وضوء عبد الله بن عباس

السيد علي الشهرستاني

وضوء عبد الله بن عباس

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-7635-78-8
الصفحات: ١٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فخرجت ، فلمّا رأيته يصلي قمت أُصلّي ناحية ، و لم أُصلِّ معه ، لعلمي أنّه يمسح على الخفين ، فلمّا صلّى ، قال لأصحابه : علامَ نقتلُ أنفسنا مع رجل لا يرى الصلاة معنا و نحن عنده في حال من لا يرضى مذهبه (١).

و روى ابن مصقلة عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، أنّه قال : فقلت : ما تقول في المسح على الخفين ؟ فقال : كان عمر يراه ثلاثا للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ، و كان أبي لا يراه في سفر و لا حضر.

فلما خرجتُ من عنده ، وقفتُ على عتبة الباب ، فقال لي : أقبل ، فأقبلتُ عليه ، فقال : إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطؤون و يصيبون ، و كان أبي لا يقول برأيه (٢).

و عن حبابة الوالبية ، عن أميرالمؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت : سمعته يقول : إنّا أهل بيت لا نمسح على الخفين ، فمن كان من شيعتنا فليقتدِ بنا و ليستنَّ بسنّتنا ، فإنّها سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

و قال قيس بن الربيع : سألت أبا إسحاق عن المسح على الخفين ، فقال : أدركتُ الناس (٤) يمسحون حتّى لقيت رجلاً من بني هاشم ، لم أر مثله قط ، محمد بن علي بن الحسين ، فسألته عنها ، فنهاني عنه ، و قال : لم يكن علي أميرالمؤمنين يمسح على الخفّين ، و كان يقول : سبقَ الكتابُ

_______________________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٦٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦١ / ١٠٨٩ ، الوسائل ١ : ٤٥٩ أبواب الوضوء ب ٣٨ / ح ١٠.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، الوسائل ١ : ٤٦٠ أبواب الوضوء ب ٣٨ / ح ١٢.

(٤) لاحظ قول ابن عباس « أبى الناس إلاّ الغسل ».

٦١

المسحَ على الخفّين ، قال : فما مسحتُ منذ نهاني عنه (١).

و في الأنساب للسمعاني : إنّ أبا جعفر الموسائي ـ نسبة إلى موسى بن جعفر ـ يقول : إنّا أهل بيت لا تقية عندنا في ثلاثة أشياء : كثرة الصلاة ، و زيارة قبور الموتى ، و ترك المسح على الخفين (٢).

و قبله جاء عن جعفر بن محمد الصادق ـ كما في التهذيب و الاستبصار ـ قوله : لا أتقي من ثلاث ... و عدّ منها المسح على الخفين (٣).

فمدرسة الاجتهاد و الرأي قد نسبت إلى الطالبيين جواز المسح على الخفين ، و أنت ترى عدم تطابقه مع المنقول عنهم في صحاح مرويّاتهم و الثابت من سيرتهم لحد هذا اليوم ، و بعد هذا أرجو من المطالع أن يحكم بنفسه بقرب أيّ النقلين إلى علي و ابن عبّاس و بُعد الآخر عنهما ، و هل حقّا أنّهما كانا يذهبان إلى المسح على الخفين و حرمة المتعة و الصلاة بعد العصر و ... أم أنّ ذلك من صُنع السياسة ؟!!

٦ ـ التكبيرة على الميت

و بعد هذا أنتقل بالقارئ إلى مسألة أخرى من مسائل التشريع الإسلامي و التي كان للخليفة الثاني فيها رأي ، و هي : عدد التكبيرات على الميت :

_______________________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ / ح ٢٠.

(٢) الانساب للسمعاني ٥ : ٤٠٥.

(٣) انظر الكافي ٣ : ٣٢ / ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ح ١٠٩٣ ، الاستبصار ١ : ٧٩ / ح ٢٣٧.

٦٢

فعن أبي وائل ، قال : كانوا يكبّرون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعاً وخمساً وستاً ، أو قال : أربعاً ، فجمع عمر بن الخطّاب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبر كلُّ رجل بما رأى ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات كأطول الصلاة (١).

و عن سعيد بن المسيب : كان التكبير أربعاً و خمساً ، فجمع عمرُ الناسَ على أربع تكبيرات على الجنازة (٢).

و قال ابن حزم في المحلّى : احتجّ مَن منع أكثر من أربع بخبر روينا من طريق وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل ، قال : جمع عمر بن الخطّاب الناس فاستشارهم بالتكبير على الجنازة ، فقالوا : كبّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعاً وخمساً وأربعاً ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات (٣).

و قد قال الترمذي ـ بعد أن روى حديثاً عن أبي هريرة في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على النجاشي أربعاً ـ في باب ما جاء في التكبير على الجنازة : و في الباب عن ابن عبّاس و ابن أبي أوفى ... (٤)

فهذه النصوص قد وضّحت لنا بأنّ الخليفة عمر بن الخطّاب هو الذي

_______________________________

(١) فتح الباري ٣ : ١٥٧.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٣٧ ، فتح الباري ٣ ٦ ١٥٧ ، ارشاد الساري ٢ ٦ ٤١٧ ، عمدة القاري ٤ : ١٢٩. و في الطرائف : ١٧٥ عن أبي هلال العسكري في كتاب الأوائل : إن أوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات عمر بن الخطاب.

(٣) المحلى ، لابن حزم ٥ ـ ٦ : ١٢٤.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ٢٤٣.

٦٣

جمع الناس على الأربع ، رغم إرشاد الصحابة له بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر سبعاً و خمساً و أربعاً ، فلا غرابة بعد هذا أن تنسب الأربع إلى أعيان الصحابة كابن عبّاس و زيد بن أرقم دعماً لموقفه !!

فقد نُقل عن زيد بن أرقم و ابن عبّاس و غيرهما قولان « الأربع و الخمس » ، و بما أنّ النقل الأوّل « أي الأربع » يخالف ما جاء عنهم بطرق صحيحة أخرى ، و كان مما يفيد رأي الخليفة ، فنحن نرجّح صحّة الثاني عنهما ؛ لكونه من مذهبهما ، و هو ما لا يرتضيه نهج الاجتهاد و الرأي ـ الحاكم على الفقه و الحديث آنذاك ـ !!

فقد أخرج أحمد في مسنده عن عبد الأعلى ، قال : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر خمساً ، فقام إليه أبو عيسى ـ عبدالرحمن بن أبي ليلى ـ فأخذ بيده ، فقال : نسيت ؟! قال : لا ، و لكنّي صلّيت خلف أبي القاسم خليلي فكبّر خمساً ، فلا أتركها أبداً (١).

و في كلام زيد بن أرقم إشارة إلى عدم ارتضائه مذهب عبدالرحمن بن أبي ليلى المُستَمَدّ من فقه عمر بن الخطّاب ، لأنّه قد أصرّ على إتيان الخَمْس رغم أخذ ابن أبي ليلى ـ فقيه الدولة ـ بيده و قوله له : نسيت ؟!

فقال له : لا ، و لكنّي صليت خلف أبي القاسم ، خليلي ، فكبّر خمساً فلا أتركها ابداً.

ففي الجملة الآنفة عدة نكات : أولها : قوله ( لا ).

ثانيها : صلّيت خلف أبي القاسم.

_______________________________

(١) مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٩٤ / ٢٨٢٧.

٦٤

ثالثها : فلا أتركها أبداً ، فتأمّل جيداً في هذه المقاطع !!

و بعد هذا فلا يصح انتساب الأربع لزيد بن أرقم مع وجود نقل الخمس عنه كذلك !

و مثل ما نقل عن زيد هو النقل المنسوب إلى ابن عبّاس ، فالمعروف عن الطالبيِّين هو تكبيرهم على الميّت خمساً ، وعدم ارتضائهم الأربع ، إذ جاء في مقاتل الطالبيين : حدّثنى يحيى بن علي وغير واحد ، قالوا : حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن أبي الكرام الجعفري ، قال :

صلّى إبراهيم بن عبدالله بن الحسن على جنازة بالبصرة ، فكبّر عليها أربعاً.

فقال له عيسى بن زيد : لِمَ نقصتَ واحدةً ، و قد عرفت تكبيرة أهلك ؟

قال : إنّ هذا أجمع للناس ، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون ، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله تعالى ، ففارقه عيسى واعتزله ، وبلغ أبا جعفر [ المنصور ] فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذّل الزيدية عن إبراهيم (١).

و جاء في مسند زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه علي ( رضي الله عنهم ) في الصلاة على الميت ، قال : تبدأ في التكبيرة الأولى بالحمد و الثناء على الله تبارك و تعالى ، و في الثانية : الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و في الثالثة : الدعاء لنفسك و المؤمنين و المؤمنات ، و في الرابعة : الدعاء للميت

_______________________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٣٣٥ و ٤٠٨ إلى ٤١٣.

٦٥

و الاستغفار له ، و في الخامسة تكبّر و تسلم (١).

و جاء عن أئمّة أهل البيت مثله (٢).

فاتّحاد موقف إبراهيم بن عبدالله ـ إذ قرّر أنّ المفروض خمس تكبيرات لكنّه ترك واحدة لجمع الناس ، و هو من ولد الحسن بن علي ـ و عيسى بن زيد و زيد بن علي و الباقر و الصادق ـ و هم من ولد الحسين ـ ينبئ عن وحدة الفقه عندهم ، و أن مذهب عليّ بن أبي طالب و ابن عبّاس و غيرهم من الطالبيين هو الخَمْس لا غير.

و لا يخفى عليك بأنّ ابن عباس كان قد صرح بأنّ الطلاق ثلاثاً لم يكن على عهد رسول الله بل هو من إفتاء عمر بن الخطاب (٣) و كان ابن عباس يرى أنّ ذلك يقع واحداً (٤).

و هناك العشرات من المفردات الفقهية التي وقع التخالف فيها بين نهج الاجتهاد و الرأي بزعامة عمر بن الخطاب ، و نهج التعبّد المحض بريادة و قيادة علي بن أبي طالب و تلميذه البار عبدالله بن عباس. غير أنّ الأهم في ذلك كله هنا هو التخالف الأساسي بين عبدالله بن عباس المدافع عن الوضوء الثنائي المسحي ، وبين عثمان بن عفّان مخترع الوضوء الثلاثي

_______________________________

(١) مسند الامام زيد : ١٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ١٨١ / ٣ و ١٨٣ / ٢ و ١٨٤ / ٢ ـ ٣ و ١٨٥ / ٦ ، التهذيب ٣ : ١٨٩ / ٤٣١ ، ١٩١ / ٤٣٥ ، ١٩٣ / ٤٤٠.

(٣) رواه مسلم في الطلاق ح ١٧ من باب طلاق الثلاث ، والطبراني ح ١٠٩٧٥ ، و مسند أحمد ح ٢٨٧٧ انظر جامع المسانيد ٣٠ : ٥١٢ ، ٥٤٠.

(٤) مسند أحمد ٦ ٢٣٨٧ و رواه أبو يعلى ح ٢٥٠٠ و اسناده صحيح انظر جامع المسانيد ٣١ : ٤٠٨ ، ٤١٩.

٦٦

الغسلي ، إذ أنّ عثمان بن عفان كان من رموز مدرسة الاجتهاد و الرأي التي وقف بوجهها عبدالله بن عباس بكل قوّة و صلابة و إليك بعض تلك النصوص :

بعض اختلافات ابن عباس وعثمان الفقهية

١ ـ الصلاة بمنى

من الثابت في التاريخ أن عثمان بن عفان أتمّ الصلاة بمنى خلافاً لرسول الله و أبي بكر و عمر فاعترض عليه جمع من الصحابة منهم عبدالله ابن عباس ، فعن ابن جريج قال : سأل حميد الضمري ابن عباس ، فقال : إني أسافر فأقصر الصلاة في السفر أم أتمها ؟ فقال ابن عباس : لست تقصرها و لكن تمامها و سنة رسول الله ، خرج رسول الله آمناً لا يخاف إلاّ الله فصلّى اثنتين حتى رجع ، ثمَّ خرج أبو بكر لا يخاف إلاّ الله فصلّى ركعتين حتى رجع ، ثم خرج عمر آمنا لا يخاف إلاّ الله فصلّى اثنتين حتى رجع ، ثم فعل ذلك عثمان ثُلُثَي إمارته أو شطرها ثم صلاها أربعا ، ثمّ أخذ بها بنو أميه (١) ...

و كان الذين خالفوه في رأيه الذي استحدثه بمنى عدا ابن عباس : علي بن أبي طالب (٢) ، وعبدالله‏ بن مسعود (٣) ، وأنس بن مالك (٤) ،

_______________________________

(١) كنز العمال ٨ : ٢٣٨ / ح ٢٢٧٢٠.

(٢) انظر تاريخ الطبري ٤ : ٢٦٧ حوادث سنة ٢٩ ، المنتظم ٥ : ٥.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ١٤٤ ، البداية والنهاية ٧ : ٢٢٨.

(٤) انظر البخاري ٢ : ٥٣ ، مسلم ١ : ٤٨١ / ح ١٥ ، أحمد ٣ : ١٩٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٦ و ١٤٥ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٥٥.

٦٧

وعمران بن الحصين (١) ، وعبدالرحمن بن عوف (٢) ، وآخرون (٣) ، ولما نفدت معاذيره التي فنّدها عليه المحتجون ، لم يبق له إلاّ أن يقول لهم : « هذا رأيٌ رأيته (٤) » !!!

٢ ـ تقديم الخطبه على الصلاة في العيدين

روى ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري : قال : أول من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلّى بالناس ثمّ خطبهم فرأى ناساً لم يدركوا الصلاة ، ففعل ذلك ، أي صار يخطب قبل الصلاة (٥).

لكن ابن عباس و جمعاً آخر من الصحابة رووا عن رسول الله خلاف ما فعله عثمان ، و أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي قبل الخطبة ، فقد أخرج البخاري و مسلم بسندهما عن طاووس عن ابن عباس قال : شهدت العيد مع رسول الله و أبي بكر و عمر و عثمان فكلّهم كانوا يصلّون قبل الخطبة (٦).

٣ ـ قتل المسلم بالذمي

أخرج البيهقي بسنده عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن

_______________________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ١٣٥ ، احكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٥٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٢٦٨.

(٣) كعائشة انظر مجمع الزوائد ٢ : ١٥٤ و ابن عمر ، البداية والنهاية ٧ : ٢٢٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٤٤ و عروة بن الزبير انظر الموطأ ١ : ٤٠٢ / ح ٢٠١.

(٤) انساب الاشراف ٥ : ٣٩ ( رحلي ) ، تاريخ الطبري ٤ : ٢٦٨.

(٥) فتح الباري ٣ : ٣٦١ ، نيل الأوطار ٣ : ٣٦٢ ، تاريخ الخلفاء : ١٦٤ ، محاضرة الاوائل : ١٤٥ ، كنز العمال ٨ : ٢٣٨ / ح ٢٢٧٢٠.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢٣ كتاب العيدين باب الخطبه بعد العيد ، صحيح مسلم ٢ : ٦٠٢ كتاب صلاة العيدين و النص عن الاول.

٦٨

سالم ، عن ابن عمر : إنّ رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة عمداً و رفع إلى عثمان فلم يقتله و غلظ عليه الدية مثل دية المسلم.

ثم أخرج البيهقي بطريق آخر عن الزهري أنّ ابن شاس الجذامي قتل رجلاً من أنباط الشام فرفع إلى عثمان رضي الله عنه فأمر بقتله فكلّمه الزبير رضي الله عنه و ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رضي الله عنهم فنهوه عن قتله ، قال : فجعل ديته ألف دينار.

و قد روى جمع من الصحابة منهم ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « لا يقتل مؤمن بكافر » (١) و هو يشير إلى تخالف مواقف عثمان بن عفان مع مواقف عبدالله بن عباس.

٤ ـ الارث

عن شعبة ، عن ابن عباس : أنّه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال : إن الأخوين لا يردّان الأم عن الثلث ؟! قال الله عزوجل ( فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) فالأخوان بلسان قومك ليسا بأخوة ؟!

فقال عثمان بن عفان : لا أستطيع أن أردّ ما كان قبلي و مضىٰ في الأمصار و توارث به الناس.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرّجاه (٢).

هذه المفردات تدل على مدى وقوف ابن عباس المتعبّد بوجه عثمان

_______________________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٨٨ / ح ٢٦٦٠.

(٢) تفسير الطبري ٤ : ١٨٨ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٢٢٧ ، و مستدرك الحاكم ٤ : ٣٣٥.

٦٩

العامل بآرائه ، و مدى تمسّك ابن عباس بسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد القرآن المجيد ، بخلاف عثمان الذي اعتذر بمثل قوله « لا أستطيع أن أردّ ما كان قبلي » أو قوله : « رأى رأيته » مع أنّه مخالف للقرآن و السنة المطهرة ، و هذا التضاد و التخالف يؤكد أصالة الوضوء المسحي عند ابن عباس الذي يتقاطع مع مؤسس الوضوء الغسلي عثمان بن عفان.

ابن عباس والحكومات سياسة وفقهاً

بعد هذه المقدمة السريعة لابدّ لنا من الوقوف على موقف ابن عبّاس من الرأي عموماً ، ومن الخليفة عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفان على وجه الخصوص ، و أنّه إلى أيّ الاتجاهين ينتمي : التعبد المحض أو الرأي و الاجتهاد ؟! و مدى تقارب موقف وفقه ابن عبّاس مع موقف و فقه عليّ بن أبي طالب أو تخالفه معه ، و هما من مدرسة واحدة !!

جاء في كنز العمال : عن إبراهيم التيمي ، أنّه قال : خلا عمر بن الخطّاب ذات يوم فجعل يحدّث نفسه ، فأرسل إلى ابن عبّاس فقال : كيف تختلف هذه الأمّة و كتابها واحد ، و نبيها واحد ، و قبلتها واحدة ؟

فقال ابن عبّاس : يا أميرالمؤمنين ! إنّا أُنزل علينا القرآن فقرأناه ، و علمنا فيما نزل ، و أنّه يكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن لا يعرفون فيمَ نزل ، فيكون لكلّ قوم رأي ، فإذا كان لكلّ قوم رأي اختلفوا ، فإذا اختلفوا اقتتلوا ، فزبره عمر و انتهره ، و انصرف ابنُ عبّاس ، ثمّ دعاه بعدُ ، فعرف الذي قال ، ثمّ قال : إيها اعِد (١).

_______________________________

(١) كنز العمال ٢ : ٣٣٣ / ح ٤١٦٧.

٧٠

ابن عبّاس والخلافة

عرف عن العباس بن عبدالمطلب ـ جد العباسيين ـ وابنه عبدالله أنّهما كانا من المدافعين عن خلافة عليّ بن أبي طالب و المقرّين بفضله.

لأنّ العباس قد تخلّف عن بيعة أبي بكر و لم يشارك في اجتماع السقيفة مع جمع آخر من الصحابة ، بل بقي إلى جنب علي يجهّزان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وُورِيَ في التراب ، و في مواقف العبّاس في الشورى ـ بعد مقتل عمر بن الخطّاب ـ و غيرها ما يؤكّد هذه الحقيقة.

و هكذا الحال بالنسبة إلى ابنه عبدالله ، فهو الآخر قد كان من المدافعين عن خلافة الإمام عليّ والمقرّين بفضله ، و أنّه هو و أولاده أحقّ الناس بالأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و لو قرأت الحوار الذي دار بين المهدي العباسي و شريك القاضي لصدّقتنا فيما نقوله.

دخل شريك على المهدي فقال له : ما ينبغي أن تُقَلَّد الحكم بين المسلمين.

قال : و لمَ ؟

قال : لخلافك على الجماعة ، و قولك بالإمامة.

قال : أمّا قولك « بخلافك على الجماعة » ، فعن الجماعة أخذتُ ديني ، فكيف أخالفهم و هم أصلٌ في ديني ؟! و أمّا قولك « و قولك بالإمامة » فما أعرف إلاّ كتاب الله و سنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و أمّا قولك « مثلك ما يقلّد الحكم بين المسلمين » فهذا شيء أنتم فعلتموه ، فإن كان خطأً فاستغفروا الله منه ، و إن كان صواباً فأمسكوا عليه.

٧١

قال : ما تقول في علي بن أبي طالب ؟

قال : ما قال فيه جدّك العباس ، وعبدالله.

قال : و ما قالا فيه ؟

قال : فأمّا العباس فمات و عليٌّ عنده أفضل الصحابة ، و قد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عما ينزل من النوازل ، و ما احتاج هو إلى أحد حتى لحق بالله.

وأمّا عبدالله [ بن العباس ] فإنّه كان يضرب بين يديه بسيفين ، و كان في حروبه رأساً متّبعاً وقائداً مطاعاً ، فلو كانت إمامته على جور كان أوّل من يقعد عنها أبوك ؛ لعلمه بدين الله ، و فقهه في أحكام الله.

فسكت المهديّ و أطرق ، و لم يمضِ بعد هذا المجلس إلاّ قليل حتى عزل شريك (١) !!!

و من ناحية أخرى نرى أنّ عبّاس لم يشارك مع أبي بكر في حروبه ، و كانت له اعتراضات على مواقف أبي بكر الفقهيّة ، و مثل هذا كان حاله مع عمر بن الخطّاب ، إذ اعترض على بعض اجتهاداته ، و لم يرتضِ أخذ القوم بتلك الاجتهادات لمخالفتها لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و قوله لهم في المتعة : « أراهم سيهلكون ، أقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقولون : قال أبو بكر و عمر ».

و جاء عن عمر قوله لابن عبّاس يوماً : أمّا أنت يا ابن عبّاس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي.

_______________________________

(١) تاريخ بغداد ٩ : ٢٩٢.

٧٢

قال : و ما هو ؟

قال : بلغني أنّك لا تزال تقول : أُخذ هذا الأمر منّا حسداً و ظلماً ... فأخذ ابن عبّاس يدافع عن أحقّيّة أهل البيت بالخلافة ، و لم يتنازل لعمر ، فقال عمر له ـ عند ما ذهب ـ : إنّي على ما كان منك لَراعٍ حقَّك (١).

و جاء عن ابن عبّاس إرادته القول لعمر لما علّل سبب إبعاد علياً عن الخلافة بصغر السنّ : أفتستصغره أنت و صاحبك و كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبعثه في الكتيبة فينطح كبشها ... (٢).

كلّ هذه المفردات و ما ضارَعَها تشير إلى تخالف ابن عبّاس مع رموز الخلافة فقهاً وسياسة.

نعم ، إنّ عمر بن الخطّاب قد أعرض عن تولية بني هاشم أيام خلافته موضحاً سبب ذلك لابن عبّاس ـ لما أراد توليته على حمص بعد موت واليها ـ فقال له : يا بن عبّاس ! إني خشيت أن يأتي عليّ الذي هو آت [ أي الموت ] و أنت على عملك ، فنقول : هلمَّ إلينا ، ولا هَلُمَّ إليكم دون غيركم (٣).

فابن عبّاس في الوقت الذي لم يشارك أبا بكر في حروب الردة و عمر بن الخطّاب في غزواته ، نراه يحارب في صفّ عليّ بن أبي طالب في

_______________________________

(١) شرح النهج ١٢ : ٤٦.

(٢) الغدير ٧ : ٣٨٩ عن المحاضرات للراغب ، و قريب منه في شرح النهج ٢ : ١٨ ، ٢٠ : ١٨٥.

(٣) مروج الذهب ٢ : ٣٣٠.

٧٣

حروبه الثلاثة ضد الناكثين (١) والقاسطين (٢) والمارقين (٣).

و قد اختاره الإمام علي للمحاججة مع الخوارج ، و قبله للتحكيم بين جيشه و أهل الشام ، لكنّ القوم لم يرتضوه !

و قد اعترض ابن عبّاس على عثمان و معاوية و ابن الزبير و عائشة يوم الجمل ، و جاء عنه قوله لعائشة : لمّا لم ترض أن يُدفَنَ الإمام الحسن بن علي عند جدّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة واسوأتاه ، يوم على جمل و يوم على بغل !! هذا المعنى الذي أخذه الشاعر فخاطب عائشة قائلاً :

تجملتِ ، تبغلتِ

ولو عشتِ تفيلتِ

لكِ التُّسعُ من الُّثمْنِ

وبِالكُلِّ تَصرَّفْتِ

إشارة منه إلى سماحها بدفن الشيخين بجوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و منعها من دفن الحسن و هو سبطه و ابن بنته ، فتصرّفت بأضعاف من حصتها من الإرث على القول بتوريثها منه.

هذا ، و لولا خوف الإطالة في التحقيق لتوسّعنا في الموضوع ، و لكنّا رأينا الرجوع إلى تقديم بعض النماذج الحيّة على وحدة الفقه بين عليّ بن أبي طالب وعبدالله‏ ابن عبّاس ـ و أنّ كليهما من نهج التعبد المحض المدافع عن سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و ما نزل به الوحي ، و المخالف لنهج الاجتهاد و الرأي ـ لكونه الأَولى بهذا المقام.

_______________________________

(١ ـ ٣) انظر المصادر التاريخية كالطبري و الأخبار الطوال و أنساب الأشراف و المروج و غيرها.

٧٤

وحدة الفقه بين علي و ابن عبّاس

مرت عليك في الصفحات السابقة بعض المواقف الفقهية لابن عبّاس و اتحادها مع فقه عليّ بن أبي طالب ، كالتلبية ، و المتعة ، و عدم جواز المسح على الخفّين ، و لزوم تدوين حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و ... ، و الآن مع بيان مفردات أخرى نوضّح على ضوئها استقاء كلّ من علي و ابن عباس ، بل كل الطالبيين و شيعتهم ـ إماميّة ، و إسماعيلية ، و زيدية ـ من معين واحد ، ألا و هو القرآن الكريم و السنة النبويّة المطهرة ، دون الاجتهاد و الرأي ، إذ ليس ما يقولونه باجتهاد من قبلهم بل هو اتّباع للنصوص ، و إليك بعض تلك الموارد :

١ ـ البسملة

اتفق فقه ابن عبّاس مع عليّ بن أبي طالب على جعل البسملة آية من كتاب الله ، و لزوم الجهر بها في الصلوات الجهرية.

فجاء عن ابن عبّاس قوله : أَغْفَلَ الناس (١) آية من كتاب الله تعالى لم تنزل على أحد سوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أن يكون سليمان بن داود ، بسم الله الرّحمن الرّحيم (٢).

_______________________________

(١) لاحظ قول ابن عباس من قبل « أبى الناس إلاّ الغسل » ، و قول أبي إسحاق في المسح على الخُفَّين « أدركت الناس يمسحون » ، فهذه كلّها تدلّ على الاتّجاه الحكومي الذي كان يُسيِّر الناس طبق آرائه لا طبق كتاب الله و سنة نبيّه ، و كما قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : و الناس على دين ملوكهم.

(٢) الدر المنثور ١ : ٢٠ ، الاتقان ١ : ١١٦ و ٢١١ ، و البيهقي في شعب الايمان ٢٢ : ٤٣٨ / ح ٢٣٢٨.

٧٥

و أخرج الطبراني بسنده إلى يحيى بن حمزه الدمشقي أنّه قال : صلّى بنا المهدي فجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، فقلت له في ذلك ، فقال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عبّاس : أنّ رسول الله كان يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم (١).

و جاء عن أولاد علي ـ الباقر و الصادق و الرضا ـ قولهم : اجتمع آل محمّد على الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم (٢).

و عن الباقر قوله : لا ينبغي الصلاة خلف من لا يجهر (٣).

و عن السجاد قوله : اجتمعنا ولد فاطمة على ذلك (٤).

هذا ، و أن الجهر بالبسملة قد عدّ في أخبار و فقه آل البيت من علائم المؤمن (٥) ، و هو ما يؤكّد وحدة الفقه عند الطالبيين في البسملة و تخالفه مع فقه النهج الحاكم « نهج الاجتهاد و الرأي » إذ جاء عن شعيب أنّه طلب من سفيان الثوري أن يحدّثه بحديث السنة ، فقال الثوري في حديث طويل ، منه : ... اكتب ـ وعدّ أشياء كثيرة ـ إلى أن قال : و حتى ترى أنّ إخفاءَ

_______________________________

(١) في هامش جامع المسانيد ٣٢ : ١٣٥ « رواه الطبراني (١٠٦٥١) و إسناده صحيح ».

(٢) احكام البسلمة ، للفخر الرازي : ٤٠ ، تفسير أبي الفتوح الرازي ١ : ٢٠ كما في مستدرك وسائل الشيعة ٤ : ١٨٩ / ح ٥ ، دعائم الإسلام ١ : ١٦٠.

(٣) احكام البسملة ، للفخرالرازي ، ٤٠.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٦٠.

(٥) فقد قال الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى و الخمسين ، و زيارة لأربعين ، و التختّم في اليمين ، و تعفير الجبين ، و الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم. مصباح المتهجد : ٧٨٨.

٧٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم أفضلُ من الجهر (١) !!!

نعم ، إنّ هريرة صرّح بأنّ الناس هم الذين تركوا البسملة بعد رسول الله عليه‌السلام ؛ فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، ثمّ تركه الناس (٢).

و الناسُ انساقوا في ذلك ـ أعني في هذه المفردة ـ وراء بني أميّة ، إذ قال فخر الدين الرازي : إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية [ أي البسملة ] ، فلمّا وصلت الدولة إلى بني أميّة بالغوا في المنع من الجهر ؛ سعياً في إبطال آثار علي عليه‌السلام (٣).

٢ ـ الخمس

المعروف عن ابن عبّاس إيمانه بكون الخمس لبني هاشم خاصّة ، خلافاً للنهج الحاكم الذي كان يغمط آل النبي حقّهم ، فمن ذلك قوله لنجدة الحروري لمّا سأله عن ذوي القربى ، لمن هو ؟

قال : قد كنّا نقول إنّا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا و قالوا : قريش كلها ذَوُو قربى (٤).

و قوله في نص آخر : ... فلما قبض الله رسولَه ردّ أبوبكر نصيب

_______________________________

(١) تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي ( المقدمة ) : ٣٥٢.

(٢) احكام البسملة : ٤٥ عن الدارقطني ١ ٦ ٣٠٧ ، و الحاكم في مستدركه ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٣) التفسير الكبير للفخر الرازي ١ : ٢٠٦.

(٤) تفسير الطبري ١٠ : ٥٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٤٨ ، ٢٩٤ ، أحكام القرآن ٣ : ٦٢.

٧٧

القرابة في المسلمين ، فجعل يحمل به في سبيل الله (١).

و قد جاء هذا المعنى في كلام الإمام علي و فاطمة الزهراء و غيرهما من آل الرسول. فقد روى البيهقي عن عبدالرحمن بن أبي يعلى ، قال : لقيت علياً عند أحجار الزيت ، فقلت له : بأبي أنت وأمّي ، ما فعل أبو بكر و عمر في حقّكم أهل البيت من الخمس ؟ ـ إلى أن يقول ـ :

قال علي : إنّ عمر قال : لكم حقّ و لا يبلغ علمي إذا كثر أن يكون لكم ، فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم ، فأبينا عليه إلاّ كلّه ، فأبى أن يعطينا كلّه (٢).

و قد كان عمر بن الخطّاب قد قال مثل هذا الكلام لابن عبّاس ، و أجابه ابن عبّاس بمثل جواب الإمام عليّ بن أبي طالب (٣).

و هذه النصوص تؤكّد وحدة المواقف و الفقه بين علي بن أبي طالب و ابن عبّاس ، خصوصاً في المسائل الفقهية التي ذهبت الخلافة فيها إلى غير مذهب أهل البيت و نهج التعبّد.

٣ ـ التكبير لكل رفع و خفض

جاء عن مطرف بن عبدالله قوله : صليت خلف عليّ بن أبي طالب

_______________________________

(١) تفسير الطبري ١٠ : ٦ ، و انظر باب قسمة الخمس من أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٦٠.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٣٤٤ ، و مسند الإمام الشافعي / باب الفيء.

(٣) انظر كلامه في مسند أحمد ٣٢٠ / ح ٢٩٤٣ ، سنن النسائي ٧ : ١٢٨ / ح ٤١٣٣ ، المعجم الكبير ١٠ : ٣٣٤ / ح ١٠٨٢٩.

٧٨

رضي الله عنه أنا و عمران بن الحصين ، فكان إذا سجد كبّر ، و إذا رفع رأسه كبّر ، و إذا نهض من الركعتين كبّر ، فلمّا قضى الصلاة أخذ بيدي عمرانُ بن الحصين ، فقال : قد ذكّرني هذا صلاة محمّد أو قال : لقد صلى بنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

و عن عكرمة قوله : صلّيت خلف شيخ بمكة فكبّر ثنتين و عشرين تكبيرةً ، فقلت لابن عبّاس : إنّه أحمق ! فقال ابن عبّاس : ثكلتك أمّك سنّة أبي القاسم (٢).

و في آخر عن عكرمة قال : رأيت رجلاً يصلي في مسجد النبي ، فكان يكبر إذا سجد و إذا رفع و إذا خفض ، فأنكرت ذلك ، فذكرته لابن عبّاس ؟ فقال : لا أمّ لك ! تلك صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

و عن النضر بن كثير أنه قال : صلّى إلى جنبي عبدالله بن طاووس في مسجد الخيف فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه ، فأنكرت ذلك ، فقلت لوهيب بن خالد ، فقال له وهيب بن خالد : تصنع شيئا لم أر أحداً يصنعه ؟

فقال ابن طاووس : رأيت أبي يصنعه ، و قال أبي : رأيت ابن عبّاس

_______________________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه ١ : ٢٠٩ ، ومسلم ١ : ٢٩٥ / ٣٣ ، و أبو داود ١ : ٢٢١ / ٨٣٥ ، والنسائي ( المجتبى ) ٢ : ٢٠٤ ، و هو في مسند أحمد ٤ : ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٤٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٩٩ كتاب الصلاة ـ باب التكبير إذا قام من السجود.

(٣) مسند الإمام أحمد ( ١٠١٦ ، ٣١٠١ ). و رواه الطبراني (١١٩٣٣) ، و إسناده صحيح كما في هامش جامع المسانيد ٣١ : ٣٤٣.

٧٩

يصنعه ، و لا أعلم إلاّ أنّه قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يصنعه (١).

نعم ، إنّ نهج الاجتهاد و الرأي لم يرتضِ التكبير لكلّ رفع و خفض ، فقد أخرج الشافعي في كتاب الأمّ من طريق عبيد بن رفاعة : إنّ معاوية قدم المدينة فصلّى بهم فلم يقرأ « بسم الله الرّحمن الرّحيم » ، و لم يكبّر إذا خفض و إذا رفع ، فناداه المهاجرون ـ حين سلّم ـ و الأنصارُ : أنْ يا معاوية ! أسرقتَ صلاتك ؟! أين بسم الله الرّحمن الرّحيم ؟! وأين التكبير إذا خفضت و إذا رفعت ؟!

فصلى بهم صلاة أخرى ، فقال : ذلك الذي عابوا عليه (٢).

و روى الشافعي قبل الخبر آنف الذكر خبراً عن أنس بن مالك ، فيه : صلى معاوية بالمدينة صلاة ، فجهر فيها بالقراءة ، فقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم لأمّ القرآن ، و لم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتّى قضى تلك القراءة ، و لم يكبّر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة ، فلما سلّم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان : يا معاوية أسرقتَ الصلاة أم نسيتَ ؟

فلما صلّى بعد ذلك ، قرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم للسورة التي بعد أُمّ القرآن و كبّر حين يهوي ساجداً (٣).

_______________________________

(١) النسائي في الصلاة ، باب رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه ، و أبو داود في باب افتتاح الصلاة ، و رواه أبو يعلى في مسنده (٢٧٠٤).

(٢) الأم ١ : ١٠٨ ، التدوين في أخبار قزوين ١ : ١٥٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٣١١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٣٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٥٠.

(٣) الأم ١ : ١٠٨ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٤٩ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٠ ،

٨٠