حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

بأسرها متضادّة ، فتأمّل جدّا!

قوله : والغيّاب أيضا ، إذا لم يوجد من يحفظه ، وهنا يمكنه الحفظ بنفسه ، بعدم السفر .. إلى آخره (١).

قد مرّ أنّ الحاكم وكيل الغيّاب ، ووليّ السفهاء وأمثالهم ، بدليل استدلّ الشارح به ، ومقتضاه أنّه أولى بأنفس المؤمنين وأموالهم وأمثال ذلك ، أعمّ من أن يباشر بنفسه أو بالحكّام من قبله ، وإن كان مثل قوله عليه‌السلام : « فإنّي قد جعلته عليكم حاكما » (٢) بالعنوان الكلّي (٣) ، فلاحظ وتأمّل! وإذا كان وليّا ووكيلا للغائب ، فمال الغائب يدفع إلى وكيله ، فلاحظ وتأمّل!

قوله : على أنّه قد يناقش في الأوّل في رجوع المودع إلى الثاني ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).

لعلّه ليس بمكانه ، لعموم « على اليد ما أخذت » (٥) ، وفتوى الأصحاب.

قوله : مع إمكان الدفع إلى المالك أو الوكيل أو الحاكم أو الثقة ، بالترتيب المتقدّم ، كأنّه لا خلاف فيه .. إلى آخره (٦).

أمّا مع إمكان الدفع ، فلا تأمّل في جواز السفر وفي تعليله ، لأنّ الوديعة من

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٠٣.

(٢) الكافي : ٧ ـ ٤١٢ ضمن الحديث ٥ ، الاحتجاج للطبرسي : ٣٥٦ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٣٦ ضمن الحديث ٣٣٤١٦.

(٣) راجع : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٦٠ ـ ١٦١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١٠ ، وفيه : ( على أنّه قد يناقش في الأوّل في الرجوع إلى الثاني مطلقا ، فتأمّل ).

(٥) مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١٠.

٥٦١

العقود الجائزة إجماعا ، ووجوب القبول ينافي ذلك ، بل هو في الفروض النادرة أو الأمور العارضة ، فلا ينافي مقتضى العقد من حيث هو هو ، فالودعي من حيث هو هو متبرّع.

على أنّه في الفروض النادرة يجوز الفسخ أيضا ، ويجب الحفظ من باب الأمانة الشرعيّة وبنحوها ، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا يجوز مخالفة المالك فيما شرط عليه من كيفيّة الحفظ ـ على حسب ما ذكر في الوديعة ـ فالمودع متبرّع مطلقا ، فتأمّل جدّا!

قوله : وأنّ التقصير موجب للضمان ، ولعلّ مرادهم بالتأخير .. إلى آخره (١).

ولأنّ المالك بعد ما طلب الوديعة لم يرض بكونها عنده ، كما هو الظاهر ، فلا يكون بعد عدم الرضا نائبا في الحفظ ، أمينا في ذلك ، بل يكون معزولا عنه ، فلا يكون يده عليها حينئذ يد أمانة.

قوله : وتحقيق الأمر في ذلك ، فتذكّر وتأمّل (٢).

والحقّ أنّ الأمر بالشي‌ء لا يستلزم النهي عن الضدّ.

قوله : [ التقصير مطلقا حرام ] وموجب للضمان بالإجماع ، وإذا ضمن لم يسقط بالرجوع إلى الأمانة ما لم يؤدّها إلى المالك .. إلى آخره (٣).

ولخروج الودعي عن الأمانة والاستئمان ، لأنّ يده ـ حينئذ ـ ليس اليد المأذون فيها ، وتصرّفه ليس ما هو رخّص فيه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١٧ ، وفيه : ( وقد مرّ البحث في هذه المسألة مرارا ، فتذكّر وتأمّل ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١٨.

٥٦٢

قوله : لما فيه من تضييع المال المنهي عنه ، وفيه منع ظاهر .. إلى آخره (١).

الظاهر أنّه ورد في الأخبار النهي عن تضييع المال (٢) ـ على ما هو في البال ـ والعقل أيضا حاكم ، مع أنّه يوجب الخروج عن الرشد والدخول في السفاهة ، فتأمّل.

ولعلّ مراده رحمه‌الله من المكروه معناه اللغوي والعرفي ، لا الاصطلاحي.

قوله : فالأقرب عدم الضمان ، وإن فتح القفل (٣) وفضّ الختم من الكيس والصندوق (٤) فالأقوى ضمان ما فيه (٥) .. إلى آخره (٦).

مشكل ، لأنّ مثل هذا خيانة عرفا ، وأيضا يده في هذه الحالة يمكن أن تكون بغير إذن ، والمالك لو كان يعلم هذا لما كان يعطيه للحفظ ولما كان يرضى بأخذه وتصرّفه عادة ، وكذا الكلام في أمثال ما ذكر ، فتدبّر!

قوله : والظاهر التساوي في عدم الضمان ، لما مرّ .. إلى آخره (٧).

بل الظاهر التساوي في الضمان ، لما عرفت.

قوله : فالضمان حينئذ محلّ التأمّل ، وسيجي‌ء في مسألة أنّه إذا أتلف المستودع من المودوعة جزءا متّصلا .. إلى آخره (٨).

لا يخفى أنّ الشركة عيب في الكلّ ، بحيث لا يترجّح أحد الجزأين أو

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١٨.

(٢) لاحظ! معاني الأخبار : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، بحار الأنوار : ٧٢ ـ ٣٠٤ الحديث ٤.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وإن كسر القفل ).

(٤) لم ترد ( والصندوق ) في المصدر.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( فالأقوى الضمان لما فيه ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٢٧.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٢٨.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣٠.

٥٦٣

الأجزاء به أصلا ، بخلاف الجزء المقطوع ، فتأمّل جدّا!

قوله : فلو تلف يأخذ منه تمام القيمة ، لا أن يقسط على المأذون وغيره ، ولو ذكر هذه في العارية [ لكان أولى ] .. إلى آخره (١).

فيه إشكال ، إذ يشكل تحقّق مأذون في هذه الصورة ، إذ صاحبها ما أذن إلّا بنحو خاصّ ، ولم يتحقّق النحو الخاصّ.

قوله : وقد مرّ فيه التأمّل ، وأشار إلى الخلاف في « التذكرة » بقوله : ( فالأقوى الضمان لما فيه من الثياب والدراهم ) (٢) .. إلى آخره (٣).

الظاهر أنّه ليس محلّ التأمّل ، لأنّه خيانة عرفا ، فيده يد خائن ، ولم يرض المالك بمثل هذه اليد.

قوله : وعدم تصرّف وتقصير في الحفظ ، وغير ثابت كون هتك الحرز موجبا للضمان ولا بدّ له من دليل ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).

الدليل ظاهر ، وهو عدم كونه أمينا وكونه خائنا ، وعدم كون يده يد أمانة ، وعدم رضا صاحب المال بمثل هذا ، ولو كان يعلم من أوّل الأمر لما استنابه للحفظ عرفا وعادة.

قوله : فتأمّل ، وظاهره أن لا خلاف عندنا في عدم ضمان الباقي .. إلى آخره (٥).

لم نجد الظهور ، مع أنّه لا يخلو الحكم عن إشكال ، لما أشرنا غير مرّة.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣١.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ١٩٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣٢.

٥٦٤

قوله : والعلم محلّ التأمّل ، وأمّا لو أعاد بدل المضمون ولم يمازجه مزجا يسلبه الامتياز .. إلى آخره (١).

ربّما يحكمون في مثل هذا حكم المشاع والممتزج ، من باب الصلح القهري ، فإنّ الترجيح من غير مرجّح شرعي محال أو فاسد ، فلا بدّ أن يصير النقص من المجموع بالنسبة ، مع احتمال القرعة أيضا عند القائلين بالقرعة في أمثال ذلك.

وسيجي‌ء التفصيل في كتاب القضاء.

قوله : وأنّه لا خلاف ظاهرا عندنا ، وهو مؤيّد لما قلنا أنّه لو سهى ونسي حفظ شي‌ء ـ مثل النشر والتعريض للريح ـ لم يكن ضامنا .. إلى آخره (٢).

لم نجد ممّا ذكر نسبة الحكم إلى جميع الأصحاب حتّى يظهر ما ذكره ، بل غاية ما ظهر أنّه رجّح طرفا ونسبه إلى جماعة من الشافعيّة ، ونقل عن جماعة أخرى منهم خلافه (٣).

قوله : فهو ليس بجيّد على إطلاقه بالنسبة إلى ما قال .. إلى آخره (٤).

لعلّ نظره رحمه‌الله هنا إلى صورة عدم تلف الكيس وأنّه لم يصر أمر سوى الحرق ، فتأمّل!

قوله : ولكن الضمان مع التأخير من غير تصرّف .. إلى آخره (٥).

لا خصوصيّة للتصرّف في التقصير ، وكون اليد عدوانا ، بل تأخير الإعلام مع الإمكان تقصير بلا شبهة ، والشارع لا يرضى بهذا التقصير ، لأنّ إيصال الحقّ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣٣.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ١٩٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٣٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٠.

٥٦٥

إلى مستحقّه أو وصوله إليه لازم في أيّ وقت ، وهو لا يتحقّق إلّا بذلك الإعلام.

وأمّا وجوب الدفع ففيه ، ما ذكره الشارح.

قوله : فإنّ الظالم لا يحلّ ماله لكونه ظالما ، وهو ظاهر. فإن كان المزج بالأدنى بحيث ما بقي لمال المالك قيمة ، يمكن تسليمه إلى الغاصب ، ويجب عليه ردّ مال المالك مثلا .. إلى آخره (١).

وإن كان لا يحلّ ماله ، إلّا أنّه لمّا مزج مال المغصوب منه بماله ظلما وعدوانا لم يكن له حقّ مثل حقّ المغصوب منه

المظلوم ، ولم يكن حرمته حرمته ، فردّ مال المظلوم إليه واجب بلا شبهة ولا ريبة ، لعموم الأدلّة (٢).

وهذا وإن استلزم أن يصير مال الغاصب أيضا عنده مع أنّه يجب ردّه إلى الغاصب ، إلّا أنّه إن أمكن التخليص والردّ إليه لزم ، وإلّا فهو شريك المغصوب ، يأخذ حقّه منه ، وعدم ردّ حقّه إليه حينئذ من جهة عدم إمكانه ، الناشئ من تقصيره وعدوانه ، و « ليس لعرق ظالم حرمة » (٣) ، بل يجب ردّ مال المظلوم ، لمقتضى الأدلّة ، وعدم المانع من الجهة الّتي ذكرت ، بل يجب ردّ مال الغاصب إلى المظلوم من باب المقدّمة ، من جهة مزجه بماله.

نعم ، هو الآن أيضا مال الغاصب ، فيصير شريكه ، وسيجي‌ء في كتاب الغصب تحقيق أمثال ذلك إن شاء الله (٤).

وبالجملة ، الغاصب عرّض ماله لما ذكرناه ، لأنّه يعلم يقينا أنّه يجب وصول

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٨٥ ـ ٣٩٣ الأبواب ١ ـ ٩ من أبواب كتاب الغصب.

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٠٦ ضمن الحديث ٩٠٩ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٥٧ ضمن الحديث ٢٤٣٦٣.

(٤) لاحظ! الصفحات : ٦٢٩ ـ ٦٣٣ من هذا الكتاب.

٥٦٦

المال المحترم إلى صاحبه فورا بلا تأخير أصلا ، ويجب تسليطه عليه ، وتمكينه منه ، ومع ذلك خلط ماله بماله ، فهو بنفسه أقدم على ما ذكرناه ، وأذهب الحمرة الّتي ذكرناها ، وأوجب المقدّمة الّتي أشرنا إليها.

٥٦٧

العارية

قوله : قال في « شرح القواعد » : قيل عليه : إن كان قوله : ( وثمرته التبرّع بالمنفعة ) [ جزء التعريف ] .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ الاعتراض وارد على كلّ تقدير ، غاية ما في الباب أنّه لا يرد على التعريف ، بل على قوله : ( وثمرته التبرّع ) ، على تقدير الخروج عن التعريف.

قوله : ويمكن أن يجاب بكونه جزءا ، ولا يرد ما ذكره ، لأنّ هذا الفرد من العارية [ مقتضاها التبرّع ] .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّه جزء كما يستفاد من اللغة والعرف ، والمعاملات يرجع فيها إليهما في معرفة الماهيّة ، لا الحكم الشرعي والشرائط الشرعيّة والموانع الشرعيّة.

ويستفاد أيضا من تعريف « التذكرة » (٣) وكلام الفقهاء (٤).

إلّا أن يقال : المراد من التبرّع عدم العوض في العقد ، لا عدم الشرط أيضا ، فإنّ الشرط في العقد ليس بعوض ، بل هو بمنزلة العوض ، فتأمّل!

قوله : ( وإنّما جاء العوض من أمر زائد على العقد ، وهو الشرط ، فإنّه عقد

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٧ ، جامع المقاصد : ٦ ـ ٥٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٧.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٠٩.

(٤) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٦ ـ ٥٢.

٥٦٨

مع شرط ) (١) ، ويمكن أن يقال : إنّ أخذ اللفظ غير جيّد (٢).

فيه ، أنّه على هذا يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد ، فيكون أحدهما فاسدا البتّة ، بل كلاهما على الأقوى ، لأنّ الرضا لم يتحقّق إلّا بالعارية المشروطة بالانتفاع وعدم التبرّع.

مع أنّ الشرط أيضا عارية ومقتضاها التبرّع ، فيصير المعنى : أتبرّع بشرط أن تتبرّع فيحصل التناقض ، إلّا أن يجعل المعنى : اعطي بغير عوض بشرط أن تعطي بغير عوض ـ كما أشرنا ـ أو يكون المعنى التبرّع مطلقا سوى هذا الشرط ، بخلاف أن يكون بشرط الدرهم أو الدينار ، مثلا.

وكيف كان ، هذا مناف لظاهر كلامهم في التعريف ، أو نقل الثمرة من كون العارية على جهة التبرّع وهو ثمرتها ، فإنّ الظاهر من التبرّع عدم هذا الشرط أيضا ، إلّا أن يجعل : ( أعرتك حماري .. إلى آخره ) (٣) قرينة ، وفيه ما فيه.

مع أنّه يشكل كون هذا عارية داخلا في العارية الصحيحة شرعا ، لعدم ظهور عموم من اللغة أو العرف من إطلاق لفظ العارية من دون انضمام قرينة ، لعدم تبادر مثل ذلك ، والتبادر هو أمارة الحقيقة ، ومجرّد الاستعمال لا يكفي ، لأنّه أعمّ.

وعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) وأمثاله ، أيضا لا يشمل ، للإجماع وغيره

__________________

(١) جامع المقاصد : ٦ ـ ٥٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٨ ، وهذه العبارة أثبتناها من مصادرها بهذا الترتيب ، أمّا في النسخ الخطّية فهي هكذا : ( فإنّه عقد مع شرط ، وإنّما جاء العوض من أمر ، ويمكن أن يقال .. ).

(٣) جامع المقاصد : ٦ ـ ٥٧.

(٤) المائدة ٥ : ١.

٥٦٩

على كونها من العقود الجائزة ، مع أنّه على فرض الشمول لا يلزم كونها عارية ، كما مرّ مرارا.

مع أنّه لم يظهر من الفقهاء أنّ هذا عارية ، وأنّه من المسلمات عندهم ، بل ظاهر « القواعد » (١) أنّه ليس كذلك ، بل الظاهر منه أنّه ليس بعارية إلّا أنّه جائز ، وهو كذلك ، لحصول طيبة النفس من صاحب المال ، وعدم منع من الشرع ، لكن لو لم يف بإعارة الفرس عمدا ، أو من جهة العذر ، يكون عليه اجرة مثل الحمار ، لاستيفائه المنفعة بغير طيبة نفس صاحبه.

مع احتمال أن يكون في صورة العمد له التسلّط في أخذ الفرس عارية ، لأنّه ما رضي بعارية الحمار إلّا بهذا الشرط ، فتأمّل.

ويحتمل أيضا أن يكون في صورة العذر لا اجرة له ، لأنّ العارية الحقيقيّة لا اجرة فيها ، والّذي شرط هو العارية الّتي تعذّر تحقّقها ، والرجوع إلى العوض يحتاج إلى دليل ، فتأمّل!

قوله : لأنّ العارية قد تحصل بغير اللفظ ، وهو ظاهر ، قال في « التذكرة » : ( وهي تحصل بغير عقد ، كما لو حسن ظنّه بصديقه كفى في الانتفاع عن العقد ) (٢) .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّه إذا علم الرضا من الصاحب بالتصرّف في ماله مجّانا ، فلا شبهة في جواز التصرّف ، بشرط أن تكون نفس المتصرّف خالية عن الشوائب والمعايب ، إذ ربّما يكون له حرص شديد ورغبة زائدة ، بأدنى شي‌ء يجزم بأنّه صاحبه راض مع أنّه ليس كذلك وليس يعلم.

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٩١.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢١١ ، مع اختلاف يسير.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٨.

٥٧٠

وأمّا إذا حصل لمثله الظنّ ، ففي جواز اعتماده عليه نظر ، لعموم ما دلّ على المنع من العمل بالظنّ (١) ، مع عدم دليل يدلّ على حجيّة مثل هذا الظنّ.

مع أنّ الأصل عصمة مال المسلم ومن في حكمه.

ثمّ ، إنّه في صورة العلم لا يكون هذا عارية لغة وعرفا ، فكذا شرعا ، لما عرفت.

على أنّه لا نعلم كونه عارية ، لعدم دليل عليه أصلا ، إلّا أن يريد من العارية ما يفيد إباحة التصرّف والرخصة فيه ، وإن لم يصدق عرفا أنّه عارية ولا عند الفقهاء ، لكونها من العقود لا الإيقاعات.

مع أنّ الإيقاعات عندهم بالألفاظ ، فإذا رضي الصاحب بأن يكون الطفل أو المجنون أو السكران والغافل والجاهل يتصرّف ، يكون عارية بالمعنى الّذي ذكر ، مع أنّ اتّحاد ثمرته مع ثمرة العارية وأحكامه مع أحكامها محلّ نظر ، إذ يحتمل أن يكون مع التلف ضامنا وإن لم يكن ذهبا ولا فضّة ، لعموم « على اليد » (٢) ، مع عدم مخرج ، وعدم العقاب لا ينافي ذلك ، سيّما بالنسبة إلى الكبير الرشيد.

ويحتمل عدم الضمان ولو في الذهب والفضّة ، سيّما بالنسبة إلى المجنون والصغير والسفيه ، والأوّل أقرب.

قوله : قال في « التذكرة » : لو قال : آجرتك (٣) حماري لتعيرني فرسك ، فهي إجارة فاسدة .. إلى آخره (٤).

لكن في « القواعد » قال : ( هذا جائز ،

__________________

(١) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ ـ ١١١ الباب ١٦.

(٢) عوالي اللآلي : ١ ـ ٣٨٩ الحديث ٢٢ ، وقد مرّت الإشارة إليه.

(٣) كذا ، وفي المصادر : ( أعرتك ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٩ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢١١.

٥٧١

لكن ليس بواجب (١) ، وليس على واحد منهما أجرة ، ولو لم يعر (٢) الثاني فالأقرب الأجرة ، ولو قال : أعرتك الدابّة بعلفها ، فهي إجارة فاسدة تقتضي أجرة المثل ، وكذلك : أعرتك الدابّة بعشرة دراهم ) (٣). انتهى.

قوله : [ أن يكون محض الإيجاب عقدا ] ، ويمكن التزامه ، فتأمّل (٤).

فيه ما عرفت.

قوله : كما قيل مثل ذلك في مواضع مثل الهبة ، والبحث في أمثاله خارج عن المقصود .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ الهبة تمليك عين من غير عوض ، يعني من غير مراعاة عوض ، لا مراعاة عدم العوض ، وحمل عبارة العارية على مثل ذلك بعيد. مضافا إلى ما عرفت.

قوله : ولا تصحّ الوكالة ، بل تصير إعارة منه ، كما إذا أعار الدار للسكنى فيعطي غيره ليسكن فيه ، وكذا ركوب الدابّة وحملها .. إلى آخره (٦).

لا يخفى أنّ مراده رحمه‌الله أنّ القدر وأمثاله ـ مثلا ـ يؤخذ عارية ، مع أنّ الطبّاخ ليس هو المستعير بل خادمه أو خادمته وأمثالهما ، وكذا الماعون يصبّ فيه المياه أو المائعات أو المطبوخات وأمثال ذلك ، والفاعل غير المستعير غالبا ، وكذلك

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فالأقرب الجواز ، لكن لا يجب ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( أمّا لو لم يعر ).

(٣) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٩١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٥٥.

٥٧٢

الحال في غالب الآلات والأدوات الّتي تؤخذ عارية بحسب العادة.

قوله : فالظاهر هو المعنى الأوّل ، للتبادر ، ولئلّا يلزم الإجمال الّذي الأصل عدمه ، وعدم الفائدة .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّه ليس المتبادر من قوله : أعرت أحدكما ، سوى الثاني. نعم ، إن قال : أحدكما لا بعينه ، فأيّهما يتصرّف جاز ، لكن لا يتصرّف بعد ذلك الآخر منهما ، لأنّه قال : أحدكما ، ولم يقل : أيّا منكما ، فالفرق بينه وبين العامّ أيضا واضح ، إلّا أن يقول ما يفيد العموم ، مثل ما ذكرنا وأمثاله.

والأصول الّتي ذكرها الشارح ـ يعني أصل عدم الإجمال وغيره ـ لم نعرف مأخذهما ، لأنّه إن أراد أنّ الحكيم لا يتكلّم لغوا ـ كما هو ظاهر عبارته ـ فهو أصل واحد بمعنى الظاهر ، ومع ذلك لا شكّ في أنّ الإجمال أيضا له فائدة معتدّ بها ، ولذا تكلّم سبحانه في القرآن كثيرا ونصّ على أنّ منه آيات متشابهات (٢) ، إلّا أن يقول : الظاهر عدم الفائدة أصلا في هذا الإجمال.

لكن الاكتفاء بهذا في إثبات عقد شرعيّ يثمر مخالف الأصول والقواعد محلّ نظر ، كما مرّ في بيع أحد هذين العبدين ، وأمثال ذلك في جميع أبواب الفقه ، وجميع العقود ، فإنّ الفقهاء لا يرضون ، ومنه لو قال : زوّجتك إحدى هاتين الامرأتين ، أو الجاريتين ، وأمثال ذلك ممّا لا يخفى.

قوله : مع علم المالك بأنّ الصيد إذا وقع بيد المحرم يجب عليه (٣) إرساله مطلقا .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ المالك وإن علم أنّه يجب عليه الإرسال ، إلّا أنّه قال : ما أسلّم

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٥٧.

(٢) آل عمران ٣ : ٧.

(٣) لم ترد ( عليه ) في المصدر.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٥٨.

٥٧٣

إليك إلّا عارية ، تعامل معي معاملة العارية ولا أرضى بغير ذلك ، والمحرم أخذ كذلك وأقدم بذلك ، فعليه العوض لو أرسل ، لعموم « على اليد » ، والنهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولأنّه أقدم على الضمان ، ولأنّ المباشر أقوى إذا اجتمع مع السبب ، إلّا أن يكون هو أقوى ، وليس ما نحن فيه منه ، فتأمّل جدّا.

قوله : وهي تحصل (١) بغير عقد ، كما لو حسن ظنّه (٢) بصديقه كفى في الانتفاع عن العقد ، وكما في الضيف ، بخلاف العقود اللازمة ، فإنّها موقوفة على ألفاظ خاصّة اعتبرها الشرع .. إلى آخره (٣).

قد عرفت أنّ مثل هذا لا يسمّى عارية عرفا ولغة ، وأنّه لا يكفي الظنّ ، لشمول ما دلّ على المنع من اتّباعه ، وأنّه مع العلم لو تلف يمكن الضمان ، لعموم « على اليد » ، مع عدم مخرج ، إذ لا ملازمة بين عدم حرمة التصرّف والضمان.

مع أنّ الغالب أنّ تجويز التصرّف المعلوم بالفحوى دائر مع عدم تلف العين ، بل وعدم نقصه أيضا ، وأنّهم يقولون : إنّما كنّا نرضى إذا لم يتلف ولم ينقص أمّا مع أحدهما فما كنّا راضين ، والظاهر من حالهم أيضا ذلك ، فتأمّل جدّا! وممّا يدلّ على أنّ العارية عقد لا مجرّد إباحة التصرّف ، أنّ المستعير إذا تعدّى عن المأذون أو في الحفظ ـ مثلا ـ ثمّ رجع عن التعدّي لا يخرج عن الضمان بمجرّد الردّ إلى المأذون أو إلى الحفظ ، ولا يكون أيضا مستعيرا والعين عنده

__________________

(١) في التذكرة : ( وهي قد تحصل ).

(٢) كذا ، وهو موافق لما في التذكرة ، وفي مجمع الفائدة والبرهان : ( كما لو حصل ظنّه ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢١١.

٥٧٤

عارية ، وهذا محلّ الوفاق عند الفقهاء ظاهرا (١) ، فلاحظ!

قوله : ففي كلامهم مساهلة ومسامحة (٢) ، فتأمّل ، فلعلّ تعريفها وجعلها من العقود ، وتعريفها بأنّه عقد كذا .. إلى آخره (٣).

يمكن أن يقال بإنشاء القبول الفعلي ـ أي بالشروع ـ يتحقّق القبول وتجويزه من طلب القبول الّذي أعمّ من القول والفعل ، ثمّ بعد آن الشروع (٤) وأوّله الحقيقي يصير الفعل ثمرة أو أنّه بإرادة الشروع وإقدامه عليه يتحقّق العقد ، وأنّه المراد بالقبول الفعلي ويمكن التداخل أيضا.

وبالجملة ، لا تأمّل في كون العقود المذكورة من العقود عندهم ، لا من الإيقاعات ، لما عرفت.

قوله : وبالجملة ، ينبغي أن يكون العلم متّبعا في الكلّ ، بل الظنّ الغالب القائم مقامه ، بحيث لا يكون دلالته أضعف من اللفظ المحتمل عدم إرادة معنى له أصلا .. إلى آخره (٥).

قد عرفت في كتاب البيع أنّ مجرّد الرضا لا يصير منشأ لانتقال الأموال وغيرها ، وإن كان في غاية من المرتبة ، وكذا في النكاح ، والطلاق ، وغير ذلك ، كما هو بديهي ، وأنّ العبرة إنّما هي بالعقود ، وأنّ المتبادر منها المجمع على صحّتها ما هو باللفظ ، وأنّ غير اللفظ يحتاج إلى مثبت (٦) ، فلاحظ.

__________________

(١) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢١٢.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( مسامحة ومساهلة ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦١.

(٤) في ب : ( ثمّ إنّ بعد الشروع ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٢.

(٦) راجع الصفحة : ٧١ من هذا الكتاب.

٥٧٥

فظهر أنّ كلّ ظنّ لا يكفي ، بل ربّما يكون في الظنون المحرّمة.

وعرفت أيضا أنّ ثمرة العقد غير ثمرة مجرّد إباحة التصرّف ، سيّما الإباحة الّتي لا تظهر من لفظ ومثله ، بل من مجرّد الفحوى أو القرينة.

قوله : والجواز غير بعيد ، مع القرينة بأنّ المقصود غير متعلّق بالمستعير المعيّن (١) ، والقرينة المفيدة (٢) متّبعة .. إلى آخره (٣).

مع وجود القرينة لا وجه للقول بعدم البعد ، سيّما بعد الإصرار بعدم الحاجة إلى لفظ أصلا ورأسا ، بل لا تأمّل أصلا حينئذ.

وأمّا مع عدمها ، فإن كان دلالة عرفيّة فهي كوجود القرينة لا وجه للتأمّل فيه ، وإلّا فلا وجه للتأمّل في عدم الجواز.

ومجرّد عدم غرض يتعلّق بالمعيّن غالبا ، كيف يكفي لتجويز الرخصة؟ إلّا أنّ مراده رحمه‌الله (٤) ظهور عدم الغرض بالمعيّن ، بحيث يظهر تجويز المالك التعدّي ، لكن هذا مقصور في القرينة أو دلالة العرف ، لكن مع وجود القرينة ، فالقرينة متّبعة ، أيّ شي‌ء يقتضي ، إذ ربّما يقتضي التعدّي إلى الأكثر ضررا أيضا ، وربّما يقتصر على الأدون خاصّة ، ودلالة العرف ليست كلّية ، بل هي مقصورة في جزئيّات ، فتأمّل!

قوله : ويؤيّده جواز ركوب المساوي للدابّة المستأجرة وإجارتها للمساوي والأدنى ، والاحتياط العدم (٥) ، لعدم جواز تسليط أحد على مال الغير إلّا بإذنه

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( متعلّق بالمستعير والمعير ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( المقيّدة ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٤.

(٤) في ه : ( إلّا أن يكون مراده رحمه‌الله ).

(٥) في النسخ الخطّية : ( للدابّة المستأجرة للمساوي والأولى ، والاحتياط : العدم ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.

٥٧٦

المعلوم ، والفرض عدمه ، فتأمّل .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ البناء في الإجارة على أنّ المنفعة تصير ملك المستأجر ، و « الناس مسلّطون على أموالهم » (٢) ، بخلاف العارية ، فإنّها من باب الإمتاع ، كما هو الظاهر من الأدلّة وأقوال الفقهاء.

قوله : كأنّه لا خلاف فيه عندنا ، ولأنّه لا مانع منه عقلا ولا نقلا (٣) ، والأصل الجواز .. إلى آخره (٤).

إنّ هذه الأدلّة تدلّ على صحّة نفس الفعل وجوازه ، ولا تأمّل في أنّ صاحب المال بأيّ نحو يرضى أن يتصرّف أحد في ماله فهو حلال ، إلّا أن يتحقّق المنع من الشرع ، لكن كون ذلك عارية يحتاج إلى دليل ، سيّما مع الاتّفاق على أنّ العارية في المنافع خاصّة ، وأنّ الأعيان ليست من باب المنافع.

قوله : ومن طريق الخاصّة ما رواه الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليه‌السلام : « في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمنا شيئا معلوما (٥) أو دارهم معلومة ، من كلّ شاة كذا وكذا ، قال : لا بأس بالدراهم ، ولست أحبّ أن يكون بالسمن » (٦) .. إلى آخره (٧).

لا وجه للاستدلال

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٥.

(٢) عوالي اللآلي : ١ ـ ٤٥٧ الحديث ١٩٨.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( عقلا ونقلا ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٦ ، وفيه : ( لا خلاف فيها عندنا ).

(٥) كذا في النسخ ، وفي مجمع الفائدة والبرهان ، وفي مصادر الحديث : ( بضريبة سنة شيئا معلوما ).

(٦) الكافي : ٥ ـ ٢٢٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٢٧ الحديث ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٥٠ الحديث ٢٢٧٢٤.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٦ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢١٠.

٥٧٧

بالروايتين (١) أصلا ، ولا للقياس بطريق أولى ، لما عرفت سابقا أنّها من باب الإمتاع بخصوص المنفعة ، ولأنّه عليه‌السلام قال : « لا بأس بالدراهم ، ولست أحبّ أن يكون بالسمن ».

على أنّ ما ذكره لو تمّ ، لصحّ الاستدلال بما دلّ على حلّية البيع وصحّته ، وكذا الصلح على صحّة الهبة ، بل بطريق أولى ، وفيه ما فيه ، فتأمّل!

قوله : والظاهر أن لا خلاف في الغنم للحلب ، فعلم أن ليس ذلك مانعا عقلا ، وليس في الشرع أيضا مانع ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٢).

في ذلك كلّه تأمّل ظاهر ، عرفته في بحث الإجارة.

وإطلاق لفظ العارية على المنحة لا يقتضي على سبيل الحقيقة ، فإنّ الإطلاق أعمّ ، وكذا ذكرها في كتاب العارية ، إذ كثيرا ما يذكرون ما يناسب الكتاب فيه استطرادا أو مشابهة لشدّة علاقة.

والكلّ اتّفقوا في تعريفها بأنّها تبيح الانتفاع وأمثال هذه العبارة ، واتّفقوا على أنّ المنفعة في مقابل العين ، كما ظهر لك في الإجارة (٣) ، وربّما كان المتبادر من إطلاق لفظ العارية عرفا هو ما ذكرناه ، والتبادر علامة الحقيقة.

وممّا دلّ على ما ذكرنا ، عدم تعميم أحد منهم بحيث يشمل الأشجار للثمرات والزروع والحيوانات للإنتاج ، وأمثال ذلك ، بل اقتصارهم على المنحة ليس إلّا.

__________________

(١) أي : رواية الحلبي ـ المشار إليها في الهامش السابق ـ ورواية عبد الله بن سنان : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٦ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٥٠ الحديث ٢٢٧٢٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٧.

(٣) راجع الصفحة : ٤٧٩ من هذا الكتاب.

٥٧٨

قوله : وتجويز ذلك (١) غير معلوم ، إلّا أن لا يجوّزوا التعدّد فيه ، كما لم يجوّزوا في إباحة الوطء ، والاحتياط لا يترك .. إلى آخره (٢).

بل الظاهر العدم ، بل لا تأمّل في ذلك بملاحظة كلماتهم في التحليل ، بل وبملاحظة أدلّة التحليل ، مع أنّ الأصل المنع ، فلاحظ وتأمّل!

قوله : ويكره استعارة أحد الأبوين للخدمة ، لأنّ استخدامهما مكروه ، لمنافاته التعظيم لهما .. إلى آخره (٣).

بل بملاحظة الأخبار (٤) ربّما احتمل الحرمة.

قوله : ويدلّ عليه الروايات الصحيحة أيضا ، ولكن في بعضها قيد بأنّه إن كان أمينا لم يضمن .. إلى آخره (٥).

لا تدلّ إلّا أنّها إن تلفت لا يكون فيه غرامة ، لا أنّ المستعير إذا أتلفه بالانتفاع لا يكون ضمان أيضا ، مع أنّ عدم الضمان في العارية إنّما هو بالنسبة إلى المنفعة خاصّة ، إلّا أن يقال : إذا توقّف الانتفاع على التلف والنقص ، فمطلق الرخصة يدلّ على الإذن في الإتلاف بغير عوض كالمنفعة ، فتأمّل!

قوله : والظاهر عدمهما ، ولهذا قال في « الشرائع » (٦) بعد الحكم المذكور ..

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وتجويز مثل ذلك ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٦٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٧٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢١٠.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢١ ـ ٤٨٧ البابين ٩٢ و ٩٣ من أبواب أحكام الأولاد.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٧١.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( ولذا قال في شرح الشرائع ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه من النسخ ، لأنّ نصّ العبارة الّتي ذكرها الشارح ـ والّتي هي : ( والوجه تعلّق الضمان بالغاصب حسب ) ـ مذكور في شرائع الإسلام : ٢ ـ ١٧٢.

٥٧٩

إلى آخره (١).

كيف يدّعي ظهور عدمهما مع أنّ عموم « على اليد » يشمله ، مع كونه منجبرا بعمل الأصحاب ، كما مرّ؟!

قوله : ولو اغرم الغاصب ، فمقتضى قاعدتهم المشهورة من أنّ ترتّب الأيدي على الغصب موجب للضمان على من تلف في يده (٢) ، أنّه يرجع الغاصب إلى المستعير ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).

للغاصب الأوّل أن يقول للثاني ـ الّذي تلفت في يده ـ : ردّ الّذي أخذت منّي إلى صاحبه إن كان وإلّا فعوضه ، لعموم « على اليد » ، ولعلمك بالغصب ، فإن ردّه على صاحبها أخذه منه ، لأنّه لا يستحقّ غير نفس ماله أو عوضه ، لا عوضين ، فتأمّل!

قوله : إذا علم جواز الغرس والوضع على الحائط ، فانقلاعه ليس بمبطل للإذن ، إلّا أن يكون الإذن مخصوصا بزمان وخرج ذلك الزمان .. إلى آخره (٤).

الظاهر أنّه مبطل ، لأنّ إذنه لم يظهر إلّا للوضع والغرس الأوّل ، مع أنّك عرفت أنّ العارية عقد لا مجرّد إباحة التصرّف ، والمعقود عليه لم يكن إلّا الأوّل.

اللهم إلّا أن يقع العقد على كلّ وضع وغرس ، ولم يتحقّق الرجوع أصلا ، فتأمّل.

وبالجملة ، الغرس أمر سوى البقاء مغروسا ، والعقد وقع على الغرس الأوّل والبقاء بعده. أمّا الغرس الثاني ، فليس متعلّق العقد وما وقع العقد عليه ، والتعدّي

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٨٠.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( موجب للضمان ، ويستقرّ الضمان على من تلف في يده ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٨٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٨٥.

٥٨٠