تفسير الصّافي - ج ٣

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٥٢

(٩٠) قالُوا (١) أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ استفهام تقرير وقرئ على الإِيجاب قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي من أبي وأمّي ذكره تعريفاً لنفسه وتفخيماً لشأنه قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا أي بالسلامة والكرامَة إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ أي من يتّق الله وَيَصْبِرْ على البليّات وعن المعاصي فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

(٩١) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ وانّ شأننا وحالنا إنّا كنا مذنبين بما فعلنا معك لا جَرَم إنّ الله أعزّك وأذلّنا.

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : قالوا فلا تفضحنا ولا تعاقبنَا اليوم واغفر لنا.

(٩٢) قالَ لا تَثْرِيبَ لا عيب ولا تعيير ولا تأنيب عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ فيما فعلتم يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام في حديث طويل : أنّ يعقوب كتب إلى يوسف.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل من يعقوب بن اسحق بن إبراهيم خليل الرّحمن صاحب نمرود الذي جمع له النّار ليحرقه بها فجَعَلَها الله عليه برداً وسلاماً وأنجاه منها أخبرك أيّها العزيز أنّا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعاً من الله ليبلونا عند السّرّاءِ والضّرّاء وانّ المصائب تتابعت عليّ منذ عِشرين سنة أوّلها أنّه كانَ لي ابن سمّيته يوسف وكان سروري من بين ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي وانّ إخوته من غير أمّه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب فبعثته معهم بكرة فجاءوني عَشيّاً يبكون وجاءوا على قميصه بدم كذب وزعمُوا أنّ الذئب أكله فاشتدّ لفقده حزني وكثر على فراقه بكائي حتّى ابيضّت عيناي من الحزن وأنّه كان له أخ وكنت به معجباً وكان لي أنيساً وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري وانّ إخوته ذكروا أنّك سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به وإن لم يأتوك به منعتهم الميرة فبعثته معهم

__________________

(١) قيل إنّ يوسف لما قال لهم هَلْ عَلِمْتُمْ الآية تبسّم فلمّا أبصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبّهوه بيوسف وقالوا له إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ وقيل برفع التّاج عن رأسه فعرفوه م ن.

٤١

ليمتاروا لنا قمحاً فرجعوا إليّ وليس هو معهم وذكرُوا أنّه سرق مكيال الملك ونحن أهل بيت لا نسرق وقد حبسته عنّي وفجعتني به وقد اشتدّ لفراقه حزني حتّى تقوس لذلك ظهري وعظمت به مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ فمن عليّ بتخلية سبيله وإطلاقه من حبسك وطيّب لنا القمح واسمح لنا في السعر وأوف لنا الكيل وعجل سراح (١) آل إبراهيم قال فمضوا بكتابه حتّى دخلوا على يوسف في دار الملك وقالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ إلى آخر الآية وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا بأخينا بنيامين وهذا كتاب أبينا يعقوب أرسله إليك في أمره يسألك تخلية سبيله فمنّ به علينا فأخذ يوسف كتاب يعقوب وقبّله ووضعه على عينيه وبكى وانتحبَ (٢) حتى بلّت دموعه القميص الذي عليه ثمّ أقبل عليهم وقالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ من قبل.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام في حديث له قال : واشتد حزن يعقوب حتّى تقوس (٣) ظهره وأدبرت الدنيا عليه وعن ولده حتّى احتاجُوا حاجةً شديدة وفنيت ميرتهم فعند ذلك قال يعقوب لولده اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا الآية فخرج منهم نفر وبعث منهم ببضاعة يسيرة وكتب معهم كتاباً إلى عزيز مصر بتعطيفه على نفسه وولده وأوصى ولده أن يبدؤا بدفع كتابه قبل البضاعة فكتب وذكر صفة الكتاب مثل ما ذكر في المجمع إلى قوله : وعجّل سراح آل إبراهيم وأورد آل يعقوب بدل آل إبراهيم ثمّ قال : فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه نزل جبرئيل على يعقوب فقال له يا يعقوب ان ربّك يقول لك من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها الى عزيز مصر قال يعقوب أنت بلوتني بها عقوبة منك وادباً لي قال الله فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري قال يعقوب اللهمّ لا قال فما استحيت منّي حين شكوت مصائبك إلى غيري ولم تستغث بي وتشكو ما بك إليّ فقال يعقوب استغفِرك يا إلهي وأتوب إليك وأشكو بثّى وحزني

__________________

(١) سرّحت فلاناً الى موضع كذا إذا أرسلته وتسريح المرأة تطليقها والاسم السّراح مثل التّبليغ والبلاغ وتسريح الشعر إرساله وحلّه قبل المشق.

(٢) النّحب أشدّ البكاء كالنّحيب وقد نحب كمنع وانتحب.

(٣) قوس تقويساً انحنى كتقوّس.

٤٢

إليك فقال الله تعالى قد بلغت بك يا يعقوب وبولدك الخاطئين الغاية في أدبي ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك إليّ عند نزولها بك واستغفرت وتبت إليّ من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إيّاها عليك ولكن الشيطان أنساك ذكري فصرت إلى القنوط من رحمتي وأنا الله الجواد الكريم أحبّ عبادي المستغفرين التائبين الراغبين إليّ فيما عندي يا يعقوب أنا رادّ إليك يوسف وأخاه ومعيد إليك ما ذهب من مالك ولحمك ودمك ورادّ إليك بصرك ومقوّم لك ظهرك وطب نفساً وقرّ عيناً وانّما الذي فعلته بك كان أدباً منّي لك فاقبل أدبي قال ومضى ولد يعقوب بكتابه إلى آخر ما ذكر في المجمع إلّا أنّه قال : وانه كان له أخ من خالته وكنت به معجباً ثمّ ذكر صفة الكتاب برواية أخرى أخصر منه وقال في آخره : فلما أوتي يوسف عليه السلام بالكتاب فتحه وقرأه فصاح ثمّ قام فدخل منزله فقرأه وبكى ثمّ غسَل وجهه ثمّ خرج إلى إخوته ثمّ عاد فقرأه فصاح وبكى ثمّ قام فدخل منزله فقرأه وبكى ثمّ غَسَل وجهه وعاد إلى إخوته ف قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ وأعطاهم قميصه وهو قميص إبراهيم وكان يعقوب بالرّملة.

(٩٣) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي أنتم وأبي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ.

(٩٤) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ من مصر وخرجت من عمرانها قالَ أَبُوهُمْ لمن حضره إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ تنسبوني إلى الفَنَد وهو نقصان عقل يحدث من الهَرَم وجواب لو لا محذوف وتقديره لصدّقتموني.

(٩٥) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ لفي ذهابك عن الصواب قدماً بافراطك في محبّة يوسف وإكثارك ذكره والتّوقّع للقائه.

(٩٦) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ في الإِكمال عن الصادق عليه السلام : وهو يهودا ابنه أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ طرح القميصَ على وجهه فَارْتَدَّ بَصِيراً عاد بصيراً لما انتعش فيه من القوّة قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ من حياة يوسف وإنزال

٤٣

الفرج من اللهِ ويحتمل أن يكون إِنِّي أَعْلَمُ مستأنفاً والمقول محذوفاً دلّ عليه الكلام السابق.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : كتب عزيز مصر إلى يعقوب أمّا بعد فهذا ابنكَ يوسف اشتريته بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ واتخذته عبداً وهذا ابنك بنيامين قد سرق فاتخذته عبداً قال فما ورد على يعقوب شيء أشدّ عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتّى أجيبه فكتب إليه أمّا بعد فقد فهمت كتابك أنّك أخذت ابني بثمن بخس وأخذته عبداً وأنّك اتخذت ابني بنيامين وقد سرق واتخذته عبداً فانّا أهل بيت لا نسرق ولكنّا أهل بيت نبتلى وقد ابتلى أبونا إبراهيم بالنّار فوقيه الله وابتلى أبونا اسحق بالذبح فوقيه الله وإنّي قد ابتليت بذهاب بصري وذهاب ابنيّ وعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً قال فلما ولىّ الرّسُول عنه رفع يده إلى السماء ثمّ قال يا حَسَنَ الصُّحبة يا كريمَ المعونة يا خيراً كُلّه ائتني بروحٍ وفَرَج من عندك قال فهبط عليه جبرئيل فقال ليعقوب ألا أعلّمك دعوات يردّ الله عليك بها بصرك ويردّ عليك ابنيك؟ فقال بلى فقال قل يا من لا يعلم أحَدٌ كَيْفَ هو وحيث هو وقدرته إلّا هو يا من سدّ الهواء بالسماء وكبَسَ الأرض على الماءِ واختار لنفسه أَحْسَنَ الأسماء ائتني بروحٍ منك وفرج من عندك فمَا انفجر عمود الصبح حتّى أتي بالقميص وطُرِحَ على وجهه فردّ الله عليه بصره وردّ عليه ولده.

والقمّيّ أورد هذا الحديث بأبسط من هذا وذكر في كتاب العزيز مكان قد سرق : قد وجدت متاعي عنده وذكر في جواب يعقوب : ابتلاءه بابنيه على نحو كتابه الذي قد سبق ذكره.

وقال فيه : وكان له أخ من أمّه كنت آنسُ به فخرج مع إخوته إلى أن قال : وقد حبسته وأنا أسألك بإله إبراهيم واسحق ويعقوب إلّا مننت عليّ به وتقربت إلى الله ورددته إليّ قال فلما ورد الكتاب الى يوسف اخذه ووضعه على وجهه وقبّله وبكى بكاءً شديداً ثمّ نظر إلى اخوته فقال لهم هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ الآيات قال فلما ولّى الرسول الحديث.

٤٤

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : قال اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا الذي بلّته دموع عيني فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً لو قد شمّ ريحي وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ وردّهم إلى يعقوب في ذلك اليوم وجهّزهم بجميع ما يحتاجون إليه ف لَمَّا فَصَلَتِ عيرهم من مصر وجد يعقوب ريح يوسف فقال لمن بحضرته من ولده إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قال وأقبل ولده يحثّون السير بالقميص فرحاً وسروراً بما رأوا من حال يوسف والملك الذي أعطاه الله والعزّ الذي صارُوا إليه في سلطان يوسف وكان مسيرهم من مصر إلى يعقوب تسعة أيّام فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ القميص عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً وقال لهم ما فعل ابن ياميل قالوا خلّفناه عند أخيه صالحاً قال فحمد الله يعقوب عند ذلك وسجد لربّه سجدة الشكر ورجع إليه بصره وتقوّم له ظهره وقال لولده تحوّلوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم فصاروا إلى يوسف ومعهم يعقوب وخالة يوسف ياميل فحثّوا السير فرحاً وسروراً فساروا تسعة أيّام إلى مصر ، وعن الصادق عليه السلام : وجد يعقوب ريح قميص إبراهيم حين فصلت العيرُ من مصر وهو بفلسطين.

وفي الكافي والإِكمال والقمّيّ والعيّاشيّ عنه عليه السلام : أتدري ما كان قميص يوسف قيل لا قال إنّ إبراهيم لمّا أوقدت له النّار نزل إليه جبرئيل بالقميص.

والقمّيّ : بثوب من ثياب الجنة وألبسه إيّاه فلم يضرّ معه حرّ ولا برد فلّما أحضرته الوفاة جعله في تميمته وعلّقه على اسحق وعلقه اسحق على يعقوب فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان فلّما أخرجه يوسف بمصر من التّميمة وَجَد يعقوب ريحه وهو قوله عزّ وجلّ حكايةً عنه إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ وهو ذلك القميصُ الذي أنزل من الجنّةِ قيل جعلت فداك فالى من صار هذا القميص قال إلى أهله ثُمّ يكون مع قائمنا إذا خرج ثمّ قال كلّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم وزاد القمّيّ : وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي أنزل من الجنّة ونحن ورثته.

٤٥

والعيّاشيّ مرفوعاً : أن يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشرة ليال وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر وهو القميص الذي نزل على إبراهيم من الجنّة في قصبة من فضّة وكان إذا لبس كان واسعاً كبيراً فلما فصلوا ويعقوب بالرّملة ويوسف بمصر قال يعقوب إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ يعني ريح الجنّة حين فصلوا بالقميص لأنّه كان من الجنّة.

أقول : يعني أنّه كان من عالم الملكوت والباطن قد برز إلى عالم الملك والظاهر وصار محسوساً.

(٩٧) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ.

(٩٨) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار وتلا هذه الآية في قول يعقوب سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي وقال : أخّرهم إلى السّحر.

وفي الفقيه والمجمع والعيّاشيّ عنه عليه السلام : اخّره الى السّحر ليلة الجمعة.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : اخّرهم الى السحر وقال يا ربّ إنّما ذنبهم فيما بيني وبينهم فأوحى الله قد غفرت لهم.

وفي العلل عنه عليه السلام : أنّه سئل عن يعقوب أنّه لمّا قال له بنوه يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي فأخّر الاستغفار لهم ويوسف لمّا قالُوا له تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قال لأنّ قلب الشّابّ أرق من قلب الشيخ وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب إنّما كان بجنايتهم على يوسف فبادر يوسف إلى العفو عن حقّه وأخّر يعقوب العفو لأن عفوه إنّما كان عن حقّ غيره فأخّرهم إلى السّحر ليلة الجمعة.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل ما كان أولاد يعقوب أنبياء قال لا

٤٦

ولكنّهم كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء ولم يكن يفارقوا الدنيا الا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا وان الشيخين فارقا الدنيا ولم يكن يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام فعليهما لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل أكان اخوة يوسف أنبياء قال لا ولكِنْ بررة أتقياء كيف وهم يقولون لأبيهم يعقوب تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ.

وعنه عليه السلام : أنّه سئل ما حال بني يعقوب هل خرجوا من الإيمان فقال نعم قلت فما تقول في آدم قال دع آدم عليه السلام.

(٩٩) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ضمّ إليه أباه وأمّه راحيل كما مضى عن الباقر عليه السلام في أوّل السّورة في تأويل الرّؤيا أو أباه وخالته ياميل لما سبق في رواية العيّاشيّ : أنّها هي التي صارت معهم إلى مصر ولما يأتي في روايته : أنّه رفع أباه وخالته على سرير الملك فان صحّت هذه الرواية فلعلّها نزلت منزلة الأمّ كما نزل العمّ منزلة الأب في قوله وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ ولما روي : أنّها ربّته بعد أمّه والرّابّة تدعى أمّاً وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ يعني (١) إن شاء الله دخلتموه آمنين وانّما دخلوا عليه قبل دخولهم مصر لأنّه استقبلهم يوسف ونزل لهم في بيت أو مضرب هناك فدخلوا عليه وضمّ إليه أبويه.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أن يوسف لمّا قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عزّ الملك فلم ينزل إليه فهبط عليه جبرئيل فقال يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جوّ السماءِ فقال يوسف يا جبرئيل ما هذا النور الذي خرج من راحتي فقال نزعت النّبوّة من عقبك عقوبةً لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون في عقبك نبيّ.

وفي العلل عنه عليه السلام : لمّا تلقّى يوسف يعقوب ترجّل له يعقوب ولم

__________________

(١) والاستثناء يعود الى الأمن وإنّما قال آمِنِينَ لأنّهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوازهم ، قال وَهَبْ أنهم دخلوا مصر وهم ثلاث وسبعون إنساناً وخرجوا مع موسى وهم ستمائة الف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلاً مجمع البيان.

٤٧

يترجّل له يوسف فَلم ينفصل من العناق حتّى أتاه جبرئيل فقال له يا يوسف ترجّل لك الصديق ولم تترجّل له ابسط يدك وذكر مثل ما في الكافي وفي رواية أخرى : همّ بان يترجّل ليعقوب ثمّ نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل الحديث.

القمّيّ : لما وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة فلمّا دخل عليه أبوه لم يقم له فخّروا كلهم سجّداً ثمّ روى عن الهادي عليه السلام : إخراج جبرئيل نور النبوّة من بين أصابعه ومحوها من صلبه وجَعَلها في ولد لاوي أخيه لأنّه نهى اخوته عن قتله ولأنّه قال فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ الآية قال فشكر الله له ذلك وكان أنبياء بني إسرائيل من ولده وكان موسى من ولده وهو موسى بن عمران بن يصهر بن واهث بن لاوي بن يعقوب.

(١٠٠) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : العرش السّرير وكان سجودهم ذلك عبادة لله وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ رأيتها في أيّام الصِّبا قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا صدقاً.

العيّاشيّ عن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل في كم دخل يعقوب من ولده على يوسف قال في أحد عشر ابناً له فقيل له أسباط قال نعم.

وعن الباقر عليه السلام : لمّا دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه وبكى ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ثمّ دخل منزله فادّهن واكتحل ولبس ثياب العزّ والملك ثمّ خرج إليهم فلمّا رأوه سجدُوا له اعظاماً وشكراً لِلَّهِ فعند ذلك قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قال ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهّن ولا يكتحل ولا يتطيّب ولا يضحك ولا يمسّ النساء حتّى جمع الله بيعقوب شمله وجمع بينه وبين يعقوب واخوته وفي المجمع عنه عليه السلام : مثله.

أقول : لعلّ المراد بنفي مسّه النساء عدم مسّهنّ للالتذاذ والشّهوة فلا ينافي ما

٤٨

سَبَق أنّه كان له ابن يلعب برمّانة بين يديه حين خاصمه أخوه في أخيه فلعلّه إنّما مسّهنّ لتثقيل الأرض بتسبيح الولد كما مضى في اعتذار أخيه في مثله.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : لمّا دخلوا عليه سجدوا شكراً لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السّجُود لله.

وعن الهادي عليه السلام : وقد سُئِل عن سجود يعقوب وولده ليوسف عليه السلام وهم أنبياء أمّا سجود يعقوب وولده فانّه لم يكن ليوسف وانّما كان من يعقوب وَولده طاعةً لله وتحيّة ليوسف كما كان السّجود من الملائكة لآدم وانّما كان ذلك منهم طاعة لله وتحيّة لآدم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً لله لاجتماع شملِهم ألم تر أنّه يقول في شكره ذلك الوقت رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ الآية.

وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام : أنّه قرأ وخرّوا لله ساجدين وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ لعله لم يذكر الجبّ لئلّا يكون تثريباً عليهم وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ من البادية لأنّهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو وينتقلون في المياه والمناجع (١) مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي أفسد بيننا وحرّش إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ في تدبير عباده يسهل لهم العسر ويلطفه إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بوجوه المصالح والتدابير الْحَكِيمُ الذي يفعل كل شيءٍ في وقته وعلى وجه تقتضيه حكمته.

القمّيّ عن الهادي عليه السلام : قال يعقوب لابنه أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي قال يا أبت أعفني من ذلك قال فأخبرني ببعضه قال إنّهم لمّا أدنوني من الجبّ قالوا انزع القميص فقلت لهم يا اخوتي اتّقوا الله ولا تجرّدوني فسلّوا عليّ السّكّين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنّك فنزعت القميصَ وألقوني في الجبّ عرياناً قال فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه فلّما أفاق قال يا بنّي حدّثني قال يا أبت أسألك بإله

__________________

(١) في حديث عليّ عليه السلام : هي يعني الدّنيا منزل قلعة وليست بدار نجعة قوله منزل قلعة بضمّ القاف إذا لم تصلح للاستيطان والنّجعة بضم النّون أيضاً طلب الكلاء وحاصله انّها ليست دار راحة وطيب عيش والانتجاع طلب الإحسان ومنه انتجعت فلاناً إذا أتيته تطلب مَعروفه والانتجاع طلب النّبات والعلف والماء م.

٤٩

إبراهيم واسحق ويعقوب الّا أعفيتني فأعفاه.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : ما في معناه.

وفي المجمع روي : أنّ يوسف عليه السلام قال ليعقوب لا تسألني عن صنيع إخوتي واسأل عن صنيع الله بي.

(١٠١) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ بعض الملك وهو ملك مصر.

في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه يوسف : فكان من أمره الذي كان ان اختار مملكة [الملك مصر ظ] وما حولها إلى اليمن.

وفي الخصال عن الباقر عليه السلام : أنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياءَ ملوكاً في الأرض إلّا أربعة إلى أن قال : وأمّا يوسف فملك مصر وبراريها ولم يتجاوزها إلى غيرها وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ بعض تأويلها فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبدعهما أَنْتَ وَلِيِّي ناصري ومتوليّ أمري فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تتولّاني بالنعمة فيهما وتوصل الملك الفاني بالملك الباقي تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ في الرتبة والكرامة.

في الإكمال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن رسول اللهِ صلىَّ الله عليه وآله وسلم : عاش يعقوب بن اسحق مائة وأربعين سنة وعاش يوسف بن يعقوب مائة وعشرين سنة.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال : دخل يوسف السجن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ومكث فيها ثماني عشرة سنة وبقي بعد خروجه ثمانين سنة فذلك مائة وعشر سنين.

وعن الباقر عليه السلام : أنّه سئل كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر قال عاش حولين قيل فمن كان الحجّة لله في الأرض يعقوب أم يوسف قال كان يعقوب وكان الملك ليوسف فلمّا مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفن في بيت المقدس

٥٠

فكان يوسف عليه السلام بعد يعقوب الحجّة قيل فكان يوسف رسولاً نبيّاً قال نعم أما تسمع قوله عزّ وجلّ وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : ما يقرب منه.

وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام : أنّ الله أوحى إلى موسى بن عِمْرانَ أن أخرج عظام يوسف من مصر فاستخرجه مِن شاطئ النّيل وكان في صندوق مرمر فحمله إلى الشّام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام وهو يوسف بن يعقوب وما ذكر الله يوسف في القرآن غيره.

وفي العِلل عنه عليه السلام : استأذنت زليخا على يوسف فقيل لها إنّا نكره أن نقدم بك عليه لما كان منك إليه قالت إنّي لا أخاف من يخاف الله فلمّا دخلت قال لها يا زليخا مالي أراكِ قد تغيّر لونك قالت الحمد لله الذي جَعَل الملوك بمعصِيتهم عَبيداً وجعل العَبيدَ بطاعتهم ملوكاً فقال لها مَا الذي دعاك إلى ما كان منك قالت حسن وجهك يا يوسف فقال كيف لو رأيت نبيّاً يقال له محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم يكون في آخر الزمان أحْسن منّي وجهاً وأحسن منّي خلقاً وأسمح منّي كفّاً قالت صدقت قال وكيف علمت أنّي صدقت قالت لأنك حين ذكرته وقع حبّه في قلبي فأوحى الله إلى يوسف أنّها قد صدقت وأنّي قد أحببتها لحبّها محمّداً صلىَّ الله عليه وآله وسلم فأمر الله عزّ وجلّ أن يتزوجها.

والقمّيّ عن الهادي عليه السلام : لمّا مات العزيز في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتّى سألت فقالوا لها لو قعدت للعزيز وكان يوسف سمِّي العزيز وكلّ ملك كان لهم سمّي بهذا الاسم فقالت أستحيي منه فلم يزالوا بها حتّى قَعَدت له فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه فقالت سبحان الذي جعل الملوك بالمعصية عبيداً وجعل العَبيد بالطاعة ملوكاً فقال لها يوسف أنت [تيك هاتيك خ ل] فقالت نعم وكان اسمها زليخا فقال لها هل لكِ في رغبة قالت دعني بعد ما كبرت أتهزأ بي قال لا قالت نعم فأمر بها فحوّلت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها ألست فعلت بي كذا وكذا فقالت يا

٥١

نبي الله لا تلمني فانّي بليت بثلاثة لم [يُبْلَ يبتل خ ك] بها أحد قال وما هي قالت بليت بحبّك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيراً وبليت بأنّه لم يكن بمصر امرأة أجمل منّي ولا أكثر مالاً منّي نزع عنّي وبليت بزوج عنين (١) فقال لها يوسف فما تريدين فقالت تسأل الله أن يردّ عليّ شبابي فسأل الله فردّ عليها شبابها فتزّوجها وهي بكر.

(١٠٢) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يا محمّد وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ لدى اخوة يوسف إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عزموا على ما همّوا به وَهُمْ يَمْكُرُونَ لم يعرف ذلك إلّا بالوحي.

(١٠٣) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ على ايمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم بِمُؤْمِنِينَ لعنادهم وتصميمهم على الكفْرِ.

(١٠٤) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ على التبليغ مِنْ أَجْرٍ من جُعْلٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة من الله لِلْعالَمِينَ عامّة.

(١٠٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تدل على حكمة الله وقدرته في صنعه يَمُرُّونَ عَلَيْها ويشاهدونها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لا يتفكّرون فيها ولا يعتبرون بها.

(١٠٦) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ في الطاعة وبالنظر إلى الأسباب.

في الكافي عن الصادق عليه السلام.

والقمّيّ والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : شرك طاعة وليس شرك عبادة.

وزاد القمّيّ والعيّاشيّ : والمعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة أن يعبدوا غير الله.

__________________

(١) العنين الذي لا يقدر على إتيان النّساء ولا يشتهي النّساء وامرأة عنّينة لا تشتهي الرّجال.

٥٢

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك.

وفي التوحيد عنه عليه السلام : هم الذين يلحدُونَ في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : هو الرجل يقول لو لا فلان لهلكت ولو لا فلان لأصبت كذا وكذا ولو لا فلان لضاع عيالي ألا ترى أنّه قد جعل لله شريكاً في ملكه يرزقه ويدفع عنه قيل فيقول لو لا أن منّ الله عليّ بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا.

وعن الباقر عليه السلام : من ذلك قول الرجل لا وحياتك وعنهما عليهما السلام : شرك النعم وعن الرضا عليه السلام : شرك لا يبلغ به الكفر.

(١٠٧) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ عقوبة تغشيهم وتشملهم أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فجأة من غير سابقة علامَة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانها غير مستعدين لها.

(١٠٨) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي يعني الدعوة إلى التوحيد والاعداد للمعاد أَدْعُوا إِلَى اللهِ تفسير للسبيل عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : ذلك رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والأوصياء عليهم السلام من بعدهما.

وعنه عليه السلام : عليّ اتّبعه.

وعن الجواد عليه السلام حين أنكروا عليه حداثة سنّه قال : وما ينكرون قال الله لنبيه قُلْ هذِهِ سَبِيلِي الآية فو الله ما تبعه إلّا عليّ وله تسع سِنين وأنا ابن تسع سنين.

والقمّيّ والعيّاشيّ : ما يقرب من هذه الروايات وَسُبْحانَ اللهِ وأنزهه تنزيهاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أنه سئل عن تفسير سُبْحانَ اللهِ قال أنفة

٥٣

لله أما ترى الرجل إذا عجب من الشيء قال سبحان الله وفي رواية أخرى : قال تنزيه.

(١٠٩) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً ردّاً لقولهم لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً نُوحِي إِلَيْهِمْ كما أوحى إليك وتميزوا بذلك عن غيرهم وقرئ نوحي بالنون مِنْ أَهْلِ الْقُرى لأنّ أهلها أعلم وأحكم من أهل البدو.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يعني الى الخلق إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمّة أو حكاماً وانّما أرسلوا إلى أنبياء الله أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ قد سبق تفسيرها بأرض القرآنِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فينقلعوا عن حبّها ويزهدوا فيها وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرِّكَ والمعاصي أَفَلا يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم ليعرفوا أنّها خير وقرئ بالتاءِ. حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ غاية لكلام محذوف دلّ عليه الكلام كأنّه قيل قد تأخر نصرنا إيّاهم كما أخرناه عن هذه الأمّة حتّى إذا استيأسوا عن النصر وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي وظنّ الرّسل أنّهم قد كذّبهم قومهم فيما وعدوا من العذاب والنصرة عليهم وقرئ كذبوا بالتخفيف في الجوامع أنّه قراءة أئمّة الهدى عليهم السلام ومعناه وظنّ المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم من نصرة الله إيّاهم.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مخففة قال ظنت الرسل أنّ الشياطين تمثل لهم على صورة الملائِكةِ جاءَهُمْ نَصْرُنا بإرسال العذاب على الكفّار فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ فنخلص مَنْ نَشاءُ من العذاب عند نزوله وهم المؤمنون وقرئ فنجيّ على الماضي المبني للمفعوُل وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ إذا نزل.

في العيون عن الرضا عليه السلام فيما سأله المأمون في عصمة الأنبياء : يقول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ من قومهم وظنّ قومهم أنّ الرسل قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ الرسل نَصْرُنا.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشياطين

٥٤

قد تمثلت لهم في صورة الملائكة.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : وكلهم الله إلى أنفسهم أقلّ من طرفة عين ، وعنه عليه السلام : أنّه سئل كيف لم يخف على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك ما ينزغ به الشيطان فقال إنّ الله إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار وكان يأتيه من قبل الله مثل الذي يريه بعينه.

(١١١) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ قصص الأنبياء وأممهم عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ يعني أولي العقول الكاملة ما كانَ القرآن حَدِيثاً يُفْتَرى يختلق وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ قبله من الكتب الإِلهيّة.

القمّيّ يعني من كتب الأنبياء وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه في الدين وَهُدىً من الضلال وَرَحْمَةً ينال بها خير الدارين لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقونه.

في ثواب الأعمال والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة يوسف في كل يوم أو في كل ليلة بعثه الله يوم القيامة وجماله على جمال يوسف ولا يصيبه فزع يوم القيامة وكان من خيار عباد الله الصالحين.

وزاد العيّاشيّ : وأومن في الدنيا أن يكون زانياً أو فحاّشاً وفي ثواب الأعمال قال : وكانت في التوراة مكتوبة.

وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف عليه السلام ولا تقرئوهن إيّاها فان فيها الفتن وعلّموهنّ سورة النّور فان فيها المواعظ.

وفي الخصال عن الباقر عليه السلام : يكره لهنّ تعلم سورة يوسف عليه السلام.

٥٥

سورة الرعد

(مكية كلها وقيل إلّا آخر آية منها وقيل مدنية إلّا آيتين نزلتا بمكّة وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وما بعدها وعدد آيها ثلاث وأربعون آية.)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) المر قد سبق الكلام فيه وفي نظائره.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : معناه أنا الله المحيي المُميتُ الرزاق تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ (١) وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني القرآن الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.

(٢) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ بغير أساطين تَرَوْنَها صفة ل عَمَدٍ.

القمّيّ والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام : فَثمَّ عمد ولكن لا ترونها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ سَبَق معناه في سورة الأعراف وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضروبة ينقطِع دونها سيره وهي إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام والإحياء والإِماتة وغير ذلك يُفَصِّلُ الْآياتِ يُنزلها ويبيّنها لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ لكي تتفكروا فيها وتتحقّقُوا كمال قدرته وصنعه في كل شيء فتعلموا أنّه بكلِّ شيء محيط وهذا كقوله أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.

__________________

(١) يعني بالكتاب السّورة و تِلْكَ إشارة إلى آياتها اي تلك الآيات آيات السورة الكاملة.

٥٦

(٣) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ بسطها طولاً وعرضاً ليثبت فيه الأقدام ويتقلّب عليهَا الحيوان وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ جبالاً ثوابت (١) وَأَنْهاراً تتولد منها وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وجعل فيها من جميع أنواعها صنفين اثنين أسود وأبيض وحلواً وحامضاً رطباً ويابساً صغيراً وكبيراً وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يلبس ظلمة الليل ضياءَ النهار فيصير الهواء مظلماً بعد ما كان مضيئاً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢).

(٤) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ متلاصقة من طيبة وسبخة (٣) ورخوة وصلبة وصالحة للزرع دون الشجر وبالعكس وغير صالحة لشيءٍ منهما وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ فيها أنواع الأعناب والزرع والنخيل وقرئ وزرع ونخيل بالرفع وكذلك في معطوفهما صِنْوانٌ نخلات أصلها واحد وَغَيْرُ صِنْوانٍ متفرقات مختلفة الأصول أو أمثال وغير أمثال وفي الحديث النبوي : عمّ الرجل صنو أبيه يُسْقى وقرئ بالياءِ بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ وقرئ بالياءِ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ (٤) في الثمر شكلاً وقدراً ورائحةً وطعماً.

العيّاشيّ عنهم عليهم السلام : يعني هذه الأرض الطيبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم.

وفي المجمع عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام : الناس من شجر شتّى وأنا وأنت من شجرة واحدة ثمّ قرأ هذه الآية إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم بالتفكر فيهتدون إلى عظمة الصانع وعلمه وحكمته

__________________

(١) فيهما فانّ تكونّهما وتخصّصهما بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبّر أمرهما وهيّأ أسبابهما.

(٢) لتمسك الأرض ولو أراد أن يمسكها من غير جبال لفعل الّا انّه أمسكها بالرّواسي لأنّ ذلك اقرب الى افهام النّاس وادعى لهم الى الاستدلال والنّظر م ن.

(٣) السّبخة بالفتح واحدة السّباخ وهي أرض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلّا بعض الأشجار يقال سبخت الأرض من باب تعب فهي سبخة بكسر الباء وإسكانها تخفيف ويجمع المكسور على سبخات مثل كلمة وكلمات والسّاكن على سباخ مثل كلبة وكلاب م.

(٤) وفي هذا أوضح دلالة على أنّ لهذه الأشياء صانعاً قادراً أحدثها وأبدعها ودبّرها على ما تقتضيه حكمته والأكل الثمر الذي يؤكل م ن.

٥٧

البالغة وقدرته النافذة وتدبيره الكامل ولطفه الشامل وحسن تربيته وصنايعه شيئاً فشيئاً إلى بلوغها منتهى كمالاتها اللائقة بها.

(٥) وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمّد من قولهم في إنكار البعث فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ فحقيق بأن يتعجب منه فان من قدر على إنشاء ما قصّ عليك كانت الإعادة أهون عليه أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (١) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ لانكارهم قدرته وتماديهم في الكفر (٢) وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم لإصرارهم أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لا ينفكون عنها.

(٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ بالعقوبة قبل العافية وذلك أنهمْ استعجلوا بالعذاب استهزاءً وَقَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ عقوبات أمثالهم من المكذبين فما بالهم لم يعتبروا بها ، في نهج البلاغة : احذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلاث بسوءِ الأفعال وذميم الأعمال فتذكرُوا في الخير والشر أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنُوب وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ.

في المجمع : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش ولو لا وعيد الله وعقابه لاتّكل كل أحد.

وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام : حين تذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها أنّها لا تغفر قال أبو عبد الله عليه السلام قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة قال جلّ جلاله وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ.

(٧) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ لم يعتدوا بالآيات المنزلة عناداً واقترحُوا نحو ما أوتي موسى وعيسى إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ مرسل للانذار كغيرك من الرُّسل وما عليك إلّا الإِتيان بما يصحّ به أنّك رسول مخوّف منذر والآيات كلها متساوية

__________________

(١) بدل من قولهم أو مفعول له والفاعل في إذا محذوف دلّ عليه لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ

(٢) تمادى في الذّنوب لجّ وداوم وتوسّع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيّه م.

٥٨

في حصولِ الغرض وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خصّ بها.

في المجمع : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أنا المنذر وعليّ الهادي من بعدي يا عليّ بك يهتدي المهتدون.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم المنذر ولكلِّ زمان منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله ثمّ الهداة من بعده عليّ ثمّ الأوصياء واحد بعد واحد.

وعن الصادق عليه السلام : كلّ إمام هاد للقرن الذي هو فيهم ومثله في الإكمال ورواه القمّيّ والعيّاشيّ وغير واحد من الخاصّة والعامّة في غير واحد من الأسانيد.

والقمّيّ هو ردّ على من أنكر أن في كل عصر وزمان إماماً وانه لا تخلو الأرض من حجّة.

(٨) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى من ذكر أو أنثى تامّ وناقص حسن وقبيح سعيد وشقي وَما تَغِيضُ (١) الْأَرْحامُ وما تنقصه وَما تَزْدادُ في المدة والعَدَد والخلقة.

في الكافي والعيّاشيّ عن أحدهما عليهما السلام : الغيض كل حمل دون تسعة أشهر وما تزداد كلّ شيءٍ يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم في حملها من الحيض فانّها تزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى الذكر والأنثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ما كان من دون التسعة وهو غيض وَما تَزْدادُ ما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة أشهر وفي رواية : ما تَغِيضُ ما لم يكن حملاً وَما تَزْدادُ الذكر والأنثى جميعاً والقمّيّ وَما تَغِيضُ ما تسقط من قبل التمام وَما تَزْدادُ على تسعة أشهر

__________________

(١) غاض الماء يغيض غيضاً من باب سار ومغاضاً أي قلّ ونضب في الأرض وانغاض مثله وغيض الماء فعل به ذلك قوله وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ أي تنقص عن مقدار الحمل الّذي يسلم معه الولد م.

٥٩

كلما رأت المرأة من حيض في أيّام حملها زاد ذلك على حملها وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه.

(٩) عالِمُ الْغَيْبِ ما لا يدركه الحسّ وَالشَّهادَةِ ما يدركه (١) الْكَبِيرُ العظيم الشأن الذي كلّ شيءٍ دونه حقير الْمُتَعالِ المستعلي على كلّ شيءٍ بعظمته.

(١٠) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ في نفسه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ لغيره وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ طالب للخفاءِ في مختبأ (٢) بالليل وَسارِبٌ (٣) بارز بِالنَّهارِ يراه كل أحد.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يعني السّرّ والعلانية عنده سواء.

(١١) لَهُ لمن أسرَّ أو جهر أو استخفى أو سرب مُعَقِّباتٌ ملائكة يعقب بعضهم بعضاً في حفظه وكلاءته مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ من جوانبه يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ قيل من اجل أمر اللهِ أي من اجل انّ الله أمرهم بحفظه.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام أنّ هذه الآية قرأت عنده فقال لقارئيها : ألستم عَرْباء فكيف يكون المعقبات من بين يديه وانّما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا فقال إنّما أنزلت لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ خَلْفِهِ ورقيب مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يَحْفَظُونَهُ بأمر اللهِ ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشّيءَ من أمر اللهِ وهم الملائكة الموكّلُونَ بالناس ومثله العيّاشيّ : عنه عليه السلام.

وفي المناقب والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : مِنْ أَمْرِ اللهِ يقول بأمر الله من أن يقع في ركيّ (٤) أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء حتّى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه.

__________________

(١) وقيل عالم بالمعدوم والموجود والغيب هو المعدوم وقيل عالم السرّ والعلانية والأولى ان يحمل على العموم ويدخل في هاتين الكلمتين كل معلوم نبّه سبحانه على أنّه عالم بجميع الموجودات منها والمعدومات منها م ن.

(٢) خبأه كمنعه سرّه كخبأه واختبأه ق.

(٣) من سرب سروباً إذا برز وهو عطف على مَنْ او مُسْتَخْفٍ على ان من في معنى الاثنين كقوله تكن مثل من يا ذئب يصطحبان كأنّه قال سواء منكم اثنان مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ.

(٤) الرّكية البئر جمعه ركيّ وركايا ق.

٦٠