إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٤٠

وتحرص فعل الشرط وعلى هداهم متعلقان بتحرص أي ترغب فيه ، فإن الفاء رابطة لجواب الشرط وان واسمها وجملة لا يهدي خبرها ومن اسم موصول مفعول به وجملة يضل صلة وقيل جواب الشرط محذوف وجملة فإن الله لا يهدي تعليل للجواب والتقدير لا تقدر أنت ولا يقدر أحد على هدايتهم. (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) الواو عاطفة وما نافية حجازية ولهم خبر ما مقدم ومن حرف جر زائد وناصرين اسم ما محلا أو مبتدأ مؤخر ومجرور لفظا. (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) وأقسموا فعل وفاعل وبالله جار ومجرور متعلقان بأقسموا وجهد أيمانهم نصب على المصدرية وقيل مصدر في موضع الحال أي جاهدين والجملة عطف على وقال الذين أشركوا أو استئنافية إخبارية. (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) لا نافية ويبعث الله من يموت فعل وفاعل ومفعول والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم وسمي الحلف قسما لأنه يكون عند انقسام الناس الى مصدق ومكذب وبلى حرف جواب أي بلى يبعثهم لأنه إثبات لما بعد النفي ووعدا عليه حقا مصدران مؤكدان لما دل عليه بلى وقيل حقا صفة لوعدا وكذا عليه ، وعليه متعلقان بحقا. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الجملة حالية ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها. (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) اللام للتعليل ويبين فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بما دل عليه بلى أي يبعثهم ليبين ولهم متعلقان بيبين والذي مفعول به وجملة يختلفون صلة وفيه متعلقان بيختلفون. (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) وليعلم عطف على ليبين والذين فاعل وجملة كفروا صلة وان وما في حيزها سدت مسد مفعولي يعلم وان واسمها وجملة كانوا خبرها وكاذبين خبر كانوا. (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) إنما كافة ومكفوفة وقولنا مبتدأ ولشيء جار ومجرور متعلقان بقولنا وإذا ظرف متعلق بقولنا وجملة أردناه مضافة للظرف

٣٠١

وأن ومدخولها مصدر مؤول خبر قولنا وله متعلقان بنقول وكن فعل أمر من كان التامة وجملة كن مقول القول ، فيكون : الفاء عاطفة ويكون معطوف على مقدر تفصح منه الفاء وينسحب عليه الكلام أي فنقول له ذلك فيكون ، واما جواب لشرط محذوف فتكون فصيحة أي فإذا قلنا ذلك فهو يكون وسيأتي مزيد بحث عن هذا القول والمقول والأمر والمأمور في باب البلاغة والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير القدرة على البعث أو كيفية التكوين على الإطلاق إبداء وإعادة. (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) والذين مبتدأ وجملة هاجروا صلة أي انتقلوا من مكة الى المدينة ، ومنهم من هاجر الى الحبشة فجمع بين الهجرتين وفي الله متعلقان بهاجروا وفي للتعليل أي لإقامة دين الله ومن بعد حال وما مصدرية مؤولة مع مدخولها بمصدر مضاف الى بعد ، أي من بعد ظلمهم بالأذى من أهل مكة. (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) اللام موطئة للقسم وجملة نبوئنهم خبر الذين وفي الدنيا حال وحسنة صفة لمصدر محذوف أي تبوئة حسنة فهي نائب مفعول مطلق ولك أن تعربها مفعولا ثانيا لنبوئنهم لتضمن معناه نعطينهم فتكون صفة لمحذوف أي دارا حسنة (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) الواو حالية واللام للابتداء وأجر الآخرة مبتدأ وأكبر خبر ولو شرطية وكان واسمها وخبرها. (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الذين خبر لمبتدأ محذوف أي هم الذين صبروا فمحله الرفع أو منصوب على المدح أي أعني الذين صبروا فمحله النصب وجملة صبروا صلة وعلى ربهم جار ومجرور متعلقان بيتوكلون ويتوكلون فعل مضارع وفاعل.

البلاغة :

١ ـ إنما :

«إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» عقد الامام

٣٠٢

عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الاعجاز فصلا ممتعا عن إنما ننقل خلاصته ، فقد وقف يستلهم معاني «إنما» ويرى أن الوقوف فيها عند قول النحاة : انه ليس في انضمام «ما» إلى «ان» فائدة أكثر من أنها تبطل عملها خطأ بيّن ، وأصل انما أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا ينكر صحته أو لما ينزل هذه المنزلة فمن الاول قوله تعالى «انما يستجيب الذين يسمعون» فكل عاقل يعلم انه لا تكون استجابة إلا ممن يعقل ما يقال له ويدعى اليه ومثال ما ينزل هذه المنزلة قول ابن الرقيات :انما مصعب شهاب من الله تجلّت عن وجهه الظلماء وتفيد انما في الكلام الذي بعدها إيجاب الفعل لشيء ونفيه عن غيره وتجعل الأمر ظاهرا فإذا قلت إنما جاءني زيد عقل منه أنك أردت أن يكون الجائي غيره فمعنى الكلام معها شبيه بالمعنى في قولك : جاءني زيد لا عمرو إلا أن لها مزية وهي انك تعقل معها إيجاب الفعل لشيء ونفيه عن غيره دفعة واحدة وتجعل الأمر ظاهرا في أن الجائي زيد.

٢ ـ الاستعارة التمثيلية : في قوله «كن فيكون» فهي استعارة للكينونة تمثل سرعة الإيجاد عند تعلق الارادة وليس هناك أمر حقيقة ولا كاف ولا نون وإلا لو كان هناك أمر لتوجه أن يقال إن كان الخطاب للشيء حال عدمه فلا يعقل لأن خطاب المعدوم لا يعقل وإن كان بعد وجوده ففيه تحصيل الحاصل وإنما القصد منه تصوير سرعة الحدوث بما لا يتجاوز أمده النطق بلفظ كن وما أسهلها.

٣ ـ الاخبار عن الماضي بالمستقبل أبلغ من الاخبار بالفعل الماضي وذلك في قوله تعالى «وعلى ربهم يتوكلون» فالظاهر أن المعنى على

٣٠٣

المضي والتعبير بالمضارع لاستحضار تلك الصورة البديعة حتى كأن السامع يشاهدها وقد تقدم بحثه.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧))

اللغة :

(الزُّبُرِ) : الكتب جمع زبور بمعنى مزبور.

(تَخَوُّفٍ) : تنقص وهو من قولك تخوفته وتخونته إذا تنقصته قال زهير بن أبي سلمى ـ وقيل هو لأبي كبير الهذلي ـ :

تخوف الرحل منها تامكا قردا

كما تخوف عود النبعة السبفن

والمعنى يأخذهم على أن ينتقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا وعن عمر بن الخطاب أنه سأل عن معنى التخوف

٣٠٤

في قوله تعالى «أو يأخذهم على تخوف» فيقوم له رجل من هذيل ويقول : هذه لغتنا التخوف التنقص قال عمر : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال : نعم وأنشد البيت الآنف فقال عمر : عليكم بديوانكم لا يضل ، قالوا : وما ديواننا؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم.

الصحابة والغريب في القرآن :

بدأت مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم تترسّم خطاه في التفسير وتحفظ ما نقل عنه وترويه وقد تتزيد فيه بشرح لفظ غريب وعلى الرغم من هذا لا نعدم بعض الغريب في آيات الكتاب توفقوا عنده من ذلك ما أخرجه أبو عبيدة في الفضائل عن ابراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى : «وفاكهة وأبّا» فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ ونقل عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر «وفاكهة وأبّا» فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأبّ؟ ثم رجع الى نفسه فقال : إن هذا لهو الكلف يا عمر ، وقد انقسم الصحابة في صدر الإسلام الى قسمين : متحرج من القول في القرآن ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعبد الله بن عمر وكان عبد الله يأخذ على عبد الله بن عباس تفسيره القرآن بالشعر ، والقسم الثاني الذين لم يتحرجوا وفسروا القرآن حسب ما فهموا من الرسول أو حسب فهمهم الخاص بالمقارنة الى الشعر العربي وكلام العرب ومن هؤلاء علي ابن أبي طالب وعبد الله بن عباس ومن أخذ عنهما وقد وقف ابن عباس على رأس المفسرين بالرأي المتخذين شعر العرب وسيلة الى كشف معاني القرآن وكان علي بن أبي طالب يثني على عبد الله بن عباس ويقول :

٣٠٥

كأنما ينظر الى الغيب من ستر رقيق ومن هؤلاء أيضا ابن مسعود وأبي ابن كعب وغيرهما وتبعهم الحسن البصري ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم ويقول أحمد أمين في كتابه الممتع فجر الإسلام ما خلاصته ان هؤلاء المفسرين من الصحابة والتابعين كانوا ينهجون منهجا يتلخص في الاسترشاد بحديث رسول الله وبروح القرآن وبالشعر العربي والأدب الجاهلي بوجه عام ثم عادات العرب في جاهليتها وصدر إسلامها وما قابلهم من أحداث وما لقي رسول الله من عداء ومنازعات وهجرة وحروب

لمحة عن ابن عباس ومدرسته :

وشق ابن عباس طريقه بين هؤلاء جميعا متزعما مدرسة خاصة تسلطت على التفسير وطبعته بطابعها وقد أورد السيوطي في «الإتقان» مسائل ابن الأزرق المائة في القرآن وجواب ابن عباس عليها بالشعر مفسرا غريب كل آية ببيت ويقول ابن عباس في تفسير القرآن بالشعر : إذا تعاجم شيء من القرآن فانظروا في الشعر فإن الشعر عربي ويقول :إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب ، وكان إلمام ابن عباس واسعا بلغة القرآن ومعانيه حتى انه قال : كل القرآن أعلم إلا أربعا : غسلين وحنانا والأواه والرقيم. وقد بدأت بمحاولات ابن عباس مدرسة جديدة في التفسير تكشف عن أسلوب القرآن ومعانيه بمقارنته بالأدب العربي شعره ونثره ومهدت هذه المدرسة لقيام حركة واسعة لجمع اللغة والشعر من مضارب الخيام وبوادي العرب ليواجهوا ما في القرآن من الغريب الذي ابتعدت به الشقة عن الحجاز وقلب الجزيرة العربية في العراق وفارس والشام

٣٠٦

وغيرها من الأمصار الاسلامية وتلقط العلماء ما كانت تجود به ألسنة الأعراب من أمثلة توافق ما يجري في آيات القرآن وكانت هذه الحركة الكبرى سببا في حفظ العربية من الضياع.

الاعراب :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) الواو عاطفة ليتناسق الكلام يورد ناحية أخرى من نواحي تعنتهم وإصرارهم على القول : ان الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فهلا بعث إلينا ملكا ، ولك أن تجعلها استئنافية قائمة بنفسها والجملة مسوقة لما ذكرناه ، وما نافية وأرسلنا فعل وفاعل ومن قبلك حال وإلا أداة حصر ورجالا مفعول أرسلنا وجملة نوحي إليهم صفة. (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الفاء الفصيحة أي إن شككتم فيما ذكر فاسألوا ، واسألوا فعل أمر وفاعل وأهل الذكر مفعوله وإن شرطية وكنتم فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والجواب محذوف دل عليه فاسألوا وكان واسمها وجملة لا تعلمون خبرها. (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) بالبينات يحتمل متعلقات شتى فإما أن يتعلقا بأرسلنا داخلا تحت حكم الاستثناء مع رجالا أي وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات ومثل له الزمخشري بقول القائل : ما ضربت إلا زيدا بالسوط لأن أصله ضربت زيدا بالسوط وإما متعلقان بمحذوف صفة لرجالا أي رجالا ملتبسين بالبينات أي مصاحبين لها وإما بأرسلنا مضمرا كأنما قيل بم أرسلوا فقيل بالبينات وإما بنوحي أي نوحي إليهم بالبينات وهناك أوجه أخرى ضربنا عنها صفحا ، وأنزلنا عطف على أرسلنا وإليك متعلقان بأنزلنا والذكر مفعول به ولتبين اللام للتعليل وتبين منصوب

٣٠٧

بأن مضمرة وهو متعلق بأنزلنا وللناس جار ومجرور متعلقان بتبين.

(ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ما مفعول تبين وجملة نزل إليهم صلة ولعلهم لعل واسمها وجملة يتفكرون خبرها. (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) الهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي والفاء عاطفة على محذوف ـ كما تقدم ـ يرشد اليه النظم أي أنزلنا إليك الذكر لتبين لهم مضمونه ولم يتفكروا في ذلك فكأنه قيل ألم يتفكروا فأمن الذين مكروا السيئات؟ وأمن الذين فعل وفاعل وجملة مكروا صلة والسيئات صفة لمفعول مطلق محذوف أي المكرات السيئات ويجوز أن يكون مفعولا به لأمن أي أمنوا العقوبات السيئات أو منصوبا بنزع الخافض أي مكروا بالسيئات وان يخسف أن وما في حيزها مصدر مفعول أمن على الوجه الأول في السيئات وبدل من السيئات على الوجه الثاني والله فاعل يخسف ، وبهم متعلقان بيخسف والأرض مفعول به. (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) عطف على أن يخسف ومن حيث حال وجملة لا يشعرون مضافة للظرف.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) عطف أيضا على أن يخسف وفي تقلبهم حال من المفعول أي حال كونهم متقلبين في الأسفار والمتاجر وأسباب الدنيا والفاء عاطفة وما نافية حجازية وهم اسمها والباء حرف جر زائد ومعجزين مجرور بالباء لفظا منصوب محلا على انه خبر ما.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) عطف ثالث على أن يخسف وعلى تخوف حال أيضا من الفاعل أو المفعول أي يأخذهم متنقصا إياهم شيئا بعد شيء أو وهم متخوفون والفاء تعليل لما تقدم وان واسمها واللام المزحلقة ورؤوف خبر إن الاول ورحيم خبر إن الثاني.

٣٠٨

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢))

اللغة :

(يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) تفيأ الظل تقلب وانتقل من جانب الى آخر والمصدر التفيؤ من فاء يفيء إذا رجع ، وفاء لازم فإذا أريد تعديته عدي بالهمزة كقوله تعالى : «ما أفاء الله على رسوله» أو بالتضعيف نحو فيأ الله الظل فتفيأ ، وتفيأ مطاوع فيها فهو لازم واختلف في الفيء فقيل هو مطلق الظل سواء كان قبل الزوال أو بعده وهو ينسجم مع الآية وقيل ما كان قبل الزوال فهو ظل فقط وما كان بعده فهو ظل وفيء فالظل أعم وقيل بل يختص الظل بما قبل الزوال والفيء بما بعده فالفيء لا يكون إلا في العشي وهو ما انصرفت عنه الشمس والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله. وفي القاموس والتاج وغيرهما : الظل : الفيء والجمع ظلال وأظلال وظلول وظل الليل سواده ، يقال أتانا في ظل الليل ، قال ذو الرمة :

٣٠٩

قد أسعف النازح المجهول مسعفه

في ظل أخضر يدعو هامة البوم

وهو استعارة لأن الظل في الحقيقة إنما هو ضوء شعاع الشمس دون الشعاع فإذا لم يكن ضوء فهو ظلمة وليس بظل وقال أصحاب العلم : الظل مطلقا هو الضوء الثاني ومعنى ذلك أن النير إذا ارتفع عن الأفق استضاء الهواء بإثبات الشعاع فيه فهذا هو الضوء الأول فإذا حجب هذا الضوء حاجب كان ما وراء ذلك الحاجب ضوءا ثانيا بالنسبة إلى الضوء الاول لأنه مستفاد منه وهذا الضوء الثاني هو الظل وقد أوحى خيال الظل الى الشعراء طرائف بديعة فمن ذلك قول المناوي في راقصة :

إذا ما تغنت قلت : سكرى صبابة

وإن رقصت قلنا احتكام مدام

أرتنا خيال الظل والستر دونها

فأبدت خيال الشمس وهو غمام

وذكر ابن قتيبة في كتابه (أدب الكاتب) ما نصه : «يذهب الناس إلى أن الظل والفيء واحد وليس كذلك لأن الظل يكون من أول النهار إلى آخره ، ومعنى الظل الستر والفيء لا يكون إلا بعد الزوال ولا يقال لما كان قبل الزوال فيء وانما سمي فيئا لأنه ظل فاء من جانب الى جانب أي رجع من جانب المغرب الى جانب المشرق والفيء الرجوع قال الله تعالى : «حتى تفيء إلى أمر الله» أي ترجع.

(الشَّمائِلِ) : جمع شمال أي عن جانبيهما أول النهار وآخره قال العلماء : إذا طلعت الشمس من المشرق وأنت متوجه إلى القبلة كان

٣١٠

ظلك عن يمينك فإذا ارتفعت الشمس واستوت في وسط السماء كان ظلك خلفك فإذا مالت الشمس الى الغروب كان ظلك عن يسارك.

(داخِرُونَ) : خاضعون صاغرون.

الاعراب :

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي والواو عاطفة على محذوف مقدر يقتضيه السياق أي ألم ينظروا ولم يروا متوجهين الى ما خلق الله والى ما جار ومجرور متعلقان بيروا ، وهذه الرؤية لما كانت بمعنى النظر وصلت بإلى لأن المراد منها الاعتبار وذلك الاعتبار لا يتأتى إلا بنفس الرؤية التي يكون معها النظر إلى الشيء لتدبره والتبصر فيه والتأمل بمغابه وعواقبه ، وجملة خلق الله صلة ومن شيء حال من ما خلق الله وصح أن تكون مبنية لوصفها مع أن كلمة شيء مبهمة وجملة يتفيأ ظلاله صفة لشيء وظلاله فاعل يتفيأ وعن اليمين حال وعن الشمائل عطف ويصح أن تكون «عن» اسما بمعنى جانب فعلى هذا تنتصب على الظرف ويصح أن تتعلق بتتفيأ ومعناه المجاوزة أي تتجاوز الظلال عن اليمين الى الشمال ، بقي هنا سؤال وهو لما ذا أفرد اليمين وجمع الشمال وأجاب العلماء بأجوبة عديدة أقربها الى المنطق أن الابتداء يقع من اليمين وهو شيء واحد فلذلك وحد اليمين ثم ينتقص شيئا فشيئا وحالا بعد حال فهو بمعنى الجمع فصدق على كل حال لفظ الشمائل فتعدد بتعدد الحالات ، وللفراء رأي طريف قال : كأنه إذا وحّد ذهب الى واحد من ذوات الظلال وإذا جمع ذهب إلى كلها لأن قوله «ما خلق الله من شيء» لفظه واحد ومعناه الجمع ،

٣١١

فعبر عن أحدهما بلفظ الواحد كقوله تعالى «وجعل الظلمات والنور» وقال ابن الصائغ : «أفرد وجمع بالنظر الى الغايتين لأن ظل الغداة يضمحل حتى لا يبقي منه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة وهو بالعشي على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان في الآية ، هذا من جهة المعنى وفيه من جهة اللفظ المطابقة لأن سجّدا جمع فطابقه جمع الشمائل لاتصاله به فحصل في الآية مطابقة اللفظ للمعنى ولحظهما معا وتلك الغاية في الإعجاز». وقيل أفرد اليمين مراعاة للفظ ما وجمع ثانيا مراعاة لمعناها وقد أفرد السهيلي رسالة لطيفة على هذه الآية.

وسجّدا حال من ظلاله والواو للحال وهم مبتدأ وداخرون خبر والجملة حالية من الضمير المستتر في سجدا فهي حال متداخلة. (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) لله جار ومجرور متعلقان بيسجد وما فاعل ليسجد وفي السموات صلة وما في الأرض عطف على ما في السموات ومن دابة في موضع نصب على الحال المبنية والملائكة عطف على ما ، وخصهم بالذكر بعد العموم تنويها بفضلهم.

(وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) الواو عاطفة وهم مبتدأ وجملة لا يستكبرون خبر. (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) جملة يخافون نصب على الحال من ضمير يستكبرون أو بدل من جملة لا يستكبرون لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته ويخافون ربهم فعل مضارع وفاعل ومفعول به ومن فوقهم حال من ربهم أي يخافون ربهم عاليا عليهم في الرتبة على حد قوله «وهو القاهر فوق عباده» ويفعلون عطف على يخافون وما مفعول به وجملة يؤمرون صلة. (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) الواو استئنافية وقال الله فعل وفاعل ولا ناهية وتتخذوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وإلهين مفعول به واثنين صفة لإلهين ومن طريف المفارقات أن جميع المفسرين تقريبا يعربونها توكيدا

٣١٢

لإلهين وليست اثنين من ألفاظ التوكيد المعنوي وليست من باب التوكيد اللفظي ويظهر أن إعرابهم لها كذلك قائم على المعنى لأن معنى الوصف هو التوكيد وسترى بحثا طريفا عن ذلك في باب البلاغة وقد اضطر بعضهم الى القول أن لفظ اثنين تأكيد لما فهم من إلهين من التثنية وقيل :إن في الكلام تقديما وتأخيرا والتقدير : لا تتخذوا إثنين إلهين. إنما هو إله واحد (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) إنما كافة ومكفوفة وهو مبتدأ وإله خبر وواحد صفة للتأكيد أيضا ، فإياي : الفاء الفصيحة وإياي مفعول به لفعل مضمر يفسره ما بعده أي بقوله ارهبون ، وارهبون فعل أمر والواو فاعل والنون للوقاية والياء المحذوفة لمراعاة الفواصل مفعوله.

(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لك أن تجعل الواو عاطفة والجملة معطوفة على قوله إنما هو إله واحد ولك أن تجعلها استئنافية والجملة مستأنفة وله خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وفي السموات صلة والأرض عطف على ما في السموات. (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) الواو عاطفة وله خبر مقدم والدين مبتدأ مؤخر وواصبا حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور والتقدير والدين ثابت له حال كونه واصبا وفي معنى الوصب قولان أحدهما الدوام أي له الدين ثابتا سرمدا وثانيهما المشقة والكلفة ، أي له الدين ذا كلفة ومشقة. (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف والتقدير أبعد ما تقرر من توحيد الله وبعد ما عرفتم أن كل ما سواه محتاج إليه كيف يعقل أن تتقوا غيره وترهبوا من غيره وغير الله مفعول مقدم لتتقون وتتقون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعله.

البلاغة :

اشتملت هذه الآيات على وجازتها على فنون من البلاغة تستوعب الأجلاد ، وسنحاول تلخيصها في العبارات الآتية :

٣١٣

١ ـ التغليب :

في قوله تعالى «ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض إلخ» فقد أتى بلفظ ما الموصولية في قوله ما في السموات وما في الأرض للتغليب لأن ما لا يعقل أكثر ممن يعقل في العدد والحكم للأغلب وما الموصولة في أصل وضعها لما لا يعقل كما أن من موضوعة في الأصل لمن يعقل وقد تتخالفان ، ومن استعمال «من» لغير العاقل في الشعر قول العباس بن الأحنف :

أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلّي الى من قد هويت أطير

فأوقع من على سرب القطا وهو غير عاقل وقول امرؤ القيس :

ألا عم صباحا أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

فأوقع من على الطلل وهو غير عاقل.

وفيما يلي ضابط هام نوجزه فبما يلي :

ـ قد تستعمل «من» لغير العقلاء في ثلاث مسائل :

آ ـ أن ينزل غير العاقل منزلة العاقل كقوله تعالى «ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة» وقول امرئ القيس السابق.

وكذلك قول العباس بن الأحنف السابق الذكر.

٣١٤

فدعاء الأصنام التي لا تستجيب الدعاء في الآية الكريمة ونداء الطلل والقطا في البيتين سوغا تنزيلها منزلة العاقل إذ لا ينادى إلا العقلاء.

ب ـ أن يندمج غير العاقل مع العاقل في حكم واحد كقوله تعالى : «أفمن يخلق كمن لا يخلق» وقوله «ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض».

ح ـ أن يقترن غير العاقل بالعاقل في عموم مفصل كقوله تعالى : «والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع» فالدابة تعم أصناف من يدب عن وجه الأرض وقد فصلها على ثلاثة أنواع.

ـ وقد تستعمل (ما) للعاقل إذا اقترن العاقل بغير العاقل في حكم واحد كما في الآية المتقدمة.

٢ ـ الاحتراس :

وذلك في قوله تعالى «وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد» والمعروف انه لا يجمع بين العدد والمعدود إلا فيما وراء الواحد والاثنين فيقولون عندي رجال ثلاثة ونساء ثلاث لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص فلو لم تشفعه بصفته لما فهمت العدد المراد وأما رجل وامرأة ورجلان وامرأتان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال : رجل واحد وامرأة واحدة ورجلان اثنان وامرأتان اثنتان أما في الآية فالاسم الحامل لمعنى الافراد والتثنية وهو إله وإلهان دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريد

٣١٥

الدلالة على أن المراد الذي يساق إليه الحديث هو العدد كان لا بد من أن يشفع بما يؤكده ألا ترى أنك لو قلت إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل إليك أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية فكان لا بد من الاحتراس وهذا من روائع البلاغة التي تتقطع دونها الأعناق.

٣ ـ الالتفات :

عن الغيبة الى التكلم فقد قال : «وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إلخ» ثم عدل الى الحضور وهو قوله «وإياي فارهبون» لأن ذلك أبلغ في الرهبة من أن يقول جريا على السياق فإياه فارهبون.

(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥) وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠))

٣١٦

اللغة :

(تَجْئَرُونَ) تتضرعون والجؤار بوزن الزكام رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة قال الأعشى يصف راهبا : يراوح من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا والمراوحة في العمل الانتقال من حالة الى أخرى ولا يفوتنك ما في هذا الوصف من دقة ، وقبله :

وما آبلي على هيكل

بناه وصلب فيه وصارا

والآبلي الراهب نسبة إلى آبل وهو قيم البيعة وصلب أي صور الصليب وفي القاموس : «جأر كمنع جأرا وجؤارا بوزن غراب رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث والبقرة والثور صاحا والنبت جأرا طال والأرض طال نبتها».

(ظَلَّ) هنا بمعنى صار وليست على بابها من كونها تدل على الإقامة نهارا على الصفة المسندة إلى اسمها وعلى التقديرين هي ناقصة ومصدرها الظلول ويجوز ابقاؤها على معناها الأصلي وهو اتصاف الشيء بصفة ما نهارا فقط لأن الأوضاع تتشابه في الليل أي يظل سحابة نهاره مغتما مربدّ الوجه من الكآبة والحياء من الناس.

(كَظِيمٌ) : مملوء حنقا على الأنثى وفي المصباح : «كظمت الغيظ كظما من باب ضرب وكظوما أمسكت على ما في نفسك منه على صفح أو غيظ وفي التنزيل «الكاظمين الغيظ» وربما قيل كظمت على الغيظ وكظمني الغيظ فأنا كظيم ومكظوم وكظم البعير كظوما لم يجتر».

٣١٧

(هُونٍ) : هوان وذل قال اليزيدي : والهون الهوان بلغة قريش.

وكذا حكاه أبو عبيد عن الكسائي وحكى الكسائي انه البلاء والمشقة قالت الخنساء :

نهين النفوس وهون النفو

س يوم الكريهة أبقى لها

الاعراب :

(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) ما شرطية في محل رفع مبتدأ وفعل الشرط محذوف وبكم متعلقان بفعل الشرط المحذوف ومن نعمة حال من اسم الشرط واختار أبو البقاء أن تكون حالا من الضمير في الجار والفاء رابطة لجواب الشرط ومن الله خبر لمبتدأ محذوف والتقدير فهو من الله والجملة في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط المحذوف والجواب في محل رفع خبر ما ويجوز أن تكون ما موصولة مبتدأ والجار والمجرور صلتها والخبر قوله فمن الله والفاء رابطة لتضمن الموصول معنى الشرط والتقدير والذي استقر بكم وسيأتي مزيد بحث عن حذف فعل الشرط والجواب في باب الفوائد. (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) ثم حرف عطف وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب تجأرون وجملة مسكم مضافة للظرف ومسكم فعل ومفعول به مقدم والضر فاعل مؤخر والفاء رابطة واليه متعلقان بتجأرون وتجأرون فعل مضارع وفاعل وجملة فإليه تجأرون لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم. (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) ثم حرف عطف وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بما في إذا من معنى المفاجأة ولا يجوز أن يكون العامل

٣١٨

في إذا هو الجواب لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها وجملة كشف مضافة والضر مفعول به وعنكم متعلقان بكشف وإذا فجائية لا محل لها وقد تقدم القول فيها وفريق مبتدأ ساغ الابتداء به لأنه وصف بقوله منهم وبربهم جار ومجرور متعلقان يشركون وجملة يشركون خبر فريق ومن العجيب أن أبا البقاء تورط فقاس إذا الفجائية على إذا الشرطية فقال «فريق فاعل لفعل محذوف» وهذا طائح من أساسه. (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ليكفروا اللام لام التعليل ويكفروا مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بيشركون أي اشراكهم سببه كفر هم بربهم ويجوز أن تكون اللام لام الصيرورة أو العاقبة أي فعاقبة إشراكهم بالله غيره كفرهم بالنعمة التي هي كشف الضر عنهم فيكون متعلق ليكفروا بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وبما متعلقان بيكفروا وجملة آتيناهم صلة ، فتستعوا جملة معمولة لقول محذوف أي قل لهم يا محمد تمتعوا ، فسوف تعلمون الفاء الفصيحة وسوف حرف استقبال وتعلمون فعل وفاعل ومفعوله محذوف تقديره عاقبة ذلك. (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) عطف على ما سبق ويجعلون فعل مضارع وفاعل ولما متعلقان بيجعلون وجملة لا يعلمون صلة لما والضمير في يعلمون عائد على المشركين والعائد محذوف يقدر بأنها تضر ولا تنفع ولك أن تجعله عائدا على الأصنام المدلول عليها بما أي الأشياء غير موصوفة بالعلم لا تشعر أجعلوا لها نصيبا في أنعامهم وزروعهم أم لا ، ونصيبا مفعول يجعلون ومما صفة لنصيبا وجملة رزقناهم صلة. (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) التاء تاء القسم الجارة ولفظ الجلالة مجرور بتاء القسم والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره قسمي واللام واقعة في جواب القسم وتسألن فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون

٣١٩

المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة وقد تقدم لهذا الاعراب نظائر وعما متعلقان تسألن وجملة كنتم صلة وجملة تفترون خبر كنتم. (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) ويجعلون عطف على ما تقدم ولله متعلقان بيجعلون والبنات مفعول يجعلون وسبحانه منصوب على المصدرية بفعل محذوف والجملة معترضة لكونه بتقدير الفعل وقد وقعت في مطاوي الكلام لأن قوله تعالى ولهم ما يشتهون عطف على قوله لله البنات على رأي الزمخشري والفراء ، ولهم خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وجملة يشتهون صلة وبعضهم أعراب ما في محل نصب فعل مقدر وجملة ولهم ما يشتهون إما استئنافية وإما حالية ولك أن تعطف ما على البنات ولهم على لله فيكون من قبيل عطف المفردات وهذا رأي الزمخشري والفراء وتعقبهما أبو حيان فقال «وذهلوا عن قاعدة في النحو وهي أن الفعل إذا رفع ضميرا وجاء بعده ضمير منصوب لا يجوز أن ينصبه الفعل إلا إن كان من باب ظن وأخواتها من الأفعال القلبية أو فقد وعدم فيجوز زيد ظنه قائما تريد ظن نفسه ، ولو قلت زيد ضربه فتجعل في ضرب ضمير رفع عائدا على زيد وقد تعدي للضمير المنصوب لم يجز والمجرور يجري مجرى المنصوب فلو قلت زيد غضب عليه لم يجز كما لم يجز زيد ضربه فلذلك امتنع أن يكون قولهم لهم متعلقا بيجعلون.

(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) الواو حالية من ضمير يجعلون أي الواو أي كيف يستسيغون نسبة البنات اليه تعالى وهذه حالتهم وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة بشر أحدهم مضافة للظرف وبالأنثى جار ومجرور متعلقان ببشر وجملة ظل لا محل لها ووجهه اسم ظل ومسودا خبرها والواو حالية أيضا وهو مبتدأ وكظيم خبر والجملة حال متداخلة ، وليس المراد السواد الذي

٣٢٠