تفسير القرآن العظيم - ج ٤

عبد الرحمن بن محمّد ابن إدريس الرازي ابن أبي حاتم

تفسير القرآن العظيم - ج ٤

المؤلف:

عبد الرحمن بن محمّد ابن إدريس الرازي ابن أبي حاتم


المحقق: أسعد محمّد الطيّب
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٤

١
٢

قوله تعالى : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ)

[٥٨٩٨] حدثنا أحمد بن سنان ، ثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم ، ثنا المسعودي ، عن يزيد الفقير قال : سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر أقصرهما ، فقال : الركعتان في السفر تمام ، إنما القصر واحدة واحدة عن القتال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال إذ أقيمت الصلاة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف طائفة ، وطائفة وجوهها قبل العدو ، فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم الذين خلفوا انطلقوا إلى أولئك ، فقاموا مقامهم أو مكانهم نحو ذي ، وجاء أولئك فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس فسلم وسلم الذين خلفه وسلم أولئك ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وللقوم ركعة ركعة ، ثم قرأ : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) (١).

[٥٨٩٩] حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، ثنا معاوية بن عمر ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة ، فصلينا الظهر فقالوا : إنهم يأتى عليهم صلاة هي أحب إليهم من أموالهم وأنفسهم فنصيب غرّتهم أو غفلهم ، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الآيات بين الظهر والعصر (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) إلى آخر الآية ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح ، ثم قاموا فصفوا خلفه صفين ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبروا جميعا ، ثم ركع وركعوا جميعا ، ثم رفع ورفعوا جميعا ، ثم سجد الذين يلونه وآخرون قيام يحرسونهم ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام الذين يلونه سجدوا معه فسجد الآخرون الذين كانوا يحرسونه ، فلما قاموا تأخر الذين كانوا سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقام

__________________

(١) انظر ابن كثير ، والدر.

٣

الذين كانوا يحرسونه وتقدم الآخرون ، فقاموا في مقامهم ، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم ، وركعوا جميعا ، ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه ، والآخرون قيام يحرسونهم ، ثم سجدوا في مكانهم ، ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم فجلسوا جميعا ، ثم سلم عليهم ، فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين : مرة بعسفان ، ومرة بأرض بني سليم.

قوله تعالى : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (١).

[٥٩٠٠] حدثنا أبي ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا ابن المبارك ، أنبأ معمر عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه في قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) قال : هي صلاة الخوف ، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة ، والطائفة الأخرى مقبلة على العدو ثم انصرفت الطائفة التي صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقاموا مقام أولئك مقبلين على العدو ، وأقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقبلة على العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة ، ثم سلم بهم ، ثم قامت كل طائفة فصلوا ركعة ركعة.

قوله تعالى : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ و

أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً).

[٥٩٠١] أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة ، ثنا محمد بن شعيب بن شابور ، أخبرني سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي عياش الزرقي قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ومعه الناس ، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذوا أسلحتهم ، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقال : لقد كانوا على حال لو أردنا أن نصيب منهم غرة أو غفلة ، فأنزلت آية القصر بين الظهر والعصر يعني : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً).

__________________

(١) الحاكم ١ / ٣٣٧.

٤

قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ).

[٥٩٠٢] حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار ، ثنا زيد بن الحباب ، أنبأ عمر بن الرماح قاضي بلخ ، أخبرني كثير بن زياد أبو سهل ، عن عمرو بن عثمان بن يعلى ، عن أبيه ، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحاب له في مضيق والسماء فوقهم ، والبلّة أسفلهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم على راحلته فأمر رجلا أن يؤذن ويقيم أو يقيم ، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته السجود أخفض من الركوع (١).

قوله تعالى : (أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى).

[٥٩٠٣] حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا حجاج بن محمد قال ابن جريج : أخبرني يعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : (إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) قال : عبد الرحمن بن عوف كان جريحا.

قوله تعالى : (أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ).

[٥٩٠٤] قرأت على محمد بن الفضل بن موسى ، ثنا محمد بن علي بن شقيق ، ثنا محمد بن مزاحم ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قوله : (أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) فرخص في وضع السلاح عند ذلك.

قوله تعالى : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ).

[٥٩٠٥] وبه عن مقاتل بن حيان قوله : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) قال : وأمرهم أن يأخذوا حذرهم.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).

[٥٩٠٦] وبه عن مقاتل بن حيان قوله : (عَذاباً مُهِيناً) يعني بالمهين : الهوان.

قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) آية ١٠٣

[٥٩٠٧] وبه عن مقاتل (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) قال : إذا قضيتم صلاة الخوف.

قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ).

[٥٩٠٨] وبه عن مقاتل قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ) قال : باللسان.

__________________

(١) الترمذي كتاب الصلاة رقم ٤١١ ، قال : هذا غريب.

٥

قوله تعالى : (قِياماً).

[٥٩٠٩] حدثنا المنذر بن شاذان ، ثنا يعلى بن عبيد ، ثنا جويبر ، عن الضحاك قال ابن مسعود : أن أناسا يقومون بعد العشاء الآخرة يدعون قياما فأتاهم فقال : ما هذا؟ قالوا : سمعنا الله يقول : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) فقال : إنما ذاك في الصلاة ، يصلى الرجل قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا ، فإن لم يستطع فعلى جنبه ، ثم نهاهم.

قوله تعالى : (وَقُعُوداً).

[٥٩١٠] وبه عن الضحاك قوله : (وَقُعُوداً) قال ابن عباس : يصلي الرجل قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا.

قوله تعالى : (وَعَلى جُنُوبِكُمْ).

[٥٩١١] حدثنا أبي ، حدثني أبو صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) بالليل والنهار ، في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية وعلى كل حال.

قوله تعالى : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ).

[٥٩١٢] ذكر عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية قوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) يعني : إذا نزل.

والوجه الثاني :

[٥٩١٣] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد (١) (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) قال : إذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة.

[٥٩١٤] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، ثنا أحمد بن مفضل ، ثنا أسباط ، عن السدى قوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) فبعد الخوف.

[٥٩١٥] قرأت على محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن علي ، أنبأ محمد بن مزاحم ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) يقول : إذا استقررتم وآمنتم.

__________________

(١) التفسير ١ / ١٧٣.

٦

قوله تعالى : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ).

[٥٩١٦] حدثنا حجاج ، ثنا شبابة ، ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) يقول : أتموها. وروى عن قتادة نحو ذلك.

قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً).

[٥٩١٧] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح ، حدثني معاوية بن صلاح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) يعني : مفروضا.

وروى عن علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وسالم بن عبد الله ، ومجاهد ، والحسن ، والسدى ، وعطية ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك.

والوجه الثاني :

[٥٩١٨] ثنا الحسن بن أبي الربيع ، أنبأ عبد الرزاق (١) أنبأ معمر ، عن قتادة قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتا كوقت الحج.

[٥٩١٩] حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن عبد الرحمن ، ثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن زيد بن أسلم في قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) قال : منجما ، كلما مضى نجم جاء نجم ، يقول : كلما مضى وقت جاء وقت.

قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا) آية ١٠٤

[٥٩٢٠] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قوله : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) قال : ولا تضعفوا. وروى عن أبي مالك ، والسدي ، والضحاك نحو ذلك.

قوله تعالى : (فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ).

[٥٩٢١] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) قال : لا تضعفوا في طلب القوم.

__________________

(١) التفسير ١٦٧.

٧

قوله تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ).

[٥٩٢٢] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) يقول : توجعون.

وروى عن عكرمة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل بن حيان ، وعطاء الخراساني ، وزيد بن أسلم نحو ذلك.

قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ).

[٥٩٢٣] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا أحمد بن مفضل ، ثنا أسباط عن السدي قوله : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) قال : فإن تكونوا توجعون من الجراحات ، فإنهم يوجعون كما تتوجعون.

[٥٩٢٤] قرأت على محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن علي ، أنبأ محمد بن مزاحم ، عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قوله : (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ) فإنهم يتوجعون ، يعني : المشركين كما تتوجعون.

قوله تعالى : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ).

[٥٩٢٥] حدثنا أبي. ثنا أبو صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) يعني : ترجون من الله الخير. وروى عن الأعشى أنه فسر ترجون من الثواب.

الوجه الثاني :

قرأت على محمد ، ثنا محمد ، أنبأ محمد ، عن بكير ، مقاتل ابن حيان قوله : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ) يعني : أصحاب محمد ، الحياة والرزق والشهادة والظفر في الدنيا.

قوله تعالى : (ما لا يَرْجُونَ).

[٥٩٢٦] وبه عن مقاتل بن حيان : قوله : (ما لا يَرْجُونَ) يعني : المشركين

قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) قد تقدم تفسيره.

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) آية ١٠٥

[٥٩٢٧] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا أبو عمير ، ثنا مهدي بن إبراهيم الرملي عن

٨

مالك بن أنس ، عن ربيعة قال : أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن وترك فيه موضعا للسنة ، وسن الرسول صلى الله عليه وسلم السنة وترك فيها موضعا للرأي

قوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ).

[٥٩٢٨] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا أبو الطاهر ، ثنا ابن وهب قال : قال لي مالك : الحكم الذي يحكم به بين الناس على وجهين ، فالذي يحكم بالقرآن والسنة الماضية فذلك الحكم الواجب والصواب ، الحكم الذي يجتهد فيه العالم نفسه فيما لم يأت فيه شيء فلعله أن يوفق ، قال : وثالث متكلف لما لا يعلم فما أشبه ذلك أن لا يوفق

قوله تعالى : (بِما أَراكَ اللهُ).

[٥٩٢٩] حدثنا أبي ، ثنا عمرو الناقد ، ثنا شبابة بن سوار ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : إياكم والرأي ، قال الله تعالى لنبيه احكم بينهم (بِما أَراكَ اللهُ) ولم يقل : بما رأيت

[٥٩٣٠] أخبرنا محمد سعد بن عطية العوفي فيما كتب إلي ، ثنا أبي ثنا عمي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (بِما أَراكَ اللهُ) يقول : بما أنزل الله إليك من الكتاب.

[٥٩٣١] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ابن فضيل بن مرزوق عن عطية (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) قال : النبي صلى الله عليه وسلم أراه الله كتابه.

والوجه الثاني :

[٥٩٣٢] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا علي بن زنجة ، ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، عن الحسين ، عن مطر في قوله : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) قال : بالبينات والشهود.

قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً).

[٥٩٣٣] أخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان

٩

قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إن أهل بيت منا أهل خفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة. له ، وأخذوا سلاحه وطعامه ، فليردوا لنا سلاحنا ، فأما الطعام فلا حاجة لنا به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأنظر في ذلك ، فلما سمعوا بذلك بنوا بيرق وأتوا رجالا منهم يقال له : أسير ابن عروة ، فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن قتادة بن النعمان وعمه رفاعة بن زيد عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم.

قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته ، فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة.

قال : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأتاني رفاعة فقال : يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن ، فلما نزل القرآن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده على عمي ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً). أي بني أبيرق (١).

قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ). آية ١٠٦

[٥٩٣٤] وبه عن قتادة بن النعمان قال : فلم يلبث أن نزل القرآن (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي : مما قلت لقتادة.

[٥٩٣٥] حدثنا أبي ، ثنا عمران بن موسى الطرسوسي ، ثنا عبد الصمد بن يزيد قال : سمعت الفضيل يقول : قولة العبد : استغفر الله ، قال : تفسيرها أقلني.

قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ). آية ١٠٧

[٥٩٣٦] أخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلى ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده قتادة ابن النعمان قال : فلما أنزل القرآن (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) يعني : بني أبيرق.

__________________

(١) الحاكم ٤ / ٣٨٥.

١٠

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً).

[٥٩٣٧] أخبرنا أبو محمد بن بنت الشافعي فيما كتب إلى ، عن أبيه أو عمه عن سفيان بن عيينة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُ) قال : لا يقرب.

قوله تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) آية ١٠٨

[٥٩٣٨] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي ثنا إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق وهو السبيعي عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : من صلى صلاة عند الناس لا يصلي مثلها إذا خلا ، فهي استهانة ، استهان بها وبه ، ثم تلا هذه الآية : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً).

[٥٩٣٩] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا عبد الله بن محمد الأذرمي ، ثنا إسحاق عن شريك ، عن الهجري عن أبي الأحوص ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

[٥٩٤٠] أخبرنا محمد بن سعد العوفي فيما كتب إلى حدثني أبي ، حدثني عمي ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : ثم قال للذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا مستخفين بالكذب (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ).

قوله تعالى : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ).

[٥٩٤١] حدثنا أحمد بن سنان ، ثنا أبو يحيى الحماني ، عن سفيان ، عن الأعشى ، عن أبي رزين (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) قال : إذ يؤلفون مالا يرضي من القول. وروى عن السدي مثل ذلك.

قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً).

[٥٩٤٢] قرأت على محمد بن الفضيل ، ثنا محمد بن علي ، ثنا محمد بن مزاحم ، عن بكير بن مزاحم ، عن مقاتل بن حيان قوله : (بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) يقول : أحاط علمه بأعمالهم. ومنهم من يقول : أنزلت في المنافقين.

١١

[٥٩٤٣] أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد الغبري فيما كتب إلى قال : سمعت أبا سعيد الحداد أحمد بن داود يقول : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) قال : قد أحاط الله (بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) ، ولم يقل مع كل شيء.

قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) آية ١٠٩

[٥٩٤٤] أخبرنا محمد بن سعد فيما كتب إلي ، حدثني أبي ، حدثنا عمي ثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني : الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائن.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) آية ١١٠

[٥٩٤٥] وبه عن ابن عباس : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) يعني : الذين أتو رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب.

قوله تعالى : (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً).

[٥٩٤٦] حدثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، ثنا شعبه ، أخبرني عثمان بن المغيرة قال : سمعت علي بن ربيعة الأسدي عن أسماء أو ابن أسماء الفزاري قال : سمعت عليا يقول : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء به أن ينفعني ، قال علي : وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ، ثم تلا هذه الآية (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً).

[٥٩٤٧] حدثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، ثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة ، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت عليا يقول : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.

١٢

[٥٩٤٨] أخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان قال : فلم نلبث أن نزلت (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) أي لو استغفروا الله لغفر لهم.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

[٥٩٤٩] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، ثنا أحمد بن مفضل ، ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : ثم ذكر قوله حين قال : أخذها أبو مليل فقال : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً).

[٥٩٥٠] أخبرنا محمد بن سعد العوفي فيما كتب إلي ، حدثني أبي حدثني عمي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) يعني : السارق والذين جادلوا عن السارق.

قوله تعالى : (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً).

[٥٩٥١] أخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان في قصة بني أبيرق ، فأنزل الله تعالى (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) قولهم : للبيد بن سهل.

[٥٩٥٢] حدثنا أبي ، ثنا عمرو بن مرزوق ، أنبأ شعبة ، عن خالد الحذاء عن ابن سيرين : (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) قال : يهوديا (١).

قوله تعالى : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً).

[٥٩٥٣] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا مسدد ، ثنا أمية بن خالد ، حدثني فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي أن رجلا يقال له : طعمة بن أبيرق سرق درعا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فألقاها في

__________________

(١) الدر : ٢ / ٢٢٠.

١٣

بيت رجل ، ثم قال لأصحاب له : انطلقوا فاعذروني عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الدرع قد وجد في بيت فلان فانطلقوا يعذرونه عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) قال : بهتان : قذفه الرجل.

قوله تعالى : (وَإِثْماً مُبِيناً).

[٥٩٥٤] حدثنا علي بن (الحسين) ، ثنا معدد ، ثنا أمية يعني ابن خالد ، حدثني فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي (وَإِثْماً مُبِيناً) قال : إثمه : سرقته.

قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) قد تقدم تفسيره آية ١١٢

قوله تعالى : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) الآية ١١٣

[٥٩٥٥] أخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان وذكر قصة بني أبيرق ، فأنزل الله تعالى (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ) يعني : أسير بن عروة وأصحابه.

[٥٩٥٦] حدثنا أحمد بن عثمان حكيم الأودي ، ثنا أحمد بن مفضل ، ثنا أسباط ، عن السدي ثم ذكر الأنصاري وإتيانهم إياه أن ينصح عن صاحبهم وجادل عنه فقال : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).

قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)

[٥٩٥٧] حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا العباس بن الوليد ، ثنا يزيد ، ثنا سعيد ، عن قتادة قال : علمه الله بيان الدنيا والآخرة ، بين حلاله وحرامه ، ليحتج بذلك على خلقه.

[٥٩٥٨] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ابن نمير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : علمه الخير والشر.

١٤

قوله تعالى : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) قد تقدم تفسيره.

قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).آية ١١٤

[٥٩٥٩] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا أحمد بن مفضل ، ثنا أسباط عن السدي ، قال : ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة ، فقال : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ). وروى عن مقاتل بن حيان أنه قال : تناجوا في شأن طعمة بن أبيرق

والوجه الثاني :

[٥٩٦٠] قرئ على يونس بن عبد الأعلى ، أنبأ ابن وهب قال : قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قول الله عز وجل : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) من جاء يناجيك في هذا فاقبل مناجاته ، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت ذلك عنه لا تناجيه.

قوله تعالى : (أَوْ مَعْرُوفٍ).

[٥٩٦١] قرأت على محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن علي ، ثنا محمد بن مزاحم عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ) يعني : المعروف : القرض. وروى عن سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك.

قوله تعالى : (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).

[٥٩٦٢] حدثنا أحمد بن عصام ، أبو أحمد ، ثنا عبد الله بن حبيب قال : كنت عند محمد بن كعب فقال له محمد : أين كنت؟ قال : كان بين قومي شيء فأصلحت بينهم. قال : أصبحت لك مثل أجر المجاهدين في سبيل الله ، ثم قرأ (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).

قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).

[٥٩٦٣] قرأت على محمد بن الفضيل ، ثنا محمد بن علي ، ثنا أبو هب محمد ابن مزاحم ، عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) تصدق أو أقرض أو أصلح بين الناس (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).

١٥

قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) آية ١١٥

[٥٩٦٤] حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أبيه ، عن جده قال : فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح ، فردّ إلى رفاعة فلما نزل القرآن بالمشركين ، فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).

[٥٩٦٥] حدثنا الحسن بن أبي الربيع ، أنبأ عبد الرزاق (١) ، أنبأ معمر ، عن قتادة قال : اختان رجل عما له درعا فقذف بها هوديا كان يغشاهم ، فتجادل عم الرجل قومه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره ، ثم لحق بأرض الشرك ، فنزلت فيه (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) الآية. وهو طعمة بن أبيرق.

قوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).

[٥٩٦٦] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا عبد الله بن عبد الملك بن الربيع بن أبي راشد بالكوفة ، ثنا عمرو بن عطية ، عن عطية قال : قال ابن عمر : دعاني معاوية فقال : بايع لابن أخيك ، فقلت : يا معاوية : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) فأسكته عني.

[٥٩٦٧] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا أحمد بن مفضل ، عن أسباط بن نصر عن السدي قال : فلما فضح الله طعمة في المدينة ، فنقب بيت الحجاج ، فأراد أن يسرقه فسمع الحجاج خشخشة في بيته وقعقعة جلود كانت عنده ، فنظر فإذا هو طعمة ، فقال : ضيفي وابن عمي وأردت سرقتي ، فأخرجه فمات بحرة بني سليم كافرا ، فأنزل الله تعالى فيه (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).

[٥٩٦٨] حدثنا حجاج بن حمزة ، ثنا شبابه ، ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (٢) ، قوله : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) من آلهة الباطل.

__________________

(١) التفسير ١ / ١٦٧.

(٢) التفسير ١ / ١٧٤.

١٦

قوله تعالى : (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ).

[٥٩٦٩] أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأ ابن وهب أن مالكا حدثه قال : كان عمر بن عبد العزيز يقول : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا ، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر فيما خالفها ، من اقتدى بها مهتد ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) ، ولاه الله ما تولى وصلاه (جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية ١١٥، ، قد تقدم تفسيرها.

قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً).آية ١١٧

[٥٩٧٠] حدثنا أبي ، ثنا محمود بن غيلان ، أنبأ الفضل بن موسى ، أنبأ الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) قال : مع كل صنم جنّيه. وروى عن الحسن نحو ذلك.

الوجه الثاني :

[٥٩٧١] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب بن الحارث ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) قال : موتى.

[٥٩٧٢] حدثنا أبي ، ثنا أبو سلمة ، ثنا مبارك ، عن الحسن : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) قال الحسن : الإناث : كل شيء ميت ليس له روح إما خشبة يابسة وإما حجر يابس.

[٥٩٧٣] حدثنا أبي ، ثنا محمد بن سلمة الباهلي ، ثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام يعني بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) قالت : أوثانا. وروى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، ومجاهد ، وأبي مالك الغفاري ، والسدي ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك.

والوجه الثالث :

[٥٩٧٤] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا موسى بن هارون يعني الدولابي ، ثنا مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) قال المشركون :

١٧

أن الملائكة بنات الله ، وإنما نعبدهم (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، قال : اتخذوا أربابا وصورهن صور الحواري فحلوا وقلدوا ، وقالوا : هؤلاء يشبهن بنات الله الذين نعبدهم يعنون الملائكة.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً).

[٥٩٧٥] قرأت على محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن علي ، أنبأ محمد بن مزاحم أبو وهب ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قوله : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً) يعني : إبليس.

الوجه الثاني :

[٥٩٧٦] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا أبي حماد ، ثنا مهران ، عن سفيان في قوله : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً) قال : ليس من صنم إلا فيه شيطان.

قوله تعالى : (مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ).

[٥٩٧٧] حدثنا أبي ، ثنا عبد العزيز بن المغيرة ، أنبأ يزيد زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قوله : (مَرِيداً) قال : تمرد على معاصي الله (لَعَنَهُ اللهُ).

قوله تعالى : (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ). آية ١١٨

[٥٩٧٨] قرأت على محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن علي ، أنبأ محمد بن مزاحم ، عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قوله : (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ) قال : هذا قول إبليس.

قوله تعالى : (نَصِيباً).

[٥٩٧٩] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) قال : يتخذونها من دونك ، ويكونون من حزبي.

[٥٩٨٠] حدثنا أبو بكر بن أبي موسى ، ثنا هارون بن حاتم ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، عن أسباط عن السدي ، عن أبي مالك قوله : (نَصِيباً) قال : حظا.

١٨

قوله تعالى : (مَفْرُوضاً).

[٥٩٨١] قرأت على محمد ، ثنا محمد ، ثنا محمد ، عن بكير ، عن مقاتل قوله : (مَفْرُوضاً) قال : هذا إبليس مفروضا ، يقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة.

قوله تعالى : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ). آية ١١٩

[٥٩٨٢] حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأ هشام يعني بن يوسف عن بن جريح ، أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن عكرمة يعني قوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ) قال : دين شرعه لهم الشيطان كهيئة البحائر والسيب.

قوله تعالى : (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ).

[٥٩٨٣] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، ثنا أحمد بن المفضل ، ثنا أسباط ، عن السدي قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أما يبتكن آذان الأنعام فيشقونها فيجعلونها بحيرة. وروى عن قتادة نحو ذلك.

قوله تعالى : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ).

[٥٩٨٤] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا أبو أحمد يعني الزبير ، عن حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس في قول الله تعالى : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) قال : الإخصاء. وروى عن ابن عم ، وأنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة في أحد قوليه ، وأبي عياض ، وأبي صالح في إحدى الروايات ، والثوري نحو ذلك.

والوجه الثاني :

[٥٩٨٥] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ابن فضيل وأسباط ، عن مطرف عن رجل ، عن ابن عباس (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) قال : دين الله. وروى عن مجاهد ، وعكرمة في أحد قوليه ، إبراهيم النخعي ، والحكم والحسن والسدي ، وقتادة ، والضحاك في الرواية الثانية. وعطاء الخرساني نحو ذلك.

١٩

والوجه الثالث :

[٥٩٨٦] حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ثنا يحيى بن حسان ثنا حماد بن سلمة ، عن يونس عن الحسن في قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) قال : هو الوشم.

[٥٩٨٧] أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلى ، ثنا الحسين بن محمد المروذي ، أنبأ شيبان ، عن قتادة : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) قال : ما بال أقوام جهلة يغيرون صبغة الله ولون الله.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً)

[٥٩٨٨] حدثنا أبى ثنا خالد بن جذاش المهلبي ، ثنا حماد بن زيد عن الزبير بن خريت عن عكرمة قال : إنما سمى الشيطان ، لأنه تشيطن.

[٥٩٨٩] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، ثنا أحمد بن مفضل ، ثنا أسباط بن نصر ، عن السدي (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) قال التقي ناس من المسلمين واليهود والنصارى ، فقالت اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ، ولن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ، ونبينا بعد نبيكم ، وديننا بعد دينكم وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا فرد الله عليهم قولهم فقال : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ).

[٥٩٩٠] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) قالت العرب : لن نعذب ولن نبعث ، وقالت اليهود والنصارى : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ، وقالوا : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ).

٢٠