رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

١
٢

٣
٤

٥
٦

الرسالة التاسعة

روح النسيم في أحكام التسليم

٧
٨

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

أمّا بعد :

فيقول أقلّ الوَرَى قدراً وأخملهم ذِكْراً أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : اعلم هدانا الله وإيّاك أن مسألة التسليم الواقع في آخر الصلاة قد اضطرب فيه فتوى العصابة اضطراباً كثيراً ، فأحببت أن أبحثَهُ بحسب تيسير الله.

والبحث فيه في ثلاثة مواطن :

٩
١٠

الأوّل : في وجوبه وندبيّته

القائلون بالاستحباب

فاختلفوا هل هو واجب أو مندوب؟ ونُسب الثاني في ( البحار ) (١) وغيره (٢) إلى الشيخين (٣) : وابن البرّاج (٤) : وابن إدريس (٥) : وجماعة ، وفي ( الذكرى ) (٦) إلى أكثر القدماء. وفيه نظر يظهر إن شاء الله ممّا سيتلى عليك إن شاء الله تعالى.

ومال إليه في ( المدارك ) (٧) ونسبه لأكثر المتأخّرين ، وقال به العلّامة : في ( القواعد ) (٨) و ( التحرير ) (٩) و ( الإرشاد ) (١٠) و ( المختلف ) (١١) ، ومال إليه المحقّق الكركي (١٢).

القائلون بالوجوب

والذي يظهر لي أن المشهور بين الفرقة من المتقدّمين والمتأخّرين هو الوجوب.

فقد قال به السيّد المرتضى (١٣) : والصدوق (١٤) : والشيخ : في ( المبسوط ) (١٥) والجعفي

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٢ : ٢٩٦.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٢٣ ، مدارك الأحكام ٣ : ٤٢٩ ، كشف اللثام : ١٢٧.

(٣) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١٣٩ ، النهاية : ٨٩.

(٤) المهذّب ١ : ٩٩.

(٥) السرائر ١ : ٢٤١.

(٦) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٧) مدارك الأحكام ٣ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

(٨) قواعد الأحكام ١ : ٢٧٩.

(٩) تحرير الأحكام ١ : ٤١ ( حجريّ ).

(١٠) إرشاد الأذهان ١ : ٢٥٦.

(١١) مختلف الشيعة ٢ : ١٩١ / المسألة : ١٠٩.

(١٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٢٦.

(١٣) الناصريّات : ٢١٢ / المسألة : ٨٢.

(١٤) الفقيه ١ : ٢١٠ / ذيل الحديث ٩٤٤ ، المقنع : ٩٦ ، الأمالي ( الصدوق ) : ٥١٢.

(١٥) المبسوط ١ : ١١٥ ـ ١١٦.

١١

في ( الفاخر ) (١) وابن أبي عقيل (٢) : وسلّار (٣).

ونسبه الشهيد (٤) : إلى الحلبيّين كأبي الصلاح (٥) : وابن زهرة (٦) : ، [ وابني سعيد (٧) ].

وهو المنقولُ عن الراوندي (٨) : ، والمحقّق : في ( الشرائع ) (٩) و ( النافع ) (١٠) و ( المعتبر ) (١١) ، والعلّامة : في ( المنتهى ) (١٢) و ( التبصرة ) (١٣) ، والشهيد الأوّل : في جميع كتبه (١٤) ، وابن فهد : في ( المهذّب ) (١٥) و ( الموجز ) (١٦) وغيرهما ، والسيوري : في ( التنقيح ) (١٧).

وظاهر ( كنز العرفان ) (١٨) ، وبعض شرّاح ( الألفية ) ، وفخر المحقّقين : في ( الإيضاح ) (١٩) ، وابن طاوس : في ( فلاح السائل ) (٢٠) ، وابن عمّه السيّد أحمد : في ( البشرى ) كما نقله عنه في ( الحبل المتين ) (٢١) وغيره (٢٢) ، والآقا باقر (٢٣) : وهو إمام عصره ، وقد أدركته صغيراً.

__________________

(١) عنه في الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ). (٢) عنه في المعتبر ٢ : ٢٣٣.

(٣) المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٣ : ٣٧١.

(٤) غاية المراد : ١٥٠. (٥) الكافي في الفقه : ١١٩ ـ ١٢٠.

(٦) الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٤ : ٥٤٨.

(٧) في المخطوط : ( أبي سعيد ) انظر غاية المراد : ١٥١.

(٨) عنه في الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

(٩) شرائع الإسلام ١ : ٧٩. (١٠) المختصر النافع : ٨٤.

(١١) المعتبر ٢ : ٢٣٣. (١٢) منتهى المطلب ١ : ٢٩٥.

(١٣) تبصرة المتعلّمين : ٢٨.

(١٤) منها : البيان : ١٧٦ ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) ١ : ٢٧٧ ، الدروس ١ : ١٨٣.

(١٥) المهذّب البارع ١ : ٣٨٧.

(١٦) الموجز ( ضمن الرسائل العشرة ) : ٨٣. (١٧) التنقيح الرائع ١ : ٢١١.

(١٨) كنز العرفان ١ : ١٣٢. (١٩) إيضاح الفوائد ١ : ١١٥.

(٢٠) فلاح السائل : ١٢٠. (٢١) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

(٢٢) كشف اللثام ٤ : ١٢٩.

(٢٣) عنه في الجواهر ١٠ : ٢٧٨. وهو الآقا محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالآقا البهبهاني أو الوحيد البهبهاني. ولد سنة (١١١٦) ه أو (١١١٧) ه ، وتوفّي سنة (١٢٠٥) ه ، من مؤلّفاته : ( شرح المفاتيح ) ، حاشية على ( شرح الإرشاد ) ، حاشية ( المدارك ) ، ( الفوائد الجديدة ) .. وغيرها كثير. أعيان الشيعة ٩ : ١٨٢.

١٢

ومال إليه القاساني : في ( المفاتيح ) (١) ، والسيّد الأعظم السيّد مهدي : في ( الإصلاح ) على ما في مختصره للشيرواني : ، والشيخ بهاء الدين : في ( المختصر العباسي ) على ما في تعريبه و ( الحبل المتين ) (٢) و ( الاثنا عشريّة ). قال في ( الاثنا عشرية ) : ( التاسع ـ : يعني من الواجبات التسليم ، وصيغته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والأصحّ وجوبه كما نطقت به الروايات المعتبرة المتكثّرة ) (٣) ، انتهى.

واختارهُ أيضاً الفاضل المحقّق الشيخ محمّد بن الحسن الأصفهاني : الملقّب ببهاء الدين المعروف بين المعاصرين بالفاضل الهندي في شرحه لشرح ( اللمعة ) المسمّى بـ ( المناهج السويّة في شرح الروضة البهيّة ) (٤) ، وابن سعيد : في ( الجامع ) (٥) ، وصاحب ( المعالم ): ، والحرّ العاملي (٦) : ، وجماعة من مشايخنا المعاصرين كالشيخ حسين آل عصفور (٧) : ، والشيخ مبارك ابن الشيخ

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ١٥٢.

(٢) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٥ ( حجريّ ).

(٣) الاثنا عشريّة : ٢٩.

(٤) المناهج السويّة في شرح الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ، لمؤلّفه المولى بهاء الدين محمّد بن تاج الدين الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي ( ١٠٦٢ ـ ١١٢٦ ه‍ ) صاحب كتاب ( كشف اللثام عن قواعد الأحكام ). توجد منه عدة نسخ خطيّة في مكتبات متفرّقة ، يبتدأ بكتاب الطهارة شرحاً مزجيّاً بما يقرب من ثلاثين ألف بيت ، ثمّ شرحاً منفصلاً فيما يقرب من عشرين ألف بيت لكتاب الصلاة ، ويختمه بكتاب الحجّ. انظر : الذريعة ٢٢ : ٣٤٥ ، أعيان الشيعة ٩ : ١٣٨. والمصدر غير متوفّر لدينا.

(٥) الجامع للشرائع : ٧٤.

(٦) وسائل الشيعة ٦ : ٤١٥ ـ ٤١٩ ، أبواب التسليم ، ب ١.

(٧) سداد العباد : ١٨٦ ، وهو العلّامة الفاضل خاتمة الحفّاظ والمحدّثين الفقيه النبيه الشيخ حسين ابن العالم الأمجد الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد آل عصفور الدرازي البحراني ، كان مضرب المثل في قوّة الحافظة ، ملازماً للتدريس والتصنيف ، مواظباً على تعزية الحسين عليه‌السلام في بيته في كلّ وقت ، توفّي رحمه‌الله تعالى سنة ١٢١٦ ه‍ ، من مؤلّفاته : الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع ، السداد ، الحقائق الفاخرة في تتميم الحدائق الناضرة .. وغيرها كثير. أنوار البدرين : ١٨٠ ـ ١٨٤.

١٣

علي (١) : ، وشيخنا الشيخ محمّد بن سيف (٢) : ، وجماعة ، وهو المختار لنا.

ضروب من الدلالة على القول بالوجوب

أحدها : ما استفاض نقله بين الخاصّة (٣) والعامّة (٤) من مواظبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه عليهم‌السلام عليه ، والأصلُ في فعل المعصوم الذي عُلِمَ قصدُهُ القُربَةَ به الوجوبُ حتّى يدلّ الدليل على استحبابه ، كما حقّق في الأُصول ، وخصوصاً في الصلاة ، بل ظاهر عبارة فاضل ( الفوائد الحائريّة ) (٥) : أنه في الصلاة لا خلاف فيه.

قال في ( الذكرى ) : ( تواتر النقل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأهل بيته عليهم‌السلام بقول السلام عليكم من غير بيان ندبيّته ، فهو امتثال للأمر بالواجب ، حتّى إن قول سلف الأُمّة السلام عليكم عقيب الصلاة داخلٌ في ضروريّات الدين ، وإنما الشأن في الندبيّة أو الوجوب ) (٦) ، انتهى.

الثاني : أنك إذا تدبّرت الأخبار وجدتها طافحة على فعل أهل البيت له ، بل وملازمتهم له ومواظبتهم عليه ، ولم نجد خبراً ولا نقلاً يشعر بتركهم له أو خروجهم من الصلاة بغيره أصلاً ، فالأصلُ إذن وجوبُه.

الثالث : وقوعه في الصلاة البيانيّة ، كما استفاض به النقل من خبر حمّاد : مع

__________________

(١) هو العالم العامل الفقيه المحدّث الشيخ مبارك ابن الشيخ علي آل حميدان الأحسائي القطيفي الجارودي مولداً ومنزلاً. كان رحمه‌الله تعالى من العلماء الفضلاء الأتقياء النبلاء محدّثاً مجتهداً ورعاً ، ينقل عنه تلميذه العلّامة الشيخ سليمان آل عبد الجبار بعض فتاويه كتحريم الجمع بين الشريفتين كما هو قول صاحب الحدائق. له رسالة عملية في الصلاة مختصرة. توفّي رحمه‌الله تعالى سنة (١٢٢٤) ه. أنوار البدرين : ٢٦٩ ـ ٢٧٢.

(٢) العالم العامل الأمجد الشيخ محمّد ابن الحاجّ أحمد بن سيف النعيمي القطيفي ، كان من مشاهير علماء القطيف وأرباب الفتاوى ، له إجازة من شيخه يحيى بن عمران. أنوار البدرين : ٢٨٨.

(٣) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٤) صحيح مسلم ٤ : ١٢٣ ـ ١٢٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٨٩ / ٢٩٥.

(٥) الفوائد الحائريّة : ٣١٥ ـ ٣١٦ / الفائدة الثانية والثلاثون.

(٦) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

١٤

الصادق عليه‌السلام (١) : ، وقد خرج عليه‌السلام بالسلام فيها ، فالأصلُ وجوبهُ.

الرابع : أنه لا يحصل يقين الخروج من العهدة ويقين امتثال الأمر بإقامة الصلاة إلّا به ، فالمُسَلّم خارج من الصلاة وسالم من الوقوع في خطر إثم إبطال الفرض بيقين ، بخلاف غيره.

الخامس : ما يظهر من عبارة الشيخ الجليل ابن أبي عقيل : أن التسليمَ المُخْرِجَ وهو السلام عليكم هو مذهبُ آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، كما نقله عنه جماعة.

قال في ( الذكرى ) : ( قال ابن أبي عقيل : فإذا فرغ من التشهّد وأراد أن يسلّم على مذهب آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن كان إماماً أو منفرداً سلّم تسليمةً واحدةً مستقبل القبلة يقول السلام عليكم ) (٢). وساق باقي عبارته في كيفيّة تسليم المأموم.

وظاهره أنه إجماع أهل البيت عليهم‌السلام : ، وأن النقل به متواتر أو مستفيض ؛ ولذلك نقله عنهم ونسبه إليهم على سبيل القطع والجزم ، فإذا ثبت أن مذهبَ آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : فِعْلُهُ والخروجُ بهِ ثبت أن الأصلَ وجوبُهُ حتّى تثبتَ نَدبيّتُه ، ولا دليلَ عليها يُعتمدُ عليه.

السادس : ما قاله في ( الذكرى ) : ( إنه قد ثبت بلا خلافٍ وجوبُ الخروجِ من الصلاةِ كما ثبت الدخولُ فيها ، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة : ، وأصحابُنا لا يجوّزون ذلك ، فثبتَ وجوبُ التسليم. وكلامُ السيّد مصرّحٌ بركنيّتِهِ (٣) ، وأن المعتبرَ ، السلام عليكم ولعلّه يريد بالركن مرادف الواجب ) (٤) ، انتهى ، وهو قويّ متين وثيق.

قلت : لعلّ السيّدَ أطلق الركنيّة عليه مجازاً من أجل أنه لو تركه عمداً [ أو ] سهواً وفَعَلَ ما تبطلُ الصلاةُ بفعلِهِ قبلَ فعلِهِ بطلت صلاتُهُ.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٣١٢ / ٨ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٨١ ـ ٨٢ / ٣٠١ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٦١ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١ ، ح ٢.

(٢) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

(٣) الناصريّات : ٢٠٩ / المسألة : ٨٢.

(٤) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

١٥

السابع : عملُ الأُمّة قديماً وحديثاً في سائر الأعصار على الخروج من الصلاة بالسلام ، حتّى لو خرج أحدٌ بغيره أنكرَ عليه العالِمُ والجاهِلُ ، فَتَرْكُه والخروجُ بغيره يحتاجُ إلى دليلٍ قاطعٍ ، والقولُ بالاستحباب يستلزمُ صحّةَ الخروجِ بغيرهِ.

الثامن : اتّفاقُ الأُمّة على تعيينه للخروج ، عدا ما يُنْسَبُ إلى أبي حنيفة : من جواز الخروج بكلّ منافٍ (١). والقولُ بالاستحبابِ مُستلزمٌ لقولِهِ كما يظهر بالتأمّل.

التاسع : الإجماعُ على فساد الصلاةِ لو أزادَ المصلّي ركعةً قبلَ التسليم عامداً عالِماً ، فلو كان مستحبّاً لَمَا بطلت الصلاةُ لوقوع الزيادة بعد كمالها. وعليك بملاحظة كلامهم في الخلل وفي صلاة المسافر ، يظهرُ لكَ الإجماعُ على ذلك.

وقال فاضل ( المناهج ) : ( الرابع : مواظبة النبيّ : ونوّابه صلوات الله عليه وعليهم ـ والصحابة والتابعين عليه ، مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (٢).

الخامس : طريقة الاحتياط ، فإنه إذا سلّم خرج من الصلاة ومن العهدة بيقينٍ ، بخلاف ما إذا لم يسلّم.

السادس : أنه لو لم يجب لَمَا بطلت صلاةُ المسافر بالإتمام ، والتالي باطلٌ ) ، انتهى. وهو يشعر بأنهُ إجماعٌ في المسافر إذا أتمّ.

العاشر : قال فاضل ( المناهج ): ( الثالثُ من وجوهِ الاحتجاجِ يعني على وجوب التسليم أن كلّ مَنْ قالَ بكونِ التكبير جزءاً من الصلاةِ قالَ بوجوبِ التسليمِ وكَوْنِه جزءاً منها ، لكنّ المقدّمَ حقّ ؛ لأن النيّةَ لا بدّ مِنْ أن تقارنَ التكبيرَ أو تتقدّم عليه بلا فصل ، ولا شي‌ء ممّا ليس جزءاً منها كذلك ، ولأنه لو لم يكن جزءاً منها لَمَا اشترط فيه الطهارة ، لكن يشترط ) ، انتهى.

ولعلّهم أرادوا أن كُلّ مَا دلّ على وجوب التكبير وجزئيّته دلّ على وجوب التسليم وجزئيّته ، فأسنَدوا ( قال ) لضمير الدليل ، حيث عبّروا بـ ( مَنْ ) عنه مبالغةً في

__________________

(١) المجموع شرح المهذّب ٣ : ٤٦٢.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٥٣.

١٦

وضوح الدلالة ، وليس التعبير بـ ( مَنْ ) عن غير العقلاءِ بعزيزٍ في العربية (١).

وما ألطف ما نُقِلَ عن الزمخشري : من قوله في جملة الاستدلال على هذا ، حيث قال : ( ويدلّ عليه قول العلماء : مَنْ لِمَا يَعْقِلُ ).

وبهذا استدلّ في ( الذكرى ) قال فيها في سياق الاستدلال لوجوب التسليم : ( وأيضاً فكلّ مَنْ قال : التكبيرُ من الصلاة ، ذهب إلى أن التسليمَ واجبٌ وأنه منها ) (٢). وهما أخذاه من استدلال المرتضى : به.

قال في ( المختلف ) : ( احتجّ المرتضى (٣) .. ) ، وذكر حديث : [ تحريمها (٤) التكبير (٥) ] ومداومته صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، مع قوله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي.

ثمّ قال : ( ولأن كلّ مَنْ قال بكون التكبير من الصلاة قال : إن التسليمَ واجبٌ ، وإنه من الصلاة ) (٦). ثمّ أخذ في بيان أن التكبير من الصلاة ، وفهم منه أنه ادّعى الإجماعَ ، ومَنَعَهُ.

الحادي عشر : ما شاع بين الموجبين الاستدلال به من قولهم : شي‌ءٌ من التسليم في غير الردّ واجبٌ ، ولا شي‌ءَ من التسليم في غير ردّ السلام بواجبٍ في غير الصلاة إجماعاً (٧).

أمّا المقدّمة الأُولى ؛ فلقوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٨) ، وأما الثانية فواضحة.

ولا ينافي هذا ما جاء في تأويل الآية مِنْ أن المراد التسليم لوصيّه من بعده (٩) أو التسليم عليه (١٠) ، فإن القرآن المجيد ذو بطون وظاهر وباطن وتأويل وتفسير ، والكلّ حجّة بلا تنافٍ ، واستدلالنا هنا بظاهر لفظ الآية ، ولا يتبادر منه إلّا التحيّة المعهودة وهي : السلام عليكم.

__________________

(١) شرح ابن عقيل ١ : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٢) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

(٣) الناصريّات : ٢١١ / المسألة : ٨٢.

(٤) في المخطوط : ( مفتاحها ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٤١٦ / ٩١.

(٦) مختلف الشيعة ٢ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / المسألة : ١٠٩.

(٧) مختلف الشيعة ٢ : ١٩٤ / المسألة : ١٠٩.

(٨) الأحزاب : ٥٦.

(٩) الاحتجاج ١ : ٥٩٧.

(١٠) الوسيط ٣ : ٤٨١.

١٧

الثاني عشر : ما اشتهرت روايته بين الأُمّة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (١) ، وقد كان يسلّم ، بل مواظباً عليه كما استفاض (٢) ، فالتسليم واجب.

الثالث عشر : ما روته العامّة (٣) والخاصّة (٤) أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم.

رواه في ( الذكرى ) بلفظ : ( رُويَ ) ، واستدلّ به قال رحمه‌الله : ( دلّ على أن غير التسليم ليس بمُحلّلٍ ) (٥).

وفي ( تفسير العسكري عليه‌السلام ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (٦).

وفي ( البحار ) نقلاً من ( الهداية ) : وعن الصادق عليه‌السلام : أنه قال تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم (٧).

وفي ( الكافي ) بسنده عن القدّاح : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مفتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (٨).

وفي ( البحار ) نقلاً من مناقب ابن شهرآشوب : عن أبي حازم : قال : سُئِلَ عليّ بن الحسين عليه‌السلام : ما افتتاح الصلاة؟ قال التكبير.

قال : ما تحريمها؟ قال التكبير.

قال : ما تحليلها؟ قال التسليم (٩).

هكذا في النسخة التي بين يدي ، ولا يبعد أن فيه تحريفاً من الناسخ ، وأن صوابه

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٥٣.

(٢) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٢٣ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٤١٦ / ٩١.

(٥) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

(٦) التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢١.

(٧) بحار الأنوار ٨٢ : ٣١٠ / ١٧ ، الهداية ( الصدوق ) : ١٣٣.

(٨) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ، وفيه : « افتتاح » بدل : « مفتاح ».

(٩) بحار الأنوار ٨٢ : ٣٠٣ / ٦ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٤٣ ، بتفاوت.

١٨

ما افتتاح الصلاة؟ قال : ( الطهور ). ويمكن أن يكون ما هنا صواباً ، وأراد بافتتاحها أوّلها.

وفي ( المناهج ) : إن الصدوق (١) : والشيخ (٢) : والمرتضى (٣) : رووا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : مرسلاً أنه قال مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم.

قال في ( المنتهى ) : ( لا يقال : هذا خبر مرسل في طرقكم فلا يُعملُ به ؛ لأنا نقول : لانسلّم أنه مرسل ، فإن الأُمّة تَلَقّته بالقبول ونقله الخاصّ والعامّ ، ومثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد تُحذَف رواتُه اعتماداً على شهرته. على أن الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني : رواه مسنداً ) وذكر خبر القدّاح : بسنده ، ثمّ قال : ( ولو سُلّمَ فهؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ، ولو لا علمهم بصحّته لما أرسلوه وحكموا بأنه من قوله عليه‌السلام ) (٤) ، انتهى.

والظاهر أن أميرَ المؤمنين : راوٍ لَهُ عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فصواب العبارة أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخره.

قال في ( الذكرى ) : ( ومَنْ نصر الأخير استدلّ بما رواه أمير المؤمنين عليه‌السلام : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال .. ) (٥). وذكر الخبر. ولكن هكذا في نسخة ( المناهج ) التي نقلتُ منها ، وليس معنا غيرها ، وظاهرُها أنها بخطّ مصنّفها ، ولا يعصم من السهو إلّا المعصوم ، والله العالم بحقيقة الحال.

ووجه الاستدلال بهذا الخبر المستفيض من وجهين :

أحدهما : أنه جعل التسليم في آخر الصلاة بمثابة التكبير في أوّلها ، والتكبيرُ واجبٌ داخلٌ لا نعلم فيه خلافاً لا فتوًى ولا نصّاً ، فالتسليم مثله ، فكما أن تحريمها

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٨ ، وفيه : « افتتاح الصلاة الوضوء » بدل : « مفتاح الصلاة الطهور ».

(٢) الخلاف ١ : ٣٧٧ / المسألة : ١٣٤.

(٣) الناصريّات : ٢١١ / المسألة : ٨٢.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٢٩٥.

(٥) الذكرى : ٢٠٧ ( حجريّ ).

١٩

طرفها الأوّل ، فتحليلها طرفُها الآخرُ.

الثاني : حمل التسليم على التحليل ، وهو يقتضي حصر التحليل فيه ؛ لعدم جواز أن يُحمل الأخصّ على الأعمّ إلّا بطريق المجاز والمبالغة ، فلو كان مندوباً لجاز الخروج بغيره ضرورة جواز ترك المندوب.

وقال فاضل ( المناهج ): ( الروايتان الأُوليان تدلّان على انحصار تحليلها فيه من وجهين :

الأوّل : أن المصدر المضاف إلى المعرفة يُفيدُ العمومَ ، فيفيد أن كلّ تحليل للصلاة فهو التسليم ، أي حاصلٌ به ، وفي حمله عليه مبالغة في الانحصار ، كما لا يخفى.

والثاني : تقديم التحليل ، فإنه لا يخلو ؛ إمّا أن يكونَ المرادُ بهذا الكلام الإخبارَ عن التحليل بكونه تسليماً ، على ما تقتضيه الأُصول من وجوب تقديم المبتدأ فيما إذا كانا معرفتين ، فيكون التسليم خبراً ، والخبر ؛ إمّا مساوٍ للمُخْبَرِ عنه ، أو أعمّ.

أو يكون المرادُ الإخبار عن التسليم بأنه تحليلٌ للصلاة ، فيكون المسند قد قُدّم ، وهو يفيد الحصر ، مع أن حمل المفرد على المفرد يقتضي تساويهما في الصدق.

أو يكون المراد تفسير التحليل ، فيفيد أن ماهيّة التحليل هي التسليم ، وهو أفيدُ للحصر ) ، انتهى.

وقال فخر المحقّقين : ( وهو الصحيح عندي يعني : وجوب التسليم لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم.

وذلك يقتضي الحصر ، ولأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخرج من الصلاة بهِ لا بغيره ) (١) ، فجزم بنسبة الخبر له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنه لا يخرج إلّا بالتسليم.

الرابع عشر : صحيح عليّ بن جعفر : قال : ( رأيت إخوتي موسى : وإسحاق : محمّداً : أبناء جعفر عليه‌السلام : يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ١١٥ ـ ١١٦.

٢٠