إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٩

اشتركا في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لا يتساويان في الخاصية العظمى لبقاء أحدهما على فطرته الأصلية.

٣ ـ الاستطراد :

وعلى ذكر الاستطراد نقول لقد تقدمت الاشارة إليه في هذا الكتاب ونزيده هنا بسطاً فنقول انه أن يبني الشاعر أو الكاتب كلاماً كثيراً على كلام من غير ذلك النوع يقطع عليه الكلام وهو مراده دون جميع ما تقدم ويعود الى كلامه الاول ، وجلّ ما يأتي تشبيها فقد استطراد في الآية الى ذكر البحرين المالح والعذب وما علق بهما من نعمته وعطائه فمن كل منهما تأكلون لحماً طرياً وهو السمك وتستخرجون حلية تلبسونها فالخاتم يجعل في الإصبع والسوار في المعصم والقلادة في العنق والخلخال في الرجل وترى الفلك في كل منهما مواخر أي شواق للماء بجريها بها ، يقال مخرت السفينة الماء ويقال للسحاب بنات مخر لأنها تمخر الهواء والسفن الذي اشتقت منه السفينة قريب من المخر لأنها تسفن الماء كأنها تقشره كما تمخره.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَ‌اءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلَا تَزِرُ‌ وَازِرَ‌ةٌ وِزْرَ‌ أُخْرَ‌ىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْ‌بَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ‌ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ‌(١٨)

١٤١

الغة :

(حملها) : الحمل بالكسر ما يحتمل والجمع أحمال وحمولة والحمل أيضاًَ : واحد الحمول وهي الهوادج أو الإبل التي عليها الهوادج وفي المصباح : «الحمل بالكسر ما يحمل على الظهر ونحوه والجمع أحمال وحمول وحملت المتاع حملاً من باب ضرب فأنا حامل والأنثى حاملة بالتاء لأنها صفة مشتركة» وفي المختار : «قال ابن السكيت : الحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس شجرة ، والحمل بالكسر ما كان على ظهر أو رأس ، قال الأزهري : وهذا هو الصواب وهو قول الأصعمي وقال : امرأة حامل أو حاملةإذا كانت حبلى فمن قال حامل قال : هذا نعت لا يكون إلا للإناث ومن قال حاملة بناه على ما حملت فهي حاملة وذكر ابن دريد أن حمل الشجرة فيه لغتان الفتح والكسر» وقد نظم بعضهم ضابطاً لهذه المادة العجبية فقال :

ما كان في بطن فذاك حمل

وإن على ظهر ورأس حمل

والكفلاء والديات حمل

جمع حمال وحميل فادر

كثير حمل اسمه الحمال

جمع لحامل لأي وقر

الاعراب :

(يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله) يا أيها الناس تقدم إعرابها كثيراً وأنتم مبتدأ والفقرأ خبر والى الله متعلقان بالفقراء لأنه جمع فقير صفة مشبهة. (والله هو الغني الحميد) الله مبتدأ وهو

١٤٢

مبتدأ ثان أو ضمير فصل والغني الحميد خبر ان للمبتدأ أو لهو والجملة الاسمية خبر الله. (إن يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد) إن شرطية ويشاء فعل شرط ويذهبكم جواب الشرط وجزاؤه ويأت عطف على يذهبكم وبخلق متعلقان بيأت وجديد نعت. (وما ذلك على الله بعزيز) الواو عاطفة وما نافية حجازية وذلك اسم ما وعلى الله متعلقان بعزيز والباء حرف جر زائد وعزيز مجرور لظفاً منصوب محلاً خبر ما. (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لا نافية وتزر فعل مضارع ووازرة فاعل أو هو وصف لفاعل محذوف والتقدير نفس وزراة ووزر مفعول به وأخرى مضاف إليه وسيأتي معنى هذا الكلام في باب البلاغة. (وإن تدع مثقلة الى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) إن شرطية وتدع فعل الشرط ومثقلة وصف لفاعل محذوف أي نفس مثقلة الى حملها متعلقان بتدع والمفعول به محذوف للعلم به ولا نافية ويحمل بالبناء للمجهول جواب الشرط ومنه متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشيء والواو حالية ولو شرطية وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره المدعو وذا قربى خبر أي ذا قرابة.

(إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقامو الصلاة) إنما كافة ومكفوفة وتنذر فعل مضارع وفاعلة مستتر تقديرة أنت والذين مفعول به وجملة يخشون صلة وربهم مفعول به وبالغيب حال من الفاعل أي يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابة غائباً عنهم وأقاموا الصلاة فعل ماض وفاعل ومفعول. (ومن تزكى يتزكى لنفسه وإلى الله المصير) والواو اعتراضية

١٤٣

ويجوز أن تكون استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ وتزكى فعل ماض في محل جزم فعل الشراط والفاء رابطة للجواب وإنما كافة ومكفوفة ويتزكى فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو ولنفسه متعلقان بيتزكي على أنه تعليق له والى الله خبر مقدم والمصير مبتدأ مؤخر.

البلاغة :

١ ـ في قوله «أنتم الفقراء الى الله» تعريف الفقراء ، والسر فيه المبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم هم الموسومون بالفقراء وان افتقار غيرهم بالنسبة لفقرهم لا يعتبر افتقاراً أو كأنهم قد أصبحوا وقد بلغوا من الفاقة غايتها ، ومن العوز نهاية جنس الفقراء وهذا من روائع علم البيان.

٢ ـ وفي قوله «ولا تزر وازرة وزر أخرى» جناس الاشتقاق بين تزر ووازرة ووزر والوزر كما في المصباح الاثم والوزر الثقل أيضاً ومنه يقال وزر يزر من باب وعد إذا حمل الاثم. وهنا يرد سؤال كيف يتفق هذا القول مع قوله تعالى : «وليحملن أثقالاًَ مع أثقالهم» فإن هذه الآية في الضالين المضلين فهم يحملون أثقال ضلالهم وأثقال إضلالهم لغيرهم أما الآية التي نحن بصدد ها فهي مقتصرة على الذين يحملون أوزار وأثقال أنفسهم ، وعن ابن عباس : يلقى الأب الابن فيقولان له يا بني احمل عنا بعض ذنوبنا فيقول لا أستطيع حسبي ما علي.

١٤٤

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ‌ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ‌ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُ‌ورُ‌ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّـهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ‌ (٢٢) إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ‌ (٢٣) إِنَّا أَرْ‌سَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرً‌ا وَنَذِيرً‌ا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ‌ (٢٤)

اللغة :

(الحرور) : عبارة الزمخشري : «الحرور السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار وقيل بالنهار خاصة» وفي المصباح «الحرّ بالفتح خلاف البرد يقال حر اليوم والطعام يحجر من باب تعب وحرّ حروراً من بابي ضرب وقعد لغة والاسم الحرارة» فهو حار وحرت النار تحر من باب تعب توقدت وأسعرت والحرّّ بالفتح : أرض ذات حجارة سود والجمع حرار مشل كلبة وكلاب والحرور وزان رسول الريح الحارة ، قال الفراء : تكون ليلاًَ ونهاراًَ وقال أبو عبيدة أخبرنا رؤية أن الحرور بالنهار والسموم بالليل وقال أبو عمرو بن العلاء : الحرور والسموم بالليل والنهار والحرور مؤنثة» وعبارة القاموس : «والحرور : الريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار والحرّ الدائم والنار».

١٤٥

الاعراب :

(وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور) كلام مستأنف مسوق لضرب المثل للمؤمن والكافر والتنافي بينهما في الذات والوصف والمسقتر في الآخر. وما نافية ويستوي فعل مضارع لا يكتفي بفاعل واحد ولذلك يجب أن يعطف عليه أو يتعدد والأعمى فاعل والبصير عطف عليه وما بعده عطف أيضاً ولا زائدة للتأكيد. (وما يستوي الأحياء والا الأموات إن الله يسمع من يشاء) الواو عاطفة وما نافية ويستوي الأحياء فعل مضارع وفاعل ولا للأموات عطف وإن واسمها وجملة يسمع خبرها ومن موصول مفعول به وجلمة يشاء صلة. (وما أنت بمسمع من في القبور) ولواو عاطفة وما نافية حجازية وأنت اسمها وبمسمع الباء حرف جر زائد ومسمع مجرور لفظاً منصوب محلاً على أنه خبر ما ومن مفعول مسمع لأنه اسم فاعل وفي القبور متعلقان بمحذوف صلة من. (إن أنت إلا نذير) إن نافية وأنت مبتدأ وإلا أداة حصر ونذير خبر أنت.

(إنا ارسلناك بالحق بشيراً ونذيراً) إن واسمها وجملة أرسلناك خبرها وبالحق متعلقان بأرسلناك وقيل في محل نصب على الحال من الفاعل أي محقين أو من المفعول أي محقاً أو نعت لمصدر محذوف أي إرسلاً ملتبساً بالحق وبشيراً حال ونذيراً عطف على بشير. (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) الواو عاطفة وإن نافية ومن حرف جر زائد وأمة مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه مبتدأ وإلا أداة حصر وجملة خبر إن أي سلف وفيها متعلقان بخلا ونذير فاعل.

١٤٦

البلاغة :

التمثيل والطباق :

في قوله «الأعمى والبصير» مثل للمؤمن والكافر «والظلمات والنور» مثل للحق والباطل وكذلك «الظل والحرور» و «الأحياء والأموات» مثل للذين دخلوا في الاسلام والذين لم يدخلوا فيه وأصرورا على الكفر وقد تقدم البحث مستوفياً في التمثيل ولا يخفى الطباق الموجود في كل مما ذكر.

الفوائد :

الواو في النفي :

قال الزمخشري : «فإن قلت لا المقرونة بواو العطف ما هي؟ قلت : إذا وقعت الواو في النفي قرنت بها لتأكيد معنى النفي».

وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُ‌سُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ‌ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ‌ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ‌ (٢٦) أَلَمْ تَرَ‌ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَ‌جْنَا بِهِ ثَمَرَ‌اتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ‌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَ‌ابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ

١٤٧

مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ‌ (٢٨)

اللغة :

(جُدَدٌ) : بضم الجيم وفتح الدال جمع جدة وهي طريق في الجبل أو غيره أو هي الخطة والطريقة من قولك جددت الشيء أي قطعته ، قال لبيد بن ربيعة : «أو مذهب جدد على ألواحه» وقال أبو الفضل : «هي ما يخالف من الطرائق لون ما يليها ومنه جدة الحمار للخط الذي في ظهره» والمراد في الجبال ما هو ذو جدد يخالف لونها لون الجبل.

(غَرابِيبُ) : جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد يقال أسود غربيب وأسود حلكوك وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب وفي القاموس «وأسود غربيب حالك فأما غرابيب سود فالسود بدل لأن توكيد الألوان لا يتقدم» وسيأتي المزيد من هذا البحث في باب الاعراب.

الاعراب :

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الواو عاطفة وإن شرطية ويكذبوك فعل الشرط والواو فاعل والكاف مفعول به ، فقد الفاء رابطة لجواب الشرط وقد حرف تحقيق وكذب الذين فعل وفاعل ومن قبلهم

١٤٨

متعلقان بمحذوف صلة وجملة فقد كذب في محل جزم جواب الشرط والأولى أن يكون الجواب محذوفاً تقديره فاصبر كما صبر واو قوله فقد كذب دليل عليه (جاء تهم رسلهم بالبينات والزبر وبالكتاب المنير) جملة جاءتهم حال وهو فعل ماض ومفعول به ورسلهم فاعل وبالبينات متعلقان بجاءتهم وما بعده عطف عليه والمنير صفة لكتاب والمراد بالزبر صحف إبراهيم وبالكتاب المنير التوراة والانجيل. (ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) ثم حرف عطف وأخذت الذين كفروا فعل وفاعل ومفعول به والفاء استئنافية وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر لكان مقدم عليها ونكيري اسمها وحذفت الياء في الرسم لمراعاة الفاصلة والنكير بمعنى النكار أي إنكاري عليهم بالعقوبة والاهلاك ، والاستفهام هنا معناه التقرير أي انه وقع موقعه وصادف أهله.

(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) كلام مستأنف مسوق لتقرير ما تقدم من ذكر اختلاف أحوال الناس وأنه أمر مطرد في جميع الكائنات. والهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم وتر فعل مضارع مجزوم بلم وفاعله مستتر تقديره أنت وان واسمها سدت مسد مفعولي تر وأن واسمها وجملة أنزل من السماء خبرها وماء مفعول أنزل. (فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها) الفاء عاطفة وأخرجنا عطف على أنزل على طريق الالتفات من الغيبة الى التكلم وبه معتلقان بأخرجنا وثمرات مفعول أخرجنا ومختلفاً صفة لثمرات وهو نعت سببي وألوانها فاعل به ولذلك لم يؤنث لأنه أسند الى جمع تكسير يجوز فيه التذكير والتأنيث وسيأتي سر هذا الالتفات في باب البلاغة. (ومن الجبال جدد بيض وحمر مخلتف ألوانها وغرابيب سود) ومن

١٤٩

الجبال الواو استئنافية ومن الجبال الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وجدد مبتدأ مؤخر وسيرد سر هذه الجملة الاسمية في باب البلاغة ، وبيض صفة لجدد وحمر عطف على بيض ومختلف صفة لجدد أيضا وألوانها فاعل بمختلف ، وقد تقدم نظيره ولذلك لا يجوز أن تعرب مبتدأ مؤخرا وخبرا مقدما لأن المطابقة واجبة حينذاك ، وغرابيب عطف على جدد وسود بدل من غرابيب وجعله الزمخشري معطوفا على بيض أو جدد ، قال «كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد» ثم قال «ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله ومن الجبال جدد بمعنى ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يئول الى قولك ومن الجبال مختلف ألوانها كما قال ثمرات مختلفا ألوانها» ولم يذكر بعد غرابيب سود مختلف ألوانها كما ذكر ذلك بعد بيض وحمر لأن الغربيب هو البالغ في السواد فصار لونا واحدا غير متفاوت بخلاف ما تقدم.

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) الواو عاطفة ومن الناس خبر مقدم والدواب والأنعام معطوفان على الناس ومختلف ألوانه نعت لمحذوف هو المبتدأ أي صنف مختلف ألوانه من الناس وكذلك نعت لمصدر محذوف لمختلف أي اختلاف كذلك.

(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) الجملة تعليل للرؤية لأن الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله فمن كان أعلم به كان أخشى منه. وإنما كافة ومكفوفة ويخشى الله فعل مضارع ومفعول به مقدم ومن عباده حال والعلماء فاعل ، وسيأتي سر هذا الحصر في باب البلاغة ، وان واسمها وخبراها.

١٥٠

البلاغة :

انطوت هذه الآيات على فنون رفيعة من البيان نورد منها :

١ ـ الالتفات في قوله «فأخرجنا» فقد التفت عن الغيبة الى التكلم لأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء ، ولإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة.

٢ ـ التدبيج في قوله «ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود» وقد تقدم أن التدبيج هو أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد الكناية بها والتورية بذكرها عن أشياء من وصف أو مدح أو هجاء أو نسيب أو غير ذلك من الفنون ، وقد أراد الله تعالى بذلك الكناية عن المشتبه من الطرق لأن الجادة البيضاء هي الطريق التي كثر السلوك عليها جدا وهي أوضح الطرق وأبينها يأمن فيها المتعسف ولا يخاف اجتيازها الموغل في الاسفار والممعن في افتراش صعيد المغاور ، ولهذا قيل ركب بهم الحجة البيضاء ودونها الحمراء ودون الحمراء السوداء كأنها في خفائها والتباس معالمها ضد البيضاء في الظهور والوضوح ، ولما كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة بينهما ، فالطرف الأعلى في الظهور البياض والطرف الأدنى في الخفاء السواد والأحمر بينهما على وضح الألوان والتراكيب ، وكانت ألوان الجبال لا تخرج ، في الغالب ، عن هذه الألوان الثلاثة ، والهداية بكل علم نصب للهداية منقسمة هذه القسمة ، أتت الآية الكريمة على هذا التقسيم فحصل فيها التدبيج مع صحة التقسيم وهي مسرودة على نمط متعارف ، مسوقة للاعتداد بالنعم على ما هدت اليه

١٥١

من السعي في طلب المصالح والمنافع وتجنب المعاطب والمهالك الدنيوية والأخروية.

٣ ـ العدول الى الاسمية :

وذلك في قوله «ومن الجبال» فإن إيراد هذه الجملة والجملة التي بعدها وهي «ومن الناس» اسميتين مع مشاركتهما للجملة الفعلية قبلهما في الاستشهاد بمضمون كل من هذه الجمل على تباين الناس في الأحوال ، كما أن اختلاف الجبال والناس والدواب والأنعام فيما ذكر من الألوان أمر مستمر فعبر عنه بما يدل على الاستمرار ، وأما إخراج الثمرات المختلفة فأمر حادث متجدد فعبر عنه بما يدل على الحدوث.

٤ ـ التقديم والتأخير والحصر :

في قوله «إنما يخشى الله من عباده العلماء» لحصر الخشية بالعلماء كأنه قيل : إن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم ، أما إذا قدمت الفاعل فإن المعنى ينقلب الى أنهم لا يخشون إلا الله وهما معنيان مختلفان كما يبدو للمتأمل.

(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١))

١٥٢

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) إن واسمها وجملة يتلون صلة وكتاب الله مفعول يتلون وأقاموا الصلاة فعل ماض وفاعل ومفعول به وهي عطف على الصلة داخلة في حيزها. (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) عطف أيضا وأنفقوا فعل وفاعل ومما متعلقان بأنفقوا وجملة رزقناهم صلة وسرا وعلانية منصوبان بنزع الخافض أي في السر والعلانية وفي ذلك إلماع الى الإنفاق كيفما تهيأ ولك أن تنصبهما على الحال أي مسرين ومعلنين وقيل هو إلماع الى الصدقة المطلقة والأحسن فيها أن تكون سرا والزكاة وهي لا تكون إلا علانية.

(يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) جملة يرجون خبر إن وتجارة مفعول به ولن حرف نفي ونصب واستقبال وتبور فعل مضارع منصوب بلن وجملة لن تبور صفة لتجارة.

(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) اللام للعاقبة والصيرورة أو للتعليل ويوفيهم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بلن تبور على معنى أنها لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجور أعمالهم الصالحة ، وقيل إن اللام متعلقة بمحذوف دل عليه السياق أي فعلوا ذلك ليوفيهم والهاء مفعول يوفيهم الأول وأجورهم مفعول به ثان ويزيدهم عطف على يوفيهم وان واسمها وغفور خبرها الأول وشكور خبرها الثاني وجملة إن تعليل لما تقدم من التوفية والزيادة ، وأجاز الزمخشري جعل جملة يرجون في محل نصب على الحال أي وأنفقوا راجين ، وخبر إن قوله إنه غفور شكور. (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ) الذي مبتدأ

١٥٣

وجملة أوحينا صلة وإليك متعلقان بأوحينا ومن الكتاب حال وهو مبتدأ أو ضمير فصل والحق خبر هو والجملة الاسمية خبر الذي أو الحق خبر الذي. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) مصدقا حال مؤكدة أي وموافقا لما تقدمه من الكتب ولما متعلقان بمصدقا والظرف متعلق بمحذوف صلة ما ويديه مضاف اليه أي من الكتب التي تقدمته وإن واسمها وبعباده متعلقان بخبير واللام المزحلقة وخبير وبصير خبران لإن أي عالم بما ظهر وما بطن منهم.

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥))

اللغة :

(نَصَبٌ) : تعب وفي القاموس : «نصب كفرح أعيا» وفي المختار : «ونصب تعب وبابه طرب».

١٥٤

(لُغُوبٌ) : إعياء من التعب وفي القاموس : «لغب لغبا ولغوبا كمنع وسمع وكرم أعيا أشد الإعياء» وفي المختار : «اللغوب بضمتين التعب والإعياء وبابه دخل ولغب بالكسر لغوبا لغة ضعيفة» فظاهر ما ورد في كتب اللغة أنهما متفقان في المعنى ولكن الزمخشري فرق بينهما تفريقا دقيقا فقال : «فإن قلت : ما الفرق بين النصب واللغوب؟

قلت : النصب والتعب والمشقة التي تصيب المنتصب للأمر المزاول له وأما اللغوب فما يلحقه من الفتور بسبب النصب فالنصب نفس المشقة والكلفة واللغوب نتيجته وما يحدث منه من الكلال والفترة».

الاعراب :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وأورثنا الكتاب فعل وفاعل ومفعول به ثان وإنما قدم المفعول الثاني قصد التشريف والتعظيم للكتاب وسيأتي معناه في باب البلاغة والذين هو المفعول الاول وجملة اصطفينا صلة الذين ومن عبادنا حال. (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) الفاء تفريعية لأنه قسم عبادة الذين أورثهم الكتاب كما سيأتي ومنهم خبر مقدم وظالم مبتدأ مؤخر ولنفسه متعلقان بظالم وهؤلاء هم القسم الأول ومنهم مقتصد عطف على ما قبله وهم القسم الثاني ومنهم سابق بالخيرات عطف أيضا وهم القسم الثالث وبإذن الله حال أو متعلقان بسابق وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفوائد.

(ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ذلك مبتدأ وهو مبتدأ ثان أو ضمير فصل والفضل الكبير خبر هو والجملة خبر ذلك ، أو خبر ذلك.

١٥٥

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) جنات عدن مبتدأ وجملة يدخلونها خبر وأعربها الزمخشري بدلا من الفضل وليس ثمة مانع ولكن الزمخشري تسلل من هذا الاعراب الى تثبيت عقيدته الاعتزالية كما سيأتي في باب الفوائد لطرافته. (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) الجملة خبر ثان وقد تقدم إعرابها في سورة الحج فقد وردت هناك بلفظها فجدد به عهدا. ومن العجيب أن الزمخشري الذي أعرب لؤلؤا منصوبة بفعل محذوف في سورة الحج أي ويؤتون قد أعربها هنا عطفا على محل من أساور فقال :«ولؤلؤا معطوف على محل من أساور ومن داخلة للتبعيض أي يحلون بعض أساور من ذهب» ولباسهم مبتدأ وفيها حال وحرير خبر.

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) الواو عاطفة وقالوا فعل ماض أراد به المضارع وعدل الى الماضي للدلالة على التحقيق ، والحمد مبتدأ ولله خبر والذي نعت وجملة أذهب عنا صلة والحزن مفعول به لأذهب الذي تعدى بالهمز وعنا متعلقان بأذهب. (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) ان واسمها واللام المزحلقة وغفور خبر أول لإن وشكور خبر ثان (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) بدل من الذي المتقدمة وجملة أحلنا صلة وهو فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به أول ودار المقامة مفعول به ثان أي أنزلنا دار المقامة ومن فضله متعلقان بأحلنا ومن للابتداء أو للتعليل. (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) جملة لا يمسنا حال من مفعول أحلنا الأول ويجوز أن تكون حالا من المفعول الثاني والأول أرجح ويمسنا فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وفيها متعلقان بيمسنا ونصب فاعل ولا يمسنا فيها لغوب عطف على ما تقدم.

١٥٦

البلاغة :

١ ـ في قوله «ثم أحدثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» استعارة مكنية تبعية ، شبّه إعطاء الكتاب إياهم من غير كد أو تعب في وصوله إليهم بتوريث الوارث.

٢ ـ وفي هذه الآية أيضا فن «الجمع مع التقسيم» وهو أن يجمع المتكلم بين شيئين أو أكثر في حكم ثم يقسم ما جمعه أو يقسم أولا ثم يجمع ، فالأول كالآية المذكورة وقوله تعالى «يوم تأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد» إلى آخر الآية.

الفوائد :

١ ـ الترتيب على مقامات الناس :

قال الزمخشري : «فإن قلت : لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟ قلت : للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم وان المقتصدين قيلل بالاضافة إليهم والسابقين أقل من القليل» وأوضح الخازن هذا المعنى بعبارة أكثر بسطا فقال : «فإن قلت : لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟ قلت : قيل : رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لأن أحوال الناس ثلاثة : معصية وغفلة وتوبة ، فإذا عصى الرجل دخل في حيز الظالمين فإذا تاب دخل في جملة المقتصدين فإذا صحت توبته وكثرت عبادته ومجاهدته دخل في عداد السابقين».

٢ ـ بين المعتزلة وأهل السنة :

قال الزمخشري : «فإن قلت كيف جعلت جنات عدن بدلا من

١٥٧

الفضل الكبير؟ قلت : لأن الاشارة بالفضل الى السبق بالخيرات وهو السبب في الجنات ونيل الثواب ، فأقام السبب مقام المسبب ، وفي اختصاص السابقين بذكر الجزاء دون الآخرين ما يوجب الحذر فليحذر المقتصد وليملك الظالم لنفسه حذرا وعليهما بالتوبة النصوح ولا يغترا بما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له فإن شرط ذلك صحة التوبة فلا يعلل نفسه بالخدع» وهذا الكلام جار على مذهب المعتزلة أما أهل السنة فيجوزون الغفران بمجرد الفضل ، قال ابن المنير في الرد على الزمخشري : «وقد صدرت هذه الآية بذكر المصطفين من عباد الله ثم قسمتهم الى الظالم والمقتصد والسابق ليلزم اندراج الظالم لنفسه من الموحّدين في المصطفين وانه لمنهم ، وأي نعمة أتم وأعظم من اصطفائه للتوحيد والعقائد السالمة من البدع فما بال المصنف (أي الزمخشري) يطنب في التسوية بين الموحد المصطفى والكافر المجترئ.

قبسة عن المعتزلة :

هذا والمعتزلة طائفة من المسلمين يرون أن أفعال الخير من الله وأفعال الشر من الإنسان وأن الله تعالى يجب عليه رعاية الأصلح للعباد وان القرآن محدث مخلوق ليس بقديم وأن الله تعالى ليس بمرئي يوم القيامة وأن المؤمن إذا ارتكب الكبيرة كان في منزلة بين المنزلتين يعنون بذلك أنه ليس بمؤمن ولا كافر وأن من دخل النار لم يخرج منها وأن الايمان قول وعمل واعتقاد وأن إعجاز القرآن في الصرف عنه لا أنه

١٥٨

في نفسه معجز ولو لم يصرف العرب عن معارضته لأتوا بما يعارضه وأن المعدوم شيء وأن الحسن والقبح عقليان وأن الله تعالى حيّ لذاته لا بحياة وعالم لذاته لا بعلم وقادر لذاته لا بقدرة.

ومن مشهوري المعتزلة وأعيانهم الجاحظ وأبو الهذيل العلاف وابراهيم النظام وواصل بن عطاء وأحمد بن حابط وبشر بن المعتمر ومعمر بن عباد السلمي ، وأبو موسى عيسى الملقب بالمزداد ويعرف براهب المعتزلة وثمامة بن أشرس وهشام بن عمر الفوطي وأبو الحسن ابن أبي عمر والخياط وأستاذ الكعبي وأبو علي الجبائي أستاذ الشيخ أبي الحسن الأشعري أولا وابنه أبو هاشم عبد السلام ، هؤلاء هم رءوس مذهب الاعتزال وغالب الشافعية أشاعرة والغالب في الحنفية معتزلة والغالب في المالكية قدرية والغالب في الحنابلة حشوية ومن المعتزلة أبو القاسم الصاحب إسماعيل بن عباد والزمخشري والفراء النحوي والسيرافي.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨))

١٥٩

اللغة :

(يَصْطَرِخُونَ) : يتصارخون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة ، قال الأعشى :

قصدت الى عنس لأحدج رحلها

وقد حان من تلك الديار رحيلها

فأنّت كما أنّ الأسير وصرخت

كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها

أي أنّت كأنين الأسير في الأول ورفعت برفع صوتها ثانيا كصرخة حبلى عند الطلق تركتها قبيلها التي تخدمها عند الولادة والقبيل والقبول والقابلة التي تقوم بمصلحة المرأة عند الولادة وتتلقى الولد عند خروجه. والفعل المبدوءة بأحد أحرف الاطباق وهي الصاد والضاد والطاء والظاء إذا صيغ منها على وزن افتعل وما يتصرف منه أبدلت تاء الافتعال طاء مثال ذلك الأفعال : صلح ، ضرب ، طرد ، ظلم إذا بنينا منها صيغة افتعل قلنا : على القياس : اصتلح ، اضترب ، اطترد ، اظتلم ، ولتخفيف اللفظ أبدلت التاء طاء والمجانسة بينهما ظاهرة فنقلت الى اصطلح ، اضطرب ، اطرد ، اظطلم ، ويجوز في نحو اظطلم وجهان آخران اظّلم واطّلم.

الاعراب :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ) عطف على قوله «إن الذين يتلون كتاب الله» والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة ولهم خبر مقدم

١٦٠