المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

احتج الأوّلون بوجوه :

(أ) عموم قوله تعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» (١) والإضافة تصدق بأدنى ملابسة ، كما تقول لأحد حاملي الخشبة : خذ طرفك ، وكقول الشاعر :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل ، أذاعت غزلها في القرائب (٢)

فنسب الكوكب إليها لشدة اهتمامها عند ظهوره.

(ب) صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه سئل عن رجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثمَّ فجر بأمّها أو أختها لم يحرم عليه الذي عنده (٣).

ومثلها صحيحة عيص بن القاسم (٤) ومنصور بن حازم (٥) وفي معنى ذلك من الصحاح روايات أخر.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) لم يسم قائله ، كلمة إذا للشرط ، والخرقاء بالخاء المعجمة والراء المهملة والقاف كحمراء ، اسم امرأة في عقلها نقصان ، وهي مؤنث أخرق بمعنى الأحمق ، وانما سمّيت بها؟ لأنّها كانت لا تتهيّأ أسباب الشتاء في الصيف ، فلما طلع سهيل وأصاب البرد فرقت قطنها بين نساء أقاربها وجاراتها ليساعدنها في الغزل ، لتتهيأ لباس شتائها ، قوله : (لاح) بالحاء المهملة بمعنى طلع ، و (سحرة) كغرفة وقت السحر ، و (سهيل) كزبير كوكب معروف ، وهو عطف بيان أو بدل من كوكب الخرقاء ، و (أذاعت) بالذال المعجمة والعين المهملة ماض من الإذاعة بمعنى الانتشار ، و (الغزل) بالعين والزاء المعجمتين كفلس ، القطن والصوف ، و (الأقارب) جمع أقرب وهو أفعل من القرب ضدّ البعد ، وروى مكانه (القرائب) وهو جمع قريبته ، وهي التي بينك وبينها قرابة أى رحم (جامع الشواهد باب الألف بعده الذال).

(٣) التهذيب : ج ٧ (٢٨) باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها ص ٣٢٩ الحديث ١٠.

(٤) و (٥) التهذيب : ج ٧ (٢٨) باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها ص ٣٣٠ الحديث ١٤ ـ ١٥.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) أنه أحوط ، وقال عليه السّلام : دع ما يريبك الى ما لا يريبك (١) ويجيب الاحتراز عن الضرر المظنون.

(د) أنّ ما تعلق بالتحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور ، كما في وطء المحرّم والحائض ومن لم تبلغ احتج الآخرون بوجوه :

(أ) قوله تعالى «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» (٢) «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» (٣).

(ب) رواية هشام بن المثنى قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل ، فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوّجها؟ قال : نعم وأمّها وابنتها (٤).

وفي معناها رواية حنان بن سدير (٥).

(ج) الأصل الإباحة.

(د) أنه وطء لا حرمة له ولا يوجب تحريما ، لإلغائه في نظر الشرع ، ولهذا لم يترتب عليه النسب والعدة وأجيب عن الآية الأولى بتأويلها (ما طاب لكم) أي ما حلّ وأبيح ، وليست هذه مباحة لأنه عين المتنازع.

وعن الثانية : بأن المتنازع دخل فيما نص على تحريمه في السابقة عليها ، لما بيّنا من

__________________

(١) الوسائل : ج ١٨ كتاب القضاء ، باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٨ نقلا عن الفضل بن الحسن الطبرسي في تفسيره الصغير ، وحديث ٥٦ نقلا عن الشهيد في الذكرى ، وفي مسند احمد بن حنبل : ج ٣ ص ١٥٣.

(٢) النساء : ٣.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٢٨ باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها ص ٣٢٦ الحديث ١.

(٥) التهذيب : ج ٧ (٢٨) باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها ص ٣٢٨ الحديث ٩.

٢٦٢

ولو زنى بالعمة أو الخالة حرمت عليه بناتهما.

وأما اللّمس والنظر بما لا يجوز لغير المالك فمنهم من نشر به الحرمة على أب اللامس والناظر وولده ومنهم من خص التحريم بمنظورة الأب ، والوجه الكراهية في ذلك كله ، ولا يتعدّى التحريم إلى أمّ الملموسة والمنظورة ولا بنتيهما.

______________________________________________________

دخولها في قوله «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ».

وعن الأحاديث بحملها على ما يكون دون الوطء والإفضاء ، أمّا معه فلا ، لتفصيل رواية منصور بن حازم (الصحيحة) ، عن الصادق عليه السّلام في رجل كان بينه وبين امرأة فجورا ، هل يتزوج ابنتها؟ قال : إن كان قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها ، وإن كان جماعا فلا يتزوّج ابنتها وليتزوّجها هي (١).

وعن الأصل بوجوب مخالفته للدليل وقد بيّناه.

تنبيه

المراد بالزنا الناشر للحرمة عند القائل به السابق على الحلّ ، ولو سبق عقد الأب أو الابن على امرأة ثمَّ زنى بها الآخر لم تحرم على العاقد ، سواء دخل العاقد أو لم يدخل ، خلافا لأبي علي حيث شرط الوطء (٢) فلو عقد ولم يدخل ثمَّ زنى بها الآخر حرمت على العاقد عنده ، وكذا لو عقد على امرأة ثمَّ زنى بأمّها لم تحرم الاولى عندنا ، لسبق الحلّ ، ولصحيحة محمّد بن مسلم السابقة عليه.

قال طاب ثراه : وأما اللمس والنظر بما لا يجوز لغير المالك فمنهم من نشر به الحرمة.

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٠٧) باب الرجل يزني بالمرأة لأبيه أو لابنه أن يتزوّجها ص ١٦٧ الحديث ٩.

(٢) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٦ س ٨ قال : وشرط ابن الجنيد في الإباحة الوطي ، ولو عقد ولم يدخل وزنى الآخر حرمت على العاقد ابدا ، ولو دخل لم يحرم.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى : نظر الإنسان إلى المرأة أو لمسه إن كان لما يجوز لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف من غير شهوة لم يتعلّق به حكم بالإجماع.

الثانية : لو كان النظر أو القبلة بشهوة هل تحرم على أب الناظر وابنه؟ قال الشيخ : نعم (١) وبه قال القاضي (٢) وابن حمزة (٣) واختاره العلامة في المختلف (٤) والتذكرة (٥) وقال ابن إدريس : لا تحرم (٦) واختاره المصنف (٧) والعلامة في القواعد (٨) والإرشاد (٩) احتج الأوّلون بوجوه :

__________________

(١) النهاية : باب ما أحلّ الله تعالى من النكاح ص ٤٥١ س ١٤ قال : ويحرم وطء جارية الى ان قال : أو نظرا منها الى ما يحرم على غير مالكها النظر إليها ، أو قبّلاها بشهوة إلخ وقال في باب السراري وملك الايمان ص ٤٩٦ س ١٤ : ولا يجوز للرجل أن يطأ جارية قد وطأها أبوه أو قبلها بشهوة إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ باب السراري وملك الايمان ص ٢٤٦ س ١٢ قال : وإذا كان لرجل جارية فوطئها أو قبلها بشهوة إلخ.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان أحكام السراري وملك الايمان ص ٣٠٧ س ١٠ قال : فالمانع من الوطي الى أن قال : ونظره منها الى ما لا يحل لغير المالك النظر اليه وتقبيله إياها بشهوة إلخ.

(٤) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٦ قال : مسألة قال الشيخ في النهاية : لو نظر الأب أو الابن الى أن قال : والأقرب قول الشيخ.

(٥) التذكرة : كتاب النكاح ص ٦٣٣ قال : مسألة ، قال الشيخ يحرم ، وبعد نقل قول الشيخ نقل قول ابن إدريس ثمَّ ردّه.

(٦) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٨٧ س ٣٤ قال : فامّا إذا قبّلاها أو نظر إليها فلا إجماع على حظر ذلك ، بل الأصل الإباحة الى أن قال : وبه أفتي.

(٧) لاحظ عبارة النافع.

(٨) القواعد : الفصل الثاني المصاهرة ص ١٤ س ١٩ قال : اما النظر واللمس بما يحرم على غير المالك والقبلة فلا.

(٩) الإرشاد : المطلب الثاني في أسباب التحريم الأوّل المصاهرة ، قال : والنظر الى ما يحرم على غير المالك النظر اليه لا ينشر الحرمة وان كان الناظر أبا أو ابنا على رأي (مخطوط).

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) عموم قوله تعالى «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (١) ومقتضاه التحريم بمجرّد حلّ النكاح ، خرج منه ما إذا تجرّد عن أحد الأربعة أعني الجماع والقبلة والنظر واللمس بالإجماع ، فبقي الباقي على عمومه.

(ب) قوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» (٢) وشراء الأمة مع النظر واللمس بشهوة أدخل في الاستمتاع وأقوى في نشر الحرمة من العقد المجرد عن الوطء.

(ج) صحيحة محمّد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السّلام وقد سأله عن الرجل يكون له الجارية يقبّلها هل تحلّ لولده؟ قال : بشهوة؟ قلت : نعم ، قال : فما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة ، ثمَّ قال ابتداء منه إن جرّدها فنظر إليها بشهوة حرمت على ابنه وأبيه ، قلت : إذا نظر إلى جسدها ، فقال : إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه (٣).

وفي معناها صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام (٤).

احتج الآخرون بوجوه :

(أ) عموم قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٥).

(ب) أصالة الإباحة.

(ج) قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) (٦).

(د) قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٧).

(ه) موثقة علي بن يقطين عن العبد الصالح في الرجل يقبّل الجارية ويباشرها

__________________

(١) النساء : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) النساء : ٢٢ ـ ٢٣.

(٣) الكافي : ج ٥ ، باب ما يحرم على الرجل ممّا نكح ابنه وأبوه وما يحل له ، ص ٤١٨ الحديث ٢.

(٤) الكافي : ج ٥ ، باب ما يحرم على الرجل ممّا نكح ابنه وأبوه وما يحلّ له ص ٤١٩ الحديث ٥.

(٥) و (٦) النساء : ٣.

(٧) النساء : ٢٤.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

من غير جماع داخل أو خارج ، أيحل لأبيه وابنه؟ قال : لا بأس (١).

وأجاب المانعون عن الأصل بأنه مخالف للدليل ، وعن الآية الأولى بأنّها مخصوصة ، وعن الثانية ، المراد بها ما حلّ ، فالاستدلال بها مصادرة ، وعن الثالثة بأنّها داخلة فيما تقدّم تحريمه ، وعن الحديث بحمله على عدم الشهوة ، لعدم منافاة المطلق إذا حمل على المقيّد ، وبأنّ الصحيح مقدّم على الموثّق مع التعارض.

الثالثة : على القول بنشر الحرمة بالنظر وأخويه ، هل التحريم مقصور على الابن ، أو يتعدّى الى الأب؟ الشيخ ومتابعوه على الثاني (٢) والمفيد على الأوّل (٣) وهو ظاهر التقي (٤).

الرابعة : على القول بتعدّي نشر الحرمة في جانب الناظر ، هل هو كذلك في جانب المنظورة؟ بمعنى أنّه يحرم أمّ المنظورة وبنتها على الناظر كما تحرم على الواطئ والعاقد ، قال ابن الجنيد : نعم (٥) وبه قال الشيخ في الخلاف (٦) فجزم بتحريم أمّ

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٣٢) باب ما يحرم جارية الأب على الابن أو جارية الابن على الأب ص ٢١٢ الحديث ٤.

(٢) النهاية : باب ما أحلّ الله تعالى من النكاح وما حرّم منه ص ٤٥١ س ١٤ قال : ويحرم وطء جارية قد ملكها الأب أو الابن إذا جامعاها ، أو نظرا منها الى ما يحرم على غير مالكها إلخ وقال في باب السراري وملك الايمان ص ٤٩٦ س ١٦ قال : وحكم الابن حكم الأب سواء إلى أن قال : حرمت على الأب.

(٣) المقنعة : باب السراري وملك الايمان ص ٨٤ س ٣٢ قال : وإذا نظر الأب إلى جارية قد ملكها نظرا بشهوة حرمت على ابنه ، ولا تحرم على الأب بنظر الابن.

(٤) الكافي : النكاح ص ٢٨٦ س ٢ قال : وأمّا المحرمات ، بالأسباب الى أن قال : وزوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة إلخ فجعل التحريم مقصورا على الابن فقط دون العكس.

(٥) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٧ س ٢٩ قال : بقي هنا بحث آخر ، وهو أنّ النظر والتقبيل واللمس بشهوة هل لا ينشر الحرمة في غير الأب والابن أم لا؟ قال ابن الجنيد : وإذا اتى الرجل من زوجته أو أمته محرّما على غيره إلخ.

(٦) الخلاف : كتاب النكاح مسألة ٨١ قال : اللمس بشهوة لا ينشر التحريم وتحرم الام وان علت

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المنظورة وان علت وبنتها وإن نزلت ، وذهب ابن إدريس إلى عدم التحريم (١) وكذا المصنف (٢) والعلامة (٣).

لوجوه :

(أ) أصالة الإباحة.

(ب) قوله تعالى «فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» والنظر وأخواه لا يسمّى واحدا منهما دخولا.

(ج) إن أحدا لم يفرّق بين البنت وأمّ الأمة ، والبنت من النسب مباحة فكذا من الملك ، روى عيص بن القاسم في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل باشر امرأة وقبّل غير انه لم يفض إليها ، ثمَّ تزوّج ابنتها؟ قال : إن لم يكن أفضى إليها فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوّج (٤) وإذا ثبت إباحة البنت حلّت الام لعدم الفارق.

الخامسة : على القول بالتعدّي إلى الأمّ والبنت في الأمة ، هل تتعدّى في المعقود عليها؟ قال ابن الجنيد : نعم (٥) وتبعه الشيخ في الخلاف (٦) قال أبو علي : إذا أتى الرجل من زوجته أو أمته محرما على غيره كالقبلة والملامسة أو النظر إلى عورة فقد

__________________

والبنت وان نزلت.

(١) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٨٧ س ٣٤ قال : فاما إذا قبّلاها أو نظرا إليها فلا إجماع على خطر ذلك ، بل الأصل الإباحة الى أن قال : وهذا مذهب شيخنا المفيد وبه أفتي.

(٢) لا حظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٧ س ٣٥ قال بعد نقل قول الشيخ وابن الجنيد : والوجه الإباحة.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحلّ الله نكاحه النساء ص ٢٨٠ الحديث ٢٢ وفي ج ٧ (٢٨) باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها ص ٣٣٠ الحديث ١٤.

(٥) تقدّم نقله عن المختلف.

(٦) الخلاف : كتاب النكاح ، مسألة ٨٢ قال : إذا نظر الى فرجها تعلّق به تحريم المصاهرة إلخ.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حرمت عليه ابنتها بنسب كانت أم رضاع (١) وقال الشيخ في الخلاف : إذا نظر الى فرجها تعلق عليه تحريم المصاهرة (٢).

والأقرب عدم التحريم ، لأصالة الحل ، وهو مذهب ابن إدريس (٣) والمصنف (٤) والعلامة (٥) لقوله تعالى «فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» (٦) علق التحريم بالدخول ، ولا يسمى النظر وأخواه دخولا.

احتجّ المانعون بالاحتياط ، وبما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله لا ينظر الله إلى رجل نظر الى فرج امرأة وابنتها (٧).

وقال عليه السّلام : من كشف قناع امرأة حرم عليه أمّها وبنتها (٨) هذا استدلال الشيخ في الخلاف (٩).

ويؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة فنظر الى شعر رأسها وإلى بعض جسدها أيتزوّج ابنتها؟ قال : لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوّج ابنتها (١٠) وحملها الشيخ في الاستبصار على الكراهية دون التحريم لأنه تعالى علق التحريم على الدخول كما

__________________

(١) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٧ س ٣٠ قال : قال ابن الجنيد : وإذا أتى الرجل إلخ.

(٢) تقدّم آنفا.

(٣) تقدّم آنفا ما عن ابن إدريس.

(٤) و (٥) تقدّما أيضا.

(٦) النساء : ٢٣.

(٧) و (٨) و (٩) الخلاف : كتاب النكاح مسألة ٨٢ قال : دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، وطريقة الاحتياط ، وروي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : لا ينظر الله إلخ ثمَّ قال : وقال عليه السّلام : من كشف قناع امرأة إلخ.

(١٠) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحلّ الله نكاحه من النساء ص ٢٨٠ الحديث ٢٣.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تضمنه خبر عيص (١).

تذنيب

قد ظهر فيما قلنا فيما سلف ان الزنا ينشر حرمة المصاهرة ، ويلزم القائل بذلك القول به في عقد الشبهة ووطء الشبهة ، وقال ابن إدريس : لا يثبت بعقد الشبهة ووطئها تحريم المصاهرة (٢) وقال المصنف في الشرائع : وفي وطء الشبهة تردّد أظهره انه لا ينشر (٣) وقال العلامة في المختلف : والوجه الأوّل (٤) ، وقد بيّنا حكم النظر وأخويه إذا كان مباحا لكونه في ملك أو عقد.

ولو كان في شبهة ، قال في الخلاف : ينشر الحرمة إلى الأمّ وإن علت والبنت وإن نزلت ولو كان ذلك إلى الأجنبيّة (٥) قال فخر المحققين : كل من قال لا يحرم الوطء بالزنا ، قال : لا يحرم هنا ، واختلف القائلون بالتحريم بالوطء بالزنا في تحريمه هنا على قولين : (٦).

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٠٦) باب حدّ الدخول الذي يجرم معه نكاح الربيبة ص ١٦٣ قال بعد نقل حديث محمّد بن مسلم : فالوجه في هذه الروايات ضرب من الكراهية الى أن قال : فعلّق التحريم بالدخول حسب ما تضمّنه الخبر الأوّل ، أي خبر عيص.

(٢) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٨٩ س ٣٠ قال : فاما عقد الشبهة ووطؤ الشبهة فعندنا لا ينشر الحرمة

(٣) الشرائع : السبب الثالث المصاهرة ، قال : وامّا الوطء بالشبهة الى أن قال : وفيه تردّد والأظهر انّه لا ينشر.

(٤) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٧ س ٢٨ قال : والوجه الأوّل وقد تقدّم.

(٥) الخلاف : كتاب النكاح مسألة ٨١ وفيه (إذا كان مباحا أو بشبهة) وليس فيه جملة (ولو كان إلخ) ولعل الطاهر أن نقله بالمعنى.

(٦) الإيضاح : في أحكام المصاهرة ج ٣ ص ٦٦ قال : المسألة الرابعة ، النظر المحرم إلى الأجنبية هل يحرم الامّ والبنت؟ كل من قال إلخ ثمَّ قال : والأقوى عندي عدم التحريم.

٢٦٩

ويلحق بهذا الباب مسائل :

الاولى : لو ملك أختين فوطئ واحدة حرمت الأخرى ، ولو وطأ الثانية أثم ولم تحرم الاولى ، واضطربت الرواية ، ففي بعضها تحرم الاولى حتى تخرج الثانية عن الملك ، لا للعود ، وفي اخرى : إن كان جاهلا لم تحرم ، وان كان عالما حرمتا عليه.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : لو ملك أختين فوطئ واحدة حرمت الأخرى ، ولو وطأ الثانية أثم ولم تحرم الاولى واضطربت الرواية ففي بعضها تحرم الاولى حتى تخرج الثانية عن الملك لا للعود ، وفي اخرى : ان كان جاهلا لم تحرم وان كان عالما حرمتا عليه.

أقول : إذا ملك أختين جاز له نكاح أيهما شاء ، فإذا وطأ إحداهما حرم عليه وطء الأخرى حتى يخرج الموطوءة عن ملكه بأيّ نوع كان من أنواع الملك ، ولا يكفي الإجارة ، ولا الرهن لبقاء الملك ، وكذا لا يكفي الهبة من دون قبض ويكفي معه وإن جاز الرجوع ، فإن وطء الثانية قبل الإخراج لم تحرم الأولى ، لسبق الحلّ إليها ، كما لو أدخل أخت الزوجة عليها ، فإنّ التحريم تتعلّق بالثانية ، ويؤيّده قوله عليه السّلام : لا يحرم الحرام الحلال (١) هذا اختيار ابن إدريس (٢) وبه قال المصنف (٣) والعلامة في القواعد (٤) ولو أخرج الأولى حلّت الثانية.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٢٨) باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها ص ٣٢٨ قطعة من حديث ٩ وسنن ابن ماجه : ج ١ كتاب النكاح (٦٣) باب لا يحرم الحرام الحلال ، الحديث ٢٠١٥.

(٢) السرائر : باب السراري وملك الايمان ، ص ٣١٥ س ٢٠ قال : فأما الأختان فمتى وطئ أحدهما إلخ.

(٣) لا حظ عبارة النافع.

(٤) القواعد : كتاب النكاح ، المقصد الثاني في التحريم غير المؤبد ، السادسة ص ١٧ س ٩ قال : ولو وطء امة بالملك حرمت عليه أختها به حتى تخرج الاولى عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما الى ان قال : والأقرب انه متى أخرج إحداهما إلخ.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الشيخ في النهاية : إذا وطأ الثانية وكان عالما بتحريمها حرمت عليه الاولى حتى تخرج أو تموت الثانية ، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها ، ولو لم يعلم تحريم ذلك عليه جاز له الرجوع إلى الأولى على كلّ حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ببيع أو هبة (١) وتبعه القاضي (٢) وابن حمزة (٣) واختاره العلامة في المختلف (٤).

قوله : واضطربت الرواية ففي بعضها تحرم الاولى حتى تخرج الثانية ، وفي بعضها ان كان جاهلا اللام في الرواية للجنس ، لا للعهد ، فليس هناك رواية واحدة فيها اضطراب ، لكونها بطريقين مثلا ، بل النص الوارد بالتحريم مضطرب ، فبعض النصوص ورد مطلقا ، وهو روايات :

منها : موثقة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : سئل عن رجل عنده اختان مملوكتان ، فوطئ إحداهما ، ثمَّ وطأ الأخرى؟ قال : إذا وطأ الأخرى فقد حرمت الاولى حتى تموت الأخرى ، قلت : أرأيت إن باعها أتحلّ له الاولى؟ قال : إن كان يبيعها لحاجته ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‌ء ، فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان يبيعها ليرجع إلى الاولى ، فلا ولا كرامة (٥).

__________________

(١) النهاية : باب ما أحلّ الله تعالى من النكاح وما حرم منه ، ص ٤٥٥ س ٨ قال : فمتى ملك الأختين إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ ، باب في ذكر من يحرم نكاحه من النساء ومن يحل منهن ، ص ١٨٥ س ٦ قال : ويحرم عليه الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء إلخ.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان من يجوز العقد عليه ص ٢٩٤ س ١٩ قال : فان ملك أختين ووطأ إحداهما إلخ.

(٤) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٨ قال : مسألة لو ملك الأختين إلى أن قال بعد نقل قول الشيخ أوّلا وما قاله ابن إدريس ثانيا : والمعتمد الأوّل.

(٥) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرّم منهنّ ص ٢٩٠ الحديث ٥٣.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوه روى أبو الصباح الكناني (١).

ومثلها رواية على بن حمزة (٢).

وبعض النصوص ورد بالتحريم مقيّدا بالعلم ، وهو روايات :

فمنها : ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : الرجل يشتري الأختين ، فيطأ إحداهما ثمَّ يطأ الأخرى بجهالة؟ قال : إذا وطأ الأخيرة بجهالة لم يحرم عليه الاولى ، وإن وطأ الأخيرة وهو يعلم أنها عليه حرام حرمتا جميعا (٣).

قال الشيخ : معنى (حرمتا جميعا) أي ما دامتا في ملكه ، فاذا زال ملك إحداهما فقد حلّت له الأخرى (٤).

فالحاصل أن الواطئ إمّا أن يكون عالما ، أو جاهلا ، فان كان عالما حرمت الاولى ولا يحلّ حتى تخرج الثانية على الشرط المذكور ، والثانية أيضا محرّمة لسبق التحريم إليها ، فإن أبقاهما على ملكه كانتا معا محرّمتين ، فإن أخرج الأولى حلّت الثانية ، وإن كان جاهلا حلّت الاولى بإخراج الثانية كيف كان.

هذا فرق بين العالم والجاهل عند الشيخ ومن تابعه ، وقد ذكرناه.

وقال ابن إدريس : أيّتهما أخرج حلّت له الأخرى ، مع نية العود وعدمها ، ومع العلم والجهل ، ومع بقائها يحرم الثانية دون الأولى ، لسبق الحل إليها (٥) وفي المبسوط

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرّم منهنّ ص ٢٩٠ الحديث ٥٢.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرّم منهنّ ص ٢٩٠ الحديث ٥٤.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن ص ٢٩٠ الحديث ٥٥.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٢٥) باب من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن ص ٢٩١ قال بعد نقل حديث ٥٦ : قوله عليه السّلام آه.

(٥) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٩٠ س ١٦ قال : والذي يقتضيه أصول المذهب ويقوى في نفسي أنه إذا أخرج إحداهما عن ملكه حلت الأخرى سواء أخرجها ليعود الى من هي باقية في ملكه أو لا يعود عالما كان بالتحريم أو غير عالم إلخ.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

اضرب عن التفصيل وقال : ولا تحرم الاولى بوطء الثانية ، بل هي على ما كانت عليه ، لكن يستحب له التوقف حتى يستبرئ الأخرى لئلا يجمع ماءه في رحم أختين (١) ومال العلامة في المختلف إلى العمل بالرّواية المشتملة على التفصيل ، قال : أمّا حلّ الأولى فللأصل ، ولأنّ الجهل عذر بخلاف العلم ، فجاز أن يقابل بنقيض مقصوده ، كما قوبل القاتل بمنع الإرث ، لرواية الحلبي المتقدمة (٢).

تفريع

قد بيّنا أنه إذا ملك أختين ووطأ واحدة حرمت الأخرى ، فمع إبقائها في ملكه ، المحرّم ، الثانية خاصة دون الاولى ، لسبق الحلّ إليها ، ولو أخرج الأولى حلّت الأخرى ، ويشترط في الإخراج أن يكون محرّما للوطء تحريما لا يقدر على رفعه ، فلا تكفي الإجارة ، ولا الرهن ، لعدم زوال الملك ، وتمكنه من الوطء بالفك ، أو الإذن المرتهن لا عروض التحريم بالصوم ، والإحرام ، والحيض ، وتحريمها باليمين ، والردّة ، والعدّة من وطء الغير بشبهة ، ويكفي بيع بعضها ، لحصول التحريم به.

وهنا مسائل

(أ) هل يكفي التحريم بالتزويج والكتابة؟ قال في التذكرة : نعم ، لأنه تحريم

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ ، فصل فيمن يجوز العقد عليهن من النساء ص ٢٠٧ س ٣ قال : ولا تحرم الاولى بوطء الثانية ، بل هي على ما كانت عليه إلخ.

(٢) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٩ س ٢ قال : أمّا مع الجهل فلا يحرم عليه الاولى للأصل ولان الجهل عذر إلخ.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يمكنه رفعه (١) واستشكله في القواعد (٢) وقال فخر المحققين : لا بد من خروج الرقبة عن ملكه (٣) وهو المعتمد : ويكفي الكتابة وإن كانت مشروطة.

(ب) لا يكفي الهبة من دون القبض ، ويكفي معه ، وكذا لو جعلها عوضا في إجازة أو هبة.

(ج) لا يجزى بيعها بخيار للبائع وإن قلنا بنقل الملك بالعقد ، لتمكّنه من وطئها ، نعم يجوز الإقالة وبيعها بخيار المشترى ، فلو ردّها به ، أو بعيب ، أو إقالة وجب استبراؤها لحدوث الملك ، ثمَّ إن كان قد وطأ الأخرى لم يحل المردودة حتى يخرج الموطوءة.

(د) لو كاتب الموطوءة أو باعها ثمَّ عادت بعيب ، أو فسخت كتابتها بالعجز ، فإن لم يكن وطء الأخرى تخيّر لحلّ الأخرى بتحريم الاولى ، وحلّ الاولى بالاستبراء ، وإن كان قد وطأها لم تحل المكاتبة إلّا مع تحريم الأخرى كالمردودة.

(ه) لو كانت إحدى الأختين مجوسيّة ، أو أخته من الرضاعة ، فوطئ المحرّمة بشبهة ، جاز له وطء الأخرى ، لحصول التحريم في الاولى.

(و) لو ملك أمة وبنتها ووطأ إحداهما حرمت الأخرى مؤبّدا ، فإن وطأها بجهالة حرمت الأولى أيضا مؤبّدا ، وإن كان مع العلم حدّ ولم تحرم الاولى.

(ز) إذا أخرج الأولى حلّت الثانية في الحال ، وقال بعض العامة : لا تحلّ أختها

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ، كتاب النكاح ص ٦٣٧ س ٢٠ قال : مسألة إذا وطء إحدى الأختين المملوكتين الى أن قال : ولو كاتب إحداهما حلّت له الأخرى ، لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه إلخ.

(٢) القواعد : المقصد الثاني في التحريم غير المؤبد ص ١٧ س ٩ قال : وفي اشتراط اللزوم أو الاكتفاء بالتزويج أو الرهن أو الكتابة إشكال.

(٣) الإيضاح : ج ٣ ص ٨٧ س ٧ قال : والأقوى عندي انه لا بدّ من خروج الرقبة عن ملكه خروجا لازما ، للنص.

٢٧٤

الثانية : يكره أن يعقد الحرّ على الأمة ، وقيل : يحرم إلّا أن يعدم الطول ويخشى العنت.

الثالثة : لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرّتين ، أو حرّة وأمتين ، أو أربع إماء.

______________________________________________________

حتى يستبرئ المخرجة ويعلم براءتها من الحمل ، ولو ظهرت حاملا لم يحل له الأخت حتى تضع ، لئلا يجتمع ماءه في رحم أختين ، وهو بمنزلة نكاح الأخت في عدّة أختها ، والحق الجواز ، لأنّه لو طلق الأخت بائنا حلّ له نكاح أختها في الحال على كراهية ، وإن كانت المطلّقة حاملا ، والاستبراء بمنزلة العدة البائنة ، لأنه لا يمكن ردّها الى النكاح.

قال طاب ثراه : يكره أن يعقد الحرّ على الأمة ، وقيل : يحرم إلّا ان يعدم الطول ويخشى العنت.

أقول : الطول لغة السعة ، وشرعا مهر المرأة الحرة ونفقتها ، ووجودها ، وإمكان وطئها قبلا شرطان :

والعنت لغة المشقة الشديدة ، وشرعا الزنا ، لأنّه سبب لمشقة الحدّ في الدنيا والعقوبة في الآخرة بالنار ، وخوف العنت يتحقق بقوة الشهوة وضعف التقوى.

فهنا قيود ستة :

(أ) وجود الحرّة ، فلو لم يوجد ، فلا طول.

(ب) وجود مهرها ، فلو عدمه فلا طول.

(ج) يساره بنفقتها ، فمع إعساره عنها لا طول.

(د) إمكان وطئها قبلا ، فلو لم يجد إلّا الرتقاء ، أو ضعيفة لا يحتمله ، فلا طول.

(ه) غلبة الشهوة ، فمع قدرته عليها لا عنت.

(و) ضعف التقوى ، فلو تمكن من حبس نفسه عن الزّنا ووثق بها في ذلك

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا عنت ، اللهم إلّا أن تخاف ضررا في مزاجه ، أو تشويشا في عقله.

فعند تحقق هذه الشرائط يجوز نكاح الأمة بالإجماع ، وإن صبر مع ذلك كان أفضل لقوله تعالى «وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ» (١).

وهل تحل نكاح الأمة من دون هذه الشروط أم لا؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

(أ) الحلّ قاله الشيخ في النهاية (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤).

(ب) التحريم : قاله في الخلاف (٥) وهو مذهب القديمين (٦) والمفيد (٧) والقاضي (٨).

(ج) الشرط أن لا يكون تحته حرة ، نقله الشيخ في الخلاف عن بعض

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) النهاية : باب ما أحلّ الله تعالى من النكاح وما حرم منه ص ٤٦٠ س ٢ قال : ومتى عقد على الأمة إلى قوله كان العقد ماضيا.

(٣) لا حظ عبارة النافع.

(٤) المختلف : في نكاح الإماء والمماليك ص ١٤ س ٢٠ قال بعد نقل الأقوال : والمعتمد اختيار الشيخ في النهاية.

(٥) الخلاف : كتاب النكاح مسألة ٨٦ قال : لا يجوز للحر المسلم تزويج الأمة إلّا بثلاث شروط إلخ.

(٦) المختلف : في نكاح الإماء والمماليك ص ١٤ س ٨ قال : وقال ابن أبي عقيل : لا يحل للحر المسلم عند آل الرسول عليهم السّلام أن يتزوّج الأمة إلخ. وقال بعد أسطر : وقال ابن الجنيد : لا يحل عقد المسلم التزويج على إماء أهل الكتاب ولا تزويج الحر بالأمة آه.

(٧) المقنعة : باب العقود على الإماء ص ٧٧ س ٣٠ قال : ولا يجوز لمن وجد طولا لنكاح الحرائر أن ينكح الإماء إلخ.

(٨) لا يخفى ان فتوى القاضي في المسألة مختلف : ففي باب نكاح الإماء والعبيد من المهذب : ص ٢١٥ س ١٠ قال : فان تزوّج بامة الى أن قال : فقد خالف أمر الله وما شرط عليه ، وفي ص ١٨٩ س ٣ قال : وإذا وجد الرجل الطول الى العقد على الحرة كره له العقد على الأمة إلخ اللهم أن يراد من لفظة (الكراهة) التحريم كما هو المتداول عند البعض.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصحاب (١) لأنّ المانع من نكاح الأمة وجود نكاح بالفعل ، لا القدرة عليه ، كنكاح الأخت والخامسة.

لحسنة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : يتزوّج الحرة على الأمة ، ولا يتزوّج الأمة على الحرّة ، ومن تزوّج أمة على حرة فنكاحه باطل (٢) و (من) فيها معنى الشرط.

احتج المانعون بقوله تعالى «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ـ إلى قوله ـ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ» الآية (٣) فشرط أوّلا في نكاح الإماء بالعقد أحد الشرطين المذكورين ، إذ (من) فيها معنى الشرط ، وثانيا قوله ذلك لمن اشتراط آخر.

ولما رواه محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يتزوّج المملوكة؟ قال : إذا اضطر إليها فلا بأس (٤) و (إذا) للشرط والاضطرار فسّر في الآية.

احتج المسوغون بوجوه :

(أ) قوله تعالى «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ» (٥).

(ب) قوله تعالى «وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ» (٦).

(ج) أصالة الإباحة.

__________________

(١) الخلاف : كتاب النكاح مسألة ٨٦ قال : وقال أبو حنيفة : لا يحل له الّا بشرط واحد ، وهو أن لا يكون عند حرة ، ثمَّ قال : وبه قال قوم من أصحابنا إلخ.

(٢) الكافي : ج ٥ باب الحرّ يتزوّج الأمة ص ٣٥٩ الحديث ٢.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٣٠) باب العقود على الإماء وما يحل من النكاح بملك اليمين ص ٣٣٤ الحديث ٢.

(٥) النور : ٣٢.

(٦) البقرة : ٢٢١.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويظهر فائدة الخلاف : أنه لا يحل نكاحها إن عدم حصول الشرطين ، ومعها يحلّ الواحدة ويحرم الثانية على الاولى ، لزوال العنت بها ، ويجوز على الثاني من دون الشرطين الواحدة والاثنان ، وعلى الثالث إذا انتفى الشرطان وليس له زوجة حرّة جازت له الأمة لكون الشرط هو فقدان عقد الحرّة فقط.

فروع

(أ) يرجع الى قوله : في خوف العنت ، وفي عدم الطول وان كان بيده مال وادّعى أنه لغيره ، أو أنّ عليه دينا بقدره ولا يملك غيره ـ من غير يمين.

(ب) حدوث الشرطين بعد العقد لا يبطله ، وإن كان قبل الدخول ، وكذا لو حدثا بعد الإطلاق الرجعي لا يمنعان الرجعة ، لأنها ليست بابتداء عقد.

(ج) التحريم راجع الى الوطي والعقد بتبعيته ، فيكون منهيا فتقع باطلا ، وهو قول الشيخ في المبسوط (١) وهو مذهب الحسن (٢) وقال القاضي : التحريم الى العقد ولا يبطل (٣) وهو قول المفيد (٤).

(د) لا فرق في العقد بين الدائم والمنقطع ، أمّا التحليل فإن جعلناه عقد متعة كالسيد (٥) حرم من دون الشرطين ، وإلّا فلا.

__________________

(١) لم أجد في المبسوط تصريحا بما ادّعاه.

(٢) المختلف : كتاب النكاح ، الفصل السادس في نكاح الإماء والمماليك ص ١٤ س ٨ قال : وقال ابن أبي عقيل الى أن قال : فان تزوّجها على هذه الحالة فالنكاح باطل إلخ.

(٣) المهذب : ج ٢ باب نكاح الإماء والعبيد ص ٢١٥ س ١٠ قال : فان تزوّج بأمة الى أن قال : ولا يبطل عقده على الأمة ، بل يكون عقده ماضيا.

(٤) المقنعة : باب العقود على الإماء ص ٧٧ س ٣٦ قال : ومن تزوّج امة وهو يجد طولا لنكاح الحرائر خالف أمر الله تعالى وشرطه عليه الّا انّه لا ينفسح بذلك نكاحه.

(٥) الانتصار : مسائل النكاح ص ١١٨ س ١٣ قال : يجوز للرجل أن يبيح مملوكته لغيره على معنى أنه

٢٧٨

الرابعة : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلّا بإذنها ، ولو بادر كان العقد باطلا (١) وقيل : كان للحرة الخيرة بين اجازته وفسخه ، وفي رواية : لها أن تفسخ عقد نفسها ، وفي الرواية ضعف ، ولو أدخل الحرة على الأمة

______________________________________________________

قال طاب ثراه : لا يجوز نكاح الأمة على الحرّة إلّا بإذنها ، ولو بادر كان العقد باطلا إلخ.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : إذا تزوّج أمة على حرة ولم تأذن الحرّة ، فهل يقع نكاح الأمة باطلا في أصله ، أو يكون موقوفا؟ القديمان على الأوّل (١) واختاره ابن إدريس (٢) وحكاه عن الشيخ في التبيان (٣) وهو مذهب المصنف (٤).

والشيخان (٥) والقاضي (٦) وسلار (٧) وابن حمزة (٨) على الثاني ، واختاره

__________________

يعقد عليها عقد النكاح الذي فيه معنى الإباحة إلخ.

(١) المختلف : كتاب النكاح فيما يحرم اجتماعا لا عينا ص ٨١ س ٥ قال : وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد : أنه يقع باطلا.

(٢) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٩٢ س ٩ قال : وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان : من شرط صحة العقد على الأمة ألا يكون عنده حرة الى أن قال : ومتى عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد على الأمة باطلا ثمَّ قال : قال محمّد بن إدريس : نعم ما قال وحقق هنا رحمه الله.

(٣) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٩٢ س ٩ قال : وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان : من شرط صحة العقد على الأمة ألا يكون عنده حرة الى أن قال : ومتى عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد على الأمة باطلا ثمَّ قال : قال محمّد بن إدريس : نعم ما قال وحقق هنا رحمه الله.

(٤) لا حظ عبارة النافع.

(٥) المقنعة : باب العقود على الإماء ص ٧٧ س ٣٧ قال : ومن تزوّج بأمة وعنده حرة ولم تعلم بذلك فهي بالخيار إذا علمت ، وفي النهاية : باب ما أحلّ الله تعالى من النكاح ص ٤٥٩ س ١٥ قال : فان عقد على حرة وعنده امة الى قوله : كانت مخيّرة إلخ.

(٦) المهذب : ج ٢ كتاب النكاح ص ١٨٨ س ٢٣ قال : وان عقد على حرة وعنده امة هي زوجة ولم تعلم الحرة إلخ.

(٧) المراسم : ذكر شرائط الأنكحة ص ١٥٠ س ٧ قال : ومنها ان يتزوّج أمة وعنده حرة إلخ.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان من يجوز العقد عليه ص ٢٩٤ س ٤ قال : وان تزوج بحرة وعنده أمة إلخ.

٢٧٩

جاز ، وللحرّة الخيار إن لم تعلم ، إن كانت الأمة زوجة ، ولو جمع بينهما في عقد صحّ عقد الحرة دون الأمة.

______________________________________________________

العلامة (١).

وما وجد في عبارات الأكثر من أصحابنا ، بالبطلان ، مرادهم أنه لا يقع منجّزا لازما ، بل يجوز قابلا للفسخ ، وكذا ما يوجد في الروايات ، وليس ذلك صريحا بما قاله ابن إدريس لأنهم يردفون أوّل المسألة بصحة العقد مع الإجازة.

احتج الأوّلون : بما رواه الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : تزوّج الحرة على الأمة ، ولا تزوّج الأمة على الحرة ، ومن تزوّج أمة على حرة فنكاحه باطل (٢).

وعن حذيفة بن منصور قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل تزوّج أمة على حرة لم يستأذنها؟ قال : يفرق بينهما ، قلت : عليه أدب؟ قال : نعم ، إثنا عشر سوطا ونصف ، ثمن حدّ الزاني ، وهو صاغر (٣).

احتج الآخرون : بما رواه سماعة عن الصادق عليه السّلام عن رجل تزوّج أمة على حرة؟ فقال : إن شاءت الحرّة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها الحديث (٤) ولو وقع باطلا لما صح بالمتجدد من الرضا ، فإن الفاسد من العقود لا يتجدد له الصحة

الثانية : إذا أمضت الحرّة العقد مضى ، ولم يكن لها بعد ذلك فسخه ، ولا يحتاج إلى تجديد عقد الأمة ، وقال ابن إدريس : يفتقر الى تجديده ، لوقوعه باطلا (٥).

__________________

(١) المختلف : كتاب النكاح ص ٨١ فيما يحرم اجتماعا لا عينا ص ٤ قال : فالأقرب أن نكاح الأمة لا يقع باطلا في أصله إلخ.

(٢) الكافي : ج ٥ باب الحر يتزوّج الأمة ص ٣٥٩ الحديث ٢.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣٠) باب العقود على الإماء وما يحل من النكاح بملك اليمين ص ٣٤٤ الحديث ٤٢.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٣٠) باب العقود على الإماء وما يحل من النكاح بملك اليمين ص ٣٤٥ قطعة من حديث ٤٣.

(٥) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٩٢ س ٨ قال : ولا تحل له الأمة بالعقد الأول بل لا بدّ من عقد ثان إلخ.

٢٨٠