المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : وجوب نصف المهر قاله الشيخ في المبسوط (١) واختاره ابن إدريس (٢) ثمَّ قوّى قول النهاية لأنّها فرّقه قبل الدخول فيكون كالطلاق ، ولرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السّلام (٣).

الثالث : بطلان العقد في الظاهر ، ولا يجب على الوكيل شي‌ء ، كالحكم في غير التزويج ، كما لو باع مثلا ، فإنّه يحكم ببطلان العقد مع يمين الموكّل. وكما ينسب التفريط في عدم الإشهاد إلى الوكيل ، ينسب إلى المرأة ، إذا لحقّ لها ، فكان من حقّها أن لا تجيب الى التزويج الّا من ثبت وكالته شرعا ، وحينئذ يحكم ببطلان العقد في الظاهر ، كما يحكم ببطلان البيع ، ولا يغرم الوكيل شيئا ، ويبقى الزوج فيما بينه وبين الله سبحانه إن كان صادقا فلا شي‌ء عليه ، والّا وجب عليه الطلاق ودفع نصف المهر ، حكاه العلامة عن بعض الأصحاب وقواه في المختلف (٤).

فرع

المرأة إن لم تصدّق الوكيل حلّ لها التزويج ، مع بطلان العقد في الظاهر ، وان صدقته لم يتزوج ولا يجبر الموكّل على الطلاق ، بل يفسخ الحاكم.

* * *

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ص ٣٨٦ س ١٥ قال : إذا وكّله في تزويج امرأة بعينها الى أن قال : يلزم الوكيل نصف مهرها.

(٢) السرائر : باب الوكالة ص ١٧٧ س ٣ قال : فان عقد له على التي أمره بالعقد عليها الى أن قال : لزم الوكيل نصف المهر ، ثمَّ نقل قول الشيخ في النهاية وقال : وبهذا افتى وعليه أعتمد.

(٣) الفقيه : ج ٣ ، باب الوكالة ، الحديث ٤ والحديث طويل.

(٤) المختلف : في الوكالة ص ١٥٩ س ٣٠ قال : وقال بعض علمائنا : إذا أنكر الموكّل الوكالة إلخ.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

تذنيبات

(أ) هل يصح الوكالة من أهل السهمان في قبض الزكاة؟ قال في المبسوط : نعم (١) واختاره العلامة (٢) وهو مذهب الشهيد (٣) ومنعه القاضي (٤) واختاره ابن إدريس (٥).

احتج الأوّلون : بالأصل ، وبأنه عمل مباح فتدخله النيابة ، أمّا إباحته فظاهرة ، وأمّا قبوله النيابة فيدلّ عليه وضع الشارع نصيبا للعامل. ويجب دفع الزكاة الى الإمام والساعي ، وتبرأ ذمة الدافع ، وان تلفت بعد ذلك منهما ، فكانا كالموكّلين لأهل السهمان ، لأنّهما لو كانا وكيلا المالك يغرم ثانيا كما يغرم لو تلفت من يده أو يد وكيله. فبراءة ذمته بتلفها منهما ، دلّ على أنّهما وكيلا أهل السهمان.

احتج ابن إدريس : بأن التوكيل حكم شرعي فيحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دلالة ، وأيضا فإن الذمة مرتهنة بالزكاة ، فلا تبرأ إلّا بفعلها ، ولا خلاف في البراءة بتسليمها إلى مستحقها دون وكيله ، لأنّ الوكيل ليس هو من الثمانية الأصناف. ولأنّ الزكاة والخمس لا يستحقهما واحد بعينه ، ولا يملكهما أحد إلّا بعد قبضهما ، فالوكيل لا يستحق المطالبة ، وكلّ واحد من أهل الزكاة والخمس لا يستحق المطالبة بالمال ، لأنّ الإنسان مخيّر في وضعه فيه أو في غيره ، فلا يجبر على تسليمه اليه (٦) قال العلامة في المختلف : لا استبعاد في أن يقول الفقير : وكّلتك في قبض

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ كتاب الوكالة ، ص ٣٦١ س ٢ قال : ويصح من أهل السهمان التوكيل في قبضها.

(٢) المختلف : في الوكالة ، ص ١٥٧ س ١٧ قال : مسألة تصح الوكالة من أهل السهمان في قبض الزكاة الى أن قال : وقال ابن البراج : لا تصح الوكالة في الزكاة إلّا في إخراجها ، الى أن قال : لنا أنّه عمل مباح يقبل النيابة إلخ.

(٣) المختلف : في الوكالة ، ص ١٥٧ س ١٧ قال : مسألة تصح الوكالة من أهل السهمان في قبض الزكاة الى أن قال : وقال ابن البراج : لا تصح الوكالة في الزكاة إلّا في إخراجها ، الى أن قال : لنا أنّه عمل مباح يقبل النيابة إلخ.

(٤) لم أعثر عليه صريحا.

(٥) السرائر : باب الوكالة ص ١٧٤ س ١٠ قال بعد نقل قول ابن البراج على المنع : وهو الذي يقوى في نفسي ، لأنه لا دلالة عليه الى قوله : فلا يجبر على تسليمه إليه.

(٦) السرائر : باب الوكالة ص ١٧٤ س ١٠ قال بعد نقل قول ابن البراج على المنع : وهو الذي يقوى في نفسي ، لأنه لا دلالة عليه الى قوله : فلا يجبر على تسليمه اليه.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ما يدفعه المالك إلىّ عن زكاته ، ولا يستلزم ذلك استحقاق المطالبة ، بل إذا اختار المالك ، الدفع الى ذلك الفقير ، جاز الدفع الى وكيله (١) ، وعندي في هذه المسألة توقف.

(ب) لا يجوز التوكيل في الطهارة مع الاختيار ويجوز مع الضرورة ، ويتولّى هو النية ، ويجوز أن يستعين في صب الماء على كراهية قاله الشيخ (٢) وهو المشهور بين الأصحاب ، ومنعه القاضي (٣).

(ج) هل يجوز التوكيل في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد ، وبالجملة اجارة المباحات ، بمعنى أن ما يحتطبه الوكيل يكون للموكّل ، وكذا ما يصصاده ، أولا يجوز بمعنى انه يكون للوكيل بمجرد حيازته؟ قوّى الشيخ المنع وأجاز التوكيل في إحياء الموات (٤) وتبعه ابن إدريس (٥). وفي الجمع بينهما نظر ، ومنشأ الخلاف أنّ تملك المباحات هل يحتاج الى نيته أم لا؟ فبعض ذهب الى الاحتياج ، لوقوع الإجماع بتملك الدرّة الموجودة في بطن السمكة ، إذ لو دخلت في الملك مع عدم النية لوجب ردّها على الصياد ، لأنه ملكها بمجرد الاستيلاء. وذهب بعضهم الى عدم الاحتياج

__________________

(١) المختلف : في الوكالة ، ص ١٥٧ س ٢٦ قال : وأي استبعاد في أن يقول الفقير إلخ.

(٢) المبسوط : ج ٢ كتاب الوكالة ، ص ٢٦٠ س ١٥ قال : أمّا الطهارة فلا يصح التوكيل فيهما وانّما يستعين بغيره إلخ.

(٣) المختلف : في الوكالة ، ص ١٥٧ س ٢٨ قال : وقال ابن البراج : وأمّا النيابة في صبّ الماء على المتطهر القادر على الطهارة إلخ.

(٤) المبسوط : كتاب الوكالة ص ٣٦٣ س ٥ قال : واما الجزية الى أن قال : وكذلك الاحتطاب والاحتشاش ، والأقوى ان لا يدخلها التوكيل. وقال في ص ٣٦٢ س ٢١ وكذلك يصح في إحياء الموات.

(٥) السرائر : باب الوكالة ص ١٧٤ س ٣٤ قال : واما الجزية والاحتطاب والاحتشاش والاصطياد فلا يدخل في ذلك النيابة والتوكيل.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى النية ، ولعلّ استناده الى قوله عليه السّلام من أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من الله ورسوله (١) فحكم بالملك ولم يشترط النية. ولعلّ الأوّل أقوى. فمن اعتبر النية. أجاز التوكيل وحكم بالملك للموكّل ، ومن لم يعتبر النية حكم بالملك للوكيل بإثبات يده اليه وألغى الوكالة.

(د) هل يصح التوكيل في الإقرار؟ الأظهر ، لا ، وهو مذهب العلامة (٢) وفخر المحققين (٣) لأنّه اخبار عن حق يلزم المقرّ ، ولقوله عليه السّلام : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (٤) واتّفق العلماء على انّه يدلّ بمفهومه على عدم قبوله على الغير ، واتفق الكلّ على أنّ دلالة المفهوم راجحة. وجوّزه الشيخ في المبسوط (٥) والخلاف (٦) وقال في المبسوط : ومن الناس من قال : لا يصحّ ثمَّ اختلف القائلون بعدم الصحة فمنهم من قال : يكون توكيله واذنه في الإقرار منه ، لأنّه أخبر عن حق عليه لخصمه ، وقال غيره : لا يكون إقرارا ، لأنّ التوكيل في الشي‌ء لا يكون إثباتا لنفس ذلك الشي‌ء ، كالتوكيل في البيع لا يكون بيعا ، وكذلك الأمر بالأمر لا يكون أمرا.

والحق أنّه لا يكون إقرارا ، لأنّه إخبار وفي التوكيل يكون إنشاء ، واللفظ الواحد لا يستعمل فيهما في حالة واحدة ، لاحتمال الإخبار الصدق والكذب ، وليس كذلك الإنشاء.

__________________

(١) الفقيه : ج ٣ باب احياء الموات والأرضين ، الحديث ٢ وسنن أبي داود ج ٣ كتاب الخراج والإمارة والفي‌ء ، الحديث ٣٠٧٣ و ٣٠٧٤ بدون الجملة الأخيرة.

(٢) القواعد : الرابع متعلق الوكالة ص ٢٥٤ س ١٨ قال : وفي التوكيل على الإقرار إشكال إلخ.

(٣) الإيضاح : ج ٢ ، ص ٣٤٠ س ٧ قال بعد نقل عبارة القواعد : أقول : منشأ الاشكال إلخ.

(٤) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٣ الحديث ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ الحديث ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٥) المبسوط : كتاب الوكالة ج ٢ ص ٣٦٨ س ٢٤ قال : فامّا إذا أذن له في الإقرار عليه ووكّله فيه فإنه يصح ذلك إلخ.

(٦) الخلاف : كتاب الوكالة ، مسألة ٥ قال : إذا أذن له في الإقرار عنه صحّ إقراره إلخ.

٤٤

كتاب الوقوف والصدقات والهبات

٤٥
٤٦

كتاب الوقوف والصدقات والهبات

أمّا الوقف : فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.

ولفظه الصريح (وقفت) وما عداه يفتقر إلى القرينة الدالّة على التأبيد ، ويعتبر فيه القبض. ولو كان مصلحة كالقناطر ، أو موضع عبادة كالمساجد ، قبضه الناظر فيها. ولو كان على طفل قبضه الوليّ ، كالأب والجد للأب أو الوصيّ. ولو وقف عليه الأب أو الجد صحّ ، لأنّه مقبوض بيده.

والنظر إمّا في الشروط أو اللواحق.

والشروط أربعة أقسام :

______________________________________________________

كتاب الوقوف والصدقات والهبات

مقدّمة

الوقف في اللغة الحبس.

وفي الشرع تحبيس أصل ينتفع به مع بقاء عينه وتسبيل منافعه ، والجمع وقوف وأوقاف ، ولا يقال : أوقفت إلّا شاذا ، ويقال : حبست وأحبست. ومقتضاه زوال الملك عن المالك وتسبيل المنفعة على الموقوف عليه.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وسمّي الوقف وقفا ، لاشتماله على وقف المال على الجهة المعينة وقطع سائر الجهات والتصرّفات عنه.

والأصل فيه : الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب : فعموم قوله «وَافْعَلُوا الْخَيْرَ» (١) «وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ» (٢).

وأمّا السنّة : فكثير ، مثل قوله عليه السّلام : إذا مات ابن آدم انقطع عمله الّا من ثلاثة ، ولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به بعد موته ، وصدقة جارية (٣) قال العلماء : المراد بالصدقة الجارية ، الوقف : وقال الصادق عليه السّلام : ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال ، صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته الى يوم القيامة ، وصدقة موقوفة لا يورث ، أو سنّة هدى سنّها فكان يعمل بها ، وعمل بها من بعده غيره ، أو ولد صالح يستغفر له (٤) وعنه عليه السّلام : ستة تلحق المؤمن بعد وفاته. ولد يستغفر له ، ومصحف يخلفه ، وغرس يغرسه ، وبئر تحفره وصدقة تجريها ، وسنّة يؤخذ بها من بعده (٥).

ووقفت فاطمة عليها السّلام حوائطها بالمدينة (٦).

__________________

(١) الحج : ٧٧.

(٢) البقرة : ٢٧٢.

(٣) الجامع الصغير للسيوطي حرف الهمزة ، نقلا عن البخاري وصحيح مسلم ، وفي عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٦٠ الحديث ١.

(٤) الفروع : ج ٧ ، كتاب الوصايا باب ما يلحق الميت بعد موته ، ص ٥٦ الحديث ٢ مع اختلاف يسير في بعض الكلمات.

(٥) الفروع : ج ٧ ، كتاب الوصايا ، باب ما يلحق الميت بعد موته ، ص ٥٧ الحديث ٥ وفيه «وقليب يحفره» بدل «وبئر يحفره».

(٦) الفروع : ج ٧ ، كتاب الوصايا ، باب صدقات النبي صلّى الله عليه وآله وفاطمة والأئمة عليهم السّلام ص ٤٨ الحديث ٥.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الإجماع : فمن الإمامية لا يختلفون في مشروعية ، وان اختلفوا في مسائله «واشتهر اتفاق الصحابة عليه قولا وفعلا ، وقال جابر : لم يكن أحد من الصحابة دو مقدرة إلّا وقف وقفا» (١) (٢).

تذنيب

أوقاف الجاهلية باطلة ، وهي أربعة :

(أ) السائبة ، وهي التي تلد ثلاث بطون كلها إناث ، فتسيب ، ولا يركب ولا يحلب الّا لضيف (٣).

(ب) البحيرة ، وهي ولد السائبة الذي يجي‌ء به في بطن الحادي عشر ، فان كان أنثى فهي البحيرة ، وسمّيت؟ لأنهم كانوا يبحرون أذنها ، أي يشقونها ، والبحر الشق ، ومنه سمى البحر ، لأنّه شق في الأرض.

(ج) الوصيلة ، وهي الشاة التي تلد خمس بطون ، في كل بطن عناقان ، فاذا ولدت بطنا سادسا ذكرا أو أنثى ، قيل وصلت أخاه ، فما تلد بعد ذلك يكون حلالا للذكور وحراما على الإناث.

(د) الحام ، وهو الفحل ينتج من صلبه عشر بطون ، فيسيب ، ويقال : حمى ظهره ، فلا يركب.

فهذه وقوف الجاهلية ، وجاء في الشرع بإبطالها ، وقال تعالى «ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب الوقف وما يتبعه ، ص ٢٦١ الحديث ٥.

(٢) بين الهلالين ليس في نسخة (ألف) المصححة ، ولكنه موجود في نسخة (ب).

(٣) ما أفاده قدّس سرّه في معنى الكلمات انما هو بعض ما اشتهر في ذلك ومن أراد التفصيل فليرجع الى تفسير مجمع البيان في تفسيره لآية (١٠٣) من سورة المائدة.

٤٩

الأوّل ، في الوقف : ويشترط فيه التنجيز والدّوام ، والإقباض وإخراجه عن نفسه. فلو كان إلى أمد كان حبسا. ولو جعله لمن ينقرض غالبا صحّ ، ويرجع بعد موت الموقوف عليه إلى ورثة الواقف طلقا ، وقيل : ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه ، والأول مرويّ.

______________________________________________________

الْكَذِبَ» (١) فأخبر سبحانه أنّهم لم يشرع لهم ذلك ، وإنّما هو بوضعهم واصطلاحهم ، كقوله تعالى «إِنْ هِيَ إِلّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» (٢).

وألفاظ الوقف سنة : وقفت ، وتصدقت ، وحبست ، وسبلت ، وحرمت ، وأبدت ، فوقفت صريح لا يفتقر معه إلى قرينة ، والبواقي كنايات يفتقر إلى قرينة كقوله : تصدقت بداري صدقة موقوفة ، أو محتبسة ، أو مسبّلة وما ناسبه من الألفاظ الدالّة على إرادة التأبيد.

قال طاب ثراه : ولو جعله لمن ينقرض غالبا صحّ ، ويرجع بعد موت الموقوف عليه إلى ورثة الواقف طلقا ، وقيل : ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه ، والأوّل مرويّ.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : هل يصحّ هذا الوقف أم لا؟

فنقول : شرط الوقف التأبيد ، فلو جعله على من ينقرض غالبا ولم يسقه بعد ذلك إلى من لا ينقرض كالفقراء والمساجد والمشاهد ، هل يصح وقفا؟ قال الشيخان : نعم (٣)

__________________

(١) المائدة : ١٠٣.

(٢) النجم : ٢٣.

(٣) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ، ص ١٠٠ س ١٩ قال : فان وقف إنسان شيئا على ولده الى أن قال : كان متى انقرضوا ولم يبق منهم أحد راجعا ميراثا إلخ. والنهاية : باب الوقوف وأحكامها ص ٥٩٩ س ١٧ قال : ومتى وقف الإنسان شيئا الى أن قال : فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف إلى ورثة الواقف إلخ.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وبه قال القاضي (١) وأبو علي (٢) وسلار (٣) وابن إدريس (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦) وقال ابن حمزة : فإن علّق على من يصحّ انقراضه كان عمرى ، أو سكنى أو حبسا بلفظ الوقف (٧) «وحكى الشيخ القولين في كتاب الخلاف عن بعض أصحابنا» (٨) (٩).

احتج الأوّلون بوجوه :

(ا) الأصل الصحة.

(ب) أنّه نوع تمليك وصدقة فيتبع اختيار المالك في التخصيص كغير صورة النزاع.

(ج) إنّ تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأوّل ، وإلّا لزم محالان ، تقديم المعلول على العلة ، والدور ، لأنّ الوقف شرطه التنجيز ، ولا بدّ أن يكون له مقرّ في

__________________

(١) المهذب : ج ٢ ، كتاب الوقف ص ٩١ س ١٦ قال : فان وقفه على وجه من الوجوه في البر الى ان قال : ثمَّ انقرض الموقوف عليهم راجعا إلى ذرية الواقف.

(٢) المختلف : في الوقف ص ٣٤ س ٢٢ قال : فلو وقف على من ينقرض الى أن قال : قال الشيخان وابن الجنيد يصح ثمَّ قال : والوجه عندي الصحة.

(٣) المختلف : في الوقف ص ٣٤ س ٢٢ قال : فلو وقف على من ينقرض الى أن قال : قال الشيخان وابن الجنيد يصح ثمَّ قال : والوجه عندي الصحة.

(٤) المراسم : ذكر أحكام الوقوف والصدقات ، ص ١٩٨ س ١٧ قال : وان أطلقه الى أن قال : كان إذا انقرضوا ميراثا.

(٥) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ، ص ٣٧٩ س ١٩ قال : ومتى وقف الإنسان شيئا الى أن قال : كان متى انقرضوا ولم يبق منهم أحد ، راجعا ميراثا.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٧) الوسيلة : كتاب الوقوف والصدقات ، ص ٣٧٠ س ٣ قال : وان لا يعلق الوقف بوجه منقرض ، فان علق على وجه يصح كان عمرى إلخ.

(٨) بين الهلالين ليس في نسختي (ألف) و (ب) ولكنه موجود في نسخة (ج).

(٩) الخلاف : كتاب الوقوف : مسألة ٩ وفيها نقل الخلاف في صحة هذا الوقف وعدم صحته.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الحال ، فتملك الأول شرط في تملك الثاني ، فلو انعكس لزم الدور.

واحتج الآخرون ، بأنّ الوقفية مقتضاه التأبيد ، فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول ، فلا يصحّ كما لو وقفه على مجهول في الابتداء.

وأجاب المسوغون ، بمنع الصغرى ، وبالفرق بين مجهول الابتداء وبين صورة النزاع ، فإنّ المصرف غير معلوم في الأوّل ، بخلافه في الثاني.

الثانية : هل يرجع هذا الوقف الى الواقف ، أو الى ورثة الموقوف عليهم ، أو الى وجوه البرّ؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

فبالأوّل قال الشيخ (١) وتبعه القاضي (٢) وسلار (٣) وهو اللازم من كلام ابن حمزة حيث جعله سكنى أو عمرى (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

وبالثاني قال المفيد (٧) وابن إدريس (٨).

__________________

(١) النهاية : باب الوقوف وأحكامها ص ٥٩٩ س ١٧ قال : ومتى وقف الإنسان شيئا الى أن قال : رجع الى ورثة الواقف.

(٢) المهذب : ج ٢ ص ٩١ س ١٦ قال : فان وقفه على وجه من الوجوه في البرّ الى أن قال : كان راجعا إلى ذريّة الواقف.

(٣) المراسم : ذكر احكام الوقوف ، ص ١٩٨ س ١٧ قال : فإن أطلقه الى أن قال : كان إذا انقرضوا ميراثا لأقرب الناس إليه.

(٤) الوسيلة : كتاب الوقوف ، ص ٣٧٠ س ٣ قال : وان لا يعلق الوقف بوجه منقرض : فان علق كان عمرى أو رقبى أو سكنى الى ان قال فان عيّن بالأسماء وقال : على فلان وفلان وقصّر عليه كان أعمارا بلفظ الوقف.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : في الوقف ، ص ٣٤ س ٢٥ قال : بعد نقل الأقوال : والوجه عندي الصحة ، لنا انّه نوع تمليك إلخ.

(٧) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ، ص ١٠٠ س ١٩ قال : وإذا وقف إنسان شيئا على ولده الى أن قال : كان متى انقرضوا ولم يبق منهم أحد راجعا ميراثا على أقرب الناس من آخر المنقرضين من أرباب الوقف.

(٨) السرائر : كتاب الوقوف ص ٣٧٩ س ١٩ قال : ومتى وقف الإنسان شيئا الى أن قال : كان متى

٥٢

ولو شرط عوده عند الحاجة ، فقولان : أشبههما البطلان.

الثاني ، في الموقوف : ويشترط أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها ، انتفاعا محلّلا. ويصحّ إقباضها ، مشاعة كانت أو مقسومة.

______________________________________________________

وبالثالث قال ابن زهرة (١).

احتجّ الأوّلون : بأنه في الحقيقة حبس ، لانقراض أربابه ، فلا يكون مؤبّدا ، فيرجع الى ورثة الواقف لعدم خروجه عنه بالكلية. ولأنّه إنما وقف على قوم بأعيانهم ، ولا يتخطّى الى غيرهم ، لقول العسكري عليه السّلام : الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها ان شاء الله (٢).

واحتجّ المفيد بان الوقف خرج عن الواقف ، فلا يعود اليه ، والموقوف عليه يملك الوقف ، فيورث عنه كغيره ، بخلاف البطن الأوّل فإنّه وان ملك لا يورث عنه لعدم تمامية الملك في حقه ، لتعلق حق البطون به ، وليس بعد الأخير من يتعلق له حق بالوقف.

وأجيب بالغ من كون الوقف مطلقا ناقلا ، بل المؤبّد منه ، أمّا ما كان منه في حكم الحبس ، فلا (٣) قال العلامة في المختلف : ولا بأس بقول ابن زهرة ، لانتقال الوقف من الواقف وزوال ملكه عنه (٤).

قال طاب ثراه : ولو شرط عوده عند الحاجة ، فقولان : أشبههما البطلان.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

(أ) صحة الوقف والشرط ، بمعنى أنّه إن احتاج اليه ، ورجع فيه ، صار طلقا ،

__________________

انقرضوا ميراثا على أقرب الناس من آخر المنقرضين.

(١) الجوامع الفقهية : كتاب الغنية ، في الوقف ، ص ٦٠٣ س ٢٠ قال : أو انقرض أربابها جعل ذلك في وجوه البرّ إلخ.

(٢) الفقيه : ج ٤ ، باب الوقف والصدقة والنحل ، الحديث ١.

(٣) الاحتجاج والجواب منقول عن المختلف : ص ٣٥ من كتاب الوقف ، س ٣ فلاحظ.

(٤) المختلف : في الوقف ، ص ٣٥ س ٦ قال : ولا بأس بقول ابن زهرة إلخ.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وجاز له بيعه والتصرف فيه ، وإن لم يرجع ومات كان وقفا ، وهو ظاهر المفيد (١) والسيّد (٢) وسلار (٣) واختاره العلامة ثانيا (٤).

(ب) صحة الشرط والعقد ، ويكون في الحقيقة حبسا ، فان رجع فيه مع الحاجة صار طلقا وورث عنه ، وكذا لو مات ولم يرجع ، قاله الشيخ في النهاية (٥) وتبعه القاضي (٦) وهو الذي رجّحه العلامة في المختلف أوّلا (٧).

(ج) بطلان العقد ، لأنه خلاف مقتضاه ، لأن الوقف لا تباع ، قاله الشيخ في المبسوط (٨) ، وبه قال : أبو علي (٩) وابن حمزة (١٠) وابن

__________________

(١) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ، ص ٩٩ س ٣٢ قال : ومتى شرط الواقف في الوقف انه ان احتاج اليه في حياته كان له بيعه إلخ.

(٢) الانتصار : مسائل شتى في الهبات والإجارات والوقوف ص ٢٢٦ س ١٣ قال : وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنّ من وقف وقفا ، جاز له أن يشرط إلخ.

(٣) المراسم : ذكر احكام الوقوف والصدقات ص ١٩٧ س ٨ قال : وان شرط رجوعه فيه عند فقره كان له ذلك.

(٤) المختلف : في الوقف ، ص ٣٢ س ٣٦ قال : وان لم يرجع ومات كان على حاله وهو الوجه عندي.

(٥) النهاية : باب الوقوف وأحكامها ، ص ٥٩٥ س ١٥ قال : ومتى شرط الواقف انه متى احتاج الى شي‌ء منه كان له بيعه كان الشرط صحيحا إلخ.

(٦) المهذب : ج ٢ ، كتاب الوقف ، ص ٩٣ س ١١ قال : ومن وقف شيئا وشرط انه متى احتاج اليه كان له بيعه إلخ.

(٧) المختلف : في الوقف ، ص ٣٢ س ١٨ قال : والوجه عندي ما قاله الشيخ في النهاية.

(٨) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوقوف والصدقات ص ٣٠٠ س ١ قال : وإذا وقف وقفا وشرط ان يبيعه ايّ وقت شاء كان الوقف باطلا إلخ.

(٩) المختلف : في الوقف ، ص ٣٢ س ١٨ قال : وقال ابن الجنيد : إذا شرط الموقف أنّ له الرجوع فيما وقف وبيعه لم يصح إلخ.

(١٠) الوسيلة : أحكام الوقف ، ص ٣٧٠ س ٩ قال : ولا يجوز الوقف على أربعة عشر الى أن قال : ولا

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إدريس (١).

احتج الأولون بأصالة صحة العقد والشرط معا ، لقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) وقوله عليه السّلام : المؤمنون عند شروطهم (٣) وما رواه محمّد بن الحسن الصفار قال : كتبت الى أبي محمّد العسكري عليه السّلام في الوقف ، فوقّع عليه السّلام : الوقوف على حسب ما وقفها أهلها ان شاء الله (٤). ولأنّ الوقف المشروط سائغ إجماعا ، فإذا زال الشرط الذي علّق عليه الوقف لم يكن ماضيا ، وإذا كان الوقف قابلا للشرط ، والموقوف عليه قابلا للنقل عنه الى غيره ، فأيّ مانع من خصوصية هذا الشرط.

احتج الشيخ على دعوى النهاية بما رواه : أنّ إسماعيل بن الفضيل سأل الصادق عليه السّلام عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه البرّ ، وقال : إن احتجت إلى شي‌ء من المال فأنا أحقّ به ، ترى ذلك له؟ وقد جعله لله ، أن يكون له في حياته ، فاذا هلك يرجع ميراثا ، أو يمضي صدقة؟ قال : يرجع ميراثا إلى أهله (٥).

واحتجّ على قوله في المبسوط : بأنه شرط ينافي عقد الوقف ، فيبطل ، لتضمّنه شرطا فاسدا.

وأجاب الأوّلون. بالمنع من منافاة هذا الشرط للعقد ، وإنما يكون منافيا لو لم

__________________

المشروط بان يبيعه إلخ.

(١) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ، ص ٣٧٧ س ٢١ قال : ومنها أن لا يدخله شرط خيار الواقف في الرجوع فيه.

(٢) المائدة : ١.

(٣) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٣٥ الحديث ٨٤ وص ٢٩٣ الحديث ١٧٣ وج ٢ ص ٢٧٥ الحديث ٧ وج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧.

(٤) الفقيه : ج ٤ ، باب الوقف والصدقة والنحل ، الحديث ١.

(٥) التهذيب : ج ٩ باب الوقوف والصدقات ، ص ١٣٥ الحديث ١٥.

٥٥

الثالث ، في الواقف : ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل وجواز التصرف ، وفي وقف من بلغ عشرا تردّد ، المروي جواز صدقته ، والأولى المنع ، ويجوز أن يجعل الواقف النظر لنفسه على الأشبه ، وإن أطلق فالنظر لأرباب الوقف.

______________________________________________________

يكن الوقف قابلا المثل هذا الشرط ، وهو المتنازع.

قال طاب ثراه : وفي وقف من بلغ عشرا تردّد ، والمروي جواز صدقته ، والأولى المنع.

أقول : سوّغ الشيخ وقفه في المعروف (١) وهو مذهب التقي (٢) وابي علي (٣) ومنع سلار (٤) وابن إدريس (٥) وعليه المصنف (٦) والعلامة (٧).

قال طاب ثراه : ويجوز للواقف ان يجعل النظر لنفسه على الأشبه.

أقول : منع ابن إدريس من صحة هذا الشرط ، وأفسد به الوقف ، حيث عدّ من شرائط صحة الوقف أن لا يدخله شرط خيار الواقف في الرجوع ، وأن لا يتولاه هو بنفسه (٨) واختار المصنف والعلامة الجواز (٩) (١٠) وادّعى العلامة في المختلف :

__________________

(١) النهاية : كتاب الوصايا ، باب شرائط الوصية ص ٦١١ س ١٥ قال : وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين وهبته وعتقه إذا كان بالمعروف في وجه البرّ إلخ أقول : الظاهر أنّ تعبير المصنف قدّس سرّه بقوله «سوّغ الشيخ وقفه بالمعروف» لأن الشيخ يرى ان الوقف صدقة ، لاحظ باب الوقوف وأحكامها ص ٥٩٦ س ٦ حيث قال : والوقف والصدقة شي‌ء واحد ، ولم نجد في كتب الشيخ التصريح بصحة وقف من بلغ عشرا ، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

(٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٧) لم أعثر على هذه المذاهب في الوقف إلّا في أبواب الوصايا في صحة وصية من بلغ عشرا أو عدم صحته.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ص ٣٧٧ س ٢١ قال : ولا أن يتولّاه هو بنفسه.

(٩) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(١٠) المختلف : في الوقف ، ص ٣٤ س ٦ قال : لا خلاف في انّ الواقف يجوز له أن يشترط في وقفه النظر لنفسه.

٥٦

الرابع ، في الموقوف عليه : ويشترط وجوده وتعيينه ، وأن يكون ممّن يملك ، وأن لا يكون الوقف عليه محرّما فلو وقف على من سيوجد لم يصح ، ولو وقف على موجود وبعده على من يوجد صحّ ، والوقف على البرّ يصرف الى الفقراء ووجه القرب. ولا يصح وقف المسلم على البيع والكنائس ، ولو وقف على ذلك الكافر صحّ ، وفيه وجه آخر. ولا يقف المسلم على الحربي ولو كان رحما ، ويقف على الذمي وإن كان أجنبيا.

ولو وقف المسلم على الفقراء انصرف الى فقراء المسلمين ولو كان كافرا انصرف الى فقراء نحلته.

______________________________________________________

الإجماع ، حيث قال : لا خلاف أن الواقف يجوز له ان يشترط في وقفه النظر لنفسه في الوقف ، وأن يتولاه بنفسه من الاستنماء وخراج النماء إلى أربابه على حسب ما شرط في الوقف ، عملا بالأصل ، وبقوله : المؤمنون عند شروطهم (١) وقول العسكري عليه السّلام : الوقف على حسب ما يوقفها أهلها (٢).

قال طاب ثراه : ولو وقف على ذلك الكافر صحّ ، وفيه وجه آخر.

أقول : قال المفيد : ان وقف مسلم شيئا على عمارة بيعة ، أو كنيسة ، أو بيت نار كان الوقف باطلا ، وإذا وقف الذمّي ذلك جاز (٣) وهو ظاهر القاضي (٤) والمصنف (٥) وقال ابن الجنيد : فأمّا ما وقفه أهل الشرك على الأماكن التي يشركون

__________________

(١) و (٢) تقدّما آنفا.

(٣) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ، ص ١٠٠ س ٦ قال : وان وقف مسلم شيئا على عمارة بيعة إلخ.

(٤) المهذب : ج ٢ ، تقسيم الوقف حسب الواقف ، ص ٩٢ س ٣ قال : فإن وقف المسلم شيئا على البيع والكنائس ، أو شي‌ء من بيوت عبادات الكفار على اختلافهم كان باطلا.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٥٧

والمسلمون من صلّى إلى القبلة ، والمؤمنون الاثنى عشرية ، وهم الإمامية ، وقيل : مجتنبو الكبائر خاصة.

______________________________________________________

فيها بالعبادة بغير الله تعالى كبيوت النيران والأصنام ، والقرابين للشمس والكواكب ونحوها في أيّ أرض كانت تملك المسلمون الحكم فيها ، فإنّ ذلك غير ممضى ، ولأئمة الدين أن يصرفوا ثمرها وغلاتها إلى ما يصرفون إليه سهم الله في الغنائم (١) وفصّل العلامة فقال : إن كانت بيوت عبادة الله كالبيع والكنائس صحّ الوقف ، وان كانت بيوت عبادة لغير الله تعالى كبيوت الأصنام والنيران فان الوقف باطل ، وحكمه حكم الأرض المفتوحة إذا فتحها المسلمون ، لأنّا أمرنا لإقرار أهل الذمة على عباداتهم ومواضع معتقداتهم ، فصحّ وقفهم عليها كما جاز لهم عمارتها ، بخلاف بيوت النيران ، فإنها ليست مواضع عبادة الله تعالى (٢).

قال طاب ثراه : والمؤمنون الاثنى عشرية ، وهم الإمامية ، وقيل : مجتنبو الكبائر.

أقول : القول الأوّل مذهب الشيخ في التبيان (٣) وبه قال سلار (٤) وابن إدريس (٥) واختاره المصنف (٦) والعلامة (٧).

__________________

(١) و (٢) المختلف : في الوقف ، ص ٣٧ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد : وأمّا ما وقفه أهل الشرك على الأماكن إلخ. ثمَّ قال بعد نقل قول ابن الجنيد : والمعتمد أن نقول : إن كانت بيوت عبادة الله صح الوقف كالبيع والكنائس إلخ.

(٣) قال في تفسيره لآية ١٧٢ من سورة البقرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ إلخ) : هذا الخطاب يتوجه الى جميع المؤمنين ، وقد بينا ان المؤمنين هو المصدق بما وجب عليه. ويدخل فيه الفسّاق إلخ.

(٤) المراسم : ذكر احكام الوقوف والصدقات ، ص ١٩٨ س ١٥ قال : وان قال للإمامية فهو لمن قال بإمامة الاثنى عشر عليهم السّلام.

(٥) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ص ٣٧٨ س ٣٧ قال : وان وقفه على الإمامية خاصة كان فيمن قال بإمامة الاثنى عشر منهم.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٧) تحرير الأحكام : الفصل الرابع في شرائط الموقوف عليه ، ص ٢٨٦ (با) قال : إذا وقف على

٥٨

والشيعة : الإمامية والجارودية ، من الزيدية من قال بإمامة زيد ، والفطحية من قال بالأفطح ، والإسماعيلية من قال بإسماعيل بن جعفر عليه السّلام ، والناووسية من وقف على جعفر بن محمّد عليهما السّلام ، والواقفية من وقف على موسى بن جعفر عليهما السّلام ، والكيسانية من قال : بامامة محمّد بن الحنفية.

______________________________________________________

والثاني مذهبه في النهاية (١) وبه قال المفيد (٢) والقاضي (٣) وابن حمزة (٤).

قال طاب ثراه : والشيعة الإمامية ، والجارودية من الزيدية (٥).

أقول : هذا هو المشهور بين أصحابنا ، وجزم به المصنف (٦) والعلامة (٧) عملا بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٨) والوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (٩) وقال ابن

__________________

المؤمنين انصرف الى الاثنى عشرية.

(١) النهاية : باب الوقوف وأحكامها ، ص ٥٩٧ س ٢٠ قال : فإن وقف على المؤمنين كان ذلك خاصا لمجتنبي الكبائر.

(٢) المقنعة : باب الوقوف ، ص ١٠٠ س ١٢ قال : فان وقفه على المؤمنين كان على مجتنبي الكبائر من الشيعة الإمامية خاصة.

(٣) المهذب : ج ٢ ، باب الوقوف ، ص ٨٩ س ١٤ قال : فان وقفه على المؤمنين كان ذلك لمجتنبي الكبائر من أهل الحق والمعرفة.

(٤) الوسيلة : فصل في بيان الوقف واحكامه ص ٢٧١ س ٢ قال : وان عينهم بالايمان كان الظاهر العدالة من الإمامية.

(٥) اختلف النسخ من الأصل والشرح في ضبط هذه الجملة ، ففي بعضها (والجارودية والزيدية) وفي البعض الأخر كما أثبتناه والظاهر انه الصحيح ، وان كانت العبارة غير سلسلة.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٧) المختلف : في الوقف ، ص ٣٥ قال بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس : والوجه الأول عملا بعموم اللفظ.

(٨) تقدما

(٩) تقدما

٥٩

ولو وصفهم بنسبة الى عالم ، كان لمن دان بمقالته ، كالحنفية. ولو نسبهم إلى أب كان لمن انتسب إليه بالأبناء دون البنات على الخلاف كالعلوية والهاشمية ، ويتساوى فيه الذكور والإناث. وقومه أهل لغته ،

______________________________________________________

إدريس : ان كان الواقف من احدى فرق الزيدية حمل كلام العام على شاهد حاله ، وفحوى قوله ، وخصّص به ، وصرف في أهل نحلته دون من عداهم من سائر المنطوق به عملا بشاهد الحال (١) وما أحسن هذا القيد ، ألا ترى انه من المستبعد أن يتوقف المؤمن على احدى فرق الزيدية الّذين هم أشدّ عداوة لأهل البيت وللشيعة من النواصب.

توضيح

الزيدية ثلاث فرق :

(أ) الجارودية ، أصحاب أبي الجارود ابن زياد بن منقذ العبدي. قال : إنّ النبي صلّى الله عليه وآله نصّ على عليّ عليه السّلام بالوصف دون التسمية.

(ب) أصحاب سليمان بن جرير. قالوا : إنّ البيعة طريق الإمامية ، واعترفوا بامامة ابي بكر وعمر اجتهادا ، ثمَّ إنهم تارة يصوّبون ذلك الاجتهاد ، وتارة يخطئونه ، وقالوا : بكفر عثمان وعائشة وطلحة وزبير ومعاوية لقتالهم عليّا.

(ج) الصالحية ، أصحاب الحسن بن صالح ابن حيّ ، وكان فقيها ، وكان يثبت إمامة أبي بكر وعمر ، ويفضّل عليّا عليه السّلام على سائر الصحابة ، وتوقّف في عثمان لما سمع عنه من الفضائل تارة ومن الرذائل أخرى.

قال طاب ثراه : ولو نسبهم إلى أب كان لمن انتسب إليه بالأبناء دون البنات على الخلاف كالعلوية والهاشمية.

__________________

(١) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ص ٣٧٨ س ٣٥ قال : فان كان الواقف إلخ.

٦٠