تفسير القرآن العظيم - ج ٦

عبد الرحمن بن محمّد ابن إدريس الرازي ابن أبي حاتم

تفسير القرآن العظيم - ج ٦

المؤلف:

عبد الرحمن بن محمّد ابن إدريس الرازي ابن أبي حاتم


المحقق: أسعد محمّد الطيّب
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٥

القرآن وعلومه تفسير

صادقا ، لنحن أشر من الحمير ثم رفع ذلك إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجحد القائل فأنزل الله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) فكان ما أنزل من هذه الآية تصديقا لقول زيد.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ).

[١٠٤٠١] حدثنا أبي ثنا الحسن بن الربيع ثنا عبد الله بن إدريس قال : ابن إسحاق : فحدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده كعب قال : لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين وما قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ، قال الجلاس : والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن أشر من الحمير ، قال : فسمعها عمير بن سعد فقال : والله يا جلاس ، إنك لأحب الناس إلى ، أحسنهم عندي أثرا أو أعزهم على أن يدخل عليه شيء يكرهه ، ولقد قلت : مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ، ولئن سكت عنها لتهلكني ، ولأحدهما أشر علي من الأخرى ، فمشى إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر له ما قال الجلاس ، فحلف بالله ما قال عمير ، ولقد كذب علىّ ، فأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)

قوله تعالى : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ).

[١٠٤٠٢] حدثنا محمد بن يحيى أنبا محمد بن عمرو زنيج أنبا سلمة قال : قال محمد بن إسحاق : فيما ثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك ، وقال : لئن كان هذا الرجل صادقا ؛ لنحن أشهر من الحمر ، فرفع عمير بن سعد إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالله لقد كذب علي عمير وما قلت : ما قال عمير بن سعد ، فأنزل الله تعالي فيه (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) فزعموا أنه تاب وحسنت توبته ، حتى عرف منه الإسلام والخير.

والوجه الثاني :

[١٠٤٠٣] حدثنا محمد بن يحيي أنبا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) إلى قوله : (وَما لَهُمْ

١٠١

فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) قال : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، أحدهما من جهينة ، والآخر من غفار ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاري علي الجهني فنادى عبد الله بن أبي : يا بني أوس ، انصروا أخاكم ، وقال : والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، وقال : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأرسل نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأله فحلف بالله ما قالوا ؛ فأنزل الله في ذلك القرآن (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا).

والوجه الثالث :

[١٠١١١] ذكره أحمد بن محمد بن أبي أسلم ثنا إسحاق بن راهوية أنبا محمد بن ... يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه وكان قد خرج من المدينة محاربا لله ـ ق إ (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) وهم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة العقبة وكانوا قوما قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم معه في بعض أسفاره ؛ فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلا ، قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، فسمع حذيفة وهو يسوق بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان قائده تلك الليلة عمار بن ياسر ، وسائقه حذيفة بن اليمان فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل ، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين ، فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا ، ومضى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى نزل منزله الذي أراد فلما أصبح أرسل إليهم كلهم ، فقال : أردتم كذا وكذا ، فحلفوا بالله ما قالوا ، ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا).

قوله تعالى : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا).

[١٠٠٠٠] حدثنا محمد بن عبادة بن البختري الواسطي ثنا يزيد ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : أنزل الله (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) قال : وكان الجلاس اشترى فرسا ؛ ليقتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

١٠٢

والوجه الثاني :

[١٠٠٠٢] حدثنا علي بن الحسين ثنا محمد بن علي بن حمزة ثنا يحيي بن عبد الله بن المبارك عن شريك عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) قال : هم رجل يقال له : الأسود بقتل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

والوجه الثالث :

[١٠٠٠٣] بدالر حدثنا حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبى نجيح عن مجاهد ، (١) قوله : (كَلِمَةَ الْكُفْرِ) قال أحدهم : لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن أشر من الحمير ، فقال له رجل من المؤمنين : فو الله إنما يقول الحق ، ولأنت أشر من حمار ، فهم بقتله المنافق ، فذلك همهم (بِما لَمْ يَنالُوا).

والوجه الرابع :

[١٠٠٠٤] حدثنا علي بن الحسين ثنا إسماعيل بن إبراهيم الواسطي ثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن السدى (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) قال : أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبى ، قالوا : وإن لم يرض محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

قوله تعالى : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ)

[١٠٠٠٥] حدثنا أحمد بن الحسن البغدادي ثنا محمد بن سنان ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل الدية اثنى عشر ألفا وذلك قوله : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) قال : بأخذهم الدية.

[١٠٤٠٠] حدثنا أبي ثنا يسرة بن صفوان ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار قال : سمعت عكرمة يقول : قتل رجل من بني عدي بن كعب رجلا من الأنصار ، فقضى النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في ديته باثنى عشر ألف درهم ، قال : فقال الله ـ عز وجل ـ (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعني : ما أخذوا من الدية.

__________________

(١) التفسير ١ / ٢٨٤.

١٠٣

[١٠٤٠١] حدثنا محمد بن يحيي أنبا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قوله : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) قال : كانت لعبد الله بن أبى دية فأخرجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له.

والوجه الثاني :

[١٠٤٠٢] حدثنا أبي ثنا الحكم بن موسى ثنا عباد بن عباد المهلبي عن هشام بن عروة عن أبيه (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) قال : كان جلاس تحمل حمالة أو كان عليه دين ، فأدى عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذلك قوله : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ (وَرَسُولُهُ) مِنْ فَضْلِهِ).

قوله تعالى : (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ)

[١٠٤٠٣] حدثنا أبي ، ثنا الحكم بن موسى ثنا عباد بن عباد المهلبي عن هشام بن عروة عن أبيه (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) وقد كان جلاس بن سويد الأنصاري قال صدق عمير بن سعد والله يا رسول الله ، يعني : فيما كان أدى عنه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله : إن كان الذي يقول محمد حقا فإنه أشر من الحمار ، ـ وما كان حلف إنه لم يقله ـ ، فقال : قد قلت يا رسول الله ، وقد عرض الله عليّ التوبة ، وإني أتوب إلى الله وأستغفره من قولي فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لعمير : وفت أذنك ، وصدقك ربك.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) آية ٧٤

[١٠٤٠٤] حدثنا محمد بن يحيى أنبا أبو غسان ثنا سلمة قال : قال محمد بن إسحاق : قوله : (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) قال : على كفرهم.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ). آية ٧٥

[١٠٤٠٥] حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا محبوب بن محرز القواريري عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله : اعتبروا المنافق بثلاث : إن حدث كذب ، وإن وعد أخلف ، وإن عاهد غدر ، وذلك بأن الله يقول : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) الآية.

١٠٤

قوله تعالى : (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) إلى (الصَّالِحِينَ).

[١٠٤٠٦] حدثنا أبي ثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا معان بن رفاعة السلامي عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الهلالي ، أنه أخبره عن القاسم أبي عبد الرحمن وهو مولى عبد الرحمن بن معاوية ، أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أنه قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ادع الله أن يرزقني مالا فقال : ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، قال : ثم قال مرة أخرى ، فقال : ما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تسيل معي الجبال ذهبا وفضة لسالت ، قال : والذي بعثك بالحق ، لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللهم ارزقه مالا ، اللهم ارزق ثعلبة مالا ، قال : فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ، فأنزل الله فيه (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ).

[١٠٤٠٧] حدثنا حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبى نجيح عن مجاهد (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) رجلان خرجا على ملاء قعود ، قالا : والله لئن رزقنا الله من فضله لنصدقن ، فلما رزقهم الله (بَخِلُوا بِهِ).

قوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) آية ٧٦

[١٠٤٠٨] حدثنا أبي ثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن شعيب ثنا معان بن رفاعة السلامي عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الهلالي ، أنه أخبره عن القاسم أبي عبد الرحمن : أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب : أنه قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ادع الله أن يرزقني مالا ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللهمّ ارزقه مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا ، قال : فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة ، فتنحى عن المنزل فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويترك ما سواهما ، ثم نمت فكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة ، وطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة يسألهم عن الأخبار ، فسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه فقال :

١٠٥

ما فعل ثعلبة؟ فقالوا : يا رسول الله ، اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة ، وأخبروه بأمره فقال : يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ، قال : وأنزل الله ـ تبارك وتعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) وأنزل الله عليه فرائض الصدقة ، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلين على الصدقة رجلا من جهينة ورجلا من بني سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة وأسنان الإبل ، وأمرهما أن يخرجا فيأخذا الصدقة ، قال لهما مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم ، فخذا صدقاتهما ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتبا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذه؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ ، فانطلقا ، وسمع بهما السلمي ، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلهما للصدقة ، ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ منك هذا ، قال : بلى فخذوا ، فإن نفسي بذلك طيبة ، وإنما هي لي ، فأخذوها منه فلما فرغا من صدقاتهما ، رجعا حتى مرا بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما ، فنظر فيه فقال : ما هذا إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلمي فأنزل الله فيه : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) إلى قوله : (يَكْذِبُونَ) وعند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فانطلق حتى أتي ثعلبة فقال : ويح يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأله أن يقبل منه صدقته فقال : إن الله قد منعني أن أقبل منك صدقتك ، فجعل يحثو علي رأسه التراب ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني فلما أبي أن يقبض منه شيئا رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا أتى أبا بكر حين استخلف فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي فقال أبو بكر : لم يقبلها منك رسول الله وأقبلها أنا! فقبض أبو بكر ولم يقبلها ، فلما ولى عمر أتاه فقال : يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال : لم يقبلها منك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك! فلم يقبضها فقبض عمر ولم يقبلها ثم ولى عثمان فأتاه فسأله أن يقبض صدقته فقال : لم يقبلها منك رسول الله ـ صلى

١٠٦

الله عليه وسلم ـ ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين (١).

قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)

[١٠٤٠٩] حدثنا عبد الله بن سليمان ثنا الحسين بن علي ثنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ). فسمى منافقا بغير جحود بالله ورسوله ولا شك فيهما ولا في شيء مما جاء به ؛ ولكن بخلفه وكذبه.

قوله تعالى : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ)

[١٠٥٠٠] أخبرنا محمد بن سعد العوفي فيما كتب إلى ثنا أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) : وذلك أن رجلا كان يقال له : ثعلبة بن أبي حاطب من الأنصار أتي مجلسا فأشهدهم فقال : لئن آتاني الله من فضله ، آتيت منه كل ذي حق حقه ، وتصدقت منه ووصلت القرابة فابتلاه الله ونما كانوا يكذبون فآتاه من فضله ، فأخلف الله ما وعده فأغضب الله بما أخلفه ما وعده فقص الله عز وجل شأنه في القرآن.

[١٠٥٠١] حدثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) حين قالوا : (لَنَصَّدَّقَنَ) فلم يفعلوا.

قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) آية ٧٨

[١٠٥٠٢] حدثنا أبو سعد الأشج ثنا هاني بن سعيد عن جويبر عن الضحاك (يَعْلَمُ السِّرَّ) قال : يعلم ما هو أخفى من السر مما لم يعمله وهو عامله.

__________________

(١) ابن كثير ٤ / ١٢٥.

١٠٧

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) آية ٧٩

[١٠٥٠٣] حدثنا علي بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد عن قتادة قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فِي الصَّدَقاتِ) أي : يطعنون على المطوعين في الصدقات.

[١٠٥٠٤] حدثنا أبي ثنا عيسى بن يونس الرملي ثنا مؤمل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أو غيره : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا الناس بصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف فقال : يا رسول الله ، هذه صدقة فلمزه بعض القوم فقال : ما جاء بهذه عبد الرحمن إلا رياء ، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال بعض القوم : ما كان الله أغنى عن صاع أبي عقيل فنزلت (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) إلى قوله : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).

قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ)

[١٠٥٠٥] حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ثنا أبو يزيد الهروي ثنا شعبة عن الأعمش قال : سمعت أبا وائل عن أبي مسعود قال : كنا نحامل في الجاهلية فجاء بنصف صاع أو بصاع وجاد رجل بشيء كثير فقالوا : إن الله لغني عن هذا وهذا مرائى فنزلت (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)

[١٠٥٠٦] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاء رجل من الأنصار بصاع من طعام فقال بعض المنافقين : والله ما جاء عبد الرحمن بن عوف ما جاء به إلّا رياء ، وقالوا : إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع.

[١٠٥٠٧] حدثنا أبى ثنا محمد بن عيسى بن الطباع ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن مجاهد قال : كان لعبد الرحمن بن عوف ثمانية آلاف دينار فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة ، قال : وجاء رجل من الأنصار بصاع تمر نزع عليه ليله كله فلما

١٠٨

أصبح جاء به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال رجل من المنافقين : أن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء ، وقال الآخر : إن الله لغني عن صاع هذا ، فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) عبد الرحمن بن عوف (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) صاحب الصاع (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

[١٠٥٠٨] حدثنا أبى ثنا أبو سلمة ومسدد قالا : ثنا أبو عوانة ثنا عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا رسول الله ، إن لي أربعة آلاف ألفين أقرضهما ربي وألفين لعيالي ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بارك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أمسكت ، وقال رجل من الأنصار : إني بت أجر الحرير فأصبت صاعين من تمر فصاع أقرضه ربي وصاع لعيالي ، فلمزه المنافقون فقالوا : والله أن أعطى ابن عوف هذا إلا رياء وقالوا : أولم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)

[١٠٥٠٩] حدثنا محمد بن عمار ثنا عبد الرحمن الدشتكي أنبا أبو جعفر الرازي عن الربيع في قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) أصاب الناس جاهد شديد ، فأمرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتصدقوا فقال : أيها الناس تصدقوا ، فجعل أناس يتصدقون ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب ، قال : يا رسول الله ، كان لي ثمانمائة أوقية من ذهب فجئت بأربعمائة أوقية ، فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ اللهم بارك له فيما أعطى وبارك له فيما أمسك.

[١٠٥٠٠] حدثنا أبو عبد الله محمد بن حماد الطهراني ، أنبا حفص بن عمر ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال : لما كان يوم فطر أخرج عبد الرحمن بن عوف مالا عظيما ، وأخرج عاصم بن عدي كذلك ، وأخرج رجل صاعين ، وآخر صاعا فقال قائل

١٠٩

من الناس : إن عبد الرحمن إنما جاء بما جاد به فخرا ورياء ، وأما صاحب الصاع والصاعين : فإن الله ورسوله أغنياء من صاع وصاع ، فسخروا بهم ، فأنزلت فيهم هذه الآية : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) الآية.

[١٠٥٠١] أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلى أنبا أصبغ بن الفرج قال : سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) : أمر رسول الله المسلمين أن يتصدقوا ، فقال عمر بن الخطاب : إنما ذلك مال وافر فآخذ نصفه قال : وافر. قال : فجئت أحمل مالا كثيرا فقال له رجل من المنافقين : أترائى يا عمر؟ قال : نعم ، أرائي الله ورسوله فوجد غيرهما فلا ، قال : وجاء رجل من الأنصار لم يكن عنده شيء فوجد نفسه يجر الحرير علي رقبته بصاعين ليلته ، فترك صاعا لعياله وجاء بصاع يحمله فقال له بعض المنافقين : إن الله ورسوله عن صاعك لغني فذلك قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ)

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)

[١٠٥٠٢] حدثنا أبي ثنا محمد بن العلاء أبو كريب ثنا زيد بن حباب أنبا موسى بن عبيدة حدثنا خالد بن يسار عن أبي عقيل عن أبيه ، أنه بات يجر الجرير على ظهره على صاعين من تمر فانقلب بأحدهما إلى أهله يتبلغون به ، وجاء بالآخر يتقرب به إلى الله ، فأتى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره ـ صلي الله عليه وسلم ـ : أنثره في الصدقة ، قال : فسخر المنافقون به وقالوا : ما كان أغنى هذا أن يتقرب إلى الله بصاع من تمر! فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) إلى آخر الآيتين (١).

[١٠٥٠٣] حدثنا أبو عبد الله محمد بن حماد الطهراني أنا حفص بن عمر أنبا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله : (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) قال : هو رفاعة بن سعد.

__________________

(١) ابن كثير ٤ / ١٢٨.

١١٠

[١٠٥٠٤] حدثنا أبي ثنا عمرو بن علي ثنا أبو معاوية الضرير ثنا عيسى بن المغيرة الحرامي عن الشعبي قال : من قرأ (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) قال : فالجاهد في القيتة والجاهد هو الجاهد.

[١٠٥٠٥] حدثنا أبي ثنا ابن أبي عمر قال : قال سفيان بن عيينة في قوله : (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) : الجاهد في ذات اليد ، والجاهد جاهد الإنسان.

قوله تعالى : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)

[١٠٥٠٦] حدثنا أبى ثنا أبو سلمة ثنا مبارك ثنا الحسن قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بصدقة عظيمة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلمزه ناس ، وقالوا : ما جاء بهذا إلا رياء ، وجاء آخرون من جاهدهم بالقليل ، فسخروا منهم وقالوا : انظروا ما جاء به هؤلاء ، والله إن الله لغني عن صدقاتهم ، فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) إلى قوله : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)

[١٠٥٠٧] حدثنا يزيد بن سنان ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق ثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : سمعت عمر يقول : لما توفى عبد الله بن أبي دعى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للصلاة عليه فقام إليه ، فلما وقف علي عدو الله عبد الله بن أبي قلت : القائل كذا وكذا ، والقائل كذا وكذا؟ أعدد أيامه ورسوله الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبتسم ، حتى إذا أكثرت قال يا عمر ، أخر عني ، إني قد خيرت قد قيل : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) فلو أعلم أني إن زدت علي السبعين غفر له لزدت.

[١٠٥٠٨] حدثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي أن عمر بن الخطاب قال : لقد أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط ، أراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصلي على عبد الله بن أبى ، فأخذت بثوبه

١١١

فقلت : والله ما أمرك الله بهذا ، لقد قال الله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خيرني ربي فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) فقدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علي شفير القبر فجعل الناس يقولون لابنه : يا حباب افعل كذا يا حباب افعل كذا فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحباب اسم شيطان ، أنت عبد الله.

[١٠٥٠٩] قرئ علي يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب قال : سمعت عبد الرحمن في قول الله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) قال : أقل أو أكثر.

قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)

[١٠٥٠٠] حدثنا هارون بن إسحاق ثنا عبدة يعني : ابن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه قال : أنزل الله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لأزيدن علي السبعين فأنزل الله تعالي (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فأبى الله أن يغفر لهم.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) الآية.

قد تقدم تفسيره.

قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) آية ٨١

[١٠٥٠١] حدثنا علي بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشير ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) أظنها في غزوة تبوك.

قوله تعالى : (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ)

[١٠٥٠٢] حدثنا أبو زرعة ثنا عبد الله بن بكير ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : في طاعة الله.

١١٢

قوله تعالى : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ)

[١٠٥٠٣] حدثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي غزوة الحر ، قالوا : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) وهي غزوة العسرة.

قوله تعالى : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ)

[١٠٥٠٤] أخبرنا محمد بن سعد فيما كتب إلى ثنا أبى ثنا عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) وذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف فقال رجل : يا رسول الله ، الحر شديد ولا نستطيع الخروج ، فلا تنفر في الحر ، فقال : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ).

قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) آية ٨٢

[١٠٥٠٥] حدثنا أبي ثنا أبو صالح كاتب الليث ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) هم المنافقون والكفار ، الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا ، يقول الله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) : في الدنيا.

[١٠٥٠٦] حدثنا أبي ثنا سويد بن سعيد ثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن سميع عن ابن عباس قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) قال : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله ، استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا.

[١٠٥٠٧] حدثنا أبي ثنا ابن نفيل ثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سميع عن أبى رزين في قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) قال : أيام الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاء لا ينقطع ، وهو الكثير ـ وروى عن الربيع بن خثيم وعون العقيلي والحسن. وقتادة وزيد بن أسلم في قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) قالوا : في الدنيا.

١١٣

قوله تعالى : (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً).

[١٠٠٣٨] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) : قال : في النار ، وروى عن الحسن وعون العقيلي ، وقتادة وزيد بن أسلم قالوا : في الآخرة.

والوجه الثاني :

[١٠٠٣٩] حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن رجاء ثنا إسرائيل عن إسماعيل أبي محمد الحنفي عن أبي رزين في قول الله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً). قال : الدنيا ، (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) قال : إذا مات بكى بكاء لا ينقطع.

[١٠٢٠٠] حدثنا أبي ثنا مقاتل بن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن أبى رزين عن الربيع بن خثيم في قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) قال : الدنيا (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) قال : الآخرة.

قوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)

[١٠٢٠١] حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا الحسين بن علي حدثنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدى قوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يقول : إن مرجعهم إلى النار.

قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ). آية ٨٣

[١٠٢٠٢] حدثنا علي بن الحسن ثنا أبو الجماهر ، ثنا سعيد بن بشير عن قتادة قوله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلا ، وفيهم قيل ما قيل.

قوله تعالى : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا)

[١٠٢٠٣] أخبرنا محمد بن سعد فيما كتب إلى ثنا أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس : فأمره الله بالخروج فتخلف عنه رجال ، فأدركتهم أنفسهم فقالوا : والله ما صنعنا شيئا ، فانطلق منهم ثلاثة ، فلحقوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما أتوه تابوا ، ثم رجعوا إلى المدينة ، فأنزل الله عز وجل : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ

١١٤

إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).

قوله تعالى : (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ).

[١٠٢٠٤] حدثنا أبي ثنا أبو صالح كاتب الليث ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) إلى قوله : (الْخالِفِينَ) والخالفين : الرجال.

قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) آية ٨٤

[١٠٢٠٥] حدثنا أبو عبيد الله ابن أخى ابن وهب ثنا شعيب بن الليث أخبرنى الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر أنه قال : يا رسول الله ، أتصلي على ابن أبى وقد قال يوم كذا : وكذا؟ أعدد عليه بعض قوله ، قال : فصلى عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الإنكار في براءة (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ).

[١٠٢٠٦] حدثنا أبي ثنا مسدد وحماد بن زاذان قالا : ثنا يحيي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له ، فأعطاه قميصه ثم قال : آذني به حتى أصلى عليه فآذنه فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال : أليس الله قد نهاك أن تصلي علي المنافقين؟! قال : أنا بين خيرتين (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فصلي عليه ، فنزلت (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) فترك الصلاة عليهم.

قوله تعالى : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) الآية ٨٤

[١٠٢٠٧] حدثنا يزيد بن سنان البصري نزيل مصر ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد بن عبد الله يعني البكائي عن محمد بن إسحاق ثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفى عبد الله ابن أبي بن سلول ودعى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للصلاة عليه فقام

١١٥

رسول الله فلما وقف على عدو الله عبد الله بن أبى بن سلول قلت : القائل كذا وكذا والقائل كذا وكذا؟ أعدد أيامه ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبتسم حتى إذا أكثرت ، قال أخر عن يا عمر ، فإني قد خيرت قد قيل : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فلو أعلم أني إن زدت علي السبعين غفر له لزدت ، قال : ثم صلى عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومشى معه حتى قام علي قبره حتى فرغ منه فعجبت لي وجرئتي علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله ورسوله أعلم ، فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) فما صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على منافق بعده حتى قبضه الله عز وجل.

قوله تعالى : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) آية ٨٥

[١٠٢٠٨] حدثنا علي بن الحسن ثنا أبو الجماهر أنبأ سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : من مقاديم الكلام ولا تعجبك أموالهم في الدنيا وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها أي : في الآخرة.

قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا).

[١٠٢٠٩] حدثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس قوله : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها) في الآخرة.

قوله تعالى : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ).

[١٠٢٠٠] أخبرنا عمرو بن ثور القيساري فيما كتب إلى ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا سفيان في قوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) في الدنيا ، (وَهُمْ كافِرُونَ).

قوله تعالى : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) الآية ٨٦

[١٠٢٠١] حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبى روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : (أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) قال : أهل الغنى ـ وروى عن قتادة : مثل ذلك.

١١٦

[١٠٢٠٢] حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ثنا محمد بن عمرو ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قوله : (اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) عبد الله بن أبى والجد ابن قيس.

قوله تعالى : (وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ)

[١٠٢٠٣] حدثنا موسى بن أبى موسى الخطمي ثنا هارون بن حاتم ثنا عبد الرحمن ابن أبي حماد عن أسباط عن السدى عن أبى مالك قوله : ذر يعني : خلّ.

قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) آية ٨٧

[١٠٢٠٤] حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب أنبا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) قال : النساء ـ وروى عن الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وشمر بن عطية وأبى مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : مثل ذلك.

[١٠٢٠٥] حدثنا عبد الله بن سليمان ، ثنا الحسين بن علي بن مهران ثنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدي (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) : وهم النساء. رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء.

قوله تعالى : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).

[١٠٢٠٦] أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد الغبري فيما كتب إلى ثنا جابر بن إسحاق ثنا أبو معشر عن سعيد المقبري في قول الله ـ عز وجل ـ : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) قال : ختم علي قلوبهم.

[١٠٢٠٧] حدثنا علي بن الحسين ثنا أبو الجماهر أنبا سعيد عن قتادة قوله : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : بأعمالهم (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).

قوله تعالى : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) إلى قوله : (الْمُفْلِحُونَ) آية ٨٨

[١٠٢٠٨] حدثنا محمد بن يحيي ، أنبا محمد بن عمرو زنيج ثنا سلمة عن محمد

١١٧

ابن إسحاق قال : فيما ثنا محمد بن أبى محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الذين أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شر ما منه هربوا.

قوله تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الآية ٨٩

تقدم تفسيره.

[١٠٢٠٩] حدثنا أبى ثنا ابن أخى ابن وهب ثنا عمي عن يحيي ابن أبي كثير عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي قال : سمعت أبا حازم يقول : إن الله ليعد للعبد من عبيده في الجنة لؤلؤة مسيرة أربعة برد ، أبوابها وغرفها ومغاليقها ليس فيها فصم ولا قصم ، والجنة مائة درجة فثلاث منها ورق وذهب ولؤلؤة وزبرجد وياقوت ، وسبعة وتسعون لا يعلمها إلا الذي خلقها.

قوله تعالى : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) آية ٩٠

[١٠٢٠٠] حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث ، أنبا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) قال : هم أهل العذر ، وكان يقرؤها : وجاء المعذرون : خفيفة.

[١٠٢٠١] حدثنا أبى ثنا الهيثم بن يمان ثنا الحكم عن السدي قال : من قرأها وَجاءَ الْمُعْذِرُونَ خفيفة ، قال : بنو مقرن ، ومن قرأها (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) قال : الذين لهم عذر.

والوجه الثاني :

[١٠٢٠٢] حدثنا أبي ثنا أبو معمر العنقري ثنا عبد الوارث عن يونس قال : كان الحسن يقرأ : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) قال : اعتذروا بشيء ليس بحق.

[١٠٢٠٣] ذكر عن سهل بن عثمان ثنا يحيي بن زكريا بن أبى زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) ذكر لي ، أنهم نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا فلم يعذرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

١١٨

قوله تعالى : (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية.

[١٠٢٠٤] حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب أنبا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : (عَذابٌ أَلِيمٌ) يقول : نكال.

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى). الآية ٩١

[١٠٢٠٥] حدثنا أبي ثنا هشام بن عبيد الله الرازي ثنا ابن جابر عن ابن فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فكنت أكتب براءة ، فإني لواضع القلم علي أذني إذ أمرنا بالقتال ، فجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينظر ما ينزل عليه ، إذ جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله ، وأنا أعمى؟ فنزلت (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) قال : نزلت في عائذ ابن عمرو وفي غيره.

[١٠٢٠٦] حدثنا علي بن الحسين ثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب ثنا ابن لهيعة ، أن أبا شريح الكعبي كان من الذين قال الله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).

قوله تعالى : (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).

[١٠٢٠٧] حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب ثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة قال : قال الحواريون : يا روح الله ، أخبرنا من الناصح لله؟ قال : الذي يؤثر حق الله على حق الناس ، وإذا حدث له أمران ، أو بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة ، بدأ بالذي للآخرة ثم يفرغ للذي للدنيا.

قوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

[١٠٢٠٨] حدثنا حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (١) قال : يعني نزل من عند قوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) إلى قوله : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) في المنافقين.

__________________

(١) التفسير ١ / ٢٨١

١١٩

[١٠٢٠٩] حدثنا أبي ثنا سليمان بن عبد الرحمن بن شرحبيل الدمشقي ثنا الوليد عن الأوزاعي : خرج الناس إلى الاستسقاء ، فقام فيهن بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر من حضر ، ألستم مقرين بالإساءة؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : اللهم إنا نسمعك تقول : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا ، واسقنا ، ورفع يديه ورفعوا أيديهم ، فسقوا.

قوله تعالى : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[١٠٢٠٠] حدثنا أبو زرعة ثنا يحيي بن عبد الله بن بكير ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عطاء عن سعيد بن جبير في قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ) لما كان منهم في الشرك (رَحِيمٌ) بهم بعد التوبة.

قوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ).

[١٠٢٠١] حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، ثنا محمد بن أسد الخشى ثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان ثنا عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا : دخلنا علي عرباض بن سارية السلمي ، وثنا محمد بن عوف ثنا محمد بن أسد ثنا الوليد ثنا عبد الله بن العلاء ، ثنا يحيى بن أبي المطاع ثنا عرياض ، وهو الذي نزل فيه : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً) فسلمنا وقلنا : إنا جئناك زائرين وعائدين ومقتبسين.

[١٠٢٠٢] حدثنا محمد بن عمار وكثير بن شهاب قالا : ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن عبد الله بن مغفل وكان أحد هؤلاء الذين ذكروا في هذه الآية : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) الآية.

[١٠٢٠٣] حدثنا حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ) هم بنو مقرن من مزينة.

[١٠٢٠٤] حدثنا أحمد بن سنان ثنا محمد بن خالد بن عثمة ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني وكان إذا حدث قال : أبي والله ، يعني جده عمرا ـ أحد النفر الذين

١٢٠