محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢
القمّيين أصلا ، كالكليني والشيخ وغيرهما من المشايخ ، فإنّهم رووا عن سهل بن زياد والبرقي وأمثالهما ما لا يحصى عددا ، واعتمدوا عليها ، وأفتوا بها ، ومنها حديث غدير خم (١) ، فقد قال الصدوق ما قال ، وبعده إلى الآن لم يتأمّل أحد فيه.
على أنّهم رووا عن زيد النرسي أكثر من أن يحصى معتمدين عليها كما لا يخفى ، مضافا إلى ما ذكروه بالنسبة إلى الأصول الأربعمائة ممّا لا يخفى على المطّلع ، ولا تأمّل في أنّ كتاب زيد من جملة الأصول ، وصرّحوا به (٢).
ومع ذلك ، ابن الغضائري ـ مع إفراطه في القدح ، حتّى بالنسبة إلى الأعاظم ـ ما قدح عليه ، بل بعد ما نقل عن الصدوق أنّ كتابه وكتاب الزرّاد موضوعان قال : ( وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من ابن أبي عمير ) (٣) ، وناهيك بهذا تخطئة له ، واعتمادا على كتبهما.
مضافا إلى أنّ الشيخ في « الفهرست » ـ بعد ما نقل عن ابن الوليد عدم الرواية والوضع ـ قال : ( وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه ) (٤) ، وفيه ـ بعد التخطئة وإظهار الاعتماد ـ إشارة منه إلى توثيق زيد ، لأنّه ذكر في « عدّته » أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة (٥).
ويؤيّد الاعتماد ، بل والتوثيق أيضا ، ما ذكر في ترجمته بالنسبة إلى نفسه وكتبه ونوادره ، بل ومرسلاته وأنّه ممّن أجمعت العصابة (٦) ، ويستفاد من كلام
__________________
(١) الكافي : ١ ـ ٢٩٣ الحديث ٣.
(٢) لاحظ! جامع الرواة : ١ ـ ٣٤٣.
(٣) نقله عنه : جامع الرواة : ١ ـ ٣٤٣.
(٤) الفهرست للطوسي : ٧١ الرقم ٢٨٩ ـ ٢٩٠.
(٥) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٦.
(٦) رجال الكشّي : ٢ ـ ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.
الشيخ وغيره أنّ عدم الرواية من خصائص ابن الوليد والصدوق ، فلا يصحّ ما ذكره أنّه ( من ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة ).
وأمّا النجاشي ، فلم يتعرّض لذكر عدم روايتهما وحكمهما بالوضع ، ولم يعيّن بذلك أصلا ، بل قال : ( النرسي روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهماالسلام ، له كتاب يرويه عنه جماعة ، أخبرنا ـ إلى أن قال : ابن أبي عمير عنه بكتابه ) (١).
وفيه ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ شهادة واضحة على معروفيّة كتابه وشهرته ، وأنّ جماعة من الأصحاب رووا كتابه هذا من دون اختصاص بابن أبي عمير ، والاتّفاق واقع من المحقّقين على أنّ النجاشي أضبط وأعرف من الكلّ في الرجال ، سيّما ووافقه الشيخ والغضائري ، مضافا إلى ما ذكرنا.
وما ذكر من عدم الذكر في الأربعة ، فيه أنّه كم من خبر ذكر في غيرها وعملوا به ، بل وحكموا بصحّته. ولا دليل على وجوب كون الخبر في الأربعة ، وأنّه لو لم يكن لم يكن حجّة ، إذ أدلّة الحجّية عامّة والمخصّص غير موجود قطعا ، بل المدار على ظنّ المجتهد واعتماده.
وبعد ما أشرنا ، لم يبق للتأمّل مجال في الظنّ والاعتماد ، وقد حقّقنا في التعليقة عدم اشتراط أزيد من هذا (٢) ، بل لم نجد أحدا اقتصر على أخبار من نصّ على توثيقه ولم يتعدّ ، مع أنّا قد أشرنا إلى استفادة توثيق زيد.
على أنّا نقول : ما ورد في الأربعة شاهد لهذا الخبر بحسب السند ، وهو شاهد له بحسب الدلالة ، ويكفي هذا القدر من القرينة ، إذ لا يجب أن تكون قطعيّة ، ولا أن تكون بحيث يدلّ على اعتبارها بخصوصها إجماع أو سنّة أو كتاب ، وعدم
__________________
(١) رجال النجاشي : ١٧٤ الرقم ٤٦٠.
(٢) تعليقات على منهج المقال : ٤.
الذكر في كتب الاستدلال منشؤه عدم العثور ، إذ لا شكّ في أنّه خير من القياس الّذي حرمته من ضروريّات المذهب ، بل وهو فاسد ، والعمل بمثله حرام عند أهل السنّة أيضا.
وكم من روايات في الأربعة تركوها في مقام الاستدلال ، بل وربّما كانت صحيحة في اصطلاحهم ، ذكرت قدرا منها في حواشينا على « المدارك » ، و « الذخيرة » وغيرهما.
قوله : [ ما يدلّ على حلّ النبيذ الغير المسكر كثير ] ، مثل رواية أيّوب بن راشد ، قال : سمعت أبا البلاد (١) .. إلى آخره (٢).
فيه ، أنّ غاية ما يستفاد أنّ الحلال هو ما ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ ، لا مطلقا ، بل ربّما يشعر بحرمة هذه الصورة ، فتأمّل!
قوله : قيل : الأولى الاستدلال على تحريمه ب ( الْخَبائِثَ ) (٣) ، لأنّ مطلق الدم مقيّد بالدم المسفوح في قوله ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (٤) ، وأنت تعلم أنّ المطلق إنّما يحمل على المقيّد ، على تقدير المنافاة ، ولا منافاة بين الآيتين إلّا باعتبار مفهوم الصفة (٥).
قد ورد في غير واحد من الأخبار أنّ الطحال حرام ، من جهة كونه دما (٦) ، ويظهر منها ـ ظهورا تامّا ـ أنّ الدم حرام مطلقا ، ولا يتقيّد بالمسفوح قطعا ، فتدبّر.
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٤١٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٢٧٤ الحديث ٣١٨٩٦.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٠٤.
(٣) الأعراف ٧ : ١٥٧.
(٤) الأنعام ٦ : ١٤٥.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢١٠.
(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٠٠ الباب ٤٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
قوله : [ فلو قيل به ] وبتخصيص العام بالمفهوم ، ليتمّ الحمل ، ولكن ليس مفهوم الحجّة (١) ، وعلى تقديرها في التخصيص [ به بحث ] .. إلى آخره (٢).
وعلى تقدير الحجّية لا عموم له ، كما قاله المعظم في مفهوم الشرط (٣) ، فهذا أولى بالمنع ، فلعلّ القيد لإخراج ما يستخلف
في اللحم ، لأنّه لم يسفح ، فتدبّر!
قوله : ولكن يمكن أن يكون تحريم مطلق الدم بعد نزول الحصر (٤) ، كما يجاب به عن كثير من المحرّمات ، على أنّ المنافاة حينئذ موجودة مع آية الخبائث ، فما يجاب به يجاب حينئذ ، فتأمّل .. إلى آخره (٥).
يظهر من كثير من الأخبار عدم النسخ ، وبقاء الآية بحالها ، منها : ما ورد في الجرّي (٦) ، وفي الحمر الأهليّة (٧) ، وفي الغراب (٨) ، وغير ذلك ، لكن التأمّل في حجّيتها ، وإن كانت صحاحا ، لترك العمل بها ، وخروج القدر الّذي لا يرضى به المحقّقون في مقام التخصيص ، واستشعار التقيّة ، فليلاحظ!
في الجامدات
قوله : في « القاموس » : ( الطين معروف ، والطينة [ ال ] قطعة منه ، وتطيّن
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( لكن ليس مفهومها بحجّة ) ، وفي نسخة : ( لكن ليس مفهومها الحجّة )
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢١٠.
(٣) لاحظ! معالم الأصول : ٧٧ ، الوافية في أصول الفقه : ٢٣٢.
(٤) الأنعام ٦ : ١٤٥.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢١٠.
(٦) وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٣٠ الباب ٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
(٧) وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١١٧ الباب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
(٨) وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢٥ الباب ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
تلطّخ به ) (١) ، وتؤيّده صحيحة معمّر بن خلّاد ، عن أبي الحسن عليهالسلام ، قال : « قلت له : ما يروي الناس بالطين وكراهيّته (٢)؟ قال : إنّما ذاك المبلول ، وذاك المدر » (٣) ، وهذه تدلّ على أنّه بعد اليبوسة أيضا حرام .. إلى آخره (٤).
لا يخفى على المتتبّع في الأخبار والفتاوي أنّ المراد من الطين في المقام هو القطعة من المدار ، بل وأعمّ منه ومن التراب. إن عمّ لا يعتبر فيه وجود الماء ، كما هو الحال في المستثنى ، أي طين قبر الحسين عليهالسلام ، أو طين الأرمني.
وبالجملة ، لا شكّ في أنّ المراد منه الأجزاء الأرضيّة من غير اعتبار ماء فيه أصلا ورأسا ، وعلى فرض وجود الماء فيه فمعلوم أنّه لا دخل له في الحرمة أصلا ، وينبّه على ما ذكرنا حكاية الإضرار (٥) ، وكون آدم خلق من الأرض ، فحرم عليه أكلها (٦) ، وأمثال ذلك.
وكذا ما ورد من حدّ طين قبر الحسين عليهالسلام (٧).
ومقتضى الأخبار والفتاوي أنّ التراب كلّها حرام (٨). نعم ، التراب الممزوج بالماء في مثل شطّ الفرات حلال طاهر (٩) ، لأنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا يشربون ، وكذا المسلمون جميعا في الأعصار والأمصار كانوا يشربون من بطن الشطوط ، مع
__________________
(١) القاموس المحيط : ٤ ـ ٢٤٧.
(٢) كذا ، وفي المصادر : ( في أكل الطين وكراهيّته ).
(٣) الكافي : ٦ ـ ٢٦٦ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٢٠ الحديث ٣٠٣٨٦.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٣٤.
(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٢٠ الأحاديث ٣٠٣٨٧ و ٣٠٣٩١ و ٣٠٣٩٢ و ٣٠٣٩٨.
(٦) الكافي : ٦ ـ ٢٦٥ الحديث ٤ ، المحاسن للبرقي : ٢ ـ ٣٨٧ الحديث ٢٣٦٨ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٢١ الحديث ٣٠٣٩٠.
(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٢٧ الحديث ٣٠٤٠٣.
(٨) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ ـ ١٣٤ ، المهذّب البارع : ٤ ـ ٢١٩.
(٩) في د ، ه : ( حلال ظاهرا ).
أنّه بعد ما ترك في الحباب وغيرها ويصفو يبقى أجزاء أرضيّة كثيرة تحت الماء ، سيّما في أيّام الربيع ، وزيادة الماء من جهة الأمطار والثلج وغيره.
على أنّه روى الكليني في الصحيح عن معمّر الثقة ، عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « قلت : ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيّته؟ قال : إنّما ذاك المبلول ، وذاك المدر » (١).
وفي « الوافي » ـ بعد نقله ـ قال : ( وكأنّه أراد بحصرها في الطينين إخراج غيرهما ممّا يستهلك في الدبس ونحوه ) (٢).
لكن ، الظاهر أنّه إذا كان مطرا يكون حراما ، وربّما كان الإضرار بالإكثار من الشرب أو بغاية كثرة التراب فيه ـ كما هو المشاهد المحسوس ـ يتولّد من شربه أمراض المثانة والكلية والكبد ، والحصى فيها.
نعم ، ربّما يوجب التنزّه عنه الحرج في الدين والعسر ، بل وربّما يصل إلى ما لا يطاق.
وممّا ذكر ظهر حال التراب في الحنطة ونحو ذلك.
وكيف كان ، الأحوط الاجتناب في القدر العادي أيضا ، إلّا أن [ لا ] يمكن ، أو يلزم الحرج الشديد ، والله يعلم.
قوله : قال : يحرم على الناس أكل لحومهم ، ويحلّ لهم أكل لحومنا .. إلى آخره (٣).
وفي « الغوالي » : وروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « من أكل من تربة
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٢٦٦ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٢٠ الحديث ٣٠٣٨٦.
(٢) الوافي : ١٩ ـ ١٣٤ ذيل الحديث ١٩٠٨٧.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٣٧ ، وهي قطعة من رواية الحسن بن فضّال : تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٧٤ الحديث ١٤٥ ، وسائل الشيعة : ١٤ ـ ٥٢٨ الحديث ١٩٧٥٢.
الحسين عليهالسلام لأجل الشفاء أزيد من قدر الحمّصة ، فكأنّما أكل من لحومنا » (١) الحديث.
قوله : وهل يستثني غيرها ، مثل الطين الأرمني ، والطين المختوم للشفاء؟ فإنّهما ذكرتا في الطبّ علاجا لبعض الأمراض ـ مثل الإسهال ـ وهو مبني على تجويز الشفاء بالمحرّم ، على تقدير تحريمهما ، وسيجيء ذلك (٢).
لا يخفى أنّ إلقاء هما في الماء لا مانع فيه أصلا ، ومع ذلك ورد في طبّ الأئمّة عليهمالسلام بسنده عن الباقر عليهالسلام : « إنّ رجلا شكى إليه الزحير ، فقال له : خذ من الطين الأرمني ، وأقله بنار ليّنة (٣) واستفّ منه ، فإنّه يسكن عنك » (٤).
وعنه عليهالسلام في الزحير : « يأخذ جزءا من خربق أبيض (٥) ، وجزءا من بذر [ ال ] قطونا ، وجزءا من صمغ عربي ، وجزءا من الطين الأرمني يقلّى بنار ليّنة ، ويستفّ منه » (٦).
وفي « مكارم الأخلاق » للطبرسي ، عن الصادق عليهالسلام : « سئل عن طين الأرمني يؤخذ للكسير والمبطون ، أيحلّ أخذه؟ قال : لا بأس به ، أما أنّه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين عليهالسلام خير منه » (٧).
قوله : وفي حديث آخر مكان « الحياء » « الجلد » (٨) ، قال في الشرح :
__________________
(١) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٣٨ الحديث ١٣٠.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٣٧.
(٣) في طبّ الأئمّة : ( وقلّيه بنار ليّنة ) ، وما هنا موافق لما في وسائل الشيعة.
(٤) طبّ الأئمّة : ٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٣٠ الحديث ٣٠٤٠٨.
(٥) في طبّ الأئمّة : ( خزف أبيض ) ، وما هنا موافق لما في وسائل الشيعة.
(٦) طبّ الأئمّة : ٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٣٠ الحديث ٣٠٤٠٩.
(٧) مكارم الأخلاق : ١٦٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٣٠ الحديث ٣٠٤١٠.
(٨) إشارة إلى الحديث المنقول عن الصدوق ، وقد نقله عن الصدوق : مختلف الشيعة : ٦٨٢ ، ونقله عن المقنع : وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٧٦ الأحاديث ٣٠٢٧٩ ـ ٣٠٢٨١. بيد أنّ الصدوق ذكره في : من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١٩ الحديث ١٠١٠ ، الخصال : ٤٣٣ الحديث ١٨ ، المقنع : ٤٢٥ بدون أن يذكر عبارة : ( وفي حديث آخر مكان « الحياء » « الجلد » ) كما نقله عنه مختلف الشيعة ووسائل الشيعة.
( قلت : قال أهل اللغة : الحياء ـ بالمدّ ـ رحم الناقة ، وجمعه أحيية ، ولعلّ الصدوق أراد به ظاهر الفرج ، وبالرحم باطنه ) ، ثمّ كلامه ليس نصّا على التحريم .. إلى آخره (١).
ومن هذا حكم شيخنا الحرّ بحرمة الجلد من كلّ ذبيحة ، حتّى جلد الرأس والرجل واليد ، وحتّى جلد الطيور (٢) ، وهذا في غاية الغرابة ، لعدم ورود الجلد في حديث من أحاديث الكتب الأربعة الّتي هي العمدة ، مع أنّ الّذي يظهر من تلك الأحاديث هو الحلّ بلا شبهة ، لاتّفاقها على حصر المحرّم في أشياء معدودة معروفة ، وليس الجلد منها قطعا.
مع أنّ في هذه الرواية المجهولة ذكر الجلد مكان الحياء ، يعني لم يذكر فيها الحياء ـ الّتي لا شكّ في حرمتها بملاحظة الأخبار (٣) والإجماعات والفتاوي (٤) ـ وذكر مكان الحياء الجلد ، فظهر ظهور.
أمّا أنّ المراد من الجلد هو الفرج والحياء ، لأنّه أحد معاني الجلد ، وقوله تعالى : شهد عليهم جلودهم (٥) لا شبهة في كون المراد من الجلود فيه هو الفروج ،
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٣٨.
(٢) لاحظ! بداية الهداية : ٢ ـ ٣١٤ ، فقد عدّ رحمهالله من محرّمات الذبيحة الجلد ولم يفصّل.
(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٧١ الأحاديث ٣٠٢٦٧ و ٣٠٢٦٨ و ٣٠٢٧٢ و ٣٠٢٧٤ و ٣٠٢٧٩.
(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٦٨٢ ، المهذّب البارع : ٤ ـ ٢١٧.
(٥) إشارة إلى قوله تعالى ( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ ). السجدة (٤١) : ٢٠.
كما ورد التفسير بذلك صريحا (١) بحيث لا يبقى [ شكّ ] ، والفصحاء في مقام الحياء ربّما لا يذكرون لفظ الفرج والحياء ، بل يذكرون لفظ الجلد ، فلو كان المراد من الجلد غير ما ذكرنا لزم مفاسد كثيرة ، ظهر بعضها ممّا ذكر.
وممّا ينادي بذلك ، الأخبار المتواترة على حلّية الطيور والسمك بعد الآيات القرآنيّة ، ومن الضروريّات العادية عدم سلخ هذين الصنفين وطبخهما مع الجلد ، بحيث لا يبقى على النساء تأمّل في ذلك ، فضلا عن الرجال [ ف ] هذا عندهم من [ قبيل ] كون صلاة الظهر ـ مثلا ـ أربع ركعات.
فمن الأخبار المتواترة وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، مع كثرة وعام البلوى (٢) صار من اليقينيّات ، بل والبديهيّات ، بحيث لا يمكن إنكاره إلّا من مكابر ، بل غير خفيّ أنّهم في الأعصار والأمصار كانوا يأكلون الأرجل (٣) والرؤوس أيضا مع الجلد المطبوخ معها.
مع أنّه من المعلومات أنّ الحديث المجهول ليس بحجّة ـ وحقّق في محلّه ـ وأنّه مذهب الشيعة وأهل السنّة سواء (٤) ، فإذا لم يكن حجّة فكيف يقاوم الأدلّة المتقدّمة من الأصول والعمومات المتواترة والأدلّة الواضحة في المقام ، بل منها قطعيّ قطعا ، مع أنّ الصحيح لو كان شاذّا لا يجوز العمل به ، فضلا أن يعارض به اليقينيّات؟! وحكم رحمهالله بحرمة العظم (٥) ، ولم يرد في الأخبار المذكورة ولا الفتاوي منه
__________________
(١) راجع! مجمع البيان : ٥ ـ الجزء الرابع والعشرون ـ ١٤.
(٢) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( مع كثرة وعموم البلوى ).
(٣) في النسخ : ( الإبل ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٤) لاحظ! عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٥ ، الفوائد المدنيّة : ٨٢.
(٥) بداية الهداية : ٢ ـ ٣١٤.
عين ولا أثر. نعم ، إن كان لا يمكن أكله أو يمكن لكن يضرّ ويؤذي يكون حراما جزما من دون تأمّل ، ولعلّ عدم [ ذكر ] الفقهاء لهما لغاية الظهور ، يعني العظام الغير المضرّ [ ة ] اللطيفة لا دليل على حرمتها ، بل مقتضى كلّ واحد من الأخبار والإجماعات والأصول والعمومات حلّها بلا تأمّل.
وحكم بحرمة القرن والظلف أيضا (١). وفيه : أنّهما ليسا من المأكولات بلا شبهة ، ولذا لم يتعرّض لاستثنائهما منهما أحد من الفقهاء كالعظم غير المأكول.
قوله : مع الإرسال سهل بن زياد ، ويدلّ على تحريم سبعة أشياء : رواية أبي يحيى الواسطي ، يرفعه (٢) ، قال : « مرّ أمير المؤمنين عليهالسلام بالقصّابين ، فنهاهم عن بيع سبعة [ أشياء ] من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم ، والغدد ، وآذان الفؤاد ، والطحال ، والنخاع ، والخصي ، والقضيب » (٣). الخبر ، وعدّ فيه آذان القلب من المنهيّ ، وما نعلم القائل به ، بل قيل : إنّه مكروه ، فكأنّ له ولعدم الصحّة [ حمل ] على الكراهة بالنسبة إليها .. إلى آخره (٤).
الإرسال من ابن أبي عمير ، فلا يضرّ من وجوه ، لقبول الأصحاب مراسيله وجعلها كالمسانيد (٥) ، ولكونه ممّا أجمعت العصابة ، ولكونه ممّن لا يروي إلّا عن الثقة ، كما صرّح به الشيخ في « العدّة » (٦) ، مضافا إلى كونها في « الكافي » (٧).
__________________
(١) بداية الهداية : ٢ ـ ٣١٤.
(٢) كذا ، وفي المصدر : ( رفعه ).
(٣) الكافي : ٦ ـ ٢٥٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٧١ الحديث ٣٠٢٦٦.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٤١.
(٥) لاحظ! الفهرست للطوسي : ١٤٢ ، رجال العلّامة الحلّي : ١٤٠.
(٦) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٦.
(٧) الكافي : ٦ ـ ٢٥٤ الحديث ٣.
ويعضدها ما في « الفقيه » (١) ، بل لعلّ ما فيه هو هذه الرواية ، بل لا شكّ في ذلك ، فإنّه روى في كتاب « الخصال » بطريق صحيح إلى ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليهالسلام قال : « لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء : الفرث ، والدم ، والطحال ، والنخاع ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيين ، والرحم ، والحياء ، والأوداج ، أو قال : العروق » (٢) انتهى.
فظهر [ أنّ ] مستنده هو الرواية الصحيحة المذكورة ، فظهر عدم الضرر من جهة سهل بن زياد أيضا.
وأمّا سهل ، فلا ضعف فيه أصلا ، كما حقّقنا في الرجال (٣) ، ولذا لم يطعن عليه الشيخ ولا غيره من القدماء في مقام أصلا ، وقبلوا حديثه ، ولو ردّوا ردّوا من غير جهته البتّة.
ورواية إسماعيل أيضا كالصحيحة ، لأنّ إبراهيم بن هاشم معلوم أنّه كالثقة ، وكذا إسماعيل ، لأنّ القمّيين عملوا برواياته ، وهم كانوا يخرجون عن قم من كان يروي عن غير الثقة ، وفي الظنّ أنّ يونس ساقط من سند الرواية.
ولعلّ الاختلاف في الروايات من جهة أنّ « لا يؤكل » قائل للكراهة (٤) أيضا ، مع أنّه ربّما كان عدم التعرّض من جهة عدم كونه مأكولا كالفرث والعلباء ، إذ لا يتيسّر أكله (٥) ، ولو تيسّر وأمكن لم يكن مأكولا ـ عادة ـ للعرب ، أو من جهة كونه في غاية القلّة والخفاء ، إذ مثل ذلك ربّما لا يحصى في النظر من جهة نهاية
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١٩ الحديث ١٠١٠.
(٢) الخصال : ٤٣٣ الحديث ١٨.
(٣) تعليقات على منهج المقال : ١٧٦.
(٤) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ المراد : ( قابل للكراهة ) ، أو : ( مقول للكراهة ).
(٥) في د ، ه : ( لا يتيسّر أكل العلباء ).
صغره ، فلذا كأنّه لا اعتداد به ، سيّما إذا كان خفيّا ومع [ ذلك ] يكون في الرأس لا الجسد ، فربّما كان مدّ النظر الجسد ، مع أنّ. ضعيف (١).
مع أنّ رواية أبي يحيى (٢) نهي عن البيع ، والقصّاب لا يبيع الرأس ، فضلا عن الخرز والحدق ، إذ لا قيمة لهما أصلا من جهة نهاية الحقارة.
مع أنّ دلالة السبعة على عدم حرمة الزائد بالمفهوم ، ولا يعارض المنطوق ، فلا يعمله العمل روايتي ابن أبي عمير وإسماعيل ، لما ذكرنا.
وعدم التعرّض للمشيمة ، لأنّها قلّ ما يتحقّق ، فالنظر في رواية ابن أبي عمير على الغالب المتعارف ، وفي رواية إسماعيل على غير الغالب أيضا ، مع أنّك عرفت أنّ في طريق الصدوق الصحيحة ذكر الرحم أيضا ، وهو المشيمة ، وسيجيء عن الشارح أنّ الإباحة مذهب العامّة.
قوله : [ للإجماع المنقول ، والنصّ المجبور ضعفه به ] ، ولا ينافي ذلك عدم الحكم بتحريم جميع ما اشتمل عليه ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).
المنافاة ظاهرة ، لأنّ النصّ بعد الانجبار يصير حجّة بلا شبهة ، فلا معنى للاحتجاج ببعضه خاصّة من دون وجود مانع من طرف الأدلّة بالنسبة إلى ما لم يقولوا بحرمته ، فالأصل حرمة كلّ ما تضمّنه ، إلّا أن يخرجه مخرج ، ومع ذلك يحصل الوهن بالنسبة إلى الباقي عند أمثال الشارح ، كما لا يخفى.
قوله : والرواية ضعيفة السند (٤) ، وأنت تعلم أنّه ينفصل من الجرّي أجزاء ،
__________________
(١) كذا في : ألف ، د ، ه ـ ، وهذه العبارة ساقطة من النسخ الأخرى.
(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٥٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٧١ الحديث ٣٠٢٦٦.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٤٢.
(٤) أي : رواية عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام : الكافي : ٦ ـ ٢٦٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٠٢ الحديث ٣٠٣٤٢ ، الدروس : ٣ ـ ٩.
فيحرم وإن كان طاهرا ، ويشكل حال الطحال أيضا ، فتأمّل .. إلى آخره (١).
الرواية موثّقة ، وهي حجّة ، كما حقّق في محلّه (٢) ، سيّما إذا عاضدها المرسلة الّتي نسبها الصدوق إلى الصادق عليهالسلام من دون واسطة (٣) ، إذ هذا ظاهر في ثبوت المضمون عنده بعنوان العلم والاطمئنان ، ويعضدهما الاعتبار ، بلا تأمّل ، لأنّ أجزاء الحرام إذا اختلط بالحلال مزجا وطبخا لا جرم يصير حراما أيضا ، وكذا الجوذاب ، كما هو ظاهر.
ما يحصل به الجلل
قوله : وهو قياس لا نقول به. الثاني : في مدّة حصوله ، وهي المدّة الّتي يقال بالأكل فيها : إنّه حلال (٤) ، ولكنّها غير منضبطة شرعا ولا لغة ولا عرفا (٥).
على تقدير تحقّق الجلل بظهور النتن ، يمكن أن يكون من الخبائث ، ولعلّه كذلك ، لما مرّ في تفسيرها (٦) ، فتأمّل! وعلى غير ذلك التقدير ، إنّما يكون قياسا لو لم يكن للجلّال معنى عرفي أو لغويّ ، أو كان لكن يكون مختصّا بالعذرة ، أمّا لو كان أعمّ فيمكن أن تكون العمومات دليلا.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٤٦.
(٢) لاحظ! مرآة العقول : ٢٢ ـ ٥٩.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١٤ الحديث ٩٩٧.
(٤) كذا في النسخ والمصدر ، والظاهر أنّ المراد : ( إنّه جلّال ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٤٩.
(٦) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٥٦ ـ ١٥٧.
نعم ، صحيحة هشام (١) مخصّصتها (٢) ، فلعلّه لم يعمل بها ، أو بنى على أنّ التعريف ورد مورد الغالب المتعارف ، على تقدير ثبوت كون العذرة حقيقة في الغائط ، فتأمّل! لكن الحقّ ، أنّ المعنى العرفي لا ربط له بالنجاسة الشرعيّة ، فالأظهر الاختصاص بعذرة الإنسان ، إلّا أن يتحقّق خباثة ، والأحوط التنزّه عن الجميع.
قوله : وفي بعض الروايات ما يدلّ على أنّه لا بدّ من كون غذائها ذلك ولم يكن له غذاء غيرها ، وأنّه لا بدّ من الاتّصال ، فلو خلطت لم يحرم ولم تصر جلّالة ، وهي مرسلة موسى بن أكيل ، عن بعض أصحابنا (٣) ، عن أبي جعفر عليهالسلام : « في شاة شربت بولا ثمّ ذبحت ، قال ، فقال : يغسل ما في جوفها ، ثمّ لا بأس به .. » (٤) .. إلى آخره (٥).
في دلالته على ما ذكره نظر ، إذ لا يستفاد غير أنّ ذلك يكون غذاءها ، لا أنّ جميع ما دخل في حلقها من غير المشروبات يكون منحصرا فيها ، بل في الدلالة على انحصار الغذاء فيها أيضا نوع تأمّل ، سيّما وأن يكون الحصر حقيقيّا ، إذ يكفي إطلاق العرف أنّه غذاؤها ، فتأمّل.
مع أنّ صحيحة هشام تفيد ما هو أعمّ من الغذاء ، فضلا عن التمحّض.
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٢٥٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٦٤ الحديث ٣٠٢٤٥.
(٢) في ألف ، ج ، د : ( مخصّصها ).
(٣) كذا ، وفي وسائل الشيعة : ( عن بعض أصحابه ).
(٤) الكافي : ٦ ـ ٢٥١ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٦٠ الحديث ٣٠٢٣٩.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٤٩. وفي حاشية د في مقابل قوله : ( فلو خلطت لم يحرم ) عبارة : ( يمكن أن يقال أنّ مراده من الخلط : خلط الغذاء السابق بالغذاء اللاحق ، وهو الظاهر ، فتأمّل! ). ووردت هذه العبارة في : ب بموضع متأخّر عن هذا المكان ، والظاهر أنّ الأنسب كونها هنا.
وبالجملة ، المستفاد من الصحيحة : الّتي تأكل العذرة ، والمضارع يفيد الاستمرار التجدّدي ، ولعلّه ظاهر في التغذّي لا التمحّض.
وأمّا هذه الرواية ، فعلى تقدير المقاومة سندا لا يستفاد منها ما يقاومها ويعارضها دلالة ، إذ القدر المستفاد بعنوان الوثوق الفرق بين الاعتلاف مرّة أو مرّتين بعنوان الاتّفاق ، كما في صورة الشرب ، إذ الماضي ظاهر في عدم الدوام والاستمرار ، وبين أن يكون غذاء لها ، الظاهر في مداومة ما ، سيّما بملاحظة تركيب العبارة ، أمّا كون غذائها محض ذلك فلا.
وأمّا مرسلة ابن أسباط (١) ، فظاهرها استمرار الخلط وكون ذلك هو العادة والديدن ، لا أنّه وقع خلط نادر أو اتّفاقا ، بل لعلّ الّتي لم يتحقّق منها خلط بالمرّة لم يتحقّق عادة ، ولو تحقّق ففي غاية الندرة ، وحمل الأخبار الكثيرة عليه فيه ما لا يخفى.
وبالجملة ، على تقدير العمل بالمرسلتين (٢) ، فالظاهر الاكتفاء بالتغذّي المحض العرفي ، بحيث يطلق عليه أنّها غذاؤها ، وأنّ الغذاء غير مخلوط ، ولعلّه مراد الفقهاء رحمهمالله أيضا ، فتأمّل.
وحينئذ ، لا حاجة إلى تعيين المدّة ، بل يحال إلى العرف كسائر ما يحال إليه ، فإنّ الحال واحد ، والمدار على صحّة الإطلاق عندهم ، فتأمّل.
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٢٥٢ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٦٤ الحديث ٣٠٢٤٧.
(٢) أي مرسلتي موسى بن أكيل وعلي بن أسباط آنفتي الذكر.
أحكام المحرّمات
قوله : « .. وإنّما يكره أن يؤكل سوى الأنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب ، لأنّهم لا يتوقّون الميتة والخمر » (١) ، وهي ضعيفة بإسماعيل بن مرّار ، وكأنّه يونس بن عبد الرحمن (٢) ، وفيها ما يخالف الظاهر من المذهب ، فتأمّل (٣).
لا يخفى أنّ القمّيين قالوا : روايات يونس كلّها مقبولة صحيحة ، سوى ما رواه محمّد بن عيسى عنه (٤) ، وهذا ينادي بأنّ روايات إسماعيل بن مرّار عنه وروايات صالح بن السندي عنه كلّها مقبولة صحيحة ، لأنّهما يكثران الرواية عن يونس غاية الإكثار ، بل رواياته (٥) كلّها مرويّة منهما ، ومن محمّد بن عيسى إلّا ما شذّ ، ومحمّد بن عيسى ـ مع كونه ثقة ـ لم يرضوا برواياته ، ورضوا برواياتهما ، وأمّا يونس فلا شكّ في كونه ابن عبد الرحمن.
قوله : ويدلّ (٦) على حكم البيضة : فقط ضعيفة غياث بن إبراهيم (٧) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « في بيضة خرجت من أست دجاجة ميتة ، قال : إن كانت
__________________
(١) من رواية يونس : الكافي : ٦ ـ ٢٥٧ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٧٩ الحديث ٣٠٢٨٧.
(٢) كذا ، وفي المصدر : ( وكأنّ يونس هو ابن عبد الرحمن ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٦٦.
(٤) لاحظ! رجال النجاشي : ٣٣٣ ، منهج المقال : ٣١٣.
(٥) في النسخ : ( بل روايات ) ، والصحيح ما أثبتناه.
(٦) كذا ، وفي المصدر : ( وتدلّ ).
(٧) في المصدر : ( ضعيفة غياث بن إبراهيم به ).
اكتست (١) الجلد الغليظ فلا بأس بها » (٢) ، وقيّدها (٣) ما في رواية زرارة المتقدّمة من عدم البأس بمطلق البيض (٤) ، ويفيد (٥) عدم أكلها بما إذا لم تكتس القشر الأعلى .. إلى آخره (٦).
السند صحيح إلى غياث ، وهو ثقة عند « النجاشي » (٧) ، وإن قال الشيخ : إنّه بتري (٨) ، والظاهر أنّه توهّم ، وإلّا فالروايات الصادرة عنه ، الصريحة في كون الأئمّة اثني عشر ، تسعة منهم من آل الحسين عليهمالسلام تاسعهم قائمهم ، وأمثال هذه الروايات عنه كثيرة (٩).
و « النجاشي » أضبط من الشيخ بلا شبهة ، مع أنّ « النجاشي » زاد على توثيقه بأنّه روى كتابه جماعة من الأصحاب ، مع أنّ الّذي وجدنا أنّه يروي عنه ابن أبي عمير وصفوان ممّن لا يروي إلّا عن ثقة ، على ما نصّ عليه الشيخ في « العدّة » (١٠) ، ويروي غيرهما أيضا من المشايخ ، وقد حقّقنا في الرجال هذا
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( إن كانت كست البيضة ) ، وفي الكافي : ( إن كانت البيضة اكتست ) ، وفي الوسائل ( إن كانت اكتست البيضة ).
(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٥٨ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٨١ الحديث ٣٠٢٩١.
(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وقيّد بها ).
(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١٦ الحديث ١٠٠٦ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٧٦ الحديث ٣٢٤ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٨٢ الحديث ٣٠٢٩٥ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٢٢.
(٥) كذا ، وفي المصدر : ( ويقيّد ).
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٦٦ ـ ٢٦٧.
(٧) رجال النجاشي : ٣٠٥.
(٨) رجال الشيخ الطوسي : ١٣٢.
(٩) لاحظ! عيون أخبار الرضا : ١ ـ ٦٠ الحديث ٢٥ ، بحار الأنوار : ٣٦ ـ ٣٧٣ الحديث ٢.
(١٠) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٦.
المعنى (١) ، فلاحظ.
فالرواية صحيحة بلا شبهة ، مع أنّ الظاهر من « عدّة الشيخ » أنّ الشيعة مجمعة على العمل بروايات غياث ومن ماثله عنده من العامّة (٢).
قوله : وما في رواية أبي حمزة الثمالي ـ الطويلة (٣) ـ عن أبي جعفر عليهالسلام : « سأله قتادة البصري عن الجبن ، فقال عليهالسلام : لا بأس به ، فقال : إنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميّت! قال عليهالسلام : ليس بها بأس » (٤) .. إلى آخره (٥).
يظهر من هذه الرواية أنّ الإنفحة ليس فيها روح وحياة ، ولهذا استقصي.
قوله : إذا كان الاشتباه في المحصور ، وللرواية (٦) الّتي ينقلونها أنّه قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما اجتمع الحلال والحرام إلّا غلب الحرام الحلال » (٧) ، ولأنّه يجب الاجتناب عن المحرّم ، وما يحصل إلّا باجتناب الكلّ .. إلى آخره (٨).
هذه الأدلّة منه إنما هي فيما إذا خلط ، أمّا لو كان قطعة واحدة من لحم لا يدري أنّه ميتة أم مذكّى ، فدليله أصالة عدم تحقّق التذكية الشرعيّة ، لكن سيجيء الحديث الدالّ على الامتحان (٩).
__________________
(١) تعليقات على منهج المقال : ٣٥٦.
(٢) لاحظ! عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٠.
(٣) لم ترد في المصدر : ( الطويلة ).
(٤) الكافي : ٦ ـ ٢٥٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٧٩ الحديث ٣٠٢٨٦ ، ولفظ الحديث في مجمع الفائدة والبرهان مغاير لما في المصادر.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٦٨ ، مع اختلاف.
(٦) كذا ، وفي المصدر : ( في المحصورة ، للرواية ).
(٧) عوالي اللآلي : ٢ ـ ١٣٢ الحديث ٣٥٨ و ٣ ـ ٤٦٦ الحديث ١٧ ، مستدرك الوسائل : ١٣ ـ ٦٨ الحديث ١٤٧٦٩.
(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٧١.
(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٧٤ ، وسيشير إليه المحشّي في الصفحة ٧١٩ ـ ٧٢٠.
والمختلط أيضا على قسمين ، قسم اشتبه الحلال منه بالحرام ، وقسم مزج الحرام بالحلال ، والثاني حرام جزما ، لوجوب التجنّب (١) عن الحرام ، والأوّل ربّما قيل أيضا.
قوله : صحيحة ضريس الكناسي الثقة ، قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم ، فآكله (٢)؟ فقال : أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله (٣) ، وأمّا ما لم تعلم فكله حتّى تعلم أنّه حرام » (٤) فيه تأمّل ، فتأمّل. والأصل والعمومات وحصر المحرّمات يرجّح الحلّ ، مع أنّه يمكن قراءة « الحرام » منصوبا ، ليكون مفعولا وموافقا لغيرها .. إلى آخره (٥).
يظهر أنّ هذا في غير المحصور ، وربّما كان الأوّل (٦) أيضا كذلك ، لظهور حلّية الجميع من دون استثناء لقدر النصّ من الحرام ، فإنّ الآكل للجميع يعلم يقينا بأكل الحرام ، بخلاف غير المحصور ، فإنّه لا يحصل العلم بأكل الحرام بعنوان اليقين لشخص واحد ، بل يعلم أنّ الجميع أكلوا الجميع ، ولا ضير فيه ، فتأمّل!
قوله : ولكن العمل بها مشكل ، لضعفها .. إلى آخره (٧).
يمكن أن يقال : الضعف منجبر بعمل الأصحاب ـ أي المشهور ـ ، بل الشهيد
__________________
(١) في ألف : ( البحث ).
(٢) كذا ، وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة : ( أنأكله ) ، وفي مجمع الفائدة والبرهان : ( لا نأكله ).
(٣) كذا ، وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة : ( فلا تأكل ) ، وما هنا موافق لما في مجمع الفائدة والبرهان.
(٤) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٧٩ الحديث ٣٣٦ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٣٥ الحديث ٣٠٤٢٤.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٧٢.
(٦) أي صحيحة عبد الله بن سنان : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٨٧ الحديث ٢٢٠٥٣.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٧٤.
في « الدروس » قال : ( يكاد أن يكون إجماعا ) (١).
أقول : ويعضده أنّ « الكافي » رواه (٢) ، مع أنّه قال في صدره ما قال ، وابن إدريس ، وأمثاله من القدماء الّذين لا يقولون بحجيّة خبر الواحد عملوا به (٣).
قوله : [ محلّ التأمّل ] ، لما علم من الرواية (٤) العلّة ، وهي حصول العلم بتعيين أحدهما ، وهو أعمّ [ من المطروح والمشتبه بالميتة ] .. إلى آخره (٥).
ليس فيها من حصول العلم عين ولا أثر. نعم ، حكم فيها بالحلّية بالانضباط والحرمة بالانبساط ، ولعلّ الغالب في المذكّى الانقباض وفي الميتة الانبساط ، وكثيرا ما يكون بناء الشرع في المشتبهات على مراعاة ما هو الغالب ، مثل معرفة الحيض والاستحاضة والنفاس والمني وغير ذلك.
قوله : فإنّ الأخبار بعدم الانتفاع بجلد الميتة كثيرة (٦) .. إلى آخره (٧).
والأقرب الحمل على التقيّة ، لأنّ العامّة يقولون بالطهارة والاستعمال إذا دبغ.
قوله : فإنّ الظاهر مع العلم ـ بل مع الظنّ أيضا ـ بعدم الرضا والنهي لا يجوز ، للجميع بينها وبين سائر الأدلّة ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٨).
__________________
(١) الدروس الشرعيّة : ٣ ـ ١٤.
(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٦١ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٨٨ الحديث ٣٠٣١٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٧٤.
(٣) لاحظ! السرائر : ٣ ـ ٩٦ ، الغنية ـ المطبوع مع الجوامع الفقهيّة ـ : ٥٥٧.
(٤) أي رواية شعيب ، المشار إليها في الهامش ٢ من هذه الصفحة.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٧٤.
(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٨٤ الباب ٣٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٠٣.
(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٠٥.