أوضاع المرأة المسلمة ودورها الإجتماعي من منظور إسلامي

الشيخ حسن الجواهري

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الإجتماعي من منظور إسلامي

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-91259-0-9
الصفحات: ٢٢٣

إلاّ الله باكفائي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحمّل أرقاب الرجال» (١).

وهو يدلّ على أنّها سلام الله عليها كانت تقوم ببعض أعمال الأُسرة خارج البيت ، وقد كفاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك بهذا القرار.

وبعد هذه الإلمامة نستفيد أمرين :

الأمر الأوّل : وجوب طاعة الزوجة لزوجها في أمر الجنس وتلبية طلبه ، ولكن بشرط أن يكون طلبه معروفاً ; لأنّها معاشرة له ، وقالت الآية (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، فإن كان طلبه خارجاً عن حدّ المعروف لا يجب عليها الطاعة.

الأمر الثاني : إنّما تجب الطاعة إذا لم يكن مانع شرعي من ذلك ، وحينئذ إذا توفّر الشرطان يحرم عليها تفويت حقّ الزوج في الاستمتاع الجنسي.

ولعلّ وجوب إطاعة الزوجة لزوجها في الاستمتاع قد يكون لصالح الزوجة ، لأنّ فطرتها وطبيعتها تميل إلى الجنس كما يميل إليه الذكر ، إلاّ أنّ الرجل تكون رغبته دفعيّة ، أمّا رغبة المرأة فتحصل بالتدريج ، فهي قابلة والذكر فاعل.

ولعلّ هذه الطاعة إذا حصلت من قبل الزوجة تكون كافية لاستغناء الزوح عن زوجة اُخرى ، لا يسعى إلى التثنية أو الزيادة عليها ما دام قد استكمل نصيبه وحقّه بطاعة الزوجة له جنسياً.

وفي قبال هذا الحقّ للرجل ، جعل الإسلام وجوب النفقة على الزوج ، فنفقة الزوجة واجبة على الزوج.

__________________

(١) قرب الإسناد ، عبدالله بن جعفر الحميري : ٥.

٦١

عدم خروج الزوجة من البيت إلاّ بإذن الزوج

هناك حكم شرعي يقول : المرأة الزوجة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلاّ بإذن الزوج في غير ما يجب فيه الخروج عقلاً وشرعاً ، وهذا المنع ليس متفرّعاً على وجوب التمكين ، وإنّما هو تكليف مستقلّ ، فلا يجوز لها الخروج من البيت إلاّ بإذن الزوج وإن لم يستلزم من ذلك تفويت حقّ الزوج في الاستمتاع ، وقد دلّ على هذا الدليل الشرعي من النصوص الصحيحة.

وهنا نبحث هذا الحكم ، وهل يعتبر مخالفاً لكون الزوجية سكناً ومعاشرة بالمعروف؟

وهل يكون هذا الحكم تقييداً للزوجة الإنسانة وحدّاً من حريتها؟

وهل يكون هذا الحكم مخالفاً لسلطنة المرأة الزوجة على نفسها وأفعالها؟

والجواب : أوّلاً : يجب علينا أن نفهم أنّ هذا الحكم لا يشمل الخروج الواجب من البيت ، كما إذا كان الخروج لمراجعة الطبيب أو للمداواة أو لأداء واجب كأداء فريضة الحج ، كما أنّه لا يشمل الخروج الضروري الذي يحكم به العقل ، فالخروج الواجب الشرعي والعقلي لا يتوقّف على إذن الزوج بحال من الأحوال.

ثانياً : لابدّ من معرفة حدود هذا الحكم ، فهل يشمل هذا الحكم صورة تحكّم الزوج في منعه الزوجة من الخروج من البيت؟

قال البعض : لا يجوز تحكّم الزوج في منع زوجته من الخروج من البيت ; لأنّ ولايته عليها في هذا الشأن وتسلّطه (إن جعلناه تسلّطاً) إنّما هو لتكميل نقص

٦٢

الزوجة المولّى عليها ، فيكون المنع دائماً في صالحها. أمّا في صورة التحكّم فليس المنع في صالحها ، فتسقط ولاية الزوج عليها في منعها من الخروج من البيت.

ولكن هذا التصوّر باطل ; لأنّنا لانعترف بنقص المرأة ، بل هي كاملة في إنسانيتها وخلقتها وعقلها وفي أداء وظيفتها ، ولو كانت ولاية الزوج عليها في المنع من خروجها من البيت لنقص فيها للزم جعل هذا الحقّ قبل زواجها للأب أو للأخ ، وبما أنّه لا توجد ولاية على المرأة البالغة الرشيدة قبل زواجها للأب ، بل الولاية جعلت للزوج فقط ، فيفهم أنّ الولاية للزوج في منع زوجته من الخروج من البيت ليس لتكميل نقص المرأة المدعّى.

والجواب الصحيح أن نقول :

١ ـ إنّ هذا الحكم محدود بحدود تبجيل واحترام وتعظيم الزوج ، فهو حكم خاص بالزوج ، ويكشف عن هذا الأمر الكلمات الموجودة في بعض الروايات ، كعنوان الطاعة وعنوان عدم العصيان ، فيكون الحكم بعدم خروجها من بيت الزوج إلاّ بإذنه هو تعبير ثان عن إطاعة الزوجة للزوج ، وهذه الإطاعة واجبة في عدم خروجها إلاّ بإذن الزوج ، فلو خرجت بدون إذنه عدّ ذلك مخالفاً لاحترام الزوج ، ولذا جاز لها الخروج لأداء واجب أو للضرورة حيث يكون الخروج في هاتين الصورتين منسجماً مع احترام الزوج.

وعلى هذا سيكون الرضى الباطني لخروج الزوجة من البيت كافياً لخروجها ، بمعنى أنّ الزوجة لو كانت تعلم بأنّها لو سألت الزوج في خروجها من البيت لوافق على ذلك فيجوز لها أن تخرج حينئذ ; لأنّ الاحترام للزوج المنسِّق للحياة الزوجية موجود بينهما.

وأيضاً لو سافر الزوج سفرة طويلة ، وعند سفره لم ينهها عن الخروج من البيت لزيارة صديقاتها ، ثمّ أصبح منقطعاً عن أجواء زوجته وبيته ، بحيث لو سُئل عن

٦٣

إجازته لتصرّف زوجته بالخروج لزيارة صديقة معينة ، فلايتمكّن أن يجيب بنعم أو لا ، ففي مثل هذه الصورة لانقول بأنّ خروج الزوجة من البيت لهذا الأمر متوقّف على إجازة الزوج ; لأنّ الزوج محترم ، سواء خرجت لهذا الأمر أو لم تخرج.

وكذا لو نشز الزوج (كما إذا ترك الحقوق الواجبة للزوجة) فهنا لانقول بأنّ خروجها من البيت منوط بإذن الزوج ; لسقوط احترامه بنشوزه.

وكذا لو كان منع الزوج لزوجته من الخروج من البيت تحكّماً صارخاً وعناداً محضاً ، فهنا أيضاً لانقول بأنّ الخروج منوط بإذن الزوج.

ثمّ إنّه إذا تحدّد خروج الزوجة من بيت زوجها في حدود احترام الزوج احتراماً واجباً ، فحينئذ لانفرّق بين أن يكون تصرّفها منوطاً بإذن الزوج لها أو بمنع الزوج لها ، فإنّ عدم الإذن أو المنع المعيّن إذا كان يجعل خروجها من البيت هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه فهما على حدٍّ سواء.

وكذا يتحدّد هذا الحكم في حدود احترام الزوج لنفسه ، فان كان ظالماً في منعه أو عدم اذنه للخروج أو متحكماً أو مخالفاً للشرع ، فلايكون الخروج متوقّفاً على إذنه أو عدم نهيه ومنعه ; لأنّ من يظلم الآخرين ويتعدّى عليهم فلايحترم أيضاً.

ولهذا ورد في روايات صحيحة أنّه : «لا يمين للزوجة مع زوجها» (١) ، وهذا أيضاً محدّد بحدود احترام الزوج ، وأن لا يكون يمين الزوجة في مورد هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه ، ونحن نتمكّن أن نقول إذا لم ياذن الزوج في يمين ، أو اذا نهى عن يمين معينة ، فإن اليمين لا ينعقد للزوجة في هذه الصورة حيث يكون يمين الزوجة هتكاً للزوج فلا يجوز.

ولذا نتعدّى من اليمين إلى النذر والعهد فنقول : إنّ النذر والعهد من الزوجة بدون إذن الزوج أو مع نهيه لا يكون صحيحاً ; لأنّه يكون خلاف احترام الزوج الذي دلّت

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : باب ١٠ من كتاب الايمان ، حديث ٢.

٦٤

الروايات على وجوب احترامه هنا.

٢ ـ توجد نكتة اُخرى ـ غير احترام الزوج ـ وهي أنّ الإسلام رأى أنّ قيادة البيت إلى شاطئ السلامة وعدم الانحراف بيد الزوج ، والزوج قد يشكّ في مدى قدرة زوجته على حفظ نفسها من غير المحارم ، أو يشكّ في مدى قدرتها على عدم التميّع عند خروجها من البيت ، أو قد يرى الزوج أنّ هذا الخروج يستوجب دخول بعض الأشخاص في العلاقات الشخصية لحياتهم الزوجية ، وهذا كلّه يوجب عدم إسعاد الحياة المشتركة بين الزوجين ، ففي هذه الحالات يجوز له أن يمنع الزوجة من الخروج من البيت أو من دخول بعض البيوت المعيّنة التي يراها تؤثّر سلباً في إسعاد حياتهم الزوجية.

وكذا إذا خاف الزوج على زوجته من خطر يهدد حياتها ، أو من خطر تسيّب الأطفال الذي يجب على الأب تربيتهم تربية صالحة ، فكلّ هذه الاُمور يُعقل فيها منع الزوج زوجته من الخروج خارج البيت مثلاً.

ولكن حتى مع هذه النكتة الإضافية لاحترام الزوج في ولايته المنطقيّة نقول : يخرج الزوج عن ولايته على زوجته في منعها الخروج من البيت إذا علمنا أنّه يتحكّم في أعمال الولاية ; لأنّ هذا الحكم كان بملاك احترام الزوج وقيادته لبيت الزوجية إلى شاطئ السلامة والأمن ، فالتحكّم ينافي الاحترام كما ينافي قيادة البيت إلى شاطئ السلامة والأمن والسعادة الزوجية ، حيث تواجه المرأة هذا التصرّف بتصرّف معاكس ما يؤدي إلى السلبيات الكثيرة في بيت الزوجية.

ملاحظة :

عندما نقول : إنّ الإسلام أراد للمرأة أن تحترم زوجها في طاعتها له وفي عدم خروجها من بيته إلاّ باذنه ، فليس معنى ذلك أنّ الرجل لا يكترث باحترام الزوجة والمرأة ، بل وردت الروايات الحاثّة للزوج على تكريم الزوجة واحترامها ، وهذه

٦٥

بعض الإشارات إلى ذلك :

١ ـ الإنفاق والإحسان إلى النساء : فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كان له ثلاث بنات ، فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه ، أوجب الله تعالى له الجنة البتة ، إلاّ أن يعمل عملاً لا يغفر الله له» (١).

والإنفاق والإحسان نوع احترام للمرأة.

٢ ـ احترام المرأة مقياس للتفاضل : فقد ورد عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «خياركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» (٢).

وهذا من فروع التقوى الذي فيه تفاضل ، وهو نوع احترام للمرأة.

٣ ـ إدخال الفرح على المرأة : فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من رجل يدخل فرحة على امرأة وبينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة» (٣).

وإدخال الفرح نوع احترام وتقدير.

٤ ـ سعة الصدر في المواقف المتشنّجة : فقد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه» (٤).

وهذا أيضاً نوع احترام وتقدير لها عند سوء خلقها وعدم مقابلتها بالمثل.

٥ ـ تحريم أساليب القوّة المحرّمة : فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من ضرب امرأة بغير حقّ فأنا خصمه يوم القيامة ، لا تضربوا نساءكم ، فمن ضربهن بغير حقّ فقد عصى الله ورسوله» (٥).

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٦٣٠.

(٢) مجمع الزوائد ٤ : ٣٠٣.

(٣) المحجة البيضاء ٣ : ١١٩.

(٤) مكارم الأخلاق : ٢٤٥.

(٥) تحف العقول : ١٧٥.

٦٦

٦ ـ حفظ سرّ المرأة : فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ يفشي سرّها» (١).

٧ ـ الوصايا بالنساء : فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر وصية له : «الله الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم وفي أيديكم ، أخذتموهن بعهد الله» (٢).

وهذا التوصية بها هو نوع احترام لها كما هو واضح.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أكرم النساء إلاّ كريم ، ولا أهانهن إلاّ لئيم» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (٤).

إذاً اتضح ما تقدّم ، فسيكون المفهوم هو أنّ احترام الزوج أقوى وأهم من احترام الزوجة ، كالاحترام بين الابن والأب ، فكلّ منهما محترم إلاّ أنّ احترام الأب أكثر وأقوى من احترام الابن ، كما أنّ العطف على الابن والصغير والمرأة يكون أقوى من العطف على الأب الكبير والرجل.

ولهذا الاحترام للزوج الذي أقوى وأهم من الاحترام للزوجة نرى أنّ الشارع المقدّس قد جعل استحباب إطاعة الزوجة لزوجها في اُمور منها :

١ ـ إطاعة الزوجة زوجها في التصرّف بمالها في الصدقة والعتق والهبة والتدبير والنذر ، فليس لها التصرّف بهذه الاُمور لغير الآخرين إلاّ برضى الزوج.

٢ ـ ليس لها أن تصوم تطوّعاً إلاّ باذن الزوج. (٥)

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٧٥.

(٢) السيرة النبوية ، لابن هشام ٢ : ٦٠٤.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٧ : ٥٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ١٢١ ، حديث ٤.

(٥) ذكر البعض أنّ الأحوط عدم صوم الزوجة بدون إذن الزوج وإن كان الأقوى الجواز إذا لم يمنع من حقّه ، ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه. راجع منهاج الصالحين / للسيد الخوئي / ج ١ / ص ٢٨٨ كتاب الصوم.

٦٧

وبما أنّ الزوج ليس له ولاية على أموال الزوجة وتصرفاتها فيها ، وليس له ولاية على أفعالها العبادية كالصوم والصلاة إذا لم تنافِ حقّ الاستمتاع ، فهي ليست خادمة أو مملوكة للزوج ، فحينئذ ستكون أفعالها هذه إمّا مستحبة أو جائزة أو مكروهة أو محرّمة أو واجبة.

أمّا المحرمة فلايجوز أن تفعلها ، منع منها الزوج أو أجازها.

وكذا التصرّفات الواجبة ، كما لو كانت قد حلفت بإذن الزوج أن تنفق على طفل معيّن ، وأجاز لها الزوج ، فيجب عليها الانفاق عليه ، سواء وافق على ذلك أو امتنع منه.

وحينئذ تبقى أنّ هذه الأفعال إمّا جائزة أو مستحبة أو مكروهة ، وستكون القاعدة الأولية هو جواز فعلها للزوجة ، إلاّ أنّ احترام الزوج ـ الذي إن لم يكن واجباً فهو مستحب ـ يجعل الميزان يتحرّك إلى احترام الزوج عند تعارض احترام الزوج وإجازته ، مع أفعال المرأة المستحبة والجائزة والمكروهة من باب أنّ المستحب يتقدّم على الجائز والمكروه ، وأنّ استحباب إطاعة الزوج تكون أقوى من استحباب هذه الأفعال للمرأة.

٦٨

الرجال قوّامون على النساء

قال تعالى في سورة النساء : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (١).

وهذه القواميّة هي للأزواج على الزوجات (٢) وليست مطلقة ; للقرائن الموجودة في الآية من الإنفاق وخوف النشوز ، والإطاعة وخوف الشقاق.

فهل هذه القواميّة التي جعلها القرآن للزوج على زوجته تكون مخالفة لسلطنة الزوجة على مالها وأفعالها وكونها مستقلّة في تصرّفاتها؟

والجواب : إنّ معنى الآية يتوقّف على معرفة القواميّة التي جعلها الله للأزواج على زوجاتهم (كلّ زوج هو قيّم على زوجته).

وإذا راجعنا كلمات اللغويين في تفسير «قوّام» رأيناها جميعاً لا دلالة لها على إعمال القدرة والسيطرة ، وإعمال الأوامر والنواهي على الزوجة ، بل معناها المحافظة والاهتمام بالشخص وتدبير شؤونه.

__________________

(١) النساء : ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) خلافاً لصاحب الميزان السيد الطباطبائي حيث قال : إنّها ليست قوامية الأزواج على الزوجات ، بل هي قوامية كلّ الرجال على كلّ النساء ، والقرينة عليه عموم التعليل (بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض). راجع ٤ : آية ٣٤.

٦٩

وإليك المعاني التي ذكرها اللغويون لمادة «قوّام» :

١ ـ ففي المصباح المنير : «قام بالأمر ، يقوم به ، قياماً ، فهو قوّام وقائم» (١) ، فهذه الجملة تشهد على أنّ قوّام بمعنى قائم ، أي صيغة مبالغة لمعنى قائم.

٢ ـ وفي أقرب الموارد يقول : «قام الرجلُ المرأة وعليها] أي : قام الرجل على المرأة [مانَها] أي : موّلها [وقام بشأنها] (٢).

٣ ـ وأيضاً جاء في أقرب الموارد : (القوّام ، كشدّاد : الحَسَنُ القيام بالأمر» (٣).

٤ ـ وفي النهاية لابن الأثير نقل عن كتاب أبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني يقول : «القوم في الأصل : مصدر قام ، فوصف به ، ثمّ غلب على الرجال دون النساء ... وسمّوا بذلك لأنّهم قوّامون على النساء بالاُمور التي ليس للنساء أن يقمن بها» (٤).

وهذا معناه أنّ الرجال يقوّمون النساء بأشياء تعجز المرأة عن القيام بها.

٥ ـ وجاء في لسان العرب : «قام الرجل على المرأة : مانَها. وإنّه لقوّام عليها مائنٌ لها» (٥).

٦ ـ وأيضاً في لسان العرب «وفي التنزيل العزيز (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) وليس يراد ههنا ـ والله اعلم ـ القيام الذي هو المُثُول والتّنصُّب وضدّ القعود ، إنّما هو من قولهم قمتُ بأمرك ، فكأنّه ـ والله اعلم ـ الرجال متكفّلون باُمور النساء معنيّون بشؤونهن» (٦).

٧ ـ وقال أيضاً في لسان العرب : «وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح ، ومنه

__________________

(١) المصباح المنير : ٢٦٨ «قوم».

(٢) أقرب الموارد ٢ : ١٠٥٣ «قوم».

(٣) أقرب الموارد ٢ : ١٠٥٤ «قوم».

(٤) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ١٠٩ «قوم».

(٥ ـ ٦) ـ لسان العرب ١٢ : ٥٠٣ «قوم».

٧٠

قوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) وقوله تعالى : (إِلاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) أي ملازماً محافظاً» (١).

فاتضح بهذا الذي تقدّم أنّ القوّامية لا تنافي سيطرة الزوجة على مالها وأفعالها ، بل معناها : إنّ الرجال يحافظون ويهتمون بنسائهم وتدبير شؤونهن.

نعم ، هذه القوّامية حينما تنسب إلى المقام عليه إذا كان إنساناً عاقلاً ، فيؤمَر ويُنهى ، باعتبار أنّ المحافظة عليه وإدارة شؤونه تحتاح إلى شيء من الأمر والنهي ، فلا تدلّ الآية على أمر الزوج ونهيه لزوجته في كلّ شيء حتى تنافي سلطنتها على مالها وتصرّفاتها.

إذن سوف يكون معنى الآية : أنّ الرجل له فضل على زوجته ; لأنّه يقوم بأمرها ويحافظ عليها ويدير شؤونها ، ولأنّه ينفق عليها. وهذا المعنى مقبول عرفاً ، وهو الظاهر من الآية ، كما يصح لنا أن نقول : إنّ الزوجة إذا أنفقت على زوجها وكان طريح فراش المرض وقامت بأمره ودارت شؤونه ، فهي صاحبة فضل عليه بهذا المقدار ، فليست الآية ناظرة إلى التفضيل المطلق.

إذن نفهم من الآية أمرين :

الأول : أنّ نفوذ أوامر الزوج على الزوجة لا يشمل الأوامر التحكمية ; لوضوح أنّ الأوامر التحكمية لا تدبّر أمر المرأة ولا تصلحها ولا ترعاها ، فليس حال الآية الكريمة حال روايات الطاعة ، بل الأمر بالعكس ، فالزوج هو بخدمة زوجته يدبّر أمرها ويرعاها ويحافظ عليها ويموّلها ويفعل لها ما لا تستطيع المرأة فعله بنفسها.

وقد يستفاد هذا أيضاً ـ على تأمل ـ من تقييد الآية بقوله تعالى في سورة النساء :

__________________

(١) لسان العرب ١٢ : ٥٠٣ «قوم».

٧١

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) (١).

وبقوله تعالى في سورة المائدة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ) (٢).

فالقواميّة للزوج على زوجته لا يجوز أن تنطلق من التحكّم والهوى والمزاج ، بل يجب أن تكون قواميّة بما يرضي الله تعالى.

الثاني : أنّ قوّامية الزوح على الزوجة وإن كانت مشتملة بنحو الموجبة الجزئية على نفوذ بعض أوامر الزوج على زوجته ، ولكن ليست هذه الأوامر النافذة عبارة عن كلّ أمر يراه الزوج في صالح هذه المرأة كإنسانة ، وإلاّ لكان المترقّب أن تكون الاُخت والبنت غير المتزوّجة أيضاً تحت ولاية الأخ والأب.

فالزوجة مستقلّة في إنسانيتها لا قائم عليها في الإنسانية ، فهي ليست مملوكة للزوج بالضرورة الفقهية ، وليست نسبة الزوجة لزوجها كنسبة الولد الصغير بالنسبة لوالده الذي يحدّ من حريته كإنسان. ولذا نرى عندما يخاف الشقاق بين الزوجين ـ كما ذكرت الآية التي بعد آية القوامية ـ بصدور الاتهامات بينهما ، فالزوج يقول لها : أنتِ ناشز ، وهي تقول له : أنتَ ناشز ، قالت الآية : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا) (٣) ، فإنّ التعبير بكلمة الحكم يعطي معنى الاستقلالية لكلٍّ من الزوجين ، فليست هي تابعة له في كلّ ما يراه صالحاً لها.

إذن تبيّن أنّ ملاك هذه القواميّة التي تكون في صالح المرأة قد ذكرته الآية ، وهو تفضيل الرجال على النساء ، إلاّ أنّ هذا التفضيل ليس في الإنسانية أو الخلق أو العلم أو التقوى ; لأنّ الإسلام جعل المفاضلة الحقيقية في التقوى أو العلم مع الإيمان ، وهما لا يختصان بالرجال.

إذن الأفضلية هي منصب تنفيذي في تنظيم اُمور الزوجة لأقوائية الرجل من

__________________

(١) النساء : ١٣٥.

(٢) المائدة : ٨.

(٣) النساء : ٣٥.

٧٢

المرأة فسيولوجياً ، وغلبة عقله على عاطفته التي تنفع في قيادة البيت إلى شاطئ السلامة والأمن ، وهذا هو القدر المتيقّن في أفضلية الزوج على زوجته.

فهو الأولى في قيادة بيت الزوجية ، فلا إطلاق في الأفضلية (١).

وعلى هذا ستكون الأفضلية في الآية القرآنية ، نسبية وليست مطلقة ، كما يصح لنا أن نقول : إنّ المرأة أفضل من الرجل في تربية ورعاية وحضانة الأطفال ; لغلبة عاطفتها على عقلها التي يحتاجها الطفل ، فإنّ عاطفة المرأة وحنانها ممّا يحتاج إليه الطفل ليشعر بالسعادة والطمأنينة ، كما يصح لنا أن نقول : إنّ المرأة أفضل من الرجل في عاطفتها ورحمتها ورقّتها (جمال المرأة في هذه الاُمور).

وقد ذكرت الآية ملاكاً آخر للقوّامية ، وهو إنفاق الزوج على زوجته الذي شرّعه الشارع المقدّس.

إذن ليس في الآية ما يدلّ على أنّ القوّامية عبارة عن الحدّ من سيطرة وسلطنة الزوجة على مالها وتصرّفاتها ، وليس فيها سلباً لحرّيتها واختيارها فيما يكون من شؤونها الخاصة والعامة.

ما هي حقوق المرأة التي أصبحت زوجة؟

إنّ المرأة التي أصبحت زوجة بعقد الزوجية لها حقوق كما عليها واجبات.

أمّا الواجبات فقد تقدّم الكلام عنها في حقوق الزوج على زوجته ، وقد تقدّم أنّ حقّه عليها يتلخّص في أمرين :

الأول : حقّ الاستمتاع.

الثاني : حقّ المساكنة الذي يتضمّن قيادته للبيت الزوجي لجعله متماسكاً لا يشوبه التفكيك.

وكلا هذين الحقّين مقيّدان بكونهما معروفاً ، ولا يجوز الخروج بهما عن حدّ

__________________

(١) المراد من الأفضلية هنا هو الأصلحيّة ، فلاحظ.

٧٣

الاعتدال إلى التحكّم والشذوذ.

أمّا حقوق الزوجة على الزوج الذي يعبّر عنها بواجبات الزوج اتجاه الزوجة ، أو حقّ الزوجة على الزوج ، فهو ما نريد بحثه هنا.

نقول : عندما يوجد عقد الزوجية فهو يتضمّن حقوقاً على الزوج لزوجته وواجبات ، ويوجد فرق بين الحقّ والواجب الذين توجها إلى الزوج ، ويتلخّص الفرق بينهما في :

١ ـ الحقّ : هو سلطنة مجعولة من قبل الشارع المقدّس للإنسان ، وهو هنا المرأة الزوجة ، وهو مرتبة ضعيفة من الملكية ، ويمكن لصاحب الحقّ إسقاط حقّه بالتبرّع أو مقابل عوض (١).

٢ ـ الحكم : هو جعل واعتبار من الشارع المقدّس ـ سواء كان رخصة أو إلزاماً أو وضعاً ـ على المكلّف ، فقد يكون الحكم تكليفاً بالرخصة بالمعنى العام ـ الإباحة أو الاستحباب أو الكراهة ـ وقد يكون الحكم إلزاميّاً ـ وجوباً أو حرمة ـ ، وقد يكون الحكم وضعيّاً ـ كالصحة والفساد ـ وهذا الحكم غير قابل للإسقاط.

والآن نتعرّض إلى حقوق الزوجة ، فنقول : إنّ الزوجة لها حقوق على زوجها تتلخص بما يلي :

١ ـ أنّ لها حقّ الاستمتاع بالزوج وحقّ المساكنة ـ كما كانا للزوج ـ ; لأنّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢) فإنّ هذه الآية وإن وردت في الطلاق ، إلاّ أنّها تشمل ما قبله بالأولوية.

__________________

(١) نعم ، يوجد استثناء بعض الحقوق من ذلك حيث ثبت أنّها غير قابلة للإسقاط.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

٧٤

وقال تعالى : (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (١) ، فالزوج سكن للمرأة وهي سكن له ، والاستمتاع حقّ للطرفين ، والمساكنة حقّ لهما معاً ، وهذا يقتضي أن تكون الحقوق متقابلة ومتوازنة ، فلكلّ واحد منهما على الآخر من أداء حقّه إليه مثل الذي عليه له ، فالحقوق بينهما متبادلة وهما اكفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلاّ وللرجل عمل يقابله لها ، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال ، كما هما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل.

وقد روي عن ابن عباس أنّه قال : «إنّي أُحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أُحبّ أن تتزيّن لي ; لأنّ الله تعالى يقول : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)» (٢).

نعم ، إنّ الله تعالى قال : (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) عقيب قوله : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، فما هي تلك الدرجة التي للرجال على النساء في خصوص الزوجية؟

والجواب : إنّ ابن عباس طبّق (٣) الدرجة التي ذكرها الله تعالى في هذا الموضع على الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها ، وإغضاؤه عنه ، فقد قال : «ما أحبّ أن أستنطف ـ أي آخذ ـ جميع حقّي عليها» ; لأنّ الله تعالى قال : (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ...).

فكأنّ المرأة تواجه صعوبات كثيرة للقيام بمسؤوليات الزوج والبيت ، فلاينبغي أن يتعامل معها وكأنّها شريك في تجارة ، فيحاسبها على كلّ شيء قد وقع منها يعدّ تعدّياً على حقوقه ، بل يقابل ما وقع منها من تقصير في حقوقه بالصفح والغفران.

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الكشّاف ١ : ٢٠٧.

(٣) راجع التبيان للطوسي ٢ : ٢٤١ وراجع الجامع لأحكام القرآن للطبري ٢ : ٤٥٣.

٧٥

ولهذا فقد روي أنّ امرأة جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألته عن حقّ الزوجة على الزوج؟ فقال : «... وإذا أذنبت غفر لها ...» (١).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «كانت امرأة عند أبي عليه‌السلام تؤذيه فيغفر لها» (٢).

وقد ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لولده محمّد بن الحنفية إذ قال له : «ولا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها ، فإنّ ذلك أنعم لها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها ، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارِها على كلّ حال ، وأحسن الصحبة لها ليصفوا عيشك» (٣).

وبهذا يفهم أنّ الأوفق والأصلح لها عدم تحمّل مسؤوليات النفقة وقيمومة البيت.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الدرجة في الآية الكريمة إمّا أن تكون بمعنى الصفح والغفران فيما لو تعدّت على بعض حقوق الزوج ، أو تكون بمعنى القيام بأمرها والمحافظة عليها ومساعدتها في الاُمور التي لا تقدر عليها ، كما لو كان هو المتبادر من الدرجة التي للرجال على النساء ، وهذا أمر طبيعي ، فإنّ كلّ من يغفر للآخر تعدّيه عليه أو يقوم بمساعدة الآخرين فهو له فضل درجة علية.

ولهذا نقول : بما أنّ الآية واردة في مقام التماثل بين الزوجين في الحقوق ـ لا في حقوق الرجال على النساء مطلقاً ـ فلايناسب أن يكون معنى الدرجة هو مسؤوليته الجهاد أو حقوق الميراث كما روي ذلك أيضاً ; لأنّ هذا إن كان فضلاً عليها فليس هو مختصّ بالتماثل في حقوق الزوجية التي كانت الآية بصددها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٨٤ من مقدّمات النكاح ، حديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٨٨ من مقدّمات النكاح ، حديث ١.

(٣) المصدر السابق : باب ٨٧ من مقدمات النكاح ، حديث ٣.

٧٦

وعلى هذا فنرى أنّ الظاهر هو ندب الشارع الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل ، وما ذاك إلاّ العفو عنها ، كما أنّها إذا عفت الزوجة عن الرجل عند تقصيره في إعطاء حقوقها فيكون لها عليه فضل ، ولكن الشارع أراد الفضل للزوج عليها فندب إليه ، كما يظهر من تطبيق ابن عباس للفضل عليها ، أو أنّ الشارع أخبر عن فضل الرجال على زوجاتهم لقيامهم بتدبير اُمورهن ورعايتهن وحفظهن ، فإنّ هذا عبارة عن فضل للزوج على زوجته بالقيام بأمرها ولو كان هذا الفضل بسبب إيجاب الشارع النفقة والمسكن والقيمومة على الزوج.

٧٧
٧٨

تجب المواقعة كلّ أربعة أشهر مرّة

أقول : إذا كان للمرأة الحقّ في المعاشرة الجنسية متى احتاجت وطلبت من الزوج ، كما يحقّ للرجل المعاشرة الجنسية مع زوجته استناداً إلى آية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) من حيث تقابل الحقوق ، فما معنى الروايات الواردة ـ عند الطرفين ـ بأنّ الزوج لا يجب عليه المعاشرة الجنسية إلاّ في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة ، والواجب عليه إدخال مقدار الحشفة فقط؟

ففي صحيحة صفوان بن يحيى عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل يكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال عليه‌السلام : «إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك» (١).

وصحيحة حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه ، فإمّا أن يفيء ، وإمّا أن يطلّق ، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمولي» (٢).

وقد روى أهل السنّة أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب عندما سمع شيئاً من زوجة أحد الصحابة الذاهبين للجهاد ، فسأل ابنته حفصة عن أقصى ما تستطيع المرأة أن تصبر عن زوجها ، فقالت : أربعة أشهر ، فأمر أن لا يزيد فراق الزوجات وإن كان

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٧١ من مقدّمات النكاح ، حديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : باب ١ من الإيلاء ، حديث ٢.

٧٩

للجهاد عن أكثر من أربعة أشهر.

أقول : وأنت ترى أنّ الروايات والقصّة كلّها واردة في حالات استثنائية ، لا يمكن سريانها على الحالات الاعتيادية ، فلا تبقى إلاّ المعاشرة بالمعروف ، فلاحظ.

٢ ـ لا يجب على الزوجة الخدمة المنزلية : (من كنس أو طبخ وترتيب البيت) بمقتضى عقد الزوجية ، بل الواجب ـ كما تقدّم ـ مقدّمات الاستمتاع بها من تنظيف وإزالة للمنفر والاستحداد ، والمساكنة مع الزوج وذلك :

١ ـ لعدم وجود أيّ دليل على وجوب الخدمات المنزلية على الزوجة في الروايات.

٢ ـ الأصل الأولي هو عدم سلطة أحد على أحد في عمل ما ، سواء كان زوجاً على زوجة أو أجنبي على آخر.

٣ ـ روايات تدلّ على استحقاق الاُم الاُجرة على إرضاع ولدها إذا طلبتها ، فقد قال تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (١) وهذه الآية وإن وردت في الطلاق ، إلاّ أنّها لا تفرق من ناحية أخذ الاُجرة على الإرضاع إن طلبتها الاُم ، سواء كانت المرأة مطلّقة أم لا ، لأنّ محلّ الورود لا يخصص الوارد ، كما هو محرّر في علم الاُصول.

٤ ـ يجب على الزوج الإنفاق على الزوجة ، حيث جعل هو القيّم على تدبير اُمور الزوجة والمحافظة عليها بقوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُواْ).

ولذا قال صاحب الجواهر قدس‌سره معبّراً عن الرأي المشهور بين الشيعة الإمامية فقال : «أوجبوا على الزوج لزوجته نفقة الخادمة إن كانت الزوجة من أهل الإخدام لشرف أو حاجة ، والمرجع فيه العرف ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم

__________________

(١) الطلاق : ٦.

٨٠