إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٤٠

وتقدم القول في النبع والينوع ونبغ الشيء خرج وظهر ونبغ الرجل : قال الشعر وأجاده ويقال إن النابغة قال الشعر على كبر سنه فاجاد فسمي النابغة وقيل بل لقوله :

وحلت في بني القين بن جسر

فقد نبغت لنا منهم شئون

وهو نابغة من النوابغ ونبغ في العلم وفي كل صناعة. ونبق الشيء ينبق ظهر والنّبق والنّبق والنّبق والنّبق : حمل شجر السدر الواحدة نبقة وعن بعض العرب : ان النبق ليعجبني وان النّبق لي لمؤذ وفي الحديث «ونبقها كقلال هجر» ، ووقعنا في نبك من الأرض ونباك جمع نبكة وهي الأكمة المحددة الرأس ونبك المكان ارتفع وهضاب نوابك ، قال ذو الرمة :

طواهن تغويري إذا الآل أرفلت

به الشمس أزر الحزورات النوابك

ونبل الرجل كان ذا نبالة وفضل ظاهرتين ورجل نابل ونبّال معه نبل قال امرؤ القيس :

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وليس بذي رمح فيطعنني به

وليس بذي سيف وليس بنبّال

ورجل تنبال : قصير ، ونبه ينتبه للأمر فطن له وكان ذا نباهة وشرف ، ونبا السيف عن الضريبة نبوّا ونبوة وسيف ناب ولكل صارم نبوة ، قال :

٥٠١

أنا السيف إلا أن للسيف نبوة

ومثلي لا تنبو عليك مضاربه

وقد رمق سماء هذا المعنى حافظ ابراهيم فقال :

لا تلم كفي إذا السيف نبا

صّح مني العزم والدهر أبى

(كِسَفاً) : قطعا يقال : كسفت الثوب قطعته وقال الزجاج كسف الشيء بمعنى غطاه قيل ولا يعرف هذا لغيره وفي الأساس : «وهذه كسفة وكسف وكسف من السحب وأعطني كسفة من الثوب : قطعة».

(قَبِيلاً) : كفيلا بما تقول شاهدا بصحته وقيل مقابلة وعيانا وقيل هو جمع قبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة يشهدون بصحة ما تقول واللغة تحتمل الجميع.

(زُخْرُفٍ) ذهب وهو المراد هنا ولها معان شتى منها حسن الشيء وزخرف الكلام أباطيله المموهة وزخرف الأرض ألوان نباتها والجمع زخارف وزخرف الشيء حسنه وزينه ، والكلام موّهه بالكذب.

الاعراب :

(وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الواو عاطفة وقالوا فعل وفاعل ولن حرف نفي ونصب واستقبال ونؤمن نصب بها وفاعل نؤمن مستتر تقديره نحن ولك متعلقان بنؤمن وحتى حرف غاية وجر وتفجر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى ولنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ومن الأرض متعلقان بتفجر وينبوعا

٥٠٢

مفعول به. (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) أو حرف عطف وتكون عطف على تفجر وهو المطلب الثاني من مطالبهم الستة. ولك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر تكون المقدم ، وجنة اسمها المؤخر ، فتفجر : الفاء عطف وتفجر عطف على تكون وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت والأنهار مفعول به وخلالها ظرف متعلق بمحذوف حال أي كائنة خلالها وتفجيرا مفعول مطلق. (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) أو حرف عطف وتسقط عطف على ما تقدم وهو المطلب الثالث والسماء مفعول به والكاف حرف جر أو اسم بمعنى مثل وهي مع ما المصدرية المؤولة بمصدر نعت لمصدر محذوف أو نصب على الحال وعلينا متعلقان بتسقط وكسفا حال من السماء والاشارة الى قوله تعالى «إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء». (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) وهذا هو المطلب الرابع من مطالبهم المتعنتة وبالله متعلقان بتأتي والملائكة عطف على الله وقبيلا حال من الله والملائكة وقد تقدم معناها في باب اللغة. (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) وهذان هما المطلبان الخامس والسادس. ولك خبر يكون المقدم وبيت اسم يكون المؤخر و

من زخرف متعلقان بمحذوف صفة لبيت أو حرف عطف وترقى عطف على ما تقدم وبه تكتمل المطالب الستة المتعنتة وفي السماء جار ومجرور متعلقان بترقى ومعنى الرقي الصعود في السماء.

(وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) الواو عاطفة ولن حرف نفي ونصب واستقبال ونؤمن منصوب بها وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن ولرقيك متعلقان بنؤمن وحتى حرف غاية وجر وتنزل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت وعلينا متعلقان بتنزل وكتابا مفعول به وجملة نقرؤه نعت لكتابا أو حال مقدرة من نا في علينا. (قُلْ سُبْحانَ

٥٠٣

رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت أي قل في الرد على العناد واللجاج وسبحان ربي مفعول مطلق والجملة مقول القول ومعناها التعجب من هذا اللجاج وتنزيه الله سبحانه عن أن يشاركه أحد في قدرته وهل حرف استفهام معناه النفي والإنكار وكنت فعل ماض ناقص والتاء اسمها وإلا أداة حصر وبشرا خبر كنت أو حال ورسولا نعت أو خبر كنت.

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦))

الاعراب :

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) الواو عاطفة أو استئنافية وما نافية ومنع فعل ماض والناس مفعول به مقدم وأن وما في حيزها في محل نصب مفعول به ثان لمنع وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بمنع أي وما منع الناس الايمان وقت مجيء الهدى وجملة جاءهم الهدى مضاف إليها الظرف. (إِلَّا أَنْ قالُوا : أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) إلا أداة حصر وأن وما في حيزها في محل رفع فاعل منع والهمزة للاستفهام الانكاري وما أنكروه هو المنكر ، وبعث الله فعل وفاعل وبشرا حال من رسولا لأنه كان نعتا له وتقدم عليه كما هي القاعدة ورسولا مفعول به. (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ

٥٠٤

مُطْمَئِنِّينَ) قل فعل أمر ولو شرطية وكان فعل ماض ناقص وفي الأرض متعلقان بمحذوف خبر كان المقدم وملائكة اسمها المؤخر وجملة يمشون صفة لملائكة ومطمئنين حال ويجوز في كان التمام وملائكة هي الفاعل (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) اللام واقعة في جواب لو ونزّلنا فعل وفاعل وعليهم متعلقان بنزلنا ومن السماء متعلقان بنزلنا أيضا وملكا حال من رسولا ، ورسولا مفعول نزلنا. (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) كفى فعل ماض والباء حرف جر زائد والله مجرور بالباء لفظا وهو فاعل كفى محلا وشهيدا تمييز وبيني الظرف متعلق بشهيدا وبينكم عطف على الظرف الأول. (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) إن واسمها وجملة كان خبرها وخبيرا بصيرا خبران لكان.

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠))

٥٠٥

الاعراب :

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) الواو استئنافية ومن اسم شرط جازم في محل نصب مفعول مقدم ليهد ، ويهد فعل الشرط والله فاعل فهو الفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية وهو مبتدأ والمهتدي خبره وتحذف الياء في رسم المصحف وجملة هو المهتدي في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من على الأصح. (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) الواو عاطفة والجملة معطوفة على سابقتها ولهم متعلقان بأولياء ومن دونه حال. (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) ونحشرهم الواو استئنافية ونحشرهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به ويوم القيامة متعلق بنحشرهم وعلى وجوههم حال من الهاء في نحشرهم وعميا وما عطف عليه أحوال أيضا.

(مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) مأواهم جهنم جملة مستأنفة مؤلفة من مبتدأ وخبر وكلما ظرف متضمن معنى الشرط وقد تقدم وهو متعلق بالجواب وهو زدناهم وسعيرا مفعول به ثان وجملة كلما خبت حال من جهنم. (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) ذلك اسم اشارة مبتدأ وجزاؤهم خبره وبأنهم أن وما في حيزها في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بجزاؤهم ويجوز أن يكون جزاؤهم بدلا من ذلك وبأنهم هو الخبر وجملة كفروا خبر أن وبآياتنا متعلقان بكفروا (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) الهمزة للاستفهام الانكاري وإذا ظرف مستقبل وكنا عظاما كان واسمها وخبرها ورفاتا عطف على عظاما والهمزة للاستفهام الإنكاري أيضا وان واسمها واللام المزحلقة ومبعوثون خبر إنا وخلقا حال وجديدا نعت ولك أن تجعل خلقا مفعولا مطلقا من معنى الفعل أي نبعث بعثا جديدا.

٥٠٦

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) الهمزة للاستفهام الانكاري للرد على إنكارهم ، والواو عاطفة على محذوف وقد تقدم تحقيقه كثيرا وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يروا والذي صفة لله وجملة خلق السموات والأرض صلة وقادر خبر أن وعلى أن متعلقان بقادر ومثلهم صفة للمفعول المحذوف أي خلقا مثلهم وتقرير ذلك أن مثل الشيء مساويا له في حال فجاز أن يعبر به عن الشيء نفسه. (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) الواو عاطفة وجعل معطوف على أو لم يروا لأنه في تقدير قد رأوا والمعنى قد علموا بالدلائل العقلية أن من قدر على خلق السموات والأرض هو قادر على خلق أمثالهم وجعل أجل لهم ، ولهم متعلقان بمحذوف مفعول جعل الثاني وأجلا مفعول جعل لأول ولا ريب فيه الجملة صفة لأجلا ولا نافية للجنس وريب اسمها المبني على الفتح وفيه خبرها. (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) تقدم تقريره قريبا فجدد به عهدا. (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) لو شرطية وحقها أن تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من تقدير فعل يفسره ما بعده أي لو تملكون فلما أضمر على شريطة التفسير انفصل الضمير فأنتم تأكيد للفاعل المستتر في الفعل المحذوف الذي يفسره ما بعده وسيأتي بحث ذلك مفصلا في باب الفوائد.

وغلط من أعرب أنتم فاعلا لأن ضمير المخاطب لا يجوز إظهاره وجملة تملكون مفسرة لا محل لها وخزائن رحمة ربي مفعول به.

(إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) اذن حرف جواب وجزاء مهمل ، ولأمسكتم اللام واقعة في جواب لو والجملة لا محل لها وخشية الانفاق مفعول لأجله والواو حالية وكان الإنسان قتورا كان واسمها وخبرها والجملة نصب على الحال وسيرد تقرير هذا المعنى في باب الفوائد.

٥٠٧

الفوائد :

١ ـ «لو» والاسم بعدها :

تقدم القول في غير موضع من هذا الكتاب أن الشرط لا يكون إلا بالأفعال لأنك تعلق وجود غيرها على وجودها والأسماء ثابتة موجودة لا يصح تعليق وجود شيء على وجودها ولذلك لا يلي حرف الشرط إلا الفعل ويقبح أن يتقدم الاسم فيه على الفعل ، ولو داخلة في هذا التحديد وإذا وقع بعدها الاسم وبعده الفعل فالاسم محمول على فعل قبله مضمر يفسره الظاهر وذلك لاقتضائها الفعل دون الاسم ومن كلام حاتم «لو ذات سوار لطمتني» على تقدير لو لطمتني ذات سوار.

٢ ـ معنى «وكان الإنسان قتورا» :

أورد بعض المتعنتين سؤالا اعترض فيه على قوله تعالى «وكان الإنسان قتورا» وقال على طريق التعنت والجدل اللفظي : كيف يصح هذا السلب الكلّيّ؟ وكيف يكون عموم الجنس الانساني ممسكا بخيلا ونحن نرى من بني الإنسان الجواد الكريم؟ والجواب في غاية البساطة وهو أن بناء أمر الإنسان في الأصل قائم على الحاجة والبخل بما يحتاج إليه للحفاظ على ما فيه قوام معيشته وملاك أمره وكسب الذكر الجميل والثناء العطر غاية لما يبذله حتى أن من بينهم ـ كما قال المعترض ـ لا الجواد الكريم فحسب بل الذي يرى بذل النفس والنفيس على حد قوله :

يجود بالنفس إن ضن الجواد بها

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

٥٠٨

٣ ـ ذهب بعض المتأخرين من النحاة الى قياس إذا الظرفية على إذ في إلحاق التنوين بها و «إذا» ذا حذفت الجملة التي تضاف هي إليها عوض عنها التنوين كقوله تعالى «وإذا لآتيناهم» و «إذا لأمسكتم» و «إذا لأذقناك» و «إذا لا يلبثون» و «إنكم إذا لمن المقربين» قالوا وليست إذا في هذه الأمثلة الناصبة للمضارع لأن تلك تختص به ولذا عملت فيه ولا يعمل إلا ما يختص وهذه لا تختص به بل تدخل على الماضي وعلى الاسم وممن ذكر هذا الكافجي وأبو حيان في تذكرته والزركشي في البرهان وما نحسبه بعيدا قالوا «وتقول لمن قال أنا آتيك إذا أكرمك» بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمتك فحذف أتيتني وعوض التنوين من الجملة فسقطت الألف لالتقاء الساكنين.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))

٥٠٩

اللغة :

(بَصائِرَ) : عبر وبينات جمع بصيرة قال قس بن ساعدة الإيادي :

في الذاهبين الأولين

من القرون لنا بصائر

وله فراسة ذات بصيرة وذات بصائر وهي الصادقة ورأيت عليك ذات البصائر قال الكميت :ورأوا عليك ومنك في المهد النهى ذات البصائر (مَثْبُوراً) هالكا أو مصروفا عن الخير وفي المصباح : «وثبر الله الكافر ثبورا من باب قعد أهلكه وثبر هو يتعدى ويلزم».

(لَفِيفاً) : قيل هو مصدر لف يلف لفيفا نحو النذير والنكير من لف الشيء يلفه لفا والألف المتداني الفخذين أو عظيم البطن وقيل هو اسم جمع لا واحد له من لفظه والمعنى جئنا بكم جميعا.

الاعراب :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) الواو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وآتينا فعل وفاعل وموسى مفعول به أول وتسع آيات مفعول به ثان وبينات صفة للعدد فهي منصوبة أو صفة للمعدود فهي مجرورة وقد تقدم ذكر هذه الآيات وما فيها من خلاف ونوجزها هنا في رواية ابن عباس قال : هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل وعن الحسن

٥١٠

هي الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور وقيل غير ذلك ممالا علاقه له بكتابنا هذا. (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ : إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) الفاء الفصيحة إذا كان الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل الخطاب لموسى فتكون عاطفة على قول محذوف أي فقلنا له اسأل بني إسرائيل أي اسأل فرعون ، وبني إسرائيل مفعول ثان وإذ ظرف لما مضى متعلق بآتينا على الأول وبالقول المقدر على الثاني وجملة جاءهم مضافة إليها الظرف فقال له عطف على مقدر أي إذ جاءهم وبلغهم الرسالة ، فقال له فرعون فعل وفاعل وله متعلقان بقال ، وإني ان واسمها واللام المزحلقة وأظنك فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنا ومفعول به ويا موسى يا حرف نداء وموسى منادى مفرد علم ومسحورا مفعول به ثان أي سحرت فخولط عقلك واختل كلامك. (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) قال فعل ماض وفاعله مستتر أي موسى واللام جواب للقسم المحذوف وعلمت فعل وفاعل وما نافية وأنزل فعل ماض وهؤلاء مفعول به أي الآيات التي جئت بها وإلا أداة حصر ورب السموات والأرض فاعل وبصائر حال أي أنزلها بصائر وإنما احتجنا الى هذا التقدير لأن ما بعد إلا لا يكون معمولا لما قبلها وأجازه بعضهم فهي حال من هؤلاء. (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وجملة أظنك خبر إن ويا فرعون نداء ومثبورا مفعول ثان لأظنك. (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) الفاء عاطفة وأراد فعل وفاعل مستتر أي فرعون وأن وما في حيزها مصدر مؤول مفعول أراد ومن الأرض متعلقان بيستفزهم. (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) الفاء عاطفة وأغرقناه فعل وفاعل ومفعول به ومن الواو واو المعية ومن مفعول معه ويجوز عطفه على الهاء وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفوائد ومعه

٥١١

ظرف مكان صلة من وجميعا حال. (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وقلنا عطف على ما تقدم ومن بعده حال ولبني إسرائيل متعلقان بقلنا.

(اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) جملة اسكنوا مقول القول والأرض مفعول به على السعة وقد تقدم تفصيل ذلك فإذا الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل وجاء وعد الآخرة فعل وفاعل وجملة جئنا لا محل لها وبكم متعلقان بجئنا ولفيفا حال.

الفوائد :

حالات المفعول معه :

للمفعول معه خمس حالات :

١ ـ وجوب العطف نحو : كل رجل وعمله ونحو اشترك زيد وعمرو لأن الاشتراك لا يتأتى الا من اثنين.

٢ ـ ترجيح العطف نحو : جاء زيد وعمرو ، لأنه الأصل.

٣ ـ وجوب المفعول معه نحو : مالك وزيدا ، لامتناع العطف ، ونحو : مات زيد وطلوع الشمس لأن العطف يقتضي التشريك وهو باطل هنا.

٤ ـ ترجيح المفعول معه نحو قوله :

فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطحال

ونحو قمت وزيدا ، ففي المثال الأول يكون المعنى مع العطف كونوا لهم وليكونوا لكم وذلك خلاف المقصود وفي المثال الثاني

٥١٢

لا يحسن العطف على الضمير المتصل المرفوع إلا بعد توكيده بضمير منفصل.

٥ ـ امتناع كليهما نحو :

علفتها تبنا وماء باردا

حتى غدت همالة عيناها

وقول الآخر :

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزججن الحواجب والعيونا

أما امتناع العطف فلانتفاء المشاركة لأن الماء لا يشاركه التبن في العلف والعيون لا تشارك الحواجب في التزجيج لأن تزجيج الحواجب تدقيقها وتطويلها يقال رجل أزج وامرأة زجاء إذا كانت حاجباهما دقيقين طويلين وأما امتناع المفعول معه فلانتفاء المعية في البيت الأول لأن الماء لا يصاحب التبن في العلف وانتفاء فائدة الاعلام بمصاحبة العيون للحواجب في البيت الثاني إذ أن المعلوم أن العيون مصاحبة للحواجب فلا فائدة في الاعلام بذلك ويجب في ذلك إضمار فعل ناصب للاسم الواقع بعد الواو على أنه مفعول به أي علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا ، وزججن الحواجب وكحلن العيون.

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ

٥١٣

يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))

اللغة :

(مُكْثٍ) بتثليث الميم أي تطاول في المدة وعلى مهل وتؤدة ولم ترد قراءة بالكسر.

(الْأَذْقانِ) : جمع ذقن وهو مجتمع اللحيتين وسيأتي تفصيل واسع في باب البلاغة.

(تُخافِتْ) : تسر ، يقال خفت الصوت من بابي ضرب وجلس إذا سكن ويعدى بالباء فيقال خفت الرجل بصوته إذا لم يرفعه وخافت بقراءته مخافته إذا لم يرفع صوته بها وخفت الزرع ونحوه مات فهو خافت.

٥١٤

الاعراب :

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) الكلام هنا مرتبط بما تقدم من كلامه تعالى عن القرآن وقوله : «قل لئن اجتمعت الانس والجن» إلخ على طريق الاستطراد المتبع في أساليب العرب حيث ينتقلون من الصدد الذي هم فيه إلى غيره ثم يعودون إليه ، وعلى كل فالواو استئنافية وبالحق متعلقان بأنزلناه وأنزلناه فعل وفاعل ومفعول به وبالحق متعلقان بنزل فالباء سببية فيهما ولك أن تجعلها للملابسة فيتعلق الجار والمجرور بمحذوف حال أي ملتبسا والحال من المفعول به أو ملتبسين بالحق فالحال من الفاعل وسيأتي المزيد من هذا البحث في باب البلاغة.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) الواو عاطفة وما نافية وأرسلناك فعل وفاعل ومفعول به وإلا أداة حصر ومبشرا حال ونذيرا معطوف عليه وسيأتي الحديث عن هذا القصر في باب البلاغة. (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) وقرآنا منصوب على الاشتغال بفعل محذوف يفسره ما بعده فتكون جملة فرقناه مفسرة أي جعلنا نزوله مفرقا منجما حسب الحوادث والوقائع ومقتضيات الأحوال ، ولتقرأه اللام للتعليل وتقرأه مضارع منصوب بأن مضمرة والجار والمجرور متعلقان بفرقناه وفرقناه فعل وفاعل ومفعول به وعلى الناس متعلقان بتقرأه وعلى مكث في موضع الحال من الفاعل أي متريثا متمهلا وشيئا بعد شيئا رعاية لمصالح العباد ومعايشهم ، ونزلناه فعل وفاعل ومفعول به وتنزيلا مفعول مطلق. (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) جملة آمنوا مقول القول والأمر للاحتقار أي سواء علينا إيمانكم أو عدمه فما أنتم بمن يؤبه لهم أو لا تؤمنوا وأو حرف عطف ولا ناهية وتؤمنوا مجزوم بلا. (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ

٥١٥

لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) ان واسمها وجملة أوتوا العلم صلة والعلم مفعول ثان لأوتوا والأول نائب الفاعل وهو الواو ومن قبله حال والجملة تعليلية للقول على سبيل التسلية له صلى الله عليه وسلم وإذا ظرف مستقبل متعلق بيخرون وجملة يتلى مضاف إليها الظرف وعليهم متعلقان بيتلى وجملة يخرون لا محل لها لأنها جواب إذا وللأذقان متعلقان بيخرون وسجدا حال. (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) ويقولون عطف على يخرون وسبحان ربنا مفعول مطلق وإن مخففة مهملة واسمها ضمير الشأن وجملة كان خبرها ووعد ربنا اسم كان واللام الفارقة ومفعولا خبرها. (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) الجملة معطوفة على سابقتها وسيأتي سر هذا التكرير في باب البلاغة وجملة يبكون حالية والواو للحال ويزيدهم فعل وفاعل مستتر والهاء مفعول به أول وخشوعا مفعول به ثان وسيأتي سر هذين الحالين المتتابعين في باب البلاغة. (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) سمعوا محمدا يدعو مرة في سجوده ويقول يا الله يا رحمن فقال أبو جهل إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين اثنين فنزلت ، وجملة ادعوا الله مقول القول والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وهي تنصب مفعولين حذف أحدهما استغناء عنه للعلم به ولفظ الجلالة مفعول به وأو للتخيير فهي عاطفة وادعوا معطوف على ادعوا الأولى والرحمن مفعول به أي سموه بهذا الاسم أو بذاك (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أيا شرطية وهي منصوبة بتدعوا على أنها مفعول مقدم وما زائدة للابهام المؤكد وتدعوا فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والفاء رابطة للجواب لأنه جملة اسمية وله خبر مقدم والأسماء مبتدأ مؤخر والحسنى صفة وقيل ما شرطية وجمع بين أداتي الشرط للتأكيد ولاختلاف اللفظين ولا داعي لهذا وستأتي الأسماء

٥١٦

الحسنى في باب الفوائد. (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) الواو عاطفة ولا ناهية وتجهر مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت نهي عن المجاهرة تفاديا لشتائمهم وهذا من محاسن الأخلاق ولا تخافت عطف على ولا تجهر أي لا تجعلها غير مسموعة لمن خلفك من المصلين وابتغ فعل أمر بني على حذف حرف العلة وبين ظرف متعلق بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لسبيلا وذلك مضاف للظرف والاشارة إلى اثنين وهما المجاهرة والمخافتة ولذلك صح دخول بين ، وسبيلا مفعول ابتغ. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) جملة الحمد لله مقول القول والحمد مبتدأ ولله خبر والذي صفة وجملة لم يتخذ ولدا صلة وترتيب الحمد على عدم اتخاذ الولد لأن من كان هذا وصفه فهو القادر ولا شك على إسباغ النعم وايلائها أما صاحب الولد فهو مستهدف للتلهي بولده عن غيرهم والاشتغال بهم عمن سواهم.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) عطف على لم يتخذ ولم حرف نفي وقلب وجزم ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وله خبرها المقدم وشريك اسمها المؤخر وفي الملك متعلقان بشريك ونفي الشريك أدعى الى الحمد لعدم وجود المزاحم الذي تتعارض إرادته معه. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) عطف على ما تقدم ونفي النصير يدل على الاستغناء وإنما يستغني القوي القادر على زيادة الإنعام ومن الذل متعلقان بولي أي ناصر وكبّره عطف على قل وهو فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وتكبيرا مفعول مطلق للتأكيد.

البلاغة :

حفلت خواتم سورة الاسراء بطائفة من فنون البلاغة نوجزها فيما يلي فأولها :

٥١٧

١ ـ الذكر أو التصريح :

بقوله تعالى «وبالحق أنزلناه وبالحق نزل» فإنه لو ترك الإظهار وعدل عنه الى الإضمار كما يقتضي السياق فقال : وبالحق أنزلناه وبه نزل ، لم يكن فيه من الفخمية ما فيه الآن ويسميه بعضهم بالتصريح ويورد عليه شاهدا قول البحتري :

قد طلبنا فلم نجد لك في السوء

دد والمجد والمكارم مثلا

والمعنى قد طلبنا مثلا فلم نجده وحذف لأن هذا المدح إنما يتم في المثل وأما الطلب فكالشيء الذي يذكر ليبنى عليه الغرض المطلوب وإذا كان ذلك كذلك فقد قال قد طلبنا مثلا في السؤدد والمجد فلم نجده ومنه قوله تعالى «قل هو الله أحد الله الصمد» فلو ترك الإظهار إلى الإضمار فقال : قل هو الله وهو الصمد ، لم يكن له الوقع الملائم.

٢ ـ فن الاستطراد :

الاستطراد : ذكر الحاتمي في قواعد الشعر : انه نقل هذه التسمية عن البحتري الشاعر وسماه ابن المعتز الخروج من معنى إلى معنى وعرفه غيره بأنه أن يكون المتكلم في غرض من الأغراض يوهم أنه مستمر فيه لم يخرج منه إلى غيره لمناسبة بينهما ثم يرجع إلى الأول ويقطع الكلام فقد انتقل سبحانه من كلامه عن القرآن وان الانس والجن عاجزون عن الإتيان بمثله في فصاحته وبلاغته ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، انتقل إلى ما في منطوياته من مثل وعبر وبصائر وانساق الكلام إلى تعنت

٥١٨

الكافرين وتماديهم في اللجاج وسدورهم في الغي والمكابرة وطمس الحقائق وإنكار الوقائع ثم أورد شاهدا على ذلك ما لاقاه موسى من مكابرة فرعون وملئه وضرب مثلا في المغبة التي نالها فرعون ومن معه ثم عاد الى الموضوع الذي شرع فيه وهو كون القرآن نازلا بالحق واليه هادفا ومن طريف الاستطراد قول عبد المطلب المشهور :

لنا نفوس لنيل المجد عاشقة

فإن تسلّت أسلناها على الأسل

لا ينزل المجد إلا في منازلنا

كالنوم ليس له مأوى سوى المقل

فقد استطرد من ذكر المجد إلى النوم وقد استغله الشعراء للهجاء قال بعضهم يهجو شعر خالد الكاتب :

وشادن بالدلال عاتبني

ومنيتي في تدلل العاتب

فكان ردي عليه من خجلي

أبرد من شعر خالد الكاتب

فما أجمل هذا الاستطراد ، لقد كان يتغزل بالشادن ، وليس ثمة أبرد ممن يعاتب الحلو الجميل ، ويرد عليه إذا تدلل أو عتب ، وان من يتكلف مثل هذا الرد لن يأتي إلا بالبارد من الكلام الذي يشبه شعر خالد الكاتب ، وجميل قول بعضهم يهجو قاضي القضاة منتقلا من وصف البستان إلى ما هو بصدده قال :

لله بستان حللنا دوحه

في جنة قد فتحت أبوابها

والبان تحسبه سنانيرا رأت

قاضي القضاة فنفشت أ. ذنابها

وأورد الباخرزي في دمية القصر للظاهر الحرمي هذه الأبيات بهجو فيها مغنيا اسمه البرقعيدي وهي :

٥١٩

وليل كوجه البرقعيدي ظلمة

وبرد أغانيه وطول قرونه

قطعت دياجيه بنوم مشرّد

كعقل سليمان بن فهد ودينه

على أولق فيه التفات كأنه

أبو جابر في خبطه وجنونه

إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه

سنا وجه قرواش وضوء جبينه

٣ ـ القصر وطرقه :

وفي قوله : «وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا» قصر إضافي ، والقصر هو تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص وينقسم إلى حقيقي وإضافي فالحقيقي ما كان الاختصاص فيه بحسب الواقع والحقيقة لا بحسب الإضافة الى شيء آخر نحو لا كاتب في المدينة إلا علي إذا لم يكن فيها غيره من الكتاب ، والإضافي ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة الى شيء معين نحو ما علي إلا قائم أي أن له صفة القيام لا صفة القعود وكل منهما ينقسم الى قصر صفة على موصوف نحو لا فارس إلا علي وقصر موصوف على صفة نحو وما محمد إلا رسول.

والقصر الإضافي ينقسم باعتبار حال المخاطب الى ثلاثة أقسام قصر إفراد إذا اعتقد المخاطب الشركة وقصر قلب إذا اعتقد العكس وقصر تعيين إذا اعتقد واحدا غير معين.

وللقصر طرق أربع مشهورة وطرق كثيرة غير مشهورة أما الأربع المشهورة فهي :

آ ـ النفي والاستثناء وهنا يكون المقصور عليه ما بعد أداة

٥٢٠