إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧١

اللغة :

(فَصُرْهُنَّ) : بضم الصاد ويجوز كسرها ، فعل أمر من صار يصور أو من صار يصير بمعنى ضمّ أو مال ، قال :

وفرع يصير الجيد وحف كأنه

على الليت قنوان الكروم الدّوالح

يصف شعر محبوبته بأنه يميل عنقها لنقله عليه ويشبهه بعناقيد الكروم المثقلات بالحمل. وقال في مختار الصحاح : «وصاره أماله ، من باب قال وباع ، وقرىء فصرهن إليك بضم الصاد وكسرها ، وصار الشيء أيضا من البابين قطعه وفصله ، فمن فسره بهذا جعل في الآية تقديما وتأخيرا ، أي فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن».

الاعراب :

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لإيراد دليل آخر على رعاية الله للمؤمنين ، وفيه تنويه بأن الرؤية والعيان لا بد منهما لتدعيم الاعتقاد وترسيخه ، إذ لم يكن إبراهيم شاكا في إحياء الله للموتى ، وإذ ظرف متعلق بما ذكر مقدرا وقال ابراهيم فعل وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) رب منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة ، والجملة في محل نصب مقول القول. وأرني فعل أمر من الإراءة البصرية المتعدية لواحد ، وبدخول الهمزة صارت متعدية لاثنين. وأصل أرني أرئيني ، فحذفت الياء الأولى فصار أرئني ، ثم نقلت حركة الهمزة الى الراء وحذفت الهمزة ،

٤٠١

وأرني فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به أول ، وكيف استفهام حال وتحيي فعل مضارع وفاعله مستتر والموتى مفعول به وجملة كيف تحيي الموتى في محل نصب مفعول أرني الثاني (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) قال فعل ماض والفاعل هو والجملة مستأنفة بمثابة التقرير للواقع ، أي : أتسأل ولم تؤمن ، والهمزة للاستفهام التقريري ، لأن الاستفهام إنما هو عن أمر متقرر الوجود عند السائل والمسئول على السواء. والواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم وتؤمن فعل مضارع مجزوم بلم والجملة الاستفهامية في محل نصب مقول القول (قالَ بَلى) جملة مستأنفة مسوقة لتقرير الإيمان ، وأتى بـ «بلى» التي هي حرف جواب لتثبت الإيمان المنفي ، ولو كان الجواب بنعم لكان كفرا (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) الواو عاطفة على جملة محذوفة تقديرها : «سألتك» ، ولكن حرف استدراك مهمل وليطمئن اللام للتعليل ويطمئن فعل مضارع منصوب بأن مضمرة ولا بد من تقدير محذوف ليصح تعليق اللام ، أي ولكن سألتك كيفية الإحياء ليطمئن قلبي ، وقلبي فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء مضاف اليه (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) جملة مستأنفة مسوفة للتدليل على ولاية الله تعالى للمؤمنين والسير بهم في آماد الطريق المستقيم ، والفاء هي الفصيحة أي إذا أردت معرفة ذلك عيانا فخذ ، وخذ فعل أمر والفاعل أنت وأربعة مفعول به ومن الطير جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لأربعة (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) الفاء عاطفة وصرهنّ فعل أمر والفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به والنون علامة النسوة لا محل لها من الاعراب وإليك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي مضمومات إليك (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً)

٤٠٢

ثم حرف عطف للترتيب والتراخي واجعل فعل أمر والفاعل أنت وعلى كل جار ومجرور متعلقان باجعل على أنه مفعول ثان لـ «اجعل» وجبل مضاف اليه ومنهن جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لـ «جزءا» فلما تقدمت على الموصوف أعربت حالا وجزءا هو المفعول الأول (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) عطف أيضا وادعهن فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل أنت والهاء مفعول به والنون علامة التأنيث لا محل لها ويأتينك فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم جواب الطلب والنون فاعل والكاف مفعول به والجملة جواب الطلب لا محل لها وسعيا مفعول مطلق أي مشيا سريعا. ولك أن تعربها حالا ، أي مسرعات (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الواو عاطفة واعلم فعل أمر والفاعل أنت وان واسمها وخبراها سدت مسد مفعولي اعلم.

البلاغة :

في هذه الآية إيجاز بالحذف وقد حذف تتمة القصة ، إذ حكى سبحانه أوامره ، ولم يتعرض لامتثال إبراهيم عليه السلام لها ، لأن ذلك مدرك بالبداهة.

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢))

٤٠٣

اللغة :

(السنبلة) معروفة ، وزنها فنعلة ، فالنون زائدة ، يقال : أسبل الزرع : أرسل ما فيه. وحكى بعض اللغويين : سنبل الزرع ، فتكون النون أصلية ، ووزنه فعلل. وقد روى الأساس واللسان :«وأسبل الزرع وسنبل : خرج سبله وسنبله».

(المن) أن يعتدّ على من أحسن اليه بإحسانه.

الاعراب :

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) كلام مستأنف مسوق لضرب المثل لإنفاق الأموال في سبيل الله ، ولا بد من حذف مضاف ، أي : مثل نفقتهم. ومثل مبتدأ والذين مضاف اليه وجملة ينفقون لا محل لها لأنها صلة الموصول وأموالهم مفعول به وفي سبيل الله جار ومجرور متعلقان بينفقون (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ، ولا بد من حذف مضاف أيضا ، أي كمثل باذر حبة. وأنبتت فعل ماض والفاعل هي وسبع مفعول به وسنابل مضاف اليه وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع وجملة أنبتت صفة لحبة (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) في كل الجار والمجرور متعلقان بمحذوف

٤٠٤

خبر مقدم وسنبلة مضاف اليه ، ومائة حبة مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية صفة لسنابل فتكون في محل جر ، أو صفة لسبع فتكون في محل نصب (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) الواو استئنافية والله مبتدأ ويضاعف فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى وجملة يضاعف في محل رفع خبر للمبتدأ «الله» ولمن الجار والمجرور متعلقان بيضاعف وجملة يشاء لا محل لها لأنها صلة من (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) الواو عاطفة والله مبتدأ وواسع خبر أول وعليم خبر ثان (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) لك أن تجعلها تابعة للجمل السابقة على أنها مبدلة منها ، ولك أن تجعلها مستأنفة مسوقة لذكر الإنفاق غير المشوب بالمن. والذين مبتدأ أو بدل من الذين الأولى وجملة ينفقون أموالهم لا محل لها لأنها صلة وفي سبيل الله متعلقان بينفقون (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) ثم حرف عطف للترتيب والتراخي في الزمان والرتبة ، ولا نافية ويتبعون فعل مضارع معطوف على ينفقون وما اسم موصول مفعول به أول وجملة أنفقوا صلة ما ومنا مفعول به ثان ولا أذى عطف على «منا» (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الجار والمجرور خبر مقدم وأجرهم مبتدأ مؤخر والظرف متعلق بمحذوف حال وربهم مضاف اليه والجملة الاسمية في محل رفع خبر الذين إذا كانت مبتدأ ، أما إذا كانت بدلا فالجملة استئنافية (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) تقدم إعراب هذه الآية بحروفها.

البلاغة :

١ ـ التشبيه التمثيلي : فقد شبه نفقة المنفقين في سبيل الله بالحبة في مضاعفة الأجر ، فهي عند ما يغرسها الغارس تنبت ساقا

٤٠٥

يتشعّب منه سبع شعب ، لكل واحد سنبلة. وفيه تجسيد بديع بعقد المماثلة بين المشبّه والمشبه به. والغرض من التشبيه هنا توضيح المعنى وتقريبه للأذهان أولا ، ثم تأييده بالدليل المحسوس الذي لا يكابر فيه المكابر ، ولا يتعنّت فيه المتعنّت ثانيا ، ثم تزيين المشبه وتجميله ، وإلهاب الرغبة فيه ، بحيث لا يتردد أحد في الإنفاق بعد أن رأى بعينه سلفا ما أعد له من جزاء ثالثا.

٢ ـ «ثم» في أصل وضعها تشير الى أن ثمة تراخيا بين المعطوف بها والمعطوف عليه ، وهذا التراخي قد اختلف فيه ، فبعضهم يقول : إنه تراخي الزمن وبعد ما بينهما. والزمخشري يرحمه الله يحمله على التفاوت في الرتبة ، فإلى أيهما يعتزي في هذه الآية؟لقد أفاض علماء البيان في هذا الباب ، فقال قوم : المراد التراخي في الزمن نظرا للغالب من أن وقوع المنّ والأذى يكون يعد الإنفاق حتما ، بل هما مترتبان عليه ، ولا يمكن تصورهما قبل وقوعه ، وهذا حسن جميل ، وذهب الزمخشري الى أن التراخي هنا محمول على التفاوت في المراتب والتباعد بينهما ، حيث لا يمكن حملها على الزمان لسياق يأبى ذلك في الآية. وحاصله أنها استعيرت من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة ، وهذا من أبدع ما يصل اليه الفكر الراجح والذكاء البعيد الغور ، فإن است خراج هذه الاستعارة على هذا الشكل لا يدركه قصار النظر والابتدائيون ، وعلى هذا يقال : معناها الأصلي تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه ، ومعناها المستعارة اليه دوام وجود الفعل وتراخي زمان بقائه.

٤٠٦

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥))

اللغة :

(رِئاءَ) مصدر راءى مراءاة ورئاء ، والأصل : ريايا ، فالهمزة الأولى بدل من ياء هي عين الكلمة. والثانية بدل من ياء هي لام الكلمة لأنها وقعت طرفا بعد ألف زائدة. والمفاعلة على بابها من المشاركة ، لأن المرائي يري الناس أعماله حتى يروه الثناء عليه والاحترام له.

(صَفْوانٍ) : حجر كبير أملس.

٤٠٧

(الوابل) : المطر الكثير. قال الأصمعي : أخف المطر وأضعفه الطلّ ، ثم الرذاذ أقوى منه ، ثم البغش والدّث ، ومثله الرّكّ والرهمة. وقال النضر بن شميل : أول المطر رش وطش ، ثم طل ورذاذ ، ثم نضح ونضخ ، ثم هطل وتهتان ، ثم وابل وجود.

(صلد) : صلب أملس أو أجرد نقي من التراب الذي كان عليه.

الاعراب :

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) قول مبتدأ وساغ الابتداء بالنكرة لأنها وصفت ، معروف : صفة لقول ومغفرة عطف على قول ، خير خبر ، من صدقة جار ومجرور متعلقان بخير ، يتبعها فعل مضارع والهاء مفعول به والجملة صفة لصدقة ، أذى فاعل ، (وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) الواو استئنافية والله مبتدأ وغني حليم خبراه. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها كثيرا (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) كلام مستأنف مسوق لبيان حكم هذه المسألة ، وهي إبطال الصدقات بالمن والأذى. ولا ناهية وتبطلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وصدقاتكم مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم ، والكاف مضاف اليه وبالمن جار ومجرور متعلقان بتبطلوا والأذى عطف على المن (كَالَّذِي) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لمصدر محذوف ، فهو مفعول مطلق أي لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذي ... أو حال من ضمير المصدر المقدر ، كما نص عليه سيبويه ، أو من فاعل تبطلوا. أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق ماله رئاء الناس والوجهان

٤٠٨

جيدان. (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) جملة ينفق ماله صلة الموصول لا محل لها ورئاء الناس مفعول لأجله وقد استكمل شروط النصب فلا يعدل عنه الى وجه آخر كما زعم بعض المعربين (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الواو حرف عطف ، لا نافية ، يؤمن فعل مضارع وفاعله هو ، وبالله متعلقان بيؤمن ، واليوم الآخر معطوف على الله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) الفاء استئنافية جيء بها لمجرد الربط بين الجمل ، ومثله مبتدأ وكمثل الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ، أو الكاف اسم بمعنى مثل خبر وهو مضاف ومثل مضاف اليه وصفوان مضاف الى مثل (عَلَيْهِ تُرابٌ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وتراب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية في محل جر صفة لصفوان (فَأَصابَهُ وابِلٌ) الفاء عاطفة عطفت أصابه على متعلق عليه ، أي : استقر عليه فأصابه ، والهاء مفعول به ووابل فاعل (فَتَرَكَهُ صَلْداً) الفاء عاطفة وترك فعل ماض ينصب مفعولين أولهما الهاء والثاني صلدا (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على سؤال ، كأنه قيل فماذا كان مآلهم؟فقيل : لا يقدرون ، ولا نافية ويقدرون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل وعلى شيء جار ومجرور متعلقان بيقدرون ، وأعاد الضمير مجموعا وهو في الظاهر مفرد ، لأن «الذي» يراد به الفريق الذي ينفق والجنس الذي ينفق (مِمَّا كَسَبُوا) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لشيء وجملة كسبوا لا محل لها لأنها صلة الموصول ما (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة للتعريض بأن المن والأذى من صفات الكفار والله مبتدأ وجملة لا يهدي خبر والقوم مفعول به والكافرين صفة للقوم (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ) الواو عاطفة على «فمثله» ومثل مبتدأ ولا بد من تقدير مضاف تقديره نفقات ، والذين مضاف

٤٠٩

اليه وجملة ينفقون أموالهم لا محل لها لأنها صلة الموصول (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مفعول لأجله وشروط النصب متوفرة فيه ومرضاة الله مضاف اليه (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) عطف على ابتغاء ، ومن أنفسهم متعلقان بـ «تثبيتا» أي منطلقا من أصل أنفسهم ، وقال ابن عطية : «ولا يصح أن يكون ابتغاء مفعولا من أجله لعطف «تثبيتا» عليه ، ولا يصح «تثبيتا» أنه مفعول من أجله لأن الانفاق ليس من أصل التثبيت» ، ولهذا رجّح أبو حيان أن يكون «ابتغاء» مصدرا في موضع الحال ، أي : متغين ، وكذلك «وتثبيتا». وفي كلامهما شيء غير قليل من بعد الغور وحسن التقدير. ولكن يمكن القول أن التثبيت من أفعال القلوب ، لأنه صادر عنها ، وهو يحدو صاحب القلب الى التثبيت ، ولهذا نرجح ما أعربناه (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر للمبتدأ «مثل الذين» وبربوة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لجنة (أَصابَها وابِلٌ) فعل ومفعول به وفاعل والجملة صفة لجنة أيضا (فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) الفاء عاطفة وآتت فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هي يعود على جنة وأكلها مفعول به والهاء مضاف اليه وضعفين حال (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) الفاء استئنافية وإن شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم ويصبها فعل مضارع مجزوم بـ «لم» في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة للجواب وطل خبر لمبتدأ محذوف أي فالذي يصيبها طلّ والجملة في محل جزم جواب الشرط (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الواو استئنافية والله مبتدأ والجار والمجرور متعلقان ببصير وجملة تعملون صلة الموصول وبصير خبر الله.

٤١٠

البلاغة :

١ ـ التشبيه التمثيلي الأول : فقد شبه إنفاق الأموال رئاء الناس ثم إتباع ذلك بالمنّ والتطاول بالإحسان بالتراب الذي يوضع على الصخر الأملس يأتي عليه الوابل من المطر فيذروه ويذهب به ولا يترك له أثرا.

٢ ـ التشبيه التمثيلي الثاني : فقد شبه إنفاق الأموال الخالص من الرياء في سبيل الله وابتغاء مرضاته بالبستان الوريف الظلال فوق ربوة عالية يكفيها القليل من المطر لتربو وتهتز وتمرع وتخصب.

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦))

اللغة :

(نَخِيلٍ) النخيل : قيل : هو اسم جمع ، واحدته نخلة. وقيل :هو جمع نخل ، ونخل اسم جنس.

(الأعناب) : جمع عنب ، أو هو اسم جنس ، واحدته عنبة (إِعْصارٌ) : ريح شديدة مرتفعة ، وقيل : هو الريح السموم.

سميت بذلك لأنها تلتف كما يلتف الثوب المعصور ، وقيل لأنها تعصر السحاب. ويجمع الإعصار على أعاصير.

٤١١

الاعراب :

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) جملة مستأنفة مسوقة لضرب مثل آخر لنفقة المرائين والمانّين. والهمزة للاستفهام ويود فعل مضارع وأحدكم فاعله والكاف مضاف اليه (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) أن وما بعدها مصدر في محل نصب مفعول يود وله الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم وجنة اسمها المؤخر. (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لجنة وأعناب عطف على نخيل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) تجري فعل مضارع ومن تحتها جار ومجرور متعلقان بتجري والهاء مضاف اليه والأنهار فاعل والجملة صفة ثانية لجنة (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وفيها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ومن كل الثمرات الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة للمبتدأ المؤخر والمحذوف أي له رزق كائن من كل الثمرات حالة كونه فيها ، والجملة صفة ثالثة لجنة (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) الواو حالية وجملة أصابه الكبر في محل نصب حال ولا بد من تقدير «قد» (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) الواو حالية وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وذرية مبتدأ مؤخر وضعفاء صفة لذرية والجملة في محل نصب على الحال من الهاء في «أصابه» (فَأَصابَها إِعْصارٌ) الفاء حرف عطف وأصاب فعل ماض والهاء مفعول به وإعصار فاعل والجملة معطوفة على صفة الجنة (فِيهِ نارٌ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ونار مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية صفة لإعصار (فَاحْتَرَقَتْ) عطف على أصابها (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الجار والمجرور «كذلك» متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف أو في محل نصب حال ويبين فعل مضارع مرفوع والله فاعل يبين ولكم متعلقان بيبين والآيات مفعول به منصوب

٤١٢

بالكسرة وجملة يبين استئنافية (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) لعل واسمها وجملة تتفكرون خبرها وجملة الرجاء في محل نصب على الحال.

البلاغة :

في هذه الآية يسمو البيان القرآني الى أعلى ذروة يتصورها العقل البشري ، وجميع آي القرآن من البيان الرفيع السامي. ولكن هذه هذه الآية وآيات كثيرة وردت وسترد في مواطنها استوفت من الناحية البيانية الغاية ، وأربت على النهاية ، وهي بمثابة المثل لنفقة المرائي الذي ينفق للتبجح وإعلان حب النفس ، وإيهام الناس بأنه بالغ أقصى الغايات ، بينما تذهب أعماله سدى. وسنبسط القول فيها بسطا يتفق مع مراميها البعيدة ، وفيما يلي ما أدركناه منها :

١ ـ الاستفهام في قوله : أيود؟ للإنكار والنفي. أما مصب النفي فهو في قوله : «فأصابها إعصار» لأنه مناطه ومثابته. وجميل قول ابن عباس فيها : «هو مثل لرجل عمل بالطاعات ثم زين له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله وطاح بها».

٢ ـ وفي هذه الآية فن التتميم وقد تقدمت الاشارة اليه.

ونزيده هنا بسطا ، فنقول : هو أن يأتي الشاعر أو الكاتب في كلامه بكلمات لو طرحت لنقص معناه أو صوره مع بقاء الكلام سليما.

وإليك الصور التي اندرجت فيها :

آ ـ لما ذكر سبحانه الجنة لم يكتف بذكرها مجردة من كل قيد ، لأن الجنة في اللغة لفظ يصدق على كل شجر متكاثف ملتف ، يستر من يتفيأ بظلاله الوريفة. ومن هذا الشجر ما هو محدود النفع كالأثل والخمط وغيرهما من الأشجار التي لا تصلح إلا للحطب ، ومنها

٤١٣

ما يتضاعف نفعه فيؤكل ثمره وتستخرج منه مواد أخرى نافعة ثم يكون حطبه صالحا للوقود ، فتمم ذلك النقص بقوله : «من نخيل وأعناب» ، وفهم بالبداهة أن هذه الجنة تميزت بأن أشجارها من الصنف الثاني المتضاعف النفع أي أن احتراق تلك الجنة ـ ولو كانت تضم الأثل والخمط ونحوهما مما هو محدود النفع ـ يشجي صاحبها ، فكيف إذا كانت من نخيل وأعناب؟ ألا يكون الأسف عليها أشد؟ والشجا باحتراقها أعظم؟

ب ـ ثم تمم ذلك بذكر الأنهار الجارية للدلالة على ديمومة الخصب. إذ ما الفائدة منها إذا نضبت فيها الأمواه؟ ألا يكون مآلها الى اليبس والذبول؟

ج ـ ولدفع الإيهام الذي يخيل الى السامعين أن هذه الجنة قد تكون مقتصرة على هذين الضربين من الثمرات ، وهما : النخيل والأعناب تمم بقوله «له فيها من كل الثمرات» ، أي أنها تجمع جميع أفانين الثمر ، فالحسرة إذن على احتراقها أشد ، والأسف على فنائها أعمّ.

د ـ ولما فرغ من وصف الجنة شرع في وصف الحادث المهلك الذي أدى الى فناء الجنة بقوله : «فأصابها إعصار» يجتاح الأخضر واليابس ويهلك الحرث والنسل.

ه ـ على أن الإعصار مهما يبلغ تأثيره فانه ربما كان مؤجل الإهلاك ، فدفع هذا الإيهام بقوله : «فيه نار» فأحرقها بعد أن أودى بأشجارها. ولم يكتف بذكر النار لأنها قد تأتي على شيء مما تحرقه ويبقى بعد ذلك شيء آخر منها فدفع هذا الإيهام مرة أخرى بذكر الاحتراق.

٤١٤

البحتريّ والتّتميم :

ومن التتميم في الشعر قول البحتري في وصف الإبل التي براها السير والسّرى :

كالقسيّ المعطّفات بل الأسهم مبريّة بل الأوتار فقد شبه الإبل بالقسي المعطفات ، وهو تشبيه جميل لما فيه من تنويه بالنحول ، ولما في خلق الإبل من الحدب والانحناء. ثم جعلها مبرية على طريق الإضراب الذي يلمح الى الغلط ، ثم ترقى في ذلك فجعلها كالأوتار. وهذا كله من أوابد البحتري التي أطلق عليها اسم «سلاسل الذهب» كما كان يسميها النقاد القدامى ، على أني وقفت بعد ذلك على حديث للرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم فعلمت أن البحتري لم يبتكر هذه المعاني العميقة المصوغة في أجمل بيان ، وأنه رمق سماء الحديث النبوي ، وأنه أخذه أخذا يسبق أسهمه المبرية ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «لو صليتم لله حتى تعودوا كالقسيّ ، وصمتم حتى تعودوا كالأوتار». وهذا مما أخذ بنصه وفصه.

٣ ـ وفي هذه الآية أيضا فنّ «الطاعة والعصيان» وقد أطلق هذه التسمية شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري عند ما نظر في شعر أبي الطيب المتنبي ، وتحدث عنه في كتابه «معجز أحمد» ، يعني أحمد المتنبي فأتى على قوله :

يردّ يدا عن ثوبها وهو قادر

ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد

وقال : «أراد المتنبي الطّباق فعصاه وأطاعه الجناس فانه أراد أن يقول : يرد يدا عن ثوبها وهو مستيقظ ، فعصاه ذلك لامتناع

٤١٥

دخوله في الوزن فقال وهو قادر لأن القادر مستيقظ وزيادة ، ليكون بينها وبين القافية تجانس ، فأطاعه الجناس المقلوب بين قادر وراقد ، وعصته المطابقة بين راقد ومستيقظ».

أقول : هذا ما ذكره أبو العلاء المعري ، وليس في بيت المتنبي شيء من ذلك ، ولو أراد أن يقول : «يردّ يدا عن ثوبها وهو ساهر» أو «متنبها» بحذف لفظة «وهو» لحصل له غرضه من الطباق ولم يعصه الوزن ، وإنما مراده بيان العفاف من القادر لا من غيره ، أي أنه مع قدرته عليها لا يبيح لنفسه مدّ يده الى إزارها ، كما أنه إذا رأى خيالها في المنام امتنع عنه كما يمتنع عنه في اليقظة. يصف نفسه ببعد الهمة عن مغازلة النساء ، إذن ففن الطاعة والعصيان الذي ابتدعه المعري ولم يوفق في التمثيل له أثبته علماء البيان ومثلوا له بقول ابن النبيه :

بيضاء حجّبها الواشون حين سرت

عني فلو لمحت صبغ الدجى لمحت

أراد أن يقول : فلو لمحت سواد الدجى ، ليأتي نوع التدبيج بقوله بيضاء وسواد ، فعصاه الوزن فقال : «صبغ الدجى» وهو مرادف للسواد ، فصدق عليه أنه عصاه التدبيج وأطاعه فن الإرداف.

ومثله قول الأرّجانيّ :

كم رعت هذا الحي إما زائرا

فردا وإما سائرا في جحفل

أراد أن يقول : وإما محاربا ، لتكون المقابلة بين زائر ومحارب ، ولا شك أن الزائر يكون مسالما بين قوله «فردا» وقوله «في جحفل» فعصاه الوزن وأعطاه لجناس اللاحق بين زائر وسائر. أما في الآية

٤١٦

الكريمة التي نحن بصددها فإنها وقع فيها التتميم ، وقد تحدثنا عنه قبل قليل فيها. ولما كان المتكلم في الأصل يقصد المساواة في كل ما يتكلم به فإذا عصته المساواة للأغراض الآنفة الذكر أطاعه التتميم فتنبه لهذا فإنه من دقائق الفنون.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧))

اللغة :

(تُغْمِضُوا) الإغماض : غضّ البصر ، وأغمضت العين إغماضا وغمّضتها تغميضا : أطبقت الأجفان. والمراد به هنا التجاوز والتسامح والمساهلة.

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها ، وجملة النداء وما يليه مستأنفة مسوقة لبيان ما ينفق منه ، أي أنفقوا من حلال ما كسبتم وجيده (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) أنفقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ومن طيبات الجار والمجرور متعلقان بأنفقوا وما اسم موصول في محل جر بالاضافة وجملة كسبتم صلة الموصول (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ومما عطف على من طيبات وجملة أخرجنا لا محل لها لأنها صلة الموصول ولكم جار ومجرور متعلقان بأخرجنا ومن الأرض متعلقان بأخرجنا. ولك أن تعلقهما بمحذوف

٤١٧

حال ، أي : ناجما من الأرض. ويرحم الله الفقهاء ما أثقب أذهانهم فأبو حنيفة أبقاه على عمومه في الزكاة ، والشافعي خصه بما يزرعه الآدميون وكلاهما صحيح (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ) الواو عاطفة ولا ناهية وتيمموا فعل مضارع مجزوم بلا وأصل تيمموا : تتيّمموا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا والواو فاعل والخبيث مفعول به ومنه متعلقان بمحذوف حال من الخبيث (تُنْفِقُونَ) الجملة حالية ومفعول تنفقون محذوف أي تنفقونه (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) الواو حالية وليس واسمها والباء حرف جر زائد وآخذيه مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس وحذفت النون للإضافة والهاء مضاف اليه ، والجملة حال من فاعل تنفقون أي الواو (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أداة حصر وأن وما في حيزها مصدر منصوب بنزع الخافض أي بأن تغمضوا ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال ، فهو استثناء من أعم الأحوال ، ولك أن تعلقهما بآخذيه ، وهو أسهل (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) الواو استئنافية واعلموا فعل أمر والواو فاعل وأن واسمها وخبراها سدت مسد مفعولي اعلموا.

البلاغة :

في هذه الآية استعارة تصريحية وذلك في قوله : «إلا أن تغمضوا فيه» شبه التجاوز عن الشيء الجدير بالمؤاخذة بغض العين عما يتفادى المرء رؤبته مما يكره.

(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠))

٤١٨

اللغة :

(الفحشاء) : المراد بها هنا البخل ، والفاحش البخيل. قال طرفة بن العبد :

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المتشدّد

قال الكلبي : «كل فحشاء في القرآن فالمراد بها الزنى ، الا هذا الموضع».

الاعراب :

(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) كلام مستأنف مسوق للتحذير من الإصاخة للشيطان ووساوسه. والشيطان مبتدأ وجملة يعدكم خبر والفقر مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) عطف على : «يعدكم الفقر» والجار والمجرور متعلقان بيأمركم (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) عطف على الجملة المستأنفة ، ومغفرة مفعول به ثان ومنه : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمغفرة ، وفضلا : عطف على مغفرة (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) الواو استئنافية والله مبتدأ وواسع عليم خبران لله (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) الجملة خبر ثالث لله أو جملة مستأنفة ويؤتي فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو والحكمة مفعول به أول ومن اسم موصول في محل

٤١٩

نصب مفعول به ثان وجملة يشاء صلة الموصول (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) الواو استئنافية ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ويؤت فعل الشرط مبني للمجهول وعلامة جزمه حذف حرف العلة ونائب الفاعل ضمير مستتر

تقديره هو والحكمة مفعول به ثان (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) الفاء رابطة لجواب الشرط وقد حرف تحقيق وأوتي فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وخيرا مفعول به ثان وكثيرا صفة والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الواو عاطفة وما نافية ويذكر فعل مضارع مرفوع وإلا أداة حصر وأولو فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والألباب مضاف اليه (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) الواو عاطفة وما اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدم لأنفقتم ومن نفقة جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، وجعلها كثيرون زائدة ، وهو أسهل ، ولكنه غير مقيس (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) عطف على ما تقدم (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) الفاء رابطة لجواب الشرط وإن واسمها وجملة يعلمه خبرها والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) الواو استئنافية وما نافية وللظالمين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ومن حرف جر زائد وأنصار مبتدأ مؤخر.

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))

٤٢٠