إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٥

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٤٠

ولما كان الأمر المخوف من البرق يجوز وقوعه من أول برقة واحدة أتى ذكر الخوف في الآية مقدما أولا لكون الواحد أول العدد ولما كان الأمر المطمع من البروق إنما يقع بعد عدد من الابراق أتى ذكر الطمع تاليا لكونه لا يقع إلا في أثناء العدد وليكون الطمع ناسخا للخوف كمجيء الرخاء بعد الشدة ، والفرج بعد الكربة ، والمسرة بعد الحزن ، فيكون ذلك أحلى موقعا في القلوب ويشهد لهذا التفسير قوله : «وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحتمه» فجاء معنى الآية على ما جاء رحمة من الله سبحانه بخلقه وبشرى لعباده.

المؤاخاة بين المعاني والمؤاخاة بين المباني

وحيث وصلنا الى هذا المدى من ترتيب الاقسام يجدر بنا أن نتحدث عن المؤاخاة بين المعاني والمؤاخاة بين المباني وانها سر البيان ونسمة الروح فيه وقد أخذوا على أبي الطيب قوله على أنه آية في الحسن والروعة :

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها

سرور محب أو مساءة مجرم

فإن المقابلة الصحيحة بن المحب والمبغض لا بين المحب والمجرم وليس كل من أجرم إليك كان مبغضا لك.

وروى أبو الفرج في الأغاني انه اجتمع نصيب والكميت وذو الرمة فأنشد الكميت :

أم هل ظعائن بالعلياء رافعة

وإن تكامل فيها الدّلّ والشنب

١٠١

فعقد نصيب واحدة فقال له الكميت : ماذا تحصي؟ قال : خطأك فإنك تباعدت في القول ، أين الدل من الشنب؟ ألّا قلت كما قال دو الرمة :

لمياء في شفتيها حوّة لعس

وفي اللّثات وفي أنيابها شنب

وهذا موضع دقيق ـ كما قلنا ـ يتورط فيه أرباب النظم والنثر كثيرا وهو مظنة الغلط لأنه يحتاج الى شفوف طبع وثقوب نظر وقد وقع الخطأ لأبي نواس في قوله في وصف الديك وهي أرجوزة سنوردها في باب الفوائد لملاحتها وندرتها ولأن الدواوين الموجودة بين أيدينا أوردتها خطأ قال :

له اعتدال وانتصاب قدّ

وجلده يشبه وشي البرد

كأنها الهداب في الفرند

محدودب الظهر كريم الجد

فإن ذكر الظهر من جملة الخلق والجد من النسب وكان ينبغي أن يذكر مع الظهر ما يقرب منه ويؤاخيه أيضا وسيرد من أمثلة هذا الفن في كتابنا الشيء الكثير.

٢ ـ وفي قوله تعالى : «والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه» تشبيه تمثيلي رائع فقد شبه دعوة الكفار للآلهة ليستجيبوا لهم ثم صمم الآلهة وجمودها وعدم استجابتها وهذا هو المشبه المركب بمن يبسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وهو بعيد عنه ثم يبالغ في الدعوة ويحمله الهوس على الرجاء من الماء أن يستجيب وهو جماد لا يشعر فهذا هو المشبه به

١٠٢

وقيل شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه لبشربه فبسطها ناشرا أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئا ولم يبلغ طلبته وشربته.

وقال أبو عبيدة «أي كالقابض على الماء ليس على شيء» قال والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بالقابض على الماء وأنشد سيبويه :

فأصبحت فيما كان بيني وبينها

من الود مثل القابض الماء باليد

وقال آخر :

وإني وإياكم وشوقا إليكم

كقابض ماء لم تطعه أنامله

وقال آخر :

ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض

على الماء خانته فروج الأصابع

الفوائد :

١ ـ خلاف حول الباء :

اختلف النحاة والمعربون في الباء من قوله تعالى «ويسبح الرعد بحمده» فقيل : هي للمصاحبة أو الملابسة أو باء الحال أي يسبحه حامدا له أي ينزهه عما لا يليق به ويثبت له ما يليق به ، وضابط هذه الباء أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال كما رأيت أو يحسن في موضعها «مع» وقيل هي للاستعانة أي يسبحه بما حمد به نفسه فيكون الحمد مضافا الى الفاعل أما في الأولى فهو مضاف الى المفعول

١٠٣

ومن العجيب أن ابن خالويه النحوي أعربها في كتابه اعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم عند إعرابه «فسبح بحمد ربك» أعربها زائدة ولا أدري كيف استساغ ذلك ومواضع زيادة الباء معروفة وهي هنا ليست واحدة منها.

سبحانك اللهم وبحمدك :

قال ابن هشام في مغني اللبيب : واختلف في «سبحانك اللهم وبحمدك» فقيل جملة واحدة ، وليس مراد المغني الخلاف في الباء بل في الواو «على أن الواو زائدة وقيل جملتان على أنها عاطفة ومتعلق الباء محذوف أي بحمدك سبحتك وقال الخطابي : المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب علي حمدك سبحتك لا بحولي وقوتي يريد انه مما أقيم فيه المسبّب مقام السبب.

٢ ـ قصيدة أبي نواس في وصف الديك :

وعدناك بإثبات أرجوزة أبي نواسس في وصف الديك وبرا بالوعد نتبتها كما رأينا وخلافا لما وردت عليه في الدواوين :

أنعت ديكا من ديوك الهند

أحسن من طاووس قطر المهدي

أسجع من عادي عرين الأسد

ترى الدجاج حوله كالجند

يقعين منه خيفة للسّفد

له سقاع كدويّ الرّعد

منقاره كالمعول المحدّ

يقهر ما ناقره بالنقد

عيناه منه في القفا والخد

ذو هامة وعنق كالورد

وجلدة تشبه وشي البرد

ظاهرها زفّ شديد الوقد

١٠٤

كأنه الهدّاب في الفرند

مضمّر الخلق عميم ا

لقدّ له اعتدال وأنصاب قد

محدودب الظهر كريم الجدّ

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨))

١٠٥

اللغة :

(الغدو) جمع غدوة بضم الغين وتجمع أيضا على غدى والغداة بفتح الغين وتجمع على غدوات والغديّة وتجمع على غدايا وغديات :البكرة أو ما بين الفجر وطلوع الشمس.

(الْآصالِ) جمع الأصيل وهو الوقت بين العصر والمغرب ويجمع أيضا على آصال وأصائل وأصل وأصلان.

(احتمل) : أي حمل فافتعل بمعنى المجرد أو هو بمعنى المطاوع كما يفهم من عبارة الأساس : «وحملت الشيء وحملنيه غيري فاحتملته وتحملته ومن المجاز حملت إدلاله عليّ واحتملته قال :

أدلّت فلم أحمل وقالت فلم أجب

لعمر أبيها انني لظلوم

(زَبَداً) : الزبد وضر الغليان والوضر بفتحتين وبالضاد المعجمة وسخ الدسم ونحوه وعبارة الخازن : الزبد ما يعلو على وجه الماء عند الزيادة كالحبب وكذلك ما يعلو على القدر عند غليانها والمعنى فاحتمل السيل الذي حدث من ذلك الماء زبدا رابيا أي عاليا مرتفعا فوق الماء طافيا عليها ، وفي القاموس : الزبد ما يعلو على وجه الماء ونحوه من الرغوة ومن معانيه الخبث ومنه المثل : «صرّح المخض عن الزبد» يعنون بالزبد رغوة اللبن يضرب للصدق يحصل بعد الخبر المظنون (جُفاءً) قال ابن الأنباي : الجفاء المتفرق يقال جفأت الريح السحاب أي قطعته ومزقته وقيل الجفاء ما يرمي به السيل يقال جفأت

١٠٦

القدر بزبدها تجفأ من باب قطع وجفأ السيل بزبده وأجفأ وأجفل باللام وفي همزة جفاء وجهان أظهرهما أنها أصل لوجودها في تصاريف هذه المادة والثاني أنها بدل من واو وقال في الأساس : «ذهب الزبد جفاء أي مدفوعا مرميا به قد جفأه الوادي الى جنباته ويقال : جفأت القدر بزبدها ، ومرّ جفاء من العسكر الى البيات أي جماعة معتزلة من معظمه وتقول سامه جفاء ونبذه جفاء إذا عزله عن صحبته».

وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة يقرأ جفالا قال أبو عبيدة يقال :أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته» قال أبو حاتم : لا يقرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفأر.

الاعراب :

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) الواو استئنافية والجملة مستأنفة ومسوقة لبيان انقياد الخلائق جميعها والكائنات بأسرها للقوة الخالقة المدبرة والتصرف على مشيئته في الحركة والسكون والامتداد والزوال أو الفيء والتقلص ولله متعلقان بيسجد ومن فاعل يسجد وفي السموات والأرض صلة من وطوعا وكرها نصب على الحال أي طائعين وكارهين أو على المصدرية أي انقياد طوع وانقياد كره. (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) الواو عاطفة وظلالهم عطف على من وبالغدو والآصال متعلقان بيسجد. (قُلْ : مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) قل فعل أمر وفاعله أنت والجملة بعده مقول القول ومن اسم استفهام مبتدأ ورب السموات والأرض خبر وقل فعل أمر والله خبر لمبتدأ محذوف أي هو الله أو مبتدأ والخبر محذوف أي لله رب السموات والأرض. (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا)

١٠٧

الهمزة للاستفهام الانكاري التهكمي والفاء عاطفة على محذوف كأن في الكلام تقديرا بين الهمزة والفاء تقديره قل أأقررتم بالجواب المذكور فاتخذتم ، وقد تقرر هذا كثيرا ، واتخذتم فعل وفاعل ومن دونه حال لأنه كان في الأصل صفة لأولياء وأولياء مفعول به وجملة لا يملكون صفة ولأنفسهم حال أو بالنفع والضر على أنهما مصدر ان ونفعا مفعول به ولا ضرا عطف عليه. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) هل حرف استفهام بمعنى النفي أي لا يستويان ويستوي الأعمى فعل مضارع وفاعل وأم حرف عطف وهل تستوي الظلمات والنور عطف على الجملة السابقة ولك أن تجعل أم منقطعة بمعنى بل. (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) أم المنقطعة وجعلوا فعل وفاعل ولله حال لأنه كان صفة لشركاء وشركاء مفعول به أو لله مفعول به ثان لجعلوا وجملة خلقوا صفة والكاف مع مدخولها نعت لمفعول محذوف أي خلقوا خلقا مثل خلقه والفاء حرف عطف وتشابه الخلق فعل ماض وفاعل وعليهم متعلقان بتشابه. (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) الله مبتدأ وخالق كل شيء خبر وهو مبتدأ والواحد خبر والقهار خبر ثان. (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) الجملة مستأنفة مسوقة لضرب مثل لتقدير ما تقدم وأنزل فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو أي الله تعالى ومن السماء جار ومجرور متعلقان بأنزل وماء مفعول به والفاء حرف عطف وسالت أودية فعل وفاعل وبقدرها متعلقان بسالت أو بمحذوف صفة لأودية أي بمقدار ما يملؤها وسيأتي مزيد بحث عنه في باب البلاغة. (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) الفاء عاطفة واحتمل السيل فعل ماض وفاعل وزبدا مفعول احتمل لأنه بمعنى حمل ورابيا صفة

١٠٨

لزبدا أي طافيا على وجهه وعاليا عليه ، ومما الواو عاطفة لتعطف مثلا آخر على المثل الأول ومما خبر مقدم وجملة يوقدون صلة وعليه متعلقان بيوقدون وفي النار حال وابتغاء حلية مفعول لأجله على الأصح وقيل مصدر بمعنى الحال أي مبتغين حلية وليس ثمة مانع من ذلك وأو حرف عطف ومتاع معطوف على حلية وزبد مبتدأ مؤخر ومثله صفة أي مثل زبد السيل وهو وضره الذي ينفيه كير الحداد. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) كذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك المذكور من الأمور الأربعة مثلين للحق ومثلين للباطل فالأولان الماء والجوهر والآخران الزبد والوضر. ويضرب الله الحق فعل مضارع ومفعول به والباطل عطف على الحق. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) الفاء عاطفة للتفريع وأما حرف شرط وتفصيل والزبد مبتدأ والفاء رابطة وجملة يذهب خبر وجفاء حال. (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) الواو عاطفة وأما حرف شرط وتفصيل وما موصول مبتدأ وجملة ينفع الناس صلة والفاء رابطة وجملة يمكث في الأرض خبر. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) تقدم إعرابه. (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) اختلفت آراء المعربين في إعراب هذه الآية ونرى أن هنالك وجهين هما أولى نوردهما فالأول : للذين خبر مقدم وجملة استجابوا صلة ولربهم متعلقان باستجابوا والحسنى مبتدأ مؤخر والثاني : للذين متعلقان بيضرب في الآية السابقة والحسنى صفة لمصدر محذوف أي الاستجابة الحسنى. (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) ويتمشى على هذه الآية الاعرابان المتقدمان فلك أن تجعل الذين مبتدأ فيكون الكلام مستأنفا وخبره لو وما في حيزها ، ولك أن تعطفها نسقا على الذين السابقة وجملة لم يستجيبوا صلة وله متعلقان بيستجيبوا ولو شرطية وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف وقد تقدم ، ولهم خبر

١٠٩

ان وما اسمها وفي الأرض صلة وجميعا حال ومثله عطف ومعه ظرف متعلق بمحذوف حال أي كائنا معه ، لافتدوا اللام واقعة في جواب لو وافتدوا فعل ماض والواو فاعل وبه متعلقان بافتدوا. (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أولئك مبتدأ ولهم خبر مقدم وسوء الحساب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر أولئك ومأواهم مبتدأ وجهنم خبر مأواهم وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم والمهاد فاعل والمخصوص بالذم محذوف أي مهادهم أو هي.

البلاغة :

١ ـ استعارة السجود للانقياد والخضوع وهما من خصائص العقلاء للكائنات العاقلة وغير العاقلة والطوع الناشئ عن اختيار وهو الصادر عن الإنسان والكره الناشئ عن غير اختيار وهو الصادر عن الجماد ومعنى انقياد الظلال مطاوعتها لما يراد منها كطولها وقصرها وامتدادها وتقلصها.

ولأبي حيان كلام لطيف نثبته فيما يلي دفعا للأوهام قال : «وكون الظلال يراد بها الأشخاص كما قال بعضهم ضعيف وأضعف منه قول ابن الأنباري : انه تعالى جعل للظلال عقولا تسجد بها وتخشع بها كما جعل للجبال أفهاما حتى خاطبت وخوطبت لأن الجبل لا يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة وأما الظل فعرض لا يتصور قيام الحياة به».

٢ ـ التهكم والفرق بينه وبين الهزل الذي يراد به الجد أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل لمجيئه على سبيل الاستهزاء والسخرية هذا على

١١٠

ما تعارفناه بيننا والهزل الذي يراد به الجد ظاهره هزل وباطنه جد وفي قوله تعالى «خلقوا كخلقه» في سياق الإنكار تهكم بهم لأن غير الله لا يخلق خلقا البتة لا بطريق المشابهة والمساواة ولا بطريق الانحطاط والقصور فقد كان يكفي في الإنكار عليهم أن الشركاء التي اتخذوها لا تخلق مطلقا ولكن جاء قوله تعالى كخلقه تهكما يزيد الإنكار تأكيدا وقد أسلفنا القول في التهكم وأوردنا أبياتا لابن الرومي وغيره فيه ونرى من المفيد أن نتحدث قليلا عن نقيضه وهو الهزل المراد به الجد وهو من يقصد المتكلم مدح شيء أو ذمه فيخرج ذلك المقصود مخرج الهزل المعجب والمجون المطرب وخير مثال عليه قول أبي نصر بن أبي الفتح كشاجم :

صديق لنا من أبدع الناس في البخل

وأفضلهم فيه وليس بذي فضل

دعاني كما يدعو الصديق صديقه

فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي

فلما جلسنا للطعام رأيته

يرى أنه من بعض أعضائه كلّيّ

ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده

وأعلم أن الشتم والغيظ من أجلي

فأقبلت أستل الغذاء مخافة

وألحاظ عينيه رقيب على فعلي

١١١

أمدّ يدي سرا لأسرق لقمة

فيلحظني شزرا فأعبث با

لبقل إلى أن جنت كفي لحتفي جناية

وذلك أن الجوع أعدمني

عقلي فجرت يدي للحين رجل دجاجة

فجرت كما جرت يدي رجلها

رجلي وقدم من بعد الطعام حلاوة

فلم أستطع منها أمر ولا

أحلي وقمت لو اني كنت بيّتّ نية

ربحت ثواب الصوم من عدم الأكل

٣ ـ المثل : تقدم القول في المثل السائر ونقول هنا إن كتاب الله الكريم طافح بالأمثال وفي قوله تعالى : «أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع فيمكث في الأرض» مثلان ضربهما الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثّل الحق وأهله بالماء الذي ينزله من السماء فتسيل به أودية الناس فتخصوصب وتخضر وتنبت وتزدهر وينتفعون بأنواع المنافع وبالجواهر التي يصوغون منها الحلي والآلات التي تضفي عليهم القوة والهيبة والجمال والبأس الشديد وإن ذلك كله ماكث

١١٢

في الأرض لا تخلق له جدة ولا تذبل منه نضارة وشبّه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله وانسلاخه عن المنافع بزبد السيل الطافي الذي تقحمه العين وينبو عنه البصر لعدم جدواه وبالوضر الذي يطفو فوق الجوهر إذا أذيب وقد انطوت تحت هذا المثل الرائع أنواع من البلاغة نوردها باختصار :

آ ـ تنكير الأودية لأن المطر لا يأتي إلا على طريق التناوب بين البقاع.

ب ـ الاحتراس بقوله «بقدرها» أي بمقدارها الذي عرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار وإلا فلو طما واستحال سيلا لا جتاح الأخضر واليابس ولأهلك الحرث والنسل.

ج ـ تعريف السيل لأنه قد فهم من الفعل قبله وهو قوله تعالى : «فسالت» وهو لو ذكر لكان نكرة فلما أعيد أعيد معرفة نحو رأيت رجلا فأكرمت الرجل وهكذا تطرد القاعدة في النكرة إذا أعيدت.

د ـ مراعاة النظير في ألفاظ الماء والسيل والزبد والربو وفي ألفاظ النار والجوهر والفلزات المعدنية والإيقاد والحلية والمتاع.

ه ـ اللف والنشر الموشى في قوله تعالى : «فأما الزبد فيذهب جفاء» الى آخر الآية.

واعلم أن وجه المماثلة بين الزبدين في الزبد الذي يحمله السيل والزبد الذي يعلو الأجسام المنطرقة أن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبدا رابيا فوقه وكذلك ما يوقد عليه في النار حتى

١١٣

يذوب من الأجسام المنطرقة فان أصله من المعادن التي تنبت في الأرض فيخالطها التراب فإذا أذيبت صار ذلك التراب الذي خالطها خبثا مرتفعا فوقها.

(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤))

الاعراب :

(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) أفمن تقدم القول في هذا التركيب كثيرا ونعيده للفائدة فالهمزة للاستفهام الانكاري والفاء مؤخرة من تقديم أو عاطفة على محذوف هو

١١٤

مدخول الهمزة والتقدير : أيستوي المؤمن والكافر أفمن يعلم. ومن مبتدأ وجملة يعلم صلة ولك في أنما وجهان أن تجعلها كافة ومكفوفة فأنزل فعل ماض مبني للمجهول وإليك حال ومن ربك متعلقان بأنزل والحق نائب فاعل ، ولك أن تفصل ما فتعرب أن حرفا مشبها للفعل وما اسمها والحق خبرها وأن وما في حيزها على الوجهين سدت مسد مفعولي يعلم والكاف اسم بمعنى مثل خبر من وهو مبتدأ وأعمى خبر والجملة الاسمية صلة من. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) إنما كافة ومكفوفة ويتذكر فعل مضارع وأولو فاعله وهو مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والألباب مضاف اليه. (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) الذين مبتدأ وخبره سيأتي فيما بعد وهو قوله أولئك لهم عقبى الدار ولك أن تعربه بدلا من أولي الألباب تفاديا لطول الفصل بين الابتداء والخبر وجملة يوفون صلة وبعهد الله متعلقان بيوفون ، ولا ينقضون الميثاق عطف على الجملة السابقة وستأتي سبع صفات أخرى لهم فتكون صفاتهم ثمانيا. (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) والذين عطف على الذين وجملة يصلون صلة وما مفعول به وجملة أمر الله صلة ومفعول أمر محذوف والتقدير ما أمرهم وبه متعلقان بأمر وأن وما في حيزها بدل من الضمير المجرور وهو الهاء أي بوصله. (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) ويخشون عطف على يصلون ويخشون فعل مضارع وفاعل وربهم مفعول به ويخافون عطف على يخشون وسوء الحساب مفعول به. (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) والذين عطف على الذين السابقة وصبروا صلة وابتغاء وجه ربهم مفعول لأجله ، وقال بعضهم : «والذين صبروا» قيل هو كلام مستأنف وقيل معطوف على ما قبله والتعبير عنه بلفظ المضي للتنبيه على أنه ينبغي تحققه. (وَأَقامُوا

١١٥

الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وأقاموا الصلاة عطف وهي فعل وفاعل ومفعول به وأنفقوا عطف على أقاموا ومما متعلقان بأنفقوا وجملة رزقناهم صلة وهي فعل وفاعل ومفعول به وسرا وعلانية منصوبان بنزع الخافض أو هما مصدران في موضع الحال واختار هذا أبو البقاء أي في السر والعلانية ويجوز نصبهما على الحال أي مسرين ومعلنين. (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) عطف على ما تقدم وبها تكتمل أوصافهم الثمانية وبالحسنة متعلقان بيدرءون والسيئة مفعول به ليدرءون. (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أولئك مبتدأ ولهم خبر مقدم وعقبى الدار مبتدأ مؤخر وجملة لهم عقبى الدار خبر أولئك والجملة كلها خبر الذين الأولى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) جنات عدن بدل من عقبى الدار أو خبر لمبتدأ محذوف أي هي جنات أو مبتدأ وجملة يدخلونها خبر وعلى الأولين تكون الجملة حالية.

ومن عطف على الواو في يدخلونها ولا حاجة لتقدير ضمير كما فعل بعض المعربين لوجود الفصل بالضمير المنصوب ولك أن تعربها مفعولا معه والواو واو المعية وجملة صلح صلة ومن آبائهم حال وما بعده عطف عليه. (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) الواو حالية والملائكة مبتدأ وجملة يدخلون خبر وعليهم متعلقان بيدخلون ومن كل باب متعلقان بيدخلون أيضا. (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) سلام مبتدأ وعليكم خبر وساغ الابتداء لما فيه من معنى الدعاء والجملة مقول قول محذوف في موضع نصب على الحال أي قائلين وبما صبرتم الباء حرف جر وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالباء والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره هذا بما صبرتم أي هذا بسبب صبركم فهما خبر لمبتدأ محذوف أو متعلق بسلام أي نسلم

١١٦

عليكم ونكرمكم بصبركم وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول :السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. والفاء الفصيحة ونعم فعل ماض جامد لإنشاء المدح وعقبى الدار فاعل نعم والمخصوص بالمدح محذوف أي هي.

البلاغة :

في قوله تعالى «صبروا ابتغاء وجه ربهم» فن الاحتراس وقد تقدم فقد انتفى بقوله ابتغاء وجه ربهم أن يكون صبرهم ناشئا عن حب الجاه والشهرة أو ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل لئلا يشمت به الأعداء كقول أبي ذؤيب :

وتجلدي للشامتين أريهم

أني لريب الدهر لا أتزعزع

ولا اعتقادا منهم بأن الأمر مقدور ولا مفر منه ولا طائل من الهلع ولا مرد للفائت ولا دافع لقضاء الله كقوله : ما إن جزعت ولا هلع .... ت ولا يرد بكاي زندا

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ

١١٧

وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩))

اللغة :

(طُوبى) : مصدر من الطيب كبشرى ورجعى وزلفى فالمصدر قد يجيء على وزن فعلى وأصله يائي فهي طيبى قلبت الياء واوا لوقوعها ساكنة إثر ضمة كما قلبت في موقن وموسر من اليقين واليسر ومعنى طوبى لك أصبت خير طيبا ومحلها النصب أو الرفع كقولك طيبا لك وطيب لك وسلاما لك وسلام لك وفي القاموس : الطوبى مؤنث الأطيب والغبطة والسعادة والخير والخيرة وجمع طيبة وهذا من نوادر الجموع.

الاعراب :

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) الذين مبتدأ وجملة ينقضون صلة والواو فاعل وعهد الله مفعول به ومن بعد ميثاقه حال.

(وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) تقدم إعراب نظيرتها.

(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) عطف على الجمل السابقة. (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أولئك مبتدأ وخبره لهم اللعنة وقد تقدم اعراب نظيرتها وجملة أولئك لهم اللعنة خبر الذين ولهم سوء الدار عطف على لهم اللعنة. (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) الله مبتدأ وجملة

١١٨

يبسط الرزق خبر ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ويقدر عطف على يشاء. (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) الواو استئنافية وجملة فرحوا مستأنفة مسوقة لبيان قبح أفعالهم مع ما أفاضه عليهم من رزق ونعم سوابغ وبالحياة جار ومجرور متعلقان بفرحوا والدنيا صفة للحياة.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) الواو حالية وما نافية والحياة مبتدأ والدنيا صفة وفي الآخرة حال على حذف مضاف أي في جنب الآخرة و «في» هذه للمقايسة وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لا حق والتقدير وما الحياة الدنيا كائنة في جنب الآخرة ولا يجوز أن تكون «في» للظرفية لأن الحياة الدنيا لا تكون في الآخرة وإلا أداة حصر ومتاع خبر. (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) الواو عاطفة ليتساوق الارتباط بين قولهم وما كانوا عليه من ضلال.

ويقول الذين فعل مضارع وفاعل وجملة كفروا صلة ولو لا حرف تحضيض بمثابة هلا وأنزل فعل ماض مبني للمجهول وعليه متعلقان بأنزل والضمير يعود على النبي محمد عليه السلام وآية نائب فاعل ومن ربه صفة. (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) إن واسمها وجملة يضل خبرها ومن مفعول به وجملة يشاء صلة ويهدي عطف على يضل واليه متعلقان بيهدي ومن مفعول به وجملة أناب صلة.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الذين بدل وجملة آمنوا صلة ، أو الذين مبتدأ خبره الذين آمنوا والأول أولى ، وتطمئن عدل عن الماضي إلى المضارع لإفادة التجدد وسيأتي مزيد بحث عنه في باب البلاغة وقلوبهم فاعل تطمئن وبذكر الله متعلقان بتطمئن والقلوب فاعل. (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) الذين مبتدأ أو خبر الذين الأولى وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على الصلة وطوبى مبتدأ ولهم خبر وساغ

١١٩

الابتداء بها لما فيها من معنى الدعاء ، وقيل طوبى خبر لمبتدأ محذوف واللام في لهم للبيان مثل سقيا لك ورعيا لك أو مفعول لفعل محذوف أي أصبت خيرا طيبا وقرىء وحسن مآب بالنصب والرفع ، ولك أن تعربها مفعولا مطلقا كما قدمنا على قراءة من نصب حسن لظهور حركة الاعراب عليها والأول أولى لأن الجمهور قرأ بالرفع ولأبي البقاء وهم فيها إذ أجاز اعرابها حالا مقدرة ولا أدري ما هو مبرره وحسن عطف على طوبى ومآب مضاف اليه.

البلاغة :

في قوله تعالى «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم» فن رفيع من فنون البلاغة وقد سبق ذكره ونعيد الآن ما يتعلق بهذه الآية فقد عدل عن عطف الماضي على الماضي فلم يقل واطمأنت قلوبهم لسر من الأسرار يدق إلا على العارفين بأسرار هذه اللغة الشريفة ذلك أن من خصائص الفعل المضارع أنه قد لا يلاحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال وهما الزمانان اللذان يحتملهما المضارع فلا يدل إلا على مجرد الاستمرار ومنه هذه الآية أي أن المؤمنين تطمئن قلوبهم بصورة مطردة مهما تتالت المحن ، وتعاقبت الأرزاء ، وحدثت المفاجأة فكأنما أعدوا لكل محنة صبرا ولكل رزء اطمئنانا جديدا فتدبر هذه الملاحظة فإنها عمود الجمال وسره.

(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ

١٢٠