وضوء عبد الله بن عباس

السيد علي الشهرستاني

وضوء عبد الله بن عباس

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-7635-78-8
الصفحات: ١٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

إذ نصّ المؤرخون على أنّ عبدالرحمن بن عوف قال لعليّ : يا علي ، هل أنت مبايعي على كتاب الله و سنّة نبيّه و فعل أبي بكر و عمر ؟ فقال علي : أما كتاب الله و سنة نبيه فنعم ، و أما سيرة الشيخين فلا (١).

فعليٌّ لم يرتض الشرط الأخير ، و معنى كلامه تَخالُفُ سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع سيرتهما ـ على أقل تقدير من وجهة نظر الإمام علي ـ لأنّهما ـ [ أي السنة وسيرتهما ] ـ لو كانتا متّحدتين لَلَزِمَ عبدالرحمن أن يعطي الخلافة لعلي ؛ لعدم وجود شيء في سيرة الشيخين يخالف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و ما نزل به الوحي ، أو لَلَزِم عليّاً الأخذ بسيرتهما ، ولمّا لم يسلّم عبدالرحمن الخلافة و لم يرضَ بها عليّ بهذا الشرط المخترع ، علمنا أنّ هناك تنافيا بينهما و أنّهما ليسا بشيء واحد ؟!

إنَّ رفضَ عليٍّ للشرط المذكور و امتناع ابن عوف تسليم الخلافة له ليؤكّدان على مخالفة سيرة الشيخين للكتاب و السنّة.

حيث إنّ جعل هذا القيد بجنب الكتاب و السنة ليوحي بأنّه هو المطلوب من العملية كلها ، لعدم اختلاف أحد في حجيّة الكتاب و السنة ، وأمّا حجيّة فعل الشيخين فهو المختلف فيه ، فإنّ قرار عمر و ابن عوف بلزوم حسم القضية في ثلاثة أيام مع حتميّة موافقتهم على اجتهادات الشيخين ليشير إلى هذه الحقيقة.

إنّ اتّجاه التعبّد المحض لم يكن على وفاق مع نهج الاجتهاد و الرأي فكرياً ، فابن عوف يريد تطبيق ما سُنَّ على عهد الشيخين ، و رجال التعبد

_______________________________

(١) انظر تاريخ الطبري ٢ : ٥٨٦ ، البداية و النهاية ٧ : ١٤٦ ، سبل الهدى و الرشاد ١١ : ٢٧٨ و غيرها.

١٢١

لا يرتضون إعطاء الشرعية لهذه الاجتهادات ؛ لمخالفة بعضها لكتاب الله و سنة نبيه ، فكانوا يخالفون تلك المواقف و يحدّثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، و هذه الأحاديث النبوية هي التي كانت تؤذي الخليفة عمر بن الخطّاب ، فلمّا ظهرت الأحاديث بيد الناس دعاهم عنده و قال لهم : « إنّكم أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، أو قال « أفشيتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ثمّ أمرهم بالبقاء عنده حتى أصيب.

فأنصار التعبّد المحض كانوا يحدّثون حتّى لو وضعت الصمصامة على أعناقهم.

فقد روى الدارمي بسنده عن أبي كثير ، قال : حدثنى أبي ، قال : أتيت أبا ذر و هو جالس عن الجمرة الوسطي و قد اجتمع الناس عليه يستفتونه ، فأتاه رجلٌ (١) فوقف عليه ثم قال : أَلَمْ تُنْهَ عن الفتيا (٢) ؟! فرفع رأسه إليه فقال : أرقيب أنت عَلَيَّ ، لو وضعتم الصمصامة على هذه ـ و أشار إلى قفاه ـ ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن تجيزوا (٣)

_______________________________

(١) هو فتى من قريش كما في تاريخ دمشق ٦٦ : ٩٤. و في فتح الباري ١ : ١٤٨ « و بيّنّا أنّ الذي جابهه رجل من قريش ». و قريش هم أصحاب السلطان و الرأي و الناهون عن التدوين و التحديث ، إذ صح عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنّه قال : كنتُ أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش ... فأمسكتُ. المستدرك على الصحيحين ١ : ١٠٥ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٢ و ١٩٢ ، و سنن الدارمي ١ : ١٢٥ ، و سنن أبي داود ٢ : ١٧٦.

(٢) قال ابن حجر في فتح الباري ١ : ١٤٨ « إن الذي نهاه عن الفتيا عثمان ».

(٣) تجيزوا : أي تكملوا قتلي.

١٢٢

عَلَيَّ لأنفذتها (١).

و رواه ابن سعد في طبقاته عن ابن مرثد عن أبيه مرثد بن عبدالله الزمّاني ، و فيه : إذ وقف عليه رجل فقال : ألم ينهكَ أميرالمؤمنين [ يعني عثمان ] عن الفتيا (٢) ...

قال ابن حجر : و فيه دليل على أنّ أبا ذر كان لا يرى طاعة الإمام [ عثمان ] إذا نهاه عن الفتيا ، لأنّه كان يرى أنّ ذلك واجب عليه لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبليغ عنه (٣).

فالاتّجاه الحاكم كان لا يريد أن يتحدّث أبوذر و أمثاله بالأحكام التي قد لا توافق الخليفة ؛ لأنّ المشهد عظيم و هو ( الحج ) ، و المكان ـ الجمرة الوسط ـ أكثر ما يجتمع فيه الحجيج ، لكونه مجمع الصاعد منهم إلى العقبة ، و الهابط إلى الجمرة الصغرى ، فكلامُ أبي ذر في هذا المشهد و اجتماع الناس عليه يستفتونه هو ما لا يرضي الخلفاء ، و قد نهى عمرُ أبا ذر عن التحديث سابقاً.

_______________________________

(١) سنن الدارمي ١ : ١٣٦. و رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ : ٦٤ عن أبي كثير عن أبيه أيضاً.

(٢) طبقات ابن سعد ٢ : ٣٥٤. و روى هذا الحديث البخاري في صحيحه ٦ : ٢٥ ، لكنّه بَتَرَهُ و لم يذكر نهي عثمان و لا الفتى القرشي الرقيب الجاسوس ، بل ذكر قول أبي ذر فقط « لو وضعتم الصمصامة » ... الخ.

وقد روى الأحنف بن قيس أنّ الناس كانوا يهربون من أبي ذر و حديثه و مجالسته بعد نهي عثمان الناس عن مجالسته. انظر تاريخ دمشق ٦٦ : ١٩٥ ، و الطبقات الكبرى ٤ : ٢٢٩.

(٣) فتح الباري ١ : ١٤٨.

١٢٣

فقد أخرج الحاكم بسنده عن إبراهيم : إنّ عمر قال لابن مسعود و لأبي ذر و لأبي الدرداء : ما هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله !! و أحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب (١).

ففي جملة « ما هذا الحديث » أو قوله في نص آخر « إنكم أفشيتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » و في ثالث « أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » إشارة إلى أنه كان يرى في الإفشاء و الإكثار ونقل الحديث ثقل المواجهة له !

و قد سار معاوية على خطى أبي بكر و عمر و عثمان في المنع عن التحديث و الكتابة و التدوين ، إذ أخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق الحسن [ البصري ]. قال : كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضّة ، يباع الإناء بمثله مع ما فيه أو نحو ذلك ، فمشى إليهم عبادة فقال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني فأنا عبادة بن الصامت ، ألا و إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان و لم يَصُم رمضانَ بعده (٢) ـ يقول : الذهب بالذهب مِثلاً بمثل ، سواء بسواء ، وزناً بوزن ، يداً بيد ، فما زاد فهو ربا.

_______________________________

(١) المستدرك على الصحيحين ١ : ١١٠ ، مجمع الزوائد ١ : ١٤٩ ، قال الحاكم في المستدرك : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و وافقه الذهبي في ذيله على الكتاب.

(٢) أراد عبادة بتحديد المكان و الزمان الدقة في نقل الرواية ، و أنّها كانت في أواخر حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكي لا يدّعي معاوية أنّ هذه الرواية منسوخة أو مخصّصة أو ما شاكل ذلك.

١٢٤

قال : فتفرق الناس عنه ، فأُتي معاوية فأخبر بذلك ، فأرسل إلى عبادة فأتاه ، فقال له معاوية : لئن كنت صحبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله و سمعت عنه ، لقد صحبناه و سمعنا منه.

فقال له عبادة : لقد صحبتُهُ و سمعتُ منه.

فقال له معاوية : اسكت عن هذا الحديث و لا تذكره.

فقال له : بلى و أن رغم أنف معاوية ثم قام.

فقال له معاوية : ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني و بين أصحاب محمّد من الصفح عنهم (١).

و لو تأنّيت في موقف ابن عبّاس في التلبية لرأيته نفس موقف أبي ذر و عبادة بن الصامت و غيرهما في رفض الأخذ بمذهب الرأي الحكوميّ ، فقد أخرج النسائي في المجتبى ، و البيهقي في السنن ، عن سعيد بن جبير : أنّ ابن عبّاس كان بعرفة ، فقال : يا سعيد ، مالي لا أسمع الناس يلبّون ؟

فقلت : يخافون معاوية.

فخرج ابن عبّاس من فسطاطه ، فقال : لبّيك اللهم لبّيك ، و إن رغم أنف معاوية ، اللهم العنهم ، فقد تركوا السنّة من بغض عليّ (٢).

وقوله في آخر : لعن الله فلاناً ، عمدوا إلى أعظم أيام الحج فمحوا زينته ، وإنما زينة الحجّ التلبية (٣).

_______________________________

(١) تاريخ دمشق ، لابن عساكر ٢٦ : ١٩٩.

(٢) سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ٢٥٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ١١٣ ، الاعتصام بحبل الله المتين ١ : ٣٦٠.

(٣) مسند أحمد (١٨٧٠) كما في جامع المسانيد و السنن ٣٠ : ١٧٠.

١٢٥

فأنصار التعبّد المحض لم يخضعوا إلى ما سنّه أبو بكر و عمر و عثمان و أتباعهم من مخالفات لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و فعله ، بل إنّهم كانوا يؤكّدون على عدم تركهم سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول أحد (١) ، مصرِّحين في آخر : إنّها سنة أبي القاسم (٢) ، و في ثالث : سنة نبيكم و إن رغمتم (٣).

و من كل هذا يتبيّن بوضوح كون ابن عباس من أصحاب مدرسة التعبد المحض لا الرأي ، و من المحدثين الكاتبين المدونين لا المانعين ، و من الواقفين بوجه الفقه المخالف لكتاب الله و سنّة رسوله ، و لذلك كلّه كانت نسبة الخبر الثنائي المسحي في الوضوء إليه أقوى بمراتب من الوضوء الغسلي العثماني الذي ألقي على عاتق ابن عباس لأغراض حكوميّة كما علمت.

و إذا أردت التأكّد من صحّة ما قلناه من التلازم بين المدونين و الوضوء المسحي عند ابن عباس ، و بين المانعين من التدوين و الوضوء الغسلي ، فاقرأ معي الصفحات التالية :

المدونون وأخبار الوضوء عن ابن عبّاس

لقد انقسم المسلمون بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نهجين ، أحدهما : يدعو إلى

_______________________________

(١) مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٩٤ / ٢٨٢٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٩ / ٦٨ ، شرحه للنووي ٧ ـ ٨ : ٤٥٦.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٩٩ كتاب الصلاة ـ باب التكبير إذا قام من السجود ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٤٨.

(٣) قاله ابن عبّاس ، انظر مسند أحمد (٣١٨١ ، ٣١٨٣ ، ٢٠١٣) ، و جامع الأسانيد ٣٢ : ٣٦٤.

١٢٦

كتابة و تدوين الحديث ، و الآخر لا يرتضي ذلك.

و قد أثبتنا أنّ المعترضين على الخلفاء أصحاب الرأي كانوا من أهل التدوين و التحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و أنّهم اعترضوا عليهم لمخالفة أقوالهم للثابت عندهم في المدونات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

و من أجل هذه الاُمور قال الخليفة لهم « ائتوي بكتبكم » فلما أتوه بها أمر بحرقها ، و أمر بحبس الصحابة لإشاعتهم الحديث ؛ لقوله « إنّكم أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » وفي آخر « أفشيتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

و هذه المنافرة و المضادّة بين النهجين هي التي جعلت لكلّ منهما أنصاراً ، فالبعض ينتصر للخليفة ، و الآخر لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و غالب أصحاب التدوين كانوا من الشقّ الثاني.

و قد مرّ عليك عن ابن عبّاس أنّه من نهج التحديث و التدوين و من المعارضين لاجتهادات الشيخين المعارِضة للكتاب و السنة النبوية ، فثبت عنه قوله : « أراهم سيهلكون ، أقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و يقولون : قال أبوبكر و عمر ».

و أنت لو تدبرت في كلام عثمان بن عفّان لعرفت بأنّ جلّ المعارضين له في الوضوء كانوا من أصحاب التحديث و التدوين لقوله « إنّ ناساً يتحدثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحاديث لا أدري ما هي ... » ، فالخليفة عبّر عن معارضيه ب‍ « ناساً » ممّا يرشدنا إلى أنّ الامتداد المعارض له كبير و أنه يمثل شريحة اجتماعية مهمة.

و نحن لو أردنا تطبيق ما قلناه عن النهجين سابقاً على ما نحن فيه

١٢٧

لأمكننا القول بأنّ أغلب رجال الأسانيد المسحيّة عن ابن عبّاس هم من أصحاب المدونات ، بعكس رجال الأسانيد الغسليّة فلم يكونوا كذلك ، و هذه الحقيقة ترشدنا إلى أنّ المدوّنين رغم كلّ الضغوط المفروضة و عوامل التحريف قد حافظوا على مدوناتهم ، و هذا القول منّا لا يعني بأنا نعتقد بوجود جميع ما قاله الرسول في الصحاح و السنن المدوّنة بأخرة ، بل نحن نعتقد أنّ ظاهرة منع تدوين الحديث قد ضيَّعت الكثير من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يوجد له ذكرٌ اليوم في الصحاح و السنن إلاّ بشكل مقتضب جدّاً. و روَّجَ الوضعُ والتحريفُ أحاديثَ كثيرة حلَّت اليوم محلَّ الأحاديث النبوية الأصيلة التي كان ينبغي أن تكون في الصدارة لولا المنع ، و هذا مما يجب علينا توضيحه و بيانه.

فنحن لو طالعنا أسماء رواة الغسل و المسح لعرفنا أنّ غالب رواة المسح ـ و في أغلب الطبقات ـ هم من أصحاب المدوّنات ، بخلاف رواة الغسل ، فإنّ المدوّنين منهم قلة قليلة و قد دونوا بعد فتحه من قِبَلِ عمر بن عبدالعزيز ، فإليك رواة الوضوء عن ابن عبّاس غسلاً و مسحاً لتعرف حقيقة الحال.

رواة الغسل عن ابن عبّاس

الإسناد الاول

البخاري : حدثنا محمّد بن عبدالرحيم ، قال : أخبرنا أبو سلمة الخزاعي ( منصور بن سلمة ) ، قال ابن بلال ـ يعني سليمان ـ عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبّاس ...

١٢٨

الإسناد الثاني

أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا محمد بن بشر ، حدّثنا هشام بن سعد ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبّاس ...

الإسناد الثالث

النسائي : أخبرنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا عبدالله بن إدريس ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبّاس ...

الإسناد الرابع

النسائي : أخبرنا الهيثم بن أيوب ، قال : حدثنا عبدالعزيز بن محمّد ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبّاس ...

الإسناد الاخير

هو ما رواه أبو داود : حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عباد بن منصور ، عن عكرمة بن خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ...

و لم يُشاهَد في رواة هذه الأسانيد اسمُ أحدٍ من المدوّنين من الصحابة و التابعين إلاّ سعيد بن جبير و عبدالله‏ بن عبّاس ، و الأوّل لم يثبت الطريق إليه و لم يعتمده الأعلام في خبر الوضوء عن ابن عبّاس لوجد عبّاد بن منصور المضعّف عند الجميع فيه. و الثاني ـ أي ابن عبّاس في مورد النزاع ـ

١٢٩

ثبت في الصفحات السابقة أنّ نسبة الغسل إليه غير صحيحة ؛ لعدمِ إمكان الاعتماد على ما روي عن سعيد بن جبير المارّ ذكره ، و لاتّحاد الطرق الغسليّة الأربع الأخرى في زيد بن أسلم عن عطاء و هو ممن يدلّس و لاشتهار المسح عنه عند الفقهاء.

فها أنت لو لاحظت رواة الغسل لا ترى بينهم من أصحاب المدونات الذين دونوا الحديث قبل عمر بن عبدالعزيز ، و إذا ورد اسم واحد منهم في المدوّنين فهو من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي ، و هو لا يخدمنا في توضيح ما نحن فيه ، لأنّ التدوين في عهد عمر بن عبدالعزيز لم يكن كالتدوين في عهد أبي بكر و عمر بن الخطّاب و عثمان بن عفّان و معاوية و المانعين له ، و نحن مع أخذنا هذه النكتة بنظر الاعتبار لم نَرَ اسم أحد من رواة الغسل ضمن المدوّنين من التابعين و تابعي التابعين ، فإنّ سليمان بن بلال (١) ـ الموجود في السند الأول ـ و عبدالله‏ بن إدريس (٢) و محمّد بن عجلان (٣) ـ كما في سند الثالث ـ و عكرمة بن خالد (٤) و سعيد بن جبير ـ كما في السند الأخير ـ و إن كانوا من المدوّنين لكنهم من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي و هو ليس محل النزاع ، و مثله حال البخاري و أبي داود و النسائي و الآخرين الذين رووا لنا الغسل عن ابن عبّاس و غيره ، فهُمْ و إن كانوا من المدوّنين لكنَّ تدوينهم جاء في العصور المتأخرة

_______________________________

(١) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للاعظمي ١ : ٢٦٣.

(٢) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للاعظمي ١ : ٢٨٩.

(٣) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للاعظمي ١ : ٣٠٧.

(٤) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للاعظمي ١ : ١٩١.

١٣٠

عن عصر التدوين الحكومي فلا يدخلون ضمن النزاع.

و الذي تجب الإشارة إليه هو أنّ عطاءً ـ الذي اتّحدت الطرق فيه ـ لم يكن من المدوّنين عن ابن عبّاس و المختصين به ، و أنت لو بحثت عن الكُتّاب المدوّنين عن ابن عبّاس لا ترى اسمه ضمن أولئك كابن أبي مليكة (١) ، و الحكم بن مقسم (٢) ، و سعيد بن جبير (٣) و علي بن عبدالله بن عبّاس (٤) و عكرمة (٥) و كريب (٦) و مجاهد (٧) و نجدة الحروري (٨) و عمر بن دينار (٩).

و هذا بعكس الطرق المسحيّة عن ابن عبّاس ، فقد حكى عكرمةُ المسحَ عن ابن عبّاس و كان من المدوّنين عنه ، و عنه أخذ عمرو بن دينار و هو الآخر من المدوّنين و من المختصّين به ؛ حتى قال سفيان : قال لي عمرو بن دينار : ما كنت أجلس عند ابن عبّاس ، ما كتبت عنه إلاّ قائماً.

_______________________________

(١) انظر مقدمة صحيح مسلم : ١٣ ، و صحيح البخاري كتاب الرهن : ٦ ، والشهادات : ٢٠ ، و مسند أحمد ١ : ١٤٣ ، ٣٥١ ، و السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٨٣.

(٢) فتح المغيب ٢ : ١٣٨.

(٣) العلل ١ : ٥٠ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٦ : ١٧٩ ، تقييد العلم : ١٠٢ ـ ١٠٣ ، تاريخ أبي زرعة.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ : ٢١٦.

(٥) الفهرست لابن النديم : ٣٤.

(٦) الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ : ٢١٦.

(٧) الفهرست : ٣٣.

(٨) مسند أحمد ١ : ٢٢٤ ، ٢٤٨ ، ٢٩٨ ، ٣٠٨ ، مسند الحميدي ١ : ٢٤٤ ، الاصابة ٢ : ٢٣٤.

(٩) تاريخ الفسوي ٣ : ٥ ، تاريخ أبي زرعة كما في الدراسات للاعظمي ١ : ١١٨.

١٣١

و نقل ابن عيينة عن سفيان قوله : ما أعلم أحداً أعلم بعلم ابن عبّاس رضي الله عنه من عمرو بن دينار ، سمع ابن عبّاس رضي الله عنه و سمع أصحابه ، و سيتضح لك هذا الأمر بالأرقام حين بحثنا عن رواة المسح عن ابن عبّاس.

رواة المسح عن ابن عبّاس

الإسناد الأوّل

عبدالرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار أنّه سمع عكرمة يقول : قال ابن عبّاس ...

و رواة هذا الإسناد أئمّة حفّاظ ، و قد احتجّ بهم الجماعة فضلاً عن أئمّة الصحاح و السنن ، فعبد الرزاق قد احتجّ له الجماعة (١) و مثله ابن جريج (٢) و عمرو بن دينار (٣) و عكرمة (٤) ، و بما أنّ الجماعة قد روت لهؤلاء و ثبت لكل واحد منهم ملازمة طويلة لمن يروي عنه و فيهم من هو أعلم بعلم ابن عبّاس من غيره ، فلماذا لا تُروى روايتهم عن ابن عبّاس « الوضوء غسلتان و مسحتان » في صحاح الجمهور ؟

ألم يقعوا في أسانيد البخاري و مسلم في روايات أخرى ؟

_______________________________

(١) انظر تهذيب الكمال ١٨ : ٥٧.

(٢) انظر تهذيب الكمال ١٨ : ٣٣٨.

(٣) انظر تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٦٤.

(٤) فقد احتج به الجميع إلاّ مسلماً فقد قرنه بغيره ثمّ رجع. انظر تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٦٤.

١٣٢

و إذا حصل ذلك فلمَ لا يأتي البخاري بخبرهم في المسح عن ابن عبّاس ؟ مع أنّهم قد أتوا بأحاديث أخرى تحتاج إلى تابع كخبر سليمان بن بلال ؟

و عليه ففي السند الأول :

١ ـ عبدالملك بن جريج ، و هو من المدوّنين ، و قد كان أوّل من جمع الحديث بمكّة المكرمة (١) ، كما ألّف كتباً عدّة حتّى أنّه لمّا قدم على أبي جعفر [ المنصور ] قال له : جمعتُ حديث ابن عبّاس ما لم يجمعه أحد ، فلم يعطه شيئاً (٢) ، و قد كانت كُتُبه تحتلّ مكاناً رفيعاً عند المحدّثين ، حتّى قال يحيى بن القطّان : كنّا نسمّي كتب ابن جريج كتب الأمانة (٣) لصحة ما فيها.

٢ ـ عمرو بن دينار ، و قد مرّ الكلام عنه ، و أنّه ما جلس عند ابن عبّاس و ما كتب عنه إلاّ واقفاً.

٣ ـ عكرمة ، مولى ابن عبّاس ، و هو من كبار تلامذة ابن عبّاس و المدوّنين عنه ، و كان ابن عبّاس يعتني به كثيراً ، حتى قال عكرمة : كان ابن عبّاس يجعل في رجلي الكبل يعلّمني القرآن و يعلّمني السنة (٤).

( وكانت عنده كتب ، فقيل أنّه نزل على عبدالله الأسوار بصنعاء ، فعدا

_______________________________

(١) ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ١ : ١٦٠ ، و ابن حجر في مقدمة فتح الباري و ابن كثير في اختصار علوم الحديث.

(٢) تاريخ بغداد ١٠ : ٤٠٠ ، شرح علل الترمذي : ٦٧.

(٣) دراسات في الحديث النبوي ١ : ٢٨٦ ، عن العلل و تاريخ بغداد ١٠ : ٤٠٤.

(٤) تاريخ الفسوي ٣ / ٥ ، تاريخ أبي زرعة كما في الدراسات للاعظمي ١ : ١١٨.

١٣٣

ابنه [ أي عمرو بن أبي الأسوار ] على كتاب لعكرمة فنسخه ، و جعل يسأل عكرمة ، ففهم أنّه كَتَبَهُ من كُتُبِهِ ... ) (١) و قد روى عن ابن عبّاس في التفسير (٢) ، فترى جميع هؤلاء من أصحاب المدونات.

الإسناد الثاني

و هو عبدالرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن جابر بن يزيد [ زيد ] أو عكرمة ، عن ابن عبّاس ...

١ ـ فيه معمر بن راشد ، و هذا قد كتب الأحاديث و صنّف الكتب ، وعُدَّ من أوائل من جمع الحديث باليمن (٣) ، قال النديم : ... له من الكتب كتاب المغازي (٤) ، و آخر في التفسير ، رواه عنه عبدالرزاق و ابن المبارك و آخرون ، و كان له كتاب مشهور آخر باسم الجامع (٥).

و عن هشام بن يوسف أنه قال : جاء مطرف بن مازن ، فقال : أعطني حديث ابن جريج و معمر حتّى أسمعه منك ، فأعطيته ، فكتبها ، ثمّ جعل يحدّث بها عن معمر نفسه عن ابن جريج (٦).

٢ ـ قتادة بن دعامة ، و هو أحد الأعلام لذين كتبوا الأحاديث ، وله

_______________________________

(١) الميزان ٣ : ٢٩٥ ، الجرح والتعديل ، تهذيب التهذيب ٨.

(٢) الفهرست : ٣٤ كما في الدراسات.

(٣) انظر كتاب ( أبو جعفر الطحاوي ) لعبد المجيد محمود : ١٥٢.

(٤) الفهرست : ٩٤ ، كما في الدراسات للاعظمي ١ : ٣١٢.

(٥) الرسالة المستطرفة للكتاني : ٤١ كما في الدراسات.

(٦) المجروحين : ٣٤ ، الجرح والتعديل ٤ / ١ : ٣١٤ ، كما في الدراسات ١ : ١٩٦.

١٣٤

من الكتب : تفسير القرآن (١) و الناسخ و المنسوخ في القرآن (٢) و عواشر القرآن (٣).

قال أبو هلال ، قيل لقتادة : يا أبا الخطّاب أنكتب ما نسمع ؟ قال : و ما يمنعك أحد أن نكتب ؟ و قد أنبأَك اللطيف الخبير أنّه قد كتب ، و قرأ ( فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ) ، قال : كنت أنظر إلى فم قتادة ، فإذا قال : « حدّثنا » كتبت ، و إذا لم يقل لم أكتب (٤).

٣ ـ جابر بن زيد [ أو يزيد ] و الأول هو الصحيح ، قال الرباب : سألت ابن عبّاس عن شيء ، فقال : تسألوني و فيكم جابر بن زيد (٥).

و كان الحسن البصريّ إذا غزا أفتى الناسَ جابرُ بن زيد (٦).

و جاء عن تلاميذه أنّهم يكتبون عنه ؛ روى حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، قال : قيل لجابر بن زيد : إنّهم يكتبون عنك ، ما يسمعون ، فقال : إنّما لله‏ يكتبون (٧).

و عكرمة قد مر الكلام عنه ، و ابن عبّاس من أئمّة المدوّنين.

_______________________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ٢ / ٢٣ ، الفهرست لابن النديم : ٣٤ ، كما في الدراسات ١ : ١٩٦.

(٢) توجد منه نسخة بالظاهرية ، انظر الدراسات للاعظمي ١ : ١٩٦.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ٢ / ٢ كما في الدراسات.

(٤) مسند علي بن الجعد : ١١٨ ، الكفاية : ١٦٤ ، انظر الدراسات ١ : ١٩٦.

(٥) تهذيب التهذيب ٢ : ٣٨ كما في الدراسات للاعظمي ١ : ١٤٥.

(٦) تهذيب التهذيب ٢ : ٣٤ ، الجرح والتعديل ٢ : ٤٩٥.

(٧) الطبقات الكبرى ٧ : ١٨١.

١٣٥

الإسناد الثالث

وهو ما أخرجه عبدالرزاق عن معمر ، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل عن الربيع ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غسل قدميه ثلاثاً ، ثمّ قالت لنا : إنّ ابن عبّاس قد دخل ... الخبر.

فقد تكلّمنا عن معمر ، و بقي عبدالله بن محمّد بن عقيل ، و هو من المدوّنين كذلك ؛ لقوله : كنت أنطلق أنا و محمّد بن علي ـ أبو جعفر ـ و محمّد بن الحنفية إلى جابر بن عبدالله الأنصاري لنسأله عن سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و عن صلاته ، فنكتب عنه و نتعلّم منه (١).

الإسناد الرابع

و هو ما أخرجه ابن أبي شيبة ، حدّثنا ابن علية ، عن روح بن القاسم ، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل ...

فيه ابن علية ، و هو إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، و كان من الكَتَبة ، له من المصنفات كتاب الطهارة ، الصلاة ، المناسك ، التفسير (٢) ، و قد كتب عن أيوب السختياني (٣) ، و كتب عنه علي بن أبي هاشم بن الطبراخ (٤) ، و قد مر الكلام عن عبدالله بن محمّد بن عقيل.

_______________________________

(١) تقييد العلم : ١٠٤ ، الكامل لابن عدي ٤ : ١٢٨ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٤٨٤ ، تاريخ دمشق ٣٢ : ٢٥٩.

(٢) ذكره النديم في الفهرست : ٢٢٧ كما في الدراسات ١ : ٢٣٠.

(٣) تاريخ أبي زرعة : ٧٦ ، كما في الدراسات ١ : ٢٣٠.

(٤) تاريخ بغداد ١٢ : ١٠ ، كما في الدراسات ١ : ٢٣٠.

١٣٦

الإسناد الخامس

وهو ما رواه الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عبدالله بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب ، قال : أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت المعوذ ... . فيه :

١ ـ سفيان بن عيينة ، الإمام الكبير ، و قد بدأ بكتابة الحديث و هو ابن خمس عشرة سنة ، قال علي بن الجعد : كتبت عن ابن عيينة سنة ستّين و مائة بالكوفة ، يملي علينا من صحيفة (١).

قال العجلي : كان حديث ابن عيينة نحواً من سبعة الآف و لم يكن له كتب (٢).

و قد علق الدكتور الأعظمي على كلام العجلي بقوله : و لا ندري كيف تُأَوّل ، علماً رأينا أنّه أملى من صحيفةٍ و كتب لأيّوب ، و كتب عن عمرو بن دينار و آخرين. و كتابته عن الزهري مشهورة معروفة (٣).

قال ابن عيينة ، قال لي زهير الجعفي : أخرج كتبك ، فقلت له : أنا أحفظ من كتبي (٤).

و له من المؤلفات : التفسير (٥) ، روى عنه جمعٌ أحاديثَه المكتوبة ، منهم

_______________________________

(١) تاريخ بغداد ١١ : ٣٦٢.

(٢) تاريخ بغداد ٩ : ١٧٩.

(٣) دراسات في الحديث النبوي ١ : ٢٦٢.

(٤) تهذيب التهذيب ٤ : ١٢١.

(٥) الدراسات ، للاعظمي ١ : ٢٦٢ عن التهذيب ٤ : ١٢١ ، الانساب للسمعاني ٥ : ٤٣٩.

١٣٧

الحميدي صاحب المسند (١).

٢ ـ علي بن الحسين ، و هو الإمام السجّاد ، و قد كان من المدوّنين (٢).

أما الإسنادان السادس والسابع فهعما اجترار لهذا الإسناد ، لرواية سفيان بن عيينة الخبر عن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، و أن علي بن الحسين قد أرسله إلى الربيع ...

وأنت ترى رجال هذه الأسانيد أنهم كانوا أئمّة حفّاظا ، و قد دونوا الحديث في كتبهم وفي جميع الطبقات ، ولا يهمنا وجود بعض المدوّنين بعد عصر التدوين الحكوميّ بينهم ، فالقيمة في وجود رجال كعلي بن الحسين ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، وعبداللّه‏ بن محمّد بن عقيل ، وجابر بن زيد ، بين هؤلاء ، وكانوا قد دوّنوا الحديث قبل عصر التدوين الحكومي ، ولذلك تكون لمرويّاتهم قيمة أكثر من مرويات رواة الغسل ، ولو عاودنا أسماء رواة الغسل عن ابن عبّاس لعرفت المائز بين الطريقين ، وذلك لعدم وجود مدونين قبل عصر التدوين الحكومي بينهم ، فغالبهم ليسوا من أصحاب المدونات ، و أن كان أحد منهم مدوِّنا فهو غالبا من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي ، فلا مزية لنقلهم ، لاحتمال تأثّره بمطالع الحكّام.

ورواة الغسل هم :

١ ـ محمّد بن عبدالرحيم.

٢ ـ منصور بن سلمة (أبو سلمة الخزاعي).

_______________________________

(١) انظر مسند الحميدي ، و عنه في الدراسات للاعظمي ١ : ٢٦٢.

(٢) انظر منع تدوين الحديث ، لنا ٤٠٩ ـ ٤١١.

١٣٨

٣ ـ سليمان بن بلال ـ و هو من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي ـ

٤ ـ زيد بن أسلم

٥ ـ عطاء بن يسار

٦ ـ عثمان بن أبي شيبة

٧ ـ محمّد بن بشر

٨ ـ هشام بن سعد

٩ ـ الحسن بن علي الخلاّل الحلواني

١٠ ـ يزيد بن هارون

١١ ـ عبّاد بن منصور

١٢ ـ عكرمة بن خالد ( و هو غير مولى ابن عبّاس المدوّن لحديثه )

١٣ ـ سعيد بن جبير ـ من المدوّنين لكن لم يثبت الطريق إليه ـ

١٤ ـ مجاهد بن موسى

١٥ ـ عبدالله بن إدريس ـ من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي ـ

١٦ ـ محمّد بن عجلان ـ من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي ـ

١٧ ـ الهيثم بن أيوب الطالقاني

١٨ ـ عبدالعزيز بن محمّد

و بهذا فقد اتّضح أنّ الطرق المسحيّة عن ابن عبّاس هي أقوى سنداً و أنقى دلالةً ، و قد رويت بطرق متعدّدة و في جميع الطبقات عن المدوّنين ، بخلاف الغسليّة التي لم يروها أحد من المدوّنين قبل عصر التدوين الحكومي ، كما اتضّح لنا أنّ الحكومات كانت تجدّ ـ جاهدة ـ لطمس معالم

١٣٩

الوضوء المسحي عن ابن عباس ، و لطمس فقهه التعبّدي بالكلّية ، لكنها باءت بالفشل ، إذ دراسة الملابسات و نسبة الخبر لابن عباس كشفت حقيقة ما أراده الحكام وزيف ما بنوه من مجد سياسي و فكري متزلزل ، إذ أن جهود المتعبدين كانت و ما زالت مناراً ينير درب الحقيقة ، و هذا ما يؤكد أنّ استقرار الوضوء المسحيّ عن ابن عبّاس ثبت بجهود المدوّنين على مرّ الأجيال. و هو الآخر يؤكد امتداد نههج التعبد المحض في العصور اللاحقة.

١٤٠