همع الهوامع - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

والشمس طالعة ، وفر من جعلها حالا ؛ لأنها لا تنحل إلى مفرد يبين هيئة فاعل ولا مفعول ، ولا هي مؤكدة ، وأجيب بأنها مؤولة بالحال السببية ، أي : جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه ، وقيل : تؤول بمنكر أو نحوه.

أقسام المفعول معه :

(ص) ويجب العطف بعد مفرد خلافا للصيمري ، وثالثها يجوز إن أول بجملة ، والنصب بعد ضمير متصل لم يؤكد وهو في نحو : ما لك وزيدا ب : (كان) مضمرة قبل الجار ، أو بمصدر (لابس) بعد الواو ، وقال السيرافي : ب : (لابس) فإن كان منفصلا أو ظاهرا رجح العطف ، وأوجبه بعضهم ، وقد ينصب بعد (ما) و (كيف) بمقدر وهو (كان) ناقصة ، وقيل : تامة ، وقدر سيبويه مع (ما) (كنت) و (كيف) تكون ، فقال ابن ولاد : متعين وفرق ، والسيرافي لا ، ورجح النصب إن خيف فوات المعية ، فإن لم يصلح الفعل لها جاز إضمار صالح ، فإن لم تحسن (مع) وجب ، وقيل : تضمن معنى يتسلط به ، ويستويان في مضمر أكد نحو : رأسه والحائط من كل متعاطفين بإضمار الفعل.

(ش) مسائل هذا الباب بالنسبة إلى العطف والمفعول معه خمسة أقسام :

الأول : ما يجب فيه العطف ولا يجوز النصب على المفعول معه ، وذلك شيئان :

أحدهما : ألا يتقدم الواو إلا مفرد نحو : أنت ورأيك ، وكل رجل وضيعته ، والرجال وأعضادها ، والنساء وأعجازها ، هذا قول الجمهور ، وجوز الصيمري فيه النصب بلا تأويل ، وجوز بعضهم فيه النصب على تأويل ما قبل الواو أنه جملة حذف ثاني جزأيها ، والتقدير كل رجل كائن وضيعته.

والثاني : أن يتقدم الواو جملة غير متضمنة معنى فعل نحو قولك : أنت أعلم ومالك ، والمعنى بمالك ، وهو عطف على (أنت) ، ونسبة العلم إليه مجاز.

الثاني : ما يجب فيه النصب ولا يجوز فيه العطف ، وذلك أن تتقدم الواو جملة اسمية أو فعلية متضمنة معنى الفعل ، وقبل الواو ضمير متصل مجرور أو مرفوع لم يؤكد بمنفصل نحو : ما لك وزيدا ، وما شأنك وزيدا ، وما صنعت وأباك ، فيتعين النصب على المفعول معه ، ولا يجوز العطف ؛ لامتناعه إلا في الضرورة ، والنصب في الاسمية (بكان مضمرة) قبل الجار وهو اللام ، وشأن ، أي : ما كان شأنك وزيدا ، أو بمصدر لابس منويا بعد

١٤١

الواو ، أي : ما شأنك وملابسة زيدا ، أو ملابستك زيدا كذا نص عليه سيبويه ، قال أبو حيان نقلا عن شيخه ابن الضائع : وهكذا تقدير معنى الإعراب ؛ لأنه عند سيبويه مفعول معه ، وتقدير الملابسة مفعولا به لا مفعولا معه ، وقال السيرافي وابن خروف : المقدر فعل وهو (لابس) ؛ لأن المصدر لا يعمل مقدرا.

الثالث : ما يختار فيه العطف مع جواز النصب ، وذلك أن يكون المجرور في الصورة السابقة ظاهرا أو ضمير المرفوع منفصلا نحو : ما شأن عبد الله وزيد ، وما أنت وزيد ، فالأحسن جر زيد في الأول ورفعه في الثاني ؛ لإمكان العطف وهو الأصل ، ويجوز فيه النصب مفعولا معه ، ومنعه بعض المتأخرين كابن الحاجب ورد بالسماع قال :

٨٧٧ ـ وما أنت والسّير في متلف

وسمع ما أنت وزيدا ، وكيف أنت وزيدا ، وكيف أنت وقصعة من ثريد ، قال سيبويه : أي : ما كنت وزيدا ، وكيف تكون وقصعة من ثريد ؛ لأن (كنت) و (تكون) يقعان هنا كثيرا ، انتهى.

قال الفارسي وغيره : و (كان) هذه المضمرة تامة ؛ لأن الناقصة لا تعمل هنا ، فكيف حال دون هنا؟ واختاره الشلوبين ، وقال أبو حيان : الصحيح أنها الناقصة وأنها تعمل هنا فكيف خبرها؟ وكذا (ما) ، واختلف في تقدير سيبويه مع (ما كنت) ومع (كيف تكون) ، أذلك مقصود لسيبويه أم لا؟ فقال السيرافي : هو غير مقصود ولو عكس لأمكن ، ورد المبرد على سيبويه وقال : يصلح في كل منهما الماضي والمستقبل ، وتابعه ابن طاهر ، ورد ابن ولاد على المبرد وقال : إنه لا يجوز إلا ما قدره سيبويه ؛ لأن (ما) دخلها معنى التحقير والإنكار ؛ إذ يقال لمن أنكر عليه مخالطة زيد أو ملابسته : ما أنت وزيدا لا لمن يقع منه ذلك ، ولا ينكر إلا ما ثبت واستقر دون ما لم يقع ، وليست لمجرد الاستفهام ، وأما كيف فعلى بابها من الاستفهام ، والمعنى : كيف تكون إذا وقع كذا ، أي : على أيّ حال ؛ لكون الاستفهام إنما يكون عن المستقبل.

__________________

٨٧٧ ـ البيت من المتقارب ، وهو لأسامة بن الحارث في شرح أشعار الهذليين ص ١٢٨٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩٣ ، وللهذلي في اللسان مادة (عبر) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٢٤ ، ٢ / ١٣٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٠٤ ، والكتاب ١ / ٢٠٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٨٧ ، وفي نسخة (فما أنا) بدلا من (وما أنت).

١٤٢

الرابع : ما يختار فيه النصب مع جواز العطف ، وذلك أن يجتمع شروط العطف ، لكن يخاف منه فوات المعية المقصودة نحو : لا تغتذ بالسمك واللبن ، ولا يعجبك الأكل والشبع ، أي : مع اللبن ومع الشبع ؛ لأن النصب يبين مراد المتكلم والعطف لا يبينه ، وكذا إذا كان فيه تكلف من جهة المعنى نحو :

٨٧٨ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال

فإن العطف وإن حسن من حيث اللفظ لكنه يؤدي إلى تكلف في المعنى ؛ إذ يصير التقدير : كونوا أنتم وليكونوا هم ، وذلك خلاف المقصود ، فإن لم يصلح الفعل للتسلط على تالي الواو امتنع العطف عند الجمهور ، وجاز النصب على المعية وعلى إضمار الفعل الصالح نحو : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] ، لا يجوز أن يجعل (وَشُرَكاءَكُمْ) معطوفا ؛ لأن (أجمع) لا ينصب إلا الأمر والكيد ونحوهما ، فأما أن يجعل مفعولا معه أو مفعولا ب : (أجمعوا) مقدرا ، ومثله (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] ، فالإيمان مفعول معه أو مفعول ب : (اعتقدوا) مقدرا فإن لم يحسن والحالة هذه (مع) موضع (الواو) تعين الإضمار ، وامتنع المفعول معه أيضا كقوله :

٨٧٩ ـ وزجّجن الحواجب والعيونا

لأن (زججن) غير صالح للعمل في العيون ، وموضع الواو غير صالح ل : (مع) فيقدر (وكحلن) ، وذهب جماعة منهم أبو عبيدة والأصمعي وأبو محمد اليزيدي والمازني والمبرد إلى جواز العطف على الأول بتضمين العامل معنى يتسلط به على المتعاطفين ، واختاره الجرمي وقال : يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد نحو : أكلت خبزا ولبنا ، فيضمّن وزجّجن معنى حسّنّ.

الخامس : ما يجوز فيه العطف والمفعول معه على السواء ، وذلك إذا أكد ضمير الرفع المتصل نحو : ما صنعت أنت وأباك ، ونحو : رأسه والحائط ، أي : (خل) أو (دع) ، وشأنك والحج ، أي : عليك بمعنى الزم ، وامرأ ونفسه ، أي : (دع) ، وذلك مقيس في كل

__________________

٨٧٨ ـ تقدم الشاهد برقم (٨٧٤).

٨٧٩ ـ البيت من الوافر ، وهو للراعي النميري في ديوانه ص ٢٦٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٥ ، واللسان والتاج وأساس البلاغة (زجج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١٢ ، ٧ / ٢٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٦١٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٤٣٢ ، وتذكرة النحاة ص ٦١٧ ، وحاشية ياسين ١ / ٤٣٢ ، والخصائص ٢ / ٤٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٨.

١٤٣

متعاطفين على إضمار فعل لا يظهر ، فالمعية في ذلك والعطف جائزان ، والفرق بينهما من جهة المعنى أن المعية يفهم منها الكون في حين واحد دون العطف ؛ لاحتماله مع ذلك التقدم والتأخر ، قال أبو حيان : وفي تمثيل سيبويه بهذه الأمثلة رد على من يعتقد أن المفعول معه لا يكون إلا مع الفاعل.

(ص) ويطابق الأول خبر وحال بعده ، وأوجبه ابن كيسان.

(ش) إذا وقع بعد المفعول معه خبر لما قبله أو حال طابق ما قبله نحو : كان زيد وعمرا متفقا ، وجاء البرد والطيالسة شديدا ، ويجوز عدم المطابقة لما قبل بأن تثني نحو : كان زيد وعمرا متفقين ، وجاء البرد والطيالسة شديدين ، ومنع ذلك ابن كيسان ، وأوجب المطابقة للأول قال أبو حيان : وإياه نختار ؛ لأن باب المفعول معه باب ضيق ، وأكثر النحويين لا يقيسونه فلا ينبغي أن نقدم على إجازة شيء من مسائله إلا بسماع من العرب.

المستثنى :

(ص) المستثنى هو المخرج ب : (إلا) أو إحدى أخواتها بشرط الإفادة ، فإن كان بعضا فمتصل ، وإلا فمنقطع يقدّر ب : (لكن) ، وقال الكوفية : بسوى ، وابن يسعون : (إلا) فيه مع ما بعدها كلام مستأنف ، ولا يستثنى بفعل ، فإن حذف المستثنى منه فله مع (إلا) ما له مع سقوطها ، ولا يكون بعد مصدر مؤكد قطعا ، ولا في غير نفي وشبهه في الأصح ، وفي لازمه ك : (لو لا) ولو خلف ، وجوز الزجاج الإبدال في التحضيض ، وقوم : نصب ما قام إلا زيدا ، وإن ذكر نصب ب : (إلا) أو ب : (ما) قبلها أو به بواسطتها ، أو بأن مقدرة بعدها ، أو بأن مخففة من أن ركبت إلا منها ، ومن (لا) ، أو بخلافه للأول ، أو (بأستثني) ، أقوال ، فإن كان متصلا مؤخرا منفيا أو كمنفي اختير إتباعه بدلا ، وقال الكوفية : عطفا ، ولا يشترط إفراد المستثنى منه ، ولا عدم صلاحيته للإيجاب ، ولا في نصبه تعريف المستثنى منه ، ولا يختار النصب في متراخ ، ولا مردود به متضمن الاستثناء ، خلافا لزاعميها ، فإن توسط بين المستثنى منه وصفته فكذلك ، وقيل : النصب راجح ، وقيل : مساو ، وقيل : واجب ، وإتباع منقطع صح إغناؤه ، ومتصل متقدم وموجب لغة ، وهل المتقدم بدل أو مبدل أو يقاس؟ خلف.

ولا يتبع مجرور بزائد واسم لا التبرئة على اللفظ وجوزه الكوفية في نكرة لمجرور ب : (من) ، والأخفش : ومعرفة ، وإن عاد قبل صالح للإتباع على مبتدأ ، أو

١٤٤

منسوخ بغير زال وأخواته ضمير خبر ، أو وصف ، قال أبو حيان : أو حال أتبع العائد جوازا ، وصاحبه اختيارا ، وكذا مضاف ومضاف إليه.

(ش) عبرت بالمستثنى كابن مالك في «التسهيل» خلاف تعبير النحاة سيبويه فمن بعده بالاستثناء ؛ لأن الباب للمنصوبات والمستثنى أحدها ، لا الاستثناء كما ترجم في بقية الأبواب بالمفعول والحال دون المفعولية والحالية ، قال أبو حيان : أجرى ابن مالك الباب على ما قبله من المفعول معه ، فكما بوب لما بعد واو (مع) بالمفعول معه كذلك بوب لما بعد (إلا) وشبهها بالمستثنى.

وحدّه : المخرج بإلا أو إحدى أخواتها تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك بشرط الفائدة.

فالمخرج شامل لجميع المخصصات ، وبإلا يخرج ما عدا المستثنى منها ، وتحقيقا هو المتصل ، فإن بعض المخرج منه نحو : قام إخوانك إلا زيدا ، وتقديرا هو المنقطع نحو : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧] ، فإن الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا ؛ لأنه ليس بعضه فهو في تقدير الداخل فيه ؛ إذ هو مستحضر بذكره ؛ لقيامه مقامه في كثير من المواضع ، فهو حين استثني مخرج مما قبله تقديرا ، ومن هذا القبيل : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] إذا لحظ في الإضافة معنى الإخلاص ، (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣](وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] ؛ لأن السابق زمانه لا يصح دخوله ، ومثال المذكور ما تقدم والمتروك ما ضربت إلا زيدا ، أي : أحدا.

وقولنا : «بشرط الفائدة» لبيان أن النكرة لا يستثنى منها في الموجب ما لم تفد ، فلا يقال : جاء قوم إلا رجلا ، ولا قام رجال إلا زيدا ؛ لعدم الفائدة ، فإن أفاد جاز ، نحو :(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤] ، وقام رجال كانوا في دارك إلا رجلا ، والفائدة حاصلة في النفي للعموم نحو : ما جاءني أحد إلا رجلا أو إلا زيدا ، وكذا لا يستثنى من المعرفة النكرة التي لم تخصص نحو : قام القوم إلا رجلا ، فإن تخصصت جاز نحو : قام القوم إلا رجلا منهم.

ثم المنقطع يقدر عند البصريين ب : (لكن) المشددة ؛ لأنه في حكم جملة منفصلة عن الأولى ، فقولك : ما في الدار أحد إلا حمارا في تقدير لكن فيها حمارا ، على أنه استدراك مخالف ما بعد (لكن) فيه ما قبلها ، غير أنهم اتسعوا فأجروا (إلا) مجرى (لكن) ، ولما

١٤٥

كانت لا يقع بعدها إلا المفرد ، بخلاف (لكن) فإنه لا يقع بعدها إلا كلام تام لقبوه بالاستثناء تشبيها بما إذا كانت استثناء حقيقة ، وتفريقا بينها وبين لكن ، والكوفيون يقدرونه ب : (سوى) ، وقال قوم منهم أبو الحجاج وابن يسعون : إلا مع الاسم الواقع بعدها في المنقطع يكون كلاما متسأنفا ، وقال في نحو قوله :

٨٨٠ ـ وما بالرّبع من أحد

إلّا الأواريّ ...

(إلا) فيه بمعنى لكن ، والأواري اسم لها منصوب بها ، والخبر محذوف كأنه قال : لكن الأواري بالربع ، وحذف خبر إلا كما حذف خبر لكن في قوله :

٨٨١ ـ ولكنّ زنجيّا عظيم المشافر

قال أبو حيان : ولا يستوي المتصل والمنقطع في الأدوات ، فإن الأفعال التي يستثنى بها لا تقع في المنقطع ، لا تقول : ما في الدار أحد خلا حمارا.

ثم المستثنى منه تارة يكون محذوفا ، وتارة يكون مذكورا.

فالأول : يجري على حسب ما يقتضيه العامل قبله من رفع أو نصب أو جر بحرفه ؛ لتفريغه له ، ووجود (إلا) كسقوطها نحو : ما قام إلا زيد ، وما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد ، (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران : ١٤٤] ، وما في الدار إلا عمرو ، ولا يكون ذلك عند أكثر النحاة إلا في غير الموجب وهو النفي ، كما مثل والنهي والاستفهام نحو : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) [النساء : ١٧١] ، (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) [البقرة : ٨٣] ، (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٤٧] ، وجوز بعضهم وقوعه في الموجب أيضا نحو : قام إلا زيد ، وضربت إلا زيدا ، ومررت إلا بزيد ، والجمهور على منعه ؛ لأنه يلزم منه الكذب ؛ إذ تقديره ثبوت القيام والضرب والمرور بجميع الناس إلا زيدا وهو غير جائز ، بخلاف النفي فإنه جائز ، ولو كان الموجب لازما له نفي ك : (لو) و (لو لا) ، فذهب المبرد إلى

__________________

٨٨٠ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٤ ، والأغاني ١١ / ٢٧ ، والإنصاف ١ / ١٧٠ ، والخزانة ٢ / ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١١ / ٣٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩١ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٠ ، والكتاب ٢ / ٣٢١ ، واللسان مادة (أصل) ، واللمع ص ١٥١ ، والمقتضب ٤ / ٤١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥٢ ، ٢٦٩.

٨٨١ ـ تقدم الشاهد برقم (٥١٢).

١٤٦

جواز التفريغ نحو : لو لا القوم إلا زيدا لأكرمتك ، ولو كان معنا إلا زيد لأكرمتك ، وأباه غيره ؛ لأن التفريغ يدخل في الجملة الثابتة ، وأما الجواب الذي هو منفي فخارج عما دخلت فيه إلا ، وأجاز الزجاج الإبدال في التحضيض إجراء له مجرى النفي نحو : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨].

والتفريغ يكون في كل المعمولات من فاعل ومفعول به وغيره ، إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه ، ولذلك أولوا قوله تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية : ٣٢] على حذف الوصف ، أي : ظنا ضعيفا ، وأجاز الكسائي في نحو : ما قام إلا زيد مع الرفع على الفاعلية النصب على الاستثناء ، قال أبو حيان : وهو مبني على ما أجازه من حذف الفاعل ، وجوز أيضا بناء عليه الرفع على البدل من الفاعل المحذوف ، ووافق الكسائي على إجازة النصب طائفة واستدلوا بقوله :

٨٨٢ ـ لم يبق إلا المجد والقصائدا

غيرك يا ابن الأكرمين والدا

يروى بنصب (المجد) و (غير) ، أي : لم يبق أحد غيرك وأجيب ب : أن (غير) فاعل مرفوع والفتحة بناء لإضافته إلى مبني.

والثاني : وهو المستثنى من مذكور ينصب على التفصيل الآتي ، وفي ناصبه أقوال :

أحدها : أنه (إلا) ، وصححه ابن مالك وعزاه لسيبويه والمبرد ، واستدل بأنها مختصة بدخولها على الاسم وليست كجزء منه فعملت فيه ك : (إن) و (لا) التبرئة.

الثاني : أنه بما قبل (إلا) من فعل ونحوه ، من غير أن يعدى إليه بواسطة إلا ، وعزي لابن خروف ؛ لانتصاب (غير) به بلا واسطة إذا وقعت موقع إلا.

الثالث : أنه بما قبل (إلا) معدى إليه بواسطتها وعليه السيرافي وابن الباذش والفارسي وابن بابشاذ والرندي ، وعزاه الشلوبين للمحققين قياسا على المفعول معه ، فإن ناصبه الفعل بواسطة الواو ، ونسبه ابن عصفور لسيبويه ، واختاره ابن الضائع وفرقوا بينه وبين (غير) بأن ما بعد (إلا) مشبه بالظرف المختص الذي لا يصل فيه الفعل إلا بواسطة حرف الجر ،

__________________

٨٨٢ ـ تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٣.

١٤٧

و (غير) لإبهامها كالظرف المبهم يصل إليه الفعل بنفسه ، وقدح فيه بأنه قد لا يكون قبل إلا فعل نحو : القوم إخوتك إلا زيدا.

الرابع : أنه ب : (أنّ) مقدرة بعد (إلا) ، وعليه الكسائي فيما نقله السيرافي قال :التقدير إلا أنّ زيدا لم يقم.

الخامس : أنه ب : (إن) مخففة ركبت (إلا) منها ومن (لا) ، وعليه الفراء ، قال : ولهذا رفع من رفع تغليبا لحكم (لا) ، ومن نصب غلب حكم (إن).

السادس : أنه انتصب لمخالفة الأول ؛ لأن المستثنى موجب له القيام بعد نفيه عن الأول ، أو عكسه ، وعليه الكسائي فيما نقله ابن عصفور.

السابع : أنه ب : (أستثني) مضمرا ، وعليه المبرد والزجاج فيما نقله السيرافي ، ولم يترجح عندي قول منها فلذا أرسلت الخلاف ، وأقواها الثلاثة الأول والأخير.

وسواء في نصب المستثنى من المذكور المتصل والمنقطع الموجب وغيره نحو : قام القوم إلا زيدا ، وجاء القوم إلا حمارا ، وما قام أحد إلا زيدا ، وما في الدار أحد إلا حمارا ، لكن يختار الإتباع في المتصل المؤخر المنفي وشبهه نحو : ما قام أحد إلا زيد ، وما ضربت أحدا إلا زيدا ، وما مررت بأحد إلا زيد ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران ١٣٥] ، (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦] ، (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦] ، وهو بدل عند البصريين بدل بعض من كل ؛ لأنه على نية تكرار العامل ، وعطف عند الكوفيين ، و (إلا) عندهم حرف عطف ؛ لأنه مخالف للأول ، والمخالفة لا تكون في البدل ، وتكون في العطف ب : (بل) و (لا) و (لكن).

وأجيب بأن المخالفة واقعة في بدل البعض ؛ لأن الثاني فيه مخالف للأول في المعنى ، وقد قالوا : مررت برجل لا زيد ولا عمرو ، وهو بدل لا عطف ؛ لأن من شرط (لا) العاطفة ألا تكرر ، وقال ابن الضائع : لو قيل إن البدل في الاستثناء قسم على حدته ليس من تلك الأبدال التي عينت في باب البدل ، لكان وجها وهو الحق ، وحقيقة البدل هنا أنه يقع موقع الأول ويبدل مكانه ، انتهى.

وزعم بعض النحويين أن الإتباع يختص بما يكون فيه المستثنى منه مفردا ، وقد رد عليه سيبويه بقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [النور : ٦] ، (فشهداء) جمع

١٤٨

وقد أبدل منه ، وشرط بعض القدماء للإتباع عدم صلاحية المستثنى منه للإيجاب كأحد ونحوه ، ورد بالسماع قال تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦].

وشرط الفراء لجواز النصب فيما اختير فيه الإتباع أن يكون المستثنى منه معرفة ، ورد بالسماع قال تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود : ٨١] ، فيمن نصب ، وحكى سيبويه ما مررت بأحد إلا زيدا ، وما أتاني أحد إلا زيدا ، واختار ابن مالك النصب في المتراخي نحو : ما ثبت أحد في الحرب ثباتا نفع الناس إلا زيدا ، ولا تنزل على أحد من بني تميم إن وافيتهم إلا قيسا ، قال : لأنه قد ضعف التشاكل بالبدل لطول الفصل بين البدل والمبدل منه ، قال أبو حيان : وهذا الذي ذكره لم يذكره أصحابنا ، واختار ابن مالك أيضا النصب فيما ورد به كلام تضمن الاستثناء ، كقول القائل : قاموا إلا زيدا ، وأنت تعلم أن الأمر بخلافه فتقول : ما قام القوم إلا زيدا فتنصب ولا ترفع ؛ لأنه غير مستقل والبدل في حكم الاستقلال ، قال أبو حيان : وهذا أيضا لم يذكره أصحابنا ، إلا أن ابن عصفور حكى نحوه عن ابن السراج ورده ، وإذا أتبع المجرور ب : (من) أو الباء الزائدتين أو اسم (لا) الجنسية تعين اعتبار المحل نحو : ما في الدار من أحد إلا زيد ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) [:] ، وليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به ، ولا إله إلا الله.

وإنما لم يجز الإتباع على اللفظ ؛ لأنها لا تعمل في المعرفة سوى الباء ، ولا في الموجب ، وأجازه الكوفيون في مجرور (من) إذا كان المستثنى نكرة ، وأجاز الأخفش ولو كان معرفة بناء على رأيه من جواز زيادة (من) في المعرفة والموجب وأنشد عليه قوله :

٨٨٣ ـ وما بالرّبع من أحد

إلّا الأواريّ ...

بالخفض ، وعلم من القيود أن المتصل والمنقطع المقدم والمؤخر الموجب لا يختار فيه الإتباع ، بل يجب النصب في الثلاثة في اللغة الشهيرة نحو : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧].

٨٨٤ ـ وما لي إلّا آل أحمد شيعة

__________________

٨٨٣ ـ تقدم البيت برقم (٨٨١).

٨٨٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في شرح هاشميات الكميت ص ٥٠ ، والإنصاف ١ / ٢٧٥ ، وتخليص الشواهد ص ٨٢ ، والخزانة ٤ / ٣١٤ ، ٣١٩ ، ٩ / ١٣٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٣٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٤١ ، وشرح قطر الندى ص ٢٤٦ ، واللسان مادة (شعب) ، واللمع ص ١٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٨.

١٤٩

(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٩] ، وفي لغة تميم يتبع المنقطع بشرط صحة إغنائه عن المستثنى منه نحو : ما في الدار أحد إلا زيد قال :

٨٨٥ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

وقد شبه سيبويه نصب المقدم بنعت النكرة إذا تقدم عليها فإنه ينتصب على الحال بعد إتباعه ، فإن لم يصح إغناؤه نحو : ما زاد إلا ما نقص ، وما نفع إلا ما ضر ، تعين نصبه عند جميع العرب ، وكذا إن تقدم نحو : ما في الدار إلا حمارا أحد ، وفي لغة يتبع المقدم ، حكى سيبويه : (ما لي إلا أبوك أحد) ، قال سيبويه : فيجعلون (أحد) بدلا ، وأبوك مبدلا منه ، ووجهه الأبدي بأن البدل لا يمكن تقديمه ، وقيل : هو بدل وهو في نية التأخير ، وقال ابن الصائغ : (أحد) بدل من (إلا) مع الاسم مجموعين وهو شبيه ببدل الشيء من الشيء ؛ لأن (ما قام إلا أبوك) في قوة ما قام غير أبيك أحد ، فيصح إطلاقه عليه.

قال ابن عصفور : ولا يقاس على هذه اللغة ، وقد قاسه الكوفيون والبغداديون وابن مالك ، ومن الوارد منه قوله :

٨٨٦ ـ إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع

وقوله :

٨٨٧ ـ فلم يبق إلّا واحد منهم شفر

أما المتوسط بين المستثنى منه وصفته نحو : ما جاءني أحد إلا زيدا خير منك ، وما قام القوم إلا زيدا العقلاء ، وما مررت بأحد إلا زيد خير منك ، فيجوز فيه الإتباع بدلا ،

__________________

٨٨٥ ـ الرجز لجران العود في ديوانه ص ٩٧ ، والخزانة ١٠ / ١٥ ، ١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٣ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٧ ، ٣ / ٢٧ ، ٧ / ٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٩١ ، والإنصاف ١ / ٢٧١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٦١ ، والجنى الداني ص ١٦٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٩.

٨٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٤١ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٦٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٩ ، ٢ / ١٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٠٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٠.

٨٨٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لتوبة بن مضرس في أساس البلاغة (شفر) ، والحماسة البصرية ١ / ٢٥١ ، وحماسة البحتري ص ٣٦٢ ، والتاج مادة (شفر) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٨٨ ، واللسان مادة (شفر) ، والمقرب ١ / ١٦٩ ، ويروى «فرد» مكان (شفر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٠.

١٥٠

والنصب على الاستثناء كالمتأخر ، والإتباع فيه هو المختار أيضا مثله ؛ للمشاكلة ، هذا مذهب سيبويه ، واختلف النقل عن المازني فالمشهور عنه موافقة سيبويه ، ونقل ابن عصفور عنه أنه يختار النصب ولا يوجبه ؛ لأن المبدل منه منوي الطرح فلا ينبغي أن يوصف بعد ذلك ، ونقل عنه أيضا أنه يوجب النصب ويمنع الإبدال ، فحصل عنه ثلاثة أقوال ، قال أبو حيان : والنصب حينئذ أجود من النصب متأخرا ، ونقل ابن مالك في شرح «الكافية» عن المبرد اختيار النصب ، ثم قال : وعندي أن النصب والبدل مستويان ؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا فتكافئا ، وفي لغة يتبع المؤخر الموجب وخرج عليها قراءة (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) [البقرة : ٢٤٩].

وإذا عاد على المستثنى منه العامل فيه الابتداء أو أحد نواسخه ضمير قبل المستثنى الصالح للإتباع أتبع الضمير العائد جوازا ، وصاحبه اختيارا نحو : ما أحد يقول ذلك إلا زيد ، وما كان أحد يجترئ عليك إلا زيد ، وما حسبت أحدا يقول ذاك إلا زيد ، فيجوز في هذه الأمثلة أن يجعل (زيد) تابعا للمبتدأ ، أو لاسم (كان) ، أو للمفعول الأول ، فيكون بدلا منه وهو المختار ؛ لأن المسوغ للإتباع هو النفي وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى الضمير ، ويجوز أن يجعل تابعا للمضمر فيكون بدلا منه ؛ لأن النفي متوجه عليه من جهة المعنى ، وسواء كان العائد من الخبر كما تقدم أو من الوصف نحو : ما فيهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد ، وما كان فيهم أحد يقول ذاك إلا زيد ، قال أبو حيان : والقياس يقتضي إجراء الحال مجرى الصفة في ذلك نحو : ما إخوتك في البيت عاتبين عليك إلا زيد ، فيجوز إتباع زيد لإخوتك ، أو للمضمر المستكن في (عاتبين) ؛ لأن الحال يتوجه عليها النفي في المعنى ، وسواء في المسألة المتصل أو المنقطع نحو : ما أحد يقيم بدارهم إلا الوحش قال :

٨٨٨ ـ في ليلة لا نرى بها أحدا

يحكي علينا إلّا كواكبها

فكواكبها بالرفع بدل من ضمير (يحكي) وهو منقطع ، إلا أن أحدا وضميره خاص بالعاقل ، فلو كان العائد بعد المستثنى نحو : ما أحد إلا زيدا يقول ذاك ، أو المستثنى غير

__________________

٨٨٨ ـ البيت من المنسرح ، وهو لأحيحة بن الجلاح في الأغاني ١٥ / ٣١ ، ٣٦ ، (دار الكتب المصرية) والحماسة البصرية ٢ / ١٨٧ ، والخزانة ٣ / ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ، ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، والكتاب ٢ / ٣١٢ ، وله أو لبعض الأنصار في شرح شواهد المغني ص ٤١٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٠.

١٥١

صالح للإتباع نحو : ما أحد ينفع إلا الضر ، ولا مال يزيد إلا النقص ، تعين النصب وامتنع الإتباع البتة.

ولو كان العامل غير ما ذكر نحو : ما شكر رجل أكرمته إلا زيد وما مررت بأحد أعرفه إلا عمرو تعين إتباع الظاهر ، وامتنع إتباع الضمير ؛ إذ لا تأثير للنفي في أكرمت وأعرف.

وكذا ما زال وإخوته من النواسخ نحو : ما زال وافد من بني تميم يسترفدنا إلا زيد ، لا يجوز فيه إلا إتباع الظاهر ؛ لأنه نفي معناه الإيجاب ، قال أبو حيان : وهل تختص المسألة بالاستثناء بإلا ، لم يمثل النحويون إلا بها ، والظاهر أن (غير) كذلك نحو : ما ظننت أحدا يقول ذاك غير زيد بالنصب تبعا لأحد ، والرفع تبعا للضمير ، قال ابن مالك : وفي حكم الظاهر والمضمر من إتباع أيهما شئت المضاف والمضاف إليه نحو : ما جاء أخو أحد إلا زيد ، إن شئت أتبعت المضاف فترفع ، أو المضاف إليه فتجر.

منع تقديم المستثنى أول الكلام

(ص) ولا يقدم أول الكلام ، وجوزه الكوفية والزجاج ، ولا بعد حرف نفي خلافا للأبذي ، وقدمه الكسائي عليه ، والفراء إلا مع المرفوع ، وهشام مع الدائم ، وفي تقديمه على المستثنى منه وعامله متوسط كلام ، ثالثها يجوز إن كان العامل متصرفا.

(ش) الجمهور على منع تقديم المستثنى أو الكلام موجبا كان أو منفيا ، فلا يقال : إلا زيدا قام القوم ، ولا إلا زيدا ما أكل أحد طعاما ، ولا ما إلا زيدا قام القوم ؛ لأنه لم يسمع من كلامهم ، ولأن إلا مشبهة ب : (لا) العاطفة وواو (مع) ، وهما لا يتقدمان ، وجوز الكوفية والزجاج تقديمه واستدلوا بقوله :

٨٨٩ ـ خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا

وقوله :

__________________

٨٨٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في الخزانة ٣ / ٣١٤ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٨٢ ، وحاشية ياسين ١ / ٣٥٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٧ ، ٢ / ١٦٣ ، وشرح التصريح ١ / ٣٦٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٧ ، واللسان مادة (خلا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٣٧ ، وسيعاد برقم (٩١٣) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٩.

١٥٢

٨٩٠ ـ وبلدة ليس بها طوريّ

ولا خلا الجنّ بها إنسيّ

ورد في (خلا) وهي فرع إلا فالأصل أولى بذلك.

وجوزه الأبذي في المنفي بعد سبق حرف النفي كقوله : ولا خلا الجن ، قال : لأنه لم يتقدم على الكلام بجملته لسبق (لا) النافية ، وجوز الكسائي تقديمه على حرف النفي أيضا ، وأجازه الفراء إلا مع المرفوع ، ومنعه هشام إلا مع الدائم.

أما تقديمه على المستثنى منه وعلى العامل فيه إذا لم يتقدم وتوسط بين جزأي كلام ، ففيه مذاهب :

أحدها : المنع مطلقا سواء كان العامل متصرفا أم غير متصرف ، فلا يقال : القوم إلا زيدا قاموا ، ولا القوم إلا زيدا قائمون ، ولا القوم إلا زيدا في الدار ، تشبيها بالمفعول معه ، قال أبو حيان : وهذا مذهب من يرى أن العامل في المستثنى ما تقدم من فعل وشبهه.

والثاني : الجواز مطلقا وصححه بعض المغاربة ؛ لوروده قال :

٨٩١ ـ ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فالاستثناء من ضمير (باطل) ، و (باطل) عامل في ذلك الضمير ، وقال :

٨٩٢ ـ كلّ دين يوم القيامة عند ال

لّه إلا دين الحنيفة بور

والثالث : الجواز مع المتصرف والمنع في غيره ، وعليه الأخفش وصححه أبو حيان ؛ لأن السماع إنما ورد بالتقديم في المتصرف فيقتصر عليه ، ولا يقدم على غيره إلا بثبت من العرب.

عدم جواز استثناء شيئين بأداة واحدة :

(ص) مسألة : لا يستثنى بأداة شيئان دون عطف على الأصح ، وقيل : قطعا ، والخلاف في موهمه فقيل : لحن ، وقيل : صحيح على أنهما بدل ومعمول مضمر ، وقيل : بدلان.

__________________

٨٩٠ ـ الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٤٩٨ ، والخزانة ٣ / ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٤ ، ٣٣٨ ، والسمط ص ٥٥٦ ، واللسان مادة (أنس) ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٧٤ ، وجمهرة اللغة ص ١١٤٥ ، واللسان ٥ / ١٣ ، مادة (طأا) ، والمنصف ٣ / ٦٢ ، ونوادر أبي زيد ص ٢٢٦ ، وشرح الرضي ٢ / ٨٤ ، والإنصاف ١ / ٢٧٧ ، وسيعاد برقم (٩٠٨).

٨٩١ ـ تقدم الشاهد برقم (١).

٨٩٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٣٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٢.

١٥٣

(ش) لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ، فلا يقال : أعطيت الناس إلا عمرا الدنانير ، ولا ما أعطيت أحدا درهما إلا عمرا دانقا ، تشبيها بواو (مع) وحرف الجر فإنهما لا يصلان إلا إلى معمول واحد ، وأجازه قوم تشبيها بواو العطف حيث يقال : ضرب زيد عمرا وبشر خالدا ، وقيل : لم يقل أحد بجوازه ، وإنما الخلاف في صحة التركيب ، فقوم قالوا بفساده وأنه لحن ، وقوم قالوا : إنه صحيح لا على الاستثناء ، بل على أن الأول بدل ، والثاني منصوب بفعل مضمر من لفظ الفعل الظاهر والتقدير إلا عمرا أعطيته الدنانير ، وأعطيته دانقا ، وأخذ درهما ، وضرب بعضا ، وقيل : كلاهما بدلان من الاسمين السابقين قبل إلا ، فيبدل من المرفوع مرفوع ، ومن المنصوب منصوب ، وعليه ابن السراج وقد ورد إبدال اسمين في الموجب في قوله :

٨٩٣ ـ فلما قرعنا النّبع بالنّبع بعضه

ببعض ...

أما تعدد المستثنى مع العطف نحو : قام القوم إلا زيدا وعمرا فجائز اتفاقا.

المستثنى الوارد بعد جمل متعاطفة :

(ص) والوارد بعد جمل متعاطفة للكل ، ولو اختلف العامل في الأصح ، وقيل : إن سبق لغرض ، وقيل : إن عطف بالواو ، وبعد مفردين يصح لكل للثاني فإن تقدم فللأول ، فإن كان أحدهما مرفوعا ولو معنى فله مطلقا.

(ش) قال أبو حيان : هذه المسألة قل من تعرض لها من النحاة ، ولم أر من تكلم عليها منهم سوى ابن مالك في «التسهيل» ، والبهاباذي في شرح «اللمع». قلت : والأمر كما قال ، فإن المسالة بعلم الأصول أليق ، وقد ذكرها أبو حيان نفسه في «الارتشاف» ، فأحببت ألّا أخلي كتابي منها ، فنقول : إذا ورد الاستثناء بعد جمل عطف بعضها على بعض فهل يعود للكل؟ فيه مذاهب :

أحدها : وهو الأصح نعم ، وعليه ابن مالك إلا أن يقوم دليل على إرادة البعض ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) [النور : ٦] الآية ، فقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [النور : ٧] عائد إلى فسقهم وعدم قبول شهادتهم معا إلا في الجلد لما قام عليه من الدليل ، وسواء

__________________

٨٩٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٧١ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٢٠٩ ، والخزانة ٣ / ١٧١ ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (نبع) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٧.

١٥٤

اختلف العامل في الجمل أم لا بناء على أن العامل في المستثنى إنما هو إلا ، لا الأفعال السابقة.

الثاني : أنه يعود للكل إن سيق الكل لغرض واحد نحو : حبست داري على أعمامي ، ووقفت بستاني على أخوالي ، وسبّلت سقايتي لجيراني إلا أن يسافروا ، وإلا فللأخيرة فقط نحو : (أكرم العلماء ، واحبس ديارك على أقاربك ، وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم).

الثالث : إن عطف بالواو عاد للكل ، أو بالفاء ، أو ثم عاد للأخيرة فقط ، وعليه ابن الحاجب.

الرابع : أنه خاص بالجملة الأخيرة ، واختاره أبو حيان.

الخامس : إن اتحد العامل فللكل ، أو اختلف فللأخيرة خاصة ؛ إذ لا يمكن عمل العوامل المختلفة في مستثنى واحد ، وعليه البهاباذي بناء على أن عامل المستثنى الأفعال السابقة دون إلا ، وأما الوارد بعد مفردين وهو بحيث يصح لكل منهما فإنه للثاني فقط ، كذا جزم به ابن مالك نحو : غلب مائة مؤمن مائتي كافر إلا اثنين.

فإن تقدم الاستثناء على أحدهما تعين للأول نحو : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ) [المزمل : ٢ ـ ٣] ف : (إِلَّا قَلِيلاً) صالح لكونه من (الليل) ، ومن (نصفه) ، لكنه تقدم على (نصفه) فاختص بالليل ؛ لأن الأصل في الاستثناء التأخير وكذا لو تقدم عليهما معا ، فإنه يكون للأول نحو : استبدلت إلا زيدا من أصحابنا بأصحابكم ، فإلا زيدا مستثنى من قوله : (من أصحابنا) ، لا من قوله : (بأصحابكم) ، هذا إن لم يكن أحدهما مرفوعا لفظا أو معنى ، فإن كان اختص به مطلقا ، أولا كان أو ثانيا نحو : ضرب إلا زيدا أصحابنا أصحابكم ، وملكت إلا الأصاغر عبيدنا أبناءنا ، وضرب إلا زيدا أصحابكم أصحابنا ، وملكت إلا الأصاغر أبناءنا عبيدنا ، فالأبناء في المثالين فاعل من حيث المعنى ؛ لأنهم المالكون فإن لم يصح كونه لكل منهما ، بل لأحدهما فقط تعين له نحو : طلق نساءهم الزيدون إلا الحسينات ، وأصبى الزيدين نساؤهم إلا ذوي النهى ، واستبدلت إلا زيدا من إمائنا بعبيدنا.

تكرار إلا :

(ص) وتكرر إلا توكيدا فيبدل غير الأول منه إن كان مغنيا عنه ، وإلا عطف بالواو ، وجوز الصيمري طرحها ولغيره ، فإن أمكن استثناء بعض من بعض فكل لما يليه ، وقيل : للأول ، وقيل : الثاني منقطع أولا ، فإن فرغ العامل شغل بأحدها ونصب

١٥٥

غيره ، وإلا نصب الكل إن تقدمت استثناء ، وقال ابن السيد يجوز حالا واستثناء الأول ، وحالية الباقي وعكسه وغير واحد إن تأخرت ، وله ما له مفردا ، وجوز الأبذي نصب الكل استثناء ورفعها ، وأحدها نعتا أو بدلا أيضا في النفي ، وحكمها معنى كالأول.

(ش) إذا كررت (إلا) فلها حالان :.

الأول : أن تكون للتأكيد فتجعل كأنها زائدة لم تذكر ، ويكون ما بعد الثانية بدلا مما بعد الأولى ، نحو : قام القوم إلا محمدا إلا أبا بكر ، وهي كنيته.

وشرط هذا التكرار أن يكون الثاني يغني عن الأول ، كما أن أبا بكر يغني عن ذكر محمد ، فإن لم يكن يغني عنه عطف بالواو لمباينته للأول نحو : قام القوم إلا زيدا وإلا جعفرا ، وقد اجتمعا في قوله :

٨٩٤ ـ ما لك من شيخك إلّا عمله

إلّا رسيمه وإلّا رمله

والرسيم والرمل ضربان من العدو ، والرمل لا يغني عن قوله : إلا رسيمه ، فعطف بالواو وهما يغنيان عن قوله : إلا عمله ، فلم يعطف إلا رسيمه.

الحال الثاني : أن تكرر لغير تأكيد فإن أمكن استثناء بعضها من بعض ففيه مذاهب:

أحدها : وعليه البصريون والكسائي أن الأخير يستثنى من الذي قبله ، والذي قبله يستثنى من الذي قبله إلى أن ينتهي إلى الأول ، نحو : له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ، فإلا سبعة مستثنى من ثمانية يبقى واحد يستثنى من تسعة وهي من عشرة ، فيضم الأشفاع داخلة والأوتار خارجة ، فالمقر به اثنان.

الثاني : أنها كلها راجعة إلى المستثنى منه الأول ، فإذا قال : له علي مائة إلا عشرة إلا اثنين فالمقر به ثمانية وثمانون ، وعلى الأول المقر به اثنان وتسعون.

الثالث : أن الاستثناء الثاني منقطع ، والمقر به على هذا اثنان وتسعون أيضا ، وعليه الفراء والمعنى عليه له عندي مائة إلا عشرة سوى الاثنين التي له عندي ، وإن لم يمكن استثناء بعضها من بعض ، فإن كان العامل مفرغا شغل بواحد منها أيا كان متقدما أو متأخرا

__________________

٨٩٤ ـ الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٧٢ ، ورصف المباني ص ٨٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٢ ، ٢ / ١٥١ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١١ ، والكتاب ٢ / ٣٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٥.

١٥٦

أو متوسطا ، ونصب ما سواه نحو : ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا ، ولك أن ترفع بدل زيد عمرا أو بكرا ، لكن الأول أولى ، وإن لم يكن مفرغا فإن تقدمت نصبت الجميع على الاستثناء نحو : ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا أحد.

وزعم ابن السيد أنه يجوز في ذلك أربعة أوجه : النصب على الاستثناء كما نص عليه النحويون ، والنصب على الحال قال : لأنها لو تأخرت لجاز كونها صفات ؛ لأن إلا يوصف بها ، فإذا تقدمت انتصبت على الحال ، وجعل الأول حالا والثاني استثناء ، وعكسه ، وردّ بأن (إلا) غير متمكنة في الوصف بها فلا تكون صفة إلا وهي تابعة في اللفظ ، ولا يجوز تقديمها أصلا ، وإن تأخرت فلأحدها ما له مفردا ، وللباقي النصب نحو : قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا ، وما جاء أحد إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا ، وجوز الأبذي في الإيجاب نصب الجميع على الاستثناء كما قاله النحويون ، ورفع الجميع على الصفة ورفع أحدها على الصفة ، ونصب الباقي على الاستثناء كما قال ابن السيد فيما تقدم إن إلا صفة في المكرر ، وجوز في النفي نصب الجميع على الاستثناء ورفع الجميع على البدل أو النعت ، ورفع أحدهما على الوجهين ، ونصب الباقي على الاستثناء ، وحكم ما بعد الأول من هذا النوع حكم الأول من دخوله في غير الموجب ، وخروجه من الموجب.

الاستثناء من العدد :

(ص) ويجوز استثناء المساوي خلافا لقوم ، والأكثر وفاقا لأبي عبيدة والسيرافي والكوفية ، وعليه : «كلكم جائع إلا من أطعمته» (١) ، إلا المستغرق خلافا للفراء ، وفي العدد ثالثها لا يجوز عقد صحيح ، وهو من الإثبات نفي وعكسه ، خلافا للكسائي ، ومباحث الاستثناء من صناعة الأصوليين.

(ش) قال أبو حيان : اتفق النحويون على أنه لا يجوز أن يكون المستثنى مستغرقا للمستثنى منه ، ولا كونه أكثر منه ، إلا أن ابن مالك نقل عن الفراء جواز له علي ألف إلا ألفين.

واختلفوا في غير المستغرق فأكثر النحويين أنه لا يجوز كون المستثنى قدر المستثنى منه أو أكثر ، بل يكون أقل من النصف ، وهو مذهب البصريين واختاره ابن عصفور والأبذي ، وأكثر الكوفيين أجازوا ذلك وهو مذهب أبي عبيدة والسيرافي ، واختاره ابن

__________________

(١) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم الظلم (٢٥٧٧).

١٥٧

خروف والشلوبين وابن مالك ، وذهب بعض البصريين وبعض الكوفيين إلى أنه يجوز أن يكون المخرج النصف فما دونه ، ولا يجوز أن يكون أكثر من ذلك ، ويدل لجواز الأكثر قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] ، والغاوون أكثر من الراشدين (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠] ، وحديث مسلم : «يا عبادي كلم جائع إلا من أطعمته» ، والمطعمون أكثر قطعا ، ولجواز النصف قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) [المزمل : ٢ ـ ٣] ، قال أبو حيان : وجميع ما استدل به محتمل التأويل ، والمستقرأ من كلام العرب إنما هو استثناء الأقل ، واختلف النحويون في الاستثناء من العدد على مذاهب :

أحدها : الجواز مطلقا ، واختاره ابن الصائغ.

والثاني : المنع مطلقا ، واختاره ابن عصفور ؛ لأن أسماء العدد نصوص ، فلا يجوز أن ترد إلا على ما وضعت له.

والثالث : المنع إن كان عقدا نحو : عندي عشرون إلا عشرة ، والجواز إن كان غير عقد نحو : له عشرة إلا اثنين ، ورد هذا وما قبله بقوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ١٤].

وقال أبو حيان : لا يكاد يوجد استثناء من عدد في شيء من كلام العرب إلا في هذه الآية الكريمة ، قال : ولم أقف في شيء من دواوين العرب على استثناء من عدد ، والآية خرجت مخرج التكثير ، ومذهب الجمهور أن الاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي فنحو قام القوم إلا زيدا ، وما قام أحد إلا زيدا ، يدل الأول على نفي القيام عن زيد ، والثاني على ثبوته له ، وخالف في ذلك الكسائي ، وقال : إنه مسكوت عنه لا دلالة له على نفيه عنه ولا ثبوته ، واستفادة الإثبات في كلمة التوحيد من عرف الشرع ، وبقية مباحث الاستثناء المذكورة في «الارتشاف» من علم الأصول لا تعلق لها بالنحو ، فلذا أضربنا عن ذكرها ههنا.

الاستثناء ب : (إلا) والوصف بها :

(ص) مسألة : يوصف ب : (إلا) ، وبتاليها جمع منكر ، قال ابن الحاجب : غير محصور أو شبهه أو ذو أل الجنسية ، قال الأخفش : أو غيرها ، وسيبويه : كل نكرة ، وقوم : كل ظاهر ومضمر ، وقيل : المراد بالوصف البيان ، وشرطه أن يصح الاستثناء ،

١٥٨

وقيل : المتصل ، وقيل : البدل ، وقيل : أن يتعذر ، وألا يحذف موصوفها ولا يليها.

(ش) الأصل في (إلا) أن تكون للاستثناء ، وفي (غير) أن تكون وصفا ، ثم قد تحمل إحداهما على الأخرى فيوصف ب : (إلا) ، ويستثنى ب : (غير) ، والمفهوم من كلام الأكثرين أن المراد الوصف الصناعي ، وقال بعضهم : قول النحويين : إنه يوصف بإلا يعنون بذلك أنه عطف بيان ، وعلى الأول الوصف بها وبتاليها لا بها وحدها ، ولا بالتالي وحده ، وحكمه كالوصف بالجار والمجرور.

وشرط الموصوف أن يكون جمعا منكرا نحو : جاءني رجال قرشيون إلا زيد ، ومنه (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) [الأنبياء : ٢٢] ، أو مشبه الجمع نحو : ما جاءني أحد إلا زيد.

وزاد ابن الحاجب في «الكافية» بعد قوله : جمع منكر غير محصور ، قال النيلي : وهو احتراز من العدد نحو : له علي عشرة إلا درهما ، فإنه يتعين فيه الاستثناء أو ذا أل الجنسية ؛ لأنه في معنى النكرة نحو :

٨٩٥ ـ قليل بها الأصوات إلّا بغامها

بخلاف ذي أل العهدية ، هذا ما جزم به ابن مالك تبعا لابن السراج والمبرد ، وجوز الأخفش أن يوصف بها المعرف بأل العهدية ، وجوز سيبويه أن يوصف بها كل نكرة ولو مفردا ، ومثل ب : (لو كان معنا رجل إلا زيد) ، واختاره وما قبله صاحب «البسيط» ، وجوز بعض المغاربة أن يوصف بها كل ظاهر ومضمر ونكرة ومعرفة ، وقال : إن الوصف بها يخالف سائر الأوصاف ، ومن شروط الوصف بها أن لا يصح الاستثناء ، بخلاف (غير) فلا يجوز عندي درهم إلا جيد ، ويجوز غير جيد ، كذا قاله ابن مالك وغيره ، وقال أبو حيان : إنه كالمجمع عليه إلا أن تمثيل سيبويه ب : (لو كان معنا رجل إلا زيد) يخالفه ؛ لأنه لا يجوز فيه الاستثناء ، وكذا (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) [الأنبياء : ٢٢] لا يجوز فيه الاستثناء ؛ لأنه لا عموم فيه استغراقي يندرج فيه ما بعد إلا ، وقد انفصل بعض أصحابنا عن ذلك بأنه لا يعني بصحة الاستثناء المتصل ، بل أعم منه ومن المنقطع ، والآية يصح فيها

__________________

٨٩٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٠٠٤ ، والخزانة ٣ / ٤١٨ ، ٤٢٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٢ ، والكتاب ٢ / ٣٣٢ ، واللسان مادة (بلد ، بغم) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٤ ، ٢ / ١٥٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٨ ، ٣٩٤ ، ٢ / ٧٢٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٢ ، والمقتضب ٤ / ٤٠٩ ، وكتاب العين ٨ / ٤٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٩.

١٥٩

الاستثناء المنقطع ، وقد صرح المبرد والجرمي بجواز الوصف بها حيث يصح المنقطع ، وشاهده قوله :

٨٩٦ ـ لدم ضائع تغيّب عنه

أقربوه إلّا الصّبا والجنوب

ف : (أقربوه) موصوف بإلا الصبا والجنوب وليسا من جنسه ، والقصيدة مرفوعة ، وسواء كان الاستثناء مما يجوز فيه البدل أم لا ، وزعم المبرد أن الوصف بإلا لم يجئ إلا فيما يجوز فيه البدل ، ولذلك منع قام إلا زيد بحذف الموصوف ، وجعل إلا صفة له ؛ لأنه لا يجوز فيه البدل ورد بالسماع قال :

٨٩٧ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

ف : (إلا الفرقدان) صفة ولا يمكن فيه البدل ، وأغرب ابن الحاجب فشرط في وقوع إلا صفة أن يتعذر الاستثناء ، وجعل البيت المذكور شاذا.

ومن شروط الوصف ب : (إلا) ألا يحذف موصوفها بخلاف (غير) ، فلا يقال : جاءني إلا زيد ، ويقال : جاءني غير زيد ، ونظيرها في ذلك الجمل والظروف فإنها تقع صفات ، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها ، وألا يليها بأن تقدم عليه منصوبة على الحال ؛ لأنها غير متمكنة في الوصف كما تقدم.

(إلا) عاطفة وزائدة :

(ص) قال الكوفية والأخفش : وترد عاطفة كالواو ، والإعراب كالاستثناء ، والأصمعي وابن جني : وزائدة.

(ش) أثبت الكوفيون والأخفش ل : (إلا) معنى ثالثا وهو العطف كالواو ، وخرجوا عليه (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ١٥٠] ، (لا يَخافُ لَدَيَ

__________________

٨٩٦ ـ البيت بهذه الرواية غير مستقيم وقد رواه الشارح برواية مستقيمة وهو في الخفيف في المقاصد النحوية ٣ / ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٣.

٨٩٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ١٧٨ ، والكتاب ٢ / ٣٣٤ ، واللسان مادة (ألا) ، والممتع في التصريف ١ / ٥١ ، ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة ص ٩٠ ، وحماسة البحتري ص ١٥١ ، والحماسة البصرية ٢ / ٤١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٦ ، والمؤتلف والمختلف ص ٨٥ ، ولعمرو أو لحضرمي في الخزانة ٣ / ٤٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٩.

١٦٠