عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

الصريح يجرى أيضاً على هذا المنهاج، وقوله: ( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) (۱) ما كان يمتنع أن يريد به الجماع واللمس باليد ، لكن علمنا بالدليل (۲) انه أراد أحدهما وهو الجماع .

فأما ما ذكره أبو عبد الله من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) (۳) وان ذلك لا يمكن حمله على نفى الاجزاء والكمال من حيث كان (۴) نفى أحدهما يقتضى ثبوت الآخر ، فليس على ما ذكره لانه متى نفى الاجزاء ، فقد نفى أيضاً الكمال، لانه اذا لم يكن مجزياً كيف يثبت كونها كاملة، فكيف يدعى ان في نفى أحدهما اثباتاً للاخر، وكذلك اذا نفى الكمال لا يمتنع أن ينفى معه الاجزاء أيضاً، لانه ليس فى نفيه اثبات الاجزاء ، فلا يمكن

____________________________________________

العقلي في احدى صورتيها السابقتين أظهر منه في الاخرى ، وقوله (أولا مستم) مثال للكناية والصريح كما مر .

(۲) قوله (علمنا بالدليل الخ) أراد بالدليل ما يدل على عدم الجواز لغة أو القرينة الدالة على عدم ارادة الصريح ، ويؤيد الاخير قوله (وهو الجماع).

(٤) قوله (من حيث كان الخ) لم يصريح أبو عبد الله بهذا فيما مر ، وقد مر بیان مراده و ما يرد عليه . نعم سيجيء في (فصل فيما الحق بالمجمل وليس منه) ما هو قريب من هذا بتوجيه لا يرد عليه شيء .

__________________

(١) النساء : ٤٣

(۳) سنن الترمذى ۲ : ۲۵ (باب ۱۸۳ لاصلاة الا بناتحة الكتاب) .

٢٢١

ادعاء ذلك فيه ، وينبغى أن يكون الكلام في ذلك مثل الكلام فيما تقدم (۱) .

وأما ما ذكره عبد الجبار من انه لا يجوز أن يريد باللفظ الواحد الاقتصار على الشيء وتجاوزه ، لانه يتنافى أن يريد الزيادة وألا يريدها، فالذي يليق بما ذكره من المذهب الصحيح غير ذلك، وهو أن يقال ان ذلك غير ممتنع ، لانه لا يمتنع أن يريد الاقتصار على الشيء . ويريد أيضاً مازاد على ذلك على وجه التخيير (۲) وليس بينهما تناف ، وليس ذلك بأكثر من ارادة الطهر والحيض باللفظ

__________________

(۱) قوله (فيما تقدم) أي لا يشتمل على مانع آخر ، سوى ما اشتمل عليه ما تقدم. واستعمال اطهروا) في الغسل والوضوء ، أو جميع الامثلة المتقدمة. ويخدش الاخير اشتمال ارادة الاقتصار على الشيء وتجاوزه على مانع زائد على زعمه ظاهراً، الا أن يبني على نفس الامر ، ويعتمد على بيانه عدم المانع الزائد فيها أيضاً بعيد ذلك .

(۲) قوله (على وجه التخيير الخ) التخيير بين الجزء والكل يرجع الى اباحة الزيادة ، ففي نحو الأمر لا يجوز عقلا ، هذا وتوجيه الجواز بأنه لا يمتنع عقلا ان يريد الاقتصار على الشيء .

ويريد أيضاً مازاد على ذلك بالنسبة الى مكلفين كمامر في (القرء) بالنسبة الى الطهر والحيض عند أبي هاشم وأبي عبد الله فيه انه حينئذ يكون استعمال لفظ في الأمر والتهديد أيضاً جائزاً . فيجب أن يبين استحالتهما بالنسبة الى مكلف واحد كما قيد في الأمر والتهديد بقوله (من مكلف واحد) .

٢٢٢

الواحد، وقد أجاز ذلك فكذلك القول في هذا .

ومتى كان اللفظ يفيد في اللغة شيئاً ، وفي العرف شيئاً آخر ، لا يمتنع أن يريدهما معاً ، وكذلك القول في الحقيقة، والمجاز، و الكناية، والصريح .

فان قيل : اذا كان جميع ماذكرتموه (۱) غير ممتنع أن يكون مراداً باللفظ ، فكيف الطريق الى القطع ؟ على ان الجميع مراد بظاهره (۲) أم بدليل، وكيف القول فيه ؟ .

قيل له : لا يخلو اما أن يكون اللفظ حقيقة في الأمرين، أو حقيقة في أحدهما ومجازاً في الآخر .

فان كان اللفظ حقيقة في الأمرين، فلا يخلو اما أن يكون وقت الخطاب وقت الحاجة الى الفعل أو لا يكون كذلك .

فان كان الوقت وقت الحاجة ولم يقترن به ما يدل (۳) على انه

____________________________________________

(۱) قوله ( جميع ما ذكرتموه الخ ) أي استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيين ، وفي الحقيقي والمجازي ، وفي الكناية والصريح ، و في المعنى اللغوي والعرفي والشرعي ، وغير ذلك من الصور الاتية في قوله ( وكذلك ان كان اللفظ يفيد في اللغة شيئاً الخ) وتداخل الصور غير مضر .

(۲) قوله (بظاهره) حرف الاستفهام محذوف ، أي (أبظاهره) وهو بيان لقوله فكيف الطريق) فـ (الباء) متعلق بالقطع ، لا بمراد .

(۳) قوله (ولم يقترن به ما يدل الخ) على ما حققناه من عدم الجواز لغة ، لا يتحقق هذا القسم

٢٢٣

أراد أحدهما ، وجب القطع على انه أرادهما باللفظ . وان اقترن به ما يدل على انه اراد أحدهما ، قطع به وحكم بأنه لم يرد الآخر. و كذلك ان دل على انه لم يرد أحدهما ، قطع على انه اراد الاخر كل ذلك باللفظ (۱) .

وان لم يكن الوقت وقت الحاجة (۲) توقف في ذلك، وجوز كل واحد من الأمرين (۳) وانتظر البيان على ما نذهب اليه من جواز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب .

وان كان اللفظ حقيقة في أحدهما، ومجازاً في الاخر ، قطع على انه أراد الحقيقة، الا أن يدل دليل على انه أراد المجاز، أو أراد الحقيقة والمجاز، فيحكم بذلك

فان دل الدليل على انه أراد المجاز لم يمنع ذلك من أن يكون (۴)

____________________________________________

(۱) قوله ( كل ذلك باللفظ) أي بصريح اللفظ لا الكناية، كفحوى الخطاب

ودليل الخطاب .

(۲) قوله (وان لم يكن الوقت وقت الحاجة) أي ولم يقترن به ما يدل على انه أرادهما أو أحدهما .

(۳) قوله (وجوز كل واحد من الأمرين) أي ارادتهما و ارادة أحدهما وعلى ما حققناه من عدم الجواز لغة لا يجوز ارادتهما ، بل يقطع بارادة أحدهما ويتوقف في تعيينه

(٤) قوله (لم يمنع ذلك من أن يكون الخ) قد مر ما فيه .

٢٢٤

أراد الحقيقة أيضاً . فينبغي أن يحمل عليهما الا أن يدل دليل على انه لم يرد الحقيقة ، أو لا يمكن الجمع بينهما، فيحمل حينئذ على انه أراد المجاز لاغير. وكذلك ان كان اللفظ يفيد في اللغة شيئاً ، وفي الشرع شيئاً آخر ، وجب القطع على انه اراد ما اقتضاه الشرع الا أن يدل دليل على انه أراد ما وضع له في اللغة أو أرادهما جميعاً (۱) فيحكم بذلك ، وكذلك القول في الكناية والصريح، ينبغي أن يقطع على انه اراد الصريح الا أن يدل دليل على أنه اراد الكناية أو ارادهما جميعاً. هذا اذا لم يكن اللفظ حقيقة في الكناية والصريح

فاما اذا كان اللفظ حقيقة فيهما على ما نذهب اليه (۲) في فحوى

____________________________________________

(۱) قوله (أو أرادهما جميعاً) مقتضى ما ذكره سابقاً ، انه ان دل الدليل على انه أراد ما وضع له في اللغة ، لم يمنع ذلك من أن يكون أراد ما وضع له في الشرع أيضاً . فان المعنى اللغوي مجازي في الالفاظ الشرعية .

(۲) قوله (على ما نذهب اليه الخ مراده ان نحو ( لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) (۳) مثلا مستعمل في لا تضر بهما ولا تؤذهما ونحو ذلك ، ومع هذا كناية وحقيقة . وفيه ان الكناية مستلزم في الملزوم لا فى اللازم وحده ، أو مع الملزوم وان كان افهام اللازم مقصوداً للمتكلم .

ولو سلم فليس كل كناية كذلك ، ولو سلم فليس كل كناية حقيقة كذلك .

__________________

(۳) الاسراء : ٢٣

٢٢٥

الخطاب ودليل الخطاب، فينبغي أن يكون الحكم حكم الحقيقتين على التفصيل الذي قدمنا.

والقول في الاسم اللغوى والعرفى ، أو العرفي والشرعي (۱) مثل القول فى اللغوى والشرعى على ما قدمنا القول فيه .

واعلم ان الدليل اذا دل على وجوب حكم من الاحكام، ثم يرد نص يتناول ذلك الحكم فلا يخلو من أحد أمرين: اما أن يتناوله حقيقة أو مجازاً . فان كان متناولا له حقيقة وجب القطع على انه مراد بالنص لانه يقتضى ظاهره. ولو أراد غيره لبينه. فمتى لم يبين وجب القطع على انه مراد به والا خلا اللفظ من فائدة .

ولهذا نقول : اذا دل الدليل على وجوب الصلاة، ثم وردقو له

____________________________________________

ويمكن أن يقال : ان مراده ان نحو : ( لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) (۲) مستعمل في منطوقة وليس فحواه ، وهو نحو لا تضربهما داخلا فيما استعمل فيه ، وان كان مقصوداً افهامه كما بيناه في الفرق بين الكناية والمجازفى هذا الفصل عند قول المصنف (وقالوا في الحقيقة والمجاز والكناية والصريح مثل ذلك وسيجيء تحقيق الحق فيه في فصل في القول في دليل الخطاب) ان شاء الله تعالى .

(۱) قوله (أو العرفي والشرعي) في تحقق هذا القسم بدون أن يكون اسماً لغوياً أيضاً اشكال ، لما مر من حد المهمل و المفيد في (فصل في حقيقة الكلام) .

__________________

(٢) الاسراء : ٢٣ .

٢٢٦

تعالى: ( أَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) (۱) وجب القطع على انها مرادة (۲) بالنص لتناول اللفظ لها . وان كان اللفظ متناولا لذلك الحكم على جهة المجاز لم يجب القطع على انه مراد (۳) لان الخطاب يجب حمله على ظاهره الا أن يدل دليل على ان المراد به المجاز ، وليس ثبوت الدليل على وجوب حكم يتناوله اللفظ على جهة المجاز موجب للقطع على انه مراد باللفظ .

ولذلك قلنا : انه لا يمكن ابطال مذهب الشافعي في تعلقه بقوله تعالى (۴): ( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) (۵) بأن يقال المادل الدليل على ان الحكم المذكور في الآية يتعلق بالجماع ، وجب حمل الآية على انه المراد به دون غيره (۶) من وجهين :

____________________________________________

(۲) قوله (وجب القطع على انها مرادة الخ) أي لا يجب كون النص مفيداً فائدة جديدة لم يعلم قبله .

(۳) قوله (لم يجب القطع على انه مراد) أي لا يجب كون النص منطبقاً على ما علم قبله .

(٤) قوله (في تعلقه بقوله تعالى) أي على ان لمس النساء بمعناه الحقيقي لا يوجب التيمم مع عدم الماء .

(٦) قوله (على انه المراد به دون غيره ) لا يخفى ان تعلق الشافعي يندفع بكونه كناية عن الجماع، كما يندفع بكونه مجازاً فيه. لكن ظاهر قول المعترض

__________________

(۱) الانعام : ۷۲ .

(٥) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦ .

٢٢٧

أحدهما : انا قد بينا (۱) ان اللفظ اذا تناول شيئين فليس في ثبوت كون أحدهما مراداً ما ينافي أن يكون الآخر أيضاً مراداً . و الذي يقتضيه عندنا الوقف ان لم يكن الوقت وقت الحاجة ، وان كان الوقت وقت الحاجة وجب حمله عليهما جميعاً .

والوجه الثاني: ان تسمية الجماع باللمس انما هو على طريق المجاز دون الحقيقة ، وقد بينا ان اللفظ يجب حمله على الحقيقة ،

____________________________________________

انه يجب حمل الآية على ان الجماع هو المراد به بطريق المجاز دون غيره. أي معناه الحقيقي، ليكون كناية أو صريحاً فلا يرد على قول المصنف بعيد ذلك ان تسمية الجماع باللمس، انما هو على طريق المجاز دون الحقيقة. وان المفهوم مما سبق ان اللمس كناية عن الجماع، والكناية قسم من الحقيقة، فان ما ذكره مبني على ظاهر كلام المعترض .

(۱) قوله : (أحدهما انا قد بينا الخ) الأولى في الترتيب تقديم الوجه الثاني على الأول، وبيان الوجهين هكذا .

أحدهما: ان تسمية الجماع باللمس انما هو على طريق المجاز الخ .

والثاني: انه لوسلم انه حقيقة فيه أيضاً، فالذي يقتضيه عندنا التوقف ان لم يكن الوقت وقت الحاجة، وان كان الوقت وقت الحاجة وجب حمله عليهما جميعاً ، لما لم يدل فيما نحن فيه دليل على ارادة أحدهما اذ ليس الموافقة للدليل الخارجي دليلا ولودل الدليل أيضاً على ارادة أحدهما . فليس في ثبوت كون أحدهما مراداً ما ينافي أن يكون الآخر أيضاً مراداً، الا أن يكون الوقت وقت الحاجة، وقدمر تحقيق الحال فيه .

٢٢٨

الا أن يدل دليل على انه أراد المجاز ، ولودل أيضاً الدليل على انه أراد المجاز، لم يكن ذلك مانعاً من أن يريد به ما تقتضيه حقيقته الا أن يدل دليل على انه لم يرد حقيقته على ما قدمنا القول فيه .

وكذلك القول في قوله تعالى : ( وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) (۱) ان ثبوت الوطى (۲) مراداً بالاية ، لا يمنع من ارادة العقد بها أيضاً على ما قدمناه ، فينبغي أن يجرى الباب على ما حررناه، فان أعيان المسائل لا تنحصر ، واصولها ما حررناه، ونعود الان الى الترتيب الذي وعدنا به في أبواب اصول الفقه على ما قررناه ان شاء الله تعالى

____________________________________________

(۲) قوله (ان ثبوت الوطي الخ) الأولى ان يقال ان ثبوت العقد مراداً بالاية لا يمنع من ارادة الوطي، كما مر من قول المصنف وقد وضع قولنا النكاح للوطي حقيقة والعقد (مجازاً) اللهم الا أن يراد (ان ثبوت الوطي مراداً بالاية لا يمنع من ارادة العقد بهما) أيضاً بدليل لا بالظاهر. ويبقى الكلام حينئذ في مناسبة ذكر المصنف هذا الكلام هنا .

__________________

(١) النساء : ٢٢ .

٢٢٩

الكلام في الاخبار

فصل

في حقيقة الخبر، وما به يصير خبراً، وبيان أقسامه

حد الخبر ماصح فيه الصدق أو الكذب ، وهذا أولى مما قاله بعضهم من : انه ماصح فيه الصدق والكذب ، لان ذلك محال ، لانه لا يجوز أن يكون خبر واحد صدقاً وكذباً ، لانه لا يخلو أن يكون مخبره على ما تناوله الخبر (۱) فيكون صدقاً (۲) أو لا يكون على ما تناوله الخبر فيكون كذباً .

فاما احتمالهما جميعاً فمحال على ما بينا ، ثم لوصح (۳) لكان منتقضاً ، لان ههنا مخبرات كثيرة لا يصح فيها الكذب، ومخبرات كثيرة لا يصح فيها الصدق، نحو الاخبار عن توحيد الله وصفاته ، فان جميع ذلك لا يصح فيها الكذب والاخبار عن ثان معه، وثالث لا يصح فيها الصدق أصلا، فعلم ان الاولى ما قلناه .

____________________________________________

(۱) قوله ( مخبره على ما تناوله الخبر المراد بالمخبر) بفتح الباء ـ هنا المحكوم عليه، وبما تناوله الخبر المحكوم به .

(۲) قوله (فيكون صدقاً الخ) أي دائماً بناءاً على ما حقق في موضعه من ان صدق المطلقة دائمية وان لم يكن تحققها دائمياً .

(۳) قوله (ثم لوصح) بأن يراد بالصدق التحقق

٢٣٠

اللهم الا أن يراد (۱) بهذه اللفظة أن يحتمل الصدق والكذب ، انه يحتمل أحدهما . فان اريد ذلك كان مثل ما قلناه ، وينبغى ان يذكر في اللفظ ما يزيل الابهام ، لان الحدود مبنية على الالفاظ دون المعاني .

وقد حد قوم بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب، وهذا صحيح غير ان ما ذكرناه أولى من حيث ان التصديق و التكذيب يرجع الى غير الخبر . وينبغى أن يحد الشيء (۲) بصفة هو عليها، لا بما يرجع الى غيره .

وتوصف الاشارة والدلالة، بأنهما جز آن ، وذلك مجاز (۳)، وانما يدخل في كونه خبراً بقصد المخاطب الى ايقاع كونه خبراً، و انما قلنا ذلك، لانه لا توجد الصيغة، ولا تكون خبراً. فلابد من أن يكون هناك أمر خصصه .

____________________________________________

(۱) قوله (اللهم الا أن يراد ) وكذا ان اريد احتمالهما بالنظر الى نفس الخبر، من حيث انه خبر، مع قطع النظر عن المتكلم وخصوصية الطرفين كان اخراجاً للكلام عن الوضوح الى الابهام في الحدود .

(۲) قوله (وينبغي أن يحد الشيء الخ) أي الأولى أن يكون كل ما يذكر فيه من أوصافه، سواء كان محمولا عليه في الحد ، كاحتمال فيما نحن فيه. أو متعلقاً للمحمول، كالصدق والكذب فيه .

( ۳ ) قوله ( وذلك مجاز ) هذا مبني على تفسير الصدق بمطابقة نسبة

٢٣١

ومن الناس من جعل القصد (۱) من قبيل الارادة ، ومنهم من جعله من قبيل الداعى، وليس هذا موضع تصحيح أحدهما .

والخبر لا يخلو من أن يكون مخبره على ما هو به (۲) فيكون صدقاً ، أو لا يكون مخبره على ما هو به فيكون كذباً . وهذا أولى مما قاله بعضهم فى الكذب. أن يكون مخبره على خلاف ما هو به، لان ذلك بعض الكذب .

وقد يكون الخبر كذباً ، وان لم يكن متناولا للشيء على

____________________________________________

الكلام للواقع ، أو كون المراد بالموصول في قولنا : ماصح فيه الصدق أو الكذب الكلام .

(۱) قوله (ومن الناس من جعل القصد الخ) قد بينا في المقدمة الثانية من الحاشية الأولى ان الارادة التي تتحقق في كل فعل اختياري، هو الايجاد و الايقاع تبعاً للداعي، وان الداعي هو العلم بجهة مرجحة، وانه تطلق الارادة على ميل في النفس بلافتور ولا تسويف، وانه ليس شرطاً في كل فعل اختياري وانه ذهب أبو الحسن البصري الى اتحاد الارادة والداعي ، والتحقيق ان القصد الى ايقاع كونه خبراً، هو الايقاع للخبر تبعاً لداع خاص، هو ترتب فهم المخاطب مضمونه .

(۲) قوله ( مخبره على ما هو )به المراد بالمخبر ـ بفتح الباء هنا أيضاً المحكوم عليه، وضمير هو لـ (الخبر) يدل عليه قوله ( بعد ذلك ليس مخبره على ما تناوله الخبر الخ) وضمير به لـ (ما) أي ما يكون موضوعه في الواقع على ما وقع الخبر به ، وما وقع الخبربة هو المخبر به والمحكوم به .

٢٣٢

خلاف ما هو به (۱) . ألا ترى (۲) ان القائل اذا قال: ليس زيد قاعداً وهو قاعد، يكون خبره كذباً وان لم يكن قد أخبر بصفة تخالف كونه قاعداً ، فعلم ان الحد بما ذكرناه أولى، لانه أعم .

وعلى هذا التحرير يكون قول القائل : محمد بن عبدالله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسيلمة صادقان أو كاذبان ، ينبغي أن يكون كذباً، لانه في الحالين جميعاً ليس مخبره على ما تناوله الخبر، لانه ان أخبر عنهما بالصدق، فأحدهما كاذب، وان أخبر عنهما بالكذب فأحدهما صادق. فعلى الوجهين جميعاً يكون الخبر كذباً .

وهذا أولى مما قاله أبوهاشم من ان تقدير هذا الكلام تقدير خبرين، أحدهما يكون صدقاً، والآخر يكون كذباً، لان ظاهر ذلك انه خبر واحد (۳) فتقدير كون الخبرين فيه ترك الظاهر ، وليس

____________________________________________

(۱) قوله ( متناولا للشيء على خلاف ما هو به ) المراد بالشيء المحكوم عليه، والجار في قوله على خلاف تتعلق بالتناول ، وضمير هو هنا للشيء، وضمیر به لما ولا اختلاف بينه وبين أن يكون مخبره على خلاف ما هو بـه، بأن يكون ضمير هو راجعاً الى الخبر في التعبير.

(۲) قوله (ألا ترى الخ) هذا بناء على ان الخلافين عند المتكلمين، هما وجوديان ليسا بمثلين ولا ضدين ، وسلب القعود ليس وجودياً ، والمراد بالخلاف هنا ما يعم الضد

(۳) قوله (لان ظاهر ذلك انه خبر واحد) لا ينافي ذلك انحلاله الى خبرين والالكان نحو : كل انسان ، أو كل واحد من العشرة ضاحك ، اخباراً كثيرة

٢٣٣

من شرط كون الخبر صدقاً أو كذباً ، علم المخبر بما أخبر به (۱) وانما ذلك شرط في حسن اخباره ( ۲ ) به و يفارق ذلك (۳) حال العلم، لان الاعتقاد قديخلو من أن يكون علماً أوجهلا بأن يكون تقليداً ليس معه سكون النفس .

والخبر على ضربين : أحدهما ، يعلم ان مخبره على ما تناوله الخبر. والآخر ، لا يعلم ذلك فيه. وهو على ضربين : أحدهما، يعلم انه على خلاف ما تناوله الخبر . (۴) والآخر متوقف فيه .

____________________________________________

بعدة الاشخاص .

(۱) قوله (علم المخبر بما أخبر به ) أي علمه بكونه مطابقاً للواقع في الصدق ، وعلمه بكونه غير مطابق في الكذب ، فتتحقق واسطة بين الصدق و الكذب .

(۲) قوله ( شرط في حسن أخباره ) هذا يدل على ان الاخبار بما يكون مظنوناً ليس بحسن، وسيجيء في آخر فصل في ذكر الدلالة على ان العموم له صيغة في اللغة ما يدل على ان نفس الظن قبيح .

(۳) قوله (ويفارق ذلك الخ) أي يفارق حال قسمي الخبر، أعني الصدق والكذب حال قسمي الاعتقاد ـ أعني العلم والجهل ـ فانه يتحقق الواسطة بين العلم والجهل ، وهي التقليد، أي الاعتقاد المطابق للواقع مع عدم سكون النفس، فقوله ليس معه سكون ليس قيداً مخصوصاً .

(٤) قوله ( يعلم انه خلاف ما تناوله الخبر) المراد يعلم انه ليس على مسا تناوله الخبر، وتسامح فيه اعتماداً على ما سبق .

٢٣٤

فأما الخبر الذى يعلم (۱) ان مخبره على ما تناوله الخبر، فعلى ضربين : أحدهما ، يعلم ذلك ، ويجوز (۲) أن يكون ضرورة أو اكتساباً. والآخر : يقطع على انه يعلم ذلك بالاستدلال

فالاول : نحو العلم بالبلدان ، والوقائع ، والملوك ، ومبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهجرته ، وغزواته ، وما يجرى مجرى ذلك ، فان كل واحد من الأمرين جائز فيه على ما سنبينه فيما بعد.

وأما ما يعلم مخبره بالاستدلال فعلى ضروب :

منها : خبر الله تعالى، وخبر الرسول، وخبر الامام عليهما السلام.

ومنها : خبر الامة اذا اعتبرنا (۳) كونها حجة

__________________

(۱) قوله (فاما الخبر الذي يعلم الخ) حصر هذا في القسمين مع تحقق نحو الخبر بان الواحد نصف الاثنين، مبني على ان المراد بهذا ما يعلم صدقه بالخبر ، ولذا لم يذكر في أقسامه ما اقترن بالقرائن الدالة على صدق الخبر كما سيجيء في (فصل في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الاحاد أو على بطلانها) .

(۲) قوله ( ويجوز ) بصيغة المعلوم المجرد ، من جواز الشيء في الذهن الراجع الى تجويز الذهن اياه .

(۳) قوله ( اذا اعتبرنا الخ ) أي نظرنا اليه بعين الاعتبار ، وعلمنا جهة حجيته بالدليل، وهو تعريض بالمخالفين، بأنهم لا يعلمون صدقه لعدم وصولهم الى دليل صدقه، كما سيجيء في (الكلام في الاجماع) .

٢٣٥

ومنها : خبر من أخبر بحضرة جماعة كثيرة لا يجوز على مثله الكتمان، والتواطؤ ، وما يجرى مجرى ذلك، وادعى عليهم المشاهدة ولا صارف لهم عن تكذيبه، فيعلم ان خبره صدق.

ومنها : خبر المخبر اذا أخبر بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وادعى عليه العلم بذلك فلم ينكره .

ومنها : خبر المتواترين ( ۱ ) الذين يعلم خبرهم اذا حصلت الشرائط فيهم

ومنها : ان تجتمع الامة أو الفرقة المحقة على العمل بخبر الواحد، وعلم انه لا دليل على ذلك الحكم، الا ذلك الخبر، فيعلم انه صدق .

ومنها : خبر تلقته الامة أو الطائفة المحقة بالقبول وان كان الاصل فيه واحداً .

وأما ما يعلم ان مخبره (۲) على خلاف ما تناوله فعلی ضربین أيضاً :

____________________________________________

(۱) قوله (خبر المتواترين) أي غير نحو خبر البلدان والوقائع بقرينة ذكره قبل .

(۲) قوله ( واما ما يعلم ان مخبره الخ) حصره في القسمين محل اشكال ، لجواز أن يعلم ان مخبره على خلاف ما تناوله ضرورة، نحو قولنا : الواحد ليس نصف الاثنين .

٢٣٦

أحدهما: يعلم ذلك من حاله، ويجوز كونه ضرورياً ومكتسباً مثل ما قلناه فيما يعلم صحته. وذلك مثل ما يعلم انه ليس بين بغداد والبصرة بلد أكبر منهما، وانه لم يكن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نبي آخر، ولا أن له هجرة الى خراسان، وماجرى مجرى ذلك.

والثاني: يعلم انه على خلاف ما تناوله بضرب من الاستدلال وهو على ضروب :

منها : أن يعلم بدليل عقلى أو شرعى (۱) انه على خلاف ما تناوله

ومنها : أن يعلم ان مخبره لو كان صحيحاً، لوجب نقله على خلاف الوجه الذى نقل عليه ، بل على وجه يقوم به الحجة، فاذا لم ينقل كذلك علم انه كذب

ومنها : أن يكون مخبره مما لوفتش عنه من يلزمه العمل به لوجب أن يعلمه، فاذا لم تكن هذه حاله علم انه كذب .

ومنها : أن يكون مخبر الخبر حادثة عظيمة مما لو كانت الدواعي الى نقلها يقتضى ظهور نقلها اذا لم يكن هناك مانع، فمتى لم ينقل علم انه كذب .

____________________________________________

(۱) قوله (منها أن يعلم بدليل عقلي أو شرعي الخ) ظاهره يشمل جميع الضروب المذكورة بعده ، فيجب تخصيصه بما عداها. وكذا الضرب الثاني بالنسبة الى الباقية .

٢٣٧

ومنها : أن يعلم ان نقله ليس كنقل نظيره ، والاحوال فيهما متساويه فيعلم حينئذ انه كذب .

وأما ما لا يعلم ان مخبره على ما تناوله ، ولا انه على خلافه ، فعلی ضربین :

( أحدهما ) يجب العمل به . (والاخر) لا يجب العمل به . فما يجب العمل به على ضربين : ( أحدهما ) يجب العمل به عقلا. (والاخر) يجب ذلك فيه سمعاً . فما يجب العمل به عقلا نحو الاخبار المتعلقة بالمنافع (۱) والمضار الدنيوية ، فانه يجب العمل بها عقلا. وما يجب العمل به شرعاً كالشهادات والاخبار الواردة في فروع الدين اذا كانت من طرق مخصوصة، ورواها من له صفة مخصوصة.

والضرب الثاني من الضربين الأولين، وهو ما لا يجب العمل به فعلى ضربين : (أحدهما) يقتضى ظاهره الرد. (والثاني) يجب التوقف فيه ، ويجوز كونه كذباً وصدقاً على حد واحد ، ونحن نبين (۲) شرح ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى .

____________________________________________

(۱) قوله (الاخبار المتعلقة بالمنافع الخ) سيجيء تحقيق ما يدل العقل على وجوب العمل به من الاخبار المتعلقة بالمنافع و المضار الدنيوية في (فصل في ذكر خبر الواحد) .

(۲) قوله (ونحن نبين الخ) بينه في ثلاثة فصول (۳) .

__________________

(٣) من هنا سقط من النسخة المطبوعة .

٢٣٨

فصل

في أن الاخبار قد يحصل عندها العلم

وكيفية حصوله، وأقسام ذلك

حكى عن قوم يعرفون بالسمنية (۱) انهم أنكروا وقوع العلم بالاخبار (۲) عندها ، وخصوا العلم بالادراكات دون غيرها ، وهذا

____________________________________________

(۲) قوله قدس سره (حكي عن قوم يعرفون بالسمنية الخ) أقوى ما قيل من شكوكهم : انه يجوز الكذب على كل واحد، فيجوز على الجملة ، اذ لا ينافي كذب واحد كذب الآخرين قطعاً ولاعينا مركبة منها بل هي نفس الاحاد، فاذا فرض كذب كل واحد فقد كذب الجميع قطعاً ، ومع جوازه لا يحصل العلم .

وقيل في الجواب: انه قد يخالف حكم الجملة حكم الاحاد، فان الواحد جزء العشرة بخلاف العشرة . والعسكر يتألف من الاشخاص ، وهو يغلب و يفتح البلاد دون كل شخص على انفراده (انتهى) .

وفيه ان مراد المشكك بمقدم الشرطية، أي جواز الكذب على كل واحد جوازه عليه بانفراده مع قطع النظر عن انضمام باقي الأفراد ، أي صدق

__________________

(۱) قال ابن النديم في الفهرست [٤٩٨] : ومعنى السمنية منسوب الى سمني ، و هم أسخى أهل الأرض والاديان، وذلك ان نبيهم بوداسف أعلمهم ان أعظم الأمور التي لا تحل ولا يسع الانسان أن يعتقدها ولا يفعلها قول: لا، في الأمور كلها ، فهم على ذلك قولا وفعلا، وقول لا عندهم من فعل الشيطان، ومذهبهم دفع الشيطان (انتهى) .

وقالوا : لا موجود الا ما وقعت عليه الحواس وانكروا الأعراض .

٢٣٩

القضايا الشخصية القائلة هذا كاذب، وذاك كاذب الخ) ومراده بتالي الشرطية أي جوازه على الجملة جوازه على كل واحد مع انضمام الباقي اليه . أي صدق القضية الموجبة القائلة : كل واحد منها كاذب .

واستدل على الشرطية بدليلين :

الأول: لو لم يجز كذب كل واحد بالاجتماع، لكان للمنافاة بين كذب واحد وكذب الآخرين، والتالي باطل، فالمقدم مثله .

الثاني : ان صدق القضايا الشخصية مستلزم لصدق القضية الكلية ، اذ لا فرق بينهما الا بالاجمال والتفصيل، وتجويز الملزوم يستلزم تجويز اللازم .

فتجويز صدق القضايا الشخصية يستلزم تجويز صدق القضية الكلية ، ومع جوازه لا يحصل العلم. وليس مراده بجوازه على الجملة جوازه على المجموع من حيث المجموع، لان كذب المجموع بمعنى مخالفة الاعتقاد لا ينافي افادة العلم، اما في الجملة واما مطابقاً على ما قيل، وسيجيء مع ما عليه لجواز تحققه في ضمن كذب واحد .

والاستعانة بتحققه هنا في ضمن كذب كل واحد لا يخفى قبحه، ولان قوله (اذ لا ينافي الخ) لا يرتبط به كما لا يخفى. اذ مع المنافاة أيضاً يلزم كذب المجموع بكذب واحد، على ان الجواب الذي ذكره مع انه منع المدعى لا يدفعه، لان كذب واحد يستلزم كذب المجموع ولا ينفع كون حكم الافراد مخالفاً لحكم المجموع في بعض الصور، اذ البديهية تحكم بالاتحاد في الحكم فيما نحن فيه .

وقد يوجه ماقيل في الجواب بأن المراد بحكم الجملة، حكم كل واحد كما في القضية الموجبة الكلية، وبحكم الاحاد الشخصيات .

٢٤٠