إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٩

أن جواهر الأصنام ليست من عملهم فما هو من عملهم وهو الشكل ليس معبودا لهم على هذا التأويل وما هو معبودهم وهو جوهر الصنم ليس من عملهم فلم يستقر له قرار في أن المعبود على تأويله من عمل العابد وعلى ما قررناه يتضح ، واما قوله ان المطابقة تنفكّ على تأويل أهل السنة بين ما ينحتون وما يعملون فغير صحيح فإن لنا أن نحمل الأولى على المصدرية وانهم في الحقيقة انما عبدوا نحتهم لأن هذه الأصنام وهي حجارة قبل النحت لم يكونوا يعبدونها فلما عملوا فيها النحت عبدوها ففي الحقيقة ما عبدوا سوى نحتهم الذي هو عملهم فالمطابقة إذن حاصلة والإلزام على هذا أبلغ وأمتن ولو كان كما قال لقامت لهم الحجة ولقالوا كما يقول الزمخشري مكافحين لقوله والله خلقكم وما تعملون : لا ولا كرامة ولا يخلق الله ما نعمل نحن لأنا علمنا التشكيل والتصوير وهذا لم يخلقه الله ، وكانوا يجدون الذريعة الى اقتحام الحجة».

٣ ـ معنى الذهاب الى ربه :

اختلف في معنى قوله «إني ذاهب الى ربي سيهدين» والأكثرون على أن هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة أي إني مهاجر من بلد قومي ومولدي الى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه سيهديني سواء السبيل وفي سين الاستقبال إيذان بأن الفعل واقع لا محالة.

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا

٣٠١

الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢))

الاعراب :

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) كلام مستأنف مسوق للشروع في القصة الثالثة ولك أن تجعل الواو عاطفة على ما سبق ، واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق ومننا فعل وفاعل وعلى موسى وهارون متعلقان بمننا أي أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المزايا الدينية والدنيوية. (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الواو عاطفة ونجيناهما عطف على مننا وهو فعل وفاعل ومفعول به والميم والألف حرفان دالان على التثنية وقومهما مفعول معه أو معطوف على الضمير في نجيناهما ومن الكرب متعلقان بنجيناهما والعظيم صفة للكرب والمراد به استعباد فرعون إياهم وسومه إياهم سوء العذاب.

(وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) عطف على ما تقدم وجمع الضمير لأنه عائد على موسى وهارون وقومهما ، فكانوا الفاء عاطفة وكان واسمها وهم ضمير فصل لا محل له والغالبين خبر كانوا ، وأجاز بعضهم أن يكون هم تأكيدا للواو أو بدلا منها. (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) عطف على ما تقدم أيضا والكتاب مفعول به ثان والمستبين نعت للكتاب والمراد به التوراة وما اشتملت عليه من تشريعات وأحكام.

(وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) عطف على ما تقدم والصراط مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض كما تقدم والمستقيم نعت للصراط.

٣٠٢

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ) تقدم إعرابها أكثر من مرة.

(سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) سلام مبتدأ وعلى موسى وهارون خبره (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ان واسمها وكذلك نعت لمصدر محذوف وجملة نجزي المحسنين خبر إنا وقد تقدمت لها نظائر. (إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) إن واسمها ومن عبادنا خبر والمؤمنين نعت.

الفوائد :

حقيقة القول في موسى :

الصحيح أن موسى علم أعجمي غير مشتق وقول بعضهم انه مشتق من أوسيت الشجر أي أخذت ما عليه من الورق ضعيف ورد ابن السراج هذا كله وقال : من اشتق شيئا من لغة العجم من لغة العرب كان بمنزلة من ادعى أن الطير ولد الحوت ، ومع كون موسى أعجميا اختلف في وزنه فقال سيبويه وزنه مفعل وهو قول أبي عمرو ، وقال الكسائي : وزنه فعلى واحتج لسيبويه بأن زيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف آخرا ورد الفارسي على الكسائي بصرفه في النكرة ولو كانت فعلى لكانت ألفه للتأنيث ولا يصرف نكرة أيضا ومن جوز فعلل في الأبنية كما صار إليه الأخفش يجوز عنده كون ألفه للإلحاق فيصرف في النكرة وتقول في جمعه بالواو والنون موسون وموسين بفتح السين عند البصريين والكوفيين إن كان وزنه مفعلا وتقول على طريقة الكسائي موسون بضم السين قبل الواو وموسين بكسر السين قبل الياء ، هذا كله في موسى اسم لواحد من بني آدم وأما الموسى التي يحلق بها الشعر فعربية ثم قيل إنها مشتقة من أسوت الشيء إذا أصلحته ، والأصل مؤسى بالهمزة فأبدلت الهمزة واوا وقيل من أوسيت حلقت وهذا أشهر ولا أصل

٣٠٣

لواوه على هذا في الهمزة والمشهور تأنيثها وقيل هو مذكر ووزنها على الباعث فعلى فيمتنع الصرف سواء سميت بها أو لم تسم إلا إذا اثبت فعللا فيصرف في النكرة والله أعلم.

(وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢))

اللغة :

(بَعْلاً) : بعل اسم صنم لهم من ذهب وبه سمي البلد أيضا مضافا الى بك اسم البلد في الأصل ثم لما عبد فيها هذا الصنم المسمى ببعل سميت بعلبك وفي تاج العروس : «قال الأزهري : هما اسمان جعلا اسما وأحدا لمدينة بالشام والنسبة إليها بعلي أو بكي على ما ذكر في عبد شمس» وعبارة الزمخشري : «أتدعون بعلا وهو علم لصنم كان لهم كمناة وهبل وقيل كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياءه فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشام

٣٠٤

وبه سميت مدينتهم بعلبك وقيل البعل الرب بلغة اليمن يقال : من بعل هذه الدار أي من ربها؟» وسيأتي المزيد من هذه القصة في باب الفوائد.

(تَدْعُونَ) : تنادون.

(تَذَرُونَ) : تتركون وسمعنا عمن له نصاب في العربية أن كلمتي ذر ودع أمران في معنى الترك إلا أن دع أمر للمخاطب بترك الشيء قبل العلم به وذر أمر له بتركه بعد ما علمه ، وروي أن بعض الأئمة سأل الإمام الرازي عن قوله تعالى : «أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين» لم لم يقل وتدعون أحسن الخالقين وهذا أقرب من الفصاحة للمجانسة بينهما فقال الإمام لأنهم اتخذوا الأصنام آلهة وتركوا الله بعد ما علموا أن الله ربهم ورب آبائهم الأولين استكبارا فلذلك قيل لهم : وتذرون ولم يقل وتدعون ، هذا وقد أمات العرب ماضي دع وذر ومصدرهما ولكن روي في الحديث : «لتنتهين أقوام من ودعهم الجمعات» أي عن تركهم الجمعات. وقال في القاموس :ودعه أي اتركه أصله ودع كوضع وقد أميت ماضيه وإنما يقال في ماضيه تركه وجاء في الشعر ودعه وهو مودوع وقرئ شاذا :«ما ودعك ربك وهي قراءته صلى الله عليه وسلم» وقال الجوهري :ولا يقال وادع وينافيه وروده في الشعر والقراءة به إلا أن يحمل قولهم وقد أميت ماضيه على قلة الاستعمال فهو شاذ استعمالا صحيح قياسا.

(إِلْ ياسِينَ) : قال الزمخشري : «قرىء على الياسين وادريسين وادارسين وادريسين على أنها لغات في الياس وإدريس ولعل لزيادة الياء

٣٠٥

والنون في السريانية معنى» وقيل المراد بياسين هذا الياس المتقدم فعلى هذا هو مفرد مجرور بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والعجمة وقيل هو ومن آمن معه فجمعوا معه تغليبا كقولهم للمهلب المهلبون فعلى هذا هو مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

الاعراب :

(وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) عطف أو استئناف لذكر القصة الرابعة ، وان واسمها والياس علم أعجمي وستأتي ترجمته في باب الفوائد واللام المزحلقة والمرسلين خبر. (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بفعل محذوف تقديره اذكر ، واختار بعضهم تعليقه بالمرسلين وجملة قال في محل جر بإضافة الظرف إليها ولقومه جار ومجرور متعلقان بقال والهمزة للاستفهام ولا نافية وتتقون فعل مضارع مرفوع وفاعل والجملة مقول القول. (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) الهمزة للاستفهام الانكاري وتدعون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وبعلا مفعول به والواو عاطفة وتذرون عطف على تدعون ويجوز أن تكون حالية والجملة في محل نصب على الحال وأحسن الخالقين مفعول به.

(اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) لفظ الجلالة بدل من أحسن الخالقين فهو منصوب وربكم بدل من الله ورب آبائكم الأولين عطف فالكلمات الثلاث منصوبة وقرئ بالرفع على أنها أخبار لمبتدأ محذوف أي هو أو الله مبتدأ وربكم خبره ورب آبائكم الأولين عطف على ربكم.

(فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) الفاء عاطفة وكذبوه فعل وفاعل ومفعول

٣٠٦

به والفاء في فإنهم الفصيحة وان واسمها واللام المزحلقة ومحضرون خبر إن. (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) إلا أداة استثناء وعباد الله استثناء متصل من فاعل فكذبوه والمخلصين نعت لعباد الله. (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) تقدم إعرابها قريبا فجدد به عهدا. (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) تقدم إعرابها. (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) تقدم اعرابها أيضا.

الفوائد :

في قصة الياس النبي طرافة ومتعة وتصوير فني ليكون وسيلة للتأثير الوجداني فهي تخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفنية لأن القصة في القرآن ليست عملا فنيا مستقلا في موضوعه وطريقة أدائه وعرضه وسرد حوادثه ، وقبل أن نبدأ بتلخيص القصة كما روتها السير نبدأ بذكر لمحة عن الياس النبي فقد ذكر أهل التفسير أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل قال محمد بن اسحق : «هو الياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران والله أعلم» وجاء في المنجد للآداب والعلوم انه إيليا النبي من أنبياء بني إسرائيل حارب العبادات الوثنية التي أدخلتها في إسرائيل ايزابيل زوجة آحاب فنفي الى صرفت حيث رد الى الحياة ابن امرأة أرملة وبإذن الله أهطل المطر على الأرض بعد انقطاعه عنها ثلاث سنوات قرب جبل الكرمل وخذل كهنة بعل وعشروت وأمر بقتلهم فلحقته ايزابل بوابل غضبها فهرب الى صحراء سيناء ثم عاد فتنبأ لآحاب بانتقام الله عليه لأنه اغتال نابوت وأخذ كرمه رفع الى السماء على مركبة نارية خلفه بالنبوة تلميذه اليشع.

وفيما يلي ما ذكره محمد بن اسحق وعلماء السير والأخبار ملخصا :

٣٠٧

لما قبض الله حزقيل النبي عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد ونصبوا الأصنام فبعث الله إليهم الياس نبيا وكان يوشع لما فتح الشام قسمها على نبي إسرائيل وان سبطا منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها وعليهم ملك يومئذ اسمه ارحب وكان قد أضل قومه وكان له صنم من ذهب اسمه بعل فغضب الملك على الياس وهمّ بتعذيبه وقتله فلما أحس الياس بالشر خرج هاربا ولاذ بشواهق الجبال وصعيد المغاور وظل سبع سنين هائما يفترش الأرض ويتوسد الحجارة ويأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وكانوا قد وضعوا عليه العيون فلما طال عليه الأمر وضاق ذرعا دعا ربه فقيل انظر يوم كذا وكذا فاخرج الى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه فخرج الياس ومعه اليسع حتى إذا كان بالموضع الذي أمر به إذ أقبل فرس من نار فوثب عليه فانطلق به الفرس فناداه يا الياس ما تأمرني؟ فقذف إليه الياس بكسائه من الجو فكان ذلك علامة استخلافه إلى آخر تلك القصة البديعة التي تصور الجهاد في سبيل العقيدة والثبات على المبدأ.

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨))

الاعراب :

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وهذه هي القصة الخامسة ، والواو استئنافية أو عاطفة وإن واسمها واللام المزحلقة ومن المرسلين خبرها.

٣٠٨

(إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) الظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر وجملة نجيناه من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر بإضافة الظرف إليها وأهله مفعول معه أو عطف على الهاء وأجمعين تأكيد.

(إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) إلا أداة استثناء وعجوزا مستثنى وفي الغابرين صفة. (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي ودمرنا الآخرين فعل ماض وفاعل ومفعول به وهم كفار قومه.

(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) الواو عاطفة أو حالية وان واسمها واللام المزحلقة وتمرون فعل مضارع وفاعل وعليهم متعلقان بتمرون ومصبحين حال وهي تامة. (وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الواو عاطفة وبالليل عطف على مصبحين فهو حال أخرى والحال هنا محمول على المكان والباء للملابسة والهمزة داخلة على مقدر عطف عليه قوله فلا تعقلون والتقدير تشاهدون ذلك فلا تعقلون أي تعتبرون به.

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا

٣٠٩

إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦))

اللغة :

(أَبَقَ) : هرب من قومه بغير إذن ربه وهو للعبد خاصة إذ يهرب من سيده ولكن أطلق على يونس على طريق الاستعارة التصريحية التبعية أو على طريق المجاز المرسل والعلاقة هي استعمال المقيد في المطلق وفي المصباح : «أبق العبد أبقا من بابي تعب وقتل في لغة والأكثر من باب ضرب إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كد والإباق بالكسر اسم منه فهو آبق والجمع أبّاق مثل كافر وكفار».

(الْمُدْحَضِينَ) : المغلوبين بالقرعة ، وساهم أي قارع وغالب أهل السفينة بالقرعة ، وستأتي قصة يونس مختصرة في باب الفوائد.

(مُلِيمٌ) : داخل في الملامة يقال : ألام فلان إذا فعل ما يلام عليه وفي المصباح : «لامه لوما من باب قال : عذله فهو ملوم على النقص والفاعل لائم والجمع لوم مثل راكع وركع وألامه بالألف لغة فهو ملام والفاعل مليم والاسم الملامة والجمع ملاوم واللائمة مثل الملامة وألام الرجل إذا فعل ما يستحق عليه اللوم وتلوّم تلوما : تمكث.

٣١٠

(العراء) : المكان الخالي لا شجر فيه ولا شيء يغطيه وهو مشتق من العري وهو عدم السترة شبهت الأرض الجرداء بذلك لعدم استتارها بشيء العرا بالقصر الناحية ومنه اعتراه أي قصد عراه وعبارة القاموس : «العراء الفضاء لا يستتر فيه بشيء وجمعه إعراء وأعرى سار فيه وأقام».

(يَقْطِينٍ) : قال في القاموس : «ما لا ساق له من النبات ونحوه وبهاء : القرعة الرطبة» وعبارة الزمخشري : «واليقطين كل ما ينسدح على وجه الأرض ولا يقوم على ساق كشجرة البطيخ والقثاء والحنظل وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به وقيل هو الدباء» وانما خص القرع لأنه يجمع بين برد الظل ولين الملمس وكبر الورق وان الذباب لا يقربه.

الاعراب :

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) استئناف أو عطف مسوق لسرد القصة السادسة وهي قصة يونس عليه السلام وسأتي خلاصة وافية عنها في باب الفوائد ، وان واسمها واللام المزحلقة ومن المرسلين خبر إن. (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) إذ ظرف للمرسلين أي هو من المرسلين حتى في هذه الحالة وجملة أبق في محل جر باضافة الظرف إليها والى الفلك جار ومجرور متعلقان بأبق والمشحون نعت.

(فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) الفاء عاطفة وساهم فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره هو فكان عطف على فساهم واسمها مستتر تقديره هو ومن المدحضين خبر كان. (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) الفاء عاطفة على محذوف يدرك من سياق الكلام أي فألقوه في البحر فالتقمه

٣١١

الحوت ، وقيل فألقى نفسه في الماء. والتقمه فعل ومفعول به مقدم والحوت مبتدأ مؤخر والواو للحال وهو مبتدأ ومليم خبر والجملة في محل نصب على الحال والمعنى أنه أتى ما يستحق عليه اللوم.

(فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) الفاء عاطفة ولو لا حرف امتناع لوجود وان وما في حيزها مبتدأ خبره محذوف وجوبا وأن واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر تقديره هو ومن المسبحين خبرها.

(لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) اللام واقعة في جواب لو لا ولبث فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وفي بطنه متعلقان بلبث أو بمحذوف حال أي مستقر والى يوم متعلقان بلبث وجملة يبعثون مضاف إليها الظرف ويبعثون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل. (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) الفاء عاطفة على محذوف أي أمرنا الحوت بنبذه فنبذناه ، ونبذناه فعل وفاعل ومفعول به وبالعراء متعلقان بنبذناه والواو حالية وهو مبتدأ وسقيم خبر أي معتل مما حلّ به. (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) وأنبتنا عطف على فنبذناه وعليه متعلقان بأنبتنا وشجرة مفعول به ومن يقطين نعت لشجرة. (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) الواو حرف عطف وأرسلنا فعل وفاعل ومفعول به والى مائة ألف متعلقان بأرسلناه وأو حرف عطف ويزيدون فعل مضارع مرفوع وسيأتي القول مفصلا في «أو» في باب الفوائد. (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) الفاء عاطفة وآمنوا فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل والفاء عاطفة ومتعناهم فعل وفاعل ومفعول به والى حين متعلقان بمتعناهم.

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) الفاء حرف عطف عطفت هذه الجملة على قوله فاستفتهم وان بعد المدى قال البيضاوي : «فاستفتهم : معطوف على مثله في أول السورة فأمر أولا باستفتائهم

٣١٢

عن وجه انكار البعث وساق الكلام في تقديره جارا لما يلائمه من القصص موصولا بعضها ببعض ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله» وقد تقدم أن الفاء الأولى هي الفصيحة لأنها واقعة في جواب شرط مقدر وقد ثار نقاش حول هذا العطف البعيد سنفصل فيه القول في باب الفوائد. واستفتهم فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به والهمزة للاستفهام الإنكاري وسيأتي معناه في باب البلاغة ولربك خبر مقدم والبنات مبتدأ مؤخر والواو حرف عطف ولهم خبر مقدم والبنون مبتدأ مؤخر. (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) أم حرف عطف معادلة للهمزة كأن المستفهم يدعي ثبوت أحد الأمرين ويطلب تعيينه منهم قائلا : أي هذين الأمرين تدعونه. وخلقنا فعل وفاعل والملائكة مفعول به وإناثا حال والواو للحال وهم مبتدأ وشاهدون خبر والجملة نصب على الحال.

(أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ) كلام مستأنف مسوق لإبطال مذهبهم الفاسد ببيان انه افك صريح لا دليل يدعمه وألا أداة تنبيه وان واسمها ومن إفكهم متعلقان بيقولون واللام المزحلقة وجملة يقولون خبر إنهم. (وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ولد الله فعل وفاعل والجملة مقول قولهم والواو للحال وان واسمها واللام المزحلقة وكاذبون خبرها. (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) الهمزة المفتوحة للاستفهام الانكاري استغنى بها عن همزة الوصل في التوصل للنطق بالساكن ، واصطفى فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو يعود على الله والبنات مفعول به وعلى البنين متعلقان باصطفى بعد تضمينه معنى أفضل. (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ما اسم استفهام ولكم خبر أي ما ثبت

٣١٣

واستقر لكم على جهة الإنكار والجملة مستأنفة وكيف اسم استفهام في محل نصب على الحال أو المفعولية المطلقة وتحكمون فعل مضارع وفاعل والجملة مستأنفة أيضا فليس لإحدى الجملتين تعلق بالأخرى.

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الهمزة للاستفهام الانكاري أيضا والفاء عاطفة على محذوف مفهوم من السياق أي أعميتم عن الحقائق وضللتم عن الشواهد ، ولا نافية وتذكرون فعل مضارع مرفوع وفاعل وأصله تتذكرون ومفعول تذكرون محذوف تقديره أنه منزه عن الولد.

(أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) أم حرف عطف بمعنى بل فهو للاضراب الانتقالي ولكم خبر مقدم وسلطان مبتدأ مؤخر ومبين نعت لسلطان.

البلاغة :

في هذه الآيات يبدو الأسلوب المكي واضح الدلالة ، ظاهر المفهوم ، مرهف العاطفة فقد تكرر فيه الاستفهام الانكاري ، ناعيا عليهم جهلهم المفرط في الغباء ، القائم على ثلاث جهالات : أولاها التجسيم لأن الولادة من خصائص الأجسام وثانيتها تفضيل أنفسهم على ربهم حيث جعلوا أوضع الجنسين في اصطلاحهم ومفهومهم له وأرفعهما لهم وتلك جهالة ما بعدها جهالة وثالثتها أنهم استهانوا بأكرم خلق الله وأقربهم إليه حيث أنثوهم وقد كانوا يتعايرون بوصف الأنوثة ويعتبرونه من دلائل المهانة وسمات الخسة.

الفوائد :

١ ـ اختلف في «أو» هذه اختلافا كثيرا فقال الفراء : معناها بل يزيدون فتكون عنده للإضراب ويكون الإخبار الأول بحسب ما يظهر

٣١٤

للناس إذا رأوهم والثاني إضراب لما في الواقع ونفس الأمر فالمعنى أرسلناه الى جماعة يحزرهم الناس مائة الف وهم أزيد من ذلك وفيه نكتة جليلة وهي الانتقال من الأدنى الى الأعلى لما له من الوقع في النفس ولفت النظر إليه بخلاف ما إذا أخبر بالأعلى من أول الأمر ، وقال بعض الكوفيين هي بمعنى الواو ، أما البصريون فلهم فيها أقوال :

١ ـ قيل هي للإبهام.

٢ ـ وقيل هي للتخيير أي إذا رآهم الرائي تخير بين أن يقول هم مائة ألف أو يقول هم أكثر ، قال ابن هشام : نقل ابن الشجري هذا القول عن سيبويه وفي ثبوته عنه نظر ولا يصح التخيير بين شيئين الواقع أحدهما.

٣ ـ وقيل هي للشك مصروفا الى الرائي.

٤ ـ وقيل إنها للإباحة أي لك أن تحزرهم وتقدر عددهم كيف تشاء.

٥ ـ وقيل هي للشك بمعنى أن أصدق الحادسين يشك في عددهم.

وأحسن ما قرأناه قول الزمخشري : في مرآى الناظر أي إذا رآها الرائي قال هي مائة ألف أو أكثر والغرض الوصف بالكثرة.

٢ ـ العطف البعيد :

قوله «فاستفتهم» الآية معطوف على ما قبله وهو قوله «فاستفتهم أهم أشد خلقا» وقد منع النحاة الفصل بجملة فما بالك بجمل بل بسورة ،

٣١٥

ولكن ما استقبحه النحاة وارد في عطف المفردات وأما الجمل فلاستقلالها يغتفر فيها وهذا الكلام لتلاحمه وتعانقه صار بمثابة الجملة الواحدة فانتفى عنه البعد.

٣ ـ خلاصة قصة يونس :

غاضب ذو النون قومه لما لم ينزل بساحتهم العذاب الذي وعدهم به فذهب مغاضبا وكان من حقه أن لا يذهب فقد كان ضيق العطن قليل الذرع ولما ركب السفينة وقفت في لج البحر فقال ملاحوها هنا عبد أبق من سيده تظهره القرعة وكان من عادتهم أن السفينة إذا كان منها آبق أو مذنب لم تسر وكان ذلك بدجلة لأنه أرسل الى أهل نينوى من أرض الموصل فلما ساهم أي قارع أهل السفينة كان من المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر فابتلعه الحوت إلى آخر تلك القصة البديعة.

(فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤))

اللغة :

(الْجِنَّةِ) : بكسر الجيم الملائكة سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار وفي الأساس : «جنة : ستره فاجتنّ واستجن بجنة : استتر

٣١٦

بها واجتن الولد في البطن وأجنّته الحامل ، وحبذا مجن ابن أبي ربيعة».

الاعراب :

(فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الفاء الفصيحة وأتوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وبكتابكم متعلقان به وإن شرطية وكنتم فعل ماض ناقص والتاء اسمها وصادقين خبرها وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق للانحاء عليهم باللائمة واستركاك عقولهم ، بأن من نسبوهم إلى الله تعالى يعلمون مصائرهم المحزنة. وجعلوا فعل وفاعل والظرف متعلق بمحذوف مفعول به ثان لجعلوا وبين الجنة عطف ونسبا مفعول جعلوا الأول فهي حكاية يجب أن تذيع وتشيع لتكون شاهد على حقيقة خبالهم. (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) الواو حالية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وعلمت الجنة فعل وفاعل وإن واسمها واللام المزحلقة ومحضرون خبرها وإن وما في حيزها سدت مسد مفعولي علمت وإنما كسرت همزتها لدخول اللام في خبرها والضمير في انهم لمحضرون للكفرة والمعنى انهم يقولون ما يقولون في الملائكة والحال أن الملائكة عالمون انهم في ذلك القول الهراء كاذبون.

(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) سبحان الله مفعول مطلق لفعل محذوف وعما متعلقان بسبحان وجملة يصفون صلة والعائد محذوف والجملة معترضة وهي مسوقة لحكاية تنزيه الملائكة الله سبحانه عما

٣١٧

وصفه به المشركون. (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) إلا أداة استثناء وعباد الله المخلصين استثناء منقطع من المحضرين كأنهم ليسوا منهم والمستثنى منه إما فاعل جعلوا وإما فاعل يصفون وإما ضمير محضرون أي لكن عباد الله المخلصين ناجون ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا واختاره أبو البقاء وليس ببعيد. (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ، ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) الفاء تعليلية وان واسمها والواو واو المعية وما موصول مفعول معه وقد سدت مسد خبر إن أي انكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها على حد قولك كل رجل وصنيعته أي مقترنان ، وسيأتي تفصيل هذه القاعدة في باب الفوائد. وما نافية حجازية وأنتم اسمها وعليه متعلقان بفاتنين والباء حرف جر زائد وفاتنين خبر ما ويجوز أن تكون ما معطوفة على اسم ان وجملة ما أنتم خبر إن والمعنى على هذا انكم ومعبودكم ما أنتم ولا هو فغلب المخاطب ، يقال فتن فلان على فلان امرأته أي أفسدها عليه ورجح الزمخشري والبيضاوي هذا الوجه.

(إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) إلا أداة حصر ومن مفعول فاتنين والاستثناء مفرغ ويجوز أن تقدر مفعولا لفاتنين أي أحد فتكون إلا أداة استثناء ومن مستثنى من المفعول المحذوف وهو مبتدأ وصال خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين والجحيم مضاف إليه وقد أفرد حملا على لفظ من كما أفرد هو والجملة صلة الموصول. (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) الواو استئنافية وما نافية ومنا خبر مقدم والمبتدأ محذوف أقيمت صفته مقامه والتقدير

٣١٨

وما منا أحد إلا له مقام معلوم كقوله :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

أي أنا ابن رجل جلا الأمور. ويجوز أن تكون منا صفة لمحذوف هو المبتدأ والخبر جملة إلا له مقام معلوم وإلا أداة حصر وله خبر مقدم ومقام مبتدأ مؤخر ومعلوم صفة وعبارة القرطبي : «وأنزل الله تعالى حكاية عن قول الملائكة : وما منا إلا له مقام معلوم والتقدير عند الكوفيين وما منا إلا من له مقام معلوم فحذف الموصول وهو من وتقديره عند البصريين ، وما منا ملك إلا له مقام معلوم أي مكان معلوم في العبادة».

الفوائد :

يجب حذف الخبر إذا كان المبتدأ معطوفا عليه اسم بواو هي نص في المعية نحو كل رجل وضيعته أي حرفته سميت بذلك لأن صاحبها يضيع فيها وكل صانع وما صنع فكل مبتدأ وصانع مضاف إليه وما صنع معطوف على المبتدأ والخبر محذوف وجوبا أي مقترنان وإنما حذف لدلالة الواو وما بعدها على المصاحبة والاقتران ، أما إذا لم يكن هناك نص على المعية فيجوز حذفه ويجوز ذكره ومن الثاني قول الفرزدق :

تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى

وكل امرئ والموت يلتقيان

فآثر ذكر الخبر وهو جملة يلتقيان. ويشعب : يفرق.

٣١٩

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣))

الاعراب :

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة ونحن مبتدأ أو ضمير فصل والصافون خبر نحن والجملة الاسمية خبر إنا أو الصافون خبر انا أي نقف صفا واحدا في الصلاة أو في ساحة الجهاد ومفعول الصافون محذوف أي نصفّ أقدامنا.

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) عطف على الآية السابقة. (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) الواو عاطفة وإن مخففة من الثقيلة مهملة ، أو اسمها ضمير الشأن وجملة كانوا خبرها إن أعملت ، وكان واسمها واللام الفارقة وجملة يقولون خبر كان وجملة لو وما في حيزها مقول قولهم ولو شرطية وان وما في حيزها فاعل لفعل محذوف أي ثبت وان حرف مشبه بالفعل والظرف متعلق بمحذوف خبر أن المقدم وذكرا اسمها المؤخر ومن الأولين نعت لذكرا. (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) اللام واقعة في جواب لو وكان واسمها وعباد الله خبرها والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والمخلصين نعت لعباد

٣٢٠