تفسير الصّافي - ج ٣

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٥٢

تعجب منه وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعني البَنين.

(٥٨) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى أخبر بولادتها ظَلَ صار وَجْهُهُ مُسْوَدًّا من الكآبة والحياءِ من الناسِ وَهُوَ كَظِيمٌ مملوّ غيظاً من المرأة.

(٥٩) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ يستخفي منهم مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ محدثاً نفسه متفكراً في أن يتركه عَلى هُونٍ ذلّ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أم يخفيه فيه ويئده (١) أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محلّه عندهم (٢)

(٦٠) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد والاستظهار بالذكور وكراهة الإِناث ووأدهنّ خشية الإِملاق والعار وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وهي الصفات الإِلهيّة والغنى عن الصاحبة والولد والنزاهة عن صفات المخلوقين وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ المتفرد بكمال القدرة والحكمة.

(٦١) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ بكفرهم ومعاصيهم ما تَرَكَ عَلَيْها على الأرض مِنْ دَابَّةٍ قط بشؤم ظلمهم أو من دابّة ظالمة وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى كي يتوالدُوا فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.

(٦٢) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ أي ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشرّكاءِ في الرّياسة والاستخفاف بالرّسل وأراذل الأموال وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ مع ذلك.

القمّيّ يقول ألسنتهم الكاذبة أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى أي عند الله كقول قائلهم وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ ردّ لكلامهم واثبات لضدّه وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ مقدمون إلى النار معجّلون وقرئ بكسر الراءِ من الإِفراط في المعاصي.

القمّيّ أي معذّبون.

__________________

(١) الّذي كان من عادة العرب وهو انّ أحدهم كان يحفر حفيرة صغيرة فإذا ولد له أنثى جعلها فيها وحثى عليها التّراب حتّى تموت تحته وكانوا يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهنّ فيطمع غير الأكفّاء فيهن م ن.

(٢) وقيل معناه ساء ما يحكمونه في قتل البنات من مساواتهنّ للبنين في حرمة الولادة ولعلّ الجارية خير من الغلام وروي عن ابن عبّاس : لو أطاع الله النّاس في الناس لما كان النّاس لأنّه ليس أحد الّا ويحبّ ان يولد له ذكر ولو كان الجميع ذكوراً لما كان لهم أولاد فيفنى النّاس.

١٤١

(٦٣) تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فأَصَرّوا على قبايحها وكَفُروا بالمرسلين فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ قرينهم أو ناصرهم يعني لا ناصر لهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

(٦٤) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ من المبدءِ والمعاد والحلال والحرام وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

(٦٥) وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تدبّر وانصاف.

(٦٦) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً (١) يعبر بها من الجهل إلى العلم نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ تذكير الضمير هاهنا باعتبار اللفظ وتأنيثه في سورة المؤمنين باعتبار المعنى لكونه اسم جمع مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً يكتنفانه خالِصاً صافياً لا يستصحبُ لون الدم ولا رائحة الفرث ولا يشوبانه شيئاً (٢).

القمّيّ قال الفرث ما في الكرش سائِغاً لِلشَّارِبِينَ سهل المرور في حلقهم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم : ليس أحد يغصّ بشرب اللّبن لأنّ الله عزّ وجلّ يقول لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ.

(٦٧) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً قيل خمراً.

والقمّيّ الخلّ والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّها نزلت قبل آية التحريم فنسخت بها وفيه دلالة على أنّ المراد به الخمر وقد جاء بالمعنيين جميعاً وعلى إرادة الخمر لا يستلزم حلّها في وقت الجواز أن يكون عتاباً ومنّة قبل بيان تحريمها ومعنى النّسخ نسخ

__________________

(١) العبرة بالكسر اسم من الإِعتبار وهو الاتعاظ وهو ما يفيده الفكر الى ما هو الحقّ من وجوب ترك الدّنيا والعمل للآخرة واشتقاقها من العبور لأنّ الإِنسان ينتقل فيها من امر الى امر م.

(٢) عن ابن عبّاس قال : إذا استقرّ العلف في الكرش صار أسفله فرثاً وأعلاه دماً وأوسطه لبنا فيجري الدم في العروق واللبن في الضّرع ويبقى الفرث كما هو فذلك قوله مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً لا يشوبه الدّم ولا الفرث مجمع البيان.

١٤٢

السكوت فلا ينافي ما جاءَ في أنّها لم تكن حلالاً قطّ وفي مقابلتها بالرّزق الحَسَن تنبيه على قبحها وَرِزْقاً حَسَناً كالتمر والزّبيب والدّبس إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

(٦٨) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ألهَمَها وقذف في قلوبها فان صنعتها الأنيقة ولطفها في تدبير أمرها ودقيق نظرها شواهد بيّنة على أنّ الله تعالى أودَعَها علماً بذلك.

القمّيّ قال وحي إلهام.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : مثله أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ يعرش الناس من كرم أو سقفٍ.

(٦٩) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ من كل ثمرة تشتهيها حلوها ومرّها فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ الطرق التي ألهمكِ في عمل العَسَل ذُلُلاً مذللة ذللها وسهلها لكِ أو أنت منقادة لما أمرتِ به يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ يعني العَسَل فانّه ممّا يشرب مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أبيض وأصفر وأحمر وأسود فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.

في الكافي والخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام : لعق العسل شفاء من كلّ داءٍ ثمّ تلا هذه الآية قال وهو مع قراءة القرآن ومضغ اللسان يذيب البلغم.

وفي العيون عنه عليه السلام : ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن بالبلغم وذكر هذه الثلاثة.

وعن النّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم : إِن يكن في شيء شفاء ففي شرطة الحجّام وفي شربة عسل.

وعنه عليه السلام : لا تردّوا شربة عسل من أتاكم بها وقد سبق في أوّل سورة النساءِ حديث في الاستشفاء به في المجمع في النّحل والعَسَل وجوه من الاعتبار منها اختصاصه بخروج العَسَل من فيه ومنها جعل الشّفاء من موضع السّمّ فان النحل يلسع ومنها ما ركّب الله من البدائع والعجائب فيه وفي طباعه ومن أعجبها أن جعل سبحانه لكل فئة منه يعسوباً هو أميرها يقدمها ويحامي عنها ويدبّر أمرها ويسوسها وهي

١٤٣

تتبعه وتقتفي أثره ومتى فقدته اختلّ نظامها وزال قوامها وتفرّقت شذر (١) مذر وإلى هذا المعنى فيما أخال. أشار عليّ أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : انا يعسوب المؤمنين.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : نحن والله النّحل الذي أوحى الله إليه أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة وَمِنَ الشَّجَرِ يقول من العجم وَمِمَّا يَعْرِشُونَ يقول من الموالي والذي يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أي العلم الذي يخرج منّا إليكم.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : النَّحْلِ الأئمّة والْجِبالِ العرب والشَّجَرِ الموالي عتاقه وَمِمَّا يَعْرِشُونَ يعني الأولاد والعبيد ممّن لم يعتق وهو يتولى الله ورسوله والأئمّة والثمرات المختلفة ألوانه فنون العلم الذي قد يعلّم الأئمّة شيعتهم فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ والشيعة هم الناس وغيرهم الله أعلم بهم ما هم ولو كان كما تزعم أنّه العسل الذي يأكله الناس إذاً ما أكل منه ولا شرب ذو عاهة إلّا شفِي لقول الله تعالى فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ولا خلف لقول الله وإنّما الشفاء في علم القرآن وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لأهله لا شكّ فيه ولا مرية وأهله أئمّة الهدى الذين قال الله ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

(٧٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ (٢) ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ بآجال مختلفة وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أخسّه وأحقره يعني الهرمَ الذي يشابه الطفوليّة في نقصان القوّة والعقل.

في المجمع عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام : هو خمس وسبعون سنة.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام : إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر.

__________________

(١) تفرّقوا شذر مذر بالتّحريك والنّصب شَذِر ومَذِر إذا ذهبوا في كلّ وجه ص.

(٢) اي أوجدكم وأنعم عليكم بضروب النّعم الدِّينية والدّنيويّة م ن.

١٤٤

وفي الخصال مثله قال وقد روي : أنّ أرذل العمر أن يكون عقله مثل عقل ابن سبع سنين لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً.

القمّيّ قال : إذا كبر لا يعلم ما علمه قبلَ ذلك.

وفي الكافي في حديث الأرواحِ ذكر هذه الآية ثمّ قال : فهذا ينقص منه جميع الأرواح وليسَ بالذي يخرج من دين الله لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصّلوة وقتاً ولا يستطيع التّهجّد بالليل ولا بالنّهار ولا القيام في الصف مع الناسِ فهذا نقصان من روح الإِيمان وليس يضرّه شيئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بما ينبغي ويليق بكم من مقادير الأعمار قَدِيرٌ على أن لا يعمّركم بذلك.

(٧١) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فمنكم غنيّ ومنكم فقير ومنكم موال يتولّون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك أحالهم على خلاف ذلك فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ بمعطي رزقهم عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ على مماليككم فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ قيل معناه أنّ الموالي والمماليك الله رازقهم جميعاً فهم في رزقه سواء فلا يحسب الموالي انّهم يرزقون المماليك من عندهم وانّما هو رزق الله أجراه إليهم على أيديهم وقيل معناه فلم يردّوا الموالي ما رزقوه مماليككم حتّى يتساووا في المطعم والملبس وقيل بل معناه أنّ الله جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل ممّا رزق مماليككم وهم بشر مثلكم فأنتم لا تسوّون بينكم وبينهم فيما أنعم الله عليكم ولا تجعلون لكم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم ان تجعلوا عبيده له شركاء في الألوهيّة وتوجّهون في العبادة والقرب إليهم كما توجّهون إليه أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ فجعل ذلك من جملة جحود النعمة وقرئ بالخطاب.

القمّيّ قال لا يجوز للرجل أن يخصّ نفسه بشيء من المأكول دون عياله وفي الجوامع : يحكى عن أبي ذّر رضي الله عنه أنّه سمِعَ النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول انّما هم إخوانكم فاكسوهم ممّا تكتسون وأطعموهم ممّا تطعمون فما رأى عبده بعد ذلك الّا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت.

١٤٥

(٧٢) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً من جنسكم لتأنسوا بها وليكون أولادكم مثلكم.

والقمّيّ يعني خلق حواء من آدم وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : الحفدة بنو البنت ونحن حفدة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : بنين وحفدة قال هم الحفدة وهم العون يعني البنين.

وفي المجمع عنه عليه السلام : هم اختان الرجل على بناته.

والقمّيّ قال الأختان.

أقول : ومعنى الحافد المسرع في الخدمة والطاعة وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من اللّذائِذ أي بعضها أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ قيل هو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وشفاعتها وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ بنعمة الله المشاهدة التي لا شبهة فيها قيل كفرهم بها اضافتهم إيّاها إِلى الأصنام أو تحريمهم ما احلّ الله وقيل يريد بِنِعْمَتِ اللهِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم والقرآن والإسلام اي هو كافرون بها منكرون لها.

(٧٣) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً يعني لا يملك أن يرزق شيئاً من مطر ونبات وَلا يَسْتَطِيعُونَ أن يملكوه أو لا استطاعة لهم قيل ويجوز أن يكون الضمير للكفّار يعني وَلا يَسْتَطِيعُونَ هم مع أنّهم أحياء شيئاً من ذلك فكيف بالجماد.

(٧٤) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ فلا تجعلوا له مثلاً تشركون به أو تقيسونه عليه فانّ ضرب المثل تشبيه حال بحال قيل كانوا يقولون أنّ عبادة عبيد الملك ادخل في التعظيم من عبادته إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ كنه الأشياءِ وضرب الأمثال وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١)

__________________

(١) وانّ من كان إلهاً فهو منزّه عن الشركاء وأنتم لا تعلمون ذلك بل تجهلونه ولو تفكّرتم لعلمتم وقيل معناه والله يعلم ما عليكم من الضّرّة في عبادة غيره وأنتم لا تعلمون ولو علمتم لتركتم عبادتها م ن.

١٤٦

(٧٥) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ قيل معناه إِذا لم يستويا هذان مع تشاركهما في الجنسيّة والمخلوقية فكيف يستوي الأصنام التي هي أعجز المخلوقات والغنيّ القادر على كل شيء ويجوز أن يكون تمثيلاً للكافر المخذول والمؤمن الموافق أو الجاهل والعالم المعلّم الْحَمْدُ لِلَّهِ لا يستحقه غيره فضلاً عن العبادة لانّ النّعم كلّها منه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ فيضيفون النعم إلى غيره ويشركون به.

العيّاشيّ عن الباقر والصادق عليهما السلام قالا : المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلّا بإذن سيّده قيل فان كان السيّد زَوَّجَه بِيَدِ مَنِ الطلاق قال بيد السّيّد ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ أفشيء الطلاق وفي معناه أخبار أخر.

(٧٦) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً (١) رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ ولد أخرس لا يَفْهَمُ ولا يُفْهِمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ من الصنايع والتدابير لنقصان عقله وَهُوَ كَلٌ ثقل وعيال عَلى مَوْلاهُ على من يلي أمره ويعوله أَيْنَما يُوَجِّهْهُ حيثما يرسله مولاه في أمر لا يَأْتِ بِخَيْرٍ بنجحٍ (٢) وكفاية مهمّ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ومن كان سليم الحواسِ نفاعاً كافيا ذا رشد وديانة فهو يأمر الناس بالعدل والخير وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو في نفسه على دين قويم وسيرة صالحة وهذا المثل مثل سابقه في الاحتمالات.

القمّيّ : الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السّلام.

(٧٧) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ما غاب منهما عن العباد وخفي علمه وَما أَمْرُ السَّاعَةِ في سرعته وسهولته إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها أَوْ (٣) هُوَ أَقْرَبُ لأنّه يقع دفعة إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرّجاً.

__________________

(١) اي بيّن الله مثلاً فيه بيان المقصود تقريبا للخطاب الى افهامهم ثمّ ذكر ذلك المثل فقال عبداً مملوكاً لا يقدر من أمره على شيء ومن رزقناه منّا رزقاً حسناً يريد وحرّا رزقناه وملكناه مالاً ونعمة م ن.

(٢) النّجح والنّجاح الظّفر بالحوائج ص.

(٣) او للتخيير أو بمعنى بل.

١٤٧

(٧٨) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ ورَكّبَ فيكم هذه الأدوات لازالة الجهل الذي ولدتم عليه واكتساب العِلم والعَمل به لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ كي تعرفوا ما أنعم عليكم طوراً بعد طور فتشكروه

(٧٩) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ وقرئ بالتّاءِ مُسَخَّراتٍ مذلّلات للطّيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية له فِي جَوِّ السَّماءِ في الهواء المتباعد من الأرض ما يُمْسِكُهُنَ فِيهِ إِلَّا اللهُ فانّ ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأنّهم هم المنتفعون بِها.

(٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً موضعاً تسكنونَ فيه وقت اقامتكم وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يعني الخيم والمضارب المتخذة من الأدم والوبر والصُّوف والشعر تَسْتَخِفُّونَها تجدونها خفيفة تخفّ عليكم حملها ونقلها ووضعها وضربها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ برحالكم وسفركم وقرئ بفتح العين وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ نزولكم وحضركم وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها الصوف للضّأن والوبر للإبل والشعر للمعز أَثاثاً ما يلبس ويفرش وَمَتاعاً ينتفع به إِلى حِينٍ إلى مدّة من الزمان.

القمّيّ في رواية أبي الجارود : أَثاثاً قال المال وَمَتاعاً قال المنافع إِلى حِينٍ إلى بلاغها.

(٨١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ من الشجر والجَبل والأبنية وغيرها ظِلالاً تتّقون به حرّ الشمس.

القمّيّ قال ما يستظل به وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً مواضع تسكنون بها من الغيرانِ والبيوت المنحوتة فيها وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ ثياباً من القطن والكتان والصّوف وغيرها تَقِيكُمُ الْحَرَّ اكتفى بذكر أحد الضّدّين لدلالته على الآخر ولأنّ وقاية الحرّ كانت عندهم أهمّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ يعني الدّروع والجواشِنَ والسّربال يعمّ كلّ ما يلبس كَذلِكَ كإتمام هذه النّعم التي تقدمت يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ أي تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به وتنقادون لحكمه.

١٤٨

(٨٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا أعرضوا ولم يقبلوا منك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ وقد بلّغت وأعذرت.

(٨٣) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا فاز من فاز.

وفي الكافي عنه عن أبيه عن جدّهِ عليهم السلام في هذه الآية قال : لمّا نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض ما تقولون في هذه الآية فقال بعضهم إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وان آمنّا فهذا ذلّ حين يسلّط علينا ابن أبي طالب عليه السلام فقالوا قد علمنا أنّ محمّداً صلَّى الله عليه وآله وسلم صادق فيما يقول ولكِنّا لا نتولّاه ولا نطيع عليّاً فيما أَمَرنا قال فنزلت هذه الآية يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها يعرفون يعني ولاية عليّ عليه السلام.

والعيّاشيّ عن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال عرفوه ثمّ أنكروه.

(٨٤) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً وهو نبيّها وامامها القائم مقامه يشهد لهم وعليهم بالإِيمان والكفر.

في المجمع والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : لكلّ زمان وَأمّة إمام يبعث كلّ أمّة مع إمامها ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا في الاعتذار إذ لا عذر لهم فدلّ بترك الإِذن على أن لا حجّة لهم ولا عذر وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ يسترضون إذ لا يقال لهم ارضوا ربّكم من العتبى وهو الرّضا.

(٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ ثقل عليهِم فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يمهلون.

١٤٩

(٨٦) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ من الأصنام والشياطين قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ نعبدهم ونطبعهم فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ يعني كذّبهم الذين عبدوهم بإنطاق الله إيّاهم في أنّهم شركاء الله وأنّهم عبدوهم حقيقة وإنّما عبدوا أهواءهم كقوله كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ.

(٨٧) وَأَلْقَوْا وألقى الذين ظلمُوا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ الاستسلام الانقياد لأمره وَضَلَّ عَنْهُمْ وضاع عنهم وبطل ما كانُوا يَفْتَرُونَ من أنَّ لِلَّهِ شركاء وأنّهم ينصرونهم ويشفعون لهم.

(٨٨) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفرِ زِدْناهُمْ عَذاباً لصَدّهم فَوْقَ الْعَذابِ المستحق لكفرهم (١) بِما كانُوا يُفْسِدُونَ بكونهم مفسدين الناس بصدّهم.

القمّيّ قال كَفَرُوا بعد النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وَصَدُّوا عَنْ أمير المؤمنين.

(٨٩) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ يا محمّد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ.

القمّيّ يعني من الأئمّة عَلى هؤُلاءِ يعني على الأئمّة عليهم السلام فرسول الله شهيد على الأئمّة عليهم السلام وهم شهداء على الناس.

أقولُ : وقد سبق تحقيق هذا المعنى في سورة البقرة والنِّساء وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً (٢) بياناً بليغاً لِكُلِّ شَيْءٍ (٣) وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.

__________________

(١) وقيل زِدْناهُمْ الأفاعي والعقارب في النّار لها أنياب كالنّخل الطّوال م ن.

(٢) اي بياناً لكلّ امر مشكل ومعناه ليبيّن كل شيء يحتاج إليه من أمور الشرع فانّه ما من شيء يحتاج الخلق إليه في امر من أمور دينهم الّا وهو مبيّن في الكتاب امّا بالتنصيص عليه أو بالإِحالة على ما يوجب العلم من بيان النّبي والحجج القائمين مقامه أو اجماع الأمّة فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفاداً من القرآن م ن.

(٣) اي وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ القرآن دلالة الى الرّشد ونعمة على الخلق لما فيه من الشّرايع والأحكام أو لأنّه يؤدّي إلى نعم الآخرة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ أي بشارة لهم بالثّواب الدائم والنّعيم المقيم م ن.

١٥٠

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : نحن والله نعلم ما في السموات وما في الأرض وما في الجنّة وما في النّار وما بين ذلك ثمّ قال : إنّ ذلك في كتاب الله ثمّ تلا هذه الآية.

وعنه عليه السلام : قال الله لموسى وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فعلمنا أنّه لم يكتب لموسى لشيء كلّه وقال الله لعيسى عليه السلام لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وقال لمحمّد عليه وآله السّلام وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ.

وفي الكافي عنه عليه السّلام : إنّي لأعلم ما في السّموات وما في الأرض وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النّار وأعلم ما كان وما يكون ثمّ سكت هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ إِنّ الله يقول فيه تبيان كل شيءٍ.

وعنه عليه السلام : إنّ الله أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء حتّى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن إلّا أنزله الله فيه.

(٩٠) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ ما جاوز حدود الله وَالْمُنْكَرِ ما ينكره العقول وَالْبَغْيِ التطاول على الناس بغير حق ، في المعاني والعيّاشيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام : العدل الإِنصاف والإحسان التفضّل.

والقمّيّ قال : العدل شهادة ان لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً صلَّى الله عليه وآله وسلم رَسُول الله وَالْإِحْسانِ أمير المؤمنين والفحشاءِ والمنكر والبغي فلان وفلان وفلان.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : مثله إلّا أنّه قال الْفَحْشاءِ الأوّل وَالْمُنْكَرِ الثاني وَالْبَغْيِ الثالث قال وفي رواية سعد عنه عليه السلام : العدل محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم فمن أطاعه فقد عدل وَالْإِحْسانِ عليّ عليه السلام فمن تولّاه فقد أحسن

١٥١

والمُحسن في الجنّة وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى قرابتنا أمر الله العباد بمودّتنا وإيتائنا ونهاهم عن الفحشاءِ والمنكر من بغى علينا أهل البيت ودعا إِلى غيرنا.

وعن الصادق عليه السلام : انّه قرئ عنده هذه الآية فقال اقرأ كما أقول لك إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى حقه قيل إنّا لا نقرأ هكذا في قراءة زيد قال ولكنا نقرؤها هكذا في قراءة عليّ عليه السلام قيل فما يعني ب إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى حقّه قال أداء إمام إلى إمام بعد إمام وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ قال ولاية فلان يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تتعظون في روضة الواعظين عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم : جماع التقوى في قوله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية قيل لو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنّه تبيان لكلّ شيء.

(٩١) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً شاهداً ورقيباً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ في نقض الأيمان والعهود.

في الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : لما نزلت ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكان من قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم سلّمُوا على عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين فكان ممّا أكّد الله عليهم في ذلك اليوم قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لهما قوما فسلّما عليه بإمرة المؤمنين فقالا أمن الله أو من رسوله فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم من الله ومن رسوله فأنزل الله تعالى وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ يعني به قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لهما وقولهما أمن الله أو من رسوله.

والعيّاشيّ : ما يقرب منه.

(٩٢) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها كالمرأة التي غزلت ثمّ نقضت غزلها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ من بعد احكام (١) وفتل أَنْكاثاً جمع نكث (٢) بالكسر وهو ما ينكث فتله.

__________________

(١) أحكمه أتقنه فاستحكم وضعه عن الفساد ق.

(٢) من النّكث اي النّقض م.

١٥٢

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها امرأة من بني تميم بن مرّة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تميم بن لويّ بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثمّ عادت فغزلته فقال الله كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها الآية قال إنّ الله تعالى أمر بالوفاءِ ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ دغلاً وخيانة وَمكراً وخديعة وذلك لأنّهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة والنّاس يسكنون إلى عهدهم والدّخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر وأصله أن يدخل الشيء ما لم يكن منه أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن يكون جماعة وهي كفرة قريش أزيد عدداً وأوفر مالاً من أمّة يعني جماعة المؤمنين إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ إنّما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتوفون بعهد الله أم تغترّون بكثرة قريش وقوّتهم وثروتهم وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وعيد وتحذير من مخالفة الرّسول صلَّى الله عليه وآله وسلم.

(٩٣) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً مسلمة مؤمنة وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ بالخذلان وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ بالتوفيق وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سؤال تبكيت ومجاراة (١)

(٩٤) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ تصريح بالنّهي عنه بعد التّضمين تأكيداً ومبالغة في قبح المنهي عنه فَتَزِلَّ قَدَمٌ عن محجّة الإِسلام بَعْدَ ثُبُوتِها عليها أي فتضلّوا عن الرّشد بعد أن تكونوا على هدىً يقال زلّ قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصّواب والمراد أقدامهم إنّما وحّد ونكّر للدلالة على أنّ زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة وَتَذُوقُوا السُّوءَ في الدنيا بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بصدودكم أو بصدّكم غيركم عنها لأنّهم لو نقضوا العهد وارتدّوا لاتّخَذ نقضها سنّة يستنّ بها وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ في الآخِرة.

في الجوامِع عن الصادق عليه السلام : نزلت هذه الآيات في ولاية عليّ عليه

__________________

(١) التبكيت التقريع والغلبة بالحجّة. جاراه مجاراة وجراءً جرى معه ق.

١٥٣

السلام والبَيعة له حين قال النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم سلّموا على عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين.

وفي الكافي والقمّيّ عنه عليه السلام : أنّه قرأ أن تكون أئمّة هي أزكى من أئمتكم فقيل إنّا نقرؤها هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ فقال وما أربى وأومأ بيده فطرحها قال إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ يعني بعليّ عليه السلام يختبركم بعد ثبوتها يعني بعد مقالة النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في عليّ عن سبيل الله يعني به عليّاً.

وزاد القمّيّ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً قال على مذهب واحد وأمر واحد وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ يعذّب بنقض العهد وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ قال يثيب.

والعيّاشيّ : ما يقرب منه.

وعنه عليه السلام : كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً عائشة هو نكث إيمانها.

(٩٥) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ولا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسول الله ثَمَناً قَلِيلاً عَرْضاً يسيراً من متاع الدنيا إِنَّما عِنْدَ اللهِ من الثواب على الوفاء بالعهد هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

(٩٦) ما عِنْدَكُمْ من متاع الدنيا يَنْفَدُ أي ينقضي ويفنى وَما عِنْدَ اللهِ من خزائن رحمته باقٍ لا ينفد وَلَنَجْزِيَنَ وقرء بالنّون الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

(٩٧) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً في الدنيا يعيش عيشاً طيباً.

القمّيّ : قال القنوع بما رزقه الله.

وفي نهج البلاغة : أنّه عليه السلام سئل عنها فقال هي القناعة وفي المجمع عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم : أنّها القناعة والرضا بما قسم الله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ

١٥٤

بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الطاعة.

(٩٨) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ إذا أردت قراءته فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ فاسأل الله أن يُعيذك من وساوسه لئلّا يوسوسك في القراءة.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : قيل له كيف أقول قال : تقول أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال الرّجيم أخبث الشياطين.

وفي قرب الإسناد عن سدير قال : صلّيت المغرب خلف أبي عبد الله عليه السلام فتعوّذ بإجهار أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون ثمّ جهر ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَرَوَت العامّة عن ابن مسعود قال : قرأت على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرَّجِيمِ هكذا أقرأنيه جبرئيل عن القلم عن اللّوح المحفوظ وقد سَبَق تفسير الاستعاذة في أوّل الكتاب.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : إذا قرأت بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فلا تبالي ألا تستعيذ.

(٩٩) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ تسلّط وولاية عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فانّهم لا يطيعون أوامره.

(١٠٠) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ يحبّونه ويطيعونَه وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية قال يسلّط والله على المؤمن على بدنه ولا يسلّط على دينه قد سلّط على أيّوب فشوّه خلقه ولم يسلّطه على دينه وقال الَّذِينَ هُمْ بالله مُشْرِكُونَ يسلّط على أبدانهم وعلى أديانهم.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال ليس له أن يزيلهم عن الولاية فأمّا الذّنوب وأشباه ذلك فانّه ينال منهم كما ينال من غيرهم القمّيّ مثله.

١٥٥

(١٠١) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ بالنسخ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ من المصالح فلعلّ ما يكون مصلحة في وقت يكون مفسدة في آخر وهو اعتراض لتوبيخ الكفّار على قولهم أو حالهم قالُوا أي الكفّار إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ متقوّل على الله تأمر بشيء ثمّ يبدو لك فتنهى عنه.

القمّيّ قال : كان إذا نسخت آية قالوا لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أنت مفتر فردّ الله عليهِم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ حكمة الأحكام ولا يميّزون الخطأ من الصَّواب.

(١٠٢) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ يعني جبرئيل مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ متلبّساً بالحكمة لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا على الإِيمان بأنّه كلام الله فانّهم إذا سمعوا النّاصِح وتدبّروا ما فيه من رعاية الصّلاح والحِكمةِ رسخت عقائدهم واطمأنّت قلوبهم وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ المنقادين لحكمه.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : رُوحُ الْقُدُسِ هو جبرئيل والقدس الطّاهر لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا هم آل محمّد صلوات الله عليهم.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : إِن الله تبارك وتعالى خلق رُوحُ الْقُدُسِ فلم يخلق خلقاً أقرب إليه منها وليست بأكرم خلقه عليه فإذا أراد الله أمراً ألقاه إليها فألقته إلى النجُوم فجرت به.

(١٠٣) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ يضيفون إليه التّعليم ويميلُون قولهم عن الاستقامة إليه وقرئ بفتح الياءِ والحاءِ أَعْجَمِيٌ غير بيّن وَهذا القرآن لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١) ذو بيان وفصاحة.

القمّيّ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ هو لسان أبي فكيهة مولى ابن الحضرمي كان أعجمِيّ اللِّسان وكان قد اتّبع النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وآمن به وكان من

__________________

(١) يعني إذا كانت العرب يعجز عن الإِتيان بمثله وهو بلغتهم فكيف يأتي الأعجميّ بمثله م ن.

١٥٦

أهل الكتاب فقالت قريش هذا والله يعلّم محمّداً صلَّى الله عليه وآله وسلم علّمه بلسانه.

(١٠٤) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يصدِّقون أنّها من عند الله لا يَهْدِيهِمُ اللهُ لا يلطف بهم ويخذلهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.

(١٠٥) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لأنّهم لا يخافونَ عقاباً يردعهم عنه هذا ردّ لقولهم إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ يعني إنّما يليق افتراء الكذب لمن لا يؤمن بالله لأنّ الإِيمان يمنع الكذب وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ.

(١٠٦) مَنْ كَفَرَ بِاللهِ (١) مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ لم تتغيّر عقيدته وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً اعتقده وطاب به نفساً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ إذ لا جرم أعظم من جرمه.

القمّيّ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فهو عمّار بن ياسر أخذته قريش بمكّة فعذّبوه بالنّار حتّى أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مطمئن بالإِيمان وقوله وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن لؤيّ قال وكان عاملاً لعثمان بن عفّان على مصر.

أقول : قصّة عمّار على ما روته المفسّرون في شأن نزول هذه الآية : أنّ قريشاً أكرهوه وأبويه ياسر وسميّة على الارتداد فأبى أبواه فقتلوهما وهما أوّل قتيلين في الإِسلام وأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا مكرهاً فقيل يا رسول الله إنّ عمّار كفر فقال كلّا إنّ عمّار أملئ إيماناً من قرنه إلى مقدمه واختلط الإِيمان بلحمه ودمه فأتى عمّار رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي فجعل النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يمسح بعينيه وقال ما لك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت.

وفي الكافي : قيل للصادق عليه السلام إنّ النّاس يروون أنّ عليّاً عليه السلام

__________________

(١) قال الزجّاج قوله مَنْ كَفَرَ بِاللهِ في موضع رفع على البدل من الكاذبين ولا يجوز أن يكون رفعاً بالابتداء لأنّه لا خبر هاهنا للابتداء فانّ قوله مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ليس بكلام تامّ وقوله فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ خبر قوله مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً وقال الكوفيّون مَنْ كَفَرَ شرط وجوابه يدلّ عليه جواب مَنْ شَرَحَ فكأنّه قيل من كفر فعليه غضب من الله م ن.

١٥٧

قال على منبر الكوفة أيّها الناس أنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرأوا منّي فقال ما أكثر ما يكذب الناس على عليِّ عليه السلام.

قال إنّما قال أنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم ولم يقل لا تبرؤا منّي فقال له السائل أرأيت انِ أختار القتل دون البراءة فقال والله ما ذاك عليه وما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكره وقلبه مطمئنّ بالإِيمان فأنزل الله فيه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فقال له النبيّ صلَّى الله عليه وآله عندها يا عمّار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا.

والعيّاشي عن الباقر عليه السلام : مثله وعن الصادق عليه السلام : انه سئل مدّ الرقاب أحبّ إليك أم البراءة من عليّ عليه السلام فقال الرخصة أحبّ إليّ أما سمعت قول الله في عمار إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ.

(١٠٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ بسبب أنّهم آثروها عليها وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أي الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإِيمان.

(١٠٨) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ فامتنعت عن ادراك الحقّ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الكاملون في الغفلة إذ غفلوا عن التّدبّر في عاقبة أمرهم.

(١٠٩) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ إذ ضيّعوا أعمارهم بصرفها فيما أفضى إلى العذاب الدّائم.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يدعو أصحابه فمن أراد الله به خيراً سمع وعرف ما يدعوه إليه ومن أراد به شرّاً طبع على قلبه فلا يسمع ولا يعقل وهو قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ الآية.

(١١٠) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا عذّبوا في الله وأكرهوا على الكفر فأعطوا بعض ما أريد منهم ليسلموا من شرّهم كعمّار وقرئ بفتح الفاءِ والتّاءِ ثُمَ

١٥٨

جاهَدُوا وَصَبَرُوا على الجهاد وما أصابهم من المشاقّ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها من بعد الافتتان والجهاد والصّبر لَغَفُورٌ لما فعلوا من قبل رَحِيمٌ ينعم عليهم مجازاة على مشاقّهم لَغَفُورٌ خبر أنّ الأولى والثانية جميعاً ونظير هذا التكرير في القرآن كثير وثمّ لتباعد حال هؤلاءِ من حال أولئك.

(١١١) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها أي ذاتها تحتّج عنها وتعتذر لها وتسعى في خلاصها لا يهمّها شأن غيرها فيقول نفسي نفسي وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ جزاء ما عملت وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

(١١٢) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لكلّ قوم أَنعَمَ الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفُروا بها فأنزل الله بهم نقمته قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً لا يزعج أهلها خوف يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ من نواحيها فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وقرء بنصب الخوف استعار الذّوق لادراك أثر الضّرر واللباس لما غشيهم واشتمل عليه من الجوع بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.

القمّيّ قال : نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البِلّيّان وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير وكانوا يستنجونَ بالعَجين ويقولون هو ألين لنا فكفروا بأنعُمِ اللهِ واستخفّوا بنعمة الله فحبس الله عليهم البلّيّان فجدبوا حتّى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به حَتّى كانوا يتقاسمون عليه.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : كان أبي يكره أن يمسح يده بالمنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له إلّا أن يمصّها أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها له قال وإنّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقّده فيضحك الخادم ثمّ قال : إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم كان الله قد وسّع عليهم حتّى طغوا فقال بعضهم لو عمدنا إلى شيء من هذا النّقيّ فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحِجارة قال فلما فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلّا أكلته من شجر أو غيره فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه وهي القرية التي قال

١٥٩

الله ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً إلى قوله بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.

(١١٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ.

(١١٤) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.

(١١٥) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قد سبق تفسيره في سورة البقرة.

(١١٦) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ.

القمّيّ هو ما كانت اليهود يقولون ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا.

قيل : أي لا تحلّلوا ولا تحرّموا بمجرّد قول ينطق به ألسنتكم من غير حجّة ونصّ ووصف ألسنتهم بالكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كأنّ حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرّفها بكلامهم هذا كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السِّحرَ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ من قبيل التعليل الذي لا يتضمّنه الغرض إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ.

(١١٧) مَتاعٌ قَلِيلٌ أي ما يفترون لأجله منفعة قليلة تنقطِع عن قريب وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.

في التوحيد عن الصادق عليه السلام : إذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عنها كان خارجا من الايمان وساقطاً عنه اسم الايمان وثابتاً عليه اسم الإسلام فان تاب واستغفر عاد إلى الإِيمان ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال فإذا قال للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندنا يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلى الكفر وكان بمنزلة رجل دخل الحرمَ ثمّ دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حَدَثاً فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النّار الحديث.

١٦٠