همع الهوامع - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

بجواز الفاء ولن وتنفيس ، وكونها طلبية ، وعدم قيام مفرد مقامها ، ومن ثم لا محل لها ولا للمستأنفة ، والمجاب بها قسم ، أو شرط غير جازم ، أو غير مقترن بالفاء ، أو (إذا) ، والصفة ، قالوا : والمفسرة الكاشفة حقيقة ما تليه صدرت بحرف أو لا ، والمختار أنها بحسبه وفاقا للشلوبين ، وأنه لا محل لتالي (حتى) ، وفي أفعال الاستثناء ومذ ومنذ خلف.

(ش) لما انقضى الكلام على الجملة الحالية ، وكان من الجمل ما يشبهها وهي الاعتراضية نبه عليها عقبها ، وذكر ما تتميز به عنها ، ولما كان من وجوه التمييز كونها لا محل لها من الإعراب استطرد إلى ذكر بقية الجمل التي لا محل لها ، والاعتراضية هي التي تفيد تأكيدا وتسديدا للكلام الذي اعترضت بين أجزائه ، وفي «البسيط» : شرطها أن تكون مناسبة للجملة المقصودة بحيث تكون كالتأكيد ، أو التنبيه على حال من أحوالها ، وألا تكون معمولة لشيء من أجزاء الجملة المقصودة ، وألا يكون الفصل بها إلا بين الأجزاء المنفصلة بذاتها ، بخلاف المضاف والمضاف إليه ؛ لأن الثاني كالتنوين منه على أنه قد سمع قطع بينهما نحو : لا أخا فاعلم لزيد انتهى.

والاعتراضية تقع بين جزأي صلة إما بين الموصول وصلته كقوله :

٩٥٢ ـ ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا

أو بين أجزاء الصلة نحو : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) [يونس : ٢٧] الآيات ، فإن (وَتَرْهَقُهُمْ) عطف على (كَسَبُوا) فهي من الصلة ، وما بينهما اعتراض بيّن به قدر جزائهم ، والخبر جملة (ما لَهُمْ ،) وبين جزأي إسناد إما بين المبتدأ والخبر كقوله :

٩٥٣ ـ وفيهنّ والأيّام يعثرن بالفتى

أو بين ما أصله المبتدأ والخبر كقوله :

__________________

٩٥٢ ـ تقدم مع الشاهد رقم (٢٧٧) ، وهو لجرير في ديوانه ص ٥٨٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩١ ، والمقرب ١ / ٦٢ واللسان مادة (تره) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٠.

٩٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لمعن بن أوس في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٦١ ، والخصائص ١ / ٣٣٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٠٨ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٦.

٢٠١

٩٥٤ ـ لعلّك والموعود حقّ لقاؤه

بدا لك في تلك القلوص بداء

وقوله :

٩٥٥ ـ يا ليت شعري والمنى لا تنفع

هل أغدون يوما وأمري مجمع

وقوله :

٩٥٦ ـ إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا

وقوله :

٩٥٧ ـ أراني ولا كفران لله إنما

أواخي من الأقوام كل بخيل

أو بين الفعل ومرفوعه كقوله :

٩٥٨ ـ وقد أدركتني والحوادث جمّة

أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل

أو بين الفعل ومفعوله كقوله :

٩٥٩ ـ وبدّلت والدّهر ذو تبدّل

هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل

__________________

٩٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لمحمد بن بشير في ديوانه ص ٢٩ ، والأغاني ١٦ / ٧٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢١٣ ، ٢١٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٨١٠ ، وللشماخ بن ضرار في ملحق ديوانه ص ٤٢٧ ، ولسان العرب ١٤ / ٦٦ ، مادة (بدا) ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٤٠ ، وسمط اللآلي ص ٧٠٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٢١٨ ، ومغني اللبيب ص ٣٨٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤.

٩٥٥ ـ الرجز بلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٢٦٣ ، والخصائص ٢ / ١٣٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١١ ، ولسان العرب ٨ / ٥٧ ، مادة (جمع) ، ١٤ / ٣٥٧ ، مادة (رمى) ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٨ ، ونوادر أبي زيد ص ١٣٣ ، والتاج مادة (جمع) ، وتهذيب اللغة ١ / ٣٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠٠.

٩٥٦ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٤ ، وسفر السعادة ص ٧٩٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٧٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢١٩ ، والخصائص ١ / ٣٤٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٣ ، وشرح المفصل ٢ / ٣ ، ٣ / ٧٢ ، والكتاب ٢ / ١٨٥ ، ١٨٦ ، ولسان العرب ٥ / ٢١١ ، مادة (نصر) ، ولذي الرمة في شرح شذور الذهب ص ٥٦٤ ، وليس في ديوانه ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٠.

٩٥٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٥٠٨ ، والكتاب ٣ / ١٣١ ، وشرح المفصل ٨ / ٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٠٤.

٩٥٨ ـ البيت من الطويل ، لرجل من بني دارم في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٠٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٠ ، واللسان مادة (هيم) ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٢.

٩٥٩ ـ الرجز لأبي النجم العجلي في خزانة الأدب ٢ / ٣٩١ ، والخصائص ١ / ٣٣٦ ، وشرح شواهد ـ

٢٠٢

وبين جزأي شرط ، أي : بين الشرط وجوابه نحو : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] ، وبين جزأي قسم ، أي : بين القسم وجوابه نحو : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَ) [ص : ٨٤ ـ ٨٥] ، وبين جزأي إضافة وتقدم ، وبين جزأي جر ، أي : بين الجار والمجرور نحو : اشتريته بأرى ألف درهم ، وبين جزأي صفة ، أي : بين الصفة وموصوفها نحو : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦] ، وبين الحرف ومدخوله كقوله :

٩٦٠ ـ ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت

وقوله

٩٦١ ـ كأنّ وقد أتى حول جديد

أثافيها حمامات مثول

وقوله :

٩٦٢ ـ وسوف إخال أدري

وقوله :

٩٦٣ ـ أخالد قد والله أوطأت عشوة

وقوله :

٩٦٤ ـ ولا أراها تزال ظالمة

__________________

ـ المغني ١ / ٤٥٠ ، ٢ / ٨٠٨ ، والطرائف الأدبية ص ٥٨ ، وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٤٩ ، مادة (بدل) ، ومغني اللبيب ٣ / ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٧.

٩٦٠ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ١٧١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢٤ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ٩٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٥٥ ، وتخليص الشواهد ٤٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨١ ، ٢ / ٦٣ ، وشرح ابن عقيل ٢٥٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢١.

٩٦١ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي الغول الطهوي في شرح شواهد المغني ٢ / ٨١٨ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥١ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣٧ ، ولسان العرب ١٤ / ١١٣ ، مادة (ثفا) ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩٢ ، والمنصف ٢ / ١٨٥ ، ٣ / ٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٦.

٩٦٢ ـ تقدم الشاهد برقم (٥٩٩).

٩٦٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لأخي يزيد في شرح شواهد المغني ص ٤٨٨ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٦ ، والجنى الداني ص ٢٦٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٢٠ ، ومغني اللبيب ص ٢٨٤ ، ٣٩٣ ، وهو لأخي يزيد بن عبد الله البجلي كما في شرح شواهد المغني ص ٤٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٦.

٩٦٤ ـ تقدم الشاهد برقم (٣٥٧).

٢٠٣

وتتميز الاعتراضية من الحالية بأمور :

أحدها : أنه يجوز اقترانها بالفاء كقوله :

٩٦٥ ـ واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتي كلّ ما قدرا

الثاني : أنه يجوز اقترانها بدليل استقبال (لن) في (وَلَنْ تَفْعَلُوا ،) وحرف التنفيس في (وسوف إخال).

الثالث : أنه يجوز كونها طلبية كقوله :

٩٦٦ ـ إنّ الثّمانين وبلّغتها

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

الرابع : أنه لا يقوم مقامها مفرد بخلاف جملة الحال ، ومن ثم كان محل جملة الحال النصب ، ولم يكن للاعتراضية محل من الإعراب.

وكذا سائر الجمل التي لا محل لها إنما سببه عدم حلول مفرد محلها ، وهي المستأنفة الواقعة ابتداء كلام لفظا ونية نحو : زيد قائم وقام زيد أو نية لا لفظا نحو : راكبا جاء زيد ، والمجاب بها القسم نحو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، والواقعة جواب شرط غير جازم مطلقا كجواب (لو) و (لو لا) و (لما) و (كيف) ، أو شرط جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية نحو : إن لم تقم أقم ، وإن قمت قمت ، أما الأول : فلظهور الجزم في لفظ الفعل ، وأما الثاني : فلأن المحكوم لموضعه بالجزم الفعل لا الجملة بأسرها ، والواقعة صلة لاسم أو حرف نحو : جاء الذي قام أبوه وأعجبني أن قمت ، والمفسرة وهي الكاشفة لحقيقة ما تليه سواء صدرت بحرف التفسير نحو : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) [المؤمنون : ٢٧].

٩٦٧ ـ وترميني بالطّرف ، أي : أنت مذنب

__________________

٩٦٥ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣٧٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٩٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٤.

٩٦٦ ـ البيت من السريع ، وهو لعوف بن محلم في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٢١ ، وطبقات الشعراء ص ١٨٧ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣٦٩ ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٥٩ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٨ ، ٣٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٥.

٩٦٧ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٢٣ ، والجنى الداني ص ٢٣٣ ، وجواهر الأدب ص ٢١٨ ، ٤١١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥٥ ، ٢٢٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٣٤ ، ٢ / ٨٢٨ ، وشرح المفصل ٨ / ١٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٥.

٢٠٤

أم لم يصدر به نحو : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩] الآية ، فجمله (خلقه) إلى آخره تفسير لمثل آدم ، (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ) [الصف : ١٠] ، ثم قال : (تُؤْمِنُونَ) [الصف : ١١] ، والقول بأن المفسرة لا محل لها هو المشهور ، وقال الشلوبين : إنه ليس على ظاهره ، والتحقيق أنها على حسب ما كانت تفسيرا له ، فإن كان المفسر له موضع فكذلك هي ، وإلا فلا ، ومما له موضع قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [المائدة : ٩] ، فقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) في موضع نصب ؛ لأنه تفسير للموعود به ، ولو صرح بالموعود به لكان منصوبا ، وكذلك (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ) [القمر : ٤٩] ف : (خلقناه) فسر عاملا في (كُلَّ شَيْءٍ ،) وله موضع كما للمفسر ؛ لأنه خبر لإن ، وهذا الذي قاله الشلوبين هو المختار عندي ، وعليه تكون الجملة عطف بيان أو بدلا.

وقد اختلف في جمل ألها محل أم لا؟ ومنشأ الخلاف أهي مستأنفة أم لا؟ الأولى الجملة بعد حتى الابتدائية كقوله :

٩٦٨ ـ حتى ماء دجلة أشكل

فقال الجمهور : إنها مستأنفة فلا محل لها ، وقال الزجاج وابن درستويه : إنها في موضع جر بحتى ، ورد بأن حروف الجر لا تعلق عن العمل.

الثانية : جمل أفعال الاستثناء ليس ولا يكون وخلا وعدا وحاشا ، فقال السيرافي : حال ؛ إذ المعنى قام القوم خالين عن زيد ، وقال قوم : مستأنفة وصححه ابن عصفور ؛ إذ لا رابط لها بذي الحال.

الثالثة : جملة مذ ومنذ وما بعدهما وقد قدمت ذلك عند شرحهما في الظروف.

وعلم أن ما عدا ما ذكر من الجمل له محل من الإعراب.

__________________

٩٦٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٣ ، والأزهية ص ٢١٦ ، والجنى الداني ص ٥٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٧ ، وشرح المفصل ٨ / ١٨ ، واللمع ص ١٦٣ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٦ ، والأخطل في الحيوان ٥ / ٣٣٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٢ ، واللسان مادة (شكل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٣.

٢٠٥

إجراء الحال مجرى الظرف في التركيب :

(ص) مسألة : وردت منه ألفاظ مركبة منها ما أصله العطف ك : شغر وشذر ومذر وأخول أخول وحيث بيث وبيت بيت ، وما أصله الإضافة كبادئ بدء وأيادي سبأ ، فقال قوم : مبنية كخمسة عشر ، وقوم : مركبة تركيب الإضافة وحذف التنوين من الثاني للإتباع.

(ش) لما كانت الحال شبيهة بالظرف حتى قيل فيها : إنها مفعول فيها من حيث المعنى ، وتوسعوا فيها توسع الظروف أجريت مجراها أيضا في الجريان كخمسة عشر ، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها فمنها ما أصله العطف نحو : تفرقوا شغر بغر بمعنى منتشرين ، وشذر مذر بفتح أولهما وكسره بمعنى متفرقين ، وأخول أخول في قوله :

٩٦٩ ـ سقاط شرار القين أخول أخولا

بمعنى متفرقا ، وتركت البلاد حيث بيث بمعنى مبحوثة ، أي : بحث عن أهلها واستخرجوا منها ، وهو جاري بيت بيت بمعنى مقاربا ، ولقيته كفة كفة بمعنى مواجها ، ومنها ما أصله الإضافة كبادئ بدء بمعنى مبدوء به ، وتفرقوا أيادي سبأ بمعنى مثل أيادي سبأ.

والذي جزم به ابن مالك أن هذه الألفاظ مركبة تركيب خمسة عشر مبنية على الفتح للسبب الذي بني لأجله خمسة عشر وهو تضمن معنى حرف العطف في القسم الأول ، وشبه ما هو متضمن له في الثاني ، وذكر صاحب «البسيط» : أنها ليست بمبنية ، بل مضافة ، وإنما حذف التنوين من الثاني للإتباع ، وحركة الإتباع ليست حركة إعراب فهو مخفوض في التقدير ، كما أتبع الأول في يا زيد بن عمرو ، للثاني في حركته.

منع حذف الحال وجواز حذف عامله :

(ص) مسألة : تحذف إلا إن حصر أو نهي عنه أو كان جوابا ، أو ناب عنه خبر ،

__________________

٩٦٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لضابىء بن الحارث في الخصائص ٣ / ٢٩٠ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٥٩ ، ولسان العرب ٧ / ٣١٦ ، مادة (سقط) ١١ / ٢٢٦ ، مادة (خول) ، والمحتسب ٢ / ٤١ ، ونوادر أبي زيد ص ١٤٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٦٢١ ، والخصائص ٢ / ١٣٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٩٨ ، والمحتسب ١ / ٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٠.

٢٠٦

أو عن فعله وعامله لا المعنوي عند الأكثر ، ويجب إن جرى مثلا ، أو بين نقصا أو زيادة بتدريج مع الفاء وثم ، أو كان مؤكدا أو نائبا أو توبيخا.

(ش) الأصل في الحال أن تكون جائزة الحذف وقد يعرض لها ما يمنع منه ككونها جوابا نحو : راكبا لمن قال : كيف جئت؟ أو مقصودا حصرها نحو : لم أعده إلا حرضا ، أو نائبة عن خبر نحو : ضربي زيدا قائما ، أو عن اللفظ بالفعل نحو : هنيئا لك ، أو منهيا عنه نحو : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ، (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [لقمان : ١٨].

ويجوز حذف عاملها ؛ لقرينة حالية كقولك للمسافر : راشدا مهديا ، أي : تذهب ، وللقادم : مسرورا ، أي : رجعت ، وللمحدث : صادقا ، أي : تقول ، أو لفظية نحو : راكبا لمن قال : كيف جئت؟ وبلى مسرعا لمن قال : لم ينطلق ، ومنه : (بَلى قادِرِينَ) [القيامة : ٤] ، أي : نجمعها ، ويستثنى ما إذا كان العامل معنويا كالظرف والمجرور واسم الإشارة ونحوه ، فإنه لا يجوز حذفه عند الأكثر فهم أم لا لضعفه في نفسه ، ولأنه إنما عمل بالنيابة والفرع لا يقوى قوة الأصل ، ولأنه يجتمع فيه تجوزان تنزيله منزلة الفعل وحذفه ، وأجاز المبرد الحذف في الظرف فقال في قوله :

٩٧٠ ـ وإذ ما مثلهم بشر

إن (مثلهم) حال ، والتقدير وإذ ما في الدنيا بشر مثلهم.

وجوب حذف العامل :

وقد يجب حذف العامل كأن جرى مثلا كقولهم : (حظيين بنات صلفين كنات) ، أي : عرفتهم ، أو بين نقصا أو زيادة بتدريج ، أي : شيئا فشيئا نحو : بعته بدرهم فصاعدا أو فسافلا ، أي : فزاد الثمن صاعدا أو فذهب صاعدا أو فانحط سافلا ، وشرط نصب هذه الحال أن تكون مصحوبة بالفاء أو بثم ، والفاء أكثر في كلامهم ، ولا يجوز أن تكون بالواو لفوات معنى التدريج معها ، ولفظة (فسافلا) ذكرها ابن مالك.

قال أبو حيان : ولم أرها لغيره فإن لم ينقل عن العرب فهي ممنوعة ؛ لأن حذف العامل في الحال وجوبا على خلاف الأصل ، ومما التزم حذف عامله الحال المؤكدة ،

__________________

٩٧٠ ـ تقدم الشاهد برقم (٤٢٤).

٢٠٧

والنائبة عن خبر والواقعة بدلا من اللفظ بفعله كهنيئا مريئا ، أي : ثبت له ذلك ، والواقعة توبيخا نحو : أقائما وقد قعد الناس؟ ألاهيا وقد جد قرناؤك؟.

التمييز :

(ص) التمييز هو نكرة بمعنى (من) رافع لإبهام جملة ، أو مفرد عددا ، أو مبهم مقدارا أو مماثلة ، أو مغايرة ، أو تعجب بالنص على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين أو نون ، ومنع الكوفية التمييز بمثل وغير ، وأبو ذر ب : (ما) في نعم ، والأعلم عن التعجب.

(ش) التمييز ويقال له : المميز والتبيين والمبين والتفسير والمفسر : نكرة فيه معنى (من) الجنسية رافع لإبهام جملة نحو : تصبب زيد عرقا ، أو مفرد عددا نحو : أحد عشر رجلا ، أو مبهم كمقدار كيل أو وزن أو مساحة أو شبهها كمثقال ذرة ، وذنوب ماء ، ونحي سمنا ، أو مماثلة نحو : «مثل أحد ذهبا» (١) ، أو مغايرة نحو : لنا غيرها شاء ، أو تعجب نحو : ويحه رجلا ، وما أنت جارة ، ويا حسنها ليلة ، وناهيك رجلا.

وقولي : (بالنص على جنس المراد) يتعلق بقولي : (رافع لإبهام)».

والحال والتمييز مشتركان في سائر القيود إلا في كونه بمعنى (من) ، وإنما يأتي التمييز بعد تمام بإضافة نحو : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [آل عمران : ٩١] ، (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] ، أو تنوين ظاهر كرطل زيتا ، أو مقدر كخمسة عشر ، أو نون تثنية كمنوين سمنا ، أو نون جمع نحو : (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : ١٠٣] ، أو شبه الجمع نحو : ثلاثين ليلة ، وشملت النكرة كل نكرة.

وقد اختلف في نكرات : منها (مثل) فمنع الكوفيون التمييز بها ؛ لإبهامها فلا يبين بها ، وأجازه سيبويه فيقول : لي عشرون مثله ، وحكى : لي ملء الدار أمثاله ، ومنها (غير) فمنع الفراء التمييز بها ؛ لأنها أشد إبهاما ، وأجازه يونس وسيبويه ؛ لأنه لا يخلو من فائدة ؛ إذ أفاد أن عنده ما ليس بمماثل لهذا ، وهذا المقدار فيه تخصيص ، ومنها (ما) في باب نعم ، وأجاز الفارسي أن تكون نكرة تامة بمعني شيء وتنتصب تمييزا ، وتبعه الزمخشري ،

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب ما أدّي زكاة فليس بكنز (١٤٠٨).

٢٠٨

ومنع ذلك قوم منهم أبو ذر مصعب بن أبي بكر الخشني ، وذهب الأعلم فيما تقدم أنه منصوب عن التعجب إلا أنه مما انتصب عن تمام الكلام.

ناصب التمييز وجاره :

(ص) وناصبه مميزه تشبيها (بأفعل من) ، أو باسم الفاعل ، قولان ، وتجره الإضافة إن حذف التنوين أو النون ، ولا يحذف غيره إلا مضاف يغني عنه التمييز ، وتجب إضافة مفهم مقدار إن كان في الثاني معنى اللام أو جزء ، ويختار في نحو : جبة خز ، ويجوز نصبه تمييزا وحالا ، وإظهار (من) مع كل تمييز إلا (أفعل) ، والعدد ونعم ومنقول فاعل ومفعول وهي تبعيض ، وقيل : زائدة وإن كان المقدار من جنسين جاز عطف أحدهما ، خلافا للفراء.

(ش) تمييز المفرد ينصبه مميزه كعشرين ميلا وعشرين درهما ، ورطل وقفيز وذراع في : رطل زيتا ، وقفيز برا ، وذراع ثوبا ، وجاز لمثل هذه أن تعمل وإن كانت جامدة ؛ لأن عملها على طريق التشبيه ، واختلف البصريون في الذي شبهت به ، فقيل : باسم الفاعل في طلبها اسما بعدها ، وقيل : (بأفعل من) في طلبها اسما بعدها على طريق التبيين ملتزما فيه التنكير.

قال أبو حيان : وهو أقوى ؛ لأن اسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ويعمل في النكرة وغيرها ، ويجر التمييز بإضافة ما قبله إليه إن حذف التنوين أو النون نحو : رطل زيت ، وإردب شعير ، ومنوا سمن ، ولا يحذف شيء غير التنوين أو النون إلا مضاف إليه صالح لقيام التمييز مقامه ، نحو : زيد أشجع الناس رجلا ، فيقال : أشجع رجل ، فإن لم يصلح لذلك نحو : لله دره رجلا ، وويحه رجلا ، لم يجز الحذف ، فلا يقال : لله در رجل ، ولا ويح رجل ، والمقادير إذا أريد بها الآلات التي يقع بها التقدير لا يجوز إلا إضافتها ، نحو : عندي منوا سمن ، وقفيز بر وذراع ثوب ، يريد الرطلين اللذين يوزن بهما السمن ، والمكيال الذي يكال به البر ، والآلة التي يذرع بها الثوب.

وإضافة هذا النوع على معنى (اللام) لا على معنى (من) ، وكذا تجب الإضافة فيما ميز بجزء منه نحو : غصن ريحان وثمرة نخلة وحب رمان وسعف مقل ، هذا إن لم تتغير تسميته بالتبعيض بأن بقي على اسمه الأول ، فإن تغيرت كجبة خز وخاتم فضة وسوار ذهب ، فإنها أسماء حادثة بعد التبعيض والعمل الذي هيأها للهيئات اللائقة بها ، فلك في هذا النوع الجرّ بالإضافة والنصب على التمييز أو الحال ، والإضافة أرجح ؛ لأن الحال يحوج إلى التأويل بمشتق كما تقدم.

٢٠٩

والتمييز باب ضعيف ؛ لكونه في خامس رتبة من الفعل ؛ لأن النصب فيه على التشبيه ب : (أفعل من) و (أفعل من) مشبه بالصفة المشبهة وهي مشبهة باسم الفاعل وهو بالفعل فلا يحسن إلا عند تعذر الإضافة وإذا كان المقدار مخلطا من جنسين فقال الفراء : لا يجوز عطف أحدهما على الآخر ، بل تقول : عندي رطل سمنا عسلا إذا أردت أن عندك من السمن والعسل مقدار رطل ؛ لأن تفسير الرطل ليس للسمن وحده ولا للعسل وحده ، وإنما هو مجموعهما فجعل سمنا عسلا اسما للمجموع على حد قولهم : هذا حلو حامض.

وذهب غيره إلى أن العطف بالواو ؛ لأن الواو الجامعة تصير ما قبلها وما بعدها بمنزلة شيء واحد ، ألا ترى أنك تقول : هذان زيد وعمرو فصيرت الواو الجامعة زيدا وعمرا خبرا عن (هذان) ، ولا يمكن أن يكون زيد على انفراده خبرا ولا عمرو على انفراده ، وكذلك زيد وعمرو قائمان.

وقال بعض المغاربة : الأمران سائغان العطف وتركه ، ويجوز إظهار (من) مع كل تمييز ذكر في هذا الفصل أو غيره نحو : ملء الأرض من ذهب ، وإردب من قمح ، ولي أمثالها من إبل ، وغيرها من شاء ، وويحه من رجل ، ولله دره من فارس ، وحسبك من رجل ، و (ما أنت من جارة) قال :

٩٧١ ـ يا سيدا ما أنت من سيّد

وقال :

٩٧٢ ـ فيا لك من ليل

ويستثنى العدد فلا يقال : عشرون من درهم ، ما لم يخرج عن التمييز بالتعريف نحو : عشرون من الدراهم ، وأفعل التفضيل فلا يقال في زيد أكثر مالا : من مال ، ونعم فلا يقال في نعم زيد رجلا : نعم زيد من رجل ، والمنقول عن فاعل ومفعول وهما من تمييز الجملة ، فلا يقال : طاب زيد من نفس ، ولا فجرت الأرض من عيون.

و (من) المذكورة فيها قولان : أحدهما أنها للتبعيض وصححه ابن عصفور ، والثاني أنها زائدة قال في «الارتشاف» : ويؤيده العطف على موضعها نصبا في قوله :

__________________

٩٧١ ـ تقدم الشاهد برقم (٦٧٣).

٩٧٢ ـ ذكر في نسخة العلمية ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦١.

٢١٠

٩٧٣ ـ طافت أمامة بالرّكبان آونة

يا حسنه من قوام ما ومنتقبا

تمييز الجملة :

(ص) مسألة : مميز الجملة ناصبة ما فيها من فعل وشبهه ، وقال ابن عصفور : هي ، ويكون منقولا من فاعل ومبتدأ ومفعول ، وأنكره الشلوبين والأبذي وابن أبي الربيع ، ومشبها به وهو بعد أفعل فاعل معنى حقيقة ، أو مجازا ، ومنه نحو : حسبك به فارسا ، ولله دره رجلا ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩] ، فإن صح أن يخبر به عما قبله فله ، أو لملابسه المقدر وإن دل على هيئة وعني به الأول جاز كونه حالا وإظهار (من).

(ش) تمييز الجملة ما ينتصب عن تمام الكلام فتارة يكون منقولا من فاعل نحو : طاب زيد نفسا ، (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] ، والأصل طابت نفس زيد ، واشتعل شيب الرأس ، وتارة من المبتدأ نحو : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) [الكهف : ٣٤] ، والأصل مالي أكثر من مالك.

وتارة من المفعول نحو (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] ، والأصل فجرنا عيون الأرض ، هذا مذهب المتأخرين وبه قال ابن عصفور وابن مالك ، وقال الأبذي : هذا القسم لم يذكره النحويون ، وإنما الثابت كونه منقولا عن الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وقال الشلوبين : (عيونا) في الآية نصب على الحال المقدرة لا التمييز ، ولم يثبت كون التمييز منقولا من المفعول فينبغي ألا يقال به ، وقال ابن أبي الربيع : (عيونا) نصب على البدل من الأرض وحذف الضمير ، أي : عيونها أو على إسقاط حرف الجر ، أي : بعيون ، وتارة يكون مشبها بالمنقول نحو : امتلأ الإناء ماء ونعم زيد رجلا ، ووجه الشبه أن (امتلأ) مطاوع (ملأ) فكأنك قلت : ملأ الماء الإناء ثم صار تمييزا بعد أن كان فاعلا ، والأصل نعم الرجل ثم أضمر وصار بعد أن كان فاعلا تمييزا.

والتمييز بعد أفعل التفضيل فاعل في المعنى إما حقيقة أو مجازا ، ومن تمييز الجملة فيما نقله أبو حيان عن النحويين منكرا على ابن مالك حيث جعله من تمييز المفرد قولهم : حسبك به فارسا ، ولله دره رجلا ، ومنه عند ابن مالك وغيره (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء :

__________________

٩٧٣ ـ البيت من البسيط ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ١١ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٧٠ ، ٢٨٩ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٣٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ ، ٢ / ٢٠٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣.

٢١١

٧٩] ، وفي ناصب تمييز الجملة قولان أصحهما ما فيها من فعل وشبهه ؛ لوجود ما أصل العمل له وعليه سيبويه والمازني والمبرد والزجاج والفارسي ، وصحح ابن عصفور أن العامل فيه نفس الجملة التي انتصب عن تمامها لا الفعل ولا الاسم الذي جرى مجراه ، كما أن تمييز المفرد ناصبه نفس الاسم الذي انتصب عن تمامه.

ومتى صح الإخبار بالتمييز عما قبله نحو : كرم زيد أبا ، فإنه يصح أن يقع أب خبرا لزيد ، فتقول : زيد أب فلك فيه وجهان : عوده إليه بأن يكون هو الأب ، أي : ما أكرمه من أب ، وعلى هذا لا يكون منقولا عن الفاعل ، ويجوز دخول (من) عليه وعوده إلى ملابسه المقدر بأن يكون الأب أبا زيد لا زيدا نفسه ، أي : ما أكرم أباه ، وعلى هذا يكون منقولا عن الفاعل ، ولا يجوز دخول (من) عليه.

وإن دل التمييز على هيئة وعني به الأول نحو : كرم زيد ضيفا إذا أريد أن زيدا هو الضيف ، جاز أن يكون ضيفا منصوبا على الحال ؛ لدلالته على هيئة وعلى التمييز ؛ لصلاحية (من) ، ويجوز حينئذ إظهار (من) معه ، وهو الأجود رفعا لتوهم الحالية نحو : كرم زيد من ضيف ، فإن لم يعن به الأول على قصد كرم ضيف زيد تعين النصب تمييزا ، وامتنعت الحالية ، ولم يجز دخول (من) عليه ؛ لأنه فاعل في الأصل.

مطابقة تمييز الجملة ما قبله في الإفراد وفرعيه :

(ص) ويطابق ما قبله اتحد معنى أم لا ، ما لم يلزم إفراده لإفراد معناه ، أو كان مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه ، ويلزم الجمع بعد مفرد مباين لا يفيد معناه.

(ش) يلزم في تمييز الجملة المطابقة لما قبله في الإفراد وفرعيه إن اتحدا معنى ، نحو : كرم زيد رجلا ، وكرم الزيدان رجلين ، وكرم الزيدون رجالا ، وكذا إن لم يتحدا من حيث المعنى نحو : حسن الزيدون وجوها إلا أن يلزم إفراد التمييز لإفراد معناه نحو : كرم الزيدون أصلا إذا كان أصلهم واحدا ، وأصل لم يتحد من حيث المعنى بالزيدين ، إلا أنه لإفراد مدلوله يلزم إفراده ؛ لأن الجمع يوهم اختلاف أصولهم ، أو يكون التمييز مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه نحو : زكي الزيدون سعيا ، فإن قصد اختلاف الأنواع في المصدر لاختلاف محاله جاء التمييز جمعا نحو : (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : ١٠٣] ؛ لأن أعمالهم مختلفة المحال هذا خسر بكذا ، وهذا خسر بكذا ، وكقولك : تخالف الناس أو تفاوتوا أذهانا ، ويلزم جمع التمييز بعد مفرد مباين إذا كان معنى الجمع يفوت بقيام المفرد مقامه نحو : نظف زيد ثيابا ؛ إذ لو قيل : ثوبا لتوهم أن له ثوبا واحدا نظيفا.

٢١٢

توسط التمييز :

(ص) ويجوز توسيطه بين متصرف وفاقا لا تقديمه اختيارا ، وجوزه قوم على فعل متصرف غير (كفى) ، والفراء على اسم شبه به الأول.

(ش) يجوز توسط التمييز بين الفعل ومرفوعه بلا خلاف نحو : طاب نفسا زيد ، قال أبو حيان : وقياسه جواز توسطه مع الوصف نحو طيّب نفسا زيد ، قال : وكذا قياسه الجواز بين الفعل ومنصوبه نحو : فجرت عيونا الأرض ، وأما تقديمه على الفعل فمنعه ابن عصفور جزما بناء على أن الناصب له ليس هو الفعل ، وإنما هو الجملة بأسرها ، والقائلون بأن الناصب له ما فيها من فعل وشبهه اختلفوا فمنع سيبويه والأكثرون من البصريين والكوفيين والمغاربة تقديمه ، فلا يقال : نفسا طاب زيد كما يمتنع التقديم في تمييز المفرد وما ورد من ذلك فضرورة وجوزه الكسائي والمبرد والمازني والجرمي وطائفة ، واختاره ابن مالك بشرط كون الفعل متصرفا لوروده قال :

٩٧٤ ـ وما كاد نفسا بالفراق تطيب

وقياسا على سائر الفضلات ، ويستثنى من المتصرف كفى ، فلا يقال : شهيدا كفى بالله بإجماع ذكره أبو حيان.

فإن كان الفعل جامدا امتنع بإجماع فلا يقال : ما رجلا أحسن زيدا كذا ولا رجلا أحسن بزيد كما يمتنع إذا كان عامله جامدا بإجماع ، نعم استثني من محل الإجماع في الثاني صورة ، وهو التمييز بعد اسم شبه به الأول نحو : زيد القمر حسنا ، فإن الفراء جوز فيه التقديم فيقال : زيد حسنا القمر.

جواز تعريف التمييز :

(ص) وجوز الكوفيون وابن الطراوة تعريفه وتأول البصرية ما ورد.

(ش) البصريون على اشتراط تنكير التمييز ، وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى أنه يجوز أن يكون معرفة كقوله :

__________________

٩٧٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للمخبل السعدي في ديوانه ص ٢٩٠ ، والخصائص ٢ / ٣٨٤ ، ولسان العرب ١ / ٢٩٠ ، مادة (حبب) ، وللمخبل السعدي ، أو لأعشى همدان ، أو لقيس بن الملوح في المقاصد النحوية ٣ / ٢٣٥ ، وللمخبل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٨ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٣.

٢١٣

٩٧٥ ـ وطبت النّفس يا قيس عن عمرو

وقوله :

٩٧٦ ـ علام ملئت الرّعب والحرب لم تقد

وقولهم : سفه زيد نفسه ، وألم رأسه ، و(بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨] ، والأولون تأولوا ذلك على زيادة اللام ، والمضافات نصبت على التشبيه بالمفعول به ، أو على إسقاط الجار ، أي : في نفسه وفي رأسه وفي معيشتها.

مفارقة الحال التمييز :

(ص) ولا يتعدد والجمهور لا يكون مؤكدا ، ويحذف لقرينة ، أو قصد الإبهام لا المميز ، ما لم يوضع غيره موضعه.

(ش) فارق التمييز الحال في أنه لا يتعدد بخلافها وفي أنه لا يكون مؤكدا والحال تكون مؤكدة كذا قاله الجمهور ، وذكر ابن مالك أن التمييز قد يكون مؤكدا كقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [التوبة : ٣٦] ، وأجيب بأن شهرا وإن أكد ما فهم من (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ،) إلا أنه بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر مبين ، ويجوز حذف التمييز إذا قصد إبقاء الإبهام ، أو كان في الكلام ما يدل عليه ، ولا يجوز حذف المميز ؛ لأنه يزيل دلالة الإبهام ، إلا أن يوضع غيره موضعه كقولهم : ما رأيت كاليوم رجلا ، وقد يحذف من غير بدل كقولهم : تالله رجلا ، أي : تالله ما رأيت كاليوم رجلا.

تمييز الأعداد :

(ص) مسألة : مميز العدد إن كان ما بين عشرة ومائة مفرد منصوب ، وأجاز الفراء جمعه وإضافة عشرين وأخواته لغة ، أو عشرة فما دونها مجموع مضاف إليه ، إلا إن كان (مائة) ، وقد يجمع وفي اسم الجمع والجنس ، ثالثها : إن استعمل للقلة جاز قياسا ، أو مائة فما فوقها فمفرد مضاف وجمعه معها ضرورة ، وقال الفراء : سائغ ويجوز جره بمن ونصبه مع مائة ومائتين وألف ضرورة ، وأجازه ابن كيسان ، ولا يميز واحد واثنان دون شذوذ أو ضرورة ، ولا يجمع تمييز كثرة إن أمكن قلة غالبا ، ولا

__________________

٩٧٥ ـ تقدم الشاهد برقم (٢٢٣).

٩٧٦ ـ الشطر من الطويل ، تفرد به السيوطي في همع الهوامع ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.

٢١٤

يفصل من العدد اختيارا وينعت حملا عليه ، وعلى العدد ، ويتعين الثاني في الجمع السالم ، ويغني العدد عن تمييزه إضافته لغيره.

(ش) حولت ذكر تمييز الأعداد من باب العدد إلى هنا للمناسبة الظاهرة خصوصا وقد تقدم في صدر الباب أن من أنواع تمييز المفرد تمييز العدد ، فأقول : العدد إن كان واحدا أو اثنين لم يحتج إلى تمييز استغناء بالنص على المفرد والمثنى ، فيقال : رجل ورجلان ؛ لأنه أخصر وأجود ، ولا يقال : واحد رجلا ، ولا اثنا رجل ، وأما قولهم : شربت قدحا واثنيه ، وشريت اثني مد البصرة فشاذ ، وقوله :

٩٧٧ ـ ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

فضرورة ، وإن كان ثلاثة فما فوقها إلى العشرة ميز بمجموع مجرور بإضافة العدد إليه نحو : ثلاثة أثواب وثلاث ليال وعشرة أشهر وعشر سنين ، ما لم يكن التمييز لفظ (مائة) فيفرد غالبا نحو : ثلاث مائة ، وقد يجمع أيضا نحو : ثلاث مئين ، أما الألف فتجمع البتة نحو : ثلاثة آلاف وهل يجوز إضافته إلى اسم الجمع نحو : ثلاث القوم ، أو اسم الجنس نحو : ثلاث نخل؟ أقوال :

أحدها : نعم ويقاس وإن كان قليلا وعليه الفارسي ، وصححه صاحب «البسيط» ، لشبهه بالجمع ولوروده قال :

٩٧٨ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود

وقال تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل : ٤٨].

والثاني : لا ينقاس وعليه الأخفش وابن مالك وغيرهما.

__________________

٩٧٧ ـ الرجز لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو لشماء الهذلية في خزانة الأدب ٧ / ٤٠٠ ، ٤٠٤ ، ولجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية في المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥ ، ولجندل بن المثنى في شرح التصريح ٢ / ٢٧٠ ، وللشماء الهذلية في خزانة الأدب ٧ / ٥٢٦ ، ٥٢٩ ، ٥٣١ ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٤١.

٩٧٨ ـ البيت من الوافر ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ٢٧٠ ، والأغاني ٢ / ١٤٤ ، والإنصاف ٢ / ٧٧١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٩٤ ، والخصائص ٢ / ٤١٢ ، والكتاب ٣ / ٥٦٥ ، ولسان العرب ٣ / ١٦٨ ، مادة (ذود) ، ٦ / ٢٣٥ ، مادة (نفس) ، ولأعرابي من أهل البادية في المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٠.

٢١٥

والثالث : التفرقة بين ما يستعمل من اسم الجمع للقلة فيجوز ، أو للكثرة فلا يجوز ، وعليه المازني.

وعلى المنع طريقه أن يبين ب : (من) فيقال : ثلاثة من القوم وأربعة من الطير ، وثلاث من النخل ، وهو في اسم الجنس آكد من اسم الجمع ، وإن كان أحد عشر إلى تسعة وتسعين ميز بمفرد منصوب نحو : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف : ٤] ، (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] ، (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] ، (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥] ، ولا يجوز جمعه عند الجمهور وجوزه الفراء نحو : عندي أحد عشر رجالا ، وقام ثلاثون رجالا ، وخرج عليه (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) [الأعراف : ١٦٠].

قال الكسائي : ومن العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى التمييز نكرة ومعرفة ، فيقول : عشرو درهم ، وأربعو ثوب ، وإن كان مائة فما فوقها ميز بمفرد مجرور بالإضافة نحو : مائة رجل ومائتا عام وألف إنسان ، وجمعه مع المائة ضرورة ، وجوزه الفراء في السعة ، وخرج عليه قراءة حمزة والكسائي (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) [الكهف : ٢٥] ، بإضافة مائة ، ويجوز جره ب : (من) فيقال : ثلاث مائة من السنين ، ونصب المفرد مع مائة ومائتين وألف ضرورة قال :

٩٧٩ ـ إذا عاش الفتى مائتين عاما

وأجاز ابن كيسان أن يقال في السعة : المائة دينارا والألف درهما ، وبقي مسائل :

الأولى : لا يجب التمييز مع (ثلاثة) ونحوها جمع كثرة ما أمكن جمع القلة غالبا ، ومن جموع القلة جمع التصحيح قال تعالى : (سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] ، و(سَبْعَ بَقَراتٍ) [يوسف : ٤٣ ـ ٤٦] ، (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ) [يوسف : ٤٣ ـ ٤٦] ، و(تِسْعَ آياتٍ) [الإسراء : ١٠١] ، ومن القليل (سَبْعَ سَنابِلَ) [البقرة : ٢٦١] ، و(ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، (ثَمانِيَ

__________________

٩٧٩ ـ البيت من الوافر ، وهو للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى ١ / ٢٤٥ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٢٥ ، والكتاب ١ / ٢٠٨ ، ٢ / ١٦٢ ، ولسان العرب ١٥ / ١٤٥ ، مادة (فتا) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨١ ، وبلا نسبة في أدب الكتاب ص ٢٩٩ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٥٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣.

٢١٦

حِجَجٍ) [القصص : ٢٧] ، فإن لم يكن جمع القلة بأن لم يستعمل تعين جمع الكثرة نحو : ثلاثة رجال.

الثاني : لا يجوز الفصل بين التمييز والعدد إلا في ضرورة كقوله :

٩٨٠ ـ في خمس عشرة من جمادى ليلة

وقوله :

٩٨١ ـ ثلاثون للهجر حولا كميلا

وقوله :

٩٨٢ ـ وعشرون منها أصبعا من ورائنا

الثالثة : إذا جيء بنعت مفرد أو جمع تكسير جاز الحمل فيه على التمييز ، وعلى العدد نحو : عندي عشرون رجلا صالحا ، أو صالح ، وعشرون رجلا كراما ، أو كرام ، فإن كان جمع سلامة تعين الحمل على العدد نحو : عشرون رجلا صالحون ، ذكره في «البسيط».

الرابعة : يغني عن تمييز العدد إضافته إلى غيره نحو : خذ عشرتك وعشري زيد ؛ لأنك لم تضف إلى غير التمييز ، إلا والعدد عند السامع معلوم الجنس ، فاستغني عن المفسر ، وقد قال الشاعر :

٩٨٣ ـ وما أنت أم ما رسوم الدّيار

وستّوك قد قاربت تكمل

__________________

٩٨٠ ـ عجز البيت :

لا أستطيع على الفراش رقادي

والبيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في المقتضب ٣ / ٥٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٣٩.

٩٨١ ـ البيت من المتقارب ، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣٦ ، وأساس البلاغة ص ٣٩٨ ، مادة (كمل) ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٩٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٠٨ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٦٧ ، ٤٧٠ ، ٨ / ٢٥٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٦٤.

٩٨٢ ـ صدر البيت :

فأشهد عند الله أن قدر رأيتها

والبيت من الطويل ، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص ٢١ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٦.

٩٨٣ ـ البيت من المتقارب ، وهو للكميت بن زيد في ديوانه ٢ / ٢٩ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٥ ، وبلا نسبة في شرح الرضي ٢ / ٥٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٩.

٢١٧

تمييز كم الاستفهامية :

(ص) مسألة : مميز (كم) الاستفهامية منصوب ، وفي جره ثالثها يجوز إن جرت ، وهو ب : (من) مقدرة ، وقال الزجاج بإضافتها ، ولا يكون جمعا خلافا للكوفيين مطلقا ، وللأخفش فيما أريد به الأصناف ، ويجوز فصله وحذفه.

(ش) ختمت الكلام في التمييز بأنواع منه لم تجر عادتهم بذكرها في هذا الباب كما ذكرت تمييز الأعداد ، وذلك (كم) الاستفهامية ، والخبرية ، وكأين ، وكذا ، وسيأتي الكلام عن معانيها في مبحث الأدوات ، فمميز (كم) الاستفهامية مفرد منصوب كمميز عشرين وأخواته نحو : كم شخصا سما؟ وقال ابن مالك : لما كانت الاستفهامية بمنزلة عدد مقرون بهمزة الاستفهام أشبهت العدد المركب ، فأجريت مجراه بأن جعل مميزها كمميزه في النصب والإفراد ، وأجاز الكوفيون كونه جمعا مطلقا كما يجوز ذلك في (كم) الخبرية نحو : كم غلمانا لك ، ورد بأنه لم يسمع.

وأجازه الأخفش إذا أردت بالجمع أصنافا من الغلمان تريد : كم عندك من هذه الأصناف ، واختاره بعض المغاربة فقال : كم الاستفهامية لا تفسر بالجمع ، إنما هو بشرط أن يكون السؤال بها عن عدد الأشخاص ، وأما إن كان السؤال عن الجماعات فيسوغ تمييزها بالجمع ؛ لأنه إذ ذاك بمنزلة المفرد وذلك نحو : كم رجالا عندك تريد كم جمعا من الرجال ، إذا أردت أن تسأل عن عدد أصناف القوم الذين عنده لا عن مبلغ أشخاصهم ، ويسوغ باسم الجنس نحو : كم بطا عندك ، تريد كم صنفا من البط عندك.

وهل يجوز جر تمييز كم الاستفهامية حملا على الخبرية؟ مذاهب أحدها : لا ، والثاني : نعم ، والثالث : الجواز بشرط أن يدخل على (كم) حرف جر نحو : على كم جذع بيتك مبني ، ثم الجر حينئذ ب : (من) مقدرة حذفت تخفيفا ، وصار الحرف الداخل على (كم) عوضا عنها ، هذا مذهب الخليل وسيبويه والفراء والجماعة ، وخالف الزجاج فقال : إنه بإضافة (كم) لا بإضمار (من) ، ورده أبو الحسن الأبذي بأنهم حين خفضوا بعدها لم يخفضوا إلا بعد تقدم حرف جر ، فكونهم لم يتعدوا هذا دليل لقوم الجماعة ، ويجوز فصل تمييز (كم) الاستفهامية في الاختيار ، وإن لم يجز في عشرين وإخوته إلا اضطرارا ، ويكثر بالظرف والمجرور ، وقد يفصل بعاملها وبالخبر نحو : كم ضربت رجلا وكم أتاك رجلا ، ولكن اتصاله هو الأصل والأقوى ، ومما وجه به جواز الفصل فيها أنها لما لزمت الصدر ونظيرها من الأعداد التي ينصب تمييزها ليس كذلك ، بل يقع صدرا وغير صدر جعل هذا

٢١٨

القدر من التصرف فيها عوضا من ذلك التصرف الذي سلبته ، ويجوز حذف تمييزها نحو : كم ضربت رجلا على أن رجلا مفعول ضربت ، والتمييز محذوف ، وكم رجل جاءك ، أي : كم مرة أو يوما ، ورجل مبتدأ وما بعده الخبر.

تمييز كم الخبرية :

(ص) والخبرية مجرورة بإضافتها ، وقيل : ب : (من) وينصب إن فصل ، ودونه لغة ، وجره مفصولا بظرف ضرورة ، وثالثها يجوز إن كان ناقصا ، وبجملة ثالثها يجوز في الشعر فقط ويكون جمعا ، وقيل : شاذ ، وقيل : على معنى الواحد ، وقيل : إن لم ينصب ، والأصح جواز حذفه ، وثالثها إن لم يقدر مضافا ، ورابعها يفتح إن لم يقدر منصوبا ، ومنع نفيه فيهما.

(ش) تمييز (كم) الخبرية مجرور ويكون مفردا وجمعا ، قال :

٩٨٤ ـ كم عمّة لك يا جرير وخالة

وقال :

٩٨٥ ـ كم ملوك باد ملكهم

والإفراد أكثر من الجمع وأفصح حتى زعم بعضهم أن تمييزها بالجمع شاذ ، وعليه العكبري في شرح «الإفصاح» ، وقيل : يكون الجمع على معنى الواحد.

فإذا قلت : كم رجال ، كأنك قلت : كم جماعة من الرجال ، ثم الجر بإضافتها إليه عند البصريين ، وقال الكوفيون : بمن مقدرة حذفت ، وأبقي عملها كما في قوله :

٩٨٦ ـ رسم دار وقفت في طلله

__________________

٩٨٤ ـ البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣٦١ ، والأشباه والنظائر ٨ / ١٢٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٧١ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٥٨ ، ٤٨٩ ، ٤٩٢ ، ٤٩٣ ، ٤٩٥ ، ٤٩٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥١١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٦ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٣ ، والكتاب ٢ / ٧٢ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ولسان العرب ٤ / ٥٧٣ ، مادة (عشر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٦.

٩٨٥ ـ البيت من مجزوء المديد ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ١ / ٥١١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١١.

٩٨٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٩ ، والأغاني ٨ / ٩٤ ، وأمالي القالي ١ / ٢٤٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٠ ، وسمط اللآلي ص ٥٥٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٩٥ ، ٤٠٣ ، ولسان العرب ١١ / ١٢٠ ، مادة (جلل) ، ومغني اللبيب ص ١٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٧٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٩.

٢١٩

وضعف بأن إضمار حرف الجر وإبقاء عمله إنما يكون في ضرورة أو شذوذ ، فإن فصل نصب حملا على الاستفهامية كقوله :

٩٨٧ ـ كم نالني منهم فضلا على عدم

وربما ينصب غير مفصول روي (كم عمة لك) البيت بالنصب ، وذكر بعضهم أن النصب بلا فصل لغة تميم ، وذكره سيبويه عن بعض العرب قال أبو حيان : وهي لغة قليلة ، وإذا نصب بفصل أو بغير فصل جاز كونه أيضا مفردا أو جمعا ، كما إذا جر هذا مذهب الجمهور ، وذهب الأستاذ أبو علي وابن هشام الخضراوي إلى أنها إذا نصب تمييزها التزم فيه الإفراد ؛ لأن العرب التزمته في كل تمييز منصوب عن عدد أو كناية ككم الاستفهامية وكأيّن وكذا ، وردّ بأن ذلك فيما يجب نصبه لا فيما يجوز نصبه وجره.

وهل يجوز جره مع الفصل بظرف أو مجرور؟ مذاهب :

أصحها : لا ؛ لما فيه من الفصل بين المتضايفين ، وذلك ممنوع إلا في ضرورة نحو :

٩٨٨ ـ كم بجود مقرف نال العلى

وكريم بخله قد وضعه

والثاني : نعم ، وعليه الكوفيون بناء على رأيهم أن الجر بمن مضمرة ، ويونس بناء على رأيه من جواز الفصل بين المتضايفين في الاختيار بذلك.

والثالث : الجواز إن كان الظرف أو المجرور ناقصا نحو : كم بك مأخوذ أتاني ، وكم اليوم جائع جاءني ، والمنع إن كان تاما ، ورد بأن العرب لم تفرق بين الظرف التام والناقص في الفصل ، بل تجريهما مجرى واحدا ، فإن كان الفصل بجملة لم يجز الجر في كلام ولا في شعر عند البصريين ؛ لأن الفصل بالجملة بين المتضايفين لا يجوز البتة ،

__________________

٩٨٧ ـ البيت من البسيط ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٣٠ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧٧ ، ٤٧٨ ، ٤٨٣ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣١ ، والكتاب ٢ / ١٦٥ ، واللمع ص ٢٢٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩٨ ، ٤ / ٤٩٤ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٢٨٣ ، والإنصاف ١ / ٣٠٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٦٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٦ ، ٤ / ٨٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٥ ، والمقتضب ٣ / ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٧.

٩٨٨ ـ البيت من الرمل ، وهو لأنس بن زنيم في ديوانه ص ١١٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٥٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٣ ، ولعبد الله بن كريز في الحماسة البصرية ٢ / ١٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٠٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٥ ، ٤ / ٨٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٤ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٢ ، والكتاب ٢ / ١٦٧ ، والمقتضب ٣ / ٦١ ، والمقرب ١ / ٣١٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٠.

٢٢٠