أوضاع المرأة المسلمة ودورها الإجتماعي من منظور إسلامي

الشيخ حسن الجواهري

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الإجتماعي من منظور إسلامي

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-91259-0-9
الصفحات: ٢٢٣

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

مقدّمة المركز.................................................................... ٩

تمهيد......................................................................... ٢٩

المبدأ الأساسي في فهم دور المرأة في المجتمع........................................ ٣٧

نظرة الإسلام للمرأة والتديّن..................................................... ٣٩

نظرة الإسلام للمرأة وسموّها العقلي (العلم)........................................ ٤٣

دور المرأة في الأُسرة في النظرة الإسلامية.......................................... ٤٩

المرأة والعمل................................................................ ٥٢

المرأة البنت................................................................. ٥٧

المرأة الزوجة................................................................ ٥٨

عدم خروج الزوجة من البيت إلاّ بإذن الزوج..................................... ٦٢

الرجال قوّامون على النساء...................................................... ٦٩

ما هي حقوق المرأة التي أصبحت زوجة؟....................................... ٧٣

تجب المواقعة كلّ أربعة أشهر مرّة................................................ ٧٩

المرأة الأُم................................................................... ٨٤

دور الأُسرة في المجتمع الإسلامي................................................. ٨٧

الوضع الحالي للمرأة بتأثير البيئة الاجتماعية والعادات والتقاليد....................... ٩٥

٥

امتهان المرأة وانتقاص حقوقها.................................................... ٩٩

التنظيم السويّ للعلاقة بين الرجل والمرأة........................................ ١٠٣

المرأة في الغرب............................................................... ١٠٥

نظرة الغرب السلبية للمرأة المسلمة وردّها.................................... ١٠٧

التضليل الإعلامي في الغرب................................................. ١١٤

المرأة في المجتمعات الإسلامية................................................... ١٢٥

تعدّد الزوجات............................................................ ١٣٢

لماذا لم يشرّع تعدّد الأزواج للزوجة الواحدة؟................................. ١٣٦

ولاية الأب والجدّ للأب في زواج البنت الباكر................................ ١٣٧

النظرة السلبية للمرأة....................................................... ١٤٠

نظرة الإسلام للمرأة........................................................ ١٤١

هل للمرأة أهليّة تولّي السلطة؟................................................. ١٤٥

الأدلّة على الجواز.......................................................... ١٤٧

أدلّة المنع.................................................................. ١٤٨

هل يشترط الذكورة في القاضي؟............................................... ١٥٥

هل حرمان المرأة من منصب القضاء يعدّ توهيناً وظلماً لها؟...................... ١٥٧

هل للمرأة أن تكون مرجعاً في التقليد؟.......................................... ١٥٩

ديّة المرأة نصف ديّة الرجل.................................................... ١٦١

حقّ الطلاق للرجل........................................................... ١٦٣

٦

شهادة المرأة في القضاء........................................................ ١٦٧

توحيد الموقف الإسلامي تجاه (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة).... ١٦٩

إيجابيات الاتفاقية.......................................................... ١٧٠

الإسلام ودعوته إلى التنمية الاجتماعية.......................................... ١٧٧

التوازن بين الحقوق والواجبات................................................. ١٨١

التحديّات والخطّة المعاكسة.................................................. ١٨٣

بيان عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي............................................ ١٨٧

ملحق رقم (١) نصّ (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة)........... ١٩٠

بيان سلبيات هذه الاتفاقية بصورة مجملة......................................... ٢٠٧

الملحق رقم (٢) إشكالات على تعدّد الزوجات.................................. ٢١٣

٧
٨

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز

الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمّد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

لقد حظيت المرأة المسلمة بمراتب عُليا في ظلّ دينها الحنيف ، فبيّضت بمواقفها الصحائف ، وأعلنت شموخ شخصيتها ، من خلال أدوارها المشرّفة في كلّ مجال وحين. فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد ، فالفقه والحديث ، والشعر والنثر ، والجهاد : إمّا بالحضور في سوح المعارك ، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور.

ولكن ، للأسف لم يطّلع العالم ـ والمرأة خصوصاً ـ على هذه الأسرار ، حيث ضياؤها مخفىّ في غور المكتبات ، وأسماء أعلام نساء الدين الحنيف مبعثرة في أوراق صارت طعاماً للحشرات والآفات ، وذلك ناتج من عدم اهتمام المؤرّخين بالمرأة.

فالدين الإسلامي الحنيف هو القانون الوحيد الذي وضع المرأة في مكانها الواقعي ، ومنحها حقوقها كاملة ، بعد أن حُرمت من أبسط حقوقها في المجتمعات التي سبقت نزول الشريعة الإسلامية المقدّسة ، والمجتمعات التي أعقبت نزولها كذلك.

ومن أجل التعرّف على هذه المكانة التي منحها الباري عزّ وجلّ لها لابُدّ من

٩

دراسة الأدوار التي مرّت بها المرأة ، سواء قبل الإسلام أم في عالمنا المعاصر.

ومن أجل أن نُجيب عن تلك التخرّصات والافتراءات والأراجيف التي يطلقها أعداء الإسلام اليوم ، وما يثيرونه من شُبهات حول حقوق المرأة في الإسلام ، ويدّعون بأنّ النظام الإسلامي قد حرم المرأة من حقوقها ، وجعلها في سجن مفتاحه بيد الرجل ، وأنقصها ميراثها ، وفرض عليها الحجاب ، ومنعها من التعلّم ، إذاً فالمرأة المسلمة مظلومة دون غيرها من النساء.

ومن أجل أن نتعرّف على مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي ، وما أعطاها الإسلام من حقوق وما فرض عليها من واجبات ، لابدّ من دراسة أحوال المرأة وحقوقها في المجتمعات الاُخرى ، سواء تلك التي كانت قبل الإسلام ، أو التي نعاصرها الآن من مجتمعات غربية وشرقية ، والتي تدّعي التحضّر والتمدّن. ثم نقارن بينها وبين ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق ، ونعرف مَن الذي بخسَ حقّها وظلمها وأنزلها إلى الحضيض وجعلها تبعاً للرجل ، بل لعبة في يده يميل إليها متى جاع وينبذها نبذ النواة متى شبع.

حياة المرأة قبل الإسلام

نستطيع أن نُقسّم الاُمم التي سبقت الإسلام إلى : اُمم متمدّنة ، واُخرى غير متمدّنة.

ونقصد بالمتمدّنة : تلك التي تحكمها بعض الرسوم والعادات الموروثة ، كبلاد الصين والهند ومصر وايران.

وغير المتمدّنة : هي المجتمعات الوحشيّة والهمجيّة التي لا ضابط لها في الحياة غير القوّة والسطوة ، شأنهم في ذلك شأن الحيوان ، كبلاد أفريقيا واستراليا وأمريكا القديمة. وكانت المرأة في المجتمعات المتمدّنة أفضل نوعاً ما من المجتمعات غير المتمدّنة.

١٠

الاُمم غير المتمدّنة :

حياة النساء في هذه الاُمم كحياة الحيوانات بالنسبة إلى الرجل ، فكما أنّ للرجل حقّاً في امتلاك الحيوانات والاستفادة من لحمها وشعرها وصوفها وحليبها ، والركوب عليها وحمل الأثقال من مكان إلى آخر ، وغيرها من التصرّفات المشروعة ، بل حتى غير المشروعة من قتل وايذاء. كذلك كانت المرأة عندهم ، كانت حياتها تبعيّة لحياة الرجل ، وأنّها لم تُخلق لذاتها بل خلقت لأجل الرجل ، ووجودها فرع لوجود الرجل ، ومكانتها مكانة الطفيلي بالنسبة للرجل ، وليس لها من حقوق إلاّ ما رآه الرجل حقّاً له أوّلاً.

فكان لوليّها ـ الأب أو الزوج ـ أن يبيعها ، أو يهبها ، أو يقرضها للخدمة أو الفراش أو الاستيلاد ، أو لأىّ غرض من أغراض الإقراض. بل كان له أن يسوسها حتى بالقتل ، أو يتركها حتى تموت ، أو يذبحها ويأكل لحمها في المجاعات.

وفي مقابل هذا كلّه ما كان على المرأة إلاّ أن تطيع الرجل وتنفّذ أوامره ، فهي تقوم بأمر البيت وتربية الأولاد ، وكلّ ما يحتاجه الرجل. بل كانت تقوم بأعمال شاقّة فوق قدرتها وطاقتها ، فهي تحمل الأثقال ، وتعمل الطين وغيرها من الحرف والصناعات.

ولكلّ اُمّة من هذه الاُمم خصائل وخصائص وعادات وتقاليد وآداب وسنن خاصة بها ، ورثتها من التي سبقتها ، نتعرّض لها قريباً إن شاء الله تعالى.

الاُمم المتمدّنة :

كانت المرأة في هذه الاُمم أرفه حالاً بالنسبة إليها من الاُمم غير المتمدّنة ، فلم تقتل ولم يؤكل لحمها ولم تستقرض ، وكان لها حقّ تملّك بعض الأموال من الإرث وغيره ، إلاّ أنّها كانت تحت ولاية الرجل وقيمومته ، فلا استقلال لها ولا حريّة ، فلا تنجز عملاً إلاّ بعد موافقة وليّها ، ولا تتدخل في شؤون الحياة أبداً ، بل كان عليها أن

١١

تختص باُمور البيت والأولاد ، وأن تطيع الرجل في كلّ ما يأمرها ، وتُمنع من أي معاشرة خارج منزلها ، وليس لها أن تتزوّج بعد موت زوجها ، بل إمّا أن تُحرق معه ، أو تبقى ذليلة بعده ، أو يتزوجها بعض محارمها.

وكان للرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، ويلحق الأولاد بأقوى الأزواج. وفي أيام الحيض كان عليها أن تنفرد عن عائلتها بمأكلها ومشربها ; لأنّها نجسة خبيثة. ولكلّ اُمة من هذه الاُمم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع نتعرض لها بإيجاز.

المرأة الآشوريّة :

ساد شرع حامورابي في المجتمع الآشوري ، فكانت القوانين التي تطبّق هي القوانين التي وضعها حامورابي في لوحته المعروفة ، والتي منها تبعيّة المرأة للرجل ، وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل.

ومن السلبيات التي كانت سائدة آنذاك أنّ الزوجة إن لم تُطع زوجها ، أو استقلّت بعمل معيّن دون مشاورته ، كان يحقّ للرجل أن يخرجها من بيته ، أو يتزوّج عليها زوجة اُخرى ، ويتعامل مع الاُولى معاملة ملك اليمين. بل إنّ الزوجة إن أخطأت في تدبير شؤون المنزل كان لزوجها أن يرفع أمرها إلى القاضي ، ثمّ يغرقها في الماء.

إذاً فالمرأة الآشورية كانت ملكاً للرجل ، لا فرق بينها وبين الحيوان ، فالرجل يمسكها متى أراد ، ويطلّقها متى شاء. وله الحقّ في أن يحرمها من التملّك ، وما عليها إلاّ تنفيذ أوامر الرجل.

المرأة السومريّة :

لم تكن المرأة السومريّة أفضل من الآشوريّة ، بل كانت تُعامل معاملة فَضّة غليظة ، شأنها شأن المرأة في جميع الشعوب في تلك الأزمنة ولم تكن مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجاورة ، فكانوا يعاملونها على أنّها تابعة للرجل ،

١٢

وما خلقت إلاّ لإسعاد الرجل.

المرأة الروميّة :

تعتبر الروم من أقدم الاُمم وضعاً للقوانين المدنيّة ، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ، ثمّ أخذوا في تكميله تدريجياً ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولربّ البيت ـ وهو زوج المرأة وأبو أولادها ـ نوع ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت ، كما كان هو يعبد مَن تقدّمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت ، وكان له الاختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أنّ الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض.

وكانت النساء ـ نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت ـ أردأ حالاً من الرجال حتى الأبناء التابعين محضاً لرب البيت ، فإنهنّ لم يكنّ أجزاء للاجتماع المدني ، فلا تسمع لهنّ شكاية ، ولا تنفذ لهنّ معاملة ، ولا تصح منهنَّ في الاُمور الاجتماعية مداخلة ، لكن الرجال أعني الذكور من الأدعياء ـ فإن التبنّي وإلحاق الولد بغير أبيه كان معمولاً شائعاً عندهم ، وكذا في اليونان وايران والعرب ـ كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الاستقلال باُمور الحياة مطلقاً لأنفسهم.

ولم يكنّ أجزاءً أصيلة في البيت ، بل كان أهل البيت هم الرجال ، وأما النساء فتبع ، فكانت القرابة الاجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصة بما بين الرجال ، وأمّا النساء فلا قرابة بينهن كالاُم مع البنت ، والاُخت مع الاُخت ، ولا بينهن وبين الرجال كالزوجين ، أو الاُم مع الابن ، أو الاُخت مع الأخ ، أو البنت مع الأب. ولا توارث فيما لا قرابة رسميّة ، نعم القرابة الطبيعية ـ وهي التي يوجبها الاتصال في الولادة ـ كانت موجودة بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربّه لها.

١٣

وبالجملة ، كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود ، تابعة للرجل ، زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج ، أو غيرهما. يفعل بها ربّها ما يشاء ، ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها للتمتع ، وربما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه منه كدَين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالازدواج ، أو الكسب مع إذن وليها ، لا بالإرث ; لأنّها كانت محرومة منه ، وبيد أبيها أو واحد من قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها (١).

وسادت في مجتمع الروم أيضاً مظاهر الفسق والفجور ، مما يدلّ على امتهان كرامة المرأة وسلبها عفافها ، بل جعلها اُلعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته ، فكثرت الدعارة والفحشاء ، وزيّنت البيوت بصور ورسوم كلّها دعوة سافرة إلى الفجور ، وأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرّج الممقوت ، وانتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد وبمرأى من الناس. أمّا سرد المقالات الخليعة والقصص الماجنة فكان شغلاً مرضياً مقبولاً لا يتحرّج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يتلقاه الناس بالقبول هو الذي يُعبّر عنه اليوم بالأدب المكشوف.

المرأة اليونانيّة :

في اليونان كان الأمر عندهم في تكوين البيوت وربوبيّة أربابها فيها قريباً من الوضع عند الروم ، فقد كان الاجتماع المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوّماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال ، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهنّ بالتبع إذا وافق نفع

__________________

(١) انظر : الميزان في تفسير القرآن ٢ : ٢٦٤.

١٤

الرجال ، فكانت المرأة عندهم تُعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ، ولا يراعى جانبها إلاّ بالتبع وتحت ولاية الرجل.

اذاً كانت المرأة في عصر اليونانيين في غاية الانحطاط وسوء الحال من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الاجتماعية ، فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة أو مقام كريم ، فهي تقضي وقتها في المنزل تغزل وتنسج وتخيط ثيابها وثياب زوجها وأطفالها ، وليس لها من الثقافة شيئاً أبداً حيث كانت تمنع من الذهاب إلى المدارس.

المرأة الصينيّة :

كان المجتمع الصيني يعيش حالة فوضى ، فهو أقرب إلى الوحوش من البشر ، لا يضبطهم قانون ولا عادات ، والأبناء يعرفون اُمهاتهم دون آبائهم ، وكانوا يتزاوجون بدون حشمة ولا حياء ، حتى ظهر الحكيم «فوه ـ سي» سنة ٢٧٣٦ قبل الميلاد ، ووضع لهم القوانين وسنّ لهم الأنظمة.

إلاّ أنّ المرأة لم تحصل من هذه القوانين على حقّها ، بل حتى على درجة من الكرامة. فاعتبرها القانون تابعة للرجل ، تنفّذ أوامره وتقضي حاجته ، ولا ميراث لها بل الميراث للذكور فقط. والزواج بالمرأة يعتبر نوعاً من اشتراء نفسها ، ولا تشارك زوجها ولا أبناءها الغذاء ، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها ، ويحقّ لمجموعة من الرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها والاستفادة من أعمالها.

المرأة الهنديّة :

تعتبر بلاد الهند ذات حضارة عريقة تتصف بطابع العلم والتمدّن والثقافة منذ القدم ، ومع ذلك كلّه نراهم يعاملون المرأة معاملة قاسية لا رحمة فيها. فالمرأة عندهم مملوكة لأبيها أو لزوجها أو لولدها الكبير ، محرومة من جميع الحقوق الملكية حتى الإرث ، وعليها أن ترضى بأيّ زوج يقدّمه أبوها أو أخوها ، وهي

١٥

مرغمة أن تعيش معه إلى آخر حياته ، ولا يحقّ لها أن تطلب الطلاق مهما كانت الأعذار ، وفي أيام حيضها عليها أن تنفرد بمأكلها ومشربها ، ولا تخالط العائلة ; لأنها نجسة خبيثة.

إضافة إلى هذا كلّه ، فإنّهم يحرقونها مع زوجها إذا مات ، فكان من عادتهم إذا مات رجل منهم يحرقونه بالنار ، ويأتون بزوجته ويلبسونها أفخر ثيابها وحليّها ويلقونها على جثة زوجها المحترقة لتأكلها النيران.

ويعتقد الهنود أيضاً أنّ المرأة هي مصدر الشرّ والإثم والانحطاط الروحي والخلقي.

المرأة المصريّة :

كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، والمجتمع المصري يتميّز بطابع التمدّن والرقي. إلاّ أنّ المرأة كانت تعيش الاضطهاد والحرمان ، وتعامل معاملة حقيرة شأنها شأن الخدم ، وللرجل أن يتزوّج باُخته ، فلا مانع من ذلك ولا رادع ، وكانوا يعتقدون أنّ المرأة لا تصلح لشيء إلاّ لاُمور المنزل وتربية الأولاد ، لذلك فهم لا يدعوها تخرج من البيت إلاّ لعبادة الآلهة.

ويعتقدون أنّ فيضان النيل ناتج عن غضبه عليهم ، لذلك يجب عليهم تقديم قرابين له في كلّ عام ، فيختارون أجمل فتاة عندهم ويلبسونها أفخر الملابس ويزيّنوها كأنها عروس ليلة زفافها ، ثم يلقونها في النيل في مراسم خاصة لئلا يفيض عليهم!!!

فكم أخذ النيل فتيات عرائس نتيجة للخرافات السائدة آنذاك ، وبسبب امتهان كرامة المرأة وظلمها وحرمانها.

المرأة الفارسيّة :

لم تكن المرأة الفارسية أوفر حظّاً من صويحباتها الهنديات والمصريات ،

١٦

فالمجتمع الفارسي القديم كان ينظر إلى المرأة نظرة احتقار وازدراء ، وهو يعاقبها لأيّ إساءة أو تقصير في حقّ زوجها.

يقول الدكتور محمود نجم آبادي في كتاب «الإسلام وتنظيم الأُسرة» : نلاحظ أنّ قوانين «زرادشت» كانت جائرة وظالمة بحقّ المرأة ، فإنّها كانت تعاقبها أشد عقوبة إذا صدر عنها أي خطأ أو هفوة ، بعكس الرجل فإنّها قد أطلقت له جميع الصلاحيات ، يسرح ويمرح وليس من رقيب عليه. فله مطلق الحرية ; لأنّه رجل ، ولكن الحساب والعقاب لا يكون إلاّ على المرأة.

ويقول أيضاً : كان أتباع «زرادشت» يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمّع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة كان لا مفرّ لها من الانتحار ، وقد ظلّ هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد الساسانيين خفّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تسجن جزاء عدم إخلاصها أوّل مرّة ، حتى إذا كرّرت عملها صار لا مفرّ لها من الانتحار.

ويقول أيضاً : بينما كان يحقّ للرجل من أتباع «زرداشت» أن يتزوّج من امرأة غير زرادشتيه ، فإنّه لم يكن يحقّ للمرأة أن تتزوّج من رجل غير زرادشتي ، وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الاضطهاد والحرمان. وأمّا الرجل فله الحريّة في التصرّف على هواه وهو المالك ; لأنّه رجل.

المرأة عند العرب الجاهلية :

يسكن العرب الجاهيلة في شبه الجزيرة العربية ، وهي منطقة جافة حارّة جدبة الأرض ، معظمهم قبائل بدويّة بعيدة عن الحضارة والمدنيّة. يعيشون بشنِ الغارات والسلب والنهب ، ويتّصلون بإيران من جانب ، وبالروم من جانب ، وببلاد الحبشة من جانب آخر.

إذاً فحياتهم حياة قساوة وتوحّش فرضتها البيئة عليهم ، لهم عاداتهم وتقاليدهم

١٧

الخاصة بهم ، وربما تجد عندهم بعض العادات الهنديّة والمصريّة والروميّة والإيرانيّة.

ولم يكن العرب ينظرون إلى المرأة نظرة تقدير واحترام ، ولم يعطوها درجة من الكرامة ، فهي فاقدة الاستقلال في حياتها ، تابعة لأبيها أو لزوجها ، لا يحقّ لها التصرّف بأيّ شيء إلاّ بموافقة وليّها ، ولا تملك شيئاً ولا ترث ـ حتى لو كان من نتاج عملها ـ بل هي وما تملك لوليها. وليس لها المطالبة بأي شيء ; لأنّها لا تذود عن الحِمى في الحرب. وزواجها يرجع إلى أمر وليّها ، وليس لها حقّ الاعتراض ولا المشورة.

ويحقّ للولد أن يمنع أرملة أبيه من الزواج ، بأن يضع عليها ثوبه ويرثها كما ورث أبيه ، ويحقّ له أن يتزوّجها بغير مهر ، أو يزوّجها لمن يشاء ويأخذ مهرها. وبقيت هذه العادة سائدة عندهم حتى بُعث النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحرّم الله هذا الزواج ، حيث إنّ كبشة بنت معن بن عاصم امرأة أبي قيس بن الأسلت انطلقت إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت له : إنّ أبا قيس قد هلك ، وإنّ ابنه من خيار الحمى قد خطبني ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم نزلت الآية الكريمة : (وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء) (١) ، فهي أوّل امرأة حرمت على ابن زوجها.

روي عن ابن عباس أنّه قال :

إذا مات الرجل وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه فيمنعها من الناس ، فإن كانت جميلة تزوّجها ، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت. وظلّ هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك : (وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء) (٢).

وكان العربي في الجاهلية يغتم ويضيق صدره إذا ولدت زوجته بنتاً ، بينما كان

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) تفسير الطبري ٤ : ٢٠٧.

١٨

يفرح ويستبشر إذا جاءه ولد ، وأشار الله سبحانه إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (١).

كانوا يعاملونها معاملة حقيرة حتى إنّهم جعلوا صفة الضعف والصغار والهوان ملازمة لها ، واستعملوا كلمة المرأة في الاستعارة والكناية والتشبيه ، بها يقرّع الجبان ، ويؤنّب الضعيف ، ويلام المخذول المستهان والمستذل المتظلم.

قال الشاعر زهير بن أبي سلمى يهجو حِصن بن حذيفة الفزاري :

وما أدري وليتَ إخال أدري

أقومٌ آل حصن أم نساء (٢)

وقد أكثر الشعراء في وصف حالهم وحال المرأة في ذلك العهد ، وعجزها عن العمل والمقاومة ، في حين أنّ البنين أقوى منهنّ ، ويتاح لهم ما لا يتاح لهنّ.

قال أحدهم :

وزادني رغبة في العيش معرفتي

ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرحم

أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ

وكنتُ أبكي عليها من أذى الكَلم

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً

والموت أكرم نزّال على الحرم

إذا تذكّرت بنتي حين تندبني

فاضت لعبرة بنتي عبرتي بدم

ولعلّ أبرز مظاهر ظلم المرأة في الجاهلية هي مسألة وأد البنات ، تلك العادة القبيحة اللاإنسانية التي كانت واسعة الانتشار في تلك الأيام في الجزيرة العربية عند

__________________

(١) النحل : ٥٨.

(٢) الكشّاف ٤ : ٣٦٧ ، الصحاح ٥ : ٢٠١٦ ، لسان العرب ١ : ٥٠٤ «قوم».

١٩

أهل البادية في الصحراء وفي بعض المدن المتحضّرة.

ويختلف سبب الوأد عند القبائل ، فمنهم من يَئد البنات غيرة على العرض ومخافة من لحوق العار ; لأنّهم أهل سطو وغزو ، وكانت الذراري تساق مع الغنائم ، ويؤخذ السبي فتكون بناتهم عند الأعداء ، وهذا منتهى الذلّ والعار.

قال أحد شعرائهم :

القبر أخفى سترة للبنات

ودفنها يروى من المكرمات

وكانت بنو تميم وكندة من أشهر القبائل تئد البنات خوفاً ; لمزيد الغيرة.

ومنهم من يئد البنات لا لغيرة أو خوف من عار ، بل إذا كانت مشوّهة أو بها عاهة ، مثلاً إذا كانت زرقاء أو سوداء أو برشاء أو كساح ، ويمسكون من البنات من كانت على غير تلك الصفات لكن مع ذلّ وعلى كره منهم.

ومنهم من يئد البنات خوف الفقر والفاقة ; لأنّ العرب يعيشون في أرض قاحلة لا كلأ فيها ولا ماء ، فتمرّ عليهم سنون شديدة قاسية ، فيضطرون لأكل العلهز ، وهو الوبر بالدم ، وذلك من شدةّ الجوع ، وإلى هذا أشار تعالى في قوله :

(وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَق نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (١).

وقال عزّ وجل :

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاء عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) (٢).

وقال تعالى :

(وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً

__________________

(١) الأنعام : ١٥١.

(٢) الأنعام : ١٤٠.

٢٠