إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧١

اللغة :

(الاهلال) : سبق القول إنه رفع الصوت عند مباشرة أمر من الأمور ، وقد كان دينهم في جاهليتهم أن يرفعوا أصواتهم عند مباشرتهم هذه الأمور كالذبح وغيره فيقولون : باسم اللات والعزّى.

(باغٍ) : ظالم.

(عادٍ) : معتد على غيره.

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها فجدّد به عهدا ، وجملة النداء وما بعده مستأنفة تمهيدا للشروع في بيان أنواع من المحرمات بعد ما أمر سبحانه بأكل الطيبات (كُلُوا) فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل (مِنْ طَيِّباتِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة للمفعول المحذوف ليذهب السامع في تقديره أيّ مذهب تصبو اليه نفسه ومعنى من الجارّة هنا التبعيض أي كلوا بعضها فما أكثر الطيبات المتاحة لنا (ما) اسم موصول في محل جر بالاضافة (رَزَقْناكُمْ) فعل وفاعل ومفعول به والجملة صلة الموصول (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) معطوف على كلوا ، ولله جار ومجرور متعلقان باشكروا ، وسيأتي بحث عنه في باب الفوائد (إِنْ) شرطية تجزم فعلين (كُنْتُمْ) فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها (إِيَّاهُ) ضمير منفصل مفعول

٢٤١

مقدم لتعبدون (تَعْبُدُونَ) الجملة الفعلية في محل نصب خبر كنتم وجملة جواب الشرط محذوفة دل عليها ما قبلها أي فاشكروا (إِنَّما) كافة ومكفوفة (حَرَّمَ) فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى (عَلَيْكُمُ) الجار والمجرور متعلقان بحرم (الْمَيْتَةَ) مفعول به (وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) معطوفان على الميتة (وَما) الواو حرف عطف وما اسم موصول منصوب عطفا على ما تقدم (أُهِلَّ) فعل ماض مبني للمجهول (بِهِ) جار ومجرور قام مقام نائب الفاعل (لِغَيْرِ اللهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال والجملة صلة الموصول (فَمَنِ) الفاء الفصيحة أي إذا كانت هناك حالات اضطرار ألجأته الى أكل شيء مما حرم ، والجملة بعدها لا محل لها لأنها جواب شرط مقدر غير جازم ، ومن اسم شرط جازم مبتدأ (اضْطُرَّ) فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط ونائب الفاعل مستتر تقديره هو يعود على المضطر (غَيْرَ) حال من «من» فكأنه قيل : اضطرّ لا باغيا ولا عاديا فهو له حلال (باغٍ) مضاف اليه وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين (وَلا عادٍ) عطف على غير باغ (فَلا) الفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية ولا نافية للجنس (إِثْمَ) اسمها المبني على

الفتح (عَلَيْهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبرها ، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر من على الأصح (إِنَّ اللهَ) إن واسمها (غَفُورٌ رَحِيمٌ) خبران لإن وجملة إن وما في حيزها لا محل لها لأنها تعليلية.

البلاغة :

١ ـ اشتملت هاتان الآيتان على ايجازين جميلين بالحذف ، وهما

٢٤٢

حذف مفعول كلوا كما تقدم ، وحذف جواب إن الشرطية أي فاشكروه وحذف جواب الشرط شائع في كلام العرب.

٢ ـ التقديم في تقديم إياه لإفادة الاختصاص ، لأنه سبحانه مختص بأن يعبدوه.

٣ ـ الالتفات من ضمير المتكلم الى الغيبة ، وسياق الكلام يقتضي أن يقول : واشكرونا ، ولكنه التفت الى الغيبة لعظم الاهتمام به سبحانه. وفيه تلميح الى الحديث النبوي وهو : «يقول الله تعالى :

إني والجن والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري». وقد درج علماء البلاغة على تعريف الالتفات بأنه إنما يستعمل في الكلام للتفنن والانتقال من أسلوب الى أسلوب تطرية لنشاط السامع ، وهو تعريف جميل ، لأن النفس تسأم الكلام الجاري على نسق رتيب. ولكن يرد على هذا التعريف أن التطرية لا تكون إلا بعد حدوث الملل ، ولا ملل في تلاوة القرآن ، فلا بد أن يكون هناك أمر وراء الانتقال من أسلوب الى أسلوب ، بيد أن ذلك لا يمكن تحديده ، لأن الفنّ جمال ، وسر الجمال في عدم تحديده ، لأنه بعيد المنال ، وقد أريناك عند الكلام على الفاتحة أسرارا تكمن وراء السطور ، وهنا عدل عن التكلم الى الغيبة كما تقدم ، وليصرح باسم الله ، وفي ذلك من حوافز الشكر ما فيه.

نموذج شعري :

وما دمنا في صدد أسرار الالتفات يحسن بنا أن نورد للقارىء مثالا شعريا لأبي تمام الطائي ليقيس طلابنا ومتأدبونا على منواله ، قال يمدح أبا دلف العجليّ ويصف فيها ركبا يسيرون في المهامة البعيد

٢٤٣

ليتخلص الى التنويه بجود الممدوح ، ولا يفوتك ما فيها من تشخيص وتجسيد :

وركب يساقون الركاب زجاجة

من السّير لم تقصد لها كفّ قاطب

ففد أكلوا منها الغوارب بالسّرى

وصارت لهم أشباحهم كالغوارب

يصرّف مسراها جذيل مشارق

إذا آبه هم عذيق مغارب

يرى بالكعاب الزّود طلعة ثائر

وبالعرمس الوجناء غرةّ آئب

كأنّ بها ضغنا على كلّ جانب

من الأرض أو شوقا الى كلّ جانب

إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد

تقطّع ما بيني وبين النوائب

فقال في الأول : يصرف مسراها ، مخاطبة للغائب جريا على الأسلوب المتقدم في وصف الركب ، ثم قال بعد ذلك : إذا العيس لاقت بي ، فعدل الى خطاب نفسه لأنه لما صار الى مشافهة الممدوح

٢٤٤

والتصريح باسمه خاطب عند ذلك نفسه مبشرا لها بالبعد عن المكاره والقرب من الرغائب ، وهذا من السحر الحلال وان من البيان لسحرا ..

الفوائد :

(شكر) فعل متعد ولكنه قد يستعمل كاللازم فيكتفي بالفاعل إذا أريد به مجرّد حدوث الفعل ، ويستعمل متعديا مباشرة الى مفعول به واحد ، قال تعالى : «ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك» ، ويتعدى الى مفعولين كقول عبد الله بن الزبير :

سأشكر عمرا ما تراخت منيتي

أيادي لم تمنن وإن هي جلت

والمفعولان هما : عمرا وأيادي ، جمع يد وهي النعمة. وقد يتعدى باللام الى مفعول به واحد كما في الآية هنا.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦))

٢٤٥

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ) إن واسمها ، والجملة مستأنفة مسوقة لسرد قصة رؤساء اليهود وأحبارهم الذين كانوا يصيبون من عامتهم الهدايا والمآكل ، وكانوا يمنون أنفسهم بأن يكون النبي المنتظر الموصوف عندهم في التوراة منهم ، أشفقوا على ذهاب ما كان يترادف عليهم من نعماء ، مما يؤدي بالتالي الى زوال رئاستهم فعمدوا الى كتمان أمره (يَكْتُمُونَ) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول (ما) اسم موصول مفعول به ليكتمون (أَنْزَلَ اللهُ) فعل وفاعل والجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة ما (مِنَ الْكِتابِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف العائد على الموصول تقديره : ما أنزله الله حال كونه من الكتاب (وَيَشْتَرُونَ) الواو عاطفة ويشترون جملة معطوفة على جملة أنزل الله (بِهِ) الجار والمجرور متعلقان بيشترون (ثَمَناً) مفعول به (قَلِيلاً) صفة (أُولئِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (ما) نافية (يَأْكُلُونَ) فعل مضارع مرفوع والجملة خبر اسم الاشارة (فِي بُطُونِهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بيأكلون لأنها ظروف للأكل (إِلَّا) أداة حصر (النَّارَ) مفعول به. وجملة أولئك ما يأكلون خبر إن (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) الواو عاطفة والجملة معطوفة على جملة ما يأكلون (يَوْمَ الْقِيامَةِ) الظرف متعلق بيكلمهم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) الجملة عطف على جملة لا يكلمهم الله (وَلَهُمْ) الواو حرف عطف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر (أَلِيمٌ) صفة (أُولئِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (الَّذِينَ) اسم موصول خبر (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وقد تقدمت بحروفها (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) عطف على الضلالة بالهدى ، والمتروك ما دخلت

٢٤٦

عليه الباء (فَما) الفاء الفصيحة كأنها أفصحت عن مصيرهم العجيب ، وما نكرة تامة بمعنى شيء للتعجب في محل رفع مبتدأ على الأصح ، وإنما قلنا على الأصح دفعا لما تخبط به النحاة من أوجه لا طائل تحتها إلا التكلف ، (أَصْبَرَهُمْ) فعل ماض جامد لإنشاء التعجب وفاعله ضمير مستتر وجوبا هنا خاصة والهاء مفعول به ، والجملة الفعلية خبر ما (عَلَى النَّارِ) الجار والمجرور متعلقان بأصبرهم (ذلِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (بِأَنَّ اللهَ) الباء حرف جر ، وأن وما في حيزها في محل جر بالباء والجار ومجروره خبر اسم الاشارة ، ومعنى الباء السببية ، وأن واسمها (نَزَّلَ الْكِتابَ) فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله تعالى والكتاب مفعول به والجملة الفعلية خبر أن ، أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل الكتاب (بِالْحَقِّ) الجار والمجرور متعلقان بنزل أو بمحذوف حال (وَإِنَّ الَّذِينَ) الواو عاطفة أو حالية وإن واسمها (اخْتَلَفُوا) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول (فِي الْكِتابِ) الجار والمجرور متعلقان باختلفوا (لَفِي شِقاقٍ) اللام هي المزحلقة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر إن (بَعِيدٍ) صفة.

البلاغة :

١ ـ الاستعارة التصريحية في اشتراء الضلالة بالهدى ، وقد تقدمت الآية بحروفها.

٢ ـ المجاز المرسل في أكل النار ، والعلاقة هي السببية ، فقد جعل ما هو سبب للنار نارا.

٣ ـ التعريض : في عدم تكليم الله إياهم بحرمانهم حال أهل الجنة وتزكيتهم بكلامه تعالى. والتعريض ضرب من الكناية ، لأن

٢٤٧

الكناية إذا كانت عرضية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور كان المناسب أن يطلق عليها اسم التعريض. ومن طريف هذا الفنّ قول أبي الطيب المتنبي وهو يرمق سماء القرآن العالية :

أبا المسك هل في الكأس فضل أناله

فإني أغني منذ حين وتشرب

يخاطب كافورا الاخشيديّ فيقول : مديحي إياك يطربك كما يطرب الغناء الشارب ، فقد حان أن تسقيني من فضل كأسك.

٤ ـ المقابلة في المطابقة بين الضلالة والهدى وبين العذاب والمغفرة.

والمقابلة فن دقيق المسلك لا يسلكه إلا خبير بأساليب الكلام ، وإلا كان تكلفا ممقوتا. وقد بلغ أبو الطيب فيه الغاية بقوله :

أزورهم وسواد الليل يشفع لي

وأنثني وبياض الصبح يغري بي

فقد طابق بين أزور وأنثني وبين سواد وبياض وبين الليل والصبح وبين يشفع ويغري وبين لي وبي. ومنه قول ابن زيدون :

سرّان في خاطر الظلماء يكتمنا

حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

٢٤٨

(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧))

اللغة :

(ابْنَ السَّبِيلِ) : المسافر وإنما قيل له : ابن السبيل لملازمته الطريق. كما يقال لطبر الماء ابن الماء لملازمته إياه ، وللرجل الذي أتت عليه الدهور ابن الأيام والليالي.

الاعراب :

(لَيْسَ) فعل ماض جامد ناقص ، وإنما جمّدت لأن لفظها لفظ المضيّ ، ومعناها نفي الحال ، فلم يتكلف لها بناء آخر ، فاستعملت على لفظ واحد ، ولأنها خالفت بقية الافعال في أنها وضعت سالبة للمعنى.

والافعال ليس من أصلها أن توضع لسلب المعنى ، وإنما توضع لإيجابه ، فتنزّلت منزلة الحرف فجمدت ولم تتصرّف. والدليل على أنها فعل اتصال الضمائر المرفوعة بها كاتصالها ببقية الافعال.

وأصلها في الوزن ليس على وزن فعل بكسر العين ، ولو لا إلزام ياء ليس السكون حتى صارت في حكم ياء ليت لوجب في حكم التصريف قلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فيكون اللفظ بها

٢٤٩

يصير «لاس» كما تقول هاب في الماضي من لفظ الهيبة (الْبِرَّ) خبر ليس المقدم (أَنْ تُوَلُّوا) أن حرف مصدري ونصب ، وتولوا فعل مضارع منصوب بأن والمصدر المنسبك من أن وما في حيّزها اسم ليس المؤخر ، وقرىء برفع البر على أنه اسم ليس وان تولوا خبرها (وُجُوهَكُمْ) مفعول به (قِبَلَ) ظرف مكان متعلق بتولوا (الْمَشْرِقِ) مضاف اليه (وَالْمَغْرِبِ) عطف على المشرق (وَلكِنَّ) الواو حرف عطف ولكن حرف مشبه بالفعل (الْبِرَّ) اسمها (مَنْ آمَنَ) من اسم موصول خبر لكن ، ولا بد من تأويل حذف المضاف ، أي بر من آمن ، ويسكن أن يقال : لا حذف وإنما جعل البر نفس من آمن للمبالغة ، وجملة آمن صلة لا محل لها (بِاللهِ) الجار والمجرور متعلقان بآمن (وَالْيَوْمِ) عطف على الله (الْآخِرِ) صفة (وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ) عطف أيضا على الله (وَآتَى) فعل ماض معطوف على آمن داخل في حيّز الصلة وفاعله ضمير مستتر تقديره هو (الْمالَ) مفعول به (عَلى حُبِّهِ) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال ، والمصدر مضاف الى مفعوله ، أي مع حبه (ذَوِي الْقُرْبى) مفعول آتى وعلامة نصبه الياء لأنه جمع ذي بمعنى صاحب. والقربى مضاف إليه ، (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ) كلها معطوفة على ذوي (وَفِي الرِّقابِ) الجار والمجرور معطوف أيضا ، أي وآتى المال في فكّها من الأسر أو إعتاقها (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) عطف على آتى المال (وَالْمُوفُونَ) عطف على «من آمن» ولك أن تعربه خبرا لمبتدأ محذوف لبعده ، أي هم الموفون (بِعَهْدِهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بالموفون لأنه جمع مو في وهو اسم فاعل من أوفى (إِذا) ظرف متعلق بالموفون (عاهَدُوا) فعل وفاعل والجملة الفعلية في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف (وَالصَّابِرِينَ) كان سياق الكلام أن يكون منسوفا على ما تقدم ، ولكنه قطعه عن العطف ونصبه على المدح بفعل محذوف تقديره أمدح

٢٥٠

إشعارا بفضل الصبر وتنويها بذلك الفضل (فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) الجار والمجرور متعلقان بالصابرين وهما مصدران جاءا على وزن فعلاء وليس لهما أفعل ، أو هما اسمان للمصدر بمعنى البؤس والضرّ ، يقعان على المذكر والمؤنث ، ومثلهما أشأم من قول زهير بن أبي سلمى يصف الحرب :

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم

كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

يعني : فتنتج لكم غلمان شؤم (وَحِينَ الْبَأْسِ) ظرف زمان متعلق بالصابرين والبأس مضاف إليه ، وهو شدة القتال في سبيل الله (أُولئِكَ) اسم إشارة مبتدأ (الَّذِينَ) اسم موصول خبر (صَدَقُوا) الجملة من الفعل والفاعل لا محل لها لأنها صلة الموصول (وَأُولئِكَ) الواو استئنافية أو عاطفة وأولئك مبتدأ (هُمُ) ضمير فصل أو عماد لا محل له أو مبتدأ نان (الْمُتَّقُونَ) خبر أولئك ، أو هم ، والجملة الاسمية خبر أولئك.

البلاغة :

في هذه الآية فنون شتى من البلاغة منها :

١ ـ فنّ الإيجاز بحذف المضاف في قوله :ولكن البر من آمن ، أو فن المبالغة إذا جعلناه نفس البر.

٢ ـ المجاز المرسل في قوله :«وفي الرقاب» والعلاقة الجزئية بذكر الجزء وإرادة الكل.

٣ ـ قطع التابع عن المتبوع وضابطه أنه إذا ذكرت صفات

٢٥١

للمدح أو الذم خولف في الإعراب تفننا في الكلام واجتلابا للانتباه بأن ما وصف به الموصوف أو ما أسند إليه من صفات جدير بأن يستوجب الاهتمام ، لأن تغيير المألوف المعتاد يدل على زيادة ترغيب في استماع المذكور ومزيد اهتمام بشأنه. والآية مثال لقطع التابع عن المتبوع في حال المدح ، وأما مثاله في حال الذم فهو قوله تعالى في سورة تبّت (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) فقد نصب حمالة على الذم وهي في الحقيقة وصف لامرأته وسيأتي.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩))

اللغة :

(كُتِبَ) : فرض ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :

كتب القتل والقتال علينا

وعلى الغانيات جرّ الذّيول

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (كُتِبَ) فعل ماض مبني

٢٥٢

للمجهول (عَلَيْكُمُ) الجار والمجرور متعلقان بكتب (الْقِصاصُ) نائب فاعل (فِي الْقَتْلى) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال. ولك أن تعلقهما بالقصاص. وجملة النداء وما تلاه مستأنفة مسوقة لبيان حكم القصاص في عرف الشرع (الْحُرُّ) مبتدأ (بِالْحُرِّ) متعلقان بمحذوف خبر (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) عطف على ما تقدم والجملة الاسمية لا محل لها لأنها مفسرة (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) عطف أيضا (فَمَنْ) الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن بعض التفاصيل التي تخطر على البال ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ (عُفِيَ) فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط (لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بعفي (مِنْ أَخِيهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي حالة كونه من دم أخيه (شَيْءٌ) نائب فاعل عفي (فَاتِّباعٌ) الفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية ، واتباع مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه ، أي فعليه اتباع. والجملة في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر من (بِالْمَعْرُوفِ) الجار والمجرور متعلقان باتباع (وَأَداءٌ) عطف على اتباع (إِلَيْهِ) متعلقان بأداء (بِإِحْسانٍ) متعلقان بمحذوف حال (ذلِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (تَخْفِيفٌ) خبر (مِنْ رَبِّكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة والجملة مستأنفة (وَرَحْمَةٌ) عطف على تخفيف (فَمَنْ) الفاء الفصيحة ومن شرطية مبتدأ (اعْتَدى) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط (بَعْدَ ذلِكَ) الظرف متعلق باعتدى (فَلَهُ) الفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر (أَلِيمٌ) صفة لعذاب ، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من (وَلَكُمْ) الواو استئنافية وما بعدها جملة مستأنفة مسوقة لبيان الحكمة في مشروعية القصاص ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (فِي الْقِصاصِ) الجار والمجرور

٢٥٣

متعلقان بمحذوف حال (حَياةٌ) مبتدأ مؤخر (يا) حرف نداء (أُولِي الْأَلْبابِ) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والألباب مضاف إليه (لَعَلَّكُمْ) لعل واسمها (تَتَّقُونَ) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة في محل رفع خبر لعل وجملة الرجاء حال.

البلاغة :

في آية القصاص سموّ بياني منقطع النظير لأنها تنطوي على فنون عديدة ندرجها فيما يلي :

١ ـ الإيجاز : فقد كان العرب يتباهون بقولهم : «القتل أنفى للقتل» فجاءت آية القرآن وهي «في القصاص حياة» أكثر إيجازا وأرشق تعبيرا لأنها أربع كلمات وهي «في ، ال ، قصاص ، حياة» وقول العرب ست وهي «ال ، قتل ، أنفى ، وضميره لأنه اسم مشتق ، اللام ، قتل» ولأن حروفها الملفوظة الثابتة وقفا ووصلا أحد عشر حرفا وحروف قول العرب أربعة عشر حرفا.

٢ ـ المجاز المرسل في قوله : «في القصاص حياة» فقد جعل ما هو تفويت للحياة وذهاب بها ظرفا لها إذ القصاص مزجرة قوية عن إقدام الناس على القتل ، فارتفع بسببه القتل عن الناس ، وارتفاع سبب الموت ديمومة للحياة السابقة.

٣ ـ تعريف القصاص وتنكير الحياة ، أي انه كان لكم في هذا الجنس من القصاص حياة عظيمة لا تدركون كنهها ، لأن القاتل يرتدع عن القتل فتصان بذلك حياة الابرياء ، ويزدجر البغاة ، ومن ركزت في نفوسهم طبيعة الاجرام.

٢٥٤

٤ ـ تعجيل الترغيب والتشويق بذكر الحياة وبها يتنسم السامع رائحة الحياة وطيبها وحلاوتها لأنها أتت نتيجة حتمية للقصاص بعكس كلمة العرب التي تبتدئ بذكر الموت وقد رمق أبو الطيب سماء هذا المعنى ببيته الخالد :

إلف هذا الهواء أوقع في الأنفس أنّ الحمام مرّ المذاق ٥ ـ الطباق بين الحياة والموت للمفارقة بين الضّدّين ولا يظهر حسن الضدّ إلا الضد على حد قول صاحب اليتيمة متغزلا :

فالوجه مثل الصّبح مبيضّ

والفرع مثل الليل مسودّ

ضدّان لما استجمعا حسنا

والضّدّ يظهر حسنه الضدّ

وقد جاء القصاص في الآية ، وهو في الأصل تعبير عن الموت محلا لضده وهو الحياة.

٦ ـ التنكير في الحياة يدل على أن في هذا الجنس البشري نوعا من الحياة يتميّز عن غيره ولا يستطيع الوصف أن يبلغه ، لأنهم كانوا يقتلون الجماعة بالواحد فتهيج الفتنة وتستشري بينهم ، ففي شرع القصاص سلامة ومنجاة من هذا كله.

٧ ـ التعميم الذي يتجاوز التخصيص ، فليس القتل وحده سبب القصاص ولكن ينتظم فيه جميع الجروح والشّجاج ، لأن الجارح إذا علم أنه إذا جرح جرح صار ذلك سببا لبقاء الجارح والمجروح ، وربما أفضت الجراحة الى الموت ، فيقتصّ من الجارح.

٢٥٥

٨ ـ ليس في قول العرب كلمة يجتمع فيها حرفان متحركان إلا في موضع واحد ، بل كلها أسباب خفيفة أكثرها متوالية ، وذلك ينقص من سلامة الكلمة وجريانها على اللسان ، بخلاف آية القرآن ٩ ـ المقصود الاصلي الذي هو الحياة مصرّح به في الآية ، ومدلول عليه بالالتزام في كلمة العرب.

١٠ ـ الاطراد في الآية دون قولهم إذ يوجد قتل لا ينفي القتل بل يكون أدعى له ، كالقتل ظلما. وإنما يطرد إذا كان على وجه القصاص وهو مشتق من اطرد الماء وهو جريه من غير توقف.

١١ ـ خلو الآية مما يكره من لفظ القتل وما يجسده من سيل الدماء وتمزّق الاشلاء.

١٢ ـ خلوّ الآية من التكرار مع التقارب واتحاد المعنى والتئامه.

١٣ ـ خلوّ الآية من تكرار قلقلة القاف.

١٤ ـ شمول الآية لحكم الجرح في الأطراف.

١٥ ـ المبالغة في القصاص ظرف للحياة ، ففيه جعل نقيض الشيء منبعا له ، فكأنه يحيط به تفاديا لفواته.

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢))

٢٥٦

اللغة :

(الجنف) بفتحتين : مصدر جنف كفرح أي مال عن الحقّ وانحرف به.

الاعراب :

(كُتِبَ) : فعل ماض مبني للمجهول (عَلَيْكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بكتب والجملة مستأنفة لا محل لها (إِذا) ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب المحذوف أي فليوص (حَضَرَ) فعل ماض مبني على الفتح (أَحَدَكُمُ) مفعول به مقدم (الْمَوْتُ) فاعل مؤخر والجملة الفعلية في محل جر بالاضافة (إِنْ) حرف شرط جازم يجزم فعلين (تَرَكَ) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر تقديره هو (خَيْراً) مفعول به أي مالا ، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب إذا المحذوف أي فليوص (الْوَصِيَّةُ) نائب فاعل لكتب وجاز تذكير الفعل لأن الوصية مؤنث مجازي ولوجود الفاصل بينهما (لِلْوالِدَيْنِ) جار ومجرور متعلقان بالوصية (وَالْأَقْرَبِينَ) عطف على قوله للوالدين (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالعدل والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال ، أي عادلا غير جائر فلا يوصي للغني ويدع الفقير (حَقًّا) مصدر مفعول مطلق مؤكد لمضمون الجملة قبله ، وهي كتب عليكم الوصية. وقيل : هو مصدر مبين للنوع بدليل قوله

٢٥٧

(عَلَى الْمُتَّقِينَ) الجار والمجرور متعلقان بحقا والمصدر المؤكد لا يعمل ولا يزيد على ما قبله معنى (فَمَنْ) الفاء استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لذكر حكم يتعلق بالأوصياء والشهود ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ (بَدَّلَهُ) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) بعد ظرف زمان ، وما مصدرية منسبكة مع الفعل بعدها بمصدر مضاف إليه أي بعد سماعه إياه وتحققه منه ، والضمير يعود على الحكم (فَإِنَّما) الفاء رابطة لجواب الشرط وانما كافة ومكفوفة (إِثْمُهُ) مبتدأ (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر وجملة يبدلونه لا محل لها لأنها صلة الموصول ، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من (إِنَّ اللهَ) ان واسمها (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) خبران لإن ، والجملة مستأنفة مسوقة لوعيد المبدّل (فَمَنْ) الفاء استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لوعيد المنحرف عن الحق ، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ (خافَ) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله هو يعود على من ، ومعنى الخوف هنا التوقع ، كقولك : أخاف أن ترسل السماء مطرها ، تريد التوقع والظن الذي يقوم مقام العلم (مِنْ مُوصٍ) الجار والمجرور متعلقان بقوله : جنفا لأنه مصدر (جَنَفاً) مفعول به (أَوْ) حرف عطف (إِثْماً) عطف على قوله جنفا (فَأَصْلَحَ) الفاء حرف عطف وأصلح فعل ماض معطوف على خاف ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو (بَيْنَهُمْ) ظرف مكان متعلق بأصلح أي بين الموصي والموصى إليهم (فَلا) الفاء رابطة لجواب الشرط ولا نافية للجنس (إِثْمَ) اسم لا المبني على الفتح (عَلَيْهِ) الجار والمجرور متعلقا بمحذوف خبر لا ، والجملة المرتبطة بالفاء في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ان واسمها وخبراها ، والجملة تعليل لرفع الإثم لا محل لها.

٢٥٨

البلاغة :

١ ـ إقامة الظاهر مقام المضمر لزيادة الاهتمام بشأنه ، ولو جرى على نسق الكلام السابق لقال : فإنما إثمه عليه وعلى من يبدله.

وذلك للتشهير والمناداة بفضائح المبدلين.

٢ ـ المجاز المرسل في قوله : خاف. فقد جاءت بمعنى الظن والتوقع ، والعلاقة في هذا المجاز السببية ، لأنه تعبير عن السبب بالمسبب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥))

٢٥٩

اللغة :

(الصِّيامُ) في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير ، وله مصدران : صوم وصيام ، وصامت الريح :

ركدت ، وصامت الشمس : كبدت أي كانت في كبد السماء ، وصامت الدّابّة : أمسكت عن الجري ، قال النابغة الذبياني :

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

أي ممسكة عن الجري ثم خصّصه الإسلام بالمعنى المعروف له.

(رمضان) : في الأصل مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء ، فأضيف إليه وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون ، والمناسبة بين معناه وعبادة الصائم واضحة والعرب يضيفون لفظ شهر الى كل من أسماء الشهر المبتدئة براء كربيع ورمضان ولم يستثن من ذلك سوى رجب فلا يضيفون اليه لفظ شهر وقد نظم بعضهم ذلك فقال :

ولا تضف شهرا الى اسم شهر

إلّا لما أوّله الرّا فادر

واستثن منه رجبا فيمتنع

لأنه فيما رووه قد سمع

والمسألة على كل حال خلافية فعليك بالأحوط.

الاعراب :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (كُتِبَ) فعل ماض مبني على الفتح وهو مبني للمجهول أي فرض (عَلَيْكُمُ) الجار والمجرور

٢٦٠