همع الهوامع - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

وجوزه الكوفيون فيهما بناء على أن الجر بمن لا بالإضافة ، وجوزه المبرد في الشعر فقط وروي قوله :

٩٨٩ ـ كم نالني منهم فضل على عدم

بالجر.

ويجوز حذف تمييز (كم) الخبرية ، ولا يجوز كون المميز منفيا لا في الاستفهامية ولا في الخبرية ، لا يقال : كم لا رجلا جاءك ، ولا كم لا رجل صحبت ، نص عليه سيبويه ، وأجاز ذلك بعض النحويين ، نعم يجوز العطف عليه بالنفي نحو : كم فرس ركبت ، لا فرسا ولا فرسين ، أي : كثيرا من الأفراس ركبت لا قليلا.

تمييز كأين :

(ص) ومميز كأين بمن غالبا ، وقال ابن عصفور : لازما ، ومع فقدها بإضمارها ، وقيل : بالإضافة ، قال أبو حيان : ولا يجمع وحذفه سائغ ، أو ضعيف ، أو ممنوع أقوال ، والأصح ألا يفصل.

(ش) مميز كأين الأكثر جره بمن ظاهرة قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) [يوسف : ١٠٥] ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) [آل عمران : ١٤٦] ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) [العنكبوت : ٦٠] ، قال أبو حيان : ويظهر من كلام سيبويه أن (من) هنا لتأكيد البيان ، فهي زائدة. قال : وقد يقال : إنها لا تزاد في غير الواجب ، فيقال : إن هذا روعي فيه أصله من الاستفهام وهو غير واجب ، وينصب قليلا قال الشاعر :

٩٩٠ ـ وكائن لنا فضلا عليكم ونعمة

وقال :

٩٩١ ـ اطرد الياس بالرّجا فكأيّن

آلما حمّ يسره بعد عسر

وزعم ابن عصفور أن جره بمن لازم ، وأنه لا ينصب ، قال في المغني : ويرده نص

__________________

٩٨٩ ـ تقدم الشاهد برقم (٩٨٨).

٩٩٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٦٣٧ ، ٤ / ٨٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٣ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٧.

٩٩١ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٦٣٧ ، ٤ / ٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٨.

٢٢١

سيبويه على خلافه ، ويجوز جره مع فقد (من) ، قال أبو حيان : إلا أنه لا يحفظ ، فإن جاء كان على إضمار (من) ، وهو مذهب الخليل والكسائي ، ولا يحمل على إضافة كأين كما ذهب إليه ابن كيسان ؛ لأنه لا يجوز إضافتها ؛ إذ المحكيّ لا يضاف ؛ ولأن في آخرها تنوينا فهو مانع من الإضافة أيضا ، وقد قال سيبويه : إن جرها أحد من العرب فعسى أن يجرها بإضمار (من) انتهى.

وقال ابن خروف : يكون في مميزها النصب ، ويجوز الجر ب : (من) وبغير (من) ، بفصل وبغير فصل. قال أبو حيان : ومقتضى الاستقراء أن تمييز (كأين) لا يكون جمعا ، فليست كمثل (كم) الخبرية في ذلك ، واختلف في جواز حذفه فجوزه المبرد والأكثرون ، وقال صاحب «البسيط» : إنه ضعيف للزوم (من) ففيه حذف عامل ومعمول ، قال أبو حيان : ومن يقول بجواز حذفه لا يلتزم أنه حذف وهو مجرور بمن ، بل حذف وهو منصوب ، كما حذف من (كم) الاستفهامية وهو منصوب ، والأفصح اتصال تمييز (كأين) بها ، وكذا وقعت في القرآن ويجوز الفصل بينهما بالجملة وبالظرف قال :

٩٩٢ ـ وكائن رددنا عنكم من مدجّج

وقال :

٩٩٣ ـ وكائن بالأباطح من صديق

تمييز كذا :

(ص) ومميز (كذا) لا يجر بمن وفاقا ، ولا بالإضافة ، ولا البدلية ، ولا يرفع ولا يجمع خلافا لزاعميها.

(ش) مميز (كذا) لا يكون إلا مفردا منصوبا قال الشاعر :

٩٩٤ ـ عد النّفس نعمى بعد بوساك ذاكرا

كذا وكذا لطفا به نسي الجهد

__________________

٩٩٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن شأس في سر صناعة الإعراب ١ / ٣٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩٧ ، والكتاب ٢ / ١٧٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٠.

٩٩٣ ـ تقدم الشاهد برقم (١٨٩).

٩٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٢٨١ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٨ ، ٤ / ٨٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٤ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢١.

٢٢٢

ولا يجوز جره بمن اتفاقا ، ولا بالإضافة خلافا للكوفيين ، أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال : كذا ثوب وكذا أثواب قياسا على العدد الصريح ، ورد بأن المحكي لا يضاف ، وبأن في آخرها اسم الإشارة ، واسم الإشارة لا يضاف ، وأجاز بعضهم كذا درهم بالجر على البدل ، وجوز الكوفيون الرفع بعد (كذا) ، قال أبو حيان : وهو خطأ ؛ لأنه لم يسمع ، وجوزوا الجمع بعد الثلاثة إلى العشرة.

[نواصب المضارع]

أن :

(ص) نواصب المضارع (أن) ، ويقال : (عن) وهي الموصولة بالماضي ، خلافا لابن طاهر ، لا بعد يقين غير مؤول في الأصح ، ويجوز في تلو (ظن) الرفع مخففة ، وكذا خوف تيقن مخوفه في الأصح ، والأصح لا تعمل زائدة ولا يتقدم معمول معمولها ، وثالثها يجوز مع أريد وعسى ولا يفصل ، وقيل : يجوز بظرف ، وقيل : بشرط ، وترفع إهمالا على الأصح ، وعن الكسائي لا يقاس ولا تجزم وحكاه الرؤاسي واللحياني وأبو عبيدة لغة ، وتقع مبتدأ وخبرا ومعمول حرف ناسخ وجار ولكان وظن ، وبعض المقاربة وفعل غير الجزم ومضاف ، خلافا لابن الطراوة لا بمعنى (الذي) خلافا لابن الذكي.

(ش) لما أنهيت منصوبات الأسماء عقبت بمنصوبات الأفعال كما ذكر عقب المرفوعات المضارع المرفوع ، فنواصب الفعل المضارع أربعة أحرف :

أحدها : (أن) وهي أم الباب.

قال أبو حيان : بدليل الاتفاق عليها والاختلاف في (لن) و (إذن) و (كي) ، ويقال فيها : (عن) بإبدال الهمزة عينا ، وأن هذه الناصبة للمضارع هي التي توصل بالماضي في نحو : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [القلم : ١٤] ، وبالأمر في نحو : كتبت إليه أن قم ، وبالنهي في نحو : كتبت إليه أن لا تفعل ، وزعم أبو بكر بن طاهر أنها غيرها فتكون (أن) على مذهبه مشتركة أو متجوزا بها ، واستدل لذلك بأمرين :

أحدهما : أنها تخلص للاستقبال فلا تدخل على الماضي كالسين وسوف وكذا الأمر.

والثاني : أنا لو فرضنا دخولها على الماضي لوجب أن تصيره بصيغة المضارع كلم لما دخلت على الماضي قلبت صيغته إلى المضارع ؛ لتعمل فيه.

٢٢٣

وشرط نصب المضارع بعد (أن) أن لا تقع بعد فعل يقين كعلم وتحقق وتيقن ونحوها ، فإنها حينئذ المخففة من الثقيلة نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) [المزمل : ٢٠] ، خلافا للفراء حيث جوز أن تلي أن الناصبة للمضارع لفظ العلم وما في معناه ، مستدلا بقراءة (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) [طه : ٨٩] بالنصب وهي بمعنى أفلا يعلمون ، وبقول جرير:

٩٩٥ ـ نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا

ألّا يدانينا من خلقه أحد

وأجيب بأن العلم إنما يمتنع وقوع أن الناصبة بعده إذا بقي على موضعه الأصلي ، أما إذا أول بالظن واستعمل استعماله فإنه يجوز فيه ذلك ، والدليل على استعمال العلم بمعنى الظن قوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] ، فإن المراد بالعلم فيه الظن القوي ؛ إذ القطع بإيمانهن غير متوصل إليه ، ومنع المبرد النصب أيضا في المؤول بالظن ، فقولي : في الأصح راجع إلى المستثنى والمستثنى منه جميعا ، ويجوز في الواقعة بعد الظن الرفع على أنها المخففة من الثقيلة وهو قليل ، والأكثر في لسان العرب النصب بعده قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢] ، وقرئ بالوجهين (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة : ٧١] ، قال أبو حيان : وليس في الواقعة بعد الشك إلا النصب وفي الواقعة بعد فعل خوف تيقن مخوفه ، نحو : خفت ألا تقوم وخفت ألا تكرمني قولان أصحهما جواز الرفع كما بعد الظن ، وقد سمع ، قال أبو محجن :

٩٩٦ ـ أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها

والثاني : تعين النصب وعليه المبرد ، ولا تعمل أن الزائدة عند الجمهور ؛ لأنها لا تختص بدليل دخولها على الفعل الماضي في قوله : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) [يوسف : ٩٦] ، ولا يعمل إلا المختص ، وجوز الأخفش إعمالها حملا لها على المصدرية ، وقياسا على الباء الزائدة حيث تعمل الجر ، وفرق بأن الباء الزائدة تختص بالاسم ولا يجوز تقديم معمول معمول أن الناصبة عليها ؛ لأنها حرف مصدري ومعمولها صلة لها ومعموله من تمام

__________________

٩٩٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ١ / ١٥٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٥١ ، ٤ / ٢٨٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١٣.

٩٩٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي محجن الثقفي في ديوانه ص ٤٨ ، والأزهية ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٨ ، ٤٠٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٠١ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٣١ ، ولسان العرب ٨ / ٢٥٧ ، مادة (فنع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٥٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠ ، وشرح الرضي ٤ / ٣٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٩٦.

٢٢٤

الصلة فكما لا تتقدم الصلة لا يتقدم معمولها هذا مذهب البصريين ، وجوز الفراء تقديمه لقوله :

٩٩٧ ـ كان خير بالعصا أن أجلدا

فقوله : (بالعصا) متعلق ب : (أجلد) ، وأجيب بندوره أو تأويله على تقدير متعلق دل عليه المذكور ، ونقل ابن كيسان عن الكوفيين الجواز في نحو : طعامك أريد أن آكل ، وطعامك عسى أن آكل.

ولا يجوز فصل أن الناصبة من الفعل لا بظرف ولا بمجرور ولا قسم ولا غير ذلك هذا مذهب سيبويه والجمهور ، وجوزه بعضهم بالظرف وشبهه نحو : أريد أن عندي تقعد ، وأريد أن في الدار تقعد ، قياسا على أن المشددة حيث يجوز ذلك فيها بجامع ما اشتركا فيه من المصدرية والعمل ، وجوزه الكوفيون بالشرط نحو : أردت أن إن تزرني أزورك بالنصب ، مع تجويزهم الإلغاء أيضا ، وجزم أزرك جوابا.

ويجوز إهمال (أن) حملا على أختها ما المصدرية فيرفع الفعل بعدها ، وخرج عليه قراءة (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : ٢٣٣] بالرفع ، وقيل : لا وأن المرفوع بعدها الفعل مخففة من الثقيلة لا المصدرية وعليه الكوفيون.

ولا يجوز الجزم ب : (أن) عند الجمهور ، وجوزه بعض الكوفيين قال الرؤاسي من الكوفيين : فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل ، ودونهم قوم يرفعون بها ، ودونهم قوم يجزمون بها ، وأنشد على الجزم :

٩٩٨ ـ أحاذر أن تعلم بها فتردّها

وممن حكى الجزم بها لغة من البصريين أبو عبيدة واللحياني ، وزاد أنها لغة بني صباح ، ثم لما كانت أن مع معمولها في تقدير الاسم تسلط عليها العامل المعنوي واللفظي فتقع مبتدأ نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، وخبر مبتدأ نحو : الأمر أن تفعل

__________________

٩٩٧ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٢٨١ ، والخزانة ٨ / ٤٢٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣٢ ، والمحتسب ٢ / ٣١٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٣ ، وتقدم الشاهد برقم ٢٨٦ ، ٣٦٠.

٩٩٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ٢٢٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٩٨ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٢٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨٩.

٢٢٥

كذا ، ولا يكون مبتدؤها إلا مصدرا ، فإن وقع جثة أول ، ومعمولا لحرف ناسخ نحو : إن عندي أن تخرج ، ولا بد أن يكون أحد الجزأين مصدرا إلا في لعل فيجوز أن يكون جثة نحو : لعل زيد أن يخرج ، حملا على (عسى) ، ومعمولا بحرف جر ويكثر حذفه ، ومعمولا لكان وأخواتها اسما وخبرا نحو : كان أن تقعد خيرا من قيامك ، وتكون عقوبتك أن أعزلك ، ومعمولا لظن وأخواتها مفعولا أولا وثانيا نحو : ظننت أن تقوم خيرا من أن تقعد ، وقوله :

٩٩٩ ـ إني رأيت من المكارم حسبكم

أن تلبسوا خزّ الثّياب وتشبعوا

أي : لبس الثياب ، ومعمولا لبعض أفعال المقاربة ولغيرها من أفعال غير الجزم نحو : طلبت منك أن تقوم ، وأردت أن تفعل ، وبدا لي أن أقوم ، بخلاف أفعال الجزم ، لا يقال : فعلت أن أقوم ، أي : القيام ، ولا أعطيتك أن تأمن ، أي : الأمان ، ومعمولا لاسم مضاف نحو : إنه أهل أن يفعل ، ومخافة أن تفعل ، وأجيء بعد أن تقوم ، وقبل أن تخرج ، وقال ابن الطراوة : لا يجوز أن يضاف إلى أن ومعمولها ؛ لأن معناها التراخي فما بعدها في جهة الإمكان ، وليس بثابت والنية في المضاف إثبات عينه بثبوت عين ما أضيف إليه ، فإذا كان ما أضيف إليه غير ثابت في نفسه فإن ثبوت غيره محال.

لن :

(ص) (لن) بسيطة ، وقال الخليل : من (لا أن) ، والفراء : لا النافية أبدلت نونا ، وإنما تنصب مستقبلا وتفيد نفيه ، وكذا التأكيد لا التأبيد على المختار ، وقال بعض البيانين : لنفي ما قرب ، والمختار وفاقا لابن عصفور : ترد للدعاء ويقدم معمول معمولها ، خلافا للأخفش الصغير ، ولا يفصل اختيارا وجوزه الكسائي بقسم ومعمول ، والفراء بشرط وأظن ، وتهمل ، وحكى اللحياني الجزم بها.

(ش) الثاني من نواصب المضارع (لن) والجمهور أنها حرف بسيط لا تركيب فيها ولا إبدال ، وقال الخليل والكسائي : إنها مركبة من (لا أن) ، فأصلها (لا أن) حذفت

__________________

٩٩٩ ـ البيت من الكامل ، وهو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب ٤ / ٧١ ، والكتاب ٣ / ١٥٣ ، ولسعيد بن عبد الرحمن بن حسان في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٨ ، ولبعض المحدثين في العقد الفريد ٣ / ٢٠ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ٤١٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٦ ، وفي نسخة (حرّ الثياب) بدلا من (خزّ الثياب).

٢٢٦

الهمزة ؛ لكثرة الاستعمال كما حذفت في قولهم : ويلمّه والأصل ويل أمه ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ألف (لا) ونون (أن) فصارت (لن) ، والحامل لهما على ذلك قربها في اللفظ من (لا أن) ووجود معنى (لا) و (أن) فيها وهو النفي والتخليص للاستقبال.

وقال الفراء : هي لا النافية أبدل من ألفها نون ، وحمله على ذلك اتفاقهما في النفي ونفي المستقبل وجعل (لا) أصلا ؛ لأنها أقعد في النفي من (لن) ؛ لأن (لن) لا تنفي إلا المضارع ، وقد ذكرت رد القولين في حاشية «المغني».

وتنصب (لن) المستقبل ، أي : إنها تخلص المضارع إلى الاستقبال وتفيد نفيه ، ثم مذهب سيبويه والجمهور أنها تنفيه من غير أن يشترط أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا ، وذهب الزمخشري في «مفصله» إلى أن (لن) لتأكيد ما تعطيه (لا) من نفي المستقبل ، قال : تقول : لا أبرح اليوم مكاني ، فإذا أكدت وشددت قلت : لن أبرح اليوم ، قال تعالى : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الكهف : ٦٠] ، وقال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) [يوسف : ٨٠] ، وذهب الزمخشري في «أنموذجه» إلى أنها تفيد تأبيد النفي ، قال : فقولك : لن أفعله كقولك : لا أفعله أبدا ، ومنه قوله تعالى : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣] ، قال ابن مالك : وحمله على ذلك اعتقاده في (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] أن الله لا يرى وهو باطل ، ورده غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦] ، ولم يصح التوقيت في قوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١] ، ولكان ذكر (الأبد) في قوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة : ٩٥] تكرارا ؛ إذ الأصل عدمه ، وبأن استفادة التأبيد في آية : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣] من خارج ، وقد وافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] : لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة ، لكن ثبت في الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه (١) ، ووافقه على إفادة التأكيد جماعة منهم ابن الخباز ، بل قال بعضهم : إن منعه مكابرة فلذا اخترته دون التأبيد.

وأغرب عبد الواحد الزملكاني فقال في كتابه «التبيان في المعاني والبيان» : إن (لن) لنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها ، قال : وسر ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعاني ،

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، باب قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (٤٥٨١) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية (١٨٣).

٢٢٧

(ولا) آخرها ألف والألف يكون امتداد الصوت بها ، بخلاف النون ، ونقل ذلك عنه ابن عصفور وأبو حيان ورداه ، والجمهور على أن الفعل بعد (لن) لا يخرج عن كونه خبرا كحاله بعد سائر حروف النفي غير لا.

وذهب قوم إلى أنه قد يخرج بعد (لن) إلى الدعاء كحاله بعد لا قال الشاعر في لا :

١٠٠٠ ـ ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

وقال في لن :

١٠٠١ ـ لن تزالوا كذلكم ثم لا زل

ت لكم خالدا خلود الجبال

وهذا القول اختاره ابن عصفور وهو المختار عندي ؛ لأن عطف الدعاء في البيت قرينة ظاهرة في أن المعطوف عليه دعاء لا خبر.

وتقدم معمول معمول (لن) عليها جائز ، بخلاف معمول معمول (أن) ؛ إذ لا مصدرية فيها ، وقد قالوا : إن (لن أضرب) نفي ل : (سأضرب) ، فكما جاز زيدا سأضرب جاز زيدا لن أضرب ، ومنعه الأخفش الصغير أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي ؛ لأن النفي له صدر الكلام فلا يقدم معمول معموله عليه ، كسائر حروف النفي.

ولا يجوز الفصل بين (لن) وبين الفعل في الاختيار ؛ لأنها محمولة على سيفعل ، وكذلك لم يجز لن تفعل ولا تضرب زيدا بنصب (تضرب) ؛ لأن الواو كالعامل فلا يفصل بينها وبين الفعل ب : (لا) كما لا يقال : لن لا تضرب زيدا هذا مذهب البصريين وهشام ، واختار الكسائي الفصل بالقسم ومعمول الفعل نحو : لن والله أكرم زيدا ولن زيدا أكرم ، ووافقه الفراء على القسم وزاد جواز الفصل ب : (أظن) نحو : لن أظن أزورك بالنصب ، وبالشرط نحو : لن إن تزرني أزورك بالنصب ، وجوز الإلغاء والجزم جوابا قال أبو حيان : وأصحاب الفراء لا يفرقون بين لن والفعل اختيارا وهو الصحيح ؛ لأن (لن) وأخواتها من الحروف الناصبة للأفعال بمنزلة إن وأخواتها من الحروف الناصبة للأسماء ، فكما لا يجوز الفصل بين إن واسمها لا يجوز بين لن وأخواتها والفعل ، بل الفصل بين عوامل الأفعال

__________________

١٠٠٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٥٦٦ ، وجمهرة اللغة ٢٣٤ ، المعجم المفصل ١ / ٣٦٦ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٥٣).

١٠٠١ ـ البيت من الخفيف ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٦٣ ، المعجم المفصل ٢ / ٧٣٦ ، وتقدم الشاهد برقم (٣٤٩).

٢٢٨

والأفعال أقبح منه بين عوامل الأسماء والأسماء ؛ لأن عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء.

وحكى اللحياني الجزم بلن لغة وأنشد عليه :

١٠٠٢ ـ لن يخب الآن من رجائك من حر

رك من دون بابك الحلقه

كي

(ص) كي إن كانت الموصولة فالنصب بها عند الجمهور ، أو الجارة فبأن مضمرة ، وجوز الكوفية إظهارها ، وتتعين الأولى بعد اللام ، والثانية قبلها ، وتترجح مع إظهار أن ، وأنكر الكوفية كونها جارة ، وقوم كونها ناصبة ، ولا تفيد الناصبة علة ولا تتصرف ، بل تجر باللام ، ويجوز تأخير معلولها والفصل بلا النافية وما الزائدة وبهما لا بغير ذلك ، وجوزه الكسائي بمعمول وقسم وشرط ولا عمل ، وابن مالك وولده وتعمل ولا يقدم معمول منصوبها ، ولا على المعلول في الأصح ، وجوز الكوفية والمبرد النصب ب : (كما).

(ش) الثالث من نواصب المضارع كي ، ومذهب سيبويه والأكثرين أنها حرف مشترك ، فتارة تكون حرف جر بمعنى اللام فتفهم العلة ، وتارة تكون حرفا تنصب المضارع بعده ، واختلف هؤلاء فمذهب سيبويه أنها تنصب بنفسها ، ومذهب الخليل والأخفش أن (أن) مضمرة بعدها ، وذهب الكوفيون إلى أنها مختصة بالفعل فلا تكون جارة في الاسم ، وقيل : إنها مختصة بالاسم فلا تكون ناصبة للفعل.

واحتج من قال : إنها مشتركة ، بأنه سمع من كلام العرب : جئت لكي أتعلم ، وسمع من كلامهم كيمه ، فأما لكي أتعلم فهي ناصبة بنفسها ؛ لدخول حرف الجر عليها ، وليست فيه حرف جر ؛ لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر ، وأما كيمه فهي حرف جر بمعنى اللام كأنه قال : لمه ، ووجه الاستدلال من هذا اللفظ أنه قد تقرر من لسان العرب أن (ما) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها نحو : بم ولم وفيم وعم ، فإذا وقف عليها جاز أن تلحقها هاء السكت ويدل أيضا على أنها جارة دخولها على (ما) المصدرية كقوله :

__________________

١٠٠٢ ـ البيت من المنسرح ، وهو لأعرابي في شرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٤٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٨٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٦.

٢٢٩

١٠٠٣ ـ يراد الفتى كيما يضرّ وينفع

فرفع الفعل على معنى يراد الفتى للضر والنفع ، وأما جئت كي أتعلم فيحمل عندهم أن تكون الناصبة بنفسها ؛ إذ قد ثبت أنها تنصب بنفسها فتكون بمعنى أن ، واللام المقتضية للتعليل محذوفة كما تحذف في جئت أن أتعلّم ، ويحتمل عندهم أن تكون الجارة وتكون أن مضمرة بعدها كما أضمرت بعد غيرها من الحروف على ما سيأتي بيانه ، ويبنى على هذا المذهب فرع وهو أنه هل يجوز أن تدخل كي على (لا) أم لا يجوز؟ والجواب أنك إن قدرتها الجارة لم يجز ؛ لأن (كي) كاللام فلا تدخل عليها إلا مع (أن) كما في اللام نحو : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) [الحديد : ٢٩] ، وإن قدرتها الناصبة جاز نحو : كيلا تقدم.

وهي إذا كانت ناصبة لا يفهم منها السببية ؛ لأنها مع الفعل بعدها بتأويل المصدر كأن ولا تتصرف تصرف (أن) فلا تقع مبتدأة ولا فاعلة ولا مفعولة ولا مجرورة بغير اللام ، وتتعين الناصبة بعد اللام نحو : جئت لكي أتعلم ؛ لئلا يجمع بين حرفي جر ، ودخول اللام على الناصبة ؛ لكونها موصولة كأن ، ولذلك شبه سيبويه إحداهما بالأخرى.

وتتعين الجارة إذا جاءت قبل اللام نحو : جئت كي لأقرأ ، ف : (كي) حرف جر واللام تأكيد لها ، وأن مضمرة بعدها ، ولا يجوز أن تكون كي ناصبة للفصل بينها وبين الفعل باللام ، ولا يجوز الفصل بين الناصبة والفعل بالجار ولا بغيره ، ولا يجوز أن تكون كي زائدة ؛ لأن (كي) لم يثبت زيادتها في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه ، وهذا التركيب ـ أي : مجيء (كي) قبل اللام ـ نادر ، ومنه قول الطرماح :

١٠٠٤ ـ كادوا بنصر تميم كي ليلحقهم

وإضمار (أن) بعد الجارة على جهة الوجوب فلا يجوز إظهارها عند البصريين إلا في

__________________

١٠٠٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص ٢٤٦ ، وله أو للنابغة الذبياني في شرح شواهد المغني ١ / ٥٠٧ ، وللنابغة الجعدي ، أو للنابغة الذبياني أو لقيس بن الخطيم في خزانة الأدب ٨ / ٤٩٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٥ ، ولقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص ٢٣٥ ، وكتاب الصناعتين ص ٣١٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٣ ، وفي نسخة (يرجّى) بدلا من (يراد).

١٠٠٤ ـ عجز البيت :

فيه فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

والبيت من البسيط ، وهو للطرماح في ديوانه ص ١٢٩ ، «طبعة دار الشرق» ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١١.

٢٣٠

ضرورة ، وجوزه الكوفيون في السعة قال أبو حيان : والمحفوظ إظهارها بعد (كي) الموصولة بما كقوله :

١٠٠٥ ـ كيما أن تغرّ وتخدعا

ولا أحفظ من كلامهم جئت كي أن تكرمني ، ومع إظهار اللام نحو : جئت لكيما أن تقوم يترجح كونها جارة مؤكدة للام على كونها ناصبة مؤكدة بأن ؛ لأن (أن) هي التي وليت الفعل وهي أم الباب ، وما كان أصلا في بابه لا يجعل تأكيدا لما ليس أصلا مع ما فيه من الفصل بين الناصب والفعل ، واللام أصل في باب الجر فكانت كي توكيدا لها ، ولا يجوز أن تكون كي تأكيدا ل : (أن) ؛ لأن التأكيد في غير المصادر لا يتقدم على المؤكد.

ومن أحكام كي أنه لا يمتنع تأخير معلولها فيجوز أن تقول : كي تكرمني جئتك ، سواء كانت الناصبة أو الجارة وذلك أنها في المعنى مفعول من أجله وتقدم المفعول من أجله سائغ ، قال أبو حيان : وأجمعوا على أنه يجوز الفصل بينها وبين معمولها ب : (لا) النافية نحو : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) [الحشر : ٧] وب : (ما) الزائدة كقوله :

١٠٠٦ ـ تريدين كيما تجمعيني وخالدا

وبهما معا كقوله :

١٠٠٧ ـ أردت لكيما لا تري لي عشرة

ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل

وأما الفصل بغير (ما) فلا يجوز عند البصريين وهشام ومن وافقه من الكوفيين في الاختيار ، وجوزه الكسائي بمعمول الفعل الذي دخلت عليه وبالقسم وبالشرط فيبطل عملها فتقول : أزورك كي والله تزورني ، وأكرمك كي غلامي تكرم ، وأزورك كي إن تكافئ

__________________

١٠٠٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٨١ ، ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، ٤٨٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٣ ، ٢٣١ ، وشرح المفصل ٩ / ١٤ ، ١٦ ، وله أو لحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني ١ / ٥٠٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١١ ، وخزانة الأدب ص ١٢٥ ، وجواهر الأدب ص ١٢٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٧.

١٠٠٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب ٥ / ٨٤ ، ٨ / ٥١٤ ، وشرح الرضي ٤ / ٥٦ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٢١٩ ، ولسان العرب ٣ / ٢٦٦ ، مادة (ضمد) ، وللهذلي في إصلاح المنطق ٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٤.

١٠٠٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ثروان العكلي في خزانة الأدب ٨ / ٤٨٦ ، ولسان العرب ١١ / ٨ ، مادة (أثل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٠.

٢٣١

أكرمك ، واختار ابن مالك وولده جواز الفصل بما ذكر مع العمل ، قال أبو حيان : وهو مذهب ثالث لم يسبقا إليه.

وتقدم معمول معمولها ممنوع وله ثلاث صور :

أحدها : تقدمه على المعمول فقط نحو : جئت كي النحو أتعلم.

والثانية : على كي فقط نحو : جئت النحو كي أتعلم.

والثالثة على المعلول أيضا نحو : النحو جئت كي أتعلم.

وعليه المنع في الأولى للفصل ، وفي الثانية والثالثة أن كي من الموصولات ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول وإن كانت جارة ، فأن مضمرة وهي موصولة أيضا ، وفي الصورة الثانية خلاف للكسائي قال أبو حيان : ولا يبعد أن يجزي في الثالثة لكنه لم ينقل.

وأثبت الكوفيون من حروف النصب (كما) بمعنى (كيما) ، ووافقهم المبرد واستدلوا بقوله :

١٠٠٨ ـ وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنّه

كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر

وأنكر ذلك البصريون وتأولوا ما ورد على أن الأصل (كيما) حذفت ياؤه ضرورة ، أو الكاف الجارة كفت بما وحذف النون من الفعل ضرورة.

إذن

(ص) إذن الجمهور أنها حرف بسيط ، وقال الخليل : من (إذ أن) ، والرندي (إذا أن) ، وقوم اسم وأنها تنصب بنفسها لا بأن المضمرة وتليها جملة اسمية وخبر ذي خبر ، وإنما تنصب مستقبلا وليها مصدرة ، والرفع حينئذ لغية أنكرها الكوفيون ، فإن وليت عاطفا قلّ النصب ، أو ذا خبر امتنع ، وجوزه هشام بعد مبتدأ ، والكسائي بعد اسمي إن وكان ، ويفصل بقسم حذف جوابه ولا النافية ، وجوزه ابن بابشاذ بنداء ودعاء ، وابن عصفور والأبذي بظرف ، والكسائي وهشام والفراء بمعمول ، ثم اختار

__________________

١٠٠٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ١٠١ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٢٠ ، ولجميل بثينة في ديوانه ص ٩٠ ، ولعمر أو لجميل في شرح شواهد المغني ١ / ٤٩٨ ، وللبيد أو لجميل في المقاصد النحوية ٤ / ٤٠٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٨٦ ، والجنى الداني ٤٨٣ ، وجواهر الأدب ص ٢٣٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٠٢ ، ١٠ / ٢٢٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٨.

٢٣٢

الرفع والكسائي النصب وجوز تقدمه مع العمل ودونه ، والفراء وأبطله ، ولا نص للبصرية ، قال أبو حيان : ومقتضى قواعدهم المنع ، ومعناها قال سيبويه : الجواب والجزاء ، قال الشلوبين : دائما ، والفارسي : غالبا ، ولا يحذف معمول ناصب دونه ولا لدليل على الأصح.

(ش) اختلف النحويون في حقيقة (إذن) فذهب الجمهور إلى أنها حرف بسيط ، وذهب قوم إلى أنها اسم ظرف وأصلها ؛ إذ الظرفية لحقها التنوين عوضا من الجملة المضاف إليها ، ونقلت إلى الجزائية فبقي فيها معنى الربط والسبب ، ولهذا قال سيبويه : معناها الجواب والجزاء ، فقال الشلوبين : دائما في كل موضع ، وقال أبو علي الفارسي : غالبا في أكثر المواضع كقولك لمن قال : أزورك : إذن أكرمك ، فقد أجبته وجعلت إكرامه جزاء زيارته ، أي : إن تزرني أكرمتك.

قال : وقد تتمحض للجواب كقولك لمن قال : أحبك : إذن أصدقك ؛ إذ لا مجازاة هنا ، والشلوبين يتكلف في جعل مثل هذا جزاء ، أي : إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك ، وذهب الخليل إلى أنها حرف تركب من (إذ) و (أن) وغلب عليها حكم الحرفية ، ونقلت حركة الهمزة إلى الذال ثم حذفت ، والتزم هذا النقل فكأن المعنى إذا قال القائل : أزورك فقلت : إذ أن أكرمك ، قلت : حينئذ زيارتي واقعة ، ولا يتكلم بهذا ، وذهب أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي إلى أنها مركبة من (إذا) و (أن) ؛ لأنها تعطي ما تعطي كل واحدة منهما ، فتعطي الربط كإذا ، والنصب كأن ، ثم حذفت همزة أن ثم ألف إذا ؛ لالتقاء الساكنين ، وعلى الأول فهي ناصبة للمضارع بنفسها عند الأكثرين ؛ لأنها تقلبه إلى الاستقبال ، وقال الزجاج والفارسي : الناصب أن مضمرة بعدها لا هي ؛ لأنها غير مختصة ؛ إذ تدخل على الجمل الابتدائية نحو : إذن عبد الله يأتيك.

وتليها الأسماء مبنية على غير الفعل ، ولنصبها المضارع ثلاثة شروط :

أحدها : كونه مستقبلا فلو قيل لك : أحبك ، فقلت : إذن أظنك صادقا رفعت ؛ لأنه حال ومن شأن الناصب أن يخلص المضارع للاستقبال.

ثانيها : أن يليها فيجب الرفع في نحو : إذن زيد يكرمك للفصل ، ويغتفر الفصل بالقسم وبلا النافية خاصة ؛ لأن القسم تأكيد لربط إذن و (لا) لم يعتد بها فاصلة في أن ، فكذا في إذن ، قال الشاعر :

٢٣٣

١٠٠٩ ـ إذن والله نرميهم بحرب

وجوز أبو الحسن طاهر بن بابشاذ الفصل بينهما بالنداء والدعاء نحو : إذن يا زيد أحسن إليك ، وإذن يغفر الله لك يدخلك الجنة ، قال أبو حيان : ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع من العرب ، وأجاز ابن عصفور والأبذي الفصل بالظرف نحو : إذن غدا أكرمك ، وأجاز الكسائي وابن هشام والفراء الفصل بمعمول الفعل ، والاختيار عند الكسائي حينئذ النصب ، وعند هشام الرفع نحو : إذن فيك أرغب وأرغب وإذن صاحبك أكرم وأكرم ، فلو قدمت معمول الفعل على إذن نحو : زيدا إذن أكرم فذهب الفراء إلى أنه يبطل عملها ، وأجاز الكسائي إذ ذاك الرفع والنصب ، قال أبو حيان : ولا نص أحفظه عن البصريين في ذلك ، ومقتضى اشتراطهم التصدير في عملها ألا تعمل والحالة هذه ؛ لأنها غير مصدرة ، ويحتمل أن يقال : تعمل ؛ لأنها وإن لم تصدر لفظا فهي مصدرة في النية ؛ لأن النية بالمفعول التأخير.

ثالثها : أن تكون مصدرة فلا تنصب متأخرة نحو : أكرمك إذن بلا خلاف ؛ لأن الفعل المنصوب لا يجوز تقديمه على ناصبه ، وأما المتوسطة فإن افتقر ما بعدها إلى ما قبلها افتقار الشرط لجزائه نحو : إن تزرني إذن أكرمك أو القسم لجوابه نحو :

١٠١٠ ـ لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقيلها

أو الخبر للمخبر عنه نحو : زيد إذن يكرمك امتنع النصب في الصور كلها ، وفي الأخيرة خلاف فأجاز هشام النصب بعد مبتدأ كالمثال ، وأجازه الكسائي بعد اسم إن نحو:

١٠١١ ـ إني إذن أهلك أو أطيرا

__________________

١٠٠٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ملحق ديوانه ص ٣٧١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٦٨ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٤ ، ٣ / ٢٨٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٧٦ ، وشرح قطر الندى ص ٥٩ ، ومغني اللبيب ص ٦٩٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٣.

١٠١٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٣٠٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٧٣ ، ٤٧٤ ، ٤٧٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ٦٣ ، وشرح المفصل ٩ / ١٣ ، ٢٢ ، والكتاب ٣ / ١٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٦٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٦.

١٠١١ ـ الرجز بلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٧٧ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٦٦ ، والجنى الداني ص ٣٦٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٥٦ ، ٤٦٠ ، ورصف المباني ص ٦٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٤ ، وشرح التصريح ـ

٢٣٤

وبعد اسم كان نحو : كان عبد الله إذن يكرمك ، ووافق الفراء الكسائي في إن وخالفه في كان فأوجب الرفع ، ونص الفراء على تعين الرفع بعد ظن نحو : ظننت زيدا إذن يكرمك ، قال أبو حيان : وقياس قول الكسائي جواز النصب أيضا.

وإن وليت عاطفا قلّ النصب ، والأكثر في لسان العرب إلغاؤها قال تعالى : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٦] ، (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء : ٥٣] ، وقرئ شاذا لا يلبثوا ولا يؤتوا فمن ألغى راعى تقدم حرف العطف ، ومن أعمل راعى كون ما بعد العاطف جملة مستأنفة.

وإلغاء (إذن) مع اجتماع الشروط لغة لبعض العرب حكاها عيسى بن عمر ، وتلقاها البصريون بالقبول ووافقهم ثعلب ، وخالف سائر الكوفيين فلم يجر أحد منهم الرفع بعدها ، قال أبو حيان : ورواية الثقة مقبولة ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ إلا أنها لغة نادرة جدا ، ولذلك أنكرها الكسائي والفراء على اتساع حفظهما وأخذهما بالشاذ والقليل.

ونواصب المضارع لا يجوز أن يحذف معمولها وتبقى هي لا اقتصارا ولا اختصارا ، فلو قيل : أتريد أن تخرج؟ لم يجز أن تجيب بقولك : (أريد أن) ، وتحذف (أخرج) ، وأجازه بعض المغاربة مستدلا بما وقع في صحيح البخاري : «فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحدا» (١) ، يريد كيما يسجد ، قال : وهذا كقولهم : جئت ولما ، قال أبو حيان : وليس مثله ؛ لأن حذف الفعل بعد لما للدليل جائز منقول في فصيح الكلام ، ولم ينقل من نحو هذا شيء من كلام العرب.

لام الجحود

(ص) مسألة تنصب (أن) مضمرة لزوما بعد لام الجحود المؤكدة ، وليست لام كي على الصحيح ، وهي المسبوقة بكون ماض لفظا أو معنى منفي بما أو لم ، قيل : أو أخوات كان ، قيل : أو ظن ، قيل : أو كل فعل ، وحذف الخبر معها حتم غالبا ، وزعم

__________________

ـ ٢ / ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٧٠ ، وشرح المفصل ٧ / ١٧ ، ولسان العرب ٤ / ٤٠٨ ، مادة (شطر) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (٧٤٤٠).

٢٣٥

الكوفية النصب بها ، فمدخولها الخبر ، وهي زائدة للتأكيد ، وثعلب : بقيامها مقام (أن) ، والفهري : لا يرفع مدخولها ضمير السببي ، وجوز قوم إظهار (أن) مع حذفها ، وقوم دونه ، ولا تلي مفردا.

(ش) (أن) أم الباب فلهذا تنصب ظاهرة ومضمرة ، ولها إذا أضمرت حالان : حال وجوب ، وحال جواز.

فالأول بعد نوعين من الحروف : أحدهما ما هو حرف جر ، والآخر ما هو حرف عطف.

فالأول : حرفان :

أحدهما : اللام التي يسميها النحويون لام الجحود ، ومذهب البصريين أن النصب بعدها بأن مضمرة ، وذهب الكوفيون إلى أن الناصب هو لام الجحود نفسها ، وذهب ثعلب إلى أن اللام هي الناصبة لقيامها مقام أن.

وعلى الأول لا يجوز إظهار أن ؛ لأن إيجابه كان زيد سيقوم فجعلت اللام في مقابلة السين ، فكما لا يجوز أن يجمع بين أن الناصبة وبين السين ، فكذلك كرهوا أن يجمعوا بين اللام وأن في اللفظ ، وأجاز بعض الكوفيين إظهارها بفتح اللام تأكيدا كما جاز ذلك في (كي) نحو : ما كان زيد لأن يقوم ، قال أبو حيان : ويحتاج إلى سماع من العرب ، وأجاز بعض النحاة حذف اللام وإظهار (أن) نحو : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] ، أي : ليفترى ، وأوله المانعون بأن (أن) وما بعدها في تأويل المصدر ، والقرآن أيضا مصدر فأخبر بمصدر عن مصدر ، ولام الجحود عند البصريين تسمى مؤكدة لصحة الكلام بدونها ؛ إذ يقال في ما كان زيد ليفعل : ما كان زيد يفعل ، لا لأنها زائدة ؛ إذ لو كانت زائدة لما كان لنصب الفعل بعدها وجه صحيح ، قال أبو حيان : ومن أغرب المنقولات ما نقله بعض أصحابنا عن أبي البقاء من أن اللام في نحو : قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] هي لام كي ، وهذا نظير من سمى اللام في ما جئتك لتكرمني لام الجحود ، بل قول هذا أشبه ؛ لأن اللام جاءت بعد جحد لغة ، وإن كان ليس الجحد المصطلح عليه في لام الجحود وأما أن تسمى هذه لام كي فسهو من قائله ، وإنما تقع لام الجحود بعد كون منفي بما أو لم دون إن ، ولما هو ماض لفظا نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] ، أو

٢٣٦

معنى نحو : لم يكن زيد ليقوم ، ومذهب البصريين أن خبر كان حينئذ محذوف ، وأن هذه اللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف ، وأن الفعل ليس بخبر ، بل المصدر المنسبك من أن المضمرة والفعل المنصوب بها في موضع جر ، والتقدير ما كان الله مريدا لكذا ، والدليل على هذا التقدير أنه قد جاء مصرحا به في بعض كلام العرب قال :

١٠١٢ ـ سموت ولم تكن أهلا لتسمو

فصرح بالخبر الذي هو أهلا مع وجود اللام والفعل بعدها ، ومذهب الكوفيين أن الفعل في موضع نصب على أنه الخبر واللام زائدة للتأكيد.

وذهب بعض النحويين إلى أن لام الجحود تكون في أخوات كان قياسا عليها نحو : ما أصبح زيد ليضرب عمرا ، ولم يصبح زيد ليضرب عمرا ، وزعم بعضهم أنها تكون في ظننت وأخواتها نحو : ما ظننت زيدا ليضرب عمرا ، ولم أظن زيدا ليضرب عمرا ، قال أبو حيان : وهذا كله تركيب لم يسمع فوجب منعه ، وذهب بعضهم إلى أنها تدخل في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو : ما جئت لتكرمني ، قال أبو حيان : وهذا فاسد ؛ لأن هذه لام كي والفرق بينهما من وجوه كثيرة ستأتي.

حتى

(ص) وبعد حتى الجارة ، وزعمها الفراء غيرها والنصب بها ، والكسائي بها ، والجر بإلى مضمرة جوازا ، وقوم ناصبة جارة بنفسها تشبيها بأن وإلى ، وعليها يجوز إظهار (أن) ، وعلى الأصح قد يظهر مع معطوف منصوبها ومعناها كي أو إلى ، قال الخضراوي وابن مالك : أو إلا ، وإنما تنصب مستقبلا وجوبا إن كان حقيقة ، وإلا فجوازا ، وترفع الحال أو المؤول كذلك بأن يكون مسببا عما قبلها فضلة صالحا لحلول الفاء محلها ، والأصح تعين النصب مع فعل غير موجب وقلما لا (كثرما) و (طالما) ، وربما جوزه الكسائي لرفع مستقبل غير سبب ونصب حال مسبب ، والنصب بها مطلقا لغة ، ولا تفصل ، وجوزه الأخفش وابن السراج بظرف وشرط ماض ، وهشام بقسم ومفعول وجر ، والأخفش وابن مالك تعليقها.

(ش) الحرف الثاني حتى وكونها الجارة والنصب بعدها ب : (أن) لازمة الإضمار

__________________

١٠١٢ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

٢٣٧

وجوبا هو مذهب البصريين ، واستدلوا بثبات كونها جارة للاسم بدليل حذف (ما) الاستفهامية بعدها نحو :

١٠١٣ ـ فحتّام حتّام العناء المطوّل

وإذا ثبت ذلك انتفى كونها ناصبة للفعل لما تقرر من أن عوامل الأسماء لا تكون عوامل في الأفعال ؛ لأن ذلك ينفي الاختصاص ، واختلف الكوفيون فذهب الفراء إلى أنها ناصبة بنفسها وليست الجارة ، وعنده أن الجر بعدها إنما هو لنيابتها مناب إلى ، وذهب الكسائي إلى أنها ناصبة بنفسها أيضا ، وأنها جارة بإضمار إلى وهذا عكس مذهب البصريين ، ثم إنه جوز إظهار (إلى) بعدها ، فقال : الجر بعد حتى يكون بإلى مظهرة ومضمرة ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ناصبة بنفسها ك : أن ، أو جارة بنفسها أيضا تشبيها بإلى ، ومع قول الكوفيين : إنها ناصبة بنفسها أجازوا إظهار أن بعدها ، قالوا : لو قلت : لأسيرن حتى أن أصبح القادسية جاز ، وكان النصب بحتى وأن توكيد كما أجازوا ذلك في لام الجحود ، وعلى قول البصريين لا تظهر وقد تظهر في المعطوف على منصوبها ؛ لأن الثواني تحتمل ما لا تحتمله الأوائل كقوله :

١٠١٤ ـ حتّى تكون عزيزا من نفوسهم

أو أن تبين جميعا وهو مختار

وفيه دليل لقولهم : إن (أن) مضمرة بعدها ، وحتى هذه هي المرادفة لكي الجارة أو إلى ، بخلاف الابتدائية التي لا ترادف واحدا منهما ، فالمرادفة ل : (كي) نحو : أسلمت حتى أدخل الجنة ، فهي هنا حرف تعليل ، والمرادفة لإلى نحو : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١] فهي هنا حرف غاية ، قال أبو حيان : والذي ذكره معظم النحويين في معنى حتى هذه أنها تكون للتعليل أو الغاية فهي تنصب عندهم على أحد هذين المعنيين ، وزاد ابن مالك أن تكون مرادفة ل : (إلا أن) فتكون للاستثناء وأنشد عليه :

__________________

١٠١٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١١١ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٠٩ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٦٣ ، مادة (لوم) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٩٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٠.

١٠١٤ ـ البيت من البسيط ، وهو ليزيد بن حمار (أو حمّان) السكوني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٠١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٣٧.

٢٣٨

١٠١٥ ـ ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

قال أبو حيان : وقد أغنانا ابنه عن الرد عليه في ذلك ، وقال : إنه يصح فيه تقدير (إلى أن) ، وإذا احتمل أن تكون حتى فيه للغاية فلا دليل في البيت على أن حتى بمعنى إلا أن ، وقال ابن هشام الخضراوي في حديث «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه» (٢) : عندي أنه يجوز أن يكون (على الفطرة) حالا من الضمير ، ويولد في موضع خبر ، وحتى بمعنى إلا أن المنقطعة كأنه قال : إلا أن يكون أبواه ، والمعنى لكن أبواه يهودانه أو ينصرانه. قال : وقد ذكر النحويون هذا المعنى في أقسام (حتى) ، ومنه قوله :

١٠١٦ ـ والله لا يذهب شيخي باطلا

حتى أبير مالكا وكاهلا

المعنى : إلا أن أبير وهو منقطع بمعنى لكن أبير انتهى.

وإنما ينصب المضارع بعد حتى إذا كان مستقبلا نحو : لأسيرن حتى أصبح القادسية ، أو ماضيا في حكم المستقبل نحو : سرت حتى أدخل المدينة ، فهذا مؤول بالمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل حتى ، فهو مستقبل بالإضافة إليه ، فإن كان حالا أو مؤولا به رفع ، وذلك بأن يكون ما قبلها سببا لما بعدها ، ولا يكونان متصلي الوقوع فيما مضى ، بل ما قبل حتى وقع ومضى وما بعدها في حال الوقوع ، وعلامة ذلك صلاحية جعل الفاء مكان حتى نحو : قولهم مرض فلان حتى لا يرجونه ، أي : فهو الآن لا يرجى ، وضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرك اليوم والمؤول بالحال أن يكون ما بعد حتى لم يقع ، لكنك متمكن من إيقاعه في الحال نحو : سرت حتى أدخل المدينة ، أي : فأنا الآن متمكن من دخول المدينة

__________________

١٠١٥ ـ البيت من الكامل ، وهو للمقنع الكندي في خزانة الأدب ٣ / ٣٧٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٧٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٢ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٥٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٦٠ ، ٣ / ٢٩٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٢.

١٠١٦ ـ الرجز لامرىء القيس في ديوانه ص ١٣٤ ، والأغاني ٩ / ٨٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٢١٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٢ ، ومعجم ما استعجم ص ٥٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٣.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه (١٣٥٨) ، ومسلم ، كتاب القدر ، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة .. (١٦٥٨).

٢٣٩

لا أمنع من ذلك ، وشرط الرفع أيضا أن يكون ما بعدها فضلة ، فلو كان واقعا خبر المبتدأ أو خبر كان أو نحوهما وجب نصبه نحو : كان سيري حتى أدخلها ؛ لأنه لو رفع كانت حتى حرف ابتداء فيبقى المخبر عنه بلا خبر ، وأجاز الكسائي رفع المستقبل إذا كان غير مسبب عما قبل نحو : سرت حتى تطلع الشمس ، ونصب الحال إذا كان مسببا عما قبل وجوزه في قول حسان :

١٠٠٧ ـ يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم

ورد بعدم السماع وبمخالفته للقياس بأن النواصب من مخلصات المضارع للاستقبال.

ويتعين النصب عند سيبويه والأكثرين بعد فعل غير موجب وهو المنفي وما فيه الاستفهام وقلما نحو : ما سرت حتى أدخل المدينة وقلما سرت حتى أدخلها ، إذا أردت بقلما النفي المحض ، وأسرت حتى تدخل المدينة؟ وإنما لم يجز الرفع ؛ لأنه على معنى السببية للأول في الثاني والأول منفي لم يقع ، فلا يكون نفي السبب موجبا لوجود مسببه ، وخالف الأخفش فجوز الرفع على أن أصل الكلام موجب وهو سرت حتى أدخل المدينة ، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره فنفت أن يكون سير كان عند دخول ، فكأنك قلت :ما وقع السير الذي كان سببا لدخول المدينة ، واتفقوا على أن الرفع في ذلك غير مسموح وإنما أجازه الأخفش ومن تبعه قياسا ، ولو أريد بقلما التقليل لا النفي فكذلك عند سيبويه ، وجوز أبو علي والرماني وجماعة الرفع بعدها.

وذهب طائفة من القدماء إلى امتناع الرفع أيضا بعد (كثر ما) و (طالما) و (ربما) نحو : كثر ما سرت حتى أدخلها ، وطالما سرت حتى أدخلها ، وربما سرت حتى أدخلها إلحاقا لها بقلما ، إلا أن السير لما كان مجهول العدد غير معلوم المراتب صار بمنزلة ما ليس بواجب ، وعارضه سيبويه بقولهم : مررت غير مرة حتى أدخلها ؛ لأنهم كانوا يجيزون الرفع في هذه المسألة ، وفيه (غير مرة) الذي من أجله صار السير عندهم ليس معلوما ، وحكى الجرمي في (الفرخ) أن من العرب من ينصب بحتى في كل شيء ، قال أبو حيان : وهي لغة شاذة.

__________________

١٠١٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٨ ، ٢ / ٩٦٤ ، والكتاب ٣ / ١٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٢ ، ٣ / ٣٠١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٢.

٢٤٠