الناسخ والمنسوخ - المقدمة

الناسخ والمنسوخ - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٢

يرحلون إليها من مختلف الأمصار لإتمام ما ابتدءوه من العلوم والفنون ، فكانت بمثابة مدرسة عليا لطلاب العلوم الشرعية والعربية. وكان فيها كبار المحدثين والقراء والفقهاء والنحويين وحفاظ اللغة وآداب العرب ، وقلما كان يتم لإنسان وصف عالم أو فقيه أو محدث إلا إذا رحل إلى بغداد وأخذ عن علمائها (١).

والمأمون كان عهده من أرقى عهود العلم في عصر بني العباس ساعد على ذلك أمران :

أولهما : اشتغال الخليفة نفسه بالعلم وطلبه منذ نعومة أظفاره فلقد جالس العلماء وأخذ عنهم الحديث والتفسير والفقه واللغة فعلى سبيل المثال قد عمل أبو عبيد غريب الحديث للمأمون وقرأه عليه (٢).

وثانيهما : نبوغ الأعداد الغفيرة من العلماء آنذاك في مختلف العلوم (٣) إذ امتلأت أرجاء الولايات الإسلامية بكبار الحفاظ والأئمة كالإمام أحمد والبخاري والأصمعي والكسائي ، والفراء ، وابن المبارك ، وسفيان الثوري ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع بن الجراح وأمثالهم وأشباههم.

وتبع الخلفاء في الاهتمام بشأن العلم وإعلاء منزلة العلماء كثير من القواد والولاة في هذا العصر أمثال طاهر بن الحسين والي خراسان وابنه عبد الله من بعده وهرثمة بن أعين والي طرسوس.

.... ولئن كان ذلك كذلك فإني لا أعتبر اهتمام الخلفاء وولاتهم في أي عصر من العصور الزاهرة في تاريخ أمتنا وحده سببا في نبوغ العلماء ووصول الخط البياني للعلم إلى أعلى درجة في الارتفاع. إذ أن البذور لا تستنبت في الهواء ولو لم يلق الخلفاء والولاة نهضة علمية جادة قوية التمكين لما نشأ لديهم الاهتمام بالعلم أصلا ولما وجدوا إبداعا علميا يكافئون عليه أصحابه ومبدعيه. بل إن

__________________

(١) انظر : محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية ص ١٣٥.

(٢) انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٨.

(٣) انظر : محاضرات تاريخ الأمم ٢٠٦.

٢١

الخليفة أحيانا يوصد الأبواب أمام حرية الاتجاه العلمي. ويحاول إكراه ما وصلت يده إليه من العلماء على اعتناق مذهب يرون بطلانه ، وشبهة أوضحت لهم الأدلة والنصوص ضلال من انتحلها أو دعا إليها.

ومع هذا تستمر مسيرة هؤلاء العلماء فوق الصخور ومن خلال الأشواك. لأن حكمة الله جلّ ثناؤه اقتضت ذلك : إذا أراد الله إعزاز شرعه قيض له من يناوئه. وبعد فإن رصدا عاجلا لشيوخ أبي عبيد الذين تلقى عنهم الحديث والتفسير واللغة والقراءات ليعطي صورة واضحة عن المستوى العلمي الذي كان علماء ذلك العصر يرفلون في حلله.

٤ ـ مكانته وثناء العلماء عليه

إن لأبي عبيد من حصافة الرأي ورجاحة العقل وبعد النظر والتمكن من العلم ما جعله يحظى بالمنزلة الرفيعة لدى جلسائه وندمائه ومن عاصره من الولاة والأئمة والحفاظ ، ومن وصلت إليهم مصنفاته وسيرته.

قال أبو الحسن النحوي : كان طاهر بن الحسين حين مضى إلى خراسان نزل بمرو فطلب رجلا يحدثه ليلة فقيل : ما هاهنا إلا رجل مؤدب فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام ، فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه ، فقال له : من الظلم تركك بهذا البلد ، ودفع إليه ألف دينار.

ولما عمل أبو عبيد كتاب : غريب الحديث وعرضه على عبد الله بن طاهر استحسنه وقال : إن عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألا يحوج إلى طلب المعاش فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر (١).

__________________

(١) انظر : إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي ٣ / ١٣ ، ١٥ ، ١٦ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٥ ، ٤٠٦. قلت : ولا يظن ظان أن أبا عبيد كان يمتهن شرف العلم بأخذ العطايا على تصنيفه إذ قد روى

٢٢

وبينما أبو عبيد في صحبة عبد الله بن طاهر إذ وجه إليه أبو دلف (١) يستهديه أبا عبيد مدة شهرين ، فأنفذ أبا عبيد إليه فأقام شهرين بمثابة الأستاذ الزائر ، فلما أراد أبو عبيد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال : أنا في جنبة رجل ما يحوجنى إلى صلة غيره ولا آخذ ما فيه علي نقص (٢).

ولما مات أبو عبيد بمكة نعي إلى عبد الله بن طاهر فرثاه بقصيدة قال فيها :

يا طالب العلم قد مات ابن سلاّم

وكان فارس علم غير محجام

مات الذي كان فيكم ربع أربعة

لم يلف مثلهم إسناد أحكام

حبر البرية عبد الله أولهم

وعامر ولنعم الثاويا عامي

هما اللذان أنافا فوق غيرهما

والقاسمان ابن معن وابن سلام (٣)

ولقد اتفق أهل عصره في الثناء عليه والاعتراف بعلو قدره وإنزاله مدارج العلماء الكبار ، أثنى عليه المحدثون والفقهاء والأدباء وعلماء اللغة ونطقوا في بيان أمانته وورعه وسعة علمه وجودة مؤلفاته وتصانيفه.

__________________

الخطيب في تاريخه بسنده قال ابن عرعرة : كان طاهر بن عبد الله ببغداد فطمع في أن يسمع من أبي عبيد وطمع أن يأتيه في منزله فلم يفعل أبو عبيد ، حتى كان هذا يأتيه ، فقدم علي بن المديني وعباس العنبرى فأرادا أن يسمعا غريب الحديث فكان يحمل كل يوم كتابه ويأتيهما في منزلهما فيحدثهما فيه.

انظر : ( تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٧ ).

قلت : أفلست ترى أن أبا عبيد يذهب إلى الأب عبد الله بن طاهر لمكانته وإجلاله للعلم كما كان يذهب إلى يحيى بن معين والعنبرى ويمتنع عن المجيء إلى الابن طاهر بن عبد الله صيانة للعلم وحفظا لشرفه.

(١) أبو دلف : هو القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمرو أبو دلف العجلي أمير الكرج ، كان شاعرا أديبا سمحا جوادا وبطلا شجاعا ، مات ببغداد سنة خمس وعشرين ومائتين.

انظر : ( تاريخ بغداد ١٢ / ٤٢٢ ).

(٢) انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٦ ، معجم الأدباء ٨ / ٢٥٦.

(٣) المرجع السابق ٤١٢.

٢٣

قال إسحاق بن راهويه : الحق يحبه الله عزوجل أبو عبيد القاسم بن سلام أفقه مني وأعلم مني وقال : أبو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا جمعا. إنا نحتاج إلى أبى عبيد وأبو عبيد لا يحتاج إلينا (١).

وقال الإمام أحمد : أبو عبيد القاسم بن سلاّم ممن يزداد كل يوم عندنا خيرا (٢).

وقال حمدان بن سهل : سألت يحيى بن معين عن الكتابة عن أبي عبيد والسماع منه فتبسم وقال : مثلي يسأل عن أبي عبيد؟! أبو عبيد يسأل عن الناس لقد كنت عند الأصمعي يوما إذ أقبل أبو عبيد فشق إليه بصره حتى اقترب منه فقال : أترون هذا المقبل؟ قالوا : نعم. قال : لن تضيع الدنيا أو لن يضيع الناس ما حيى هذا (٣).

وقال القاضي أحمد بن كامل : أبو عبيد فاضل في دينه وعلمه متفنن في أصناف علوم الإسلام من القرآن والفقه والعربية والأخبار ، حسن الرواية صحيح النقل لا أعلم أحدا من الناس طعن عليه في شيء من أمر دينه (٤).

وقال الهلال بن العلاء الرقي : منّ الله تعالى على هذه الأمة بأربعة في زمانهم : بالشافعي تفقه في حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالإمام أحمد ثبت في المحنة ولو لا ذلك لكفر الناس أو قال ابتدعوا ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأبي عبيد القاسم بن سلاّم فسر غريب الحديث ولو لا ذلك لاقتحم الناس الخطأ (٥).

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٢ / ٤١١ ، طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص ٢١٧ ، إنباه الرواة للقفطي ٣ / ١٩.

(٢) تاريخ بغداد ١٢ / ٤١٤ ، ٤١٥ ، إنباه الرواة ٣ / ٢١.

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٤١٤ ، إنباه الرواة ٣ / ٢١.

(٤) مرآة الجنان لليافعي ٢ / ٨٤ ، إنباه الرواة المرجع السابق ، نور القبس لليغموري ٣١٥.

(٥) انظر : مرآة الجنان لليافعي ٢ / ٨٥ ، نزهة الألباء ص ١٣٩.

٢٤

وقال الحاكم : هو الإمام المقبول عند الكل (١).

وقال عمرو بن بحر الجاحظ : ومن المعلمين ثم الفقهاء والمحدثين ، ومن النحويين والعلماء بالكتاب والسنة والناسخ والمنسوخ وبغريب الحديث ، وإعراب القرآن ، وممن قد جمع صنوفا من العلم أبو عبيد القاسم بن سلام ، وكان مؤدبا لم يكتب الناس أصح من كتبه ولا أكثر فائدة (٢).

وبالغ السيوطى في الثناء عليه فقال : كان أبو عبيد إمام أهل عصره في كل فن من العلم (٣).

وقال ابن درستويه الفارسي النحوي ؛ كان أبو عبيد ذا فضل ودين وستر ومذهب حسن (٤).

وبعد فهذه شخصية أبي عبيد العلمية من خلال شهادات علماء كبار وأئمة حفاظ تتلمذ على بعضهم ، والبعض الآخر أخذوا عنه وسمعوا تصانيفه ، فكانوا كما قال ابن درستويه : وكتبه مستحسنة مطلوبة في كل بلد والرواة عنه مشهورون ثقات ذوو ذكر ونبل (٥).

٥ ـ ذكر من أخذ عنهم العلم

أخذ أبو عبيد وسمع القراءات والتفسير والحديث واللغة والأدب ، والفقه عن خلائق لا يحصون وسأذكر جملة من بعض هذه الفئات معرفا بكل منهم على جهة الاختصار والإيجاز.

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ١ / ٢٧١.

(٢) انظر : طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ٢١٧.

(٣) انظر : بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٢٥٣.

(٤) انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٤.

(٥) المرجع السابق.

٢٥

شيوخه في القراءات :

أخذ أبو عبيد القراءة عرضا وسماعا عن قراء مشهود لهم بالإمامة والفضل فكان منهم :

١ ـ الكسائي : هو علي بن حمزة بن عبد الله بن قيس بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفي الكسائي أحد أئمة القراءة والتجويد في بغداد ، أخذ القراءة عن حمزة الزيات مذاكرة وقرأ عليه القرآن أربع مرات ، يقال أن سبب تسميته الكسائي أنه كان يحضر مجلس حمزة بالليل ملتفا في كساء. وقيل أحرم في كساء فلقب الكسائي ، أثنى عليه الشافعي في النحو ، وقال ابن الأنباري كان أعلم الناس بالنحو والعربية والقراءات ، مات بالري سنة ثمانين ومائة. وقيل سنة تسع وثمانين ومائة وقيل غير ذلك (١).

٢ ـ شجاع بن أبي نصر البلخى أبو نعيم المقري ، قال أبو عبيد القاسم ابن سلاّم : حدثنا شجاع بن أبي نصر وكان صدوقا مأمونا ، سئل عنه أحمد بن حنبل فقال : بخ بخ ، وأين مثله اليوم ، توفي شجاع ببغداد سنة تسعين ومائة (٢).

٣ ـ إسماعيل بن جعفر القاري : هو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبو إسحاق القاري. أخذ القراءة عرضا على شيبة بن نصاح وبرع في القراءة فنزل بغداد ونشر بها علمه وأقرأ بها ، قال ابن معين : إسماعيل بن جعفر ثقة مأمون قليل الخطأ ، توفي ببغداد سنة ثمانين ومائة (٣).

٤ ـ حجاج بن محمد المصيصي الأعور أبو محمد مولى سليمان بن مجالد ترمذي الأصل ، سكن بغداد ثم تحول إلى المصيصة قال الإمام أحمد :

__________________

(١) انظر : التهذيب ٧ / ٣١٣ ، ٣١٤ ، تاريخ العلماء النحويين ص ١٩٠ ، ١٩٣.

(٢) التهذيب ٤ / ٣١٣ ، معرفة القراء الكبار ١ / ١٣٤.

(٣) التهذيب ١ / ٢٨٧ ، معرفة القراء الكبار ١ / ١٢٠.

٢٦

ما كان أضبطه وأشد تعاهده للحروف ، مات ببغداد سنة ست ومائتين وقال في التقريب : ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته (١).

٥ ـ أبو مسهر : عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسلم الغساني أبو مسهر الدمشقي ، قال أحمد : رحم الله أبا مسهر ما كان أثبته ، وقال ابن حبان كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان. أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم القارئ ونافع بن أبي نعيم ، روى القراءة عنه أبو عبيد. ولد سنة أربعين ومائة ومات محبوسا بسبب الفتنة بالقرآن بالعراق سنة ثمان عشرة ومائتين (٢).

٦ ـ هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي ، إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم وفقيههم ، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة ، روى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلاّم قبل وفاته (٣) بنحو أربعين سنة ، مات سنة خمس وأربعين ومائتين وقيل سنة أربع وأربعين (٤).

٧ ـ سليمان بن داود بن حماد بن سعد الرشديني ، أبو الربيع المهري المصري ، المقري كان من جلة القراء وعبّادهم ، ولد سنة ثمان وسبعين ومائة ، وتوفي في أول ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين ومائتين (٥).

٨ ـ سليم بن عيسى بن سليم بن عامر بن غالب ، أبو عيسى ويقال أبو محمد الحنفي مولاهم الكوفي المقري ، صاحب حمزة الزيات ، وأخص تلامذته ، وأحذقهم بالقراءة وأقومهم بالحرف. حتى إن رفقاءه في القراءة على حمزة قرءوا عليه لإتقانه.

قال الدوري : حدثنا الكسائي ، قال : كنت أقرأ على حمزة فجاء سليم فتلكأت فقال لي حمزة : تهاب سليما ولا تهابني ، فقلت يا أستاذ أنت إن

__________________

(١) التهذيب ٢ / ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، التقريب ١ / ١٥٤ ، غاية النهاية في طبقات القراء ١ / ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٦ / ٩٨ ـ ١٠١ ، غاية النهاية في طبقات القراء ١ / ٣٥٥.

(٣) أي وفاة هشام بن عمار.

(٤) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦.

(٥) انظر : معرفة القراء الكبار ١ / ١٥١ ، ١٥٢ ، غاية النهاية في طبقات القراء ١ / ٣١٣.

٢٧

أخطأت قومتني وهذا إن أخطأت عيرني. ولد ابن عامر سنة ثلاثين ومائة ، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة وقيل سنة تسع وثمانين ومائة (١).

٩ ـ يحيى بن آدم بن سليمان بن خالد بن أسيد أبو زكريا الصلحي ، إمام كبير حافظ.

سئل الإمام أحمد بن حنبل عنه فقال : ما رأيت أحدا أعلم ولا أجمع للعلم منه وكان عاقلا حكيما ، توفي يوم النصف من ربيع الآخر سنة ثلاث ومائتين بفم الصلح قرية من قرى واسط (٢).

شيوخه فى الحديث :

١ ـ إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي ، قال الإمام أحمد : ليس أحدا أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش. وقال يزيد بن هارون : ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش ، وقال علي بن المديني : كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام فأما ما روى عن غير أهل الشام ففيه ضعف ، وقال أبو حاتم : لين يكتب حديثه ، وقال في التقريب : صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم ، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ، وله بضع وتسعون سنة (٣).

٢ ـ إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري ، وقد مر له ترجمة (٤).

٣ ـ هشيم ـ بالتصغير ـ بن بشير : ابن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي ، ثقة ثبت ، كثير التدليس والإرسال الخفي ، من السابعة ، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة وقد قارب الثمانين (٥).

__________________

(١) انظر : معرفة القراء الكبار ١ / ١١٥ ، ١١٦.

(٢) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ٢ / ٣٦٣ ، ٣٦٤.

من أجل معرفة من أخذ عنهم أبو عبيد القراءة. انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ٢ / ١٨. معرفة القراء الكبار ١ / ١٤١ ، طبقات المفسرين للداودي ٢ / ٣٣.

(٣) انظر : التهذيب ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٦. التقريب ١ / ٧٣.

(٤) انظر ص (٢٦).

(٥) التقريب ٢ / ٣٢٠.

٢٨

٤ ـ شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط ثم الكوفة ، أبو عبد الله ، صدوق ، يخطئ كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ، وكان عادلا فاضلا عابدا ، شديدا على أهل البدع من الثامنة ، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة (١).

٥ ـ عبد الله بن المبارك : المروزي مولى بني حنظلة ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد ، جمعت فيه خصال الخير ، من الثامنة ، مات سنة إحدى وثمانين ومائة وله ثلاث وستون (٢).

٦ ـ أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه ، ثقة عابد ، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح ، من السابعة ، مات سنة أربع وتسعين ومائة وقد قارب المائة (٣).

٧ ـ جرير بن عبد الحميد بن قرط ـ بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة ـ الضبي الكوفي ، نزيل الري وقاضيها ، ثقة صحيح الكتاب ، قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه ، مات سنة ثمان وثمانين ومائة وله إحدى وسبعون سنة (٤).

٨ ـ سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي ، أبو محمد الكوفى ثم المكي ، ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بآخره وكان ربما دلّس لكن عن الثقات من رءوس الطبقة الثامنة ، مات في رجب سنة ثمان وتسعين وله إحدى وتسعون سنة (٥).

__________________

(١) التقريب ١ / ٣٥١.

(٢) التقريب ١ / ٤٤٥.

(٣) التقريب ٢ / ٣٩٩.

(٤) التقريب ١ / ١٢٧.

(٥) التقريب ١ / ٣١٢.

٢٩

٩ ـ هشام بن عمار : وقد سبق له ترجمة (١).

١٠ ـ إسماعيل بن عليّة : هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم ، أبو بشر البصري المعروف بابن علية ، ثقة حافظ من الثامنة ، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة (٢).

١١ ـ يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم ، أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد ، من التاسعة ، مات سنة ست ومائتين وقد قارب التسعين (٣).

١٢ ـ يحيى بن سعيد بن فروخ ـ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة ـ التميمي ، أبو سعيد القطان البصري ، ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله ثمان وسبعون سنة (٤).

١٣ ـ حجاج بن محمد المصيصي الأعور أبو محمد قد سبق له ترجمة (٥).

١٤ ـ أبو معاوية الضرير : هو محمد بن خازم ـ بمعجمتين ـ الكوفى عمي وهو صغير ، ثقة ، من كبار التاسعة ، مات سنة خمس وتسعين ومائة وله اثنتان وثمانون وقد رمي بالإرجاء (٦).

١٥ ـ عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم ، أبو سعيد البصري ، ثقة ، ثبت ، حافظ ، عارف بالرجال والحديث ، قال ابن المديني : ما رأيت أعلم منه ، من التاسعة ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة (٧).

__________________

(١) انظر ص (٢٧).

(٢) التقريب ١ / ٦٦.

(٣) التقريب ٢ / ٣٧٢.

(٤) التقريب ٢ / ٣٤٨.

(٥) انظر ص (٢٦).

(٦) التقريب ٢ / ١٥٧.

(٧) التقريب ١ / ٤٩٩.

من أجل معرفة من أخذ عنهم أبو عبيد الحديث. انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٣ ، طبقات الشافعية الكبرى ١ / ٢٧٠.

٣٠

شيوخه في اللغة والأدب :

١ ـ أبو زيد الأنصاري : هو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن قيس ابن زيد بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي البصري النحوي اللغوي الإمام الأديب ، يروى عن أبي عبيدة والأصمعى أنهما سئلا عن أبي زيد الأنصاري فقالا : ما شئت عن عفاف وتقوى وإسلام. توفي بالبصرة سنة خمس عشرة ومائتين في خلافة المأمون وقد جاوز التسعين (١).

٢ ـ أبو عبيدة معمر بن المثنى : هو أبو عبيدة البصري مولى بني تيم قريش ، كانت ولادته في رجب سنة عشر ومائة ، من أعلم الناس باللغة وأنساب العرب وأخبارها وأول من صنف غريب الحديث ، توفي سنة ثمان ومائتين وقيل بعد ذلك (٢).

٣ ـ الأصمعي : عبد الملك بن قريب بن عبد الملك ، أبو سعيد الأصمعي ، صاحب اللغة والنحو والغريب والأخبار والملح ، مات سنة سبع عشرة ومائتين وقيل قبل ذلك بالبصرة وعمره ثمان وثمانون سنة (٣).

شيوخه في الفقه :

أخذ أبو عبيد الفقه عن الإمام الشافعي والتقى بالإمام أحمد بن حنبل فأخذ عنه وتأثر به.

١ ـ الشافعي : محمد بن إدريس بن العباس أبو عبد الله الشافعي الإمام زين الفقهاء ، وتاج العلماء ، ولد بغزة من بلاد الشام وقيل باليمن ، ونشأ بمكة

__________________

(١) انظر : معجم الأدباء. المجلد السادس جزء ١١ / ٢١٢ ـ ٢١٦.

(٢) انظر : معجم الأدباء ١٩ / ١٥٤ ـ ١٦٢.

(٣) انظر : تاريخ بغداد ١٠ / ٤١٠ ـ ٤٢٠.

من أجل معرفة شيوخه في الأدب. انظر : نزهة الألباء لابن الأنباري ١٣٧.

٣١

وكتب العلم بها وبمدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقدم بغداد وحدث بها وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته ، أثنى عليه الإمام أحمد فقال : ( إن الله تعالى يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي رضى الله عنه ). توفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين (١). ولقد تفقه أبو عبيد علي الشافعي وتناظر معه في القرء هل هو حيض أو طهر إلى أن رجع كل منهما إلى ما قاله الآخر. قال السبكى فى طبقاته : كان الشافعي يقول إنه الحيض وأبو عبيد يقول إنه الطهر فلم يزل كل منهما يقرر قوله حتى تفرقا. وقد انتحل كل واحد منهما مذهب صاحبه وتأثر بما أورده من الحجج والشواهد. قال السبكي : قلت : وإن صحت هذه الحكاية ففيها دلالة على عظمة أبي عبيد فلم يبلغنا عن أحد أنه ناظر الشافعي ثم رجع الشافعي إليه .... (٢).

٢ ـ أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد أبو عبد الله إمام المحدثين ، الناصر للدين ، والمناضل عن السنة ، والصابر في المحنة مروزي الأصل ، قدمت أمه بغداد وهي حامل فولدته ونشأ بها وطلب العلم وسمع الحديث من شيوخها ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة وسمع وكتب عن الكثير من علماء عصره ، توفي يوم الجمعة في الضحى سنة إحدى وأربعين ومائتين (٣).

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٥٦ ـ ٧٣.

(٢) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧٣.

(٣) انظر تاريخ بغداد ٤ / ٤١٢ ـ ٤٢٣.

من أجل معرفة عمن أخذ أبو عبيد الفقه. انظر : طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ١ / ٢٧٠ ، تهذيب الأسماء واللغات. الجزء الثاني من القسم الأول ٢٥٧.

٣٢

٦ ـ ذكر الذين أخذوا عنه العلم

أمر بدهي أن تجد عالما كبيرا كأبي عبيد ممن عرف بثقته وأمانته وسعة علمه وإتقانه لمعارف عديدة كالقرآن وعلومه والحديث واللغة والأدب .. أن تجد مثل هذا الرجل قد شدت إليه الرحال والتف حوله طلاب العلم وعاشوا في صحبته فخلّف من التلاميذ والمستفيدين بعلمه خلائق لا يحصون كانوا كما قال القفطي في إنباه الرواة : وعادت بركة أبي عبيد رحمه‌الله على أصحابه فكلهم نبغ في العلم واشتهر ذكره ، وأخذ عنه وتصدر للإفادة (١).

وسأذكر جملة ممن رووا عنه أو تتلمذوا عليه وصحبوه مستغنيا بمن أذكر عمن أدع منهم وأغفل :

١ ـ ابن أبي الدنيا : هو عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي مولاهم ، أبو بكر بن أبي الدنيا البغدادي ، صدوق حافظ ، مات سنة إحدى وثمانين ومائتين ، وله ثلاث وسبعون (٢).

٢ ـ نصر بن داود الصاغاني : أبو منصور ، سكن بغداد وحدث بها عن جماعة منهم أبو عبيد القاسم بن سلاّم وكان صاحبا له ، مات سنة إحدى وسبعين ومائتين (٣).

٣ ـ علي بن عبد العزيز البغوي وسيأتي إفراده بترجمة مستقلة.

٤ ـ محمد بن إسحاق الصاغاني : أبو بكر ، نزيل بغداد ، ثقة ثبت ، من الحادية عشرة ، مات سنة سبعين ومائتين (٤).

٥ ـ أحمد بن يوسف أبو عبد الله التغلبي ، قال عبد الله بن الإمام أحمد : أحمد بن يوسف التغلبى ثقة ، توفي يوم الجمعة أول يوم من رجب سنة ثلاث وسبعين ومائتين (٥).

__________________

(١) انظر : إنباه الرواة ٣ / ٢١.

(٢) التهذيب ١٢٦ ـ ١٣ ، التقريب ١ / ٤٤٧.

(٣) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٩٢.

(٤) التهذيب ٩ / ٣٥ ، ٣٦ ، التقريب ٢ / ١٤٤.

(٥) انظر : تاريخ بغداد ٥ / ٢١٨ ، ٢١٩.

٣٣

٦ ـ الحارث بن محمد بن أبي أسامة : اسمه زاهر ، ولد في شوال سنة ست وثمانين ومائة ، قال الدارقطني : صدوق ، وقال إبراهيم الحربي لمن سأله عن سماع الحديث منه : اسمع منه فإنه ثقة مات ليلة عرفة سنة اثنتين وثمانين ومائتين (١).

٧ ـ محمد بن يحيى المروزي : هو محمد بن يحيى بن سليمان بن زيد بن زياد ، أبو بكر ، مروزي الأصل حدث عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم ، ذكره الدارقطني فقال : صدوق ، مات في شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين (٢).

٨ ـ أحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد القاسم بن سلاّم ، كان من أهل العلم والفضل (٣).

٧ ـ عقيدته

إن زيغ العقيدة وانحرافها لدى عالم ما أو صفاءها وسلامتها من الشبه والأوهام ، له أبلغ الأثر في مدى سلامة آرائه ومصنفاته من الخلل والتحيز والجور. فالنحوي المبتدع يلجأ في كثير من الأحيان إلى إعراب النصوص على وجه يخرجها عن ظاهرها لتأييد مذهب باطل يعتنقه ، واللّغوي المبتدع تجده أيضا يبين غرائب النص من خلال الشاذ والمستنكر من المعاني والمحدث المبتدع قد يضعف أحاديث ويصحح أخرى وفقا لما يؤيد بدعته ويروج باطله ضاربا صفحا عن موازين أهل الحديث في الصحة والضعف.

والمفسر المبتدع يصرف دلالات نصوص الكتاب عن ظاهرها ويدخل فيها

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد ٨ / ٢١٨ ، ٢١٩.

(٢) تاريخ بغداد ٣ / ٤٢٢ ، ٤٢٣.

(٣) تاريخ بغداد ٤ / ٣٤٩. من أجل الاستزادة في معرفة تلاميذ أبي عبيد انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٣ ، تذكرة الحفاظ للذهبي ٢ / ٤١٧ ، طبقات المفسرين ٢ / ٣٣ ، طبقات الحفاظ للسيوطي ١٧٩ ، معرفة القراء الكبار ١ / ١٤١ ، إنباه الرواة للقفطي ٣ / ٢١ ، ٢٢.

٣٤

دلالات وأحكاما لا تحتملها النصوص. وهكذا ... لذا كان لزاما عليّ أن أتتبع عقيدة أبي عبيد فأكشف عن مدى صفائها وسلامتها من الابتداع مستندا في ذلك الكشف على نصوص توثيقية ـ أقوال ومواقف ـ سجلت لأبي عبيد.

١ ـ الإيمان :

مذهب أبي عبيد في الإيمان مذهب أهل السنة والجماعة فى أن الإيمان اعتقاد القلب مع قول اللسان وعمل الجوارح ، تبين لنا ذلك بما ثبت عنه في كتابه الإيمان إذ يقول : اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر ـ أي الإيمان ـ فرقتين :

فقالت إحداهما : الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح.

وقالت الفرقة الأخرى : بل الإيمان بالقلوب والألسنة فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر وليست من الإيمان.

ثم بين أبو عبيد مذهبه في ذلك فقال : وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا وينفيان ما قالت الأخرى (١).

وقد انتقد أبو عبيد الفئات الضالة في مفهوم الإيمان كالجهمية القائلين بأن الإيمان هو معرفة القلب فكان مما قال : ثم حدثت فرقة ثالثة شذت عن الطائفتين جميعا ليست من أهل العلم ولا الدين فقالوا : الإيمان معرفة بالقلوب بالله وحده وإن لم يكن هناك قول ولا عمل. وهذا منسلخ عندنا من قول أهل الملل الحنفية لمعارضته لكلام الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرد والتكذيب (٢). وأبطل أيضا مفهوم الإيمان عند كل من المعتزلة القائلين : إن الإيمان بالقلب واللسان مع اجتناب الكبائر فمن قارف شيئا كبيرا زال عنه الإيمان ولم يلحق بالكفر ، والخوارج

__________________

(١) انظر : كتاب الإيمان لأبي عبيد ٥٣ ، ٥٤ ت محمد ناصر الدين الألباني.

(٢) انظر : المرجع السابق ٧٩.

٣٥

القائلين بكفر مرتكب الكبيرة وخروجه من الإيمان والأباضية القائلين بأن من ترك شيئا من الطاعات كان كافر نعمه وليس بكافر شرك ، والصفرية القائلين بأن المعاصي صغارها وكبارها كفر وشرك ما فيه إلا المغفور منها خاصة ، والفضلية القائلين بأن المعاصي كلها كفر وشرك ما غفر منها وما لم يغفر (١).

٢ ـ الصفات :

سلك أبو عبيد في نصوص الصفات مسلك أهل السنة والجماعة من إمرار النصوص كما جاءت واعتقاد أن ظاهرها مراد مع عدم التعرض لها بتكييف أو تمثيل أو تشبيه أو تعطيل.

روى الذهبي في كتابه العلو : عن أبي الحسن الدارقطني قال : حدثنا محمد بن مخلد قال : حدثنا العباس الدوري قال : سمعت أبا عبيد وذكر الباب الذي يروى فيه حديث الرؤية (٢) والكرسي وموضع القدمين ، وضحك ربنا ، وحديث : أين كان ربنا؟ فقال : (٣) ولكن إذا قيل لنا كيف وضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا : لا نفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره.

ثم علق الإمام الذهبي بعد ذكره لهذه الرواية فقال : وما تعرّض (٤) لأخبار الصفات بتفسير بل عنده أن لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب العربي (٥).

ولقد كان أبو عبيد رحمه‌الله ورضي عنه يزن الرجال بميزان العقيدة. فتهبط مكانة أقوام لديه بسبب خلل في معتقداتهم وشبه ألقاها الشيطان في قلوبهم فأظهرها الله على فلتات ألسنتهم.

__________________

(١) انظر : المرجع السابق / ١٠١ ، ١٠٢.

(٢) قوله : وذكر الباب الذي يروى فيه حديث الرؤية ... الذي ذكر ذلك أبو عبيد والذي سمع ذلك منه الدوري.

(٣) أي أبو عبيد.

(٤) أي أبو عبيد.

(٥) انظر : مختصر العلو ١٨٥ ، ١٨٦. تحقيق وتعليق الألباني.

٣٦

قال الدوري : سمعت أبا عبيد ـ وذاكروه عن رجل من أهل السنة ـ يقول : هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية ، والكرسي ، وموضع القدمين ، وضحك ربنا من قنوط عباده ، وإن جهنم لتمتلئ .... وأشباه هذه الأحاديث حق. فقالوا : إن فلانا يقول : يقع في قلوبنا أن هذه الأحاديث حق.

قال أبو عبيد : ضعّفتم عندي أمره ، هذه حق لا شك فيها ، رواها الثقات بعضهم عن بعض ، إنا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نفسرها ، ولم يدرك أحد تفسيرها (١).

كما كان أبو عبيد شديدا على أهل الأهواء والبدع ، خاصة منهم أولئك الذين لا ينفع معهم المجادلة بالحجة والبرهان ، وفي ذلك يقول : عاشرت الناس وكلمت أهل الكلام ، فما رأيت قوما أضعف ولا أوسخ ولا أقذر ولا أضعف حجة ولا أحمق من الرافضة ، ولقد ولّيت قضاء الثغر فأخرجت منهم ثلاثة : جهميين ورافضيا ، أو رافضيين وجهميا وقلت : مثلكم لا يجاور الثغور (٢).

٨ ـ أقوال أثرت عنه

١ ـ قال أبو عبيد : مثل الألفاظ والمعاني الظريفة مثل القلائد اللائحة فى الترائب الواضحة (٣).

٢ ـ قال علي بن عبد العزيز : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلاّم يقول : المتبع للسنة كالقابض على الجمر وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله عزوجل (٤).

__________________

(١) انظر : طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ٢١٨.

قلت : ومراد أبي عبيد في قوله « لم يدرك أحد تفسيرها » أي حقيقتها وكيفيتها.

(٢) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ٢ / ١٨ ، طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ٢١٨.

(٣) انظر : نزهة الألباء ١٣٩ ، وتاريخ بغداد ١٢ / ٤١٠.

(٤) انظر : تاريخ بغداد ـ المرجع السابق.

٣٧

قال الألباني معقبا على ذلك : قلت هذا في زمانه فما ذا يقال في زماننا (١).

٣ ـ قال أبو عبيد : إني لأتبين في عقل الرجل أن يدع الشمس ويمشي في الظل (٢).

٤ ـ قال أبو عبيد : ربانيو العلم أربعة : فأعلمهم بالحلال والحرام أحمد ابن حنبل ، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء له علي بن المديني وأحسنهم وضعا لكتاب ابن أبي شيبة ، وأعلمهم بصحيح الحديث يحيى بن معين (٣).

٥ ـ قال أبو عبيد : من شكر العلم أن تقعد مع كل قوم فيذكرون شيئا لا تحسنه فتتعلم ثم تقعد بعد ذلك في موضع آخر ، فيذكرون ذلك الشيء الذي تعلمته فتقول : والله ما كان عندي شيء حتى سمعت فلانا يقول كذا وكذا فتعلمته فإذا فعلت ذلك فقد شكرت العلم (٤).

٩ ـ مصنفاته

عرف أبو عبيد لدى معاصريه ومن جاء بعده من العلماء الأئمة بأنه اللّغوي ، المحدث ، المفسر ، المقرئ ، الفقيه ، المؤدب. صاحب التصانيف فكان كما وصفوه وعرفوه بل أعظم شأنا وأكبر قدرا من ذلك.

صنف في فنون وألوان من العلم مختلفة ، فروى الناس من كتبه المصنفة بضعة وعشرين كتابا في القرآن والفقه وغريب الحديث والغريب المصنف والأمثال ومعاني الشعر (٥).

__________________

(١) انظر : كتاب الإيمان لأبي عبيد ٥٠ تحقيق الألباني.

(٢) تاريخ بغداد ١٢ / ٤١٠.

(٣) انظر : نور القبس المختصر على المقتبس لليغموري ٣١٥.

(٤) انظر : طبقات المفسرين للداودي ٢ / ٣٦.

(٥) البغية للسيوطي ٢٥٣ ، مرآة الجنان لليافعي ٢ / ٨٤.

٣٨

فمنها على سبيل الإجمال :

١ ـ في الغريب : الغريب المصنف ، غريب الحديث ، غريب القرآن.

٢ ـ في اللغة والأدب : كتاب الشعراء ، الأمثال السائرة ، كتاب النسب كتاب المذكر والمؤنث ، كتاب الأجناس ، من كلام العرب ، كتاب فعل وأفعل.

٣ ـ في القرآن وعلومه : كتاب القراءات ، كتاب المقصور والممدود ، كتاب عدد آي القرآن ، كتاب معاني القرآن ، كتاب فضائل القرآن ، كتاب الناسخ والمنسوخ ، كتاب شواهد القرآن.

٤ ـ في الفقه : كتاب الإيمان والنذور ، كتاب الحيض ، كتاب الطهارة كتاب الحجر والتفليس ، كتاب الأموال ، كتاب أدب القاضي على مذهب الشافعي ، كتاب الأحداث ، كتاب الطهور.

٥ ـ في الاعتقاد والمواعظ : كتاب الإيمان ، كتاب مواعظ الأنبياء.

٦ ـ ومن مؤلفاته أيضا كتاب الإيضاح.

وبعد هذا الإجمال سنورد بعضا من مصنفات أبي عبيد التي وصلت إلينا حسب علمى وما كان منها مطبوعا محققا وما لم يكن كذلك :

١ ـ الأموال : قام بتحقيقه والتعليق عليه محمد خليل هراس أحد علماء الأزهر ، طبع عدة طبعات إحداها عام ١٤٠١ ه‍ ، من منشورات مكتبة الكليات الأزهرية ، ودار الفكر وتقع صفحاته في خمسمائة وتسع وخمسين صحيفة.

٢ ـ كتاب الإيمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته : حققه محمد ناصر الدين الألباني من منشورات دار القلم. الكويت ، وهو عبارة عن رسالة صغيرة في موضوع الإيمان يقع فى نحو من خمسين صحيفة.

٣٩

٣ ـ كتاب الإيضاح منه مخطوط في مكتبة فاس أول ( القرويين ) (١).

٤ ـ كتاب الأمثال : توجد نسخة خطية برواية ابن خالويه فى كوبريلي ١٢١٩ ، وفي باريس أول ٣٩٦٩ ، وفي الموصل ٢٠٦ ، وفي المتحف البريطاني ثاني ٩٩٥ ، ويوجد أيضا برواية تلميذه أبي الحسن علي بن عبد العزيز في مانشستر ٧٧٣ ، ومنه مخطوط عن نسخة بخط المؤلف مع زيادات أخرى فى اسكوريال ثاني ١٧٥٧ (٢) وقد ذكر الزركلي في الأعلام أن كتاب الأمثال من ضمن مصنفات أبي عبيد المطبوعة (٣).

٥ ـ كتاب الخطب والمواعظ : يوجد في ليبزج أول ١٥٨ (٤).

٦ ـ كتاب غريب الحديث : يقع في أربع مجلدات من الحجم المتوسط مقدار صفحات الواحد منها قرابة خمسمائة صفحة خرجت طبعته الأولى سنة ١٣٨٤ ه‍ / طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن الهند.

٧ ـ الغريب المصنف : بقيت من الكتاب نسخ خطية في أيا صوفيا ٤٧٠٦ ، والقاهرة أول ٤ : ١٧٦ ، ولندبرج كتبت سنة ٤٨٩ ، وأمبروزيانا ثاني ١٦٥٠ ، كتبت سنة ٣٨٤ ، وفاتح ٤٠٠٨ (٥).

وقد ذكر الزركلي بأنه مطبوع في مجلدين (٦).

__________________

(١) انظر : تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ / ١٥٨.

(٢) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ / ١٥٧.

(٣) انظر : الأعلام ٥ / ١٧٦.

(٤) انظر : تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ / ١٥٩.

(٥) المرجع السابق ٢ / ١٥٦ ، ١٥٧.

(٦) الأعلام ٥ / ١٧٦.

من أجل معرفة مصنفات أبي عبيد. انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٥ هدية العارفين للبغدادي ١ / ٨٢٥ ، معرفة القراء الكبار ١ / ١٤٢ المزهر للسيوطي ٢ / ٤١١ ، ٤١٢. كشف الظنون ، ٢ / ١٣١٧ ، ١٤٠١ ، إيضاح المكنون ٢ / ١٩٩ ، ٢٧٣ ، ٢٨٨ ، ٣٠٦ ، الفهرست لابن النديم / الفن الثاني من المقالة الأولى ٥٢ ، مرآة الجنان لليافعي ٢ / ٨٤ ، معجم الأدباء المجلد الثامن جزء ١٦ / ٢٦٠ الأعلام ٥ / ١٧٦ ، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢ / ١٥٧.

٤٠