[١٠٧]
كشف سرّ : لا يكون
إمام إلّا وله عقب إلّا الحجّة عليهالسلام
( البحار ) من غيبة الشيخ (١) : بسنده إلى الحسن بن علي القزاز : قال : دخل علي بن أبي حمزة : على أبي الحسن الرضا عليهالسلام : فقال له : أنت إمام؟ قال : « نعم ». فقال له : إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمَّد عليهماالسلام : يقول : « لا يكون الإمام إلّا وله عقب ». فقال : « أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر : إنّما قال جعفر : لا يكون الإمام إلّا وله عقب إلّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهماالسلام : فإنّه لا عقب له ». فقال له : صدقت جعلت فداك ، هكذا سمعت جدّك يقول (٢).
قلت : المراد والله العالم بمقاصد أوليائه ـ : « أنّه لا عقب له » إمام معصوم أي أنه خاتم الأوصياء ، بما استفاضت به الأخبار ، بل تواتر مضمونها أن الأئمّة المعصومين خلفاء الرسول صلىاللهعليهوآله : اثنا عشر (٣) هم الشموس الظاهرة (٤) آخرهم الحجّة عجّل الله فرجه وإلّا فقد ورد عدّة أخبار أنه يولد لكلّ واحد منهم بالكوفة مائه ، ولد حتّى القائم عليهالسلام : وورد أنه يولد له بعد قيامه على الإطلاق ، والله العالم.
__________________
(١) الغيبة : ٢٢٤ / ١١٨ ، وفيه عن الخزاز.
(٢) بحار الأنوار ٥٣ : ٧٥ ـ ٧٦ / ٧٧ ، وفيه عن الخزاز أيضاً.
(٣) انظر عمدة عيون صحاح الأخبار : ٤١٦ ـ ٤٢٣.
(٤) المزار الكبير : ٥٧٨ ، بحار الأنوار ٩٩ : ٨٧ ، ١٠٧.
[١٠٨]
نور فقهي : طلاق
أُمّ فروة بعد موت الكاظم عليهالسلام
( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (١) بسنده عن أحمد بن عمر : قال : سمعته يقول يعني أبا الحسن الرضا عليهالسلام : ـ « إني طلّقت أُم فروة بنت إسحاق في رجب ، بعد موت أبي بيوم ». قلت له : جعلت فداك ، طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن عليهالسلام :؟ قال : « نعم » (٢).
وفي ( الكافي ) : الحسين بن محمّد : عن المعلّى : عن الوشاء : قال : قلت لأبي الحسن : الحديث إلى أن قال ـ : وسمعته يقول : « طلّقت أُمّ فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي الحسن عليهالسلام : بيوم ». قلت : طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن عليهالسلام :؟ قال : « نعم » (٣). الخبر.
قال باقر ( البحار ) : ( الظاهر أن أُمّ فروة : كانت من نساء الكاظم عليهالسلام : وكان الرضا عليهالسلام : وكيلاً في تطليقها ، فطلاقها بعد العلم بالموت إمّا مبنيّ على أن العلم الّذي هو مناط الحكم الشرعي هو العلم الحاصل من الأسباب الظاهرة لا ما يحصل بالإلهام ونحوه ، أو على أن هذا من خصائصهم عليهمالسلام ، كما طلّق أمير المؤمنين عليهالسلام : عايشة (٤) : لتخرج من عداد أُمّهات المؤمنين. ولعلّ قبل الطلاق لم يحلّ لهنّ الأزواج.
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٤٦٧ / ٤.
(٢) بحار الأنوار ٢٧ : ٢٩٢ / ٤.
(٣) الكافي ١ : ٣٨١ / ٣.
(٤) انظر : مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٥٣ ، المجلي : ٣٨٦ ، بحار الأنوار ٣٨ : ٧٥ / ١ ، وليس فيها أنه عليهالسلام طلّقها ، بل هدّدها بالطلاق إن لم ترجع إلى المدينة حيث أقرّها الله ورسوله. وذلك بعد وقعة الجمل في البصرة.
ويحتمل أن يكون المراد بالتطليق : المعنى اللغوي أو يكون الطلاق ظاهراً للمصلحة ، لعدم التشنيع في تزويجها بعد انقضاء عدّة الوفاة من يوم الفوت بأن يكون عليهالسلام أخبرها بالموت عند وقوعه. ومن المعاصرين من قرأ « طلّعت » بالعين المهملة بمعنى : أطلعتها أي أعلمتها بموته عليهالسلام ولا يخفى ما فيه ) (١) ، انتهى كلام المجلسي.
وكتب عليه الشيخ خلف آل عصفور : ما لفظه : ( عليه قدسسره أن يشير أو يذكر قبل بيانه ما يدلّ على بطلان الوكالة بالموت على وجه كلّيّ ؛ حتّى يرتكب في هذه الرواية ما يرتكب لأنا لم نرَ سوى حديثين في الوكالة في النكاح ، وليس فيهما عموم حتّى ينظر في معارضهما ، والاعتبارات العقلية لا تقوم بها حجّة في الأحكام الواجب أخذها من الكتاب والسنّة ) ، انتهى.
وأقول : العمدة على الوجهين الأوّلين ، وهو أن مناط الحكم بالظاهر هو العلم الشرعيّ الظاهر المترتّب على الشفاهيّ الحسّيّ أو السماع من العدلين ، أو الاستفاضة ، أو أنه من خصائصهم. وسرّ الوجهين الكاشف لصحّتهما هو أن الموت لا يغيّر من أحوالهم شيئاً.
ووجه آخر هو أن الطلاق ليس من الزوجية الظاهرة ، بل من العلاقة الباطنة الحادثة بسببها ، لطلاق أمير المؤمنين : سلام الله عليه بعض أزواج النبي صلىاللهعليهوآله : بعد موته ؛ إذ ليس هو الطلاق المعروف بين المتشرّعة. وهو أوفق من الأوّلين ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه ليس الثاني ؛ فإنّ ملخّصه عدم انعزال الوكيل بموت الموكّل ، وصحّة الطلاق بعد الموت خصوصية لهم ، صلّى الله عليهم.
وأما قوله : ( ولعلّ ) إلى آخره فظاهره أن أزواج الأئمّة سلام الله عليهم لا تحلّ للأزواج بالموت ، بل بالطلاق ، ولو بعد الموت ، وهو خلاف المعروف من امّة الإجابة.
__________________
(١) بحار الأنوار ٢٧ : ٢٩٣.
نعم من خصائص الرسول صلىاللهعليهوآله : أن أزواجه لا تحلّ بموته.
وأمّا قوله : ( أو يكون الطلاق ظاهراً للمصلحة ) إلى آخره ، فضعيف ، [ لأنّ (١) مقتضاه حلّ الأزواج لها قبل انقضاء عدّة الموت ، وهو باطل إجماعاً إلّا أن يكون قد خرجت عدّة طلاقها قبل أن يرد خبر موته ، وهو بعيد جدّاً. وعلى فرضه إنّما يتصحّح على الوجه الأوّل ، بل هو هو لا وجه آخر ، ولكن يدفع وجه تصحيحه على توجيهه ما قاله أخيراً من بنائه إيّاه على إخباره لها بالموت قبل الطلاق أو بعده إن كان رجعيّاً.
وأمّا كلام شيخنا الشيخ خلف : فضعفه لا يخفى :
أمّا أوّلاً ؛ فلمخالفته إجماع الفرقة في جميع [ الأعصار (٢) ] والأمصار على بطلان الوكالة بالموت.
وأما ثانياً ؛ فلأنّ مقتضاه صحّة طلاق المتوفّى عنها زوجها بعد موته. وهو بديهي البطلان ، مخالف للإجماع قديماً وحديثاً ، والله العالم.
__________________
(١) في المخطوط : ( لا ).
(٢) في المخطوط : ( الأصار ).
[١٠٩]
نور مشرقي : تلازم ليلة القدر مع القرآن (١)
في ( الفقيه ) عن أبي عبد الله عليهالسلام : أنه قال : « ليلة القدر لو رفعت لرفع القرآن » (٢).
قال محمّد تقي : رحمهالله : ( إن ليلة القدر لا ترفع حتّى يستشهد الحجة عليهالسلام : فإذا استشهد رُفع القرآن ورفعت ليلة القدر (٣) ) ، انتهى.
قلت : اعلم أن الكتب الثلاثة متطابقة ، فكتاب التدوين طبق كتاب التكوين ، فكما أن التكوين لا يطيق الزمان بروزه فيه اختياراً إلّا تدريجاً وبالعكس لضيق ساحة الزمان وعرصته عن جميع الأكوان دفعة ، فإنّه في الحقيقة نقطة بحسب وجوده ، ولحظة بحسب ظاهر الحسّ كان القرآن لا يبرز مضمونه في صقع الزمان دفعة ؛ لضيق وسعه عن ذلك ، فلا تقع أحكامه وتبرز فيه إلّا تدريجاً طبق بروز المكوّنات عاما فعاماً ، وشهراً فشهراً ، ويوماً فيوماً ، ولحظة فلحظة ، فإنّ القرآن منطبق على جميع الخلائق ، ففيه أحكام الخلق منذ بُعث محمَّد صلىاللهعليهوآله : في الذرّ الأوّل إلى أن تقوم الساعة. فهو يقع ويبرز أحكامه طبقه فطبقة ، بحسب بروز طبقات الوجود ، ولحظة فلحظة بحسب بروز مطابق كلّ نجم من التكوين.
وقد دلّ على هذا جملة من الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، مثل : ما رواه
__________________
(١) مرّ بمضمونه في العنوان : ٦٣.
(٢) الفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٤ ، وقد وردت كلمة : « ليلة القدر » في مفروض السؤال لا في جواب الإمام عليهالسلام.
(٣) روضة المتّقين ٣ : ٤٣٩ ، ( بالمعنى ).
العيّاشي : عن الفضيل بن يسار : قال : سألتُ أبا عبد الله عليهالسلام : عن هذه الرواية : « ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وله حدّ ، ولكلّ حدّ مطلع » ، ما يعني بقوله : « لها ظهر وبطن »؟ قال : « ظهره تنزيله (١) ، وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلّما جاء منه شيء وقع »(٢) الخبر.
وفي بصائر الصفّار : بسند صحيح عن أبي جعفر عليهالسلام : مثلُه ، وزاد فيه : «كلّما جاء منه تأويل شيء [ وقع (٣) ] يكون على الأموات كما يكون على الأحياء » (٤).
وفي غيبة النعمانيّ : عن الصادق عليهالسلام : أنّه قال : « إنّ للقرآن تأويلاً يجري [ كما يجري ] (٥) الليل والنهار وكما يجري الشمس والقمر ، فإذا جاء تأويل شيء منه وقع ، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجيء » (٦) الخبر.
وهذا المضمون كثير جدّاً. بل وما وقع مضمونه منه في الخارج فهو جارٍ أبداً على أمثال أُولئك الذين وقع فيهم ، وإلّا لكان كلّ ما مضى منه نجم مات ، ولا موت في القرآن بوجه ، بل هو أبداً حيّ طري يتجدّد بتجدّد الأزمان والأكوان ، كما يدلّ عليه ما استفاض مضمونه من النصوص. ففي ( العيّاشيّ ) عنهم عليهمالسلام: « إن ظهر القرآن : الذين نزل فيهم ، وبطنه : الذين عملوا بمثل أعمالهم ، يجري فيهم ما نزل في أُولئك » (٧).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم : عن [ خيثمة (٨) : ] عن أبي جعفر عليهالسلام : أنه قال : « لو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات أُولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن
__________________
(١) ليست في المصدر ، وقد وردت في ( بصائر الدرجات ).
(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٢ / ٥.
(٣) في المخطوط : ( يقع ).
(٤) بصائر الدرجات : ١٩٦ / ٧ ، وفيه نصّ الزيادة : « كما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء. قال تعالى : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، نحن نعلمه ».
(٥) من المصدر.
(٦) الغيبة : ١٣٤ / ٧ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٧٩ / ١٣ ، وفيها : « للقرآن تأويل » بدل : « إن للقرآن تأويلاً ».
(٧) تفسير العياشيّ ١ : ٢٢ / ٤ ، وفيه : « ظهر القرآن : الّذين نزل فيهم ، وبطنه : الذين عملوا بمثل أعمالهم ».
(٨) في المخطوط : ( خثيمة ).
يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكلّ قوم آية [ يتلونها (١) ] ، هم منها [ في ] (٢) خير أو شر »(٣).
وفي خبر آخر عن أبي بصير : عن الصادق عليهالسلام : قال : « لو كان إذا نزلت آية في رجل ، ثمّ مات ذلك الرجل ماتت الآية ، مات الكتاب ، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي كما يجري فيمن مضى » (٤).
وهذا المضمون مستفيض ، وهو يدلّ على أن ما يعلمه الإمام من أحكام القرآن ومقتضياته يؤذن له في إبراز ما يطابق كلّ نجم وكلّ سنة وكلّ يوم في ليلة القدر ، ففيها يؤمر بأحكام السنة المستقبلة وحوادثها ، بحسب ما يخصّها من القرآن.
فإذن لكلّ ليلة قدر مناسبة لقسط من الزمان يطابق التكوين [ الجديد (٥) ]. فإذن بروز كلّ قسط من القرآن الجامع لأحكام الخلائق يتوقّف على بروز طبقه من التكوين ، وحضور قسطه من الزمان ؛ فمنه ما مضى ، ومنه ما هو باقٍ منتظر.
فظهر تلازم ليلة القدر والقرآن ما بقيَ الزمان ، فلو رفع القرآن رفعت ؛ لأنّ قسط السنة منه لا يؤمر الإمام بإظهاره إلّا ليلة القدر منها ، فلا يرتفعان من هذا العالم إلّا بفنائه وانقطاع التكليف منه ، وذلك عند ما يرفع آخر من يرفع من الأئمّة وهو أمير المؤمنين سلام الله عليهم أجمعين : قبل النفخة الاولى بأربعين يوماً كما دلّ عليه بعض الأخبار (٦). وتلك [ الأربعون (٧) ] اليوم في الآفاق نظيرها في الإنسان الجزئيّ بلوغ الروح التراقي ولحظة المعاينة. وقد مضى لهذا مزيد بحث ، وأُعيد هنا هذا الأمر (٨) ، والله العالم.
__________________
(١) في المخطوط : ( يتلوها ).
(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( من ).
(٣) تفسير فرات الكوفي : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ١٦٦ ، باختلاف في بعض ألفاظه.
(٤) الكافي ١ : ١٩٢ / ٣ ، بحار الأنوار ٢ : ٢٧٩ / ٤٣.
(٥) في المخطوط : ( جديد ).
(٦) انظر الأنوار النعمانيّة ٢ : ١٠٩.
(٧) في المخطوط : ( الأربعين ).
(٨) في المخطوط بعده لفظة ( ما ).
[١١٠]
بيان حال وكشف
إجمال : بعد الدنيا دار ليست كالدنيا
روى الشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ : في غيبته بسنده عن أبي عبد الله عليهالسلام : أنه قال : « أُفّ [ للدنيا (١) ] ، إنّما الدنيا دار بلاء ، سلّط الله فيها عدوّه على وليّه ، وإنّ بعدها داراً ليست هكذا ». فقلت : جعلت فداك ، وأين تلك الدار؟ فقال : « هاهنا ». وأشار بيده إلى الأرض (٢).
قال الشيخ حسن : أراد بالدار التي ليست هكذا : هو يوم الرجعة ، بقرينة الإشارة في جواب ( أين ) إلى الأرض.
قلت : أوجه من هذا وأظهر أنه أراد بها دار البرزخ. والقرينة : إشارته إلى الأرض أي أنها دار القبور لأنه البرزخ ، وهو الظاهر من قوله [ بعدها (٣) ] يعني : الدنيا ، فإنّها القرينة ؛ لأنّها الحاضرة ، والله العالم.
__________________
(١) في المخطوط : ( لدنيا ).
(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٤٩ ، وفيه : « أُف للدنيا أُفّ للدنيا » ، بالتكرار.
(٣) في المخطوط : « بعد هذه » ، وما أثبتناه موافق لنصّ الحديث أعلاه.
[١١١]
كشف حال وبيان
مقال : أُنزلت سبح فنسيها
روى الشيخ حسن بن سليمان : بسنده في غيبته عن سعد بن [ طريف (١) ] الخفّاف قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : ما تقول فيمن أخذ عنكم علماً فنسيه؟ قال : « لا حجّة عليه ، إنّما الحجّة على من سمع منّا حديثاً فأنكره ، أو بلغه فلم يؤمن به وكفر. فأمّا النسيان فهو موضوع عنكم ؛ إنّ أوّل سورة نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (٢) فنسيها ، فلم (٣) يلزمه حجّة في نسيانها ، ولكنّ الله تعالى أمضى له ذلك ، ثمّ قال ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ) (٤) » (٥).
قلت : لعلّ معنى « نسيها » : تركَ إظهارها ، وأخّر تبليغها ، أو أخّر العمل في أُمّته بها عن أوّل نزولها بمقتضى مشيئته تعالى وحكمته ، أو أنه بظاهره يدلّ على ما ينسب للصدوق (٦) : وهو مهجور بين الفرقة.
والظاهر أنه أراد : أوّل السورة إلى أُخرى ؛ بقرينة قوله : « ثمّ قال : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ).
__________________
(١) في المخطوط : ( ضريف ).
(٢) الأعلى : ١.
(٣) في المصدر : ( فلا ).
(٤) الأعلى : ٦.
(٥) مختصر بصائر الدرجات : ٩٣ ـ ٩٤.
(٦) انظر الفقيه ١ : ٢٣٤ / ذيل الحديث : ١٠٣١ ، وكذلك قال به من المتأخرين السيد نعمة الله الجزائري في أنواره ، انظر الأنوار النعمانية ٤ : ٣٥ ، عنه في الكشكول ( البحراني ) ١ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩.
[١١٢]
نور فقهي وميزان
قسطي : لو جامع زوجته ثمّ يئست
مسألة : لو وُطئت المرأة في طهر فيئست ، هل تطلّق قبل أن تستبرئ بثلاثة أشهر أم لا؟ وجهان :
الأوّل : يصحّ طلاقها حينئذٍ بلا استبراء بثلاثة أشهر ؛ لدخولها في اسم مَن يئست. وإطلاق الأخبار المستفيضة والإجماع في سائر الأعصار أن من يئست تطلّق على كلّ حال ، وهذا الحال من جملة أحوالها. وأن طلاقها بائن من غير استثناءِ مَن جامعها زوجها قبل اليأس فيئست (١). وهذا هو المختار.
والثاني : أنه لا بدّ من استبرائها بعد الجماع بثلاثة أشهر ، وله استصحاب المنع قبل اليأس حتّى يثبت المسوّغ ، وهو الاستبراء بذلك. ونظيره أن المطلّقة إذا يئست في أثناء العدّة وجب عليها إكمالها ولو ملفّقة من القرء والشهور ، مع قيام النصّ (٢) والإجماع إلّا من شاذّ (٣) على أن اليائسة لا عدّة عليها. وكأنّ ذلك نظراً إلى أنّها بعد تلبّسها بالعدّة ، وتحريم الأزواج عليها لزمها ذلك مستصحباً إلى ثبوت المخرج المبيح ، وهو كمال العدّة. ولعلّ هذا مؤيّد لا بطريق القياس ، بل بجهة اتّحاد المأخذ ، وعدم ظهور الفرق لا [ يضير (٤) ].
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨١ ، أبواب العدد ، ب ٣.
(٢) انظر الهامش السابق.
(٣) الانتصار : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ / المسألة : ١٨٨.
(٤) في المخطوط : ( نظير ).
ويضعف هذا بأنّ الأصل والاستصحاب [ يخرجان (١) ] عنه بالدليل ، بل لا حجّيّة فيهما مع قيام دليل أقوى منهما يعارضهما ، وهو هنا قائم ، وهو ما ذكر. وحديث المعتدّة أيّد الاستصحابَ ، فيه الدليلُ ، ولا منافي لهما.
هذا مع أن الأصل إباحة النكاح وغيره ممّا حرّمته العدّة ، لكن قام الدليل على الخروج عنه ، وهو أقوى منه ، فعارضه ونفى الأخذ به وأثبت استصحاب حالها قبل اليأس. ولولاهما لكان أصل الإباحة أقوى من الاستصحاب ، ونمنع جريان مأخذ المعتدّة ودليله في حكم الطلاق.
فإذن هو أشبه بالقياس ، والله العالم ، وهو الغفور الرحيم.
__________________
(١) في المخطوط : ( يخرج ).
[١١٣]
كوكب درّي : « نحن صُبّر وشيعتنا أصبر منّا »
ما معنى ما ورد في بعض الأخبار : « نحن صبّر ، وشيعتنا أصبر منّا ؛ لأنّهم أُوذوا فينا ولم نؤذَ فيهم »؟
وفي آخر : « لأنّهم صبروا على ما لا يعلمون ، وصبرنا على ما نعلم » (١)؟
والجواب وبالله المستعان من وجوه :
منها : أن « من » [ ابتدائيّة (٢) ] أي صبرهم مبدؤه منا ، ونحن المفيضون له عليهم ، وأفعل حينئذٍ مجرّد عن معنى التفضيل. ومثله في كلامهم عليهمالسلام وكلام الله عزّ اسمه كثير مع وجود ( من ) فيه.
ومنها : أن ( من ) [ ابتدائيّة (٣) ] كما ذكر ، و ( أفعل ) على حقيقته من التفضيل ، والمفضّل عليه محذوف ، والمعنى حينئذٍ : نحن صبّر على صيغة المبالغة أي أن صبرنا أشرف الصبر وأعظمه وأشدّه وشيعتنا أصبر من غيرهم ؛ لأنّ صبرهم مفاض عليهم من فاضل صبرنا ، وإذا خفّ ميزانهم في كلّ حسنة وكمال ، ثقّلناه بفاضل حسناتنا.
والمراد بغيرهم حينئذٍ : إمّا سائر شيعة جميع الأنبياء ، أو مطلق الخلق غيرهم.
وأشير بالتعليلين إلى الدلالة على تناهي شدّة صبرهم وعظم شرفه. وهو في
__________________
(١) الكافي ٢ : ٩٣ / ٢٥ ، باختلاف في بعض ألفاظه.
(٢) في المخطوط : ( ابتدائه ).
(٣) في المخطوط : ( ابتدائه ).
الثاني أظهر ؛ فمن كان صبره مبدؤه من صبرهم كان أشدّ وأشرف من غيره.
ومنها : أن يبقى التفضيل في الخبرين على ظاهره ، والمفضّل عليه صبرهم عليهمالسلام ، و « من » على ظاهرها من التفضيل ، لكن في مقام البشريّة الحيوانيّة من حيث هي ، لا البشريّة الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة ، بل من حيث هي حيوانيّة ، وهي مرتبة شيعتهم العامّة التي يشترك فيها خاصّهم وعامّهم على الإطلاق ؛ من هو في أدنى أداني أوّل درجة من الإيمان ، ومن هو في أعلى أعالي الدرجة التاسعة منه ، فإنّ الذي يظهر للأوهام والنفوس الضعيفة أن صبر شيعتهم على ولايتهم مع أنّهم أُوذوا فيهم ، أو مع عدم علمهم بحقيقة نتيجة ذلك الصبر علماً يقينيّاً شفاهيّاً أشدّ من صبرهم عليهمالسلام على ولايتهم لشيعتهم وقبولهم لهم ، مع تقصيراتهم في شأنهم وفي أنفسهم ، وذلك لعدم أذاهم فيهم ، أو لشدّة علمهم بعاقبة صبرهم عليهم لهم ، وصبر شيعتهم.
فإنّ الأوهام والنفوس الضعيفة تعدّ صبر المريض المستيقن لحسن عاقبة العلاج أضعف من صبر المريض الذي لم يستيقن ذلك وإن شقّ العلاج وعسر. وكذلك صبر الطبيب المستيقن وغير المستيقن على النصر في العلاج مع خطره.
وهذا لا ينافي كون صبرهم أشدّ وأعلى وأشرف من كلّ صبر لسواهم على الإطلاق والعموم ؛ وذلك لأنه في معنى أن صبرهم على نفوسهم أخفّ وأسهل من صبر شيعتهم على نفوسهم أي أنّهم لا يجدون من ثقل التكليف بصبرهم على شيعتهم ما يجد شيعتهم من الثقل وشدّة الكلفة في صبرهم على ولايتهم وذلك لأنّهم أعلم بحسن النتيجة منهم ، بل لا علم لشيعتهم بحقيقتها بالنسبة لعلمهم ؛ ولذا قال : « على ما لا يعلمون ».
أو لأنّه في معنى أنّ صبر شيعتهم بجهتهم الإنسانية من حيث هي حيوانية ؛ لأنّ ذلك في الرتبة العامّة الجامعة لهم أشدّ من صبرهم من تلك الجهة ؛ لأنّهم الجامعون لجميع كمالات جميع مراتب الوجود ؛ فإنسانيّتهم من حيث هي حيوانيّة أضعف
أي أقل فعليّة فهي أشرف ، فيؤول إلى أنّ إنسانية شيعتهم من حيث هي حيوانية ، لا مِن حيث هي إنسانية أشدّ تحققاً.
فهذا في الحقيقة تنزيه لهم عن نقائص البشرية طرّاً حتّى شيعتهم ، فيلزمه إثبات علوّ رتبة صبرهم على صبر شيعتهم ، وصبر كافّة الخلق ؛ لأنّ الصفة تكون من جنس مرتبة الذات ؛ لأنّها فاضلها وصفتها.
وسرّ هذا أنّ الصبر الإنساني من حيث هو حيواني جمود ووقوف وعجز عن الاستفاضة ، ومن حيث هو إنساني ترقّ وظهور وشدّة لفعليّة القابلية أي الإحاطة والجامعيّة فضلاً عن مرتبة من هو فوق الإنسانية من حيث هي إنسانيّة ، بما لا يعلمه إلّا الله ، والله العالِم.
وأنا أسأله برحمته العفو عن خطئي وعمدي ، والحمد لله ، وصلّى الله على محمّد وآله.