تفسير الصّافي - ج ٣

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٥٢

(٩) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى قيل قفّى تمهيد نبوّته بقصّة موسى ليأتمّ به في تحمّل أعباء النبوّة وتبليغ الرّسالة والصبر على مقاساة الشّدايد فانّ هذه السورة من أوائل ما نزل.

(١٠) إِذْ رَأى ناراً قيل انّه استأذن شعيباً في الخروج الى أمّه وخرج بأهله فلمّا وافى وادي طوى وفيه الطّور ولد له (ع) ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد اضلّ الطريق وتفرقت ماشيته إذ راى من جانب الطّور ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أقيموا مكانكم إِنِّي آنَسْتُ ناراً أبصرتها إبصاراً لا شبهة فيه.

وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ بشعلة من النّار أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول آتيكم بِقَبَسٍ من النّار تصطلون من البرد أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً كان قد اخطأ الطريق يقول أو أجد عند النّار طريقاً.

(١١) فَلَمَّا أَتاها أي النّار قيل وجد ناراً بيضاء تتّقد في شجرة خضراء.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : فأقبل نحو النّار يقتبس فإذا شجرة ونار تلتهب عليها فلمّا ذهب نحو النار ليقتبس منها أهوت النار إليه ففزع وعَدا ورجعت النّار الى الشجرة فالتفت إليها وقد رجعت الى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها ثمّ التفت وقد رجعت الى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقّب اي لم يرجع فناداه الله عزّ وجلّ ويأتي تمام الحديث في سورة القصص نُودِيَ يا مُوسى.

(١٢) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ وقرئ بفتح الهمزة فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً طوى عطف بيان للوادي فانّه كان مسمّى به وقرئ بالتّنوين قيل امر بخلع نعليه لأنّ الحفوة تواضع وادب.

في الفقيه والإكمال والعلل عن الصادق عليه السلام.

والقمّيّ قال : انّه انّما امر بخلعهما لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت.

٣٠١

وفي الإكمال عن الحجّة القائم (ع) في حديث : قيل له أخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله لنبيّه موسى (ع) فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ فانّ فقهاء الفريقين يزعمون انّها كانت من إهاب الميتة قال صلوات الله عليه مَن قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته لأنّه ما خلا الامر فيها من خصلتين امّا أن يكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة فان كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة إذا لم تكن مقدّسة وان كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس واطهر من الصلاة وان كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب على موسى انّه لم يعرف الحلال من الحرام وعلم ما جاز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر قيل وأخبرني يا مولاي عن التّأويل فيها قال صلوات الله عليه انّ موسى (ع) ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال يا ربّ انّي قد أخلصت لك المحبّة منّي وغسلت قلبي عن سواك وكان شديد الحبّ لأهله فقال الله تعالى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي انزع حبّ أهلك من قلبك ان كانت محبّتك لي خالصة وقلبك من الميل الى من سواي مغسول.

وفي العلل عن الصّادق عليه السلام : يعني ارفع خوفيك يعني خوفه من ضياع اهله وقد خلّفها تمخض وخوفه من فرعون.

وفي الإكمال مرفوعاً : ما في معناه.

وفي العلل عن النّبي صلّى الله عليه وآله : انّه سئل عن بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ فقال لأنّه قدّست فيه الأرواح واصطفيت فيه الملائكة وَكَلَّمَ اللهُ عزّ وجلّ مُوسى تَكْلِيماً.

(١٣) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ اصْطَفيتك للنبوّة وقرئ انّا اخترناك فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى للّذي يوحى إليك أو للوحي واللّام يحتمل التعلّق بكل من الفعلين.

(١٤) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي بدل ممّا يوحى دالّ على أنّه مقصور على تقرير التوحيد الّذي هو منتهى العلم والامر بالعبادة الّتي هي كمال العمل وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قيل خصّها بالذّكر وأفردها بالأمر للعلّة الّتي أناط بها إقامتها وهو تذكّر المعبود وشغل القلب واللّسان بذكره.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى فان

٣٠٢

كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فانّ الله يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي الحديث.

وفي المجمع عنه عليه السلام معناه : أَقِمِ الصَّلاةَ متى ذكرت انّ عليك صلوة كنت في وقتها أم لم تكن.

وعن النّبي صلّى الله عليه وآله : من نسي صلوة فليصلّها إذا ذكرها لا كفّارة لها غير ذلك وقرأ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.

والقمّيّ قال إذا نسيتها ثمّ ذكرتها فصلّها.

(١٥) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ كائنة لا محالة أَكادُ أُخْفِيها قيل اي أخفي وقتها.

وفي المجمع والجوامع عن الصادق عليه السلام : أَكادُ أُخْفِيها من نفسي وانّه كذلك في قراءة أبيّ.

والقمّيّ قال : من نفسي هكذا نزلت قيل كيف يخفيها من نفسه قال جعلها من غير وقت وقيل معناه أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاه لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى متعلّق بآتية أو باخفيها على المعنى الأخير.

(١٦) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها عن تصديق السّاعة أو الصلاة مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى فتهلك بالانصداد أو بصدّه.

(١٧) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ استفهام يتضمّن استيقاظاً لما يريه فيها من العجائب يا مُوسى تكرير لزيادة الاستيناس والتنبيه.

(١٨) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي واخبط الورق بها على رؤوس غنمي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى حاجات أخر مثل أنّه كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلّق بها أدواته وإذا كان في البرّية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها والقى عليها الكساء وأستظلّ به وإذا قصر الرشا وصله بها وإذا تعرّضت السّباع لغنمه قاتل بها.

٣٠٣

القمّيّ فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال فِيها مَآرِبُ أُخْرى يقول حوائج اخرى.

(١٩) قالَ أَلْقِها يا مُوسى

(٢٠) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى

(٢١) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : ففزع منها موسى (ع) وعدا فناداه الله عزّ وجلّ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى هيئتها وحالتها المتقدّمة من السير تجوز بها للطّريقة والهيئة.

(٢٢) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تحت العضد تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ من غير عاهة كنّى به عن البرص.

في طبّ الأئمّة عن الباقر عليه السّلام : يعني من غير برص.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : أي من غير علّة وذلك أنّ موسى (ع) كان شديد السّمرة فاخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا

(٢٣) آيَةً أُخْرى معجزة ثانية.

(٢٤) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى

(٢٥) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ بهاتين الآيتين وادعُه الى العبادة إِنَّهُ طَغى عصى وتكبّر

(٢٦) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي

(٢٧) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي لمّا أمره الله بخطب عظيم سأله ان يشرح صدره ويفتح قلبه ليحمل اعباءهُ والصّبر على مشاقّه.

(٢٨) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي قيل كان في لسانه رتّة من جمرة أدخلها فاه.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلّما يلدون

٣٠٤

ويربّي موسى ويكرمه ولا يعلم انّ هلاكه على يديه ولمّا درج موسى كان يوماً عند فرعون فعطس فقال الحمد لله ربّ العالمين فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال ما هذا الذي تقول فوثب موسى (ع) على لحيته وكان طويل اللّحية فهبلها اي قلعها فآلمه الماً شديداً فهمّ فرعون بقتله فقالت له امرأته هذا غلام حدث لا يدري ما تقول فقال فرعون بلى يدري فقالت له ضع بين يديك تمراً وجمراً فان ميّز بين التمر والجمر فهو الّذي تقول فوضع بين يديه تمراً وجمراً وقال له كل فمدّ يده الى التمر فجاء جبرئيل فصرفها الى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون ألم أقل لك إنّه لم يعقل فعفا عنه.

(٢٩) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي.

(٣٠) هارُونَ أَخِي يعينني على ما كلّفتني به.

(٣١) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي قوّتي.

(٣٢) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي وقرئ بلفظ الخبر على انّهما جواب الامر.

(٣٣) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً

(٣٤) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً فانّ التّعاون يهيّج الرّغبات ويؤدّي الى تكاثر الخير وتزايده.

(٣٥) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً عالماً بأحوالنا وانّ التّعاون ممّا يصلحنا وانّ هارون نعم المعين لي فيما أمرتني به.

(٣٦) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى أي مَسئولك

(٣٧) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى أنعمنا عليك في وقت آخر.

(٣٨) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ما لم يعلم الّا بالوحي.

(٣٩) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ والقذف يقال للإلقاء والوضع فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ تكرير عدوّ للمبالغة أو لأنّ الأوّل باعتبار

٣٠٥

الواقع والثاني باعتبار المتوقّع وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أي محبّة كائنة منّي قد زرعتها في القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي ولتربّى ويحسن اليك وانا راعيك وراغبك.

(٤٠) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك وَلا تَحْزَنَ هي بفراقك أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : انّ موسى لما حملت أمّه به لم يظهر حملها الّا عند وضعه وكان فرعون قد وكّل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط تحفظهنّ وذلك لمّا كان بلغه عن بني إسرائيل انّهم يقولون انّه يلد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون وأصحابه على يديه فقال فرعون عند ذلك لأقتلنّ ذكور أولادهم حتّى لا يكون ما يريدون وفرّق بين الرّجال والنّساء وحبس الرّجال في المحابس فلمّا وضعت أمّ موسى بموسى نظرت إليه وحزنت واغتمت وبكت وقالت يذبح السّاعة فعطف الله بقلب الموكّلة بها عليه فقالت لامّ موسى ما لك قد اصفرّ لونك فقالت أخاف ان يذبح ولدي فقالت لا تخافي وكان موسى لا يراه أحداً الّا أحبّه وهو قوله وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فاحبّته القبطيّة الموكّلة به وأنزل الله على أمّ موسى التابوت ونوديت ضعيه في التابوت فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ وهو البحر وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل وكان لفرعون قصور على شطّ النّيل متنزّهات فنظر من قصره ومعه آسية امرأته الى سواد في النّيل ترفعه الأمواج والرّياح تضربه حتّى جاءت به الى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت ورفع إليه فلمّا فتحه وجد فيه صبيّ فقال هذا اسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبّة شديدة وكذلك في قلب آسية وأراد فرعون أن يقتله.

فقالت آسية لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ انّه موسى عليه السلام ولم يكن لفرعون ولد فقال ادنو له ظئراً لتربيته فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ فلم يشرب لبن أحد من النّساء وهو قول الله تعالى وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ وبلغ أمّه

٣٠٦

انّ فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ قال كادت ان تخبر بخبره أو تموت ثمّ حفظت نفسها فكانت كما قال الله لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثمّ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أي اتبعيه فجاءت أخته إليه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي عن بعد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فلمّا لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النّساء اغتمّ فرعون غمّاً شديداً فَقالَتْ أخته هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ فقالوا نعم فجاءت بامّه فلمّا أخذته بحجرها وألقته ثديها التقمه وشرب ففرح فرعون وأهله وأكرموا أمّه فقال لها ربّيه لنا فأنا نفعل بك وتفعل وسأله الرّاوي فكم مكث موسى (ع) غائباً عن أمّه حتّى ردّه الله عليها قال ثلاثة أيّام وَقَتَلْتَ نَفْساً نفس القبطي الّذي استغاثه عليه الاسرائيلي كما يأتي قصّته في سورة القصص إن شاء الله تعالى فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ غم قتله خوفاً من عقاب الله واقتصاص فرعون بالمغفرة والامر بالهجرة الى مديَن وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً وابتليناك ابتلاء أو أنواعاً من الابتلاء فتنة بعد فتنة وذلك انّه ولد في عام كان يقتل فيه الولدان وألقته أمّه في البحر وهمّ فرعون بقتله ونال في سفره ما نال من الهجرة عن الوطن ومفارقة الالّاف والمشي راجلاً على حذر وفقد الزاد وآجر نفسه عشر سنين إلى غير ذلك فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ لبثت فيهم عشر سنين ومدين على ثماني مراحل من مصر ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ قيل أي على مقدار من الزّمان يوحى فيه الى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة.

وقيل معناه سبق في قدري وقضائي ان اكلّمك في وقت بعينه فجئت على ذلك القدر يا مُوسى قيل كرّره عقيب ما هو غاية الحكاية للتنبيه على ذلك.

(٤١) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي واتّخذتك صنيعتي وخالصتي واصطفيتك لمحبّتي ورسالتي وكلامي.

(٤٢) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي بمعجزاتي وَلا تَنِيا ولا تفترا ولا تقصّرا فِي ذِكْرِي لا تنسياني حيثما تقلّبتما وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إليّ.

(٤٣) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى

٣٠٧

(٤٤) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً مثل هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى فانّه دعوة في صورة عرض ومشورة حذراً ان تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى

في العلل عن الكاظم عليه السلام قال : امّا قوله فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً أي كنِّيناه وقولا له يا أبا مصعب وكان فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب وامّا قوله لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فانّما قال ذلك ليكون احرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عزّ وجلّ ان فرعون لا يتذكّر ولا يخشى الّا عند رؤية البأس ألا تسمع قول الله يقول حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم يقبل الله إيمانه وقال آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.

وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له : واعلم انّ الله جلّ ثناؤه قال لموسى حين أرسله إلى فرعون فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ولكن ليكون ذلك احرص لموسى على الذّهاب.

(٤٥) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا ان يعجّل علينا بالعقوبة ولا يصير الى إتمام الدّعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدّم أَوْ أَنْ يَطْغى ان يزداد طغياناً فيتخطّى الى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب.

(٤٦) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما بالحفظ والنصرة أَسْمَعُ وَأَرى ما يجري بينكما وبينه من قول أو فعل فأحدث في كلّ حال ما يصرف شرّه عنكما ويوجب نصرتي لكما.

(٤٧) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أطلقهم وَلا تُعَذِّبْهُمْ بالتكاليف الصعبة قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ بمعجزة وبرهان وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى والسلامة من عذاب الله على المهتدين.

(٤٨) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى انّ العذاب على المكذّبين للرّسل.

٣٠٨

(٤٩) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أي بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به وانّما خاطب الاثنين وخصّ موسى بالنّداء لأنّه الأصل وهرون وزيره وتابعه أو حمله خبثه على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة هارون.

(٥٠) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ صورته وشكله الّذي يوافق المنفعة المنوطة به ثُمَّ هَدى عرفه كيف يرتفق بما أعطى.

في الكافي عن الصّادق عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فقال ليس شيء من خلق الله إلّا وهو يعرف من شكله الذكر من الأنثى سئل ما معنى ثُمَّ هَدى قال هدى للنّكاح والسّفاح من شكله قيل وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره واعرابه عن الموجودات بأسرها عَلَى مراتبها ودلالته على أنّ الغنيّ القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى وانّ جميع ما عداهُ مفتقر إليه وعليه في ذاته وصفاته وأفعاله لذلك بهت الّذي كفر فلم ير الّا صرف الكلام عنه (ع).

(٥١) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى فما حالهم من بعد موتهم من السّعادة والشقاوة.

(٥٢) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي يعني أنّه غيب لا يعلمه إلّا الله وانما انا عبد مثلك لا أعلم منه إلّا ما أخبرني به فِي كِتابٍ مثبت في اللّوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى الضَلال ان يخطئ الشيء في مكانه فلم يهتد إليه والنّسيان ان يذهب بحيث لا يخطر بالبال.

(٥٣) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وحصل لكم فيها سُبُلاً بين الجبال والاودية والبراري تسلكونها من ارض إلى أرض لتبلغوا منافعها وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ التفاوت من الغيبة الى التكلّم وله نظائر كثيرة في القرآن أَزْواجاً اصنافاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى

(٥٤) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ على إرادة القول إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى لذوي العقول النّاهية عن اتّباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية.

٣٠٩

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال نحن والله أولوا النّهى.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّ خياركم أولوا النّهى قيل يا رسول الله ومن أولوا النّهى قال أولوا الأخلاق الحسنة والأحلام الرزينة وصلة الأرحام والبررة بالامّهات والآباء والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطّعام ويفشون السلام في العالم ويصلّون والنّاس نيام غافلون.

(٥٥) مِنْها خَلَقْناكُمْ فانّ التراب أصل خلقة أوّل آبائكم وأوّل موادّ أبدانكم وَفِيها نُعِيدُكُمْ بالموت وتفكيك الأجزاء وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بتأليف اجزائكم المفتتة المختلطة بالتّراب على الصّور السابقة وردّ الأرواح إليها.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّ النطفة إذا وقعت في الرّحم بعث الله عزّ وجلّ ملكاً فأخذ من التربة الّتي يدفن فيها فماثها في النّطفة فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتى يدفن فيها.

(٥٦) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا بصّرناه ايّاها وعرّفناه صحّتها كُلَّها فَكَذَّبَ من فرط عناده وَأَبى الايمان والطاعة لعتوّه.

(٥٧) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا أرض مصر بِسِحْرِكَ يا مُوسى هذا تعلّل منه ويلوح من كلامه انّه خاف منه ان يغلبه على ملكه

(٥٨) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ مثل سحرك فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً وعداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً قيل أي منتصفاً يستوي مسافته إلينا وإليك وقرئ بضمّ السّين.

(٥٩) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وهو يوم عيد كان لهم في كلّ عام وانّما عيّنه ليظهر الحقّ ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الاقطار وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى واجتماع النّاس في ضحىً.

(٦٠) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ما يكاد به من السّحرة وآلاتهم ثُمَّ أَتى الموعد.

٣١٠

(٦١) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً بأن تدعوا آياته سحراً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ فيهلككم ويستأصلكم به وقرئ بضم الياء وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى

(٦٢) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ قيل اي تنازعت السّحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم ليس هذا من كلام السّحرة وَأَسَرُّوا النَّجْوى يعني السحرة قيل كان نجواهم ان غلبنا موسى اتّبعناه وإن كان ساحراً فسنغلبه وإن كان من السّماء فله امر.

(٦٣) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قال فرعون وقومه وهو على لغة بني حارث بن كعب فانّهم جعلوا الالف للتثنية وأعربوا المثنّى تقديراً وقرئ ان هذان على انّها هي المخففة واللّام هي الفارقة أو النافية واللّام بمعنى الّا وقرئ هذين وهو ظاهر يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بالاستيلاء عليها بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى بمذهبكم الّذي هو أفضل المذاهب أو بأهل طريقتكم ووجوه قومكم واشرافكم.

(٦٤) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ فازمعوه واجعلوا مجمعاً عليه لا يتخلّف عنه واحد منكم وقرئ فاجمعوا ويعضده قوله فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا مصطفّين لأنّه اهيب في صدور الرائين قيل كانوا سبعين الفاً مع كلّ واحد حبل وعصا واقبلوا عليه اقبالة واحدة وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى فاز بالمطلوب من غلب.

(٦٥) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى أي بعد ما أتوا مراعاة للأدب.

(٦٦) قالَ بَلْ أَلْقُوا مقابلة ادب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ولأن يأتوا بأقصى وسعهم ثمّ يظهر الله سلطانه نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى أي فألقوا فإذا قيل انّهم لطخوها بالزّيبق فلمّا ضربت عليها الشّمس اضطربت فخيّل انّها تتحرّك وقرئ تخيّل بالتّاء على بناء الفاعل.

(٦٧) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فأضمر فيها خوفاً.

في نهج البلاغة : لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال.

٣١١

(٦٨) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى تعليل للنّهي وتقرير لغلبته مؤكّداً.

في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّ موسى (ع) لمّا القى عصاهُ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً قال اللهمّ انّي اسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما أمنتني قال الله عزّ وجلّ لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى.

(٦٩) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا يبتلعه بقدرة الله تعالى وقرئ بالرّفع وبالتّخفيف ان ما صَنَعُوا الّذي زوّروا وافتعلوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى حيث كان وأين أقبل.

(٧٠) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً أي فألقى فتلقف فتحقّق عند السحرة انّه ليس بسحر وانّما هو من آيات الله ومعجزاته فالقاهم ذلك على وجوههم سجّداً لله توبة عمّا صنعوا وتعظيماً لما رأوا قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.

(٧١) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ أي لموسى واللّام لتضمين الفعل معنى الاتّباع وقرئ بدون الهمزة قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ في الإِيمان له إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ لعظيمكم في فنّكم وأعلمكم به وأستاذكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ وأنتم تواطأتم على ما فعلتم فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اليد اليمنى والرّجل اليسرى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا يريد به نفسه وموسى أو رَبّ موسى أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى أدوم عقاباً.

(٧٢) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك عَلى ما جاءَنا به موسى أو المستتر في جاء لما مِنَ الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات وَالَّذِي فَطَرَنا عطف على ما جاءنا أو قسم فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ما أنت قاضيه اي صانعه أو حاكمه إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا انّما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الدّنيا والآخرة خير وأبقى فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده.

(٧٣) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا من الكفر والمعاصي وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ في معارضة المعجزة.

في الجوامع : روي انّهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائماً فوجدوه يحرسه العصا

٣١٢

فقالوا ما هذا بسحر فانّ السّاحر إذا نام بطل سحره فأبى الّا ان يعارضوه وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى جزاء أو خير ثواباً وأبقى عقاباً.

(٧٤) إِنَّهُ انّ الامر مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً بأن يموت على كفره وعصيانه فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا يَحْيى حياة مهنّأة.

(٧٥) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ في الدنيا فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى المنازل الرّفيعة.

(٧٦) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى من تطهّر من ادناس الكفر والمعاصي والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السّحرة وأن تكون من ابتداء كلام من الله.

(٧٧) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي أي من مصر فَاضْرِبْ لَهُمْ فاجعل لهم طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً يابساً لا تَخافُ دَرَكاً امناً من أن يدرككم العدو وقرئ لا تخف وَلا تَخْشى استيناف أو عطف.

(٧٨) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فاتبعهم نفسه ومعه جنده فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ ما سمعت قصّته ولا يعرف كنهه الّا الله فيه مبالغة ووجازة.

(٧٩) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى

نقل ابن طاوس (ره) عن تفسير الكلبي عن ابن عبّاس : ان جبرئيل قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث في حال فرعون وقومه وانّما قال لقومه أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى حين انتهى الى البحر فرآه قد يبست فيه الطّريق فقال لقومه ترون البحر قد يبس من فرقي فصدّقوه لمّا رأوا ذلك فذلك قوله تعالى وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى ويأتي تمام القصّة في سورة الشّعراء.

(٨٠) يا بَنِي إِسْرائِيلَ خطاب لهم بعد انجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا أو للّذين منهم في عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله بما فعل بآبائهم قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وقومه وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ لمناجاة موسى

٣١٣

(ع) وانزال التّوراة عليه وقرء انجيتكم وواعدتكم وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى يعني في التّيه كما سبق قصّته في سورة البقرة.

(٨١) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ لذائذه وَلا تَطْغَوْا فِيهِ بالإِخلال بشكره والتعدي لما حدّ الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي فيلزمكم عذابي ويجب لكم وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ تَرَدّى وهلك وقرء يحلّ ويحلل بالضمّ

في التّوحيد عن الباقر عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية ما ذلك الغضب فقال هو العقاب ثم قال : انّه من زعم ان الله عزّ وجلّ زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق انّ الله عزّ وجلّ لا يستفزّه شيء ولا يغيّره.

وفي الاحتجاج عنه عليه السلام : ما يقرب منه.

(٨٢) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ عن الشرك وَآمَنَ بما يجب الإِيمان به وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والايمان العمل الصالح حتّى اهتدى والله لو جهد ان يعمل ما قبل منه حتّى يهتدي قيل الى من جعلني الله فداك قال إلينا.

وفي المجالس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه قال لعليّ عليه السلام في حديث ولقد ضلّ من ضلّ عنك ولن يهتدي إلى الله من لم يهتد إليك وإلى ولايتك وهو قول ربّي عزّ وجلّ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ الآية يعني إلى ولايتك.

وفي المجمع والعيّاشي عن الباقر عليه السلام قال : ثُمَّ اهْتَدى الى ولايتنا اهل البيت فو الله لو أنّ رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ثمّ مات ولم يجيء بولايتنا لأكبّه الله في النار على وجهه.

وفي المناقب عن السجّاد عليه السلام : في هذه الآية ثُمَّ اهْتَدى قال إلينا اهل البيت.

٣١٤

وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام ثُمَّ اهْتَدى قال : الى ولايتنا.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال وهو مستقبل البيت : انّما امر النّاس ان يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثمّ يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ثمّ أومى بيده الى صدره إلى ولايتنا.

والعيّاشي عن الصادق عليه السلام قال : لهذه الآية تفسير يدلّ ذلك التفسير على انّ الله لا يقبل من أحد عملاً الّا من لقاه بالوفاء منه بذلك التفسير وما اشترط فيه على المؤمنين.

وفي الكافي عنه عليه السّلام : قال انّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ولا تعرفوا حتّى تصدّقوا ولا تصدقوا حتّى تسلموا أبواباً أربعة حتّى لا يصلح اوّلها الّا بآخرها ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيهاً عظيماً انّ الله تعالى لا يقبل الّا العمل الصالح ولا يقبل الله الّا الوفاء بالشروط والعهود فمن وفى الله تعالى بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل وعده انّ الله تعالى اخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى وقال إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فَمَن اتّقى الله فيما أمره لقى الله مؤمناً بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنّوا انّهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون انّه من اتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الرّدى وصل الله طاعة ولّى أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الامر لم يطع الله ولا رسوله وهو الإقرار بما نزل من عند الله تعالى.

أقول : أشار بالأبواب الأربعة الى التوبة عن الشرك والإِيمان بالوحدانية والعمل الصالح والاهتداء الى الحجج عليهم السلام كما يتبيّن فيما بعد وأصحاب الثلاثة إشارة إلى من لم يهتد الى الحجج والشروط والعهود كناية عن الأمور الأربعة المذكورة إذ هي شروط للمغفرة وعهود وقوله فمن اتّقى الله اي من الشرك في أمره

(٨٣) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى.

٣١٥

(٨٤) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي ما تقدّمتهم الا بخُطى يسيرة لا يعتدّ بها عادة وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى فانّ المسارعة الى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك.

في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال : المشتاق لا يشتهي طعاماً ولا يلتذ شراباً ولا يستطيب رقاداً ولا يأنس حميماً ولا يأوي داراً ولا يسكن عمراناً ولا يلبس لباساً ولا يقرّ قراراً ويعبد الله ليلاً ونهاراً راجياً بأن يصل الى ما يشتاق إليه ويناجيه بلسان شوقه معبّراً عمّا في سريرته كما اخبر الله عن موسى بن عمران في ميعاد ربّه بقول وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى وفسّر النبيّ صلّى الله عليه وآله عن حاله انّه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئاً من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً شوقاً الى ربّه.

(٨٥) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ باتّخاذ العجل والدّعاء الى عبادته.

(٨٦) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة غَضْبانَ عليهم أَسِفاً حزيناً بما فعلوه قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً بأن يعطيكم التّوراة فيها هُدىً ونور أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي الزّمان زمان مفارقته لهم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ يجب عليكم غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ بعبادة ما هو مثل في الغباوة فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي وعدكم ايّاي بالثبوت على الايمان بالله والهدى والقيام على ما أمرتكم به.

(٨٧) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا بأن ملكنا أمرنا اي لو خلّينا وأمرنا ولم يسوّل لنا السّامري لما أخلفنا وهو مثلّثاً مصدر ملكت الشيء وقرء بالفتح وبالضمّ وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ احمالاً من حليّ القبط الّتي استعرناها منهم وألقاها البحر على السّاحل بعد إغراقهم وقرء حملنا بالفتح والتخفيف فَقَذَفْناها أي في النّار فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ أي ما كان معه منها.

(٨٨) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً من تلك الحليّ المذابة لَهُ خُوارٌ صوت العجل فَقالُوا يعني السّامريّ ومن افتتن به أوّل ما رآه هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ قيل فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطّور او فَنَسِيَ السّامريّ أي ترك ما كان عليه من إظهار الإِيمان.

٣١٦

(٨٩) أَفَلا يَرَوْنَ او لا يعلمون أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً انّه لا يرجع إليه كلاماً ولا يردّ عليهم جواباً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً

(٩٠) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ من قبل رجوع موسى يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ بالعجل وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ لا غير فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي في الثّبات على الدّين.

(٩١) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ على العجل وعبادته عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى

القمّيّ : فهمّوا بهارون فهرب منهم وبقوا في ذلك حتّى تمّ ميقات موسى أربعين ليلة فلمّا كان يوم عشرة من ذي الحجّة أنزل الله عليه الألواح فيها التّوراة وما يحتاج اليه من احكام السير والقصص فأوحى الله الى موسى (ع) فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ وعبدوا العجل ولَهُ خُوارٌ فقال يا ربّ العجل من السّامريّ فالخوار ممّن فقال منّي يا موسى إنّي لمّا رأيتهم قد ولّوا عنّي الى العجل أحببت ان أزيدهم فتنة فرجع موسى الى قومه كما حكى الله.

(٩٢) قالَ يا هارُونُ أي قال له موسى لمّا رجع ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا بعبادة العجل.

(٩٣) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أي في الغضب لله ومقاتلة من كفر به وتأتي عقبي وتلحقني ولا مزيدة كما في قوله ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي بالصلابة في الدين والمحاماة عليه.

القمّيّ : ثمّ رمى بالالواح وأخذ بلحية أخيه ورأسه يجرّ إليه فقال ما مَنَعَكَ.

(٩٤) قالَ يَا بْنَ أُمَ خصّ الامّ استعطافاً وترقيقاً لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ لو قاتلت بعضهم ببعض وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي حين قلت اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ فانّ الإصلاح كان في حفظ الدّماء والمداراة بينهم إلى أن ترجع إليهم فتدارك الامر برأيك.

في العلل عن الصّادق (ع): انّه سئل لم أخذ برأسه يجرّه إليه وبلحيته ولم يكن له في اتخاذهم العجل وعبادتهم له ذنب فقال إنّما فعل ذلك لأنّه لم يفارقهم لمّا فعلوا

٣١٧

ذلك ولم يلحق بموسى وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ألا ترى انّه قال لهارون ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قال هرون لو فعلت ذلك لتفرّقوا.

(٩٥) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ ثمّ أقبل عليه وقال له منكراً ما طلبك له وما الّذي حملك عليه.

(٩٦) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ علمت ما لم يعلموا أو فطنت ما لم يفطنوا له وهو انّ الرّسول الّذي جاءك روحاني لا يمسّ أثره شيئاً الّا أحياه وقرء لم تبصروا على الخطاب فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ القمّيّ يعني من تحت حافر رَمَكه جبرئيل في البحر فَنَبَذْتُها يعني أمسكتها فنبذتها في جوف العجل وقد مضت هذه القصّة في سورة البقرة ثمّ في سورة الأعراف وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زيّنت القمّيّ فاخرج موسى العجل فأحرقه بالنّار وألقاه في البحر.

(٩٧) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ عقوبة على ما فعلت أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ خوفاً ان يمسّك أحد فيأخذك الحمى ومن مسّك فتحامى النّاس ويحاموك وتكون طريداً وحيداً كالوحشي النافر القمّيّ يعني ما دمت حيّاً وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ حتّى يعرفوا انّكم سامريّة فلا يغترّ بكم النّاس فهم الى الساعة بمصر والشام معروفين لا مساس قال ثمّ همّ موسى بقتل السّامري فأوحى الله إليه لا تَقتله يا موسى فانّه سخّى.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : انّ موسى همّ الحديث. وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً في الآخرة لَنْ تُخْلَفَهُ لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا وقرء بكسر اللّام أي لن تخلف الواعد إيّاه وستأتيه لا محالة وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً ظللت على عبادته مقيماً فحذف اللّام الأولى تخفيفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ أي بالنّار وفي الجوامع : وقرء لنَحْرِقَنَّه وهو قراءة عليّ ومعناه لنبردّنه بالمبرد قال ويجوز ان يكون لنحرقنّه مبالغة في حرقَ إذا برد قال وهذه القراءة تدلّ على أنّه كان ذهباً وفضّة ولم يصر حيواناً.

٣١٨

اقولُ : قد سبق انّه برد العجل ثمّ أحرقه بالنّار فذرّه في اليمّ وفي رواية : ذريت (١) سحالته في الماء ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ لنذرينّه رماداً أو مبروداً فِي الْيَمِّ نَسْفاً فلا يصادف منه شيء والمقصود زيادة العقوبة وإظهار غباوة المفتنين به.

(٩٨) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ المستحقّ لعبادتكم الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي لا أحد يماثله او يدانه في كمال العلم والقدرة وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً وسع علمه كلّ ما يصحّ ان يعلم لا العجل الذي يصاغ ويحرق وإن كان حيّاً في نفسه كان مثلاً في الغباوة.

(٩٩) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من أخبار الأمور الماضية والأمم الدارجة تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيراً لمعجزاتك وتنبيهاً وتذكيراً للمستبصرين من امّتك وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كتاباً مشتملاً على هذه الأقاصيص والاخبار حقيقاً بالتفكّر والاعتبار.

(١٠٠) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً عقوبة ثقيلة فادحة على كفره وذنوبه.

(١٠١) خالِدِينَ فِيهِ في الوزر وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً

(١٠٢) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وقرء نفخ بالنّون وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ وقرء يحشر المجرمون زُرْقاً قيل يعني زرق العيون لأنّ الزّرقة أسوء الوان العين وأبغضها عند العرب وقيل اي عمياء فانّ حدقة الاعمى تزراق وقيل عطاشا يظهر في أعينهم كالزّرقة.

والقمّيّ تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون ان يطرفوها.

(١٠٣) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ يحفظون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرّعب والهول إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا أو في القبر لزوالها

(١٠٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وهو مدّة لبثهم إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أعدلهم.

__________________

(١) ذرّت الريح الشيء ذرواً : أطارته وأذهبته.

٣١٩

القمّيّ أعلمهم وأصلحهم إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً

(١٠٥) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ عن مال أمرها فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً يجعلها كالرّمل ثمّ يرسل عليها الرياح فيفرقها.

في المجمع : انّ رجلاً من ثقيف سأل النبيّ صلّى الله عليه وآله كيف يكون الجبال مع عظمها يوم القيامة فقال إنّ الله يسوقها بأن يجعلها كالرّمال ثمّ يرسل عليها الرّياح فتفرّقها.

(١٠٦) فَيَذَرُها فيذر مقارّها أو الأرض واضمارها من غير ذكر لدلالة الجبال عليها كقوله ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ قاعاً خالياً صَفْصَفاً مستوياً كان اجزاؤها على صفّ واحد.

القمّيّ القاع الّذي لا تراب فيه والصفصف الّذي لا نبات له.

(١٠٧) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً اعوجاجاً ولا نتوّاً القمّيّ قال الأمت الارتفاع والعوج الحزون والركوات قبل الأحوال الثلاثة مرتبة فالأولان باعتبار الاحساس والثالث باعتبار المقياس ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخصّ المعاني.

(١٠٨) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ داعي الله إلى المحشر قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائماً على صخرة بيت المقدس فيقبلون من كلّ أوب الى صوبه لا عِوَجَ لَهُ لا يعوّج له مدعوّ ولا يعدل عنه وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ وخفضت لمهابته فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً صوتاً خفيّاً.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : إذا كان يوم القيامة جمع الله عزّ وجلّ الناس في صعيد واحد حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتّى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتدّ أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاماً وهو قول الله تعالى وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً قال ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش أين النبيّ الاميّ فيقول الناس قَد أسمعت فسمّ باسمه فينادي اين نبيّ الرّحمة اين محمّد بن عبد الله الأميّ فيتقدم رسول الله امام الناس كلّهم حتّى ينتهي الى حوض طوله ما بين ايلة وصنعا

٣٢٠