إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٩

ماض والواو فاعل والفعل في محل جزم فعل الشرط ، فقل الفاء رابطة وقل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وأنذرتكم فعل ماض وفاعل ومفعول به ، وعبّر بالماضي وسياق الكلام يقتضي الاستقبال للدلالة على تحقق الإنذار ، وصاعقة مفعول به ثان ومثل نعت لصاعقة.

(إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الظرف متعلق بصاعقة لأنها بمعنى العذاب وجملة جاءتهم الرسل في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن بين أيديهم متعلقان بجاءتهم ومن خلفهم عطف عليه أي من جميع جوانبهم أو من جهة الزمان الماضي بالإنذار ومن جهة المستقبل بالتحذير وأعربه بعضهم متعلقا بمحذوف حال من الرسل أي حال كون الرسل من بين أيدي عاد وثمود ومن خلفهم ورجح الزمخشري الأول في تفسيره لمعناه قال : «أي أتوهم من كل جانب واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة وتقول استدرت بفلان من كل جانب فلم يكن لي فيه حيلة».

(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) يجوز في أن هذه ثلاثة أوجه : أحدها أن تكون مخففة من الثقيلة أصله أنه لا تعبدوا أي بأن الشأن والحديث قولنا لكم لا تعبدوا وأن وما في حيزها نصب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره قائلين وهو حال من الرسل ولا ناهية وتعبدوا فعل مضارع مجزوم بلا وإلا أداة حصر ولفظ الجلالة مفعول به ، والوجه الثاني أن تكون مصدرية تنصب الفعل المضارع ولا نافية وتعبدوا فعل مضارع منصوب بأن بعد لا النافية فإن لا النافية لا تمنع عمل العامل فيما بعدها ، والوجه الثالث أن تكون مفسرة لأن مجيء الرسل يحمل القول وتكون الجملة لا محل لها لأنها مفسرة. (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) قالوا فعل ماض وفاعل ولو حرف شرط غير جازم وشاء

٥٤١

ربنا فعل وفاعل والمفعول به محذوف تقديره إرسال الرسل والأحسن أن يقدر من جنس جوابها أي لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة إلى الإنس لأنزل إليهم بها ملائكة والفاء الفصيحة وان واسمها وبما متعلقان بكافرون وجملة أرسلتم به صلة وكافرون خبر إن والمعنى فإذ أنتم بشر ولستم ملائكة فإننا لا نؤمن بكم.

(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الفاء استئنافية والكلام مستأنف مسوق للشروع في حكاية ما يختص به كل واحد منهما وأما حرف شرط وتفصيل وعاد مبتدأ والفاء رابطة لجواب أما وجملة استكبروا خبر عاد وفي الأرض متعلقان باستكبروا وبغير الحق حال. (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) وقالوا عطف على فاستكبروا ومن اسم استفهام مبتدأ وأشد خبر والجملة مقول القول ومنا متعلقان بأشد وقوة تمييز. (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو حرف عطف وجملة لم يروا معطوفة على مقدر يقتضيه السياق أي اغفلوا وضلوا ولم يروا وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يروا لأنها بمعنى العلم وأن واسمها والذي نعت وجملة خلقهم صلة وهو مبتدأ وأشد خبر ومنهم متعلقان بأشد وقوة تمييز والجملة خبر أن.

(وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) عطف على قوله فاستكبروا أيضا والجملة المعطوفة والمعطوف عليه المقدر اعتراض وبآياتنا متعلقان بيجحدون لأنه متضمن معنى يكفرون. (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الفاء عاطفة وأرسلنا فعل وفاعل وعليهم متعلقان بأرسلنا وريحا مفعول به وصرصرا نعت وفي أيام نعت ثان أو حال ونحسات نعت لأيام ، ولنذيقهم اللام

٥٤٢

للتعليل ونذيقهم فعل مضارع منصوب بأن بعد لام التعليل والهاء مفعول به والجار والمجرور متعلقان بأرسلنا وعذاب الخزي مفعول به ثان لنذيقهم وهو من إضافة الموصوف الى صفته وسيأتي تفصيله في باب البلاغة وفي الحياة متعلقان بنذيقهم والدنيا نعت للحياة.

(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) الواو استئنافية واللام للابتداء وعذاب الآخرة مبتدأ وأخزى خبر والواو عاطفة وهم مبتدأ وجملة لا ينصرون خبر وينصرون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.

البلاغة :

اشتملت هذه الآيات على أفانين متعددة من البلاغة نوردها فيما يلي :

١ ـ الالتفات في قوله : «فإن أعرضوا» الآية فقد خاطبهم أولا بقوله : «أئنكم» بيد أنهم لم يأبهوا لخطابه ولم يستوعبوا نصحه فالتفت من الخطاب إلى الغيبة لأنهم فعلوا الإعراض فليس له إلا أن يعرض عن خطابهم ليصح التلاؤم ، ويناسب اللفظ المعنى ، وهذا من أرفع أنواع البلاغة وأرقاها وكم للالتفات من أسرار.

٢ ـ العدول عن المضارع المستقبل إلى الماضي بقوله «فقد أنذرتكم» للدلالة على أن ما ينذرهم به أمر متحقق لا مندوحة عنه.

٣ ـ الاسناد المجازي في قوله «عذاب الخزي» فإنه أضاف العذاب إلى الخزي الذي هو الذل ، والخزي الذي هو الذل

٥٤٣

والاستكانة في الأصل صفة المعذب ولكنه جنح الى وصف العذاب به للمبالغة فهو كما قلنا في الاعراب من اضافة الموصوف الى صفته.

٤ ـ المشاركة في قوله «ولعذاب الآخرة أخزى» وجعل الخزي هذه المرة خبرا للمشاكلة على حد قول الشاعر :

«قلت اطبخوا لي جبة وقميصا» وقد تقدم بحث هذا الفن.

٥ ـ في قوله «فاستحبوا العمى على الهدى» استعارة تصريحية فقد شبه الكفر بالعمى لأن الكافر ضال عن القصد ، متعسف الطريق كالأعمى ، وشبه الإيمان بالهدى لأن المؤمن مهتد الى محجة القصد وسواء السبيل ثم حذف المشبه في كليهما وأثبت المشبه به.

٦ ـ الطباق بين العمى الهدى وقد تقدم.

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ

٥٤٤

خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥))

اللغة :

(يُوزَعُونَ) : يحبس أولهم على آخرهم أي يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم وتشير الى معنى الكثرة وفي معاجم اللغة :«وزع يزع من باب فتح ووزع يزع من باب ضرب فلان وبفلان :كفه ومنعه ووزع الجيش حبس أولهم على آخرهم يقال رأيته يزع الجيش أي يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب» وقد تقدم ذكر هذه المادة.

(يَسْتَعْتِبُوا) : يطلبوا العتبي أي الرضا والرجوع لهم إلى ما يحبون جزعا مما هم فيه.

(قَيَّضْنا) : هيأنا ، وأصل التقييض التيسير والتهيئة ، والمقايضة المعاوضة.

٥٤٥

الاعراب :

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) عطف على قوله فأما عاد وأما حرف شرط وتفصيل وثمود مبتدأ وجملة فهديناهم الخبر والفاء عاطفة واستحبوا عطف على هديناهم والعمى مفعول به وعلى الهدى متعلقان باستحبوا لأنه متضمن معنى آثروا (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) الفاء عاطفة وأخذتهم فعل ماض ومفعول به مقدم وصاعقة العذاب فاعل مؤخر والهون نعت للعذاب أو بدل منه وبما متعلقان بأخذتهم والباء معناها السببية وما موصولة وجملة كانوا صلة وكان واسمها وجملة يكسبون خبرها والعائد محذوف أي بالذي كانوا يكسبونه من شركهم وتكذيبهم نبيهم صالحا.

(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) الواو حرف عطف ونجينا فعل وفاعل والذين مفعول به وجملة آمنوا صلة وكانوا عطف على آمنوا وكان واسمها وجملة يتقون خبرها. (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) الواو استئنافية ويوم مفعول لفعل محذوف تقديره اذكر يوم وجعله أبو البقاء ظرفا لما دل عليه بعده وهو قوله تعالى «فهم يوزعون» كأنه قال يمنعون يوم نحشر ، وليس ببعيد ، وجملة يحشر في محل جر بالإضافة وأعداء الله نائب فاعل والى النار متعلقان بيحشر والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة يوزعون خبر. (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) حتى حرف غاية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط متعلق بجوابه وهو شهد وما زائدة لتأكيد

٥٤٦

الشهادة وما المزيدة تؤكد معنى ما اتصلت به في النسبة التي تعلقت به وهنا أكدت ظرفية الوقت المحدد للشهادة وجملة جاءوها في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة شهد لا محل لها وعليهم متعلقان بشهد وسمعهم فاعل وأبصارهم وجلودهم معطوفان على سمعهم وبما متعلقان بشهد أيضا وجملة كانوا صلة ما وجملة يعملون خبر كان.

(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) الواو عاطفة وقالوا فعل وفاعل ولجلودهم متعلقان بقالوا واللام حرف جر وما اسم استفهام مجرور بما ولذلك حذفت ألفها والجار والمجرور متعلقان بشهدتم وعلينا متعلقان بشهدتم والجملة مقول القول والاستفهام هنا للتوبيخ والتعجب من هذا الأمر (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) قالوا فعل وفاعل وأنطقنا الله فعل ماض ومفعول به وفاعل والجملة مقول القول والذي صفة لله وجملة أنطق كل شيء صلة الذي. (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) الواو عاطفة وهو مبتدأ وجملة خلقكم خبر وأول مرة ظرف متعلق بخلقكم وإليه متعلقان بترجعون وترجعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل. (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) عطف على ما تقدم وما نافية وكنتم كان واسمها وجملة تستترون خبرها وأن وما في حيزها نصب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بتستترون أي من أن يشهد عليكم لأن تستترون لا يتعدى بنفسه وقيل هو مفعول لأجله أي لأجل أن يشهد عليكم سمعكم وعليكم متعلقان بيشهد وسمعكم فاعل ولا أبصاركم ولا جلودكم عطف على سمعكم أي ما كان استتاركم خيفة أن تشهد عليكم جوارحكم لأنكم لم تكونوا تتصورون شهادتها بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلا.

٥٤٧

(وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل وظننتم فعل وفاعل وان وما في حيزها سدت مسد مفعولي ظننتم وان واسمها وجملة لا يعلم خبرها وكثيرا مفعول به ومما نعت لكثير وجملة تعملون صلة والعائد محذوف أي تعملونه.

(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الواو عاطفة وذلكم مبتدأ وظنكم خبر والذي ظننتم نعت أو بدل وبربكم متعلقان بظننتم وجملة أرداكم خبر ثان ويجوز إعراب ظنكم بدلا من ذلكم أو ظنكم خبر وجملة أرداكم حال فأصبحتم عطف على أرداكم وأصبح واسمها ومن الخاسرين خبرها. (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) الفاء استئنافية وإن شرطية ويصبروا فعل الشرط والفاء رابطة والنار مبتدأ ومثوى خبر ولهم نعت لمثوى.

(وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) عطف على الجملة السابقة وما نافية حجازية وهم اسمها ومن المعتبين خبرها. (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) فعل وفاعل ولهم متعلقان بقيضنا وقرناء مفعول به أي يلازمونهم ويستولون عليهم استيلاء القيض على البيض ، والقيض قشر البيض الأعلى اليابس على البيضة أو هي التي خرج ما فيها من فرخ أو ماء وموضعهما المقيض ، فزينوا فعل وفاعل ولهم متعلقان بزينوا وما مفعول به والظرف متعلق بمحذوف صلة ما وأيديهم مضاف إليه وما خلفهم عطف على ما بين أيديهم.

(وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) الواو عاطفة وحق فعل ماض وعليهم متعلقان بحق والقول فاعل وفي أمم متعلقان بمحذوف حال أي كائنين في جملة أمم

٥٤٨

أو مندرجين وهو حال من الضمير في عليهم ومثل هذا التعبير قول عروة بن أذينة :

إن تك عن أحسن الضيعة مأ

فوكا ففي آخرين قد أفكوا

يقول : إن تكن مأفوكا أي مصروفا ومنقلبا عن أحسن العطاء فلا عجب فأنت في جملة أناس آخرين قد أفكوا وصرفوا عن الإحسان.

وجملة قد خلت صفة لأمم ومن قبلهم متعلقان بخلت ومن الجن والانس نعت ثان لأمم أو حال لأنها وصفت وان واسمها وجملة كانوا خبرها وكان واسمها وخاسرين خبر كان وجملة إن وما بعدها تعليلية لاستحقاقهم العذاب.

البلاغة :

الكناية :

في قوله (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) كناية عن موصوب فقد كنى عن الفروج بالجلود وقيل أراد بالجلود الجوارح عامة والعطف من عطف العام على الخاص فليس في الكلام كناية إذن ، فالجلود هنا تفسّر حقيقة ومجازا ، أما الحقيقة فيراد بها الجلود مطلقا ، وأما المجاز فيراد بها الفروج خاصة وهذا هو الجانب البلاغي الذي يرجح جانب المجاز على الحقيقة لما فيه من لطف الكناية عن المكنى عنه.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما

٥٤٩

كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))

اللغة :

(الْغَوْا فِيهِ) : فعل أمر من لغي بالكسر يلغى بالفتح وفيها معنيان أحدهما أنه من لغى إذا تكلم باللغو وهو مالا فائدة فيه والثاني انه من لغي بكذا إذا رمى به فتكون في بمعنى الباء أي ارموا به وانبذوه ، وإما أن يكون من لغى بالفتح يلغى بالفتح أيضا ، حكاه الأخفش وكان قياسه الضم كغزا يغزو ولكنه فتح لأجل حرف الحلق وقرىء بضم الغين من لغا يلغو كدعا يدعو ، هذا ما قرره السمين ، وعبارة الزمخشري «والغوا فيه بفتح الغين وضمها يقال لغى يلغى ولغا يلغو واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته».

الاعراب :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) كلام مستأنف مسوق لتقرير حالهم ومكابرتهم عند قراءة القرآن وقال الذين فعل وفاعل وجملة كفروا صلة ولا ناهية وتسمعوا فعل مضارع مجزوم بلا والجملة مقول القول ولهذا متعلقان بتسمعوا والقرآن بدل والغوا فعل أمر وفاعل وفيه متعلقان بالغوا ولعل واسمها وجملة تغلبون خبرها والمراد بالغلبة حمله على السكوت عن القراءة لئلا يستهوي القلوب ويستميلها بقراءة ما لم يعهده من بيان. (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) الفاء الفصيحة أي إن استمرءوا ذلك

٥٥٠

واستمروا فيه فلنذيقن ، واللام موطئة للقسم ونذيقن فعل مضارع مبني على الفتح واجب التأكيد والفاعل مستتر تقديره نحن والذين مفعول به وجملة كفروا صلة وعذابا مفعول به وشديدا نعت.

(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) عطف على ما تقدم وأسوأ الذي كانوا يعملون مفعول ثان لنجزينهم.

(ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ) ذلك مبتدأ والإشارة الى المذكور من الأمرين وهما قوله فلنذيقن وقوله ولنجزينهم وجزاء أعداء الله خبر والنار بدل أو عطف بيان من جزاء ، واعترض بعضهم على هذا الاعراب بأن علامة البدل صحة حلوله محل المبدل منه فيصير التقدير ذلك النار وهذا لا يصح ولذلك ينبغي العدول عن الإعراب الأرجح الى المرجوح وهو أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره سيأتي فيما بعد.

(لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) لهم خبر مقدم وفيها حال ودار الخلد مبتدأ مؤخر والجملة إما خبر النار بناء على إعرابها مبتدأ أو في محل نصب حال أو مستأنفة مستقلة مقررة لما قبلها وهذا أقعد بمكان البلاغة كما سيأتي ، وجزاء مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر وهو مصدر مؤكد أي يجزون جزاء أو منصوب بالمصدر المذكور قبله والمصدر ينصب بمصدر مثله وقد تقدمت له نظائر ولك أن تجعل جزاء مصدرا واقعا موقع الحال وبما متعلقان بجزاء الثاني أو الأول وجملة كانوا صلة وجملة يجحدون خبر كانوا وبآياتنا متعلقان بيجحدون لتضمنه معنى يكفرون وذلك خير من جعلها زائدة.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الواو استئنافية وقال الذين فعل وفاعل وجملة كفروا صلة وربنا منادى مضاف محذوف منه حرف النداء وأرنا فعل أمر مبني على حذف حرف

٥٥١

العلة ونا مفعول به أول واللذين مفعول به ثان لأن الرؤية بصرية وقد عديت الى اثنين بالهمزة وجملة أضلّانا صلة ومن الجن والإنس حال قيل هما إبليس وقابيل الأول سن الكفر والثاني سن القتل بغير حق لأنه قتل أخاه كما تقدم. (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) نجعلهما فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به أول وتحت أقدامنا الظرف في موضع المفعول الثاني ، ليكونا اللام للتعليل ويكونا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والألف اسمها ومن الأسفلين خبرها والجار والمجرور متعلقان بفعل الرؤية لأنه تعليل لها.

البلاغة :

١ ـ في قوله «فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا» استعارة مكنية وقد تقدم اجراؤها كثيرا.

٢ ـ وفي قوله «لهم فيها دار الخلد» تجريد ، وهو أن ينتزع من أمر ذي بال صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة مبالغة لكماله فيها ، فقد انتزع من النار دارا أخرى سماها دار الخلد.

أقسام التجريد :

واعلم أن للتجريد أقسام ذكرها علماء البيان ، وسنحاول أن نورد ما قالوه فيها على سبيل الإيجاز :

١ ـ فمنه ما يكون بمن التجريدية كقولهم لي من فلان صديق حميم أي قد بلغ فلان حدا من الصداقة يصح معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها ، ومثاله من الشعر قول القاضي الفاضل :

٥٥٢

تمد الى الأعداء منها معاصما

فترجع من ماء الكلى بأساور

٢ ـ ومنه ما يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه نحو قولهم : لئن سألت فلانا لتسألن به البحر ، بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة.

٣ ـ ومنه ما يكون بدخول باء المعية والمصاحبة في المنتزع كقول ابن هانىء :

وضربتم هام الكماة ورعتم

بيض الخدور بكل ليث مخدر

وقول أبي تمام :

هتك الظلام أبو الوليد بغرة

فتحت لنا باب الرجاء المقبل

بأتم من قمر السماء إذا بدا

بدرا وأحسن في العيون وأجمل

وأجل من قيس إذا استنطقته

رأيا وألطف في الأمور وأجزل

هذا والمراد بأتم من قمر السماء نفس أبي الوليد كما لا يخفى.

٤ ـ ومنه أن يكون بدخول في على المنتزع منه أو مدخول ضميره كالآية التي نحن بصددها «لهم فيها دار الخلد» أي في جهنم وهي دار الخلد لكنه انتزع منها دارا أخرى مبالغة ، وقول المتنبي :

تمضي المواكب والأبصار شاخصة

منها الى الملك الميمون طائره

٥٥٣

قد حرن في بشر في تاجه قمر

في درعه أسد تدمى أظافره

فإن الأسد هو نفس الممدوح لكنه انتزع منه أسدا آخر تهويلا لأمره ومبالغة في اتصافه بالشجاعة.

٥ ـ ومنه أن يكون بدخول بين كقول ابن النبيه :

يهتزّ بين وشاحيها قضيب نقا

حمائم الحلي في أفنانه صدحت

٦ ـ ومنه أن يكون بدون توسط شيء كقول قتادة بن سلمة الحنفي :

فلئن بقيت لأرحلن بعزة

تحوي الغنائم أو يموت كريم

يعني بالكريم نفسه فكأنه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كرمه ولذا لم يقل أو أموت ، وقول أبي تمام :

ولو تراهم وإيانا وموقفنا

في مأتم البين لاستهلاكنا زجل

من حرقة أطلقتها فرقة أسرت

قلبا ومن غزل في نحره عذل

وقد طوى الشوق في أحشائنا بقرا

عينا طوتهن في أحشائها الكلل

٥٥٤

ومراده بالبقر العين الذين أخبر عنهم أولا بقوله ولو تراهم فكأنه انتزع منهم موصوفين بهذه الصفة مبالغة فيها.

٧ ـ ومنه أن ينتزع الإنسان من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سيق لها الكلام ثم يخاطبه كقول أبي الطيب المتنبي :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

أراد بالحال الغنى فكأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال والحال ، ومنه قول الأعشى :

ودّع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

وقول أبي نواس الممتع :

يا كثير النوح في الدمن

لا عليها بل على السكن

سنة العشاق واحدة

فإذا أحببت فاستنن

ومراده الخطاب مع نفسه ولذلك قال بعده :

ظنّ بي من قد كلفت به

فهو يجفوني على الظّن

بات لا يعنيه ما لقيت

عين ممنوع من الوسن

رشأ لولا ملاحته

خلت الدنيا من الفتن

٥٥٥

تقسيم آخر للتجريد :

وقسمه آخرون الى قسمين فقط وهما : تجريد محض وتجريد غير محض فالأول ، وهو المحض ، أن يأتي بكلام هو خطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك كقول الحيص بيص في مطلع قصيدة له :

إلام يراك المجد في زيّ شاعر

وقد بخلت شوقا فروع المنابر

كتمت بعيب الشعر حلما وحكمة

ببعضهما ينقاد صعب المفاخر

أما وأبيك الخير انك فارس

المقال ومحيي الدارسات الغوابر

وأنك أعييت المسامع والنهى

بقولك عما في بطون الدفاتر

فهذا من محاسن التجريد ألا ترى أنه أجرى الخطاب على غيره وهو يريد نفسه كي يتمكن من ذكر ما ذكره من الصفات الفائقة وعدّ ما عدّه من الفضائل التائهة ، وكل ما يجيء من هذا القبيل فهو التجريد المحض.

وأما القسم الثاني ، وهو غير المحض ، فإنه خطاب لنفسك لا لغيرك ، وبين هذا القسم والذي قبله فرق ظاهر وذاك أولى بأن

٥٥٦

يسمى تجريدا لأن التجريد لائق به وهذا هو نصف تجريد لأنك لم تجرد به عن نفسك شيئا وإنما خاطبت نفسك بنفسك كأنك فصلتها عنك وهي منك ، ومما جاء منه قول عمرو بن الاطنابة :

أقول لها وقد جشأت وجاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

وقول الآخر وقد قتل أخواه ابنا له فقدم إليه أخوه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وأنشأ يقول :

أقول للنفس تأساء وتعزية

إحدى يديّ أصابتني ولم ترد

كلاهما خلف من فقد صاحبه

هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

وذكر أبو علي الفارسي كلاما جميلا بصدد التجريد فقال :«إن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامنا فيه كأنه حقيقته ومحصوله فتخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها مجردا من الإنسان كأنه غيره وهو هو بعينه نحو قولهم : لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد ولئن سألته لتسألن به البحر وهو عينه الأسد والبحر لا أن هناك شيئا منفصلا عنه أو متميزا منه» ثم قال «وعلى هذا النمط كون الإنسان يخاطب نفسه حتى كأنه يقاول غيره كما قال الأعشى :

ودّع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

٥٥٧

وهو الرجل نفسه لا غيره.

وقد عقب ابن الأثير على ما ذكره أبو علي فقال : «والذي عندي أنه أصاب في الثاني ولم يصب في الأول لأن الثاني هو التجريد ، ألا ترى أن الأعشى جرد الخطاب عن نفسه وهو يريدها وأما الأول وهو قوله لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد ولئن سألته لتسألن به البحر فإن هذا تشبيه مضمر الأداة إذ يحسن تقدير أداة التشبيه فيه» الى أن يقول : «ويبطل على أبي علي قوله أيضا من وجه آخر وذاك أنه قال : إن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامنا فيه كأنه حقيقته ومحصوله فتخرج ذلك المعنى الى ألفاظها مجردا من الإنسان كأنه غيره وهو هو ، وهذا ينتقض بقولنا لئن رأيت الأسد لترين منه هضبته. ولئن لقيته لتلقينّ منه الموت فإن الصورة التي أوردها في الإنسان وزعم أن العرب تعتقد أن ذلك معنى كامن فيه قد أوردنا مثلها في الأسد فتخصيصه بالإنسان باطل وكلا الصورتين ليس بتجريد وإنما هو تشبيه مضمر الأداة».

والذي نراه أن ابن الأثير تحامل على أبي علي لأن كون هذا المثال من التشبيه المضمر الأداة لا يمنع كونه تجريدا في وقت واحد. وحسبنا ما تقدم.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ

٥٥٨

(٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))

اللغة :

(يَنْزَغَنَّكَ) : النزغ والنسغ بمعنى وهو شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه ببعثه على ما لا ينبغي والمراد الوسوسة وفي معاجم اللغة : نزغ ينزغ من باب ضرب نزغا بين القوم أفسد ويقال نزغ الشيطان بينهم أي أغرى بعضهم ببعض ونزغه الشيطان الى المعاصي أي حثه ونزغ الشيطان وساوسه وما يحمل الإنسان على المعاصي.

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال المؤمنين في الدنيا والآخرة بعد بيان حال الكافرين. وان واسمها وجملة قالوا صلة وربنا مبتدأ والله خبر والجملة مقول القول وثم حرف عطف للتراخي في الزمان واستقاموا فعل ماض وفاعل وجملة تتنزل عليهم الملائكة خبر إن.

٥٥٩

(أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أن مصدرية أو مخففة فعلى الأول يصح أن تكون لا ناهية وأن تكون نافية وتخافوا منصوب بأن وعلى الثاني لا يصح إلا أن تكون مخففة ولا ناهية وعلى كل حال هي ومدخولها منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في موضع الحال أي قائلين ، وعلى هذا لا يبعد احتمال كونها مفسرة لأن التنزيل فيه معنى القول ولا تحزنوا عطف على لا تخافوا وأبشروا فعل أمر معطوف على ما قبله وبالجنة متعلقان بأبشروا والتي نعت وجملة كنتم صلة وكان واسمها وجملة توعدون خبر كنتم.

(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) تتمة مقول قول الملائكة ونحن مبتدأ وأولياؤكم خبر وفي الحياة الدنيا متعلقان بأولياؤكم لأنه جمع ولي من الولاية وهي الحفظ أي نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وفي الآخرة ويجوز تعليقه بمحذوف حال وفي الآخرة عطف. (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) الواو عاطفة ولكم خبر مقدم وفيها متعلقان بمحذوف حال والضمير يعود على الجنة وما مبتدأ مؤخر وجملة تشتهي أنفسكم صلة ولكم فيها ما تدعون عطف على الجملة السابقة وتدعون من الدعاء بمعنى الطلب والتمني وفي المصباح : «ادعيت الشيء تمنيته وادعيته طلبته» (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) نزلا حال مما تدعون والنزل تقدم شرحه وهو القرى الذي يهيأ لاكرامة وسمي به المكان مجاز فهو مصدر وقال أبو البقاء : «نزلا فيه وجهان أحدهما هو مصدر في موضع الحال من الهاء المحذوفة أو من ما أي لكم الذي تدعونه معدا وما أشبهه ومن نعت له والثاني هو جمع نازل مثل صار وصبر فيكون حالا من الواو في تدعون أو من الكاف في لكم فعلى هذا يتعلق من

٥٦٠