أوضاع المرأة المسلمة ودورها الإجتماعي من منظور إسلامي

الشيخ حسن الجواهري

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الإجتماعي من منظور إسلامي

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-91259-0-9
الصفحات: ٢٢٣

الحكومية والمؤسسات الاجتماعية والخيرية والتربوية وما شابه ذلك.

وبهذا تتمكن من سدّ العوز المالي الذي يلحق الأُسرة من جراء النفقات المالية الكبيرة ، كما أنّها تشعر بأنّها عضو فاعل في المجتمع ومستقلّة في تصرّفها النافع مع عفّة وطهارة ، فهي تغني المجتمع بالعمل المنتج وتلبّي حاجاته ، وهذا هو الذي دلّت عليه الأدلّة العامة من الحثّ على العمل النافع للإنسان ، ومن يدّعي خلاف ذلك فعليه أن يثبت دعواه بالدليل.

١٠١
١٠٢

التنظيم السوي للعلاقة بين الرجل والمرأة

إنّ التنظيم السوي للعلاقة بين الرجل والمرأة يقوم على اُسس هي :

١ ـ المساواة بينهما في نظام القيم ونظام الحقوق والواجبات الإنسانية ، فمسؤوليتهما واحدة متساوية أمام الله تعالى.

٢ ـ مساواة المرأة للرجل في عملية التنمية والخدمة الاجتماعية في مختلف المجالات التي تكون المرأة قادرة عليها.

٣ ـ يسعى الرجل إلى تأمين المرأة من ناحية الصحة والتعليم وعلاج المرض ، وباقي الاحتياجات اللازمة للمرأة.

٤ ـ يتعهد الرجل بمنع العنف ضدّ النساء ومنع العمل الشاق لها ; استناداً إلى كونها ريحانة وليست قهرمانة.

٥ ـ يشتركان في تكوين الأُسرة التي هي نواة المجتمع الصالح ، ويجب أن تحكم هذه الأُسرة الاُلفة والمحبّة والحنان بين الزوج وزوجته وبينهما وبين الأولاد ، فبيت الزوجية سكن للجميع ، واختلافهم في الصنف يوجب تنوّعاً في وظيفة كلّ منهما في الوظيفة العامة. وهذا يعني التأكيد على أهمية الاُمومة والعائلة وتربية الأطفال وتقسيم المسؤوليات.

٦ ـ إطاعة الزوجة لزوجها في الامور الجنسية بالمعروف ، واحترامها له في قيادة البيت نحو السلامة والأمن. وعليه فلاتخرج من بيته إلاّ بإذنه تطبيقاً لاحترام الزوج ، بدون أن يكون عدم إذنه لها تحكّماً وعناداً وأذيّة لها ، ويسقط هذا الحقّ إذا

١٠٣

كان في خروجها من البيت منسجماً مع احترام الزوج ولا يحمل أيّ هتك له.

٧ ـ يجب على الرجل أن ينظر إلى زوجته على أنّها شريكة حياة ، فيبتعد عن كلّ ما فيه تحكّم وعناد ، فالمعاشرة بالمعروف هو الشعار الذي يجب أن يطبّق في الحياة المشتركة بينهما ، والزوج هو المسؤول عن المحافظة على زوجته وتدبير أمرها.

٨ ـ كلّ من الرجل والمرأة مدعو إلى التديّن والالتزام بعقائد الدين وأحكامه على حدّ سواء ، فكلّ منهما مدعوّ للتفقّه في الدين على حدّ سواء ، وكلّ منهما مسؤول عن تقصيره في ذلك.

٩ ـ المرأة الزوجة بيدها الحضانة والرعاية والرضاع ، والتربية مشتركة بينهما.

١٠ ـ تسهم المرأة في الحياة السياسية والحكومية كالانتخابات والتعيينات ، ويحقّ لها الإسهام في تدوين السياسات والمشاركة في المؤسسات الاجتماعية والنشاطات الدولية.

١١ ـ الابتعاد عن جعل المرأة آلة يستفاد منها للجنس والخدمة والدعايات المروّجة للسلع وغيرها ، ويجب عليها العفّة وعدم خيانة الزوج في نفسها وماله ، فتحافظ على زوجها وماله ، كما يحافظ عليها كذلك.

١٠٤

المرأة في الغرب

إنّ وضع المرأة الإنساني والحقوقي في الدول غير الإسلامية كان وضعاً شاذاً وظالماً لعدّة دهور من الناحية الاجتماعية والميدانية ومن الناحية القانونية أيضاً ، ولكن عند ظهور النهضة الاُوربية حصلت مراجعة نقدية شاملة لذلك الوضع الشاذّ وغير العادل ، فتغيّرت المواقف الفكرية والأخلاقية في شأن المرأة ، ومن جملتها وضع المرأة في الأُسرة والمجتمع.

وتفعّلت هذه المواقف بسبب تحوّل المجتمع من الحياة الزراعية إلى الحياة الصناعية ، فتسبّب في الهجرة الواسعة من الأرياف إلى المدن ، فدخلت المرأة سوق العمل ، فتولّدت شعارات تنادي بتحرير المرأة وحقوقها ، وانتشرت بصورة واسعة نتيجة غلبة المجال العسكري للدول الاُوربية على غيرها.

وكان من الواجب العمل على إلغاء كلّ ما يرتبط بنقص المرأة عن الرجل ودونيتها في الإنسانية والكرامة ، وإعطاء حقوقها في تقرير مصيرها وتصرّفاتها وأعمالها ، مع الاحتفاظ بدورها في الأُسرة ، والمحافظة على عفّتها وطهارتها.

إلاّ أن الأمر اتجه لتحريرها من دور الأُسرة وسلب العفّة عنها ، فانتقدوا عملها في البيت كزوجة وأمّ ، واعتبروا أنّ مسؤوليتها في الأُسرة هو مظهر عبوديتها ، ونادوا بضرورة رفع القيود الأخلاقية والقانويية التي تحكم وتنظّم علاقات الرجال والنساء.

١٠٥

وساعدهم على ذلك نموّ الصناعة الذي جذب المزيد من اليد العاملة الرخيصة ، فاجتذبت النساء إلى المعامل ، وعزلت المرأة عن بيتها وأُسرتها ، فلا وقت عندها لتوفير الحدّ الأدنى من السكن للزوج وللأولاد ولها أيضاً ، مع اختلاط بلا حدّ بالرجال الأجانب ، مع دعوة إلى تحرير الجسد من القيود الأخلاقية والدينية في المجال الجنسي.

فأدّت هذه الحركات التحريرية في الغرب إلى خلط الغث بالسمين والفاسد بالصالح ، فجعلت المرأة دمية للرجل يستغلها في المعمل ويستمتع بها جنسيّاً باسم التحرّر وإن حصلت على بعض حقوقها في الحياة المعاصرة من عمل وعلم ومشاركة ، إلاّ أنّها فقدت قيمتها وشرفها وطهارتها واُسرتها وسكنها ، فهي زوجة ولكن لا تهتم باُمور الأُسرة والأولاد ، ولا تهتم بالسكن الذي جعله الله لها نتيجة الحياة الزوجية. كما أجازوا لها أن ترافق خليلاً معها تنجب منه الأطفال من غير زواج شرعي ، وما إلى ذلك من اُمور باسم التحرّر.

وعلى هذا فيمكن لنا أن نقول : لقد حوّلوا المرأة من ظلم كانت تعاني منه إلى ظلم آخر أشدّ من الأول باسم تحريرها وإعطاء حقوقها.

وبعبارة أُخرى : أرادوا ـ ولا زالوا يحاولون ـ مساواتها بالرجل في كلّ شيء ، ولا يعبأ بالفوارق الجسمية ـ الفسلجية والسيكولوجية ـ الثابتة بين الرجل والمرأة.

ونحن إذ نقرّ لهم بمساواة المرأة للرجل من الناحية الإنسانية والحقوق الفطرية التي يهدي إليها الدين ، إلاّ أننا كمسلمين وكبشر أيضاً نخالفهم في المساواة الجسدية ، إذ نؤمن ككلّ فرد واقعي بوجود الفوارق الجسمية التي تقتضي تقسيم العمل بنحو ينسجم مع الفرق بحسب الخلقة ، وإلاّ فإذا نظرنا إلى المساواة في كلّ شيء ، فإنّ النتيجة ستكون تردي الحالة النفسية والأخلاقية للمرأة حتماً.

١٠٦

نظرة الغرب السلبية للمرأة المسلمة وردّها

١ ـ يصوّر أنصار حقوق المرأة في الإعلام الخارجي صوراً فكاهية للمرأة وهي تكره العائلة ، كما أنّها تكره الرجل ، بل تمتعض من الجنس.

٢ ـ أما الإعلام الشعبي فيصوّر المناصرون للمرأة وهم يحتقرون النساء اللاتي يتجهنّ بكل وقتهن لممارسة أدوار الاُمهات وربّات المنازل.

٣ ـ كما يصوّر الكاريكاتور الغربي «المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب» على أنّه وصمة عار.

٤ ـ كما يصوّر الكاريكاتور الغربي «المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب» على أنّها كائنة مضطهدة ، لا تملك أيّ وسيلة للتعبير عن نفسها بحرية.

٥ ـ كما إنّ الغرب يفهم من قوامية الرجل على زوجته ، التقليل من شأن المرأة ، واتخاذها مادة هزيلة لأغراض الرجل.

المناقشة :

أولاً : يرد على الفقرة الاُولى عدّة ملاحظات :

أ ـ أثبتت الأبحاث الطبية والنفسية والاجتماعية والعلمية أنّ الرغبة الجنسية هي حاجة طبيعية يجب إشباعها ، وليس من الصحيح كبتها ، وليس من الصحيح أن يصوّر الإنسان الذي يسعى لأجل إشباعها على أنّه رجل منحرف وشيطان.

وعلى هذا ليس من يسعى إلى تأمين ما يحتاج إليه من جنس يكون مرتكباً للكبائر من الذنوب أو متّجهاً إلى القذارة والانحطاط ، بل يكون متّجهاً للشفاء من الكآبة والاضطرابات العقلية الحادة ، لذا فقد وردت الآثار الشرعية الكثيرة الحاثّة على الزواج وجعلته إحرازاً لنصف الدين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من تزوّج فقد أحرز

١٠٧

نصف دينه» وقال الكليني : (وفي حديث آخر) «فليتق الله في النصف الآخر» (١).

وقد كتبت المتخصّصة في علم النفس «إيفاهنريت مون» : بأنّه حتى حينما يكون مزاج المرء سيئاً وحينما تكون العلاقة بين الأبوين ليست على ما يرام ، فإنّ على الأبوين أن يحاولا ممارسة الجنس ; لأنّ ذلك سيساهم بنسبة ما في بناء محيط دافيء ، ليبدّل العلاقة الباردة والمرّة بأُخرى أحلى وأكثر دفئاً (٢).

إذن الجنس فعل إيجابي يجب التشجيع على ممارسته ، والإرشاد إليه عن طريق الهدي الرباني.

ب ـ إنّ هذه الرغبة الجنسية هي ثنائية المصدر ، أي أنّها حاجة طبيعية من الجانبين ، فليس الرجل هو يحتاج إلى هذه العملية دون المرأة ، ولا المرأة تحتاج إليها دون الرجل ، وهذا أمر واضح ، اذن الحاجة من الاثنين.

وهي حاجة طبيعية مستمرة ، لذا تبنّى البشر على طول التاريخ مؤسسة الأُسرة ـ العائلة ـ لأنّه يستطيع كلا الطرفين إلى إشباع حاجاتهما العاطفية والمادية والجنسية عن طريق الأُسرة ـ العائلة ـ التي تعيش انسجاماً قلبياً في ظلّ ظروف بهيجة ، تزداد ازدهاراً مع حفظ العفّة.

وهكذا دعا الإسلام إلى الحياة الاُسرية من طريق الزواج ، خلافاً للإباحيين والشيوعيين الذين يستهينون بالقيم الاُسرية ، فليس الاستهانة بالقيم الاُسرية إلاّ استهانة بالحاجة الطبيعية المستمرة للجنس القائم على إشباع الحاجات المستمرة للجنس بطريقة عفيفة وصحيّة وعاطفية تؤمن الينبوع البشري مع حفظ النسب.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : باب ١ من مقدّمات النكاح ، حديث ١١ و ١٢.

(٢) مقتبس من : بحث الشيخ علي الحكيم / الحجاب والنظرية القرآنية : ٨ نقلاً عن :.٤٠٠٨٨٤ / ٢٠ / ٦ / ٢٠٠٤ http / / www.dagbladet.no / magasinet / htm١

١٠٨

ج ـ من الطبيعي والواضح والذي كشفت عنه الأبحاث العلمية ، أنّ البيت والعائلة التي لا تملك طفلاً تكون عائلة غير موفّقة وغير سعيدة بالمعنى الأعم للسعادة ، فإن المرأة كما أنّها بحاجة إلى أن تكون زوجة لتشبع حاجاتها الجنسية الطبيعية ، هي بحاجة إلى أن تكون أُمّاً تحنو على طفلها وتعطف عليه وتربّيه ; ليكون البيت مشعاً بالسعادة والحنان والمحبة التي تشدّ الأُسرة لشقّ طريقها في الحياة بنشاط وعمل مشفوعاً بالأمل.

والنتيجة التي نصل اليها : هو خطأ وتضليل النقطة الاُولى القائلة : بأنّ المرأة تمتعض من الجنس وتكره الرجل وتكره العائلة.

ثانياً : يرد على الفقرة الثانية :

أ ـ أنّ وظيفة المرأة أولاً وبالذات هو البيت وتنظيم شؤونه وشؤون الاُمومة والحضانة للأولاد وتربيتهم التربية الصالحة ، ولكن عملها لا ينحصر بذلك ، فلها أن تعمل أيّ عمل يناسبها إذا وجدت فيها الكفاءات اللازمة له ، ولا تمنع من ذلك عند حصولها الوقت الكافي لمباشرة العمل خارج البيت إذا توافقت مع الزوج على ذلك.

ب ـ ولو لم تجد المرأة الوقت الكافي للعمل خارج البيت ، فلايجوز أن ننظر إلى عملها داخل البيت باحتقار ; لأنّه عمل مهم وكبير ، حيث يكون عبارة عن تربية الجيل الصاعد وإعدادهم إعداداً جيداً للمستقبل ، فتكون النساء اللاتي يقمن بهذا العمل على وجه الصحة والسلامة قد شاركن في إعداد الجيل للمستقبل ، وكلّما كان هذا الجيل صحيحاً سالماً عقائدياً وفكرياً وبدنياً وأخلاقياً ، فسيكون مؤثّراً في بناء المجتمع الصالح ، وبهذا ستكون الاُم هي المدرسة الأولية للأولاد ، ولذا قال الشاعر :

الاُمّ مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيّب الأعراق

ثالثاً : ويرد على الفقرة الثالثة والرابعة ما يلي :

١٠٩

أ ـ أنّ الحجاب لا يجب على المرأة المسلمة ـ باستثناء نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وإنّما الواجب على المرأة المسلمة ستر البدن عن الناظر الأجنبي ، وفرق بين ستر البدن والحجاب ، فالحجاب هو عبارة عن التواري عن الرجال مثلاً ، وهذا ليس واجباً على النساء المسلمات ، بل هو واجب على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط للآية القرآنية القائلة : (وَإِذَا سَأَلُْتمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (١)

ب ـ أنّ ستر بدن المرأة لا يكشف عن اضطهاد المرأة ، وتعرّي المرأة لا يكشف عن حريتها ، بل إنّ تعرّي المرأة يمكن أن يكون ناشئاً عن اضطهاد لها ; لعدم إعطاء الزوج لها المؤونة اللازمة للستر ، أو لم يعطِها المجتمع الضمان الاجتماعي اللازم لها.

ج ـ أنّ وجوب ستر البدن لا يشمل إلاّ الأجنبي ، أمّا الزوج وأب الزوج وأبناء الزوج وأخوها وابنها وعمّها وخالها ، وأزواج بناتها وأبناء إخوتها واخواتها ، وجميع النساء والذكور غير المميزين ، والرجال الكبار البُله الذي عبر عنهم القرآن (غَيْرِ أُولِي الاِْرْبَةِ) فهؤلاء كلّهم لا يجب على المرأة أن تتستّر عنهم.

د ـ أن وجوب ستر البدن ، الذي هو عبارة عن لباس الحشمة مقابل السفور ، هو واجب على المرأة ، كما هو واجب على الذكر ، والقصد من هذا الوجوب هو صيانة المجتمع من الانزلاق إلى الفساد ، وإيجاد العفّة في المجتمع ، لذا قال القرآن الكريم مخاطباً المؤمنات : (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي

__________________

(١) الأحزاب : ٥٣.

١١٠

إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الاِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) (١).

وقال تعالى مخاطباً الرجال المؤمنين قبل الآية المتقدّمة : (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ...) (٢)

فنفهم من هاتين الآيتين : أنّ على كلّ الجنسين ـ الذكور والاناث ـ العفّة واللباس المحتشم في المجتمع ، رغم وجود خلاف طفيف بين الجنسين في لباس الحشمة ، إلاّ أنّ هذا الاختلاف لا يلغي وجوب الحشمة في اللباس على كلا الجنسين.

لذا لم يجوّز العلماء ظهور الرجال نصف عراة أمام النساء حتماً في المجالس الحسينية ومواكب اللطم ، وإذا حدث ذلك فلا يجوز للنساء أن ينظرن إليهم على نحو الاحتياط الوجوبي. كما أنّ الإسلام لا يجيز للرجال أن يكشفوا عوراتهم أمام الرجال فضلاً عن النساء.

هـ ـ أنّ غالبية البحوث حول حالات الاغتصاب الذي يقوم بها الرجال للنساء ، قد ألقت اللوم على النساء المتعرّيات ـ غير المستورات بدنياً ـ على اعتبارهن الدافع المحرّك وراء سلوك الرجال البالغين الذين تحرّشوا بهنّ واغتصبوهن (٣).

وهذه الدراسات أوضحت فكرة في فهم العنف الجنسي وظروف جرائم الاغتصاب ، فالنساء العاريات تسهّل الأمر على المغتصبين عن طريق لبسهن ملابس مثيرة تستحث بشدّة أُولئك المرضى على أن يهاجموا النساء ، فالنساء العاريات هنّ من يدعُنّ المغتصبين الجنسيين إلى مهاجمتهن.

وبدون شكّ لانقصد من هذا :

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) النور : ٣٠.

(٣) نحن نشاهد حالات التحرّش والتعدّي يشمل حتى الملتزمة المستورة البدن البعيدة عن الإثارة ، فكيف بمن تثير الآخرين بكشف الجسد أو غير ذلك؟!

١١١

١ ـ أنّ المغتصب لا يعدّ جانياً ، ويكون معذوراً بعمله الإجرامي الذي تعدّى فيه على امرأة قد أغرّته بلباسها غير المحتشم ، بل إنّ المغتصب والمهاجم والمتحرّش قد قام بعمل إجرامي بلاشكّ ، وأنّه يعاقب أقصى العقوبة لهذه الجريمة إن كانت زنا بعنف. بل نريد هنا أن نضيف شيئاً وهو : إنّ المرأة المتعرّية قد أغرته وحرّكته في اغتصابها ، فهي إذن شريكة المغتصب في عمله الشنيع.

٢ ـ كما لانقصد إظهار المجتمعات الإسلامية على أنّها مثالية أو خالية من أيّة حالة من حالات الاغتصاب ، نتيجة وجود الستر للبدن عند ظهور المرأة في المجتمع.

٣ ـ كما لانقصد أنّ المجتمعات غير الملتزمة بستر البدن لا يوجد فيها نساء طاهرات بعيدات عن العمل الفاسد ، وهو الزنا وما يجرّ إليه.

بل كلّ ما في الأمر أردنا ببياننا السابق : أنّ التعرّي يقوم بإغراء الجناة ، والإغراء يؤدّي إلى ارتكاب الجريمة غالباً ، وأنّ المرأة المتعرّية تكون مسؤولة عن الجناية التي تتعرّض لها ; لأنّها باشرت عملاً حثّ بعض الذكور على فعل جريمتهم ، فالإغراء والفتنة من قبلها جرّ الطرف الآخر إلى الرغبة الجنسية بلا بصيرة ولكن عن اختيار منه وإرادة.

بل حتى اللباس المثير الذي يستر البدن الذي يحرّك الغريزة الجنسية ، أو العطر المحرّك للرجال ، أو حتى الأعمال غير الأخلاقية كرقص النساء أمام الرجال ، أو الكلام المثير الرقيق المحرّك للشهوات كالغناء ، أو اللمس المثير ، فكلّها تساهم في إعداد عمل يحثّ الذكور على فعل جريمة الاغتصاب أو التحرّش على أقلّ تقدير (١).

__________________

(١) قال تعالى مخاطباً النساء : (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) النور : ٣١ ، فالعمل الذي يجذب انتباه الرجال فتتحرّك شهواتهم ومشاعرهم الجنسية لا يجوز.

١١٢

وقد يدّعي المغتصب لهذه المرأة بأنّها هي التي أعطته إشارات واضحات لميلها إلى الملاطفة الجنسية ، فتقرّب منها بالتحرّش والعمليات الجنسية ، وحتى إذا امتنعت من العملية الجنسية فإنّ هذا لا يبرّر عملها الذي يدّعي الرجل أنّه دعوة له من قبلها ، وهذا غير موجود في المرأة التي كانت محتشمة في لباسها وقولها وعملها ، فهي تعطي إشارات واضحة وعديدة على أنّها ليست لها أدنى علاقة بأيّ شكل من أشكال الملاطفات الجنسية.

ولذا حرّم الإسلام كلّ هذه الأعمال التي يكون فيها إغراء وإثارة ولا يمكن إشباعها ; لعدم وجود علاقة زوجية بين المرأة المثيرة والرجل المثار ، ممّا يسبب وجود حالات تحرّش واعتداء جنسي ، أو حتى اغتصاب مهان ، ممّا تكون الحالة فيه مأساوية جداً.

ولا بأس بالإشارة إلى الحالات النادرة التي يكون الرجل فيها مثيراً لشهوات النساء ، حيث يقوم بأعمال من شأنها إغراء النساء خارج نطاق الزوجية ، كالغناء وكشف بعض البدن الذي قد يجر إلى إثارة الشهوة عند النساء خارج نطاق الزوجية ، فهذا أيضاً عمل محرّم ، تكون المسؤولية فيه على الطرفين ; لأنّه يصدر بإرادة واختيار من الرجل ومن المرأة معاً.

وبهذا الذي تقدّم تنهار الأفعال والكاريكاتورات التي تنظر إلى المرأة الساترة لبدنها والمحتشمة على أنّها وصمة عار ، أو أنّها مضطهدة في فعلها هذا.

رابعاً : ويرد على الفقرة الخامسة : ما تقدّم من معنى القوامية ، حيث قلنا : هو عبارة عن قيام الزوج بأمر الزوجة في تدبير أمرها والمحافظة عليها ، وليس من معناها سيطرة الزوج على فعل زوجته أو مالها الذي يلزمه التقليل من شأنها ، فلا تحكّم في قواميّة الرجل على زوجته ; لأنّ التحكّم لا يدبّر أمر الزوجة.

١١٣

كما أنّ المرأة ليس هي مادة هزيلة لأغراض الرجل ، إذ هي أيضاً بحاجة إلى الرجل لإشباع شهوتها ، فالحياة الزوجية فيها احتياج كلّ جنس للآخر ، والمعاشرة بالمعروف هي الدستور الأول للحياة الزوجية ، فلا سلطة ولا سيطرة ولا استغلال لأحد الجنسين للآخر ، بل الحياة الزوجية مسؤولية طاهرة بين الزوجين ، يقوم الرجل بأمر المرأة ويدبّر شؤونها ، ويعمل لها كلّ ما لم تتمكّن المرأة من عمله لأجل تحسين الحياة الزوجية ويحافظ عليها ، وهي التي تطيعه فيما يحتاج إليه من العمليات الجنسية والاُنس والسكن الذي يحتاج إليه ، وهو مسؤول عن توفير هذه المعاني لها ; لأنّها بحاجة إلى أُنس وسكن ليقوم البيت الزوجي بدوره الأساسي في نظافة المجتمع.

التضليل الإعلامي في الغرب

١ ـ يعرض الإعلام الغربي صوراً ثلاث للمرأة :

الصورة الاُولى : إظهار المرأة الساترة لبدنها على الطريقة الإسلامية على أنّها مخلوقة مضطهدة ، أُجبرت على وضع الستر على بدنها ، لذا فإنّهم سوف يأسفون لها ، بل يحاولون مساعدتها في رفع الاضطهاد وإزالة الجبر الذي تعرضت له.

الصورة الثانية : إظهار المرأة العارية تماماً على أنّها مجنونة أو غير مستقرة عقلياً.

الصورة الثالثة : إظهار المرأة السافرة الرأس والصدر والقدمين والساقين مع إظهار الزينة والمكياج والعطور ، على أنّها امرأة متحرّرة متطوّرة عصرية ، يجب الاقتداء بها.

أقول : التضليل هنا يكمن في الاستنتاج غير العادل ، فإنّ المرأة في الصورة الاُولى لو كانت مضطهدة ، وكانت المرأة في الصورة الثالثة هي المرأة المتحرّرة المتطورة

١١٤

العصرية ، فإذا طبقاً لذلك المنطق لابدّ أن تكون المرأة في الصورة الثانية هي الأكثر تحرّراً ، فلماذا حكموا عليها بأنّها مجنونة وغير مستقرة عقلياً؟!!

وإذا كانت المرأة في الصورة الثانية مجنونة وغير مستقرة عقلياً ، فعلى هذا المنطق ستكون المرأة في الصورة الثالثة غير مجنونة ، وعليه فستكون المرأة في الصورة الاُولى هي المرأة المثالية التي يجب أن يقتدى بها ، فلماذا وصفت بأنّها مضطهدة وشعروا بالأسف لها؟!!

هذا هو المعيار المزدوج ، فإنّ عدم ستر بعض البدن كالصدر والساق وشعر الرأس ، الذي تعدّ من زينة المرأة ، وهي التي تهيّج الرجال وتوجد الفتنة والإغراء ، اعتبرت في ذلك المنطق متحضرة ومتحرّرة وقدوة يقتدى بها ، لكن المرأة التي لا تضع على جسمها أي غطاء اعتبرت مجنونة ، بينما كان يجب أن تكون أكثر تحرّراً وتحضراً إذا كانت الاُولى متحرّرة ومتحضرة.

وإذا كانت العارية مجنونة ـ كما يقولون ـ فهذا يقتضي أن تكون الساترة لبدنها ما عدا الوجه والكفين عاقلة يقتدى بها ، لا أنّها مضطهدة يؤسف لها.

٢ ـ يعرض الغرب ستر البدن على أنّه يحدّ من نشاط المرأة في حياتها الشخصية.

والجواب : أنّ ستر البدن لا يحدّ من نشاط المرأة في أعمالها كما نراها عاملة محتشمة ونظيفة في كلّ مجال أعمالها التي تقدر عليها ، بل ستر البدن يتيح لها كرامة واحتراماً عند الآخرين حينما تعكس لهم أنّها لا تنوي أي ملاطفات جنسية في مجال عملها خارج نطاق الزوجية ، فهو يمنحها شعوراً بالأمان والحماية ما دامت ترفع هذا الشعور ، كما أنّه قد تقدّم أنّ العفة والحشمة واجبة على الرجال أيضاً بحدود معينة.

١١٥

٣ ـ يقول الغرب : إنّ تعرّي المرأة ليس أمراً خطيراً ، فهو وإن كان يغري الرجال ويعطيهم إيحاء خاطئاً ، إلاّ أنّ الذنب هو ذنب الرجال الذين أصبحوا فريسة هذه الإغراءات ، فعليهم أن يجتنبوا السعي وراء رغباتهم الشيطانية الفاسدة ، وليس هناك ذنب على تعرّي المرأة.

الجواب : إنّ في تعرّي المرأة جذباً لانتباه الرجال وفتنة لهم ، وهذا ذنب قامت به المرأة ، كما أنّ انجرار الرجل وراء الإغراء هو ذنب آخر مستقلّ عن الأول ، فالمرأة المتعرية والرجل المنجرّ وراء من غرّه وخدعه كلاهما مشتركان في العملية الجنسية أو الاغتصاب المحرّم ، لذا جعل الإسلام وقاية من الذنب الأول ستر الجسد والحشمة الكاملة ، وحرّم على الرجل النظر وإن لم تستر المرأة بدنها إذا كانت هناك فتنة من نظره إليها.

٤ ـ أنّ ستر بدن المرأة أو ما يطلق عليه (الحجاب) يعيق الرجل من معرفة شخصية المرأة التي يريد الاقتران بها ، وهذا يقلل من فرص الاقتران للنساء ، فلابدّ من رفعه حتى يحصل الاقتران الذي هو علاقة تليق بالطرفين.

والجواب :

أ ـ أنّ الشريعة سمحت للمرأة أن تكشف عن بعض جسمها للرجل الذي يريد الاقتران بها ، وسمحت للرجل أن ينظر إليها وإلى شعرها وصدرها وساقها ، وينظر إليها قائمة وماشية ، وترقّق له الثياب حتى يعرف جسمها ومفاتنها.

ب ـ أنّ المرأة تُعرف من خلال النظر إلى عينيها ووجهها ، فإنّ الوجه يكشف عن جميع محاسن البدن.

ج ـ أنّ فهم شخصية المرأة لا يفهم من خلال النظر إلى مفاتن الجسم ، بل تعرف من خلال معرفة طريقة التفكير والأخلاق والمشاعر ، وهي تحصل عن طريق الكلام معاً ، لا من كشف البدن ، فلاحظ.

١١٦

٥ ـ أنّ ستر البدن على المرأة يخلق تمييزاً في المعاملة بين الرجل والمرأة ، حيث إنّ الزوج لا يجب عليه ستر البدن كالمرأة ، وهذا يؤدي إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة.

والجواب :

أ ـ في الحقيقة ـ كما تقدّم ـ أنّ الرجال والنساء متساوون في ستر البدن ، حيث يجب عليهم الحشمة والعفة في لباسهم ، فيجب على الجميع ارتداء اللباس وستر البدن ، ولكن هناك اختلاف بين مقدار مساحة ما يخفى من البدن ; لاختلاف الجنسين في الأعضاء التي يعتبر كشفها مغرياً للجنس الآخر.

فالمرأة يمكن لها أن تغري الرجل بشعر رأسها أو بساقيها أو بعنقها وثديها ، فكانت هذه كلّها التي تعدّ من محاسن المرأة يحرم كشفها ويحرم نظر الرجل إليها ، بينما الرجل فإنّه يتمكن أن يغري المرأة بكشف صدره وبطنه وفخذيه وما شابه ذلك ، فحرم عليه ذلك في محيط توجد فيه النساء ، كما حرم على النساء النظر إلى هذه المواضع من الرجل.

كما أنّ الغناء والرقص والخضوع في القول والإشارات والكنايات إلى الأعمال الجنسية من كلّ من الطرفين يمكن أن تغري الآخر ، لذا حرّمها الإسلام على كلا الطرفين ، فلاحظ.

ثمّ إنّ الرجل والمرأة متساويان في الإنسانية والكرامة والقيمة الروحية والطهارة والحقوق الإنسانية والواجبات الإنسانية ، ولكنّهما يختلفان في كيفية الجسم ، وهذا أمر واضح لا حاجة للخوض فيه ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء) (١).

__________________

(١) النساء : ١.

١١٧

وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١).

وذكرت السنّة النبوية : «إنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة» ، كما تقدّم منّا جواز تقلّد المرأة أي عمل مهني وعلمي وحكومي (إذا كان خالياً من القضاء والحكم في التنازع) (٢) ، وقد صرّح بذلك العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره فقال :

«يتقاسم كلّ من الرجال والنساء حصصاً متساوية من مواهب التفكير والإرادة التي تكون الأساس في حرية الاختيار ، لذا يجب أن تكون المرأة حرة بشكل متساو مع الرجل في تفكيرها وإرادتها ، ويجب أن تكون لها حرية الاختيار.

وبتعبير آخر : يجب أن تكون المرأة حرة في إدارة شؤون حياتها اليومية والاجتماعية ، إلاّ إذا كان هناك سبب يفرض العكس. وقد أعطاها الإسلام هذه الحرية وهذا الاستقلال بكلّ معاييره ، وبذلك فقد أصبحت للمرأة بنعمة الله شخصيتها المستقلّة ، ولم تعدّ مقيدة في إرادتها وأفعالها بما يريده الرجال ، أو بما يريده من له الولاية عليها ، وقد نالت ما أنكره العالم عليها على طول وجودها على هذه الأرض منذ بدء الخليقة بما لم يكن له مثيل في تاريخ المرأة يقول الله تعالى : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣).

ومع أنّ المرأة تقاسم الرجل في هذه الصفات الأساسية ، إلاّ أنّها تختلف عنه من طرائق اُخرى ، فمتوسط المرأة يختلف عن متوسط الرجل في التركيبة الجسمانية وفي وظيفة أعضاء الجسم ، كالدماغ والقلب والأوردة والأعصاب والطول والوزن ، وتفاصيل هذه الحقيقة يمكن ملاحظتها في أيّ كتاب مختصّ بعلم التشريح.

__________________

(١) النحل : ٩٧.

(٢) كما سوف يأتي الدليل على ذلك فيما بعد.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

١١٨

ونتيجة لذلك فإنّ جسم المرأة هو أرق وأئنق من جسم الرجل الذي يكون عادة أمتن وأخشن.

أمّا العواطف الرقيقة كالحب والحنان والميل للجمال وللزينة ، فهي عند المرأة أكثر مما هي عند الرجل. ومن جهة أخرى ، فإنّ القوة العقلية عند الرجل أبرز ممّا هي عليه عند المرأة. تعيش المرأة حياة عاطفية ويعيش الرجل حياة عقلية» (١).

٦ ـ أليس وجوب ستر البدن على المرأة يكون وسيلة لحرمانها من مناصب معينة؟ أو يكون تأكيداً على أنّ المرأة هي رمز الإغراء في المجتمع وأنّها لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل؟

الجواب :

أ ـ أنّ وجوب ستر البدن ـ كما قلنا ـ ليس مختصاً بالمرأة ، بل يشمل الرجل أيضاً ، ولكن بمساحة تختلف عن مساحة المرأة ، فالستر هو حقّ عام على الجنسين ; لأنّه رمز للعفة والكرامة.

ب ـ نعم ، إنّ النساء يغرين الرجال ـ غالباً ـ ويجلبن انتباههم ويسهّل عملية إغرائهم ، بخلاف الرجال فإنّهم نادراً ما يغرّون النساء ، لذا فإنّ من الحكمة أن لا يترك الإغراء والإغواء الهدام يعبث في المجتمعات المسلمة ويرمي سمومه فيها ، ومن الواضح أنّ اللباس المحتشم يكشف القِيَم التي يحملها صاحب اللباس المحتشم ، كما أنّ التعرّي يكشف عن قيم صاحبه ، فالأول يصرّح بعدم أيّ علاقة بالجنس ومقدّماته خارج نطاق الأُسرة والزوج ، والثاني يصرح ويغري بالعكس ـ وإن كان صاحب التعرّي لا يقصد ذلك ـ ولذلك صرّح علماء النفس والتربية بأنّ المرأة المتعرّية هي المعينة على نفسها إذا اغتصبت من قبل الرجال ، كما تقدّم ذلك.

__________________

(١) بحث الشيخ علي الحكيم / الحجاب / النظرية القرآنية : ١٦ نقلاً عن الميزان في تفسير القرآن للعلاّمة الطباطبائي ، الترجمة الانجليزية ٧٥ : ٤ ـ ٧٨ ، ترجمة سيد سعيد أختر رضوي.

١١٩

ج ـ ليس لستر البدن أيّ صلة أو تعبير عن حرمان المرأة من حريّتها في حياتها الاجتماعية والعملية والسياسية.

٧ ـ قال الغرب : إنّ ستر البدن يحمل معاني متعدّدة :

منها : أنّها تدعوا النساء الاُخريات لدينها ، وهذه الدعوة لا تتحمل في النظام الذي فصل بين الكنيسة والدولة ـ كنظام فرنسا ـ فكلّ شيء ياخذ طابعاً ديناً لابدّ أن يحظر ، فيكون لمثل هذه الدول الحقّ في منع ستر البدن بالكيفية التي تكون عليها المرأة المسلمة.

ومنها : ما قاله «جافيير تيرتيسيان» : إنّه يحمل معنى جبر المرأة المسلمة على الحجاب ، بينما يريد لها المشرّع الفرنسي أن تكون حرّة.

ومنها : أنّه معنى سياسياً وليس واجباً دينياً.

ومنها : أنّه يساء استخدامه من قبل الاُصوليين الإسلاميين ، فيهدّدون الجمهورية الفرنسية العلمانية (١).

والجواب :

١ ـ نعم ، لاننكر أنّ ستر البدن فيه دعوة للاقتداء به ; لأنّه الأمر الذي تفضّله المرأة من الستر ، وهو أيضاً يحمل معنى سياسياً. إلاّ أنّه لا يهدد مبادئ فرنسا ولا يهدد العلمانية ، فالعلمانية مبدأ خلاف الدين ، والدين مبدأ خلاف العلمانية ، والفرد الحرّ مختار في تبنّيه لأيّ من الفلسفتين ، فإذا كانت فرنسا عندها مبدأ الحرية في الاختيار فلابدّ أن تسمح للنساء باختيار الدين أو اختيار العلمانية ، وأمّا مسألة ستر البدن فهي لاربط لها بتهديد مبادئ فرنسا العلمانية.

__________________

(١) راجع المصدر نفسه : ١٧ نقلاً عن جلسة سؤال وجواب عقدها الموقع الالكتروني الإسلامي العربي (اسلام اونلاين) في ١٢ / ٧ / ٢٠٠٤ م استضاف فيها «جافيير تيرتيسيان» الذي يمتلك عموداً في الشؤون الدينية في صحيفة «لوموند» الفرنسية.

١٢٠