إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٤٠

وقول طرفة :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

والقرآن حافل بأمثلة المساواة وستأتي في مواضعها إن شاء الله.

٢ ـ الاستعارة :

في قوله تعالى : «إن العهد كان مسئولا» وقد قدمنا انه جار على الحقيقة بحذف الجار والمجرور ويجوز أن يكون الكلام جاريا على طريق الاستعارة المكنية بأن يشبه العهد بمن نكث عهده ونسبته السؤال إليه تخييل.

٣ ـ التهكم :

وقد سبق ذكره لأن مشية المرح مشتملة على شدة الوطء والتباهي على الأرض بمشيه عليها والتطاول على الآخر ولو كان المتكبر خفيف الوطأة قميء النظرة ، شخت الخلقة ، على حد قول المتنبي :

أفي كل يوم تحت ضبني شويعر

ضعيف يقاويني قصير يطاول

الفوائد :

في هذه الآيات الجامعة فوائد كثيرة تتناول المهم منها جريا على أسلوبنا في هذا الكتاب فمنها تعليق الجار والمجرور في قوله تعالى : «كل أولئك كان عنه مسئولا» فقد علقناه في باب الإعراب بمسئولا

٤٤١

وجعلنا نائب الفاعل ضميرا يعود على كل أي كان كل واحد منها مسئولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه وقد أسند الزمخشري مسئولا الى الجار والمجرور وجعله بمثابة نائب الفاعل وهذا سهو من الزمخشري يجل عنه لأن الجار والمجرور يقام مقام الفاعل أو نائبه إذا تقدم الفعل أو ما يقوم مقامه وأما إذا تأخر فلا يصح ذلك لأن الاسم إذا تقدم على الفعل صار مبتدأ وحرف الجر إذا كان لازما لا يكون مبتدأ فـ «عنه» ليس هو النائب عن الفاعل خلافا لصاحب الكشاف ولا ضمير المصدر كما قال بعضهم وإنما النائب في هذه الآية ضمير راجع إلى ما رجع اليه اسم كان وهو المكلف المدلول عليه بالمعنى والتقدير مسئولا هو أي المكلف وإنما لم يقدر ضمير كان راجعا لكل لئلا يخلو مسئولا عن ضمير فيكون مسندا الى عنه وذلك لا يجوز.

وعبارة ابن هشام «وقول بعضهم في قوله تعالى : «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا» إن عنه مرفوع المحل بمسئولا والصواب ان اسم كان ضمير المكلف وإن لم يجد له ذكر وان المرفوع بمسئولا مستقر فيه راجع اليه أيضا وان عنه في موضع نصب».

أي على انه مفعول ثان لمسئولا لأنه يعتدى لمفعولين ثانيهما بعن.

الخصال الخمس والعشرون :

وعدناك بإحصاء الخصال الخمس والعشرين التي وردت الاشارة إليها بقوله تعالى : «كل ذلك» وهذا احصاؤها بالترتيب :

١ ـ لا تجعل مع الله إلها آخر.

٤٤٢

٢ و ٣ ـ قوله تعالى وقضى ربك الى آخر الآية لاشتماله على تكليفين وهما عبادة الله والنهي عن عبادة غيره.

٤ ـ وبالوالدين إحسانا.

٥ ـ فلا تقل لهما أف.

٦ ـ ولا تنهرهما.

٧ ـ وقل لهما قولا كريما.

٨ ـ واخفض لهما جناح الذل.

٩ ـ وقل رب ارحمهما.

١٠ ـ وآت ذا القربى حقه.

١١ ـ والمسكين.

١٢ ـ وابن السبيل.

١٣ ـ ولا تبذر تبذيرا.

١٤ ـ فقل لهم قولا ميسورا.

١٥ ـ ولا تجعل يدك مغلولة.

١٦ ـ ولا تبسطها كل البسط.

١٧ ـ ولا تقتلوا أولادكم.

١٨ ـ ولا تقربوا الزنا.

١٩ ـ ولا تقتلوا النفس.

٢٠ ـ فلا يسرف في القتل.

٤٤٣

٢١ ـ وأوفوا بالعهد.

٢٢ ـ وأوفوا الكيل.

٢٣ ـ وزنوا بالقسطاس.

٢٤ ـ ولا تقف ما ليس لك به علم.

٢٥ ـ ولا تمش في الأرض مرحا.

الاشارة بأولئك :

الاشارة في قوله تعالى «كل أولئك كان عنه مسئولا» الى السمع والبصر والفؤاد وقد أشير إليها بأولئك وهي في الأكثر لمن يعقل لأنه جمع ذا ، وذا لمن يعقل ولما لا يعقل وأولاء ممدود عند الحجازيين مقصور عند أهل نجد وتميم والأكثر مجيئه للعقلاء ويقل مجيئه لغير العقلاء كقول جرير بن عطية :

ذم المنازل بعد منزلة اللوى

والعيش بعد أولئك الأيام

وهو من قصيدة مستجادة له مطلعها :

سرت الهموم فبتن غير نيام

وأخو الهموم يروم كل مرام

وفيها يقول بعد البيت المتقدم :

وإذا وقفت على المنازل باللوى

فاضت دموعي غير ذات نظام

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

وقت الزيارة فارجعي بسلام

٤٤٤

تجري السواك على أغر كأنه

برد تحدّر من متون

غمام لو كان عهدك كالذي حدثتنا

لوصلت ذاك فكان غير

رمام إني أواصل من أردت وصاله

بحبال لا صلف ولا لوام

ومنها في هجاء الفرزدق :

خلق الفرزدق سوءة في مالك

ولخلف ضبة كان شر غلام

مهلا فرزدق إن قومك فيهم

خور القلوب وخفّة الأحلام

الظاعنون على العمي بجميعهم

والنّازلون بشرّ دار مقام

واللوى بكسر اللام وفتح الواو مقصورا في الأصل منقطع الرمل وقد ورد في مطلع معلقة امرئ القيس وهو :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدخول فحومل

٤٤٥

وهو أيضا موضع بعينه قال ياقوت : «وقد أكثرت الشعراء من ذكره وخلطت بين ذلك اللوى والرمل فعز الفصل بينهما وهو واد من أودية بني سليم».

(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤))

اللغة :

(أَفَأَصْفاكُمْ) : أخلصكم وخصكم والتصفية في الأصل معناها التخليص ولكنه هنا ضمن معنى خصكم لأجل تعلق البنين به وفي الأساس : «ومن المجاز أصفيته المودة وأصفيته بالبر آثرته واختصصته «أفأصفاكم ربكم بالبنين» وأصفى عياله بشيء يسير : أرضاهم به ، وصادف الصياد خفقا فأصفى أولاده بالغبيراء قال الطرماح :

أو يصادف خفقا يصفهم

بعتيق الخشل دون الطعام

٤٤٦

وهو صفيي من بين إخواني وهم أصفيائي وصافيته وهما خليلان متصافيان.» (صَرَّفْنا) : بينا وأوضحنا ولها معان كثيرة بالتشديد يقال صرفه بمعنى صرفه مع مبالغة وصرّف الشيء باعه وصرف الدراهم بدلها وصرف الخمر شربها صرفا أي غير ممزوجة وصرف الكلام اشتق بعضه من بعض وصرفه في الأمر فوض الأمر اليه وصرف الماء أجراه وصرف الله الرياح أجراها من وجه إلى وجه.

الاعراب :

(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) الهمزة للاسفهام والحقيقة ان هذا الاستفهام معناه الإنكار الابطالي وهذا يقتضي أن ما بعده غير واقع وان مدعيه كاذب ، ومعناه التقريع والتوبيخ والنفي أيضا أي لم يفعل ذلك. وأصفاكم فعل ماض والكاف مفعوله وهو معطوف على محذوف يقدر بحسب المقام وربكم فاعل وبالبنين متعلقان بأصفاكم واتخذ من الملائكة إناثا عطف على أصفاكم وهو فعل وفاعل مستتر ومن الملائكة مفعول اتخذ الثاني وإناثا هو المفعول الاول ويجوز أن تكون جملة اتخذ من الملائكة إناثا حالية والواو واو الحال وقد مقدرة. (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) إن واسمها واللام المزحلقة وجملة تقولون خبرها وقولا مفعول مطلق وعظيما صفة. (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وصرفنا فعل وفاعل ومفعوله محذوف أي أمثالا ومواعظ وحكما وقصصا وأخبارا وأوامر ونواهي

٤٤٧

وقد حذف الضمير للعلم به وفي هذا متعلقان بصرفنا والقرآن بدل واللام للتعليل ويذكروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والواو للحال وما نافية ويزيدهم فعل مضارع والفاعل مستتر تقديره هو وإلا أداة حصر ونفورا مفعول يزيدهم الثاني (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ولو شرطية ومعه ظرف متعلق بمحذوف خبر كان المقدم وآلهة اسمها المؤخر وكما يقولون نعت لمصدر محذوف أي كونا مشابها لما يقولون.

(إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) اذن حرف جواب وجزاء مهملة دالة على أن ما بعدها وهو لابتغوا جواب عن مقالة المشركين واللام واقعة في جواب لو وجملة ابتغوا لا محل لها والواو فاعل والى ذي العرش متعلقان بابتغوا أو بمحذوف حال من سبيلا ، وسبيلا مفعول ابتغوا (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) سبحانه مفعول مطلق وقد تقدم مرارا وتعالى عطف على ما تضمنه المصدر والتقدير تنزه وتعالى فهو فعل ماض وعما متعلقان به وجملة يقولون صلة وعلوا مفعول مطلق لأنه مصدر واقع موقع التعالي وكبيرا صفة. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) تسبح فعل مضارع وله متعلقان به والسموات فاعل والسبع صفة والأرض عطف على السموات ومن عطف على السموات والأرض وفيهن متعلقان بمحذوف صلة من. (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الواو عاطفة وإن نافية ومن حرف جر زائد وشيء مجرور لفظا مرفوع محلا وساغ الابتداء به لتقدم النفي وإلا أداة حصر ويسبح فعل مضارع والفاعل مستتر تقديره هو والجملة خبر شيء وبحمده حال أي متلبسا بحمده ، ولكن : الواو حالية ولكن حرف استدراك مهمل ولا نافية وتفقهون فعل مضارع وفاعل وتسبيحهم مفعول به. (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) إن

٤٤٨

واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر وحليما خبر أول لكان وغفورا خبر ثان لها.

البلاغة :

في قوله تعالى «وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم» فن التنكيت وقد تقدمت الاشارة اليه وانه قصد المتكلم الى شيء بالذكر دون غيره مما يسدّ مسدّه لنكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه فقد خصّ سبحانه تفقهون دون تعلمون لما في الفقه من الزيادة على العلم لأنه التصرف في المعلوم بعد علمه واستنباط الأحكام منه والمراد الذي يقتضيه معنى الكلام التفقه في معرفة التسبيح من الحيوان البهيم والبنات والجماد وكل ما يدخل تحت لفظة شيء مما لا يعقل ولا ينطق إذ تسبيح ذلك بمجرد وجوده الدال على قدرة موجده وحكمته.

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧))

٤٤٩

الاعراب :

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) الواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وقرأت القرآن فعل وفاعل ومفعول به والجملة مضافة الى إذا وجعلنا فعل وفاعل وبينك الظرف متعلق بمحذوف مفعول به ثان وبين الذين لا يؤمنون عطف على الظرف الاول وجملة لا يؤمنون صلة وبالآخرة متعلقان بيؤمنون وحجابا مفعول جعلنا الأول ومستورا نعت لحجابا ويجوز أن يكون مستورا على بابه أي لا يرى فهو مستور ويجوز أن يكون مفعولا بمعنى فاعل أي ساترا لك عنهم فلا يرونك يريد الذين حاولوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم. (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) جعلنا فعل وفاعل وعلى قلوبهم مفعول جعلنا الثاني وأكنة مفعول جعلنا الأول وأن يفقهوه في موضع النصب مفعول من أجله أي كراهة أن يفقهوه ويجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي من أن يفقهوه والجار والمجرور متعلقان بأكنة لأن فيها معنى المنع من الفقه فكأنه قيل ومنعناهم أن يفقهوه ، وفي آذانهم وقرا عطف على قوله على قلوبهم أكنة. (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل وجملة ذكرت مضافة وذكرت فعل وفاعل وربك مفعول به وفي القرآن متعلقان بذكرت ووحده حال لأنه في قوة النكرة أي منفردا وجملة ولوا لا محل لها وعلى أدبارهم متعلقان بمحذوف حال ونفورا مفعول مطلق لأنه في معنى ولوا أي فهو مصدر ويجوز إعرابه مفعولا من أجله وأعربه أبو البقاء حالا أي نافرين فيكون جمع نافر.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) نحن مبتدأ وأعلم خبر

٤٥٠

وبما متعلقان بأعلم وجملة يستمعون صلة وبه جار ومجرور متعلقان بيستمعون والباء سببية والمعنى ما يستمعون بسببه وهو الهزء بك وبالقرآن وقال الزمخشري «به في موضع الحال كما نقول يستمعون بالهزء أي هازئين» وفيه بعد وقال أبو البقاء الباء بمعنى اللام وإذ ظرف لما مضى متعلق بأعلم وجملة يستمعون إليك مضافة للظرف. (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) عطف على إذ داخلة في حكمها فهي ظرف لأعلم أي وبما يتناجون به إذ هم ذو ونجوى فهم مبتدأ ونجوى خبر على حذف مضاف ويحتمل أن يكون نجوى جمع نجي فلا حاجة لتقدير مضاف قبل الخبر.

(إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) إذ يقول بدل من إذ هم نجوى أو من إذ يستمعون إليك ويقول الظالمون فعل مضارع وفاعل وإن نافية وتتبعون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وإلا أداة حصر ورجلا مفعول به ومسحورا نعت لرجلا.

الفوائد :

بحث طريف عن وحده :

اعلم ان «وحده» لم يستعمل إلا منصوبا إلا ما ورد شاذا قالوا : هو نسيج وحده وعيير وحده وجحيش وحده فأما نسيج وحده فهو مدح وأصله ان الثوب إذا كان رفيعا فلا ينسج على منواله غيره فكأنه قال نسيج أفراده يقال هذا للرجل إذا أفرد بالفضل وأما عيير وحده وجحيش وحده فهو تصغير عير وهو الحمار يقال للوحشي والأهلي وجحيش وحده وهو ولد الحمار فهو ذم يقال للرجل المعجب برأيه لا يخالط أحدا في رأي ولا يدخل في معونة أحد ومعناه انه ينفرد بخدمة نفسه ، وأما قولك جاء وحده فوحده حال من فاعل جاء المستتر فيه

٤٥١

وهو معرفة بالاضافة الى الضمير فيؤول بنكرة من لفظه أو من معناه أي متوحدا أو منفردا وتقول مررت به وحده ومررت بهم وحدهم فوحده مصدر في موضع الحال كأنه في معنى إيحاد جاء على حذف الزوائد كأنك قلت أوحدته بمروري ايحادا أو ايحاد في معنى موحد أي منفرد فإذا قلت مررت به وحده فكأنك قلت مررت به منفردا ويحتمل عند سيبويه أن يكون للفاعل والمفعول.

وكان الزجاج يذهب الى أن وحده مصدر وهو للفاعل دون المفعول فإذا قلت مررت به منفردا فكأنك قلت أفردته بمروري إفرادا.

وقال يونس : إذا قلت مررت به وحده فهو بمنزلة موحدا ومنفردا وتجعله للممرور به ، وليونس فيه قول آخر : أن وحده معناه على حياله وعلى حياله في موضع الظرف وإذا كان الظرف صفة أو حالا قدر فيه مستقر ناصب للظرف ومستقر هو الاول.

(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))

٤٥٢

اللغة :

(رُفاتاً) : الرفات ما بولغ في دقه وتفتيته وهو اسم مفرد لأجزاء ذلك الشيء المفتت ، وقال الفراء : هو التراب يؤيده أنه تكرر في القرآن ترابا وعظاما. ويقال رفت الشيء يرفته بالكسر أي كسره والفعال يغلب في التفريق كالحطام والرقاق والفتات. وفي القاموس وتاج العروس : «رفته يرفته ويرفته كسره ودقه وانكسر واندق لازم ومتعد وانقطع كارفتّ ارفتاتا في الكل وكغراب الحطام وكصرد :التبن والذي يرفت كل شيء أي يكسره» وفي الأساس : «وفي ملاعبهن رفات المسك أي فتاته ويقال لمن عمل ما يتعذر عليه التفصي منه :الضبع ترفت العظام ولا تعرف قدر استها تأكلها ثم يتعسر عليها خروجها ومن المجاز هو الذي أعاد المكارم وأحيا رفاتها وأنشر أمواتها».

(فَسَيُنْغِضُونَ) : أي يحركون رءوسهم وفي المختار : نغض رأسه من باب نصر وجلس أي تحرك وأنغض رأسه حرّكه كالمتعجب من الشيء ومنه قوله تعالى : «فسينغضون إليك رؤوسهم» ونغض فلان رأسه أي حرّكه يتعدى ويلزم. وفي اللسان : يقال أنغض رأسه ينغضها أي حركها الى فوق وإلى أسفل انغاضا فهو منغض وأما نغض ثلاثيا ينغض ، وينغض بالفتح والضم فمعنى تحرك لا يتعدى».

الاعراب :

(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) انظر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وكيف اسم استفهام في محل نصب حال وضربوا فعل وفاعل ولك متعلقان بضربوا والأمثال مفعول

٤٥٣

به فضلوا عطف على ضربوا والفاء حرف عطف ولا نافية ويستطيعون سبيلا فعل وفاعل ومفعول به. (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) الواو عاطفة وقالوا فعل وفاعل والهمزة للاستفهام الانكاري واستبعاد ما يتساءلون عنه وإذا ظرف مستقبل متعلق بمحذوف تقديره أنبعث أو نحشر إذا كنا عظاما ورفاتا وقد دل عليه مبعوثون ولا يجوز أن يتعلق به لأن ما بعد ان لا يعمل فيما قبلها وكذا ما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله وقد اجتمعا هنا والجواب هو الفعل الذي تعلقت به وكنا كان واسمها وعظاما خبرها ورفاتا عطف على عظاما. (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) الهمزة للاستفهام الانكاري والاستبعاد كما تقدم وان واسمها واللام المزحلقة ومبعوثون خبر ان وخلقا حال أي مخلوقين أو مفعول مطلق من معنى الفعل لا من لفظه أي نبعث بعثا جديدا ، وجديدا صفة.

(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) جملة كونوا حجارة مقول القول وكان واسمها وحجارة خبرها وأو حرف عطف وحديدا عطف على حجارة والأمر هنا معناه التعجيز مع الاهانة. (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أو حرف عطف وخلقا عطف على حجارة ومما صفة لخلقا وجملة يكبر صلة وفي صدوركم متعلقان بيكبر. (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) الفاء عاطفة والسين حرف استقبال ويقولون فعل مضارع وفاعل ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة يعيدنا خبر وقل فعل أمر والذي فطركم مبتدأ خبره محذوف تقديره يعيدكم أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو الذي فطركم وجملة فطركم صلة وأول مرة ظرف متعلق بفطركم. (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) الفاء عاطفة والسين للاستقبال وينغضون فعل مضارع وفاعل وإليك متعلقان بينغضون أي يحركون رءوسهم الى فوق والى أسفل ، هزءا وسخرية ورؤوسهم مفعول به ويقولون عطف على ينغضون ومتى اسم

٤٥٤

استفهام متعلق بمحذوف خبر مقدم وهو مبتدأ مؤخر أي البعث.

(قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) عسى من أفعال الرجاء واسمها ضمير مستتر تقديره هو وأن وما بعدها في محل نصب خبر عسى واسم يكون مستتر تقديره هو وقريبا خبرها. (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) في متعلّق هذا الظرف أقوال لا تطمئن إليها النفس لأن أقربها الى الفهم أن يكون متعلقا باسم كان أي البعث ولكنه ممتنع من الناحية النحوية لأن الضمير لا يعمل فالأولى أن يعرب بدلا من قريبا أو يتعلق بيكون على رأي من يرى التعلق بالأفعال الناقصة ، واختار أبو السعود تبعا لأبي البقاء أن يكون ظرفا لا ذكر وهو بعيد عن سياق الموضوع ، وجملة يدعوكم مضاف إليها الظرف ، فتستجيبون عطف على يدعوكم وبحمده متعلقان بمحذوف حال أي حامدين قال الزمخشري وأحسن : «وهي مبالغة في انقيادهم البعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويتمنع : ستركبه وأنت حامد شاكر». (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) الواو حالية وتظنون فعل مضارع مرفوع وفاعل أي يخيل إليكم لفرط ما تكابدون من الهول والرّوع وإن نافية ولبثتم فعل وفاعل وإلا أداة حصر وقليلا ظرف متعلق بلبثتم أي في الدنيا أي تستقصرون مدة لبثكم في الدنيا وتحسبونها يوما أو بعض يوم فهو نعت لزمان محذوف ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي لبثا قليلا.

البلاغة :

في قوله تعالى «قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم» إلى آخر الآية فنان من فنون البلاغة :

١ ـ أولهما فن يسمى التمكين وبعضهم يسميه الارصاد وحقيقته أن يمهد المتكلم لقافيته أو سجعة فقرته تمهيدا تأتي القافية فيه متمكنة

٤٥٥

في مكانها مستقرة في قرارها غير نافرة ولا قلقة فإن السامع يعلم انه أراد حجارة أو حديدا بجاذب من قلبه ووحي من هاجسه دون أن يسمع بقية الآية ومثل ذلك في الشعر قول أبي الطيب :

يا من يعز علينا أن نفارقهم

وجداننا كل شيء بعدكم عدم

وللبحتري في علوة الحلبية :

فليس الذي حللته بمحلل

وليس الذي حرمته بحرام

وقال النابغة الذبياني في القديم :

كالاقحوان غداة غب سمائه

جفت أعاليه وأسفله ندي

زعم الهمام ولم أذقه بأنه

يشفى بريّا ريقها العطش الصدي

ومن طريف هذا الفن ما يحكى انه اجتمع السراج الوراق وأبو الحسين الجزار وابن نفيس الشاعر فمر بهم غلام مليح الصورة فقال السراج :

شمائله تدل على اللطافة

وريقته تنوب عن السّلافة

فقال أبو الحسين الجزار :

وفي وجناته ورد ولكن

عقارب صدغه منعت قطافه

فقال ابن نفيس :

فلو ولي الخلافة ذو جمال

لحق له بأن يعطى الخلافة

٤٥٦

فالقوا في الثلاث متمكنة كما ترى.

٢ ـ والفن الثاني في هاتين الآيتين هو التخيير وهو أن يؤتى بقطعة من الكلام أو بيت من الشعر جملة وقد عطف بعضها على بعض بأداة التخيير وان يتضمن صحة التقسيم فيستوعب كلامه أقسام المعنى الذي أخذ المتكلم فيه فانظر إلى التخيير في هاتين الآيتين وصحة التقسيم وحسن الترتيب في الانتقال ، على طريق البلاغة ، من الأدنى إلى الأعلى حتى بلغ سبحانه النهاية في أوجز إشارة وأعذب عبارة حيث قال بعد الانتقال من الحجارة : «أو حديدا» فانتقل من الحجارة إلى ما هو أصلب منها وأقوى ثم قال بعد ذلك : «أو خلقا مما يكبر في صدوركم» غير حاصر لهم في صنف من الأصناف ، وتصوّر أيها القارئ بعد ذلك المعنى كيف يتكامل ويشرق في النفس إشراقا تغرق النفس فيه أي انكم تستعبدون أن يجدد الله خلقكم ، ويرده إلى حال الحياة والى رطوبتها وغضاضتها بعد ما كنتم عظاما يابسة وذلك ديدنكم في الإنكار ، ودأبكم في العناد ، فهبكم لم تكونوا عظاما بل كنتم أقسى منها وأصلب وأبعد عن رطوبة الحياة ، هبكم حجارة طبيعتها القساوة والصلابة بل هبكم حديدا وهو أشد أنواع المادة بعدا من الحياة ومنافاة لها بل أترك الأمر لكم لتتصوروا ما هو أقسى وأصلب وأنأى عن قبول الحياة ، مما لا يخطر إلا لذوي العناد من أمثالكم فإنه لقادر على أن يردكم إلى الحياة لأن القادر على البدء قادر على الإعادة بل هي أهون عليه بالنسبة لأفهامنا لا إليه تعالى وهذا من بديع الكلام ومعجزه بل هو من النمط الذي استحق أن لا يكون من كلام البشر.

٤٥٧

(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧))

الاعراب :

(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الواو عاطفة والجملة منسوقة على ما سبق ليستكمل التعاليم التي بها قوام أمورهم. وقل فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت ولعبادي متعلقان بقل ويقولوا جواب الطلب أو مجزوم بلام الأمر المحذوفة وقد تقدم في سورة ابراهيم تفصيل لهذا التعبير فجدد به عهدا والتي مفعول به ليقولوا أو على الأصح صفة لمفعول محذوف أي الكلمة التي هي أحسن وهي

٤٥٨

مبتدأ وأحسن خبر والجملة صلة. (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) الجملة تعليلية لقوله يقولوا التي هي أحسن وان واسمها وجملة ينزغ بينهم أي يفسد بينهم خبر وجملة إن الشيطان الثانية بدل من الأولى وكان فعل ماض ناقص وللانسان جار ومجرور متعلقان بعدوا ، وعدوا خبر كان ومبينا صفة لعدوا وجملة كان إلخ خبر إن. (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) ربكم مبتدأ وأعلم خبر وبكم متعلقان بأعلم ، وإن شرطية ويشأ فعل الشرط مجزوم ويرحمكم جواب الشرط مجزوم أيضا. (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) عطف على ما تقدم والواو عاطفة وما نافية وأرسلناك فعل وفاعل وعليهم متعلقان بوكيلا ، ووكيلا حال من الكاف أي موكولا إليك أمرهم فتحاول هدايتهم. (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وربك مبتدأ وأعلم خبر وبمن متعلقان بأعلم وفي السموات والأرض صلة. (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وفضلنا فعل وفاعل وبعض النبيين مفعول به وعلى بعض متعلقان بفضلنا وآتينا عطف على فضلنا وهو فعل وفاعل وداود مفعول به أول وزبورا مفعول به ثان وسيأتي في باب الفوائد سر تخصيص داود بإيتاء الزبور.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) جملة ادعوا الذين مقول القول وادعوا فعل أمر وفاعل والذين مفعول به وجملة زعمتم صلة ومفعولا زعمتم محذوفان للعلم بهما وهما زعمتموهم آلهة ، ومن دونه الجار والمجرور متعلقان بمحذوف نصب على الحال. (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) الفاء استئنافية ولا نافية ويملكون كشف الضر فعل مضارع وفاعل ومفعول به وعنكم متعلقان بكشف والواو حرف عطف ولا نافية وتحويلا معطوف على كشف الضر. (أُولئِكَ الَّذِينَ

٤٥٩

يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) أولئك مبتدأ والذين يدعون بدل منه وجملة يبتغون خبر والواو فاعل والى ربهم متعلقان بالوسيلة ، والوسيلة مفعول به ويجوز لك أن تعرب الذين هي الخبر وجملة يبتغون حال من فاعل يدعون. (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) أيهم بدل من فاعل يبتغون وأي موصولة ويجوز أن تكون استفهامية فهي مبتدأ وأقرب خبر وعبارة أبي حياة : «واختلفوا في اعراب أيهم أقرب وتقديرة ، فقال الحوفي أيهم أقرب ابتداء وخبر والمعنى ينظرون أيهم أقرب فيتوسلون به ويجوز أن يكون أيهم أقرب بدلا من الواو في يبتغون» ففي الوجه الأول أضمر فعل التعليق وأيهم أقرب في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن نظر إن كان بمعنى الفكر تعدى بفي وان كانت بصرية تعدت بإلى فالجملة المعلق عنها الفعل على كلا التقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر كقوله فلينظر أيها أزكى طعاما ، وفي إضمار الفعل المعلق نظر والوجه الثاني قاله الزمخشري قال : «وتكون أي موصولة أي يبتغي من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب» فعلى هذا الوجه يكون أقرب خبر مبتدأ محذوف واحتمل أن يكون أيهم معربا وهو الوجه واحتمل أن يكون مبنيا لوجود مسوغ البناء ، وسيأتي حكم «أي» في باب الفوائد. وأقرب خبر لمبتدأ محذوف والمعنى يبتغون من هو أقرب منهم وأمت إليهم بزلفى الوسيلة الى الله فما بالك بغير الأقرب فكيف يزعمون انهم آلهة ، ويرجون رحمته عطف على يبتغون ويرجون فعل مضارع وفاعل وحذفت لام الفعل وهي الواو لالتقاء الساكنين ورحمته مفعول به ويخافون عذابه عطف على يرجون رحمته. (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) تعليل للخوف وان واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر تقديره هو ومحذورا خبر كان.

٤٦٠