والإضمار والتحريف والتأليف (١) والزيادة والنقيصة والسقط وما أشبه ذلك من الأحوال المزاحمة لدلالة الخطاب اللفظي ، فمع افتقار استفادة المطلب من الكتاب ـ ولو كان من مقولة الكلام اللفظي ـ إلى النظر الملازم للعلم الإجمالي ، فكيف ينكر صدق الدليل عليه اصطلاحا ، ولا يتفاوت الحال في ذلك بين القول بشمول الخطابات الشفاهيّة للمعدومين وخلافه.
ولا يذهب عليك ، أنّ هذا وإن كان يدفع الاعتراض المذكور من الجهة الّتي تقدّم ذكرها ، ولكن تطبيقه على مذهب الأشاعرة لا يخلو عن إشكال ، لأنّ حاصل ما قرّرناه كون الكلام اللفظي دليلا في الاصطلاح باعتبار كشفه الثاني ، والمنقول من مذهبهم يقتضي دليليّته باعتبار كشفه الأوّل ، حيث إنّهم جعلوا مدلوله الكلام النفسي المفسّر عندهم تارة : بالمعنى القائم بنفس المتكلّم ، واخرى : بالنسبة الذهنيّة ـ خبريّة كانت أو إنشائيّة ـ وثالثة : بالنسبة القائمة بالذهن ، حتّى أنّهم يجعلونه بهذا التفسير مغائرا للنسبة الخارجيّة ، ومعنى كونه مدلولا للكلام اللفظي إفادة الكلام العلم بقيامه في الذهن ، وهذا كما ترى هو الكشف الأوّل من الكلام ، وقد عرفت أنّه بهذا الاعتبار لا يعدّ دليلا في الاصطلاح ، فالاعتراض متوجّه إليهم ، لكن لا لما علّله المعترض من عدم سبق الدعوى والعلم الإجمالي بالمدّعى ، فإنّ السبق والعلم الإجمالي حاصلان في الكلام اللفظي بكلّ من التقادير الثلاث المتقدّمة ، ولو بالقياس إلى الكشف الأوّل ، بل لأنّ الكلام بهذا الاعتبار من الأسباب الضروريّة للعلم لأنّه يورث العلم بلا نظر وفكر بقيام مدلوله في ذهن المتكلّم ، إلاّ أن يمنع ذلك أيضا ويقال : إنّه سبب ضروري بالقياس إلى أمر اخر وهو التصوّر ، أو هو مع العلم بوجود اللفظ في الخارج وصدوره من لافظه لا بالقياس إلى ما ذكر من الكشفين.
وبيان ذلك : أنّ الكلام اللفظي كقوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(٢) له إفادة من جهات ثلاث :
__________________
(١) كذا في الأصل.
(٢) الأنعام : ٧٢.