إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧١

فهو حارد وحردان ، وهي عاميه فصيحة. وهكذا إلى آخر المادة حيث تنتهي إلى هذا التقرير العجيب.

الإعراب :

(فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) الفاء عاطفة وتقبل فعل ماض والهاء مفعول به وربها فاعل والجار والمجرور متعلقان بتقبلها وحسن صفة (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) الواو عاطفة وأنبتها فعل وفاعل مستتر ومفعول به ونباتا مفعول مطلق وحسنا صفة (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) الواو عاطفة وكفل فعل ماض والهاء مفعول به أول وزكريا مفعول به ثان ، أي جعل زكريا كافلا لها وضامنا لمصالحها وفي قراءة تخفيف الفاء يكون زكريا هو الفاعل. وقد نسجت أساطير حول هذه الكفالة ، يرجع فيها إلى المطولات (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) كلما ظرف زمان تقدم إعرابه مرارا وهو متعلق بوجد لأنه جواب الشرط. وجملة دخل عليها في محل جر بإضافة الظرف إليها والمحراب مفعول به على السعة أو منصوب بنزع الخافض (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وعندها ظرف متعلق بوجد ورزقا مفعول به وجملة الشرط استئنافية (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) الجملة مستأنفة ، وهذا أصلح ما قيل فيها رغم الاختلاف الشديد الذي لا طائل تحته. وقال فعل ماض والفاعل هو ويا حرف نداء ومريم منادى مفرد علم مبني على الضم وأنى اسم استفهام بمعنى كيف ، كأنه سؤال عن الكيفية ، أي : كيف تهيأ لك وصول هذا الرزق إليك؟ قال الكميت :

أنى ومن أين آبك الطرب

من حيث لا صبوة ولا طرب

وقيل معناه هنا : : من أين. وعلى الحالين هو منصوب على الظرفية

٥٠١

متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ولك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وهذا مبتدأ مؤخر (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) الجملة مستأنفة وهو مبتدأ ومن عند الله متعلقان بمحذوف خبر (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) إن واسمها ، وجملة يرزق خبر ومن اسم موصول مفعول به وجملة يشاء لا محل لها لأنها صلة الموصول وبغير حساب جار ومجرور متعلقان بيرزق وجملة إن الله مقول القول أيضا إذا كان من كلامها أو مستأنفة.

البلاغة :

في هذه الآية فنون نشير إليها بما يلي :

١ ـ الجناس المغاير في قوله «فتقبلها ربها بقبول حسن» وفي قوله «فأنبتها نباتا حسنا» وفي قوله «رزقا» و «يرزق».

٢ ـ الإشارة ، وهو التعبير باللفظ الظاهر عن المعنى الخفي في قوله «هو من عند الله» أي هو رزق لا يأتي به في ذلك الوقت إلا الله.

٣ ـ التنكير في قوله : «رزقا» لإفادة الشيوع والكثرة ، وأنه ليس من جنس واحد بل من أجناس كثيرة.

(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ

٥٠٢

وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١))

(العاقر) من لا يولد له ، رجلا كان أو امرأة. مشتق من العقر وهو القطع ، لقطعة النسل.

(الحصور) بفتح الحاء فعول محول عن فاعل للمبالغة ، وهو الذي لا يأتي النساء ، وهو قادر على ذلك والممنوع منهن أو من لا يشتهيهنّ ولا يقربهن. ثم استعمل لكل من لا يشارك في لعب ولهو ومجانة ، قال الأخطل :

وشارب مربح بالكأس نادمني

لا بالحصور ولا فيها بسآر

 (العشي) من حين تزول الشمس إلى أن تغيب ، وهو اسم مفرد لا جمع كما توهم الجلال وأبو حيان.

(الإبكار) بكسر الهمزة مصدر لأبكر بمعنى بكر ثم استعمل اسما ، وهو طلوع الشمس إلى وقت الضحى.

الإعراب :

(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) هنالك اسم إشارة للمكان في محل نصب على الظرفية المكانية وقد يتجوز به للزمان واللام للبعد والكاف للخطاب والظرف متعلق بدعا وزكريا فاعل دعا وربه مفعوله ، والجملة مستأنفة مسوقة للإشارة إلى تحول زكريا عن اعتقاده بشأن الولادة والعقم ،

٥٠٣

أي : لما رأى زكريا ذلك وعلم أن القادر على الإتيان بالشيء في غير أوانه قادر على الإتيان بالولد في حال الكبر (قالَ : رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) جملة مستأنفة مسوقة لتحقيق ما خطر له من سوانح بعد التحول الفكري الطارئ عليه ، وقال فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على زكريا ورب منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة وهب فعل أمر ولي متعلقان بهب ومن لدنك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وذرية مفعول به وطيبة صفة ، وأنثت الصفة لتأنيث الموصوف لأنه لم يقصد به معين ، أما إذا قصد به ذلك امتنع اعتبار اللفظ ، نحو طلحة وحمزة وجملة النداء في محل نصب مقول القول (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) إن واسمها وخبرها والجملة تعليلية لا محل لها (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) الفاء عاطفة ونادته الملائكة فعل ومفعول به وفاعل (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) الواو حالية وهو مبتدأ وقائم خبره والجملة نصب على الحال من مفعول النداء وجملة يصلي في المحراب لك أن تجعلها خبرا ثانيا لهو أو تنصبها على الحال من القيام وفي المحراب متعلقان بيصلي (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) أن وما في خبرها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بنادته وقرىء بكسر همزة «إن» بتقدير قول محذوف ، فالجملة مقول القول وجملة القول حال ، أي : حال كون الملائكة قائلين. وجملة يبشرك خبرها والجار والمجرور متعلقان بيبشرك ويحيى ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة إن كان أعجميا ، وإن كان عربيا فللعلمية ووزن الفعل (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) مصدقا حال وبكلمة متعلقان بمصدقا والمراد بالكلمة عيسى بن مريم وإنما سمي كلمة لأن الله تعالى قال له : كن فكان من غير أب. وهناك أقوال أخرى يرجع

٥٠٤

فيها إلى المطولات (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الكلمات الثلاث عطف على «مصدقا» ومن الصالحين صفة لنبيا (قالَ : رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) قال فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو يعود على زكريا ورب منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة وأنّى اسم استفهام في محل نصب على الظرفية والظرف متعلق بمحذوف خبر يكون إذا اعتبرت ناقصة أو حال إذا اعتبرت تامة ، ولي متعلقان بمحذوف حال وغلام اسم يكون أو فاعلها وجملة قال استئنافية وجملة النداء مقول القول (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) الواو حالية وقد حرف تحقيق وبلغني فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول به والكبر فاعل والجملة في محل نصب حال (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) الواو حالية أيضا وامرأتي مبتدأ وعاقر خبر والجملة حالية من الياء في «لي» فتكون حالا متعددة ، ولك أن تجعلها حالا من الياء في «بلغني» (قالَ : كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) اضطرب كلام المعربين والمفسرين في هذه الآية ، وأقرب ما تراءى لنا وجهان متساويا الرجحان ، أولهما أن الجملة كلها مستأنفة ، والقائل هو الله تعالى ، و «كذلك» جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب مفعول مطلق ، أي يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل ، وهو خلق الولد من الشيخ الفاني والعجوز العاقر ، أو على أنهما في موضع الحال من ضمير المصدر المحذوف من «يفعل» وذلك على مذهب سيبويه في هذه المسألة ، وقد تقدم بحثها. والله مبتدأ وجملة يفعل خبر وما اسم موصول في محل نصب مفعول به والجملة مقول القول. والوجه الثاني أن يتعلق كذلك بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أي : الأمر كذلك ، وجملة يفعل ما يشاء في محل رفع خبر الله وجملة يشاء لا محل لها لأنها صلة (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) قال : فعل ماض والفاعل زكريا ورب

٥٠٥

منادى تقدم إعرابه ، واجعل فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت ، ولي متعلقان باجعل وآية مفعول به وجملة النداء وما تلاه مقول القول وجملة القول مستأنفة (قالَ : آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) الجملة مستأنفة وآيتك مبتدأ وأن وما في حيزها في تأويل مصدر خبر وتكلم فعل مضارع منصوب بأن والناس مفعول به والجملة مقول القول (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) ثلاثة أيام : ظرف زمان متعلق بتكلم وإلا أداة استثناء منقطع واجب النصب لأن الرمز ليس من جنس الكلام ، ولك أن تعتبره من جنس الكلام فتكون «رمزا» استثناء من أعم الأحوال أو من أعم المصادر ، أي حالا أو مفعولا مطلقا ، وهذه الأوجه متساوية الرجحان في هذا التركيب العجيب (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) الواو استئنافية واذكر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وربك مفعول به وكثيرا مفعول مطلق أو ظرف زمان ، أي ذكرا كثيرا أو وقتا كثيرا (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) الواو عاطفة وسبح عطف على اذكر وبالعشي جار ومجرور متعلقان بسبح والإبكار عطف عليه.

البلاغة :

في قوله «رمزا» فن الإشارة ، وقد تقدم بحثه قريبا ، لأنه دل على ما في نفس البشر من خلجات ومعان. وقد تشبث الشعراء بأذيال هذه البلاغة ، قال أبو تمام :

توحي بأسرارنا حواجبنا

وأعين بالوصال ترتشق

وقال أيضا :

كلمته بجفون غير ناطقة

فكان من ردّه ما قال حاجبه

٥٠٦

وقال آخر :

إذا كلمتني بالعيون الفواتر

رددت عليها بالدموع البوارد

(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣))

اللغة :

(اصْطَفاكِ) : اختارك.

(اقْنُتِي) : أخلصي العبادة وأديمي الطاعة.

الإعراب :

(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) الواو عاطفة والجملة معطوفة ، فقد عطف قصة البنت على قصة أمها لما بينهما من كمال المناسبة. ولك أن تعطف «إذ» على الظرف السابق وأن تعلقه باذكر محذوفا ، وقالت الملائكة : فعل وفاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) يا حرف نداء ومريم منادى مفرد علم وإن واسمها ، وجملة اصطفاك خبر إن والجملة كلها مقول القول (وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) الفعلان معطوفان على اصطفاك وعلى نساء متعلقان باصطفاك والعالمين مضاف إليه (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) يا حرف نداء ومريم منادى مفرد علم واقنتي فعل أمر مبني على حذف النون والياء

٥٠٧

فاعل والجار والمجرور متعلقان باقنتي (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) فعلا الأمر منسوقان على اقنتي ومع ظرف مكان متعلق باركعي والراكعين مضاف إليه.

البلاغة :

١ ـ في هاتين الآيتين التقديم ، فقد قدم السجود وهو متأخر في حكم الصلاة للاهتمام به ، ولكونه أدل على التذلل والعبادة. وهذا ديدنهم تقديم الأهم على المهم.

٢ ـ وفيهما أيضا التكرير ، فقد كرر النداء للإيذان بأن كل واحد منهما مسوق لمعنى ، فالأول تذكير بالنعمة ، وهو بمثابة تمهيد للثاني الذي هو للتكليف والترغيب في العمل.

٣ ـ وفيهما أيضا إطلاق الجزء وادارة الكل ، وقدم السجود لأنه أفضل أركان الصلاة كما تقدم.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦))

اللغة :

(أَقْلامَهُمْ) الأقلام : جمع قلم وهو فعل بمعنى مفعول ، أي

٥٠٨

مقلوم. والقلم : القطع ومثله القبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض.

(الْمَسِيحُ) : لقب من الألقاب الشريفة التي تشعر بالرفعة كالصديق والفاروق وهو بالعبرية المشيح ومعناه المبارك وسمي المسيح قيل : لكثرة سياحته ، وقيل : لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما ، وقيل : لأنه كان إذا مسح أحدا من ذوي العاهات برىء.

(عِيسَى) : معرب من ايشوع ، وقيل : مشتق من العيس ، وهو بياض تعلوه حمرة.

الإعراب :

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) ذلك اسم إشارة مبتدأ ومن أنباء الغيب خبره والجملة مستأنفة مسوقة للإخبار بأن ذلك كله من نبأ زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) فعل مضارع وفاعله نحن والهاء مفعول به والجار والمجرور متعلقان بنوحيه والجملة حالية أو استئنافية أيضا (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) الواو حالية أو استئنافية وما نافية وكان واسمها ، ولديهم ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كنت أي :موجودا لديهم (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) إذ ظرف لما مضى ودخوله على المضارع لحكاية الحال الماضية ، وهو متعلق بما تعلق به «لديهم» أي بالاستقرار المحذوف.

وقد قال أبو علي الفارسي : العامل في «إذ» هو «كنت».

وقد اعترض عليه بما قرره هو نفسه إذ قال : إن «كان» الناقصة سلبت الدلالة على الحدث وتجردت للزمان فلا يتعلق بها الظرف ولا الجار والمجرور. وجملة يلقون في محل جر بالإضافة وأقلامهم : مفعول

٥٠٩

به (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الجملة في محل نصب حال بتقدير فعل ، أي يتساءلون ، ويبعد جعلها فاعلا لفعل محذوف ، لما في ذلك من التكلف ، كما فعل الجلال وأي مبتدأ والهاء مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور وجملة يكفل مريم خبر المبتدأ. (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) الواو عاطفة وما نافية وكان واسمها ، ولديهم ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كنت وإذ ظرف لما مضى متعلق بالاستقرار المحذوف وجملة يختصمون في محل جر بالإضافة (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) الظرف متعلق بمحذوف ، أي : اذكر ، وقالت الملائكة فعل وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة وجملة الظرف ومتعلقة مستأنفة مسوقة للشروع في قصة عيسى عليه السلام (يا مَرْيَمُ) يا أداة نداء ومريم منادى مفرد علم (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ) الجملة مقول القول وإن واسمها وجملة يبشرك خبرها (بِكَلِمَةٍ) متعلقان بيبشرك (مِنْهُ) صفة لكلمة (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) اسمه مبتدأ والمسيح خبر والجملة صفة ثانية لكلمة وعيسى بدل من المسيح وابن مريم بدل أو نعت. وذكرت مريم مع أنها هي المخاطبة للإيذان باختصاص عيسى عليه السلام بأنه ولد من غير أب كما جرت العادة (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وجيها حال من كلمة وان كانت نكرة لأنها موصوفة والجار والمجرور متعلقان بوجيها فهما في موضع نصب على الحال (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) الواو عاطفة ويكلم فعل مضارع والفاعل هو والجملة معطوفة على «وجيها» فهي حال أيضا وعدل إلى الفعلية للتجدد والناس مفعول به وفي المهد متعلقان بمحذوف حال من فاعل «يكلم» (وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) عطف على قوله «في المهد» أي : صبيا وكهلا ، ومن الصالحين عطف على وجيها فاستتم بذلك الأوصاف الأربعة لـ «كلمة».

٥١٠

البلاغة :

الكناية في قوله : «يلقون أقلامهم» عن القرعة.

الفوائد :

(إِذْ) تكون على ثلاثة أوجه :

٢ ـ تكون للتعليل وهذه حرف بمنزلة لام التعليل ، كقول الفرزدق :بعدها فعل مضارع فهي لحكاية الحال الماضية.

٢ ـ تكون للتعليل وهذه حرف بمنزلة لام التعليل ، كقول الفرزدق :

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

فالظرفية هنا منسلخة ولا تصح بحال ، لأن المعنى يفسد ، أي أعاد الله نعمتهم وقت كونهم قريشا ، فيفيد أن كونهم من قريش أمر طارئ عليهم.

٣ ـ أن تكون للمفاجأة ، وهي الواقعة بعد «بينا» و «بينما» كقوله :

استقدر الله خيرا وارضين به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

والأولى عندئذ أن تكون حرفا.

(أي) تأتي على خمسة أوجه :

١ ـ اسم شرط جازم وتعرب بحسب موقعها.

٢ ـ اسم موصول وتعرب بحسب موقعها إلا إذا أضيفت وحذف صدر صلتها فتبنى على الضم : «ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا».

٥١١

٣ ـ اسم استفهام كما في الآية المتقدمة ، وحكمها حكم الموصولية.

٤ ـ أن تقع صفة للنكرة أو حالا بعد المعرفة للدلالة على معنى التمام والكمال ، كقول أبي العتاهية :

إن الشباب والفراغ والجده

مفسدة للمرء أيّ مفسدة

٥ ـ تكون وصلة لنداء ما فيه أل : يا أيها الناس.

(العلم) ينقسم العلم إلى اسم وكنية ولقب ، وإذا اجتمع الاسم واللقب يؤخر اللقب عن الاسم ، وربما قدم عليه كما في الآية. ويطرد هذا إذا كان اللقب أشهر من الاسم ولا ترتيب في الكنية ، ويعرب الثاني بدلا من الأول ، ويجوز أن تضيف اللقب إلى الاسم إذا كانا مفردين كهرون الرشيد ومحمد المهديّ

(قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠))

٥١٢

اللغة :

(الأكمه) : الذي ولد أعمى يقال : كمه كمها ، من باب تعب ، فهو أكمه والمرأة كمهاء ، مثل أحمر وحمراء وهو العمى يولد عليه الإنسان وربما كان عارضا.

(الأبرص) : المصاب بالبرص بفتحتين وهو داء معروف يعتري الإنسان ، ولم تكن العرب تنفر من شيء نفرتها منه ، فكانوا يصفون العظيم إذا أصيب به بالوضّاح فقالوا : جذيمة الوضاح وهو من ملوك العرب المشهورين ويقال للقمر أبرص لشدة بياضه وللوزغ سام أبرص لبياضه.

الإعراب :

(قالَتْ : رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) تقدم إعرابها قبل قليل بحروفها فجدد بها عهدا (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) الواو للحال ولم حرف نفي وقلب وجزم ويمسسني فعل مضارع مجزوم بلم والنون للوقاية والياء مفعول به وبشر فاعل والجملة حالية (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) الجملة مستأنفة لا محل لها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق لفعل محذوف ، أو حال وعلقهما بعضهم بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف والله مبتدأ وجملة يخلق خبر وما اسم موصول مفعول به وجملة يشاء لا محل لها لأنها صلة الموصول وجملة الله يخلق مقول القول (إِذا قَضى أَمْراً) إذا ظرف مستقبل وجملة قضى في محل جر بالإضافة وأمرا مفعول به (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) الفاء رابطة لجواب إذا وجملة إنما يقول لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وله متعلقان بيقول وكن فعل أمر تام والجملة مقول القول والفاء

٥١٣

استئنافية ويكون فعل مضارع تام مرفوع بالضمة والفاعل هو والجملة خبر لمبتدأ محذوف أي فهو يكون والجملة مستأنفة ، وهذا قول سيبويه وهو الصحيح وقرأ ابن عامر بالنصب «فيكون» على أن الفاء للسببية ، ويشكل على هذه القراءة أن الاستقبال مسلوب عنه عندئذ بها. (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) الواو استئنافية ولك أن تعطفها على «وجيها» كأنه قال : وجيها ومعلما ، وقرىء ونعلمه فتكون الجملة مقولا لقول محذوف لأنه يكون من كلام الله ويعلمه فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أول والكتاب مفعول به ثان وما بعده منسوق عليه (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) الواو عاطفة ورسولا مفعول به لفعل محذوف أي ويجعله رسولا أي من باب الإخبار بالمغيبات ، وأجاز الزمخشري وغيره أن يعرب رسولا حالا كأنه عطفه على يعلمه بالمعنى وإلى بني إسرائيل متعلقا بمحذوف صفة لـ «رسولا» (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض ، أي بأني قد جئتكم ، وقد سبق القول بأن هذا مطرد قبل أنّ وأن ، والجار والمجرور متعلقان بـ «رسولا» لأنه تضمن معنى النطق ، أي ورسولا ناطقا بأني قد جئتكم. وقد كثرت التأويلات في هذه التعابير ، ولذلك جعلها الزمخشري من المضائق المعجزة. وقيل الباء للملابسة وهي مع مدخولها في محل نصب على الحال ، والمعنى أني رسول الله إليكم حال كوني متلبسا بمجيئي بالآيات وجملة قد جئتكم خبر أن وبآية متعلقان بجئتكم ومن ربكم متعلقان بمحذوف صفة لآية (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أن وما في حيزها في تأويل مصدر بدل من آية لأن ما يفعله لا يعدو أن يكون من دلائل آياته الباهرة ، ولك أن نجعله

٥١٤

خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هي والمعنى واحد وفي قراءة بكسر همزة إن فتكون إن وما بعدها مستأنفة وجملة أخلق خبر إن ولكم متعلقان بمحذوف في محل نصب على معنى التعليل أي لأجل هدايتكم ، أو معنى الحال أي هاديا لكم ، ومن الطين متعلقان بأخلق وكهيئة الكاف اسم بمعنى مثل فهي في محل نصب مفعول به أو حرف فتكون وما بعدها في محل نصب صفة لمفعول به محذوف أي شيئا مثل هيئة الطير وهيئة مضاف إليه إن كانت اسما والطير مضاف مضاف الى هيئة (فَأَنْفُخُ فِيهِ) الفاء عاطفة ، أنفخ معطوف على أخلق ، والجار والمجرور متعلقان بأنفخ (فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) الفاء عاطفة ويكون فعل مضارع ناقص معطوف على أخلق وطيرا خبر يكون واسمها مستتر وبإذن الله متعلقان بيكون على رأي من يجيز تعلق الجار والمجرور والظرف بالأفعال الناقصة أو بمحذوف حال ، والأول أقرب الى المعنى (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) عطف على أخلق والأكمه مفعول به (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) عطف على ما تقدم أيضا وبإذن الله متعلقان بأحيي (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ) عطف أيضا والجار والمجرور متعلقان بأنبئكم ناب عن المفعولين وجملة تأكلون لا محل لها لأنها صلة الموصول (وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) الواو عاطفة وما عطف على «ما» المتقدمة وجملة تدخرون لا محل لها وفي بيوتكم جار ومجرور متعلقان بتدخرون (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر إن المقدم ، واللام هي المزحلقة وآية اسمها المؤخر ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لآية وجملة إن وما في حيزها إما أن تكون من كلام عيسى عليه السلام فتكون داخلة في حيز القول ، ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى فتكون مستأنفة.

وإن شرطية وكنتم في محل جزم فعل الشرط وكان فعل ماض ناقص

٥١٥

والتاء اسمها ومؤمنين خبرها وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم مؤمنين انتفعتم بهذه الآية وجملة الشرط استئنافية (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) الواو عاطفة ومصدقا حال من فعل محذوف أي وجئتكم مصدقا ، أو تعطفه على محل «بآية» ولما اللام حرف جر وما اسم موصول مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان «بمصدقا» وبين ظرف متعلق بمحذوف لا محل له لأنه صلة ما ويديّ مضاف إليه وعلامة جره الياء لأنه مثنى والياء مضاف إليه ومن التوراة جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) الواو حرف عطف واللام للتعليل وأحلّ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل واللام ومدخولها متعلقان بجئتكم مقدرة ، ولا يجوز عطفه على «مصدقا» لأنه حال ولأحل تعليل ، ولكم جار ومجرور متعلقان بأحل وبعض مفعول به والذي اسم موصول مضاف إليه ، وجملة حرم عليكم لا محلّ لها لأنها صلة الموصول (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الواو حرف عطف وجملة جئتكم عطف على جئتكم السابقة وتكررت للتوكيد وبآية جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال فالباء للملابسة ، والمعنى أني رسول إليكم حال كوني ملتبسا بمجيئي. ولك أن تعلقها بجئتكم ، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لآية (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) الفاء الفصيحة ، أي إذا علمتم أنه لا يسوغ لكم بعد هذه الآلاء الباهرة التي مننت بها عليكم أن تأخذكم هوادة في طاعة الله فاتقوا الله. واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وأطيعون عطف على اتقوا وحذفت ياء المتكلم لمراعاة الفواصل.

(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤))

٥١٦

اللغة :

(الْحَوارِيُّونَ) : جمع حواري ، وهو صفوة الرجل وخالصته ، ومنه قيل للحضريات : حواريات ، لخلوص ألوانهن وفتنتهن ونعومتهن قال :

فقل للحواريات يبكين غيرنا

ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح

وتكاد هذه النسبة تكون مطّردة كالحوالي وهو الكثير الحيلة.

وزعم صاحب المنجد أنّ اللفظة حبشية ولكننا نرجح أنها عربية خالصة.

ففي أساس البلاغة : وامرأة حوارية ونساء حواريات : بيض قال الأخطل :

حوارية لا يدخل الذمّ بيتها

مطهرة يأوي إليها مطهر

وقد نسجت أساطير جميلة حول الحواريين تحتاج إلى قصاص بارع يصوغ منها أروع القصص.

(المكر) في اللغة : الستر ، يقال : مكر الليل أي أظلم وستر بظلمته ما فيه ، واشتقاقه من المكر ، وهو شجر ملتفّ ، كأنهم تخيلوا أن المكر يلف الممكور به. وامرأة ممكورة البطن : أي ملتفة ثم خصصوه بالخبث والخداع.

الإعراب :

(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) كلام مستأنف مسوق لتقدير أصل

٥١٧

الديانة المترتبة على الإيمان بما أورده ، وإن واسمها ، وربي خبرها وربكم عطف على ربي. فاعبدوه : الفاء الفصيحة أي إذا شئتم حسن المصير فاعبدوه ، واعبدوه فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به وجملة اعبدوه لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) يصح أن تكون الجملة مستأنفة أو مفسرة ، وعلى الحالين لا محل لها. وهذا مبتدأ وصراط خبر ومستقيم صفة لصراط (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) الفاء عاطفة على محذوف تقديره فكذبوه ، لأنه قول مرتب على هذا المحذوف. ويجوز أن تعرب استئنافية ولما ظرفية حينية أو رابطة وقد تقدم ذكرها كثيرا ، وجملة أحس عيسى في محل جر بإضافة الظرف إليه أو لا محل لها إذا أعربناها رابطة. وأحس فعل ماض وعيسى فاعل ومنهم جار ومجرور متعلقان بأحس والكفر مفعول به ويجوز أن يتعلقا بمحذوف حال من الكفر أي حال كونه صادرا منهم (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) جملة قال لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وهو لما ومن اسم استفهام مبتدأ وأنصاري خبره وإلى الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الياء في أنصاري ، والمعنى من أنصاري حال كوني ماضيا إلى سبيل الله شارعا في المناضلة عنه ونصرته؟ وللزمخشري رأي طريف في هذا الجار والمجرور إذ جعلهما من صلة أنصاري مضمنا معنى الإضافة ، كأنه قال : من الذين يضيفون أنفسهم إليّ ينصرونني كما ينصرني؟ (قالَ الْحَوارِيُّونَ : نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) جملة مستأنفة مسوقة لتقرير الجواب على استفهامه. وقال الحواريون فعل وفاعل وجملة نحن أنصار الله من المبتدأ والخبر مقول القول (آمَنَّا بِاللهِ) آمنا فعل وفاعل وبالله جار ومجرور متعلقان بآمنا والجملة خبر ثان لنحن (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) الواو استئنافية واشهد

٥١٨

فعل أمر وبأنا الباء حرف جر وأن واسمها ، ومسلمون خبرها. وأن وما في حيزها مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بأشهد ، وهذا أحسن من جعلها عاطفة لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر ، وهو مرجوح ، وإنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيدا لإيمانهم (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) ربنا منادى مضاف وجملة آمنا خبر ثالث لنحن وبما جار ومجرور متعلقان بآمنا وجملة أنزلت لا محل لها لأنها صلة الموصول (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) عطف على جملة آمنا والرسول مفعول به (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) الفاء الفصيحة أي إذا كان الأمر كما تقدم فاكتبنا ، ولك أن تجعلها استئنافية ومع ظرف مكان متعلق باكتبنا والشاهدين مضاف إليه (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) الواو استئنافية ومكروا فعل وفاعل ومكر الله عطف على مكروا والله الواو حالية والله مبتدأ وخير الماكرين خبره والجملة في محل نصب على الحال.

البلاغة :

١ ـ الاستعارة التمثيلية في أحس ، إذ لا يحس إلا ما كان متجسدا ، والكفر ليس بمحسوس ، وإنما يعلم ويدرك كعلم ما يدرك بالحواس.

٢ ـ فن المشاكلة وقد مرت الإشارة إلى هذا الفن ، وحقيقة ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، فكأنه قال : وأخذهم بمكرهم ، لأن الله تعالى وتقدس لا تستعمل في حقه لفظة توهم الشناعة. وهو كثير شائع في القرآن ، فاعلمه. ومنه في الشعر قول عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

أي فنجازيه على جهله ، فجعل لفظة فنجهل موضع فنجازيه للمشاكلة. ومن طريف المشاكلة قول أبي تمام الطائي :

٥١٩

والدهر ألأم من شرقت بلؤمه

إلا إذا أشرقته بكريم

أي انتصرت عليه بكريم فقال : أشرقته ، للمشاكلة.

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧))

الاعراب :

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق باذكر مقدرا أو متعلق بمكروا أو ظرف لخير الماكرين. وجملة قال الله في محل جر بالإضافة ويا حرف نداء وعيسى منادى مفرد علم مبني على الضم المقدر على الألف (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ) إن واسمها ومتوفيك خبرها والكاف مضاف اليه ورافعك عطف على متوفيك وإلي جار ومجرور متعلقان برافعك لأنه اسم فاعل (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ومطهرك عطف على ما تقدم ومن الذين جار ومجرور متعلقان بمطهرك وجملة كفروا صلة الموصول لا محل لها (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وجاعل عطف أيضا والذين اسم موصول في محل جر بالاضافة وجملة اتبعوك صلة الموصول لا محل لها وفوق

٥٢٠