عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

ثم ما ورد من الاثار الظاهرة في خلاف هذا ينبغي أن يأول بما يوافقه ، كما قاله أمير المؤمنين اللا في نهج البلاغة في الخطبة التي أولها انتفعوا ببيان الله، ألا وان الظلم ثلاثة، فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب . فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ ) (١) به

وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات .

وأما الظلم لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً .

القصاص هناك شديد. الخطبة (٢) .

وبالجملة ان المعتزلة يقولون: ان بعض القبائح المحرمة يرتفع استحقاق العقاب ، عن مرتكبها بدون التوبة ، بسبب الاجتناب عن بعض آخر ، ولذا يسمونه صغيرة، ويسمون عدم العقاب عليه تكفيراً أو احباطاً أيضاً. ويقولون : انه يصير فاعله كمن لم يفعله في عدم الاستحقاق للعقاب ، فلا يجوز اطلاق الفاسق عليه .

وأصحابنا الامامية يقولون: كل من فعل قبيحاً يبقى رهيناً بما كسب، ولا ينتفي عنه استحقاق العقاب عليه بدون التوبة ، أو ما يجري مجرها ، كفعل الطاعات بعده لقوله تعالى: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (۳) ولا ينفع اجتنابه عن الباقي، وليس فاعله كمن لم يفعله على حال ، والا لزم الاغراء بالقبيح في المتنازع فيه ، وهو ما عدا ذنب المقلد للحق كمامر ، وسيجيء تحقيقه ، وما عداها مافعل مع المبالاة كما سيجيء أيضاً ، فيجوز اطلاق الفاسق واجراء

__________________

(١) النساء: ٤٨ .

(۲) نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد ١٦:١٠ ـ ٣٣ خطبة رقم ١٨٧ .

(۳) هود: ١١٤ .

٣٦١

يقال : ان خطأهم كان صغيراً فانحبط على ما تذهب اليه المعتزلة فلاجل ذلك لم يقطعوا لموالاة وتركوا التفسيق فيه و التضليل .

فان قال قائل (۱): أكثر ما في هذا الاعتبار أن يدل على انهم غير مؤاخذين بالعمل بهذه الاخبار ، وانه قد عفى عنهم ، وذلك لا يدل على صوابهم ، لانه لا يمتنع أن يكون من خالف الدليل منهم أخطأ وأثم واستحق العقاب، الا انه عفى له عن خطائه واسقط عنه ما استحقه من العقاب .

قيل له : الجواب عن ذلك من وجهين :

أحدهما : ان غرضنا (۲) بما اخترناه من المذهب هو هذا، وان

____________________________________________

أحكام الفساق عليه، لا يقال ارتفاع الاستحقاق للعقاب بسبب التوبة مثلا، أيضاً اغراء بالقبيح، فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له فيذنب المكلف اتكالا على انه سيتوب .

لانا نقول: الاتكال غير معقول بجواز الاحترام، وهذا كاف في الخوف على انه يمكن أن يقال في التوبة : انه يمتنع اجتماع العزم على القبيح مع العزم على التوبة عنه، ومن يقول سأتوب فانما يقوله بمحض اللفظ .

( ۱ ) قوله ( فان قال قائل الخ ) حاصله ان ما ذكرتم انما يدل على عدم ارتفاع استحقاق العقاب، وهو لا ينافي العفو، فيمكن أن يكون عدم تفسيقهم، لانه معفو عنهم لا عدم استحقاقهم العقاب .

(۲) قوله ( أحدهما ان غرضنا الخ ) حاصله ان التفسيق لازم لاستحقاق العقاب وان كان معفواً عنه فبقاء استحقاق العقاب كاف في غرضنا، فان نسبة

٣٦٢

من عمل بهذه الاخبار لا يكون فاسقاً مستحقاً للعقاب، فاذا سلم لنا ذلك، ثبت لنا ما هو الغرض المقصود .

والثاني: (۱) ان ذلك لا يجوز ، لانه لو كان قد عفى لهم عن

____________________________________________

جميع الشيوخ المتقدمين استحقاق العقاب، وهو المراد بالفسق قبيح .

(۱) قوله (والثاني الخ) حاصله ان العفو وان كان جائزاً فليس يجوز أن يعلم المكلفون التزام الله تعالى اياه في نوع مخصوص من الذنب سوى ما استثنى فيمتنعوا من تفسيق مرتكبه لاجل علمهم بالعفو لانه اغراء بالقبيح .

وقال بعض المتاخرين : لا يقال خلاصة الدليل جارية فيما اعترفتم به من انه تعالى التزم العفو عن الصغائر، لانا نقول الاجتراء على الصغيرة كبيرة كما تقرر في موضعه، ولم يلتزم العفو عن الكبائر (انتهى) .

ولا يخفى ان اصحابنا لم يعترفوا بما نسب اليهم كمامر في صريح كلام المصنف والمعتزلة أيضاً لم يقولوا به، اذ هم قائلون بارتفاع الاستحقاق للعقاب لا بالعفو، وان كان ارتفاع الاستحقاق ووجود العفو شريكين في جريان خلاصة الدليل فيهما .

ثم اعلم ان معنى الاصرار عند أصحابنا، ترك الاستغفار. كما مر الاشارة اليه في كلام ابن عباس .

وقال الطبرسي رحمه‌الله في تفسير سورة آل عمران في قوله: ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (۲) وفي الحديث (ما أصر من استغفر ولوعاد في اليوم سبعين مرة ) ثم قال : وفي هذا بيان ان المؤمنين ثلاث طبقات متقون و

__________________

(٢) آل عمران : ١٣٥ .

٣٦٣

العمل بذلك مع انه قبيح يستحق به العقاب، واسقط عقابهم، لكانوا مغرين بالقبيح ، وذلك لا يجوز . لانهم اذا علموا انهم اذا عملوا بهذه الاخبار لا يستحقون العقاب، لم يصرفهم عن العمل بها صارف فلو كان فيها ما هو قبيح العمل به، لما جاز ذلك على حال .

فان قيل : لو كانت هذه الطريقة دالة على جواز العمل بما اختلف من الاخبار المتعلقة بالشرع من حيث لم ينكر بعضهم على بعض ولم يفسق بعضهم بعضاً ينبغى أن تكون دالة على صوابهم فيما طريقه العلم فانهم قد اختلفوا في الجبر، والتشبيه، والتجسيم، والصورة وغير ذلك، واختلفوا في أعيان الأئمة عليهم‌السلام ولم نرهم قطعوا لمولاة ، ولا

____________________________________________

تائبون، ومصرون، وان للمتقين والتائبين منهم الجنة والمغفرة (انتهى) (۱).

فان اراد به هذا فالجواب يرجع الى عدم التزام العفو عن الصغائر في الحقيقة، وظاهر جوابه تصحيح التزام العفو، وبالجملة نعم الوفاق. وان أراد به ماذكره بعض فقهائنا من أنه العزم على فعلها بعد الفراغ منها وفي معناه المداومة على نوع واحد منها بلاتوبة، فلا ينفى الاغراء بالقبيح ، لانه يلزم حينئذ أن يكون من فعلها مرة جاز ما عدم فعلها بعده كمن لم يفعل .

فينبغي أن يريد بالاصرار فعلها مع عدم المبالاة ، سواء كان عدم المبالاة الغلبة الهوى أو لتمني العفو أو اعتقاده ، سواء كان مع العزم على العود أو مع الجزم بعدم العود. ويندفع الاغراء لانه يمكن أن يقال بالعفو عمن فعل مع المبالاة، وعدم العفو عمن فعل مع عدم المبالاة اعتماداً على العفو أو غيره.

__________________

(۱) جوامع الجامع ١: ٦٩ .

٣٦٤

أنكروا على من خالفهم، وذلك يبطل ما اعتمدتموه .

قيل : جميع ما عدد تموه من الاختلاف الواقع بين الطائفة ، فان النكير واقع فيه من الطائفة والتفسيق حاصل فيه، وربما تجاوز ا ذلك أيضاً الى التكفير، وذلك أشهر من أن يخفى، حتى ان كثيراً منهم جعل ذلك طعناً على رواية من خالفه في المذاهب التي ذكرت في السؤال وصنفوا في ذلك الكتب وصدر عن الأئمة عليهم‌السلام أيضاً النكير عليهم، نحو أفكارهم على من يقول بالتجسيم والتشبيه ، و الصورة، والغلو وغير ذلك .

وكذلك من خالف في أعيان الأئمة عليهم‌السلام لانهم جعلوا (۱) ما يختص الفطيحة، والواقفة، والناووسية (۲) وغيرهم من الفرق المختلفة بروايته لا يقبلونه ولا يلتفتون اليه.

فلو كان اختلافهم في العمل باخبار الاحاد يجرى مجرى اختلافهم فى المذاهب التي أشرنا اليها، لوجب أن يجروا فيها ذلك المجرى، ومن نظر فى الكتب وسبر أحوال الطائفة وأقاويلها، وجد

____________________________________________

(۱) قوله (لانهم جعلوا) قد مر ما يتعلق بهذا في الدليل الأول فتذكر .

(۲) قوله (الناووسية) هم أتباع رجل يقال له ناووس، وقيل : نسبوا الى قرية ناووسا. قالوا : ان الصادق عليه‌السلام حي بعد، ولن يموت حتى يظهر، فيظهر أمره وهو القائم المهدي (۳).

__________________

(۳) انظر مقالتهم في فرق الشيعة للنوبختى: ٦٧ .

٣٦٥

الأمر بخلاف ذلك، وهذه أيضاً طريقة معتمدة في هذا الباب .

ومما يدل أيضاً على صحة ما ذهبنا اليه انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار، فوثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء و فرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره ومدحوا الممدوح منهم، وذموا المذموم .

وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف فى المذهب والاعتقاد، وفلان واقفی، و فلان فطحی وغير ذلك من الطعون التي ذكروها .

وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال (۱) من جملة مارووه من التصانيف في فهارستهم، حتى ان واحداً منهم اذا أنكر حديثاً نظر في اسناده ، وضعفه بروايته هذه عادتهم على قديم الوقت، و

____________________________________________

(۱) قوله ( واستثنوا الرجال ) أي التصانيف التي رواها الرجال، مثل ما روى عن ابن الوليد (۲) انه قال: ما تفرد به محمد بن عیسی (۳) من كتب يونس (۴) لا يعتمد عليه .

__________________

(۲) أبو جعفر ، محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، شيخ القميين وفقيههم و متقدمهم ووجههم، ثقة، عين مسكون اليه توفى سنة (٣٤٣هـ. ) قاله النجاشي: ۲۷۱ .

(۳) محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الاشعرى أبو على شيخ القميين ووجه الاشاعرة، متقدم عند السلطان، ودخل على الرضا عليه‌السلام وسمع منه، وروى عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام .

(٤) هو يونس بن عبد الرحمن مولى على بن يقطين بن موسى مولی بنی اسد. أبوه

٣٦٦

حديثه لا تيحرم . فلولا ان العمل بمن يسلم من الطعن، ويرويه من هو موثوق به جائز ، لما كان بينه وبين غيره فرق، وكان يكون خبره مطروحاً مثل خبر غيره ، فلايكون فائدة لشروعهم فيما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق وترجيح الاخبار بعضها على بعض ، وفي ثبوت ذلك دليل على صحة ما اخترناه

فصل

في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الاحاد (١)

أو على بطلانها ، وما يرجح به الاخبار بعضها

على بعض ، وحكم المراسيل

القرائن التي تدل على صحة متضمن الاخبار التي لا توجب العلم أشياء أربعة :

منها : أن تكون موافقة لادلة العقل وما اقتضاه ، لان الاشياء

____________________________________________

(۱) قوله (على صحة أخبار الاحاد الخ) أي على صحة متضمنها مستقلة تلك القرائن بدون مدخلية الاخبار في العلم بالصدق ، وهذا فيما ليس له معارض من الاخبار، بقرينة ذكر حكم التعارض على حده، ولذا لم يذكر في صورة التعارض الترجيح بأدلة العقل كما سيجيء .

__________________

محمد، كان وجهاً في أصحابنا متقدماً، عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام بن عبد الملك ورأى جعفر بن محمد عليهما السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، وروى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما السلام وكان الرضا يشير اليه في العلم والفتيا. قاله النجاشي

٣٦٧

في العقل اذا كانت اما على الحظر أو الاباحة على مذهب قوم، أو الوقف على ما نذهب اليه، فمتى ورد الخبر متضمناً (۱) للحظر أو الاباحة، ولا يكون هناك (۲) ما يدل على العمل بخلافه، وجب أن يكون ذلك دليلا على صحة متضمنه عند من اختار ذلك .

وأما على مذهبنا الذي نختاره فى الوقف، فمتى ورد الخبر موافقاً لذلك، وتضمن وجوب التوقف، كان ذلك دليلا أيضاً على صحة متضمنه ، الا أن يدل دليل (۳) على العمل بأحدهما، فيترك

____________________________________________

(۱) قوله (فمتى ورد الخبر متضمناً الخ) المراد وروده على قاعدة كلية يشمل حظر جميع ما لم يعلم حاله، لاوروده على حظر أمر مخصوص كالكذب مثلا ، أوهمه .

(۲) قوله : ( ولا يكون هناك الخ ) فالمراد انه يعمل تلك القاعدة في الموارد لا في مادة يدل دليل على خلافه .

وهذا في تحقيقه ليس منافياً للقاعدة ، لان اشتراط عدم دليل يدل على خلاف الحظر مثلا متضمن في القاعدة ، ولا بأس بالمسامحة في اللفظ مع وضوح المعنى .

(۳) قوله (الا أن يدل) فيه أيضاً المسامحة المذكورة، فالمراد بترك الخبر والاصل عدم اعمالهما في شيء ليس من جزئياتهما ، ومن الاخبار الواردة على الوقف، ماروي انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ان الحلال بين ، وان الحرام بين وبينهما امور متشابهات) (۳) .

__________________

(۳) سنن أبى داود ٣: ٢٤٣ (الباب الثالث من كتاب البيوع) .

٣٦٨

الخبر والاصل .

ومتى كان الخبر متناولا للحظر (۱) ولم يكن هناك دليل يدل على الاباحة، فينبغي أيضاً المصير اليه ، ولا يجوز العمل بخلافه ، الا أن يدل دليل (۲) يوجب العمل بخلافه، لان هذا حكم (۳) مستفاد بالعقل ، ولا ينبغي أن يقطع على حظر ما تضمنه (٤) ذلك الخبر، لانه خبر واحد لا يوجب العلم فنقطع به، ولا هو موجب العمل (۵) فنعمل به

____________________________________________

(ومن وقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) (۶) ومنها : ( دع ما يريبك الى ما لا يريبك) (٧).

(۱) قوله ( متناولا للحظر ) أي في أمر مخصوص كشرب النبيذ مثلا .

( ۲ ) قوله ( الا أن يدل دليل الخ ) تكرار لمعنى قوله ( ولم يكن هناك السخ ) .

(۳) قوله (لان هذا حكم الخ) يعنى دليل العقل وهذا الخبر متوافقان في مقتضاهما من حيث العمل .

(٤) قوله (ولا ينبغي أن يقطع على حظر ما تضمنه) أي حظره، ولانه متعلق للنهي بخصوصه لاحظره لعدم الاذن .

(٥) قوله (ولا هو موجب العمل) أي ليس القطع بحظره من باب العمل حتى يكون هذا الخبر موجبه فيعمل به ، فالتقدير ولا هو موجب العمل من

__________________

(٦) في المصدر السابق : «ان الله حمى حمى، وان حمى الله ما حرم ، وانه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه وانه من يخالط الريبة يوشك ان يجسر» .

(۷) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٢٨٦ (مادة ريب) .

٣٦٩

وان كان الخبر متضمناً للاباحة (۱) ولا يكون هناك خبر آخر أو دليل شرعى يدل على خلافه، وجب الانتقال اليه، والعمل به ، وترك ما اقتضاه الاصل (۲) لان هذا فائدة العمل باخبار الاحاد ، ولا ينبغي أن يقطع على ما تضمنه لما قدمنا من وروده مورداً لا يوجب العلم .

ومنها : أن يكون الخبر مطابقاً لنص الكتاب (۳)، اما خصوصه أو عمومه، أو دليله، أو فحواه. فان جميع ذلك دليل على صحة متضمنه الا أن يدل دليل يوجب العلم (٤) يقترن بذلك الخبر (۵) يدل على جواز تخصيص العموم به، أو ترك دليل الخطاب. فيجب حينئذ

____________________________________________

هذه الحيثية فيعمل به .

(۱) قوله (متضمناً للاباحة) أي في أمر مخصوص .

( ۲ ) قوله ( وترك ما اقتضاه الاصل ) أي عدم اعماله ، لانه ليس من جزئياته .

(۳) قوله (لنص الكتاب) المراد بالنص المتواتر دون القراءة الشاذة ، فهو القدر المشترك بين الصريح والظاهر .

(٤) قوله ( الا أن يدل دليل يوجب العلم ) أي العلم بجواز العمل به ، سواء أوجب العلم يكون متضمنة حكم الله في الواقع ، فيجوز الفتوى بــه أيضاً أم لا ؟

(٥) قوله ( يقترن بذلك الخبر ) أي يكون مخالفاً ومقترناً به .

٣٧٠

المصير اليه .

وانما قلنا ذلك لما نبينه فيما بعد من المنع من جواز تخصيص العموم بأخبار الاحاد ان شاء الله تعالى .

ومنها : أن يكون الخبر موافقاً للسنة المقطوع بها من جهة التواتر، فان ما يتضمنه الخبر الواحد اذا وافقه مقطوع على صحته أيضاً، وجواز العمل به (۱) وان لم يكن ذلك دليلا على صحة نفس الخبر ، لجواز أن يكون الخبر كذباً وان وافق السنة المقطوع بها

ومنها : أن يكون موافقاً لما أجمعت الفرقة المحقة عليه، فانه متى كان كذلك دل أيضاً على صحة متضمنه ، ولا يمكننا أيضاً أن نجعل اجماعهم دليلا على صحة نفس الخبر ، لانهم يجوز أن

____________________________________________

(۱) قوله (فان ما يتضمنه الخبر الواحد اذا وافقه مقطوع على صحته أيضاً و جواز العمل به الخ كذا في النسخ والظاهر ( جاز ) بدل ( وجواز ) وعلى ما في النسخ اسم (ان) ما الموصولة، والخبر مقطوع، والضمير المستتر في وافقه الخبر الواحد والبارز المنصوب للتواتر أو للسنة باعتبار انه متواتر، و (اذا) اما مجرد عن معنى الشرط بمعنى حين ، أو متوسط بين أجزاء الجزاء ، أو يقدر مثل المقدم مؤخراً نحو قوله تعالى : ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) (۲) وجواز العمل به عطف على صحته .

__________________

(٢) یوسف : ٩٩ .

٣٧١

يكونوا أجمعوا على ذلك عن دليل غير هذا الخبر، أو خبر غير هذا الخبر ولم ينقلوه استغناءاً بإجماعهم على العمل به ، ولا يدل ذلك على صحة نفس هذا الخبر .

فهذه القرائن كلها تدل على صحة متضمن أخبار الاحاد، ولا يدل على صحتها أنفسها لما بينا من جواز أن تكون الاخبار مصنوعة وان وافقت هذه الادلة. فمتى تجرد الخبر عن واحد من هذه القرائن كان خبر واحد محضاً .

ثم ينظر فيه فان كان ما تضمنه هذا الخبر هناك ما يدل على خلاف متضمنه من كتاب أوسنة، أو اجماع وجب اطراحه والعمل بمادل الدليل عليه. وان كان ما تضمنه ليس هناك ما يدل على العمل بخلافه ولا يعرف فتوى الطائفة فيه نظرفان كان هناك خبر آخر يعارضه مما يجرى مجراه وجب ترجيح أحدهما على الاخر (۱)، وسنبين من بعدما يرجح به الاخبار بعضها على بعض .

____________________________________________

(۱) قوله (وجب ترجيح أحدهما على الآخر الخ) انما يجب الترجيح اذا كانا في دين أو ميراث أو نحوهما، وأما العبادات المحضة ، فروى فيها ثقة الاسلام أبو جعفر الكليني في أوائل الكافي، وفي باب اختلاف الحديث من كتاب العقل : بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك (٢). ومعنى الاخذ بشيء من باب التسليم العمل به بدون افتاء به .

__________________

(٢) الکافی ١ : ٦٦ .

٣٧٢

وان لم يكن هناك خبر آخر يخالفه، وجب العمل به لان ذلك اجماع منهم على نقله (۱) فاذا أجمعوا على نقله وليس هناك دليل على العمل بخلافه، فينبغى أن يكون العمل به مقطوعاً عليه .

وكذلك ان وجد هناك فتاوى مختلفة من الطائفة، وليس القول المخالف له مستنداً الى خبر آخر ، ولا الى دليل يوجب العلم ، وجب اطراح القول الآخر والعمل بالقول الموافق لهذا الخبر ، لان ذلك القول لابد أن يكون عليه دليل، فاذا لم يكن هناك دليل يدل على صحته، ولسنا نقول بالاجتهاد (۲) والقياس يسند ذلك القول . اليه، ولا هناك خبر آخر يضاف اليه ، وجب أن يكون ذلك القول مطروحاً، ووجب العمل بهذا الخبر، والاخذ بالقول الذي يوافقه.

وأما القرائن التي تدل على العمل بخلاف ما يتضمنه الخبر الواحد، فهو أن يكون هناك دليل مقطوع به (۳) من كتاب، أوسنة

____________________________________________

(۱) قوله ( اجماع منهم على نقله ) أي نقله للعمل به على وجه، وهذا اشارة الى الدليل الأول من الادلة الثلاثة التي ذكرها على مختاره في العمل بخبر الواحد .

(۲) قوله ( ولسنا نقول بالاجتهاد الخ) أي لا يجب علينا أن ننظر في أنه هل يمكن الاستدلال عليه بالاجتهاد والقياس أم لا ؟ ثم نطرح ان لم يمكن لانا لا نقول بالاجتهاد والقياس فوجودهما كعدمهما .

(۳) قوله ( دلیل مقطوع به ) المراد القطع بجواز العمل به لا بالحكم

٣٧٣

مقطوع بها ، أو اجماع من الفرقة المحقة على العمل بخلاف ما تضمنه ، فان جميع ذلك يوجب ترك العمل به .

وانما قلنا ذلك لان هذه الادلة توجب العلم، والخبر الواحد لا يوجب العلم ، وانما يقتضى غالب الظن ( ۱ ) والظن لا يقابل العلم (۲) .

وأيضاً فقد روى (۳) عنهم عليهم السلام انهم قالوا : اذا جائكم عنا حديثان فاعرضوهما على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و

____________________________________________

المستفاد منه، لا يقال : فخبر الواحد أيضاً مقطوع به بهذا المعنى كمامر، لانا نقول: لا قطع على عمل الطائفة بخبر الواحد في تخصيص الكتاب ونحوه، وسيصرح المصنف بهذا السؤال والجواب في ( فصل في ذكر تخصيص العموم بالاخبار الاحاد) .

(۱) قوله ( وانما يقتضي غالب الظن ) أي مع قطع النظر عن المعارض أومع المعارض أيضاً .

(۲) قوله (لا يقابل العلم) يعنى لا عبرة بما يقتضيه مع عدم المعارض أو معه أيضاً اذا عارضه ما يقتضى العلم .

( ۳ ) قوله ( وأيضاً فقد روي الخ ) التمسك بهذا الخبر يعنى اما على اعتقاده تواتره، أو على اجماع الامامية على طبقه ، ومن البعيد أن يكون مبنياً على جواز التمسك في بعض مسائل الاصول ، وهي المسائل التي لا يعذب المخطىء فيها وليس في اثباتها بالادلة الظنية دور بالادلة الظنية بعد اثبات حجيتها ، أو في جميعها بعد التمسك بما يفيد العلم .

٣٧٤

آله فان وافقهما فخذوا به، ومالم يوافقهما فردوه الينا (۱) ، فلاجل ذلك رددنا هذا الخبر، ولا يجب على هذا أن نقطع على بطلانه في نفسه لانه لا يمتنع أن يكون الخبر في نفسه صحيحاً ، وله وجه من التأويل لا نقف عليه، أو خرج على سبب خفى علينا الحال فيه أو تناول شخصاً بعينه، أو خرج مخرج التقية وغير ذلك من الوجوه ، فلا يمكننا أن نقطع على كذبه ، وانما يجب الامتناع من العمل به حسب ما قدمنا .

فأما الاخبار اذا تعارضت وتقابلت ، فانه يحتاج في العمل ببعضها الى الترجيح، والترجيح يكون باشياء (۲) :

____________________________________________

(١) قوله (فردوه الينا) جعل الصلة (الى) دون (على) تنبيه على ما فصله المصنف بقوله ( ولا يجب الخ) .

(۲) قوله (والترجيح يكون بأشياء ) الترجيح بين الاخبار عند الامامية ليس مناطه افادة زيادة الظن ، بل المناط الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في باب الترجيح، واستقرار اجماعهم عليه .

ويجب على المتدين أن يتتبع كتب وأحاديث أصحابنا كالكافي وغيره في ذلك، وان يتتبع عمل الامامية فيه ليحصل له العلم به، وفي الفصل التاسع من كتاب الفوائد المدنية رحم الله مصنفه جملة من الاحاديث في ذلك (٥) ، فاندفع ما أورده العامة وتبعه بعض الخاصة في باب الترجيح من الترجيحات بغير ما ذكره المصنف هنا .

__________________

(٥) انظر الفوائد المدنية: ١٨١ ـ ١٩٤

٣٧٥

منها : أن يكون أحد الخبرين موافقاً للكتاب أو السنة المقطوع بها، والآخر مخالفاً لها، فانه يجب العمل بما وافقهما، وترك العمل بما خالفهما. وكذلك ان وافق (۱) أحدهما اجماع الفرقة المحقة ، والاخر يخالفه وجب العمل بما يوافق اجماعهم، وترك العمل بما يخالفه.

فان لم يكن مع أحد الخبرين شيء من ذلك، وكانت فتيا الطائفة مختلفة، نظر في حال رواتهما، فما كان راويه عدلا (۲) وجب العمل به وترك العمل بمالم يروه العدل، وسنبين القول في العدالة المراعاة في هذا الباب .

فان كان رواتهما جميعاً عدلين ، نظر في أكثرهما رواة ، و عمل به، وترك العمل بقليل الرواة ، فان كان رواتهما متساويين في

____________________________________________

(۱) قوله (منها أن يكون أحد الخبرين ـ الى قوله ـ وكذلك ان وافق) اشارة الى أن موافقة الكتاب وموافقة السنة المقطوع بها وموافقة الاجماع لا ينفك بعضها عن بعض ، ولا يقع فيها تعارض .

(۲) قوله (فما كان راويه عدلا) قد مر أن مستند الترجيح في هذا وأمثاله الروايات والاجماع، فان الترجيح بافادة زيادة الظن فيه خدشة كما ظهر من دفع المصنف كلام القائلين بوجوب العمل بخبر الواحد عقلا وغير ذلك، والفرق بين أن يكون وجوب العمل بخبر الواحد ثابتاً وبين أن لا يكون ثابتاً وتجويز الترجيح بالظن في الصورة الأولى دون الثانية ممنوع .

٣٧٦

العدد والعدالة ، عمل بأبعدهما (۱) من قول العامة ، ويترك العمل بما يوافقهم .

____________________________________________

(۱) قوله (عمل بأبعدهما الخ) قال المحقق : والظاهر ان احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه‌السلام وهو اثبات لمسألة علمية بخبر واحد، ولا يخفى عليك ما فيه، مع انه قدطعن فيه فضلاء من الشيعة كالمفيد وغيره.

فان احتج بان الابعد لا يحتمل الا الفتوى، والموافق للعامة يحتمل التقية فوجب الرجوع الى ما لا يحتمل .

قلنا لا نسلم انه لا يحتمل الا الفتوى، لانه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الامام كذلك تجوز الفتوى بما يحتمل التأويل، مراعاة لمصلحة يعلمها الامام وان كنا لا نعلمها .

فان قال ذلك يسد باب العمل بالحديث .

قلنا: انما نصير الى ذلك على تقدير التعارض ، وحصول مانع يمنع من العمل لا مطلقاً، فلم يلزم سد باب العمل (انتهى) (۲) .

ولا يخفى مما مر فيه على ان المحقق يجوز الاستدلال في الترجيح بافادة زيادة الظن، كما صرح به في صورة كون أحد الراويين أعلم وأضبط من الآخر بعد نقل دعوى الاجماع عن الشيخ على الترجيح حيث قال: ويمكن أن يحتج لذلك بأن رواية العالم والاعلم أبعد من احتمال الخطأ، وأنسب بنقل الحديث على وجهه، فكانت أولى (انتهى) (۳) .

ولاشك ان احتمال التقية فيما نحن فيه أقرب من احتمال التأويل، وان

__________________

(۲) المعارج، الباب السابع الفصل الخامس، المسألة التاسعة .

(۳) المصدر السابق، المسألة الثانية .

٣٧٧

وان كان الخبران يوافقان العامة، أو يخالفانها جميعاً نظر في حالهما فان كان متى عمل بأحد الخبرين ، أمكن العمل بالخبر الاخر على وجه من الوجوه، وضرب من التأويل، واذا عمل بالخبر الاخر لا يمكن العمل بهذا الخبر، وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الاخر ، لان الخبرين جميعاً منقولان مجمع على نقلهما (۱)، وليس هناك قرينة تدل على صحة أحدهما، ولا ما يرجح أحدهما به على الآخر، فينبغي أن يعمل بهما اذا أمكن ، ولا يعمل بالخبر الذي اذا عمل وجب اطراح العمل بالخبر الآخر ، وان لم يمكن العمل بهما جميعاً لتضادهما وتنافيهما، وأمكن (۲) حمل كل واحد منهما على ما يوافق الخبر الاخر على وجه ، كان الانسان مخيراً (۳) في العمل بأيهما شاء .

____________________________________________

حمل كلامه هنا على التأييد بعد الدليل، فلا يمكن في صورة عمل أكثر الطائفة باحدى الروايتين فانه اكتفى فيها بأن الكثرة امارة الرجحان، والعمل بالراجح واجب تدبر .

(۱) قوله (مجمع على نقلهما) قد مر معناه فتذكر .

(۲) قوله ( وأمكن الخ) الأولى أو أمكن .

(۳) قوله ( كان الانسان مخيراً الخ) هذا مبني على ان تعارض الخبرين لا يوجب تساقطهما والرجوع الى ما يقتضيه العقل ، وانما اطلق هذا اعتماداً على ما سيجيء من الترجيح من بعض الوجوه .

٣٧٨

وأما العدالة المراعاة فى ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فهو أن يكون الراوى معتقداً للحق، مستبصراً ثقة في دينه، متحرجاً من الكذب غيرمتهم فيما يرويه. فأما اذا كان مخالفاً في الاعتقاد لاصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة عليهم‌السلام نظر فيما يرويه ، فان كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه، وجب اطراح خبره وان لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه ، وجب العمل به. وان لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضاً العمل به، لما روى عن الصادق (ع) انه قال: اذا انزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى عنا (۱) فانظروا الى مارووه عن على عليه‌السلام فاعملوا به .

____________________________________________

والذي يفهم من أوائل الكافي، وفي كتاب العقل منه ، في باب اختلاف الحديث، ان عمل الطائفة بالتخيير في العبادات المحضة وبالترجيح في التنازع في دين أو ميراث أونحوهما على ترتيب فصل في مقبولة عمر بن حنظلة (٢) الى ان ينتهي الى التوقف (۳) .

(۱) قوله (فيما روي عنا الخ) أي برواية الثقات، وضمير رووه، راجع الى العامة، وهذا مبني على ان أكثر الرواة عن علي عليه‌السلام عامة، وأكثر الرواة

__________________

(۲) عمر بن حنظلة العجلى البكرى، الكوفى. عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام.

(۳) انظر الكافي ١: ٦٧ حديث ۰۱۰ [ من هنا سقط من السنخة المطبوعة ].

٣٧٩

ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث ابن كلوب (۱)، ونوح بن دراج (۲)، والسكوني (۳)، وغيرهم من العامة عن ائمتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه (٤) .

وأما اذا كان الراوى من فرق الشيعة مثل الفطحية، والواقفة والناووسية وغيرهم، نظر فيما يرويه ، فان كان هناك قرنية تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم ، وجب العمل به. وان كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب اطراح ما اختصوا

____________________________________________

عن باقي الأئمة عليهم‌السلام ثقات، فاعطي الأكثر حكم الكل، وينبغي ان يخص مارووه عن علي الا بما تحقق فيه الشروط السابقة في العمل بخبر الواحد على ما اختاره المصنف .

(۲) قوله ( ونوح بن دراج ) في الخلاصة : نوح بن دراج كان من الشيعة (٥) .

(٤) قوله (ولم يكن عندهم خلافه) عطف تفسير لقوله (لم ينكروه) .

__________________

(۱) غياث بن كلوب بن فيهس البجلي، له كتاب عن اسحاق بن عمار. قاله الشيخ الطوسي في الفهرست .

(۳) اسماعيل بن أبي زياد السكونى نسبة الى السكون حي من اليمن ، ويعرف أيضاً بالشعيري. واسم أبي زياد مسلم.

(٥) قال العلامة في الخلاصة ( ۱۷۵ ) : نوح بن دراج كان من الشيعة ، وكان قاضي الكوفة ، واعتذر عن ذلك بأنه سأل أخاه لم لا تأتى المسجد ؟ فقال : ليس لي أزار .

٣٨٠