيين كالكسائي والفراء وابن سعدان وهشام ، ولا مخالف لهم إلا صاحب «العين» انتهى.

ثانيها : للتكثير دائما ، وعليه صاحب «العين» وابن درستويه وجماعة ، وروي عن الخليل.

ثالثها : وهو (المختار) عندي (وفاقا للفارابي) أبي نصر وطائفة (أنها للتقليل غالبا والتكثير نادرا).

(ورابعها : عكسه) أي : للتقليل قليلا وللتكثير كثيرا ، جزم به في «التسهيل» ، واختاره ابن هشام في «المغني».

(وخامسها :) موضوعة (لهما) من غير غلبة في أحدهما ، نقله أبو حيان عن بعض المتأخرين.

(وسادسها : لم توضع لواحد) منهما ، بل هي حرف إثبات لا يدل على تكثير ولا تقليل ، وإنما يفهم ذلك من خارج واختاره أبو حيان.

(وسابعها :) أنها (للتكثير في) موضع (المباهاة) والافتخار ، وللتقليل فيما عدا ذلك ، وهو قول الأعلم وابن السيد.

(وقيل :) هي (لمبهم العدد) تكون تقليلا وتكثيرا ، قاله ابن الباذش وابن طاهر ، فهذه ثمانية أقوال حكاها أبو حيان في شرح «التسهيل» ، ومن ورودها للتكثير قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : ٢] ، فإنه يكثر منهم تمني ذلك ، وحديث البخاري : «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» (١) ، ومن مواضع الفخر قول عمارة بن عقيل :

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب تحريض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صلاة الليل ... (١١٢٦) ، والترمذي ، كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (٢١٩٦).

٢٧٧

١٠٦٧ ـ فإن تكن الأيّام شيّبن مفرقي

وأكثرن أشجاني وفلّلن من غربي

فيا ربّ يوم قد شربت بمشرب

شفيت به عني الصدى بارد عذب

وقول الآخر :

١٠٦٨ ـ فيا رب يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنها خطّ تمثال

ومن ورودها للتقليل :

١٠٦٩ ـ ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

وذي شامة غرّاء في حرّ وجهه

مجلّلة لا تنقضي لأوان

أراد عيسى وآدم والقمر ، (وتصدر) وجوبا (غالبا) قال أبو حيان : والمراد تصديرها على ما تتعلق به فلا يقال : لقيت رب رجل عالم ، لا أول الكلام فقد وقعت خبرا ل : (إن) و (أن) المخففة من الثقيلة ، وجوابا (للو) قال :

١٠٧٠ ـ أماويّ إنّي ربّ واحد أمّه

ملكت فلا أسر لديّ ولا قتل

وقول الآخر :

١٠٧١ ـ تيقّنت أن ربّ أمرىء خيل خائنا

أمين وخوّان يخال أمينا

__________________

١٠٦٧ ـ البيتان من الطويل ، وهما لعمارة بن عقيل في ديوانه ص ٩٠ ، القصيدة ٩٣ ، تفرد بهما السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٩.

١٠٦٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، ٣٩٣ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ١٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٥ ، والمقرب ١ / ١٩٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤١.

١٠٦٩ ـ البيتان من الطويل ، وهما لرجل من أزد السراة في شرح التصريح ٢ / ١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٢ ، وتقدم الشاهدان برقم (١٢٨).

١٠٧٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٠١ ، والأغاني ١٧ / ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢١٠ ، ٢١١ ، ولسان العرب ٣ / ٤٤٩ ، مادة (وحد) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٦٧ ، ورواية عجز البيت :

تركت فلا قتل عليه ولا أسر

انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٨٢.

١٠٧١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٦٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٥٣٥).

٢٧٨

وقال :

١٠٧٢ ـ ولو علم الأقوام كيف خلفتهم

لربّ مفدّ في القبور وحامد

قال شيخنا الإمام الشمني : ويحتمل أن يعد ذلك ضرورة.

(ولا تجر غير نكرة) معها معربا كان أو مبنيا كقوله :

١٠٧٣ ـ ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

 (خلافا لبعضهم) في تجويز جرها المعرف بأل محتجا بقوله :

١٠٧٤ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيح بينهن المهار

بجر الجامل ، وأجاب الجمهور بأن الرواية بالرفع وإن صحت بالجر خرج على زيادة (أل) ، ولأنها إما للقلة أو للكثرة وغير النكرة لا يحتملها ؛ لأن المعرفة إما للقلة فقط كالمفرد والمثنى ، أو للكثرة فقط كالجمع ، وما لا يحتملها لا يحتاج إلى علامة يصير بها نصا.

(وفي وجوب نعته) أي : مجرورها (خلف) فقال المبرد وابن السراج والفارسي والعبدي وأكثر المتأخرين وعزي للبصريين : يجب ؛ لأن (رب) أجريت مجرى حرف النفي حيث لا تقع إلا صدرا ، ولا يتقدم عليها ما يعمل في الاسم بعدها ، بخلاف سائر حروف الجر ، وحكم حرف النفي أن يدخل على جملة فالأقيس في مجرورها أن يوصف بجملة لذلك.

وقد يوصف بما يجري مجراها من ظرف أو مجرور أو اسم فاعل أو مفعول ، وجزم به ابن هشام في «المغني» ، واختاره الرضي.

وقال الأخفش والفراء والزجاج وأبو الوليد الوحشي وابن طاهر وابن خروف : لا

__________________

١٠٧٢ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٦ / ٢٧١.

١٠٧٣ ـ البيت من الرمل ، وهو لسويد بن أبي كاهل في الأغاني ١٣ / ٩٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٠ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٠٢).

١٠٧٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٣١٦ ، والأزهية ص ٩٤ ، ٢٦٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٦ ، ٥٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٥ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٩ ، ٣٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٣٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٢٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٧١ ، والجنى الداني ص ٤٤٨ ، ٤٥٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٦.

٢٧٩

يجب وتضمنها القلة أو الكثرة يقوم مقام الوصف ، واختاره ابن مالك وتبعه أبو حيان ومنع كونها لا تقع إلا صدرا بما تقدم ، وكون ما يعمل فيما بعدها لا يتقدم مقتضيا لشبهها بحرف النفي بأن لنا ما لا يتقدم على المجرور الذي يتعلق به ، ولا يلزم أن يكون جاريا مجرى النفي نحو : بكم درهم تصدقت على الخبرية.

(ويجر مضافا إليه ضمير مجرورها معطوفا) عليه (بالواو) خاصة نحو : رب رجل وأخيه رأيت ، وسوغ ذلك كون الإضافة غير محضة فلم تفد تعريفا ، وقال الجزولي : لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، قال الرضي : ولو كان كذلك لجاز رب غلام والسيد ، ولا يجوز ذلك في غير العطف من التوابع ، ولا في العطف بغير الواو.

(وفي القياس) في المعطوف بالواو (خلف) فأجازه الأخفش ، واختاره ابن مالك وأبو حيان ، وقصره سيبويه على المسموع ، أما ما حكاه الأصمعي من مباشرة (رب) للمضاف حيث قال لأعرابية : ألفلان أب أو أخ؟ فقالت : (رب أبيه ورب أخيه) تريد رب أب له ورب أخ له تقديرا للانفصال ؛ لكون أب وأخ من الأسماء التي يجوز الوصف بها ، فلا يقاس عليه اتفاقا (وتجر ضميرا) ويجب كونه (مفردا مذكرا) وإن كان المميز مثنى أو جمعا أو مؤنثا ، وكونه (يفسره نكرة منصوبة) مطابقة للمعنى الذي يقصده المتكلم (تليه) غير مفصولة عنه فيقال : ربه رجلا ، وربه رجلان ، وربه رجالا ، وربه امرأة ، وربه امرأتين ، وربه نساء ، قال :

١٠٧٥ ـ ربه امرأ بك نال أمنع عزّة

وغنى بعيد خصاصة وهوان

قال أبو حيان : وسمع جره في قوله :

١٧٠٦ ـ وربّه عطب أنقذت من عطبه

على نية (منه) وهو شاذ.

(وجوز الكوفية مطابقته) إلى الضمير لها ، أي : النكرة المفسرة في التثنية والجمع والتأنيث قياسا وسماعا ، قال :

__________________

١٠٧٥ ـ البيت من الكامل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٢٦.

١٠٧٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٧ ، وتقدم برقم ١٨١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٠.

٢٨٠