عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

وكل من يطوف بالليل فهو سارق) امارة يستلزم الظن به الظن بالنتيجة قطعاً ويكفي الاحتمال . ولا يخفى ان الظن في كبرى هذا المثال غير متحقق فيمن يظن بالسرقة لامارة الطواف بالليل . بل العلم بكذ بها حاصل له . ولا ينافي ذلك علمه ، بأن الغالب في الطائف بالليل انه سارق . فالأولى جعل الامارة ما قلناه ، واستلزام الظن بالملزوم للظن باللازم كلياً ممنوع كما سيجيء في (فصل في أن الاخبار قد يحصل عندها العلم).

ثم لو فرضنا ان الظن بهما مستلزم للظن بالنتيجة، فليس النظر فيهما مستلزماً له كما يظهر مما حررنا سابقاً ، لان الظن بهما خارج عن حقيقة النظر ، وليس من جنسه ولا لازماً له . ولذا قد ينظر جماعة في امارة واحدة ، من جهة واحدة بدون تفاوت فيما يرجع الى النظر ، ويحصل لاحدهم الظن دون الآخرين . كما ذكره المصنف .

قال سيدنا الاجل المرتضى رحمه‌الله تعالى في الذريعة : ويمضي في الكتب كثيراً ان حصول الظن عند النظر في الامارة ليس بموجب عن النظر كما نقوله في العلم الحاصل عند النظر في الدلالة بل يختاره الناظر في الامارة لا محالة لقوة الداعي ، وليس ذلك بواضح ، لانهم انما يعتمدون في ذلك على اختلاف الظنون من العقلاء والامارة واحدة ، وهذا يبطل باختلاف العقلاء في الاعتقادات ، والدلالة واحدة . فان ذكروا اختلال الشروط وعند تكاملها يجب العلم أمكن أن يقال مثل ذلك بعينه في النظر في الامارة . (انتهى) (۱) .

وفيه : ان الفرق بين الدليل والامارة ، ان الدليل اذا نظر فيه من الوجه الذي يدل لم يكن انظمام أمر من الخارج اليه يصرف الناظر عن العلم بالمدلول ولا يحتاج استلزامه للعلم الى عدم المانع كما مر عند قول المصنف والنظر في

__________________

(١) الذریعة : ٢٣ .

١٢١

الدليل الى آخره) لان تعارض القطعيين محال ، والامارة لا تصلح المعارضة الدليل ، وهذا بخلاف الامارة ، لانها اذا علمت من الوجه الذي هي امارة ، و نظر فيها نظراً صحيحاً ، يمكن انظمام أمر من الخارج اليه ، يصرف ما يترتب عليه ، عن الترتب عليه ، لان تعارض الامارتين ممكن ، فيحصل التوقف ، و اذا عارض الدليل الامارة غلب عليها فقول المصنف (من جهة واحدة) أي من الوجه الذي هي امارة عليها .

وقوله (فلا يحصل لجميعهم الظن) مبني على أن بعضهم يطلع على معارض لها ، اما مساو أو أقوى ، الا يرى انه ربما ينتفي الظن بعد حصوله بالامارة ، مع تذكر ما حصل عنه بخلاف العلم الحاصل بالدليل ، فلا يرد هذا الاعتراض على من يدعي أن النظر الصحيح في الدليل من الوجه الذي يدل مطلقاً موجب للعلم، بخلاف النظر الصحيح بالامارة، فانه ليس شيء منه موجباً للظن كمامر .

ولا على من يدعي أن بعض النظر الصحيح في الدليل مولد للعلم، بخلاف النظر الصحيح في الامارة ، فانه ليس شيء منه مولداً للظن نعم يرد هذا على من يحكم بان النظر الصحيح في الدليل مطلقاً مولد للعلم ، وذلك لتخلف التوليد عن النظر الصحيح في المدركات ، وعن النظر في الكبرى والصغرى الكسبيتين بدون كسبهما كما مر .

ويرد أيضاً على من يدعي ان النظر الصحيح في الدليل من الوجه الذي يدل مطلقاً مولد للعلم ، ولا يكتفي بالايجاب ، ويجعل الشرط في التوليد ما نقلناه عن المصنف ، وذلك لتخلف التوليد عن النظر في المدركات وان كان صحيحاً ، ومن الوجه الذي يدل .

١٢٢

ألا ترى ان الجماعة اذا نظرت في الدليل من الوجه الذي يدل حصل لجميعهم العلم ولم يحصل لبعضهم دون بعض وليس كذلك الظن .

فصل

في ذكر أقسام أفعال المكلف (۱)

أفعال المكلف (۲)

____________________________________________

(۱) قوله قدس سره (فصل في ذكر أقسام أفعال المكلف) سيكرر هذا الفصل لطول العهد عند الاحتياج اليه ، في الكلام في الافعال في (فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال) ثم بعضه في (الكلام في الحظر والاباحة) وكان ذكره هنا في المباديء أي حادث بعد ذكره ثمة كما مر .

(۲) قوله ( أفعال المكلف هذا يشعر بأن المقصود بيان أقسام الحكم الشرعي دون العقلي، وحينئذ يراد بالمدح والذم ما يساوق الثواب والعقاب الاخرويين فانه لا تخصيص للحكم العقلي بفعل المكلف لجريانه في أفعال الصبيان المراهقين ونحوهم . اللهم الا أن يقال التكليف شامل للتكليف العقلي أيضاً . ويؤيده أنه أخذ المصنف في حد القبيح في (فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال) استحقاق الذم من العقلاء بل اكتفى به ثمة ، وفيه أنه مع كونه تكلفاً يخدشه ، ان الظاهر من العبارة حينئذ ، ولاسيما من اكتفائه ثمة ، تساوي النظاير في الاقسام ، وليس كذلك ، لان الواجب العقلي قد لا يكون واجباً شرعياً .

قال المصنف في آخر مبحث الوقت من تهذيب الاحكام : الوجوب على

١٢٣

اذا كان عالماً بها، أو متمكناً من العلم بها (۱)

____________________________________________

ضروب عندنا منها : ما يستحق بتركه العقاب ، ومنها ما يكون الأولى فعله ولا يستحق الاخلال به العقاب و ان كان يستحق به ضرب من اللوم والعتب (انتهى) (۲) .

وأيضاً سيحكم المصنف بعد اعادة هذا المبحث في فصل في ذكر في أحكام الافعال بانه لا يجوز ان يقع شيء من القبح من الانبياء والرسل والأئمة عليهم‌السلام الحافظين للشرع ، ولا يصح هذا الا اذا خص القبيح بالقبيح الشرعي ، وجعل الكلام فيه لما مر من وقوع العتب على الانبياء عليهم‌السلام .

وأيضاً لا يتحقق فيها المباح كما مر برهانه في الفصل الأول عند قول المصنف (الخطاب أو ما كان طريقاً الخ) وفيه : ان مذهب المصنف تحقق المباح فيها، كما مرهناك مع ما فيه . والمتبادر لغة من فعل المكلف ما كان المكلف موجداً له ، سواء كان اختيارياً ، أو ايجابياً محضاً ، أو ايجابياً شبيهاً بالاختياري . كفعل احدنا للداعي الموجب ، بكسر الجيم ، واطلاق الفعل على نحو الموت أو نحو مات في ( مات زيد ) مجرد اصطلاح من النحويين ، ولا ينافي ذلك كون الاسناد في (مات زيد) حقيقة لغة .

ولو خص الفعل بما كان مقدوراً كما ذكره المصنف في (فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال) كان ذكر الشروط الثلاثة لغواً ، ويظهر بذلك انه ليس المقصود باضافة الافعال الى المكلف ، أفعاله من حيث أنه مكلف .

(۱) قوله (اذا كان عالماً بها، أو متمكناً من العلم بها) أي بجهاتها التي تعلم بها الاحكام الواصلية. واعلم ان ظاهر كلام المصنف هنا عدم تمييزه بين الاحكام

__________________

(٢) التهذيب ٢ : ٤١ ، آخر حدیث (۱۳۲) .

١٢٤

وهو غير ساه عنها (۱) ، ولا ملجأ اليها (۲)

____________________________________________

الواصلية والواقعية ويؤيده حكمه بعدم جواز الاجماع ، وقد اعترض عليه ثمة المحقق الحلي في رسالته في الأصول بما حاصله ذلك . وأيضاً ظاهره عدم تمییزه بين الاحكام العقلية والشرعية ، وقد بينا التميزين في الحاشية الأولى .

(۱) قوله (وهو غير ساه عنها) المرادان المسهو عنه لا تكليف فيه من حيث هو مسهو عنه لا أنه قبيح . ولا ينافي ذلك كون التكليف حاصلا في مباديء السهو كما في ظاهر قوله تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *‏ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) (۳) .

(۲) قوله (ولا ملجأ اليها) ليس المراد بالالجاء ما تجري فيه التقية ونحوها فانه قد يكون واجباً كما اشتهر من جواز أكل الميتة في المخمصة ، وقد يكون محظوراً كما في ارتكاب الدم المعصوم ، بل المراد ما يكون فعل العبدمعه صادراً عنه بالايجاب المحض ، أو تابعاً لداع موجب باعتبار مجامعته مع أمر خلقي ، أو نحوه حاصل من غير العبيد فيه يمنع المجموع من الترك ، فانه حينئذ فعل اضطراري شبيه بالاختياري ، وليس من شأنه أن يتصف بالحسن والقبح ، ولا يصح التكليف به . وذلك كما ان العاقل مادام عاقلا يغمض عينه، كلما قرب ابرة من عينه بقصد الغمز فيها من غير تخلف ، مع انه فعل له ، تابع لداعيه في الجملة ، حتى أنه قال بعضهم : أنه انما يغمضه بالاختيار، وامتناع ترك الاغماض بسبب كونه عالماً بضرر الترك ، لا ينافي الاختيار (انتهى) .

ولاشك ان عدم الالجاء شرط لانه لا فرق بين فعل الغير في حقنا ، وفعلنا الغير الاختياري . فاذا جوز اتصاف الثاني بشيء من أقسام الواقعي ، حتى

__________________

(٣) سورة الماعون : ٤ و ٥

١٢٥

لا تخلو من أن تكون حسنة أو قبيحة (۱) ، وانما قلنا ذلك لان فعل

____________________________________________

الاباحة ، فليجوز في الأول أيضاً وهو سفسطة .

فان قلت : أي سر في الفرق بين الجهل والسهو ، وبين الالجاء .

قلنا : سره جواز خطاب زيد في الوجوب بأن يقال : افعل هذا الا أن تكون ملجاءاً فانه لا تكليف لك به ، وفي الاباحة هذا مباح لك ، أي ان شئت فعلت، وان شئت أن تفعل الا ان تلجاء فانه لا تجري فيه الاباحة) وذلك لانه لا تنافى بين كون زيد ملجاءاً وفهمه الخطاب الاستثنائى ، وهذا بخلاف الجاهل و الساهي ، فانهما لا يصح خطابهما بالاستثناء للمنافاة بين الجهل والسهو ، وبين فهم الاستثناء المأخوذ بشرطهما ، أما الجهل فظاهر ، وأما السهو فباعتبار وقت تعلق الخطاب ، وتحقق فائدته وهو وقت الفعل ، فلا ينافي ذلك جواز فهمه قبل فعل المسهو عنه ، وهذا لا يجري في أصل الخطاب قبل الاستثناء ، فانه لم يوجد فيه شرط الجهل والسهو. فيجوز خطاب الجاهل والساهى به ، في ضمن خطاب عام يعلمه بعض المخاطبين ، بخلاف الخطاب الاستثنائي ، فانه لا يخاطب به الا غير العالم به ، من حيث انه غير عالم أو الساهى عنه من حيث انه ساه عنه.

(۱) قوله (لا تخلوا من أن تكون حسنة أو قبيحة) الحصر يدل على أن المكروه داخل في الحسن لكنه لم يذكره في أقسامه . واستدرك ذكره بعد ذلك لانه أخس أقسامه ، فكأنه ليس بحسن . والقرينة انه لم يحصر الحسن في الاقسام المذكورة له أولا هنا ، وفي (فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال) فالحسن ما لا يكون فاعله مستحقاً للذم . و المراد بـ ( ما ) المقسم ، والقبيح ما يستحق فاعله الذم ، فلا يرد ان هذا الحصر ينافى ما سيجيء بعيد هذا من أن المكروه ليس بقبيح .

١٢٦

الساهي والنائم لا يوصف بذلك (۱) .

وقال قوم: يوصف بذلك اذا كان فيه جهة الحسن أو القبح (۲)

____________________________________________

(۱) قوله (لان فعل الساهي والنائم الخ) وكذا فعل الجاهل الغير المتمكن من العلم ، والظاهر انه انما لم يذكره لان القوم لم يخالفوا فيه ، والظاهر ان النائم مثال للملجاء فقط ، ويحتمل أن يكون مثالا للجاهل أيضاً فالخلاف في الجميع .

(۲) قوله ( اذا كان فيه جهة الحسن أو القبح ( ان اراد بجهة الحسن أو القبح) ما يكون معه الفعل حسناً أو قبيحاً ، فلاشك في أن أفعال الجاهل الغير المقصر، والساهي، والملجاء فيها جهة الحسن أو القبح، بمعنى صفة الكمال أو النقصان ، ولافي أنه ليس فيهما جهة الحسن أو القبح ، بمعنى استحقاق التحسين أو التشريب الا تقديراً ، ولافي أن الجاهل والساهي حين الجهل و السهو مخاطبان بخطاب تكليفي ، ليس فيه استثناء حالهما بخلاف الملجاء كما مر .

فالاحسن أن يجعل فعل الاولين داخلا في الحسن والقبح، بجعل الحسن والقبح على قسمين : (الأول) الواقعي (والثاني) الواصلي، وجعل فعلهما د اخلا في الأول دون الثاني كمامر مراراً بخلاف فعل الأخير، وان أراد بجهة الحسن أو القبح ما يقتضي الاتصاف بأحدهما، ان لم يمنع مانع فلاشك في اتصاف أفعال الجاهل ، والساهي ، والملجأ بهما اذا لم يكن معه الجهل والسهو، و الالجاء لكانت حسنة أو قبيحة بمعنى استحقاق التحسين والتشريب، وانه ليس فيها استحقاق أحدهما بالفعل ، ويظهر بذلك ان العبارة المنقولة عن القوم غير منقحة .

١٢٧

فالحسن على ضربين: ضرب منه ليس له صفة زائدة على حسنه (۱) وذلك يوصف بأنه مباح (۲)

____________________________________________

اللهم الا أن يكون (اذا) ظرفاً لـ (قال) ولا يكون من تتمة عبارة القوم، و يكون اشارة الى اعتراض عليهم ، بناءاً على الاحتمال الثاني، وهذا النزاع يشبه النزاع في مدلولات الالفاظ.

(۱) قوله ضرب منه ليس له صفة زائدة على حسنه المتبادر منه كونه في أقل مراتب الحسن ، وفيه أنه ينافي الحصر في الحسن والقبيح، وجعل المكروه خارجاً عن القبيح كما سيذكره . ويحتمل أن يكون المراد عدم استحقاق المدح على فعله وتركه، ويلزمه عدم استحقاق الذم على فعله وتركه .

(۲) قوله ( وذلك يوصف بأنه مباح ) قدمر " سابقاً امتناع تحقق المباح العقلي في حق الله تعالى للزوم العبث، وهو ممتنع في حق العباد أيضاً كذلك لان العبث وان كان لا يذم العباد عليه مطلقاً بل اذا كان في حصوله مشقة ، فانه لا يذم العباد عرفاً على تحريك أنملة بدون نفع، أو لحظة زائدة، ولو ذمهم ذام على ذلك، لاستحق الذام الذم. لكن لاشك أن تركه أولى من فعله، فيمدح تار كه وان لم تكن فيه مشقة فيدخل في المكروه لافي المباح .

تحققه في حق العباد، وخلاف الكعبي (۳) ليس فيه، فانه انما توهم ان كل مباح باعتبار واجب باعتبار آخر. وربما نقل عنه انه قال: كل مباح مأمور به واستدل عليه على ما قيل: بأن كل مباح

__________________

(۳) أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم الكعبية ، وهو صاحب مقالات ، وله اختيارات في علم الكلام توفى سنة . (۵۳۱۷)

١٢٨

اذا دل فاعله على حسنه ( ۱ ) ، و يوصف أيضاً في الشرع بأنه

____________________________________________

ترك حرام وترك الحرام واجب، وما لايتم الواجب الا به فهو واجب .

ويمكن تقريره بأن كل مباح ترك حرام، أي سبب ترك حرام، بمعنى انه يتوقف عليه ترك حرام، وهو مستلزم له . اذ الأمر بالقيام ، أو النهي عنه ترك للقذف. وتناول الطعام ترك القتل، ونحو ذلك. وكل ترك حرام، أي كل ما هو فرد حقيقة لترك الحرام ونفسه واجب. وهذا ينتج كل مباح يتوقف عليه واجب وهو سبب له ، فنحتاج أن نظم اليه قولنا : وكل ما يتوقف عليه الواجب وهو مقدور واجب، ولاسيما السبب المستلزم كما سيجيء، وحينئذ ينتج كل مباح واجب. فهو مركب من قياسيين والأول منهما قياس المساوات

ويمكن تقريره يجعل المراد بترك الحرام في المقدمة الثانية، أيضاً ما هو سبب له، وحينئذ فالمقدمة الثالثة دليل على الكبرى. ويخدشه الواو ، كما يخدش الاول لزوم استعمال لفظ واحد في القياس مرتين بمعنيين متغايرين. اللهم الا أن يقال انه بمعنى واحد، لكن يقدر في الأول مضاف، والتقدير كل مباح علة ترك حرام أو سببه أو نحو ذلك. واختص التقدير به لظهور عدم صحته الا به بخلاف الثاني .

(۱) قوله (اذا دل فاعله على حسنه سيجيء في فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال انه للاحتراز عن فعل القديم تعالى العقاب بالعصاة، فانه بصفة المباح وليس بمباح وفيه :

اولا : مامر من انه ليس بصفة المباح أيضاً .

وثانياً : انه لاحاجة اليه ، لعدم دخوله في مقسم القسم هنا . وهو فعل المكلف. اللهم الا أن يقال : ان المقصود هنا تقسيم الحسن مطلقاً ، وتعريف

١٢٩

حلال وطلق وغير ذلك (۲) .

____________________________________________

أقسامه، وهو قيد القسم هنا لانفس القسم. وظاهر العبارة ان الجاهل المتمكن من العلم مدلول بالفعل، فالدلالة لاستلزام العلم بالمدلول عليه .

(۱) قوله : (وغير ذلك) كالممكن والجائز وانهما كما يطلقان على المباح يطلقان على معان اخرى فان الامكان في اللغة : الاقدار والتمكين. والجواز في اللغة : النفوذ والمضي . ثم الامكان والجواز اطلاقا على الاباحة وعلى أربعة معان اخرى .

فانهما قد يطلقان على رفع وجوب الطرف المقابل، ويسمى في الأكثر امكاناً عاماً، وقد يسمى جوازاً عاماً .

وقد يطلقان على رفع وجوب الطرفين ويسمى امكاناً خاصاً وجوازاً خاصاً .

وكل منهما اما بحسب نفس الأمر ، ويسمى امكاناً وجوازاً واقعياً أو بحسب الذهن ، ويسمى امكاناً وجوازاً ذهنياً . وأكثر ما يطلق عليه التجويز الذهني فهذه أربعة معان والوجوب المأخوذ في كل منها أعم من الوجوب شرعاً، ومن الوجوب عقلا .

والوجوب عقلا عندنا أعم من استحقاق الذم على الترك، ومن الوجوب بالذات الذي هو أحد المواد الثلاث أو أعم منه ، ومما بالغير. وليس المراد برفع الوجوب رفع القدر المشترك حتى يتخصص الجواز ، بل المراد المفهوم المردد بين رفع هذا الوجوب ورفع ذاك الوجوب، فيعم الامكان حسب تعميم الوجوب .

قيل: يطلق الجائز على المباح، وعلى ما لا يمتنع شرعاً أو عقلا، وعلى ما

١٣٠

استوى الأمران فيه، وعلى المشكوك فيه فيهما بالاعتبارين (انتهى) .

ومقصوده ما ذكرنا الا في عدم تعميم الوجوب عقلا، المعبر عنه بالامتناع عقلا .

فالمعنى الأول: ما لا يمتنع، أي ما لاضرورة في طرفه المقابل في نفس الأمر شرعاً أو عقلا ، وليس مراده بقوله (عقلا) ما يشمل عدم الحرج العقلي لانه لا يتصور عنده حرج عقلي . نعم لو وقع هذا في كلام من يذهب الى التحسين والتقبيح العقليين ، لكان مراده الاعم . فان تعميم الجواز بحسب تعميم الوجوب كمامر " آنفاً . بل مراده عدم الوجوب بالذات، الذي هو أحد المواد الثلاث، أو عدم الوجوب أعم من أن يكون الواجب بالذات أو بالغير بناءاً على مذهب من يقول بانه يتصور الامكان بالغير المقابل للوجوب بالغير .

والمعنى الثاني: ما استوى الأمران فيه في نفس الامر، أي شرعاً أو عقلا، وليس الاستواء شرعاً هنا مخصوصاً بالمباح لان رفع ضرورة الطرفين شرعاً يتناول الندب والكراهة .

ألا ترى الى رفع ضرورة الطرفين عقلا ، وانه لا ينافي الرجحان بالعلة، كما في جميع الممكنات العقلية الموجودة في الخارج، ثم ليس فعل الصبي مطلقاً مثالا لما استوى طرفاه عقلا ، ان فرضنا انه اريد به الاستواء في رفع الحرج العقلي، لانه قد يكون قبيحاً عقلا يؤنب علية كمامر مراراً .

والمعنى الثالث: المشكوك فيه في الشرع أو العقل باعتبار عدم الامتناع أي ما جوز العقل وقوعه ، ولم يمتنع عنده شرعاً أو عقلا. وهذه العبارة مبنية على ان الشك قد يطلق على ما يقابل العلم بالطرف المقابل، وهو ظاهر البطلان لان اليقيني لا يسمى مشكوكاً فيه أصلا .

والظني انما يسمى مشكوكاً فيه في قولهم في العلميات من العقليات

١٣١

والضرب الاخر له صفة زائدة على حسنه وهو على ضربين : أحدهما : أن يستحق المدح بفعله ، ولا يستحق الذم بتركه (۱)

____________________________________________

والنقليات وان غلب على الظن بعد فيه شك بالمعنى المقابل كما يدل عليه لفظة بعد، فمعناه انه فيه بعد احتمال للعدم .

ولوقيل : معناه انه فيه بعد احتمال الوجود، أو عدم الجزم بالعدم لعد سخافة وجنوناً ، وكذا الكلام في متساوي الطرفين عند الذهن والموهوم فانه لا يطلق على شيء منهما المشكوك فيه بالمعنى المقابل للعلم بالطرف المقابل .

والمعنى الرابع: المشكوك فيه في الشرع أو العقل باعتبار استواء الامرين فيه، أي ماجوز العقل الطرفين واستويا عنده، بمعنى انه لم يكن لشيء منهما ضرورة ووجوب في ذهنه شرعاً أو عقلا. وهذه العبارة مبنية على ان الشك قد يطلق على ما يقابل العلم بأحد الطرفين ، و المشهور اطلاقه على ما يقابل التصديق بأحد الطرفين ، وكون المراد بالتساوي ، عدم تعلق التصديق بشيء منهما ممكن لفظاً بعيد معنى بالنظر الى لفظ الجواز، فانه رفع الضرورة كما مرت الاشارة اليه .

والقرينة على ان الأول معنى واحد لامعنيان باعتبار فردية لفظه، أودون الواو، ووحدة لفظه (على) فيه. والقرينة على ان الثالث والرابع ليس معنى واحداً باعتبار القدر المشترك بينهما قوله بالاعتبارين بعد تكرار (على) في الاول والثاني .

(۱) قوله ( ان يستحق المدح بفعله ولا يستحق الذم بتركه ) قدمر ان المراد بالمدح الثواب الاخروي ، وبالذم العقاب الاخروي ، فانه لولا ان

١٣٢

فيوصف بأنه مرغب فيه ومندوب اليه ونفل وتطوع، وهذا الضرب اذا تعدى الى الغير سمى بأنه احسان و انعام .

والضرب الثاني: هو ما يستحق الذم بتركه (۱) وهو أيضاً على ضربين (أحدهما) : انه متى لم يفعله بعينه استحق الذم وذلك مثل رد الوديعة ، والصلوات المعينة المفروضة (٢) ، فيوصف بأنه واجب مضيق .

( والضرب الثاني ) : هو ما اذا لم يفعله ولا ما يقوم مقامه (۳)

____________________________________________

المراد ذلك لكان استحقاق المدح على الفعل مستلزماً لاستحقاق الذم على الترك ، لان تفويت المنافع مذموم عقلا .

(۱) قوله (والضرب الثاني هو ما يستحق الذم بتركه) أي يستحق العقاب الاخروى بتر که کمامر. والمراد بتر كه ما يشمل تر كه بعينه ، وتركه وترك ما يقوم مقامه بقرينة التقسيم.

(۲) قوله (والصلوات المعينة المفروضة) المراد بها الصلوات المفروضة التي يتضيق وقتها ولم يبق من الوقت الامقدار فعلها .

(۳) قوله ( ولا ما يقوم مقامه ) المشهور ان الواجب المخير فيه في الاصطلاح يشترط فيه كون الترديد بينه وبين بذله في نفس الخطاب الشرعي التكليفي كما في الكفارات . وظاهر عبارة المصنف يدل على انه لا يشترط فيه ذلك، فان الصلوات في الأوقات الموسعة لا ترديد فيه من الشارع .

فان قلت : التخيير فيها بين الصلاة والعزم على الفعل في ثاني الوقت كما ذهب اليه المصنف. والترديد فيه في حكم الترديد في نفس الخطاب كما

١٣٣

استحق الذم فيوصف بانه واجب مخير فيه ، وذلك نحو الكفارات في الشريعة ، واداء الصلوات في الأوقات المخير فيها ، وقضاء الدين من أي درهم شاء، وما شاكل ذلك .

ومن الواجب ما يقوم فعل الغير فيه مقامه (۱) . وذلك نحو الجهاد والصلاة على الاموات ، ودفنهم وغسلهم ومواراتهم ،

____________________________________________

سيجيء في فصل الأمر الموقت) وحينئذ فالمراد بالتخيير في قوله ( الاوقات المخيرة فيها) التخيير اللغوي لا الاصطلاحي .

قلت : لا يجري مثل ذلك في مثال قضاء الدين من أي درهم شاء .

(۱) قوله ( ومن الواجب ما يقوم فعل الغير فيه مقامه) هذا يسمى بالواجب الكفائي.

وظاهر عبارة المصنف ليس ضرباً ثالثاً لما يستحق الذم بتركه، بل هوجار في كل من الضربين المذكورين سابقاً، وهذا انما يتم اذا قيل ان الواجب الكفائي لا يتصف بالوجوب الا مع العلم أو الظن بترك الباقين ، كما هو ظاهر حد المصنف للواجب .

وحينئذ اما مضيق واما موسع ففعله مع الآخر أو بعده أو قبله، عالماً أو ظاناً انه سيفعله الآخر نفل وتطوع والمشهور ان الواجب الكفائي ضرب ثالث للواجب ، فيفسر حينئذ بما يشمله .

وفائدة الخلاف في التفسير انما يظهر لو دل دليل على وجوب نية الوجه أي نية الوجوب والندب في العبادات، أو استحبابها وحينئذ ينبغي ان يفسر على طبق اقتضاء الدليل، وظاهر قيام فعل الغير مقامه ما ذهب اليه سيدنا الاجل المرتضى من أن مجرد فعل الغير بدون نية قربة يقوم مقام فعل المكلف في الكفائي

١٣٤

فيوصف بانه فرض على الكفاية .

وأما القبيح فلا ينقسم انقسام الحسن ، بل هو قسم واحد ، وهو كل فعل يستحق فاعله الذم على بعض الوجوه (۱) ويوصف في الشرع بانه محظور ومحرم . اذا دل فاعله عليه (۲) أو اعلمه (۳) .

وفي الافعال ما يوصف بأنه مكروه، وان لم يكن قبيحاً (۴) ، وهو كل فعل كان الاولى تركه واجتنابه وان لم يكن قبيحاً يستحق بفعله الذم فيوصف بانه مكروه .

__________________

(۱) قوله (على بعض الوجوه) على بنائه ، أي من حيث ان معه وجهاً يوجب استحقاق الذم دون وجه آخر كلطمة اليتيم ظلماً لا تأديباً تأمل ، فهذا بمنزلة قيد الحيثية في التعريف ، ولو كان المراد اذا لم يكن ساهياً و لا ملجاءاً كان الأولى اسقاط هذا القيد، لانه يصدق التعريف حينئذ على فعل الساهي والملجأ، مع أن أول الفصل يدل على خروجهما عن القبيح والحسن .

(۲) قوله ( اذا دل فاعله عليه ) بصيغة مجهول باب نصر، وهذا في صورة علم الفاعل علماً مكتسباً.

(۳) قوله (أو أعلمه) بصيغة مجهول باب الافعال ، وهذا في صورة علم الفاعل علماً ضرورياً ، وقد مر تقسيم العلم الى المكتسب والضروري وحدهما والمقصودان الظلم مثلا قبيح من الله تعالى، ولا يقال محرم عليه ولا محظور.

(٤) قوله (وفي الافعال ما يوصف بانه مكروه وان لم يكن قبيحاً) فيه ان حصر الافعال حينئذ في الحسن والقبيح مع حصر الحسن في الاقسام المذكورة محل تأمل ، ويمكن أن يجاب بأن حصر الحسن في الاقسام المذكورة سابقاً

١٣٥

وفي افعال الشريعة ما يوجب على غير فاعلها حكماً (۱) كفعل الطفل والمجنون وما أشبههما ، فانه يلزم المكلف أن يأخذ من مال الطفل والمجنون عوض ما أتلفه ، و يرده على صاحبه ، ويأخذ الزكاة مما يجب فيه من جملة ماله (۲) عند من قال بذلك .

وفي الافعال ما يوجب على فاعلها أحكاماً (۳) وذلك على أقسام منها : قولهم أن الصلاة باطلة فمعناه انه يجب عليه اعادتها وقولهم: ان الشهادة باطلة، انه لا يجوز للحاكم تنفيذ الحكم عندها (۴) واذا قالوا : انها صحيحة معناه انه يجوز تنفيذ الحكم عندها .

وقول من قال : ان الوضوء بالماء المغصوب غير جائز انه يجب عليه اعادته ثانياً بماء مطلق، وعند من قال: انه جائز معناه انه

____________________________________________

غير مراد ، وانما لم يذكر المكروه فيه ، مع انه من أقسامه ، لانه أخس أقسامه فكأنه ليس بحسن .

(۱) قوله (على غير فاعلها حكماً) الأولى : تذكير الضمير، والمراد بالحكم الحكم الشرعي المنقسم الى الاقسام المذكورة قبل ذلك.

(۲) قوله من جملة ماله أي ماله المكتسب له ينطبق المثال.

(۳) قوله ( ما يوجب على فاعلها أحكاماً) الأولى فاعله حكماً.

(٤) قوله (انه لا يجوز للحاكم الخ) هذا المثال انما ينطبق لو اريد بنفي الجواز للحاكم تنفيذ الحكم وجوب اعادة الشاهد الشهادة ، وبجواز التنفيذ نفي وجوب الاعادة الراجع هنا الى الاباحة .

١٣٦

وقع موقع الصحيح (۱) وقولهم : ان البيع صحيح معناه ان التمليك وقع به (۲) وقولهم : انه فاسد خلاف ذلك وانه لا يصح التملك به ولا استباحة التصرف به (۳) وهذه الالفاظ (۴) اذا تؤملت يرجع معناها الى ما قدمناه من الاقسام ( ۵ ) غير ان لها فوائد في الشريعة ( ۶ ) تكشف عن أسباب أحكامها ، فهذه الجملة كافية في هذا الفصل .

واذ قد بينا ما أردناه من حقيقة العلم، والنظر، والدليل ، وصفة الناظر، وغير ذلك ، وحقيقة الافعال (۷) فلابد من أن نبين حقيقة الكلام، وشرح أقسامه، وما ينقسم اليه من حقيقة أو مجاز .

____________________________________________

(۱) قوله (وقع موقع الصحيح) انما لم يصرح بالحكم لانه قد يكون الاعادة حراماً، وقد يكون مندوباً .

(۲) قوله (ان التمليك وقع به) أي يحرم تصرف البايع فيه بعد ذلك.

(۳) قوله (وانه لا يصح التملك به الخ) انما ينطبق مثالا لواريد اباحة تصرف البايع فيه أو جعل البيع أعم من الاشتراء.

(٤) قوله (وهذه الالفاظ) أي الصحة والبطلان وأمثالهما .

(٥) قوله ( ما قدمناه من الاقسام) أي اقسام الحكم ، من الحرمة والوجوب وغيرهما .

(٦) قوله (غير أن الخ) مثلا بطلان الصلاة كما ان معناه وجوب الاعادة ففائدته ان سبب الوجوب انما هو وقوع الأول ، لا على الوجه المطلوب ، و قس عليه الباقي.

(۷) قوله ( وحقيقة الافعال) أي وحقيقة أقسام الافعال.

١٣٧

ثم نبين الاسماء اللغوية، والعرفية والشرعية وكيفية ترتيبها (۱) فاذا فعلنا ذلك بينا صفات من يصح أن يستدل بخطابه ومن لا يصح (۲) .

ثم نشرع فيما ذكرناه من ترتيب الاصول على ما قدمنا القول فيه ان شاء الله تعالى .

فصل

في حقيقة الكلام وبيان أقسامه

وجملة من أحكامه وترتيب الاسماء (۳)

حقيقة الكلام ما انتظم من حرفين فصاعداً من هذه الحروف

____________________________________________

(۱) قوله (وكيفية ترتيبها ) أي بيان ان الحمل على أيها أولى مع الاجتماع في لفظ واحد.

(۲) قوله (بينا صفات الخ) هذا البيان لابطال قول من قال: ان شيئاً من الخطاب لا يفيد العلم با المراد ، بل انما يفيد الظن فما يحصل بالدليل العقلي المحض أو بالرياضة أقوى ، وانفع مما يحصل بالخطاب المتلقى عن الانبياء عليهم السلام، وهذا القول الحاد .

(۳) قوله قدس سره (فصل في حقيقة الكلام وبيان أقسامه وجملة من أحكامه وترتيب الاسماء) هذا الفصل الرابع من فصول الكتاب ، وهو لبيان المباديء اللغوية لفن اصول الفقه.

١٣٨

المعقولة اذا وقع (۱) ممن يصح منه ، أو من قبيله (۲) الافادة وهو على ضربين: مهمل ومفيد. فالمهمل: هو الذي لم يوضع ليفيد في اللغة شيئاً (۳) .

والمفيد على ضربين، ضرب منهما له معناً صحيح (۴) وان

____________________________________________

(۱) قوله (اذا وقع) هذا الاخراج ما انتظم من حرفين اذا صدر عن الطير مثلا.

(۲) قوله ( أو من قبيله ) انما ذكره ليدخل نحو كلام النائم حال نومه .

(۳) قوله ( ليفيد في اللغة ) يدخل في المهمل الالفاظ المخترعة المستحدثة سوى الاعلام، فانها موضوعة في اللغة وضعاً نوعياً لتجويز الواضع استعمالها في اللغة ، و ان كانت من موضوعات العجم للضرورة المحوجة الى اعتبار نوعها .

واما المعرب نحو (سجيل) فان اريد باللغة التي يقع عليها التخاطب فداخل في المهمل والافخارج . اللهم الا أن يقال : بتجويز نوعه كالعلم ولا يقتصر في التجويز على الفاظ خاصة متلقاة من الواضع ، فلا يخرج على الأول أيضاً ثم الظاهر اعتبار قيد الحيثية كما هو مراد في أكثر التعريفات فنحو رجل مفيد بالنسبة الى معناه مهمل بالنسبة الى جدار .

(۱) قوله : (له معنى صحيح الخ) أي له معنى اذا استعمل فيه اللفظ كان حقيقة في اصطلاح التخاطب ، وان كان اللفظ لا يفيد هذا المعنى فيما وضع له أي في اللغة ، وفيه مسامحة . والمراد انه ليس معنى لغوياً له نحو أسماء الالقاب فانها منقولة الى العلمية وهي غير مفادة منه في اللغة وكذا غير الالقاب من المنقولات العرفية والشرعية .

١٣٩

كان لا يفيد فيما وضع له (۱) وذلك نحو أسماء الالقاب وغيرها. والضرب الثاني : يفيد فيما وضع له وهو على ضربين (۲) حقيقة و مجاز .

فحد الحقيقة ما أفيد به ما وضع في اللغة ، ومن حقه أن يكون لفظه منتظماً لمعناه من غير زيادة ولا نقصان ولا نقل الى غير موضعه (۳) وذلك مثل قوله تعالى : (۴) ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ

____________________________________________

(۱) قوله ( يفيد فيما وضع له) أي له معنى صحيح كان يفيده فيما وضع له في اللغة

(۲) قوله (وهو على ضربين الخ) هذا يدل على ان المنقولات العرفية والشرعية ليست بحقائق ولا مجازات .

(۳) قوله من غير زيادة ولا نقصان الخ) فيه دلالة على أن الحقيقة والمجاز كما يتحققان في المفردات يتحققان في المركبات . ففي نحو ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ) (٥) اسأل مستعملة في معناها الحقيقي ، والقرية مستعملة في معناها الحقيقي وبتقدير الاهل صار المجموع مستعملا في غير ما وضع له وهو معنى (اسأل أهل القرية).

فان قلت : هل نحو (ضرب) أو (زيد ضرب) من هذا القبيل باعتبار تقدير الضمير .

قلت : لا ، فان المقدر اذا كان محذوفاً كان الكلام مجاز النقصان ، ولا حذف ولا نقصان فيهما والتقدير انما هو لرعاية ظاهر قوانين النحو كما قالوا في اعتبار الذات في المشتقات

(٤) قوله ( وذلك مثل قوله تعالى) يحتمل ان يقال بأنه مجازاً بالنقصان لان معناه

__________________

(٥) یوسف : ٨٢

١٤٠