إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٩

الله متعلقان بيجادلون وبغير سلطان حال أي حال كونهم غير مستندين في جدالهم الى حجة إلا المكابرة واللجاج وهما سلاحان مغلولان وجملة أتاهم نعت لسلطان. (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) إن نافية وفي صدورهم خبر مقدم وإلا أداة حصر وكبر مبتدأ مؤخر والجملة خبر إن وما نافية حجازية وهم اسمها وببالغيه الباء حرف جر زائد وبالغيه مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما والجملة نعت لكبر أي ببالغي مقتضى كبرهم وهو التعاظم. (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الفاء الفصيحة واستعذ فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وبالله متعلقان باستعذ وان واسمها وهو ضمير فصل أو مبتدأ والسميع البصير خبر إن.

(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) اللام لام الابتداء وخلق السموات والأرض مبتدأ وأكبر خبر ومن خلق الناس متعلقان بأكبر ولكن الواو للحال ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها وسيأتي سر تلاحم هذا القول مع ما قبله في باب البلاغة. (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) الواو عطف على ما تقدم وما نافية ويستوي الأعمى فعل مضارع وفاعل والبصير عطف على الأعمى والذين آمنوا عطف على الأعمى والبصير وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات جملة معطوفة داخلة في حيز الصلة ولا المسيء الواو عاطفة ولا زائدة للتوكيد والمسيء عطف على ما قبله وسيأتي ترتيب هذه المنسوقات في باب البلاغة وقليلا مفعول مطلق أو ظرف زمان وما زائدة وتتذكرون فعل مضارع مرفوع وفاعله.

٥٠١

(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) إن واسمها واللام المزحلقة وآتية خبرها ولا نافية للجنس وريب اسمها وفيها خبرها والجملة خبر ثان لأن ولكن أكثر الناس لا يؤمنون تقدم إعراب هذه الجملة قبل قليل فجدد به عهدا.

البلاغة :

١ ـ فن الإلجاء :

في قوله «لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس» فن رفيع من فنون البلاغة وهو فن الإلجاء وهو أن يبادر المتكلم خصمه بما يلجئه الى الاعتراف بصحته وبهذا صح التحامه مع ما قبله من الكلام فإن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على أمور كثيرة من الجدال والمغالطة واللجاج والسفسطة وفي مقدمتها إنكار البعث وهو في الواقع أصل المجادلة ومحورها الذي عليه تدور ، فبادر سبحانه الى مبادهتهم بما يسقط في أيديهم ، ويقطع عليهم طرق المكابرة والمعاندة وهو خلق السموات والأرض وقد كانوا مقرين بأن الله خالقها وبأنها خلق عظيم فخلق الناس بالقياس شيء هين ومن قدر على خلقها مع عظمها كان ولا شك على خلق الإنسان الضعيف أقدر وبه أقمن. هذا والأولوية في هذا الاستشهاد على درجتين : إحداهما أن القادر على العظيم هو على الحقير أقدر وثانيهما أن مجادلتهم كانت في البعث وهو الإعادة وما من ريب في أن الابتداء أعظم وأبهر من الإعادة.

٥٠٢

٢ ـ فن حسن النسق :

وفي قوله «وما يستوي الأعمى والبصير» الآية فن حسن النسق وفي ترتيب النسق ثلاث طرق إحداها أن يجاور المناسب ما يناسبه كهذه الآية فالأعمى يجاور البصير وهذان الوصفان مستعاران لمن غفل عن معرفة الحق في مبدئه ومعاده وقدم الأعمى في نفي التساوي لمجيئه بعد صفة الذم في قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أي المحسن يجاور المسيء وقدم الذين آمنوا لمجاورته للبصير وناهيك بهذه المجاورة شرفا للمؤمن ، وثاني الطريقتين أن يتأخر المتقابلان كقوله تعالى «مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع» وثالثتهما أن يقدم مقابل الأول ويؤخر مقابل الآخر كقوله تعالى : «وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور» وهذه الطرق الثلاث يتخير المتكلم في إيرادها حسب مقتضى الحال ووفق نواميس البلاغة وطرائقها والله أعلم.

الفوائد :

لام الابتداء :

تفيد أمرين : أولهما توكيد مضمون الجملة ولهذا زحلقوها في باب إن عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين ، وثانيهما تخليص المضارع للحال. وتدخل باتفاق في موضعين :

١ ـ على المبتدأ نحو : «لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون».

٥٠٣

٢ ـ بعد إن وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق : الاسم نحو «إن ربي لسميع الدعاء» والمضارع لشبهه به نحو «وإن ربك ليحكم بينهم» والظرف نحو «وإنك لعلى خلق عظيم» وعلى ثلاثة باختلاف : الماضي الجامد نحو (إن زيدا لعسى أن يقوم) والماضي المقرون بقد والماضي المتصرف المجرد من قد.

ومن لام الابتداء لام القسم نحو «لينبذن في الحطمة» ونحو «ولسوف يعطيك ربك فترضى».

(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣))

اللغة :

(داخِرِينَ) : صاغرين وفي المصباح : «دخر الشخص يدخر بفتحتين دخورا : ذل وهان وأدخرته بالألف للتعدية».

الاعراب :

(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) كلام مستأنف مسوق

٥٠٤

لبيان فضل الدعاء أي العبادة وسيرد في باب البلاغة المجاز في هذه الكلمة وقال ربكم فعل ماض وفاعل وادعوني فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به والجملة مقول القول ، واستجب فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب ولكم متعلقان باستجب. (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) إن واسمها وجملة يستكبرون صلة الذين عن عبادتي متعلقان بيستكبرون وجملة سيدخلون خبر إن وجهنم مفعول به على السعة وداخرين حال. (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) الله مبتدأ والذي خبره وجملة جعل صلة ولكم متعلقان بجعل لأنه بمعنى خلق والليل مفعول به ولتسكنوا اللام للتعليل وتسكنوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والواو فاعل وفيه متعلقان بتسكنوا والنهار عطف على الليل ومبصرا حال.

(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) إن واسمها واللام المزحلقة وذو فضل خبر إن وعلى الناس متعلقان بفضل ولكن الواو عاطفة ولكن واسمها وجملة لا يشكرون خبر لكن.

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) اسم الإشارة مبتدأ والاشارة الى المعلوم المتميز بالأفعال المقتضية لربوبيته والله خبر أول وربكم خبر ثان وخالق كل شيء خبر ثالث (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) تقدم إعراب كلمة الشهادة مفصلا فجدد به عهدا والجملة خبر رابع والفاء الفصيحة وأنى اسم استفهام بمعنى كيف في محل نصب حال وتؤفكون أي تصرفون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل أي فكيف تصرفون عن الإيمان بعد ما قامت البراهين على ربوبيته؟

٥٠٥

(كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) الكاف نعت لمصدر محذوف أي مثل إفك هؤلاء إفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ، والذين نائب فاعل وجملة كانوا صلة الموصول وكان واسمها وبآيات الله متعلقان بيجحدون وجملة يجحدون خبرها.

البلاغة :

١ ـ المجاز والمشاكلة :

في قوله «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم» مجاز مرسل علاقته السببية لأن الدعاء سبب العبادة وفي قوله أستجب لكم مشاكلة لأن الإثابة مترتبة عليها وإنما جعلنا الكلام مجازا بقرينة قوله بعد ذلك «إن الذين يستكبرون عن عبادتي» ويؤيد هذا المجاز حديث النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الدعاء هو العبادة» وقرأ هذه الآية ، وقول ابن عباس : أفضل العبادة الدعاء ، على أن بعضهم حمل الآية على الظاهر وقال إن الدعاء هو السؤال والتضرع وسيأتي في باب الفوائد مزيد بحث في هذا الصّدد.

٢ ـ الإسناد المجازي :

وفي قوله «الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا» إسناد مجازي فقد أسند الإبصار الى النهار لأنه يبصر فيه ولأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار وقرن الليل بالمفعول لأجله والنهار بالحال لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدّى الآخر لأنه لو قيل

٥٠٦

لتبصروا فيه فاتت الفصاحة الكامنة في الإسناد المجازي ، ولو قيل ساكنا ـ والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة ـ لم تتميز الحقيقة من المجاز.

٣ ـ وضع الظاهر موضع المضمر :

وفي قوله «ولكن أكثر الناس لا يشكرون» وسع الظاهر موضع المضمر فقد كان السياق يقتضي أن يقول ولكن أكثرهم لا يشكرون فلا يتكرر ذكر الناس ولكن في هذا التكرير تخصيصا لكفران النعمة بهم وانهم هم المتميزون بهذه الصفة المنبوّة على الطباع تتوالى عليهم النعم وتترادف الآلاء ، ويتهيأ لهم كل ما يصبون إليه من مناعم العيش وهم مصرون على الجحود والنكران ، أليست هذه سمة الناس في مختلف الظروف والأحوال؟ وقد كرر سبحانه تقرير ذلك فقال : «إن الإنسان لربه لكنود» وقال «إن الإنسان لظلوم كفار».

الفوائد :

١ ـ قال الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته «اختلف الناس في أن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال : الدعاء عبادة للحديث : «ان الدعاء هو العبادة» ولأن الدعاء إظهار الافتقار الى الله تعالى ، وقالت طائفة : السكوت والخمود تحت جريان الحكم أتم ، والرضا بما سبق به القدر أولى ، وقال قوم يكون صاحب دعاء بلسانه ورضا بقلبه ليأتي بالأمرين جميعا» قال القشيري : «والأولى أن يقال الأوقات مختلفة ، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من

٥٠٧

السكوت وهو الأدب ، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وهو الأدب وإنما يعرف ذلك بالوقت فإذا وجد في قلبه إشارة الى الدعاء فالدعاء أولى به وإذا وجد إشارة الى السكوت فالسكوت أنم».

فإن قيل : كيف قال تعالى «ادعوني أستجب لكم» وقد يدعو الإنسان كثيرا فلا يستجاب له؟ وقيل في الجواب : «الدعاء له شروط منها : الإخلاص في الدعاء ، وأن لا يدعو وقلبه لاه ومشغول بغير الدعاء ، وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة للإنسان ، وأن لا يكون فيه قطيعة رحم ؛ فإذا كان الدعاء بهذه الشروط كان حقيقا بالإجابة فإما أن يعجلها له وإما أن يؤخرها له ، يدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له في الدنيا وإما أن يؤخر له في الآخرة وإما أن يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا : يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال : يقول : دعوت فما استجاب لي».

وأورد الغزالي سؤالا آخر قال : «فإن قيل : فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مردّ؟ فاعلم أن من جملة القضاء ردّ البلاء بالدعاء ، فالدعاء سبب لردّ البلاء ووجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء ، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح وقد قال الله تعالى : «وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم» فقدر الله تعالى الأمر وقدر سببه».

وهذا سؤال قد تكون الإجابة متقدمة عليه وقد روينا في كتاب الترمذي : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

٥٠٨

«من سره أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء» ومعنى سره : أعجبه وأوقعه في الفرح والسرور وأن يستجيب الله فاعل سره ومفعول يستجيب محذوف أي دعاءه وقوله عند الشدائد ظرف للاستجابة أي حصول الأمور الشديدة من المكروهات ، والكرب بضم ففتح جمع كربة وهي الغم يأخذ بالنفس ، وقوله فليكثر الدعاء إلخ جواب الشرط ، ولرخاء بفتح الراء سعة العيش وحسن الحال وإنما كان كذلك لأن إكثاره في وقت الرخاء يدل على صدق العبد في عبوديته والتجائه الى ربه في جميع أحواله وانه يشكره في الرخاء كما يشكره في الشدة ويتوجه إليه بكليته ليكون له عدة.

وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الاحياء : «آداب الدعاء عشرة : والأول أن يترصّد الأزمان الشريفة كيوم عرفة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار ، الثاني أن يغتنم الأحوال الشريفة كحالة السجود والتقاء الجيوش ونزول الغيث وإقامة الصلاة وبعدها ، الثالث استقبال القبلة ورفع اليدين ويمسح بهما وجهه في آخره ، الرابع خفض الصوت بين المخافتة والجهر ، الخامس أن لا يتكلف السجع ، السادس التضرع والخشوع والرهبة ، السابع أن يجزم بالطلب ويوقن بالإجابة ، الثامن أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا ولا يستبطىء الإجابة ، التاسع أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى ، العاشر هو الأصل في الإجابة وهو التوبة ورد المظالم والإقبال على الله تعالى».

٢ ـ لمحة عن القشيري :

اقتبسنا في هذا الفصل قبسة من الرسالة القشيرية ولإتمام الفائدة يحسن بنا أن نورد لمحة موجزة عنها وعن مؤلفها لأنها تمدنا

٥٠٩

بصورة كاملة عن التصوف ورجاله منذ ظهر التصوف في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حتى عصر المؤلف ، وتعتبر على الرغم من صغر حجمها نسبيا أفضل وثيقة علمية وتاريخية في موضوعها ، وقبل تلخيص الرسالة لا بد من الإشارة الى صاحبها فهو الشيخ عبد الكريم بن هوازن المعروف بزين الإسلام أبي القاسم القشيري ولد سنة ٣٧٦ ه‍ ولد في بيت عربي قح فقد كان أبوه قشيريا من قبيلة قشير بن كعب التي وردت خراسان زمن الأمويين وكانت أمه سلمية وخاله أبو عقيل السلمي من وجوه دهاقين ناحية استوا قريبا من نيسابور وفي هذه المنطقة عاش أجداده الأقربون ، ونحن لا نعلم إلا القليل عن طفولته الأولى ولكننا نعلم أن أباه مات وهو صغير فعهد بأمر تربيته الى أبي القاسم اليماني الذي كان صديقا لأسرة القشيري فقرأ عليه الأدب والعربية ثم انتقل الى نيسابور حيث أخذ العلم عن بعض الأجلاء من علمائها وحضر مجلس الأستاذ الشهير أبي علي الحسن بن علي الدقاق الذي كان من كبار مشايخ الصوفية في عصره فأعجب القشيري به واستحسن كلامه وسلك طريقته فقبله الشيخ وأشار عليه بتعلّم العلم فحضر دروس الشيخ أبي بكر محمد بن بكر الطوسي ثم الأستاذ أبي بكر بن نورك الذي توفي سنة ٤٠٦ ه‍ وكان أصوليا كبيرا وبعد وفاته اختلف الى الأستاذ أبي اسحق الأسفراييني وجمع بين طريقته وطريقة ابن نورك ثم نظر بعد ذلك في كتب القاضي أبي بكر الباقلاني المتوفى سنة ٤٠٣ ه‍ وهو مع كل هذا يداوم على حضور مجلس أبي علي الدقاق إلى أن اختاره لصحبته وزوّجه من ابنته ولما مات الأستاذ أبو علي صحب الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي المؤرخ الصوفي الكبير وأصبح شيخ خراسان غير منازع في الفقه على مذهب الإمام الشافعي والكلام على مذهب الإمام أبي الحسن

٥١٠

الأشعري كما كانت له الصدارة في الحديث والأدب واللغة وقد وصف الباخرزي المتوفى سنة ٤٦٧ مقدرته على الوعظ المؤثر بقوله : «ولو قرع الصخر بسياط تحذيره لذاب ، ولو ربط إبليس في مجلس تذكيره لتاب ، وله فصل الخطاب في فضل المنطق المستطاب».

ويبدو أن الشهرة الواسعة التي تمتع بها القشيري في نيسابور قد أثارت الحقد والحسد في نفوس فقهاء هذه المدينة فشرعوا يعدون العدة للحطّ من قدره وذلك بتلفيق الاتهامات وإذاعة الأكاذيب حوله وقد نجحوا في مسعاهم وحلت بالقشيري محنة شديدة لقي فيها ألوانا من العنت والآلام والتشريد ونحيل القارئ الى طبقات السبكي ليقرأ تفاصيل تلك المحنة التي دامت خمس سنين إلى أن ردّ عليه عضد الدولة شرفه والتأم شمل مجلسه كما كان.

خلاصة الرسالة القشيرية :

تتألف الرسالة من الأقسام الرئيسية الآتية :

١ ـ مقدمة يشرح فيها الباعث على تأليفه الرسالة فقد لاحظ أن بعض صوفية عصره قد ضلوا سبل الرشاد فعقد النية على وضع كتاب يرجع فيه بالتصوف الى سيرته الأولى ، ويخلصه من البدع التي تسربت إليه وهذه هي عبارته نوردها بنصها لما فيها من روعة التصوير لهذه المأساة ، يقول : «اعلموا رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ، ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلا أثرهم كما قيل :

أما الخيام فإنها كخيامهم

وأرى نساء الحي غير نسائها

٥١١

ويذكر القشيري في هذه المقدمة أيضا بيانا بأصول العقائد الإيمانية التي دان بها أوائل الصوفية وبنوا قواعد أمرهم في الطريق عليها ثم يلخص وجهة نظره في تسع مسائل يرجع إليها من يشاء في رسالته.

٢ ـ وهو قسم يترجم فيه لطائفة من الصوفية مبتدئا بإبراهيم ابن أدهم ومنتهيا بأحمد بن عطاء.

٣ ـ وهو تفسير ألفاظ تدور بين الصوفية وبيان ما يشكل منها.

٤ ـ وهو في أدب الطريق وما يعرض للسالك من عقبات في سفره الى الله.

٥ ـ خاتمة بها وصيته للمريدين.

هذا وقد كانت الرسالة موضع عناية الدارسين وقد وضعت عليها عدة شروح أشهرها شرح الشيخ زكريا الأنصاري.

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ

٥١٢

نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨))

الاعراب :

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) كلام مستأنف مسوق لبيان تفضله تعالى المتعلق بالمكان بعد بيان تفضله المتعلق بالزمان والله مبتدأ والذي خبره وجملة جعل صلة ولكم متعلقان بمحذوف حال والأرض مفعول به أول وقرارا مفعول به ثان لأن الجعل هنا بمعنى التصيير وإذا اعتبرت بمعنى الخلق كانت قرارا حالا بمعنى مستقرة والسماء بناء عطف على ما تقدم وصوركم فعل وفاعل مستتر ومفعول به ، فأحسن عطف على صوركم وصوركم مفعول به ومعنى كون السماء بناء إنها مبنية كالقبة المضروبة في نظر العين. (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) ورزقكم عطف على ما تقدم ومن الطيبات متعلقان برزقكم وذلكم مبتدأ والله خبر وربكم خبر ثان.

(فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) الفاء حرف عطف وتبارك فعل ماض والله فاعل ورب العالمين نعت الله. (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) هو مبتدأ والحي خبر وكلمة الشهادة التي تقدم اعرابها خبر ثان فادعوه الفاء الفصيحة وادعوه فعل أمر وفاعل ومفعول به ومخلصين حال وله متعلقان بمخلصين والدين مفعول لمخلصين.

٥١٣

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تقدم إعرابها في مستهل الكتاب والجملة مقول لقول محذوف هو حال من فاعل فادعوه أي قائلين الحمد لله إلخ ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة على أنها من كلامه ذاته سبحانه.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) إن واسمها وخبرها مقول القول وجملة نهيت خبر إن والتاء نائب فاعل وأن أعبد المصدر المؤول في محل نصب بنزع الخافض أي عن عبادة الذين تدعون وجملة تدعون صلة ومن دون الله حال ولما ظرف بمعنى حين أو رابطة وجاءني البينات فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وجملة جاءني في محل جر بإضافة الظرف إليها.

(وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) عطف على نهيت وأن وما في حيزها نصب بنزع الخافض أي بالإسلام ولرب العالمين متعلقان بأسلم. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) هو مبتدأ والذي خبر وجملة خلقكم صلة ومن تراب متعلقان بخلقكم والكلام مستأنف مسوق لبيان كيفية تكون البدن وما بعده عطف عليه. (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) عطف أيضا ويخرجكم فعل مضارع وفاعل وطفلا حال من الكاف في يخرجكم. (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) عطف أيضا واللام للتعليل وتبلغوا منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم وكذلك لتكونوا شيوخا وشيوخا خبر كان وقرىء بضم الشين وكسرها. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) الجملة مستأنفة ومنكم متعلقان بمحذوف خبر ل «من» ومن قبل متعلقان بيتوفى (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الواو عاطفة

٥١٤

ولتبلغوا الجار والمجرور متعلقان بمحذوف أيضا تقديره ونفعل ذلك ونحوه وأجلا مفعول به ومسمى نعت ولعلكم تعقلون عطف على قوله لتبلغوا أشدكم.

(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هو مبتدأ والذي خبره وجملة يحيي ويميت صلة ، فإذا الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة قضى في محل جر بإضافة الظرف إليها وأمرا مفعول به ، فإنما الفاء رابطة وإنما كافة ومكفوفة ويقول فعل مضارع والفاعل مستتر تقديره هو وله متعلقان بيقول وكن فعل أمر تام وفاعل مستتر تقديره أنت والفاء استئنافية وجملة يكون خبر لمبتدأ محذوف أي فهو يكون وقرىء فيكون بفتحها على أن الفاء سببية والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.

الفوائد :

كائنا ما كان :

اختلف في كان وكائنا في قولك : لأضربنه كائنا ما كان فقال الفارسي : هما تامان في الموضعين وما مصدرية وهي وما بعدها فاعل كائنا أي كونه وقيل هما ناقصان في الموضعين وفي كائنا ضمير هو اسمه وخبره ما وهي موصولة وصلتها كان واسمها وخبرها واسمها ضمير مستتر فيها وخبرها محذوف تقديره إياه واسم كائن المستتر فيه وخبر كان عائدان على الشخص المضروب وتقدير الكلام حينئذ لأضربنه كائنا الذي كان إياه وكائنا حال من مفعول لأضربنه وفيه اطلاق ما على العاقل وهو جائز ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة وقد يقال من كان فيكون الكلام جاريا على وجهه.

٥١٥

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦))

اللغة :

(السَّلاسِلُ) : جمع سلسلة وهي الدائرة من حديد ونحوه تتصل أجزاؤها أو حلقاتها بعضها ببعض ومنه سلاسل البرق أي ما استطال منه في عرض السحاب وسلاسل الكتاب : سطوره ، قال الراغب : وتسلسل الشيء اضطرب كأنه تصور منه تسلسل متردد فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه وماء سلسل أي متردد في مقره.

(يُسْجَرُونَ) : يوقدون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود.

الاعراب :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) الهمزة للاستفهام التقريري التعجبي ولم حرف نفي وقلب وجزم وتر فعل مضارع

٥١٦

مجزوم بإلى والفاعل مستتر تقديره أنت والى الذين متعلقان بتر أي تنظر وجملة يجادلون بآيات الله صلة وأنى اسم استفهام في محل نصب حال ويصرفون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل ومتعلقه محذوف أي يصرفون عن الإيمان بالكلية. (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الذين بدل من الذين الأولى وكذبوا صلة وبالكتاب متعلقان بكذبوا وبما عطف على بالكتاب وجملة أرسلنا صلة وبه متعلقان بأرسلنا ورسلنا مفعول به والفاء استئنافية وسوف حرف استقبال ويعلمون فعل مضارع مرفوع والجملة مستأنفة مسوقة للتهديد ، هذا ويجوز أن تعرب الذين خبرا لمبتدأ محذوف فيكون محلها الرفع أو منصوبا على الذم ويجوز أن يكون مبتدأ خبره فسوف يعلمون والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط. (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بيعلمون أو هي في محل نصب مفعول به ليعلمون ولا يتنافى كون الظرف ماضيا وسوف يعلمون مستقبلا ففي جعلها مفعولا به تفاد من استحالة عمل المستقبل في الزمن الماضي ، ولك أن تقول لا منافاة لأن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال.

وعبارة السمين «ولا حاجة لإخراج إذ عن موضوعها بل هي باقية على دلالتها على المضي وهي منصوبة بقوله فسوف يعلمون ، نصب المفعول به أي فسوف يعلمون يوم القيامة وقت الأغلال في أعناقهم أي وقت سبب الأغلال وهي المعاصي التي كانوا يفعلونها في الدنيا كأنه قيل سيعرفون وقت معاصيهم التي تجعل الأغلال في أعناقهم وهو وجه صحيح غاية ما فيه التصرف في

٥١٧

إذ تجعلها مفعولا به ولا يضرنا ذلك فإن المعربين غالب أوقاتهم يقولون منصوب باذكر مقدرا ولا تكون حينئذ إلا مفعولا به لاستحالة عمل المستقبل في الزمن الماضي وجوزوا أن تكون منصوبة باذكر مقدر أي اذكر لهم وقت الأغلال ليخافوا وينزجروا فهذه ثلاثة أوجه خيرها أوسطها».

وعبارة أبي البقاء : إذ ظرف زمان ماض والمراد بها الاستقبال هنا لقوله تعالى : فسوف يعلمون ، والأغلال مبتدأ وفي أعناقهم خبر والسلاسل عطف على الأغلال والظرف في نية التأخير عنهما فهو خبر عنهما معا وجملة يسحبون حال أو مبتدأ وخبره جملة يسحبون والرابط مقدر تقديره بها وقرىء بنصب السلاسل ويسحبون بفتح الياء فهو مفعول مقدم ليسحبون.

وعبارة الزمخشري : «وعن ابن عباس والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء على عطف الجملة الفعلية على الاسمية وعنه والسلاسل يسحبون بجر السلاسل ووجهه أنه لو قيل إذ أعناقهم في الأغلال مكان قوله إذ الأغلال في أعناقهم لكان صحيحا مستقيما فلما كانتا عبارتين متعقبتين حمل قوله والسلاسل على العبارة الأخرى ونظيره :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا بين غرابها

كأنه قيل بمصلحين وقرىء وبالسلاسل يسحبون» فهو على قراءة الجر من باب عطف التوهم وقد تقدم بحثه. وعندئذ يكون فيه فن القلب وهو كثير شائع في كلامهم وقد تقدم بحثه وفيه عطف التوهم بعد ذلك.

٥١٨

(فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) في الحميم متعلقان بيسحبون ، ثم حرف عطف للتراخي وفي النار متعلقان بيسجرون والجملة عطف على ما قبلها. (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ثم قيل أي ثم يقال أو يقولون وصيغة الماضي لتحقق وقوع القول ولهم متعلقان بقيل وأين اسم استفهام في محل نصب على الظرفية المكانية والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وما اسم موصول مبتدأ مؤخر وجملة كنتم صلة وجملة تشركون خبر كنتم. (مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) من دون الله حال وقالوا فعل وفاعل وجملة ضلوا عنا مقول القول (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) بل حرف إضراب انتقالي ولم حرف نفي وقلب وجزم ونكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم واسمها مستتر تقديره نحن وجملة ندعو خبرها ومن قبل حال وشيئا مفعول به وكذلك نعت لمصدر محذوف ويضل الله الكافرين فعل مضارع وفاعل ومفعول به. (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) اسم الإشارة مبتدأ والإشارة للإضلال أو العذاب وبما خبر وجملة كنتم صلة وجملة تفرحون خبر كنتم وفي الأرض متعلقان بتفرحون وبغير الحق حال. (وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) عطف على قوله كنتم تفرحون والمرح هو الفرح أو أشده كما في المصباح. (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ادخلوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مقول قول محذوف وأبواب جهنم مفعول به على السعة وخالدين حال وفيها متعلقان بخالدين والفاء عاطفة وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم ومثوى المتكبرين فاعل بئس والمخصوص بالذم محذوف أي هي ولم بقل مدخل المتكبرين لإفادة الديمومة والخلود بلفظ الثواء.

٥١٩

الفوائد :

رسمت «أين» مفصولة من «ما» في المصحف ووصلت في مواضع أخرى ، وعبارة ابن الجزري («فأينما كالنحل صل» أي صل «أين» مع «ما» في قوله تعالى «أينما تولوا فثم وجه الله» بالبقرة كالنحل أي كما تصله بها في قوله «أينما يوجهه لا يأت بخير» بالنحل «ومختلف في الأحزاب والنساء وصف» أي والاختلاف في «أين ما كنتم تعبدون» في الشعراء و «أينما ثقفوا» في الأحزاب و «أينما تكونوا يدرككم الموت» في النساء وصف أي ذكر أي ذكره أهل الرسم وما عدا الثلاثة نحو «فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا» و «أين ما كنتم تدعون من دون الله» في الأعراف و «أين ما كنتم تشركون» في غافر و «أين ما كانوا» في المجادلة مقطوع).

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨))

الاعراب :

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) الفاء الفصيحة أي إن بدا لك منهم ما بدا من صد وإعراض فلا تبتئس واصبر فإننا سننتقم لك منهم.

واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وإن واسمها وخبرها تعليل

٥٢٠