حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

فالروايات الكثيرة متّفقة في المنع ، وإنّما ادّعينا ظهور ذلك منه لأمور :

الأوّل : مفاد قوله : « الثمرة المسماة من أرض » (١) أنّ تعيينها إنّما وقع بهذا القدر لا أزيد منه ، وأين هذا من تعيين الشجرة وتشخيصها؟! الثاني : صريح قوله : « فتهلك » أنّ الثمرات بأجمعها ليست مبيعا ، وظاهر قوله : « ثمرة تلك الأرض كلّها » عدم كون المبيع ثمرة شجرات بعينها وشخصها ، إذ يلزم منه كون ذلك الكلام بأجمعه لغوا لا فائدة فيه للمقام أصلا ، لعدم مدخليّة هلاك غير المبيع في السؤال والإشكال ـ حينئذ ـ أصلا ، لأنّ العبرة إنّما هي بهلاك المبيع المعيّن.

الثالث : إنّ الظاهر من قوله : « قال : وسئل عن الرجل .. إلى آخره » وقوع هذا السؤال عقيب السؤال الأوّل ، فبعد نهيه عليه‌السلام الصريح وتعليله عدم البأس بما علّل ، كيف يبقى مجال لهذا السؤال؟! فإن قلت : لعلّ سؤالهم كان عن صحّة المنهي عنه ، وفساده ، وكيفيّة العلاج ، على فرض الوقوع والهلاك.

قلت : هذا فاسد ، إذ معلوم أنّ سؤال الرواة ، عن أمثال هذه المعاملات إنّما يكون غرضهم معرفة الصحّة والفساد والسلطنة الشرعيّة في الدنيا ، لا أنّه هل فيها ثواب أم لا! عقاب أم لا! ولذا إذا كانوا يجابون بالمنع كانوا يفهمون عدم الصّحة من جهة قرينة سؤالهم ، وإن كانوا ربّما يفهمون الحرمة أيضا معه ، ولذا لم يعهد من أحد منهم في مقام من المقامات السؤال عن الصحّة والفساد بعد ما سمعوا المنع عن المعاملة ، وما ذكرنا ظاهر على المتتبّع جزما.

مع أنّ تعليلهم عدم البأس في المقام ـ بما علّلوا ـ ظاهر في أنّ ذلك للصحّة ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٥ الحديث ٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٠ الحديث ٢٣٥١٢.

١٤١

لا لترتّب الثواب مثلا ، وهذا أيضا ظاهر.

وأيضا ، لو كان مراد السائل في السؤال الثاني ما ذكرت ، لكان يسأل على نحو ما ذكرت ، لا على نحو ما سأل ، ويطول الكلام ويغيّر تعبير المرام ، ويبدّل المقام إلى غير المقام.

الرابع : حصول التناقض في صدر الحديث وذيله لو كان المراد ما ذكره الشارح ، والجمع بالحمل على أنّ المراد من الصدر الكراهة لا يرفع الحزازة ، لما عرفت من أنّ مراد السائلين في مبحث المعاملات إنّما هو الأمر الدنيوي لا الثواب الأخروي على حسب ما ذكرناه ، ولأنّ التعليل لا يناسب الكراهة كما لا يخفى على المنصف ، ولأنّه لا يناسب التشديد الشديد من أوّل الأمر ثمّ القول بعدم البأس ، وأنّ النهي لم يقع عنه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بل وقع بالقياس إلى جماعة خاصّة وفيهم ، وبالنسبة إليهم لعلّة خاصّة ، وأنّ ذلك لأجل خصومتهم فقط.

مع أنّ السائل في السؤال الأوّل لم يتعرّض لذكر الجماعة المعاملين أصلا ، وأنّهم من هم ، وأنّه يقع منهم خصومة أم لا ، فضلا عن أن يقولوا : ما كان المعامل يترك الخصومة ، وأمثال ذلك.

وممّا ذكر ، ظهر أنّ قوله عليه‌السلام : « نهاهم عن ذلك البيع .. إلى آخره » (١) لا ظهور له فيما ذكره الشارح ، بناء على أنّ الفقهاء لم يذكروا كراهة السلف قبل البلوغ ، وذلك لأنّ النهي لم يكن عن السلف بل ولا عن المعاملة ، بل لجماعة خاصّة من جهة خاصّة ، ومثل ذلك لا يتعرّض الفقهاء [ له ] ، بل كثير من المواضع يظهر من حديث كراهة شي‌ء أو استحبابه ولا يتعرّض الفقهاء لهما ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٥ الحديث ٣٦٤ ، الاستبصار : ٣ ـ ٨٧ الحديث ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٠ الحديث ٢٣٥١٢.

١٤٢

مع أنّ المعتبر عند الفقهاء وجود المبيع في البيع الحالّي وعموم وجوده في السلف ، فإن كان المراد من هذا البيع الكلّي هو السلف فلعلّ أرض كذا كان عام الوجود ولذا لم يحرم ، أو البيع الحالّي بعد وجود الثمر قبل بلوغه ، وهذا هو الأظهر من الرواية ، وكذا غيرها من الروايات ، إذ بعضها (١) يدلّ على الجواز بعد الوجود وقبل البلوغ ، وبعضها على المنع ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ هو أيضا ] موافقا للشيخ ، فكيف يتحقّق الإجماع؟ .. إلى آخره (٢).

مخالفة ما ذكره في « التهذيب » و « الاستبصار » (٣) للإجماع محلّ نظر ، بعد أن يكون في كتب فتاويه رجع عن ذلك ولم يقل به.

وأمّا الصدوق رحمه‌الله ، فقد ذكر عدم ظهور المخالفة (٤) ، مع أنّه مخالفة كلامهما في خصوص كتاب ـ لما ذكره من الإجماع ، وكونه مضرّا في تحقّقه ـ محلّ نظر ظاهر ، بل ربّما قيل : إنّ ما ذكره الشيخ في الكتابين في مقام ليس مذهبا له ، فتأمّل.

قوله : [ غير معلوم ] فلا يجوز بيعه ، فقد يقال : إنّه قد جوّز في الرواية [ وليس بمعدوم بالكلّية ] .. إلى آخره (٥).

قد عرفت عدم التجويز ، ومعلوم أنّه معدوم بالكلّية ، فيكون داخلا في بيع الغرر المنهي عنه.

وأمّا الجواز مع التعدّد ـ على تقدير الصحّة ـ فالفرق واضح ، لأنّه أقرب إلى الحصول ، بل وبعيد غاية البعد عدمه ، كما ورد التعليل به في الرواية.

__________________

(١) في النسخ : ( أو بعضها ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨ ذيل الحديث ٣٧٥ ، الاستبصار : ٣ ـ ٨٨ ذيل الحديث ٣٠١.

(٤) في د ، ه : ( مخالفته ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٠.

١٤٣

قوله : وإذا صرّحت (١) في الرواية [ فلا مجال للردّ بمثله ] .. إلى آخره (٢).

الرواية إذا خالفت الأصل والقاعدة الثابتة شرعا لا يجوز تخصيصهما بها ، إلّا إذا قابلتهما وقاومتهما ، لأنّ ذلك من باب تخصيص العام فيعتبر فيه ما يعتبر فيه ، سيّما مع ما ورد في النصوص بأنّ الخبر الّذي خالف السنّة مردود ، وأنّه يعرض على سائر الأحكام الشرعية فإن شابهها فيقبل ، وإلّا فيرد (٣).

هذا ، مع أنّ القاعدة من الخبر المتواتر أو المقطوع بعمله المتّفق عليه من نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (٤) ، وغير ذلك ممّا مرّ ، والرواية ليست مقبولة ومعمولا بها إلّا عند شاذّ من الأصحاب ، وإن كانت صحيحة ، فالمقابلة والمقاومة مشكلة ، سيّما مع معارضتها لأخبار خاصّة ، موافقة للأصل والقاعدة ، وانجبرت واعتضدت بعمل الأصحاب إلّا من شذّ.

هذا ، على تقدير وجود الشاذّ ، ومع ذلك قد عرفت رجوعه ـ على تقدير قوله به ـ ، وادّعوا الإجماع على عدم الجواز.

هذا كلّه ، على تقدير دلالة الرواية ، وقد عرفت الكلام فيها ، فتأمّل.

قوله : [ إلّا أن يكون ] المراد بالتبعيّة أن لا يذكر ولا يسمّى في المبيع ، ويكون ذلك داخلا [ في الضمن ] .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ ما هو المقصود بالتبع لا يضرّ جهالته وإن ذكر حين البيع ، مع أنّه لا فرق بين الذكر وعدمه بعد القطع بكونه مقصودا ، ولا شكّ في كونه مقصودا ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( صرّح ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٠.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٤) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٨ الحديث ١٧ ، مسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٤٩٧ الحديث ٢٧٤٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٢.

١٤٤

فالدلالة الالتزامية كافية ، وأدلّة عدم جواز الجهل في العوضين غير شاملة له ، لأنّ الإجماع غير متحقّق ، بل لعلّ الإجماع على خلافه ، ولا ضرر ولا غرر ولا سفه.

مع أنّه لو كانت شاملة لم يتحقّق البيع في الأشجار والبيوت ، والحمامات والخانات ، والخضر والزروع وأمثال ذلك ، ولا شكّ في تحقّقه فيها بالإجماع والنصوص ، بل والضرورة من الدين ، فتأمّل.

وممّا ذكر ظهر فساد ما ذكره رحمه‌الله ، فتدبّر.

قوله : ووجه الحمل على الكراهة ما تقدّم من الجمع بين الأدلّة ، وصراحة الكراهة .. إلى آخره (١).

لا يخفى عدم الصراحة ، لظهور كون المراد الكراهة اللغويّة ، فلا يعارض الأخبار الواضحة الدلالة على المنع والإجماعات ، مع أنّك بملاحظة الأخبار وغيرها لا يبقى لك تأمّل في بقاء الكراهة بعد الطلوع أيضا قط ، بل وشدّة الكراهة ، لو سلّمنا عدم الحرمة.

فظهر أنّ المراد منها فيها الحرمة ، بل عرفت عدم تأمّل الشيخ أيضا فيها قبل الطلوع ، فتأمّل جدّا.

قوله : أن يكون المراد العام الواحد .. إلى آخره (٢).

لا وجه لمناقشة بعد الصحّة والفتاوي وتقديم الخاص ، المسلّم عنده أيضا.

قوله : [ لا دليل على الجواز ] بشرط القطع بخصوصه .. إلى آخره (٣).

الظاهر أنّ مراد من يقول بشرط القطع ، أن يكون المقطوع فيه نفع معتدّ به عند العقلاء ، بحيث يخرج عن السفاهة والغرر والضرر ، لأنّ ذلك شرط مطلقا ، بل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٤.

١٤٥

صرّح في « التنقيح » بما ذكرنا (١) ، بل هو من الظهور بحيث لا يحتاج إلى ذكر في المقام ، بل بعد ما ذكره بقوله : ( بل في البعض .. إلى آخره ) (٢) لا وجه لهذا الإيراد أصلا ورأسا.

قوله : [ أحد المجوّزات للبيع ] عند المانع بعد الظهور .. إلى آخره (٣).

قد عرفت أنّ مذهب الشيخ في « التهذيب » هو هذا بلا تأمّل (٤).

قوله : فقول شارح « الشرائع » : ( واكتفى الأكثر به ، لصحّة دليله ) (٥) محلّ التأمّل .. إلى آخره (٦).

قد عرفت اعترافه بصحّة رواية الوشّاء في « الفقيه » (٧) ، فتأمّل ، مع أنّه قال : صحّة دليله ، ولم يقل : صحّة سند روايته ، وبينهما فرق ظاهر ، سيّما بعد ملاحظة ما سيقول من قوله : ( فإن أريد .. إلى آخره ) (٨) ، مع أنّ الحسن حجّة على المشهور ، إذا كان الحسن من قبل التبيين (٩) ، وحسن الوشّاء (١٠) لعلّه منه ، سيّما بعد ملاحظة الشهرة ، فإنّها جابر للسند.

على أنّ بدوّ الصلاح المعتبر لا شبهة في انحصاره فيما ذكر من الاحتمالات والأقوال.

__________________

(١) التنقيح الرائع : ٢ ـ ١٠٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٤.

(٤) راجع : تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨.

(٥) مسالك الأفهام ١ ـ ١٦٣ مع اختلاف يسير.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٥.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٣٣ الحديث ٥٨٠.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٦ ، وفيه : ( فإن أراد بالتلوّن .. ).

(٩) في د ، ه : ( التبيّن ).

(١٠) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١١ الحديث ٢٣٥١٣.

١٤٦

والمشهور أصحّ دليلا من البواقي ، وصحيحة يعقوب بن شعيب (١) ستعرف حالها ، فتأمّل.

قوله : [ فلا بأس ] ببيعها جميعا ، وقريب منه [ رواية إسماعيل بن الفضل ] (٢).

لعلّ الظاهر كون المراد إدراك وقت صحّة البيع منفردا ، فإنّه حينئذ يصحّ بيعه جميعا ومنضما ، والظاهر كون الوقت المذكور ظاهرا عندهم.

ولعلّه لما ذكرنا قال في « شرح الشرائع » : ( واكتفى الأكثر به ، لصحّة دليله ) (٣) ، فتأمّل.

ويعضد ما ذكرنا ما سيذكره الشارح بقوله : ( والظاهر أنّه لا فرق .. إلى آخره ) (٤) ، فتدبّر.

قوله : والظاهر من التلوّن بالاحمرار والاصفرار أنّه أعمّ من الإطعام [ والإدراك ] .. إلى آخره (٥).

لا يخفى على المطّلع أنّ بعد الاحمرار والاصفرار مأكول عاديّ شائع ذائع ، بل ربّما كان التمر بسرا أطيب منه رطبا ، كما هو ضرب المثل المشهور ، وعلى فرض أن يكون بينهما تفاوت فلعلّه لعلّة ليس بحيث يصير منشأ لاختلاف الأخبار والأقوال ، فتأمّل جدّا.

بل لا يبعد كون الإدراك أيضا مثل الإطعام ، بل غير خفيّ كونهما مقولين بالتشكيك ، لو لم يكن المراد منهما الاحمرار والاصفرار ، ومقولتيهما بالتشكيك

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٧ الحديث ٢٣٥٣٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٧ الحديث ٢٣٥٣٤.

(٣) مسالك الأفهام ١ ـ ١٦٣ مع اختلاف يسير.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٦.

١٤٧

بحيث لا يصير مجوّزا ومصحّحا للنوع فيه ، بل ربّما كان مثلهما الأمن عن العاهة أيضا.

وبالجملة ، الاحمرار والاصفرار أمر واضح غاية الوضوح لا وهن فيه أصلا دلالة ، بل وفتوى أيضا.

وأمّا سائر العبارات ، فليس مثل الاحمرار والاصفرار بلا شبهة ، فلا يمكنه أن يعارضهما ويقاومهما إلى أن يرجعا إليه في مقام الجمع ، بل العكس أولى ثمّ أولى ـ كما لا يخفى ـ لو قلنا بظهور التفاوت ، بل الظهور ربّما يصير حقّنا بملاحظة أهل بلاد النخيل ، فليلاحظ.

ويؤيّد ذلك ملاحظة النصوص والفتاوي في زكاة التمر ، فلاحظ.

قوله : وبالجملة ، هذا ليس بواضح كونه ضابطا .. إلى آخره (١).

على أنّ لفظ الثمار جمع محلّى باللام ، ومن البديهيّات أنّ كلّ ثمرة لها حالة فيما ذكروا ، وأنّها مختلفة جدّا فيه ، وجعل المراد منها ثمرة النخيل فيه ما فيه ، فما ذكره الشارح بقوله : ( فإنّه قد يطّلع .. إلى آخره ) (٢) فيه ما فيه ، إلّا أن يكون مراده أنّ ثمرة النخل من جملتها ، وفيه أنّه لا وجه للاعتراض بخصوص ثم النخل ، بل الثمار في غاية الاختلاف في ذلك.

ومع ذلك يمكن للخصم أن يقول : المراد ثمار خاصّة يكون أمنها من العاهات بطلوع الثريّا من جهة القرينة المذكورة ، وهذا التوجيه أقرب ممّا ذكره الشارح ، بل ينتقل.

والظاهر من الشارح جعل المراد من الثمار خصوص ثمر النخل لم نعرف

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٦ ، ولم ترد فيه : ( هذا ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٦.

١٤٨

وجهه ، سيّما بعد تصريحه بقوله. ( مطلق .. إلى آخره ) (١).

قوله : فإنّ الحصرم يحصل بعد انعقاد الحبّ بكثير ، فالأوّل أولى .. إلى آخره (٢).

لكن على هذا ، ربّما يصير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا عقد » (٣) لغوا مستدركا ، بل موهما بخلاف المقصود ، لظهور مدخليّة العقد ، وكونه هو الشرط والعلّة.

فلاحظ ما ذكر ، ربّما يظهر كون المراد من الحصرم هذا ـ كما يقال : إذا انعقد النطفة صارت إنسانا أو حيوانا ـ أوّل درجة الحصرميّة ، وإن كان المطلق منه ينصرف إلى الكامل ، فتأمّل.

مع أنّ الكامل مقول بالتشكيك بحيث لا يكاد يمكن جعله حدّا للتجويز والخروج عن حدّ التحريم.

وقد عرفت أنّ ما هو محلّ النزاع لا يمكن جعله المجوّز للمعاملة الّتي لم تكن جائزة ، فتأمّل.

ويؤيّد ما ذكرناه ، فتاوي الأصحاب ، وعدم فتوى أحد بما ذكره ، فتدبّر.

وأمّا اختصاصه بالكرم ، فلعدم قائل بالفصل ، والمدار في الفقه على ذلك.

قوله : [ يلاحظ التبعيّة والأصالة على رأي المصنّف ] ، لما صرّح به .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ الظاهر منهم عدم ملاحظة ما ذكرنا في المقام.

قوله : [ ما فرّق هنا ] بين ثمر النخل وغيره ، والموجود في أكثر الكتب [ الفرق بينهما ] .. إلى آخره (٥).

وقال في « القواعد » : إذا ظهر بعض الثمر

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٢ الحديث ٢٣٥١٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٧.

١٤٩

جاز بيع الجميع (١).

لعلّه قياس على جواز البيع أزيد من سنة بعد الظهور بطريق أولى ، أو أنّه قاس الظهور على الإدراك والإطعام الواردين في الأخبار ، بناء على اتّحاد حكمهما عنده ، وأنّ المناط لصحّة البيع هو الظهور والإدراك ، للاستحباب والفضل ، فتأمّل.

قوله : ويمكن الفرق ، فالظهور [ يكون بظهور أثره ] .. إلى آخره (٢).

لعلّ مجرّد الإمكان لا يكفي لثبوت الفرق والخلاف ، مع كونه خلاف الأصل والقاعدة ، سيّما مع كون ظهور نفس الشي‌ء أقرب وأظهر من ظهور أثر منه ، فتأمّل.

قوله : والإجماع وسائر الأدلّة ، ولأنّه خارج [ مخرج المتداول ] .. إلى آخره (٣).

قال المحشّي : إنّ الأخبار خالية عن ذكر كونها على الشجرة ، فيمكن للقائل بتخصيص الحرمة بالطعام القول به مطلقا ، إلّا إذا عمّم الطعام بحيث يشمل كلّ مأكول ، كما يظهر من بعضهم (٤) ، فتأمّل.

أقول : لا يخفى أنّ المانع هو العلّة المنصوصة ، وهي كون الطعام مكيلا ، لا تعميم الطعام ، لعدم الثبوت.

قوله : فإنّ في بيع الطعام ـ بل المكيل والموزون ـ قبل القبض كلاما سيجي‌ء .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ الطعام بعد التصفية يكون مكيلا وموزونا ، وكذا كلّ مكيل

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٠٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٣.

(٤) راجع! مجمع البيان : ٢ ـ الجزء ٦ ـ ٣٢ ، مجمع البحرين : ٦ ـ ١٠٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٣.

١٥٠

وموزون ، وعدم الجواز في البيع ثانيا لعلّه بعد التصفية ، وما نحن فيه هو بيع الثمار والزروع ، ومعلوم أنّه قبل التصفية ، فتأمّل.

قوله : [ لا يباعان كيلا ] بل بالمشاهدة ، والظاهر أنّه لم يكف كونه من جنس المكيل ، للأصل وسائر ما تقدّم .. إلى آخره (١).

وإن كانا يباعان بالمشاهدة ، لكن بالكيل والوزن الخرصي والتخميني ، والوارد في الأخبار أنّه لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا ولا وزنا (٢) ، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم ، إلّا أن يقال : الكيل والوزن التحقيقي الفعلي هو المتبادر ، لكن سيجي‌ء في بيع لحم الغنم بالشاة موثّقة عن علي عليه‌السلام ، أنّه كره ذلك (٣) ، وورد أنّه عليه‌السلام ما كان يكره الحلال (٤) ، وأنّه عليه‌السلام كره فنحن نكرهه (٥).

والمشهور عملوا بالموثّقة فتكون حجّة ، وإن قلنا بعدم حجّيّة الموثّق ، مع أنّ الحقّ أنّه حجّة ، وهذا ربّما يؤيّد كون المنفي في الأخبار هو العموم المذكور.

نعم ، ورد في بعض الأخبار أنّه « لا ربا إلّا فيما يكال أو يوزن » (٦) ، وظاهره التحقيقي الفعلي ، إلّا أن يمنع ذلك ويقال بكفاية التحقيقي في الجملة ، سيّما بواسطة القرينة المزبورة ، ولعلّ هذا منشأ تعميم المشهور ، مضافا إلى ظاهر رواية

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٤.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٥٥ الحديث ٣٣٣٧٤.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤٣ الحديث ٢٣٣٤١.

(٤) الكافي : ٥ ـ ١٨٨ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٦ الحديث ٤١٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٥١ الحديث ٢٣٣٦١.

(٥) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٢٠ الحديث ٥٢١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٥٤ الحديث ٢٣٣٧١.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٣٢ الباب ٦ من أبواب الربا.

١٥١

العامّة (١) ، ورواية عبد الرحمن (٢) الآتية.

وأنّ استثناء العريّة إنّما يتمشّى على القول بالعموم ، والاستثناء إجماعي ، يعني : أنّ الاستثناء مختصّ بها بالشروط الآتية.

وأمّا حسنة الحلبي ، فظاهرها غير مراد وفاقا ، فيمكن حمل الحسنة الأولى (٣) على العريّة ، والثانية (٤) على التقييد أو غير ذلك ، والشهرة أيضا من المؤيّدات.

هذا غاية ما يمكن أن يقال من قبل المشهور ، وأمّا من قبل بعض ، فهو الّذي ذكره الشارح رحمه‌الله (٥) ، فلا بدّ من ملاحظتهما معا والتأمّل التام ، ثمّ تشخيص الراجح.

وممّا يؤيّد المشهور ، إطلاق لفظ « تمر » في الروايتين الواردتين في العريّة (٦) ، وباقي الكلام سيجي‌ء فيها ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد المشهور ، أنّ اتّحاد الثمن والمثمن مخالف لماهيّة البيع كاتّحاد البائع والمشتري ، فكما أنّه لا يمكن أن يصير شخص واحد بائعا ومشتريا معا ـ بمعنى أنّه بحسب الحقيقة هو البائع وهو المشتري ـ فيكون يبيع من نفسه ويشتري من نفسه ، وأنّه باطل قطعا أعمّ من أن يكون منضما مع آخر أم لا ، كذلك لا يمكن أن يكون شي‌ء واحد ثمنا ومبيعا من البائع إلى المشتري بشرط أن يكون منتقلا من المشتري

__________________

(١) صحيح البخاري : ٣ ـ ٣٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي : ١٠ ـ ١٨٣ ، سنن ابن ماجة : ٢ ـ ٧٦٢ الباب ٥٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣٩ الحديث ٢٣٥٨٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٣ الحديث ٢٣٥٤٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣٧ الحديث ٢٣٥٨٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٤ ـ ٢١٧.

(٦) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٤١ الحديثان ٢٣٥٩١ و ٢٣٥٩٢.

١٥٢

إلى البائع بمجرّد العقد ومن حينه ، وأن يكون عوضا ومعوّضا عنه ، وأن يكون مالا للبائع منتقلا إلى المشتري بعوض ، وأن يكون مالا للمشتري منتقلا إلى البائع عوضا عن مال البائع المنتقل إلى المشتري ، فإنّ البيع من العقود المعاوضة ومعنى قولك : ( بعت هذا بهذا ) ليس إلّا أنّي جعلت هذا مالك بإزاء أن يكون ذاك مالي ، ونقلت هذا منّي إليك بإزاء أن يكون ذاك ينتقل إليّ ، ولا شكّ أنّ البيع بحسب اللغة والعرف والشرع هو الّذي ذكرنا ، فلا يمكن اتّحاد العوض والمعوّض عنه ، وانتقال أحدهما بسبب انتقال الآخر ، مع كون أحدهما عين الآخر وإن كان منضما معه شي‌ء آخر أيضا على بعض الوجوه.

هذا ، مضافا إلى المفاسد الأخر الّتي سيذكرها الشارح رحمه‌الله.

فعلى هذا ، لا يتأتّى هذا في بيع شي‌ء من الأشياء قطعا ، فلا وجه للتخصيص بثمر النخل وحبّ الزرع وتسمية الأوّل بالمزابنة ، والتوجّه إلى النهي عنها بخصوصها ، والثاني بالمحاقلة والنهي عنها بخصوصها ، فتأمّل.

مع أنّه ربّما كان في اللغة والعرف هو المعنى الأعم ، بل متعيّن أنّه كذلك ، لما عرفت ، فتأمّل.

قوله : وأمّا النصّ ، فهو الرواية من العامّة والخاصّة .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ الرواية العامّية منجبرة بفتاوي الأصحاب ، وكذلك الحال به من الاحتمال ، مع أنّ الصدوق رواها في « معاني الأخبار » بسنده إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعله معنى الخبر (٢) ، فتدبّر.

مع موافقة ذلك اللغة والعرف ، مع عدم وجود معارض بسند الصحيحة.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٦.

(٢) معاني الأخبار : ٢٧٧ ، وعنه : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٤٠ الحديث ٢٣٥٩٠.

١٥٣

قوله : أن يشتري حمل النخل بالتمر. والزرع بالحنطة .. إلى آخره (١).

يمكن الحمل على اللفّ والنشر الغير المرتّبين ، لما عرفت ، ولعدم وضوح الدلالة على خصوص المرتّب.

غاية ما في الباب أنّه أقرب في الثاني ، ولذا استدلّ الأصحاب على مطلوبهم.

لكن روي بطريق آخر عنه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المحاقلة والمزابنة. فقال : المحاقلة بيع النخل بالتمر ، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة » (٢) ولعلّه توهّم من اللّف بالنشر المذكورين.

ويظهر منها أنّ المراد من الزرع خصوص السنبل ، كما عبّر في بعض العبارات (٣).

قوله : والقرائن تدلّ على أنّه ابن عثمان الأحمر .. إلى آخره (٤).

والحقّ ، أنّه ثقة جليل ، كما حقّقته في الرجال (٥) ، ولذا كثيرا ما يتحقّق من الفقهاء الحكم بصحّة حديثه ، ومنهم الشارح « الشرائع » (٦) في المقام.

مع أنّها منجبرة بالشهرة ، وعمل الأصحاب ، وموافقة رواية العامّة ، وغير ذلك ممّا أشرنا ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣٩ الحديث ٢٣٥٨٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٤٣ الحديث ٦٣٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣٩ الحديث ٢٣٥٨٧.

(٣) راجع! مسالك الأفهام : ١ ـ ١٦٤ ، حيث قال : ( ويظهر من كلامهم على أنّ المراد به السنبل ، وإن عبّروا بالأعم ) ، مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٣٨٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٦.

(٥) راجع! تعليقات على منهج المقال : ١٧.

(٦) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٦٤.

١٥٤

قوله : [ الألف واللام عوضا ] عن المضاف إليه بل هو [ المتبادر ] .. إلى آخره (١).

فيه تأمّل ظاهر.

قوله : يمكن التعميم والتعدّي إلى كلّ شي‌ء يكون الثمن من المثمن .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ ما ذكره رحمه‌الله ـ إلى آخره ـ علّة موجبة للتعدّي قطعا ، كما أشرنا ، لا أنّه يمكن التعدّي وأنّه على هذا لا وجه للحكم بحرمة المحاقلة والمزابنة خاصّة كما أشرنا ، وأنّه كيف خصّ ذلك بالتمر والحبّ ، وجعل لكلّ واحد اسما مخصوصا دون سائر العروض والأجناس ، مع أنّ العلّة مشتركة وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجّه إلى النهي عنهما بخصوصهما دون الإشارة إلى موضع آخر أصلا؟ وأنّه على ذلك قطعي أنّه ليس ببيع لغة وعرفا ، ولا يمكن أن يصير بيعا كما أشرنا ، فكيف اتّفق أهل اللغة والعرف وأهل الشرع على كونهما من البيوع المنهيّ عنها؟! وأيضا ، الظاهر ـ بحسب اللغة والعرف ـ هو المعنى الأعم ، وهو حجّة في موضع الحكم ، فليلاحظ وليتأمّل.

قوله : لظهور العلّة وهي الربا ـ وذلك ممّا يضعف القول به .. إلى آخره (٣).

من حكم بكون العلّة هي الربا يتعدّى إلى ثمرة كلّ شجر ، كالعلّامة في « القواعد » (٤) ، ويمكن أن يكون عدم تعدّيه بسبب الإجماع ، لأنّه يرى أنّ من تقدّم عليه من القدماء (٥) اتّفقوا على التخصيص بالتمر والحبّ ، فيكون من

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٨.

(٤) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣١.

(٥) في د ، ه : ( الفقهاء ).

١٥٥

المستثنيات من الربا ، لكنّه بعيد.

والأقرب أنّ العلّة ليست هي الربا ـ كما ذكره رحمه‌الله ـ بل الإجماع والنصّ ، لكن عرفت الإشكال في التعميم والتخصيص ، وأنّ الأظهر هو التعميم ، لو لم نقل بتعيينه ، فتدبّر.

قوله : وإثبات التحريم بخبر واحد غير متّفق على صحّته .. إلى آخره (١).

فيه ، أنّه لو قال بأنّ العلّة هي الربا لم يكن إثباته بمجرّد هذا الخبر ، بل لكونهما ربا ، وأيضا هذا الخبر موافق للقاعدة عنده ، مع أنّ هذا الخبر منجبر بعمل الأصحاب ، وغير ذلك.

مع أنّ خبر الواحد حجّة يعدل به عن الأصل ، ويخصّص الكتاب والسنّة به على المشهور وعند الشارح أيضا ، ولا يجب أن يكون صحّته متّفقا عليه ، إذ قلّما يكون كذلك ، وليس هاهنا إجماع يخالف مضمون الخبر ، وظاهر حسنة الحلبي (٢) غير معمول به قطعا ، فهو متروك ، سيّما بعد معارضة هذا الخبر.

وأمّا صحيحة يعقوب (٣) ، فلا دخل لها في المقام ، والتقبيل متّفق عليه ، وهو مضمونها.

ورواية أبي الصباح (٤) أيضا لا دخل لها في المقام أصلا ، لأنّ ردّ الدين على الديّان ليس ببيع قطعا ، بل وليس فيه شائبة ربا وإن وقع فيه الزيادة والنقصان كما ستعرف ، ولأنّ الزيادة لم تقع شرطا عند المعاوضة ، وكذا النقيصة.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٠ الحديث ٢٣٥١٢.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٣ الحديث ٢٣٥١٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩١ الحديث ٣٩٠ ، الاستبصار : ٣ ـ ٩٢ الحديث ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٤ الحديث ٢٣٥٤٨.

١٥٦

وهذا هو وجه عدم كونه ربا ، لا ما ذكره الشارح ، لأنّه ليس بمعلوم ، فتأمّل.

قوله : والظاهر أنّ نفي الربا وجواز القبول هنا من جهة عدم كونه من المكيل ، لا من جهة الموافقة .. إلى آخره (١).

الظاهر ، أنّ نفي الربا من جهة كون ذلك أداء للقرض وإعطاء له من غير تحقّق مشارطة ، فإنّ المحرّم والموجب لكونه ربا هو المشارطة ، ولذا لو أعطى المستقرض أزيد يكون حلالا ، بل يكون مستحبّا ـ كما سيجي‌ء ـ ولو أخذ المقرض أقلّ يكون أيضا حلالا ، لأنّه إبراء وإسقاط لبعض حقّه ، ولعلّه مستحبّ أيضا.

وورد في غير واحد من الأخبار في قرض الخبز وعد الجوز أنّ المقترض ربّما يردّ أكبر وربّما يردّ أصغر : أنّ كلّ ذلك لا بأس به (٢).

والمقترض في هذا الخبر اعتقاده أنّ ما في نخله يفي ويقابل ما طلبه ، وعلى تقدير عدم اعتقاده لا ضرر فيه ، لأنّه يلتمس.

والأمر دائر بحسب نفس الأمر في صور ثلاث :

الأولى : المقابلة ، وعدم الضرر حينئذ واضح.

والثانية : كونه أزيد ، وعدم الضرر فيه أيضا واضح ، لأنّه محض تبرّع وإحسان ، بل وارتكاب المستحبّ الشرعي.

الثالثة : كونه أقلّ ، ولا ضرر فيه أيضا ، إذ غايته التماس عفو وإبراء وإسقاط ، بل واستدعاء مستحبّ ، لأنّ الإحسان بالنسبة إلى الأخ المؤمن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٩.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦١ الباب ٢١ من أبواب الدين والقرض.

١٥٧

والمساهلة في الاقتضاء يحبّه الله تعالى ، فلا طريق إلى توهّم الربا أصلا.

قوله : عدم الزيادة عند البيع ولا يضرّ عند الجفاف .. إلى آخره (١).

المنع من الزيادة عند البيع من جهة النصّ والفتاوي ، وإلّا فالأصل عدم المنع ، لعدم كونها ربويّة ، لكونها على الشجر.

نعم ، لو قلنا بأنّها ربويّة ، فالأصل المنع أيضا. وجواز الخرص فيها باعتبار استثنائها ، وربّما كان عدم الضرر عند الجفاف أيضا باعتباره ، وربّما كان باعتبار ظاهر النصّ والفتاوي ، فتأمّل.

وأمّا اشتراط الحلول والتعجيل ، فلئلّا يصير بيع الكالي بالكالي أو السلف ، لعدم تحقّق شرطه.

ومن هذا ظهر عدم اشتراط التقابض كما قال الشيخ رحمه‌الله (٢).

قوله : [ ولو وجدت صحيحة صريحة ] لجاز الاستثناء من المزابنة بالمعنى الّذي قلناه [ أيضا تعبّدا ] .. إلى آخره (٣).

قد عرفت فساد ذلك ، وأنّه لا يمكن إلّا أن يقال : إنّه ليس ببيع حقيقة ، بل صورة بيع ، ويدفعه كلام أهل اللغة ، وظاهر الخبر الّذي رواه ، وظاهر فتاوي الأصحاب ، بل لو لم يكن بيعا لم يكن فيه استثناء أصلا.

وأنّه حينئذ لا خصوصيّة له بالعريّة ، إذ كلّ شي‌ء غير العريّة أيضا يكون صحيحة إن لم يكن فيها مبايعة أو معاوضة أصلا ، فتدبّر.

ثمّ ، إنّ شمول العريّة لما هي في البستان لعلّه هو المستفاد من كلام أهل اللغة ، فيشملها إطلاق بعض الأخبار ، مثل ما رواه في « معاني الأخبار » (٤) ، ولعلّ هذا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٢٠.

(٢) المبسوط : ٢ ـ ١١٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٢١.

(٤) معاني الأخبار : ٢٧٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٤١ الحديث ٢٣٥٩٢.

١٥٨

مستند الاتّفاق ، مع أنّ الاتّفاق كاف ، لأنّ الظاهر أنّه الإجماع ، فتدبّر.

ويمكن أن يكون الضعف منجبرا بعمل الأصحاب ، بناء على أنّ التقييد بالدار من باب المثال ، أو أنّ أصل الحكاية كان ممّا في الدار ، أو أنّه الغالب أو كونه في البستان نادر ، فتأمّل.

قول المصنّف : والتقبيل بشرط السلامة .. إلى آخره (١).

سيجي‌ء في كتاب المزارعة ما يظهر منه وجه التقييد بشرط السلامة واعتراف الشارح به وبظهور وجهه (٢) ، وورد أخبار كثيرة في حكاية تقبيل رسول الله ثمار خيبر وأرضه ، وبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن رواحة وخرصه عليهم بأن يعطوا نصف تلك الثمار بحسب خرصه أو يأخذوا النصف (٣) ، فيظهر منها أنّ حقّ المقبّل إنّما هو في عين تلك الثمار لا قيمتها.

والفقهاء في مبحث الزكاة وخرصها يذكرون حكاية عبد الله بن رواحة ، ويستدلّون بها ، مع اتّفاقهم في كون ذلك الخرص مشروطا بالسلامة ، بل ربّما ذكروا أنّ أصل التقبيل من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل خيبر ، فليلاحظ وليتأمّل ، وكذا يلاحظ الأخبار ويتأمّل فيها!

قوله : [ ويختلف ذلك بحسب اختلاف كثرة الثمرة وقلّتها ] ، وكثرة المارّة وقلّتهم ، أو يهدم حائطا ، أو يكسر غصنا يتوقّف الأكل عليه .. إلى آخره (٤).

بعض المواضع يكثر المارّة غاية الكثرة ، بحيث لو أخذ كلّ واحد منهم

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٢١ ـ المتن ـ وقد ورد في د ، ه : ( قوله : لا على سبيل البيع ، بل هو على سبيل القبول ) بدلا من العبارة المذكورة.

(٢) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠ ـ ١١٦.

(٣) الكافي : ٥ ـ ٢٦٦ الحديث ١ و ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٩٣ الحديث ٨٥٥ و ٨٥٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٤٠ الباب ٨ من كتاب المزارعة والمساقاة.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٢٤ ، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

١٥٩

سنبلة أو حبّة عنب أو تمر وأمثال ذلك ليتحقّق ضرر عظيم وإفساد زائد ، ففتح الباب لهم يوجب الإضرار المنفي قطعا ، والفساد في الأرض المنهي عنه جزما ، ويوجب اختلال نظام المعاش بالقياس إلى أرباب البساتين وأهل البلد والمارّة فيهم ، ولذا لو وقع ذلك من جراد أو نهب من عسكر وأمثال ذلك تخرب تلك الديار أو تشتدّ أحوالهم غاية الاشتداد.

فلعلّ ما ورد في المنع ورد بالنسبة إليها ، وما ورد في الجواز ورد في القرى البعيدة عن الطرق المسلوكة كثيرا ، وقلّما يتحقّق فيهم المارّة ، بل المشاهد الآن أنّ في أمثال المواضع لا يبيعون ولا يشترون ، مدارهم على الأكل بلا عوض وعادتهم التحليل وعدم المضايقة ، والله يعلم.

في بيع الحيوان

قوله : هو عدم إمكان الانتفاع به ، وكأنّه الإجماع أيضا .. إلى آخره (١).

ففيه الضرر والغرر والسفاهة ، بل ربّما كان الجهالة ـ أيضا ـ في بعض المواضع.

هذا ، فيما لا انتفاع فيه أصلا ، أو لا يكون انتفاعه حكميّا صحيحا عند العقلاء ، وأمّا إذا كان فيه انتفاع حكمي ـ كما إذا أريد ذبحه ، أو يكون مذبوحا وبيع حالّا أو مؤجّلا بأجل معيّن ويكون فيه الانتفاع الحكمي بعد أخذه وتسلّمه ، ولا يكون مقداره مجهولا بالجهل الّذي يحصل به الغرر المنهي أو استحالة الانتقال ـ فلا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٢٦.

١٦٠