إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧١

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣))

اللغة :

(وَسَطاً) : خيارا عدولا مزكّين بالعلم والعمل ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما كان الخيار وسطا لأن الخلل إنما يتسرب الى الأطراف وتبقى الأوساط محمية. وقد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى فقال :

كانت هي الوسط المحميّ فاكتنفت

بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

الاعراب :

(وَكَذلِكَ) الواو استئنافية والكاف حرف جر ، واسم الاشارة في محل جر بالكاف ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف أي مثل ذلك الجعل جعلناكم (جَعَلْناكُمْ) فعل وفاعل ومفعول به أول لجعلنا (أُمَّةً) : مفعول جعلنا الثاني (وَسَطاً) صفة لأمة (لِتَكُونُوا) : اللام لام التعليل ، وتكونوا فعل مضارع ناقص منصوب

٢٠١

بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل والجار والمجرور في محل نصب مفعول لأجله ، والواو اسمها (شُهَداءَ) خبرها (عَلَى النَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان بشهداء (وَيَكُونَ) عطف على تكونوا (الرَّسُولُ) اسم يكون (عَلَيْكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بشهيدا (شَهِيداً) خبر يكون (وَما) الواو عاطفة ، وما نافية (جَعَلْنَا) فعل وفاعل (الْقِبْلَةَ) مفعول جعلنا الاول (الَّتِي) اسم موصول في محل نصب مفعول جعلنا الثاني (كُنْتَ) كان واسمها (عَلَيْها) الجار والمجرور خبر كنت ، والجملة لا محل لها لأنها صلة التي ، وسيأتي مزيد من اعراب هذه الآية في باب الفوائد. (إِلَّا) أداة حصر (لِنَعْلَمَ) اللام لام التعليل ، ونعلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن ، وموضع لنعلم مفعول لأجله فهو استثناء مفرّغ من أعمّ العلل (مَنْ) اسم موصول في موضع نصب مفعول نعلم (يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول ، والرسول مفعول به (مِمَّنْ) الجار والمجرور متعلقان بنعلم المضمّنة معنى نميّز (يَنْقَلِبُ) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول (عَلى عَقِبَيْهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال ، أي مرتدا على عقبيه (وَإِنْ) الواو حالية ، وإن مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، أي والحال أنها (كانَتْ) فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير مستتر تقديره التولية إليها ، والجملة الفعلية خبر إن ، وجملة إن وما في حيزها في موضع نصب على الحال (لَكَبِيرَةً) اللام هي الفارقة ، وكبيرة : خبر كانت (إِلَّا) أداة استثناء (عَلَى الَّذِينَ) الجار والمجرور في موضع نصب على الاستثناء ، والمستثنى منه محذوف تقديره : وإن كانت لكبيرة على الناس إلا على الناس الذين هداهم الله ، ولك أن تجعل «إلا» أداة حصر لأن الكلام غير تام أو لتضمنه معنى النفي فيتعلق الجار والمجرور بكبيرة (هَدَى اللهُ) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة

٢٠٢

الذين (وَما) الواو عاطفة ، وما نافية (كانَ اللهُ) كان واسمها (لِيُضِيعَ) اللام لام الجحود وهي مسبوقة بكون منفي ، ويضيع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود ، وخبر كان محذوف تقديره مريدا ، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف (إِيمانَكُمْ) مفعول به (إِنَّ اللهَ) ان واسمها (بِالنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان برؤوف أو رحيم (لَرَؤُفٌ) اللام هي المزحلقة ، ورؤوف خبر إن الأول (رَحِيمٌ) خبر إنّ الثاني ، وجملة إن وما في حيزها لا محلّ لها لأنها تعليلية.

البلاغة :

١ ـ التورية في قوله : «وسطا» فالمعنى القريب الظاهر للوسط هو التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين ، ومعناه البعيد المراد هو الخيار كما تقدم في باب اللغة.

٢ ـ الكناية في الوسط أيضا عن غاية العدالة كأنه الميزان الذي لا يحابي ولا يميل مع أحد.

٣ ـ المجاز المرسل في قوله : «على عقبيه» والعلاقة هي المصير والمآل ، فليس ثمة أسمج ولا أقبح من رؤية الإنسان معكوس الخلقة ، مخالفا للمألوف المعتاد.

٤ ـ التقديم والتأخير : فقد قدم «شهداء» على صلته وهي «على الناس» ، وأخر «شهيدا» عن صلته وهي «عليكم» لأن المنّة عليهم في الجانبين ففي الاول بثبوت كونهم شهداء ، وفي الثاني بثبوت كونهم مشهودا لهم بالتزكية ، والمقدم دائما هو الأهم.

٢٠٣

الفوائد :

١ ـ لا مندوحة لنا عن إيراد بعض الأقوال الجديرة بالاهتمام ، فقد أورد العلماء خمسة أعاريب لهذه الآية يضيق المجال عن إيرادها وقد أوردنا ما اخترناه منها واختاره الزمخشري ، واختار الجلال أن تكون «القبلة» المفعول الثاني مقدما و «التي كنت عليها» هو المفعول الأول محتجا بأن التصيير هو الانتقال من حال الى حال ، فالمتلبس بالحالة الثانية هو المفعول الثاني ، ألا ترى أنك تقول : جعلت الطين خزفا. واختاره أبو حيان. وقيل «القبلة» هي المفعول الأول و «التي كنت عليها» صفة ، أما المفعول الثاني فهو محذوف تقديره منسوخا أو نحوه.

لمحة تاريخية :

فقد اتفق الجميع على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الى صخرة بيد المقدس بعد الهجرة مدة ، ثم أمر بالصلاة إلى الكعبة ، وإنما اختلفوا في قبلته بمكة هل كانت الكعبة أو بيت المقدس ، والمرويّ عن أئمة أهل البيت أنها كانت بيت المقدس ، ثم لا يخفى أن الجعل في الآية مركب لا بسيط ، وقوله تعالى : «التي كنت عليها» ثاني مفعوليه كما نص عليه أكثر المفسرين ، وأما القائلون بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة الى الكعبة ، فالجعل عندهم يحتمل أن يكون منسوخا باعتبار الصلاة بالمدينة مدة الى بيت المقدس ، وأن يكون جعلا ناسخا باعتبار الصلاة بمكة ، وقال الرازي : إن قوله تعالى «التي كنت عليها» ليس نعتا للقبلة وإنما هو ثاني مفعولي جعلنا ، هذا وسميت الكعبة كعبة لتربيعها وسيأتي مزيد بحث بذلك.

٢٠٤

٢ ـ إذا خففت «إنّ» دخلت على الجملتين الفعلية والاسمية ، فان دخلت على الاسمية جاز إعمالها وإهمالها ، والأكثر الإهمال. وإن دخلت على الفعلية وجب إهمالها ، والأكثر أن يكون الفعل ماضيا ناسخا ، لأن العرب لما أخرجوها عن وضعها الاصلي بدخولها على الفعل أرادوا أن يكون ذلك الفعل من أفعال المبتدأ والخبر لئلا يزول عنها وضعها كليا كما ترى في الآية ، ولا بد من دخول «لام» بعدها تسمى اللام الفارقة للفرق بينها وبين «إن» النافية.

٣ ـ لام الجحود أي لام الإنكار ، هي الواقعة بعد كون ماض منفيّ ، وخبر كان مختلف فيه فقيل : هو محذوف يقدّر بحسب المقام وتتعلق به لام الجحود مع المصدر المجرور بها ، لأن «أن» المصدرية تضمر بعدها وجوبا ، وقيل الجار والمجرور في محل الخبر ، وهذا أسهل ولكن الاول أشهر وأضبط لاستقامة الخبر.

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤))

اللغة :

(شَطْرَ) للشطر في كلام العرب وجهان : فأحدهما النصف ، ومن ذلك قولهم «شاطرتك مالي». والوجه الآخر : القصد ، يقال :«خذ شطر زيد» أي قصده ، وهو المراد هنا ، ومنه قولهم : «حلبت

٢٠٥

الدهر أشطره» أي مرّ بي خيره وشره ، ومنه سميّ الشاطر وهو من أعيا أهله خبثا.

الاعراب :

(قَدْ) هنا للتكثير بقرينة ذكر التقلب ، والتكثير بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا فهو محال على الله تعالى (نَرى) فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن (تَقَلُّبَ) مفعول به (وَجْهِكَ) مضاف اليه (فِي السَّماءِ) الجار والمجرور متعلقان بتقلب لأنه مصدر (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) الفاء عاطفة للتعليل ، واللام موطّئة للقسم ، ونولينك : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن ، والكاف مفعول به أول (قِبْلَةً) مفعول به ثان ويجوز نصبها على نزع الخافض (تَرْضاها) فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت ، و «ها» مفعول به. والجملة صفة لقبلة ، وجملة فلنولينك لا محل لها لأنها تعليلية (فَوَلِّ) الفاء هي الفصيحة ، وول فعل أمر مبني على حذف حرف العلة. وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت (وَجْهِكَ) مفعول به ، والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة (شَطْرَ الْمَسْجِدِ) مفعول فيه ظرف مكان متعلق بولّ ، والمسجد مضاف اليه (الْحَرامِ) صفة للمسجد وجملة فولّ لا محل لها .. (وَحَيْثُ ما) الواو استئنافية ، وحيثما اسم شرط جازم في محل نصب على الظرفية متعلق بمحذوف خير كنتم المقدم (كُنْتُمْ) كان فعل ماض ناقص واسمها ، والجملة في محل جزم فعل الشرط ، وكان القياس أن تكون في محل جر بالاضافة لو لا المانع وهو كونها من عوامل الافعال (فَوَلُّوا) الفاء رابطة للجواب لأنه طلبي ، وولوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة

٢٠٦

والواو فاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط (وُجُوهَكُمْ) مفعول به (شَطْرَهُ) ظرف مكان متعلق بولوا (وَإِنَّ الَّذِينَ) الواو استئنافية ، وان واسمها (أُوتُوا الْكِتابَ) الجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول ، والكتاب مفعول ثان لأوتوا ، والأول هو النائب للفاعل وهو الواو (لَيَعْلَمُونَ) اللام هي المزحلقة ، وجملة يعلمون خبر إن (أَنَّهُ الْحَقُّ) أن واسمها وخبرها ، وقد سدت مسد مفعولي يعلمون (مِنْ رَبِّهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال (وَمَا) الواو استئنافية ، وما نافية حجازية تعمل عمل ليس (اللهُ) اسم ما (بِغافِلٍ) الباء حرف جر زائد ، وغافل مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما (عَمَّا) الجار والمجرور متعلقان بغافل (يَعْمَلُونَ) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة ما.

الفوائد :

١ ـ (حَيْثُ ما) اسم شرط جازم محله النصب على الظرفية المكانية ، وأصله حيث ، وزيدت ما فكان اسما جازما ، و «حيث» ظرف مكان مبني على الضم ، وهو مضاف الى الجمل ، فهو يقتضي جر ما بعده ، وما اقتضى الجر لا يقتضي الجزم فلما وصلت ب (ما) زال عنها معنى الاضافة كما تقدم.

٢ ـ لمحة تاريخية :

قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم توجّه الى الكعبة وكان ذلك في رجب قبل موقعة بدر بشهرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد سلمة ، وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر أو العصر فتحول في الصلاة

٢٠٧

واستقبل القبلة ، وحوّل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فسمي المسجد مسجد القبلتين ، والحكمة في ذلك واضحة بل هي أروع ما تصل اليه المعاملة الانسانية التي تستهدف قبل كل شيء استمالة القلوب وتلين العواطف ، بيد أن ذلك لم يجد شيئا في ازالة التحجر الذي ران على قلوب اليهود ، وقد علل القرآن هذا التحجر بالآية التالية :(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥))

الاعراب :

(وَلَئِنْ) الواو استئنافية ، واللام موطّئة للقسم ، وإن شرطية (أَتَيْتَ) فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط ، والتاء فاعل (الَّذِينَ) اسم موصول في محل نصب مفعول به (أُوتُوا الْكِتابَ) فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل ، والكتاب مفعول أوتوا الثاني (بِكُلِّ آيَةٍ) الجار والمجرور متعلقان بأتيت (ما) نافية (تَبِعُوا) فعل ماض وفاعل (قِبْلَتَكَ) مفعول به ، والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم ، وقد أغنت عن جواب الشرط لتقدم القسم ، وإذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للمتقدم منهما (وَما) الواو عاطفة ، وما نافية حجازية (أَنْتَ) اسم ما (بِتابِعٍ) الباء حرف جر زائد ، وتابع مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما (قِبْلَتَهُمْ) مفعول به لاسم

٢٠٨

الفاعل تابع ، وهذه الجملة معطوفة على ما سبق (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) الجملة عطف على سابقتها (وَلَئِنْ) الواو استئنافية ، ولئن تقدم إعرابها (اتَّبَعْتَ) فعل وفاعل (أَهْواءَهُمْ) مفعول به (مِنْ بَعْدِ) الجار والمجرور متعلقان باتبعت (ما) اسم موصول في محل جر بالاضافة (جاءَكَ) الجملة لا محلّ لها لأنها صلة ما (مِنَ الْعِلْمِ) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال (إِنَّكَ) ان واسمها (إِذاً) حرف جواب وجزاء ، وهي مهملة جيء بها لتوكيد القسم (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) اللام هي المزحلقة ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر إن ، وجملة إن وما في حيزها لا محلّ لها لأنها جواب القسم ولذلك لم ترتبط بالفاء.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧))

اللغة :

(الامتراء) : الشك ، وقد يساور الغافلين سؤال وهو : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يشك في أن الحق من ربه حتى نهي عن الشك؟ والجواب : إن ذلك هو الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب والمراد به غيره.

الاعراب :

(الَّذِينَ) اسم موصول مبتدأ (آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) فعل وفاعل ومفعول به ، والكتاب مفعول به ثان لآتيناهم والجملة الفعلية لا محل

٢٠٩

لها لأنها صلة الذين (يَعْرِفُونَهُ) فعل مضارع وفاعله ومفعوله ، وجملة يعرفونه خبر الذين (كَما) الكاف حرف جر ، وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف هو المفعول المطلق (يَعْرِفُونَ) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي وهو ما المصدرية (أَبْناءَهُمْ) مفعول به (وَإِنَّ فَرِيقاً) الواو حالية ، وان واسمها ، والجملة نصب على الحال ، ولك أن تجعل الواو استئنافية فتكون الجملة مستأنفة لتقرير حالتهم (مِنْهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لفريقا (لَيَكْتُمُونَ) اللام هي المزحلقة ، ويكتمون فعل وفاعل (الْحَقَّ) مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر إن (وَهُمْ) الواو حالية ، وهم مبتدأ (يَعْلَمُونَ) الجملة الفعلية خبر هم ، والجملة بعد الواو في محل نصب على الحال (الْحَقُّ) مبتدأ (مِنْ رَبِّكَ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر والجملة استئنافية ، (فَلا) الفاء استئنافية ولا ناهية (تَكُونَنَّ) جملة تكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا الناهية ، واسم تكونن ضمير مستتر تقديره أنت (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر.

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨))

اللغة :

(وِجْهَةٌ) بضم الواو وكسرها وهي الجهة التي تتجه إليها ، يقال :ضلّ وجهة أمره أي جهته ، والجهة مثلثة الجيم والكسر أشهر.

٢١٠

الاعراب :

(وَلِكُلٍّ) الواو استئنافية ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (وِجْهَةٌ) مبتدأ مؤخر (هُوَ) مبتدأ (مُوَلِّيها) خبر ، والجملة الاسمية صفة لوجهة (فَاسْتَبِقُوا) الفاء هي الفصيحة ، أي إذا أردتم معرفة الأصوب فاستبقوا ، واستبقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل (الْخَيْراتِ) منصوب بنزع الخافض لأن استبق لازم ، أي الى الخيرات ، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط مقدر (أَيْنَ ما) اسم شرط جازم منصوب على الظرفية المكانية ، وهو متعلق بمحذوف خبر تكونوا المقدم (تَكُونُوا) فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط والواو اسمها وجملة تكونوا استئنافية (يَأْتِ) جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة (بِكُمُ) جار ومجرور متعلقان بيأت (اللهُ) فاعل (جَمِيعاً) حال (إِنَّ اللهَ) ان واسمها (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) الجار والمجرور متعلقان بقدير (قَدِيرٌ) خبر إن ، والجملة تعليلية لا محل لها.

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩))

الاعراب :

(وَمِنْ حَيْثُ) : الواو استئنافية ، والجار والمجرور ظاهرهما أنهما متعلقان بول ، ولكن فيه إعمال ما بعد الفاء فيما قبلها وهو ممتنع ، غير أن المعنى متوقف على هذا الظاهر ، فالأولى تعليقهما بفعل

٢١١

محذوف يفسره فولّ أي ولّ وجهك من حيث خرجت (خَرَجْتَ) فعل وفاعل ، والجملة الفعلية في محل جر بالاضافة (فَوَلِّ) الفاء رابطة لما في «حيث» من رائحة الشرط ، وولّ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والجملة لا محل لها لأنها مفسرة (وَجْهَكَ) مفعول به (شَطْرَ الْمَسْجِدِ) ظرف مكان متعلق بولّ ، والمسجد مضاف اليه (الْحَرامِ) صفة (وَإِنَّهُ) الواو عاطفة أو حالية ، وان واسمها (لَلْحَقُّ) اللام هي المزحلقة ، والحق خبر إنّ (مِنْ رَبِّكَ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) تقدم إعرابه.

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠) كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١))

الاعراب :

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) تقدم اعرابها وهي تأكيد ثان ، وكرر الكلام لتشديد أمر القبلة وإماطة الشبهة بعد أن طرأ النسخ على القبلة التي هي بيت المقدس (وَحَيْثُ ما

٢١٢

كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) تأكيد ثالث لئلا تبقى للمعاندين حجة في نظرهم ينفذون منها أو ثغرة يتسرّبون الى الإرجاف عن طريقها (لِئَلَّا) اللام هي لام التعليل وأن المدغمة بلا النافية حرف مصدري ونصب (يَكُونَ) فعل مضارع ناقص منصوب بأن والجار والمجرور «اللام والمصدر المؤول» متعلقان بولوا (لِلنَّاسِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكون المقدم. (عَلَيْكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لحجة فلما تقدمت الصفة على الموصوف أعربت حالا كما هي القاعدة (حُجَّةٌ) اسم يكون المرفوع المؤخر (إِلَّا) أداة استثناء (الَّذِينَ) مستثنى متصل من الناس (ظَلَمُوا) الجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول (مِنْهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال (فَلا) الفاء هي الفصيحة أي إذا عرفتم ذلك ورسخت حقيقته في نفوسكم ولا ناهية (تَخْشَوْهُمْ) فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به (وَاخْشَوْنِي) الواو عاطفة واخشوا فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة والنون للوقاية والواو فاعل والياء مفعول به (وَلِأُتِمَّ) عطف على لئلا يكون فهو علة ثانية (نِعْمَتِي) مفعول به والياء مضاف إليه (عَلَيْكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بأتمّ (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الواو عاطفة ولعل واسمها ، وجملة تهتدون خبرها (كَما أَرْسَلْنا) الكاف حرف جر وما مصدرية وأرسلنا فعل وفاعل والكاف ومجرورها المصدر المؤول في موضع نصب على المفعول المطلق وأعربه سيبويه حالا (فِيكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بأرسلنا (رَسُولاً) مفعول به (مِنْكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة (يَتْلُوا) الجملة الفعلية صفة ثانية لرسولا (عَلَيْكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بيتلو (آياتِنا) مفعول به ونا مضاف اليه (وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ)

٢١٣

الفعلان المضارعان معطوفان على يتلو (الْكِتابَ) مفعول به (وَالْحِكْمَةَ) عطف على الكتاب (وَيُعَلِّمُكُمُ) معطوف على ما تقدم والكاف مفعول به أول (ما) اسم موصول مفعول به ثان (لَمْ) حرف نفي وقلب وجزم (تَكُونُوا) فعل مضارع ناقص مجزوم بلم والواو اسمها والجملة الفعلية صلة ما (تَعْلَمُونَ) الجملة الفعلية خبر تكونوا.

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤))

الاعراب :

(فَاذْكُرُونِي) الفاء هي الفصيحة أي إذا شئتم الاهتداء الى محجّة الصواب فاذكروني ، واذكروني : فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به (أَذْكُرْكُمْ) فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به (وَاشْكُرُوا) عطف على اذكروني ، وشكر يتعدى بنفسه تارة وتارة بحرف الجر على حد سواء (لِي) جار ومجرور متعلقان باشكروا (وَلا) الواو حرف عطف ولا ناهية (تَكْفُرُونِ) فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء المحذوفة لمناسبة فواصل الآي مفعول به والكسرة دليل عليها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها كثيرا (اسْتَعِينُوا) فعل أمر مبني

٢١٤

على حذف النون والواو فاعل (بِالصَّبْرِ) الجار والمجرور متعلقان باستعينوا (وَالصَّلاةِ) عطف على الصبر (إِنَّ اللهَ) ان واسمها (مَعَ الصَّابِرِينَ) مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر والصابرين مضاف اليه. وجملة ان وما في حيزها اسمية لا محل لها لأنها تعليلية (وَلا تَقُولُوا) الواو عاطفة على ما تقدم ولا ناهية وتقولوا فعل مضارع مجزوم بلا (لِمَنْ) الجار والمجرور متعلقان بتقولوا وجملة (يُقْتَلُ) صلة الموصول لا محل لها (فِي سَبِيلِ اللهِ) الجار والمجرور متعلقان بيقتل (أَمْواتٌ) خبر لمبتدأ محذوف أي هم أموات والجملة الاسمية مقول القول (بَلْ) حرف إضراب وعطف (أَحْياءٌ) خبر لمبتدأ محذوف والجملة معطوفة على جملة هم أموات (وَلكِنْ) الواو حالية ولكن مخففة من الثقيلة فهي لمجرد الاستدراك (لا) نافية (تَشْعُرُونَ) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الافعال الخمسة والجملة نصب على الحال.

البلاغة :

١ ـ الإيجاز في الآية الاخيرة وهو إيجاز الحذف فقد حذف المبتدأ لأهمية ذكر الخبر لأنهم ما كانوا يتصورون أنهم أحياء ففند سبحانه هذه البدائية العجيلة تصويرا رشيقا.

٢ ـ الطباق بين أموات وأحياء في الآية هو طباق رشيق لا تكلف فيه.

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))

٢١٥

اللغة :

(البلاء) : الاختبار والامتحان.

الاعراب :

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) الواو استئنافية واللام موطّئة للقسم ونبلونّ فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل مستتر وجوبا تقديره نحن والكاف مفعول به (بِشَيْءٍ) الجار والمجرور متعلقان بنبلونكم (مِنَ الْخَوْفِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لشيء ، وجملة نبلونكم لا محل لها لأنها جواب قسم محذوف وطّأت له اللام وقد اقترنت بنون التوكيد الثقيلة لأنه مضارع مثبت مستقبل متصل بلامه (وَالْجُوعِ) عطف على الخوف (وَنَقْصٍ) عطف أيضا (مِنَ الْأَمْوالِ) الجار والمجرور متعلقان بنقص لأنه مصدر نقص ، أو بمحذوف صفة لنقص لأنه نكرة (وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) معطوفان على الأموال وجملة القسم وجوابه مستأنفة مسوقة لاختبار أحوالهم ومدى صبرهم على البلاء واستسلامهم للقضاء بشيء من الخوف والجوع (وَبَشِّرِ) الواو عاطفة وبشر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت (الصَّابِرِينَ) مفعول به وجملة بشر معطوفة على ولنبلونكم ولا تقل إنه فعل طلبي فكلاهما مضمونه طلبي ، فهو من باب عطف المضمون على المضمون ، أي أن الابتلاء حاصل وقت البلاء ووقت البشارة (الَّذِينَ) صفة

٢١٦

للصابرين (إِذا) ظرف لما يستقبل من الزمن متعلق بجوابه وهو قالوا (أَصابَتْهُمْ) الجملة في محل جر بالاضافة (مُصِيبَةٌ) فاعل وجملة الشرط وجوابه لا محل لها لأنها صلة الموصول (قالُوا) الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (إِنَّا) ان واسمها (لِلَّهِ) الجار والمجرور متعلقان براجعون (وَإِنَّا إِلَيْهِ) عطف على جملة انا الله (راجِعُونَ) خبر إن (أُولئِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (عَلَيْهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (صَلَواتٌ) مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر اسم الاشارة (مِنْ رَبِّهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لصلوات (وَرَحْمَةٌ) عطف على صلوات وجملة الاشارة وما بعدها مستأنفة مسوقة لبيان ما بشروا به (وَأُولئِكَ) الواو عاطفة وأولئك مبتدأ (هُمُ) مبتدأ ثان أو ضمير فصل لا محل له (الْمُهْتَدُونَ) خبر «هم» أو خبر أولئك والجملة خبر أولئك.

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨))

اللغة :

(الصَّفا) : جبل بمكة ، وأصل معنى الصفا أنه جمع صفاة أي الصخرة الملساء. وألفها منقلبة عن واو (الْمَرْوَةَ) جبل بمكة أيضا.

وأصل معنى المروة الحجارة الرخوة وقيل : التي فيها صلابة.

٢١٧

قال أبو ذؤيب :

حتى كأنّي للحوادث مروة

بصفا المشقّر كلّ يوم تقرع

(الشعائر) : جمع شعيرة وهي العلامة.

(حَجَّ) : قصد.

(اعْتَمَرَ) : زار البيت المعظم على الوجه المشروع.

ثم صار الحج والعمرة علمين لقصد البيت وزيارته.

(لا جناح) الجناح : الميل الى المأثم ، ثم أطلق على الإثم ، يقال : جنح الى الشيء أي مال اليه ، ومنه جنح الليل أي ميله بظلمته ، وجنح الطائر وجناحه.

الاعراب :

(إِنَّ الصَّفا) إن واسمها (وَالْمَرْوَةَ) عطف على الصفا (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر إن والجملة ابتدائية لا محل لها (فَمَنْ) الفاء استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ (حَجَّ الْبَيْتَ) حج فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله مستتر يعود على من والبيت مفعول به (أَوِ اعْتَمَرَ) أو حرف عطف واعتمر فعل ماض معطوف على حج (فَلا جُناحَ) الفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية ولا نافية للجنس وجناح اسمها المبني على الفتح (عَلَيْهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لا (أَنْ يَطَّوَّفَ) أن المصدرية وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي في أن يطوف (بِهِما) الجار والمجرور متعلقان بيطوف. وجملة فلا جناح عليه في

٢١٨

محل جزم جواب الشرط وجملة فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من (وَمَنْ تَطَوَّعَ) الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ وتطوع فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله مستتر تقديره هو (خَيْراً) صفة لمصدر محذوف فهو مفعول مطلق أي يتطوع تطوعا خيرا. ولك أن تعربه منصوبا بنزع الخافض أي بخير ، واختار سيبويه أن يعرب حالا من المصدر المقدر معرفة ، ولو لم يكن سيبويه قائله لخطّأته (فَإِنَّ اللهَ) الفاء رابطة لجواب الشرط وإن واسمها (شاكِرٌ عَلِيمٌ) خبر ان لإن وجملة فإن الله في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠))

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ) إن واسمها (يَكْتُمُونَ) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل ، والجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول ، وجملة إن وما في حيّزها مستأنفة مسوقة لبيان حكم من كتم شيئا من أحكام الدين بصورة عامة ، وقد نزلت في حقّ اليهود الذين يجمجمون حبا للجدل والمكابرة ، وخصوص السبب لا يمنع من عموم الحكم (ما) مفعول يكتمون (أَنْزَلْنا) فعل وفاعل والعائد محذوف أي أنزلناه ، والجملة

٢١٩

لا محل لها لأنها صلة الموصول (مِنَ الْبَيِّناتِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال ، أي حالة كونها مبينة شاهدة بالحقائق. وقد ألمعت الآية الى محاولة اليهود إخفاء بعض الآيات الدّالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو التي تصوّر عيوبهم وآثامهم التي يرتكبونها (وَالْهُدى) عطف على البينات (مِنْ بَعْدِ) الجار والمجرور متعلقان بيكتمون (ما بَيَّنَّاهُ) ما مصدرية وبيناه فعل وفاعل ومفعول. والمصدر المؤول في محل جر بالاضافة أي من بعد تبيانه (لِلنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان ببيناه (فِي الْكِتابِ) الجار والمجرور متعلقان ببيناه أيضا. وتعلق جار بفعل واحد عند اختلاف المعنى واللفظ جائز.

ولك أن تعلق «في الكتاب» بمحذوف حال من المفعول به أي كائنا في الكتاب (أُولئِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع والهاء مفعوله (اللهُ) فاعله والجملة الفعلية خبر اسم الاشارة (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) عطف على الجملة السابقة ، وجملة الاشارة الاسمية في محل رفع خبر إن (إِلَّا) أداة استثناء (الَّذِينَ) مستثنى من المفعول به أي الهاء في يلعنهم (تابُوا) فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة (وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) عطف على تابوا (فَأُولئِكَ) الفاء رابطة ، لأن في الموصول رائحة الشرط ، واسم الاشارة مبتدأ (أَتُوبُ) فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا ، وجملة أتوب خبر اسم الاشارة وجملة الاشارة استئنافية (عَلَيْهِمْ) متعلقان بأتوب (وَأَنَا) الواو عاطفة وأنا مبتدأ (التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) خبر ان لأنا والجملة معطوفة.

البلاغة :

١ ـ التكرير في ذكر اللعن ، والغاية منه التأكيد في الذم.

٢ ـ الالتفات في قوله «يلعنهم الله» وكان السياق يقتضي بأن

٢٢٠