عدّة الأصول

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

عدّة الأصول

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: محمد مهدي نجف
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

أن يصدق من أخبر عن نفسه، مع مخالطته الناس، انه لا يعلم ان في الدنيا مكة، بل يجب أن يصدق المقيم في الجانب الشرقي ان لا يعلم الجانب الغربي اذا لم يعبر اليه وذلك سفسطة لا يصير اليه عاقل.

وأما الشرط الذي نختص بمراعاته، فانما قلنا : انه لا يمتنع ، لانه اذا كان هذا العلم مستنداً الى العادة، وليس بموجب عن سبب جاز وقوعه على شروط زائدة وناقصة (۱) بحسب ما يعلمه الله تعالى من المصلحة، وأجرى به العادة .

وانما احتجنا الى زيادة هذا الشرط، لئلا يقال: أي فرق (۲) بين خبر البلدان، والاخبار الواردة بمعجزات النبي صلى الله عليه

____________________________________________

(۱) قوله (على شروط زائدة وناقصة الخ) يدل بظاهره على ان هذا الشرط ليس شرطاً في جميع صور افادة التواتر للعلم الضروري ، بل قد يكون شرطاً بحسب مصلحة فيزيد به الشروط كما في أقل عدد التواتر المفيد للعلم الضروري وما في حكم الأقل . وقد لا يكون شرطاً فتنقص الشروط به كما في الاعداد الزائدة على أقل حد التواتر المفيدة للعلم الضروري بكثير .

(۲) قوله (أي فرق) يدل على أنه تكامل في اخبار المعجزات عدد التواتر المفيد للعلم الضروري ، ولا احتياج الى هذا الشرط ، وانه اذا لم يتكامل العدد الذي أجرى الله تعالى أن يفصل عنده العلم الضروري ، كان نظرياً بدون هذا الشرط .

٢٦١

و آله سوى القرآن (۱) كحنين الجذع ، وانشقاق القمر، وتسبيح الحصى وغير ذلك ؟

وأى فرق أيضاً بين أخبار البلدان، وبين خبر النص الجلي الذي يتفرد بنقله الامامية ؟ وألا أجزتم أن يكون العلم بذلك كله ضرورياً كما أجزتموه في أخبار البلدان وما أشبهها، وليس يمتنع أن يكون السبق الى اعتقاد مانعاً من فعل العلم الضروري بالعادة، كما ان السبق الى الاعتقاد بخلاف ما يولده النظر عند مخالفينا مانع من توليد النظر العلم، واذا أجاز ذلك فيما هو سبب موجب فأولى أن يجوز فيما طريقه العادة .

وليس لاحد (۲) أن يقول: فيجب على هذا أن لا يفعل العلم الضرورى لمن سبق الى اعتقاد، لنفى ذلك المعلوم. ويفعل لمن لم

____________________________________________

(۱) قوله (سوى القرآن) امالان الشبهة انما يتطرق في وجود المعجزات ووجود القرآن ضروري لا يتطرق اليه شبهة ، و صدوره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً لا يتطرق اليه شبهة تدل على عدمه ، اذ معلوم عندهم انه لم يصدر عن انبيائهم واما لان عدد المخبرين فيه، زاد على أقل عدد التواتر المفيد للعلم الضروري يكثر بحيث لم يحتج الى وجود هذا الشرط في افادة العلم الضروري .

(۲) قوله (وليس لاحد) ظاهره انه نقص لدليل الاشتراط . فالجواب توجيه للاشتراط بحيث لا يرد على دليله النقض والبحث الثاني نقض للدليل على التوجيه المذكور في الجواب ، و جوابه منع فيه استظهار بدعوى ضرورة .

٢٦٢

يسبق. وهذا يقتضى أن يفعل العلم الضروري بالنص الجلى للشيعة لانهم لم يسبقوا الى اعتقاد يخالفه، وكذلك المسلمون في المعجزات التي ذكرناها .

وذلك انه يمكن أن يقال : ان المعلوم في نفسه اذا كان من باب ما يمكن السبق الى الاعتقاد لنفيه ، أما لشبهة أو تقليد، لم يجر الله تعالى العادة بفعل العلم الضرورى به. وان كان ممالا يجوز أن يدعوا العقلاء داع الى اعتقاد نفيه ، ولا تعرض لشبهة في مثله ، كالخبر عن البلدان ، جاز أن يكون العلم به ضرورياً عند الخبر على ما ذكرناه .

وليس لاحد أن يقول: اجيزوا (۱) أن يكون في العقلاء المخالطين لنا، السامعين للاخبار، من سبق الى اعتقاد منع بالعادة، من فعل العلم الضرورى له. فاذا أخبركم بأنه لا يعرف بعض البلدان الكبار، والحوادث العظام، مع سماعه الاخبار، وكمال عقله ، كان صادقاً

وذلك انا نعلم ضرورة انه لاداعى للعقلاء (۲) يدعوهم الى

____________________________________________

(۱) قوله (اجيزوا الخ) يمكن المناقشة بأن السبق الى الشبهة ليس مانعاً من فعل العلم الضروري مطلقاً كما مر .

(۲) قوله (لاداعي للعقلاء) قد يناقش فيه بالمنع وهو غير متجه ، ودعوى حصول شبهة لبعض العقلاء لوسلم، يندفع بأن المراد انه ليس بمتعارف ، بل هو

٢٦٣

سبق اعتقاد نفى بلد من البلدان أو حادث عظيم من الحوادث ، ولا شبهة تدخل في مثل ذلك. ففارق هذا الباب أخبار المعجزات والنص، لان كل ذلك مما يجوز السبق فيه الى الاعتقادات الفاسدة للدواعي المختلفة .

وليس من شرط المخبرين أن يكونوا مؤمنين، ولا أن يكون فيهم حجة حتى يقع العلم بخبرهم. لان الكفار (۱) قد يخبرون عن أشياء يعلمونها ضرورة، فيحصل لنا العلم عند خبرهم ، ولو كان ذلك شرطاً صحيحاً لاستحال ذلك .

وليس أيضاً من شرط وقوع العلم تصديق جميع الناس لخبرهم لان العلم بتصديقهم كلهم لا يقع الا بمشاهدتهم، وذلك متعذراً ، وبالخبر عن حالهم (۲) وذلك يوجب (۳) وقوع العلم بخبر طائفة ،

____________________________________________

نادر في حكم العدم .

(۱) قوله (لان الكفار) هذا يدل على نفي الاشتراط في افادة التواتر، العلم الضروري في جميع الصور .

(۲) قوله (أو بالخبر عن حالهم) بأن يجيء من كل فرقه من الناس طائفة ، ويخبرونا بتصديق قولهم .

(۳) قوله (وذلك يوجب الخ) قد يناقش فيه بأنه يجوز أن يكون العلم بخبر الطائفة التي لم يعلم ان غيرهم مصدقون لهم نظرياً ، يتوقف عليه علم ضروري كالعلم بالقضايا البديهية النظرية الاطراف .

٢٦٤

وان لم يعلم ان غيرهم مصدقون لهم .

وهذه الجملة كافية في جواز أن يعلم مخبر الاخبار ضرورة واكتساباً .

فأما الاخبار التي نعلم مخبرها استدلالا (۱) فقد ذكر سيدنا المرتضى أدام الله علوه، جملة وجيزة في هذا الباب في كتابه الذخيرة أنا أذكرها بالفاظه لانها كافية في هذا الباب ، والزيادة عليها يطول به الكتاب .

قال: الخبر اذا لم يكن من باب (۲) ما يجب وقوع العلم عنده واشتراك العقلاء فيه، وجاز وقوع الشبهة فيه، فهو أن يرويه جماعة

____________________________________________

ويمكن الجواب بأن المراد نفي الاشتراط في افادة التواتر للعلم مطلقاً لا العلم الضروري فقط . ويمكن ابطال الشق الثاني بأن التواترفيه لا يفيد العلم أصلا، لان التصديق من الامور الباطنة، فاحتمال اللبس قائم ، والعلم الضروري منتف ، الا أن يريد المشترط بالتصديق اللفظ الدال عليه ، كما ذكروه في الاجماع المنقول بالتوائر.

(۱) قرله (تعلم مخبرها استدلالا) المخبر هنا على اسم المفعول من باب الافعال ، أي الواقعة، وكذا في قوله (عن المخبر الواحد) وكذا في قوله (بلا واسطة عن المخبر) وكذا في قوله (نفس المخبر) .

(۲) قوله (اذا لم يكن من باب الخ) اما لعدم تكامل العدد الذي اجرى الله تعالى عادته بفعل العلم الضروري عنده ، أو لكون المخبر مما يتطرق اليه شبهة .

٢٦٥

قد بلغت من الكثرة الى حد لا يصح معه أن يتفق الكذب (۱) منها عن المخبر الواحد .

وأن يعلم مضافاً الى ذلك انه لم يجمعها على الكذب جامع ، كالتواطؤ وما يقوم مقامه .

ويعلم أيضاً (۲) ان اللبس والشبهة زائلان عما خبروا عنه ، هذا اذا كانت الجماعة تخبر بلاواسطة عن المخبر. فان كان بينهما واسطة، وجب اعتبار هذه الشروط المذكورة في جميع من خبرت من المتوسطات عنه من الجماعات، حتى يقع الانتهاء الى نفس المخبر .

وتأثير هذه الشروط المذكورة في العلم بصحة هذا الخبر

____________________________________________

(۱) قوله (لا يصح معه أن يتفق الكذب) أي بدون تواطوء ، وهذا الشرط لابد منه ، وهو غير عدم التواطؤ ، فما قيل في شرح قولهم : وشرط التواتر تعدد المخبرين تعدداً يمنع الاتفاق والتواطؤ من ان أحد شرائط التواتر تعددهم تعدداً يبلغ في الكثرة الى أن يمنع الاتفاق بينهم ، والتواطؤ على الكذب عادة باطل لان عدم التواطؤ لا يغني عن عدم الاتفاق .

(۲) قوله (ويعلم أيضاً الخ) هذا هو الصواب ، وقيل : في بدل هذا الشرط كونهم مستندين لذلك الخبر الى الحسن ، وهذا لا يفيد . كما يتضح ذلك في مثال صلب المسيح عليه‌السلام (۳) .

__________________

(۳) من هنا سقط من النسخة المطبوعة .

٢٦٦

ظاهر، لان الجماعة اذا لم تبلغ من الكثرة الى الحد الذي يعلم معه انه لا يجوز أن يتفق الكذب منها عن المخبر الواحد ، لم نأمن أن تكون كذبت على سبيل الاتفاق ، كما يجوز ذلك في الواحد والاثنين .

واذا لم يعلم ان التواطؤ ، وما يقوم مقامه مرتفع عنها، جوزنا أن يكون الكذب وقع منها على سبيل التواطؤ .

والشبهة أيضاً تدعوا الى الكذب، وتجمع عليه، كأخبار الخلق الكثير من المبطلين عن مذاهبهم الباطلة لاجل الشبهة الداخلة عليهم فيها، وان لم يكن هناك تواطؤ منهم .

ولا فصل فيما اشترطناه من ارتفاع اللبس والشبهة بين أن يكون المخبر عنه مشاهداً ، أو غير مشاهد في أن الشبهة قد يصح اعتراضها في الأمرين

ألا ترى ان اليهود والنصارى مع كثرتهم نقلوا صلب المسيح عليه‌السلام وقتله، لما التبس عليهم الامر فيه، وظنوا ان الشخص الذي رأوه مصلوباً هو المسيح عليه‌السلام .

ودخلت الشبهة عليهم، لان المصلوب قد تتغير حليته، وتتبدل صورته، فلا يعرفه كثير ممن كان عارفاً به ، ولبعد المصلوب أيضاً عن التأمل ، تقوى الشبهة في أمره.

والوجه اشتراط هذه الشروط فى كل الجماعات المتوسطة

٢٦٧

بيننا وبين المخبر، لان ذلك لو لم يكن معلوماً في جميعهم، جوزنا كون من ولينا من المخبرين صادقاً عمن أخبر عنه من الجماعات وان كان الخبر في الاصل باطلا من حيث لم تتكامل الشرائط في الجميع.

ومتى تكاملت هذه الشروط ، فلابد من كون الخبر صدقاً ، لانه لا ينفك عن كونه صدقاً أو كذباً . ومتى كان كذباً، فلابد أن يكون وقع اتفاقاً، أولتواطؤ، أو لاجل شبهة .

واذا قطعنا على فقد ذلك كله، فلابد من كونه صدقاً . فأما الطريق الى العلم بثبوت الشرائط فنحن نبينه .

أما اتفاق الكذب عن المخبر الواحد، فلا يجوز أن يقع من الجماعات، والعلم بحال الجماعة، وان ذلك لا يتفق منها، وانها مخالفة للواحد والاثنين ضرورى لا يدخل على عاقل فيه شبهة ، ولهذا أجزنا أن يخبر واحد ممن حضر الجامع يوم الجمعة ، بأن الامام تنكس على ام رأسه من المنبر كاذباً. ولا نجوز أن يخبر عن مثل ذلك على سبيل الكذب جميع من حضر المسجد الجامع أو جماعة منهم كثيرة الا لتواطؤ، أو ما يقوم مقامه .

وقد شبه امتناع ما ذكرناه من الجماعات باستحالة اجتماع الجماعة الكثيرة على نظم شعر على صفة واحدة، واجتماعهم على

٢٦٨

تصرف مخصوص، وأكل شيء معين من غير سبب جامع .

وشبه أيضاً بما علمناه من استحالة أن يخبر الواحد أو الجماعة من غير علم عن امور كثيرة ، فيقع الخبر بالاتفاق صدقاً . وجواز اخبار جماعة كثيرة بالصدق من غير تواطؤ ، مفارق لاخبارها بالكذب من غير سبب جامع .

لان الصدق يجرى فى العادة مجرى ما حصل فيه سبب جامع من تواطؤ ، أو ما يقوم مقامه، وعلم المخبر بكون الخبر صدقاً داع اليه ، وباعث عليه . وليس كذلك الكذب ، لان الكذب لابد في اجتماع الجماعة عليه، من أمر جامع لها، ولم يستحل أن يخبروا بذلك وهم صادقون من غير تواطؤ .

وأما الطريق الى العلم بفقد التواطؤ على الجماعة ، فربما كان كثرة الجماعات، يستحيل معها التواطؤ عليها مراسلة أو مكاتبة وعلى كل وجه وسبب. لانا نعلم ضرورة ان جميع أهل بغداد لا يجوز أن يواطؤوا جميع أهل الشام، لا باجتماع ومشافهة ، ولا مكاتبة و مراسلة، على أن التواطؤ فيمن يجوز ذلك عليه من الجماعة بمشافهة أو مكاتبة أو مراسلة، لابد بمجرى العادة من أن يظهر لمن خالطهم ظهوراً يشترك كل من خالطهم في علمه ، وهذا حكم مستند الى العادات لا يمكن دفعه .

٢٦٩

وأما ما يقوم مقام التواطؤ من الاسباب الجامعة، كتخويف السلطان وما يجرى مجراه ، فلابد أيضاً من ظهوره، وعلم الناس به ، لان الجماعة لا تجتمع على الأمر الواحد لاجل خوف السلطان الا بعد أن يظهر لهم غاية الظهور، وما هذه حاله لابد من العلم به والقطع على فقده اذا لم يعثر عليه (۱) .

وأما ما به يعلم ارتفاع اللبس والشبهة عن مخبر الخبر الذي خبرت به الجماعة ، فهو أن تخبر الجماعة عن أمر مدرك ، اما بمشاهدة أو بسماع، ويعلم انتفاء اسباب اللبس والشبهة عن ذلك المخبر ، فان أسباب التباس المدركات معلومة محصورة ، يعلم انتفاؤها حيث ينتفى ضرورة .

فأما ما به يعلم ثبوت الشرائط التي ذكرناها في الطبقات التي تروى الخبر، فهو ان العادات جارية بأن المذاهب والاقوال التي تقوى بعد ضعف، وتظهر بعد خفاء ، وتوجد بعد فقد ، لا بد أن يعرف ذلك من حالها، ويفرق العقلاء المخالطون لاهلها بين زمانی فقدها ووجودها ، وضعفها وقوتها، ولهذا علم الناس كلهم ابتداء حال الخوارج، وظهور مقالة الجهمية والنجارية (۲) ومن جرى

____________________________________________

(۱) قوله (اذا لم يعثر عليه) أي لم يعثر عليه من خالطهم .

(۲) قوله ( مقالة الجهمية ، والنجارية) الجهمية منسوبة الى جهم بن

٢٧٠

مجراهم، وفرق العقلاء من سامعى الاخبار بين زمان حدوث مقالتهم وبين ما تقدمها .

واذا صحت هذه الجملة التي ذكرناها في صفة الخبر الذي لا بد أن يكون المخبر به صادقاً من طريق الاستدلال، بنينا عليها صحة ذلك، المعجزات والنصوص على الأئمة عليهم‌السلام على ما نذهب اليه، وغير ذلك من أحكام الشريعة وغيرها (۱)

فأما خبر الله تعالى، فانما يعلم صدقه اذا علم أولا انه لا يلغز في أخباره، ولا يريد بها غير ظاهرها ولا يدل عليه (۲) وانه لا يجوز

____________________________________________

صفوان . ذكروا ان ظهوره أولا كان بترصد في زمان التابعين ، وقتله ابن احوز المازني في آخر ملك بني اميه ، ومن مقالاته : ان الله تعالى خلق شيئاً وسماه الرحمن ، ثم قال : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (۳) ، أي المخلوق .

والنجارية منسوبة الى حسين النجار، ومن مقالاته القول بالجبر والنجارية على ثلاث فرق : البرغوثية ، والزعفرانية ، والمستدركة . ولكل منهم مقالات خارجة عن العقل والشرع .

(۱) قوله ( من أحكام الشريعة وغيرها) هذا آخر ما نقل من كلام سيدنا

المرتضى في الذخيرة (۴) .

(۲) قوله (ولا يدل عليه) حال عن فاعل يريد ، لا لا يريد .

__________________

(۳) سورة طه : ٥ .

(٤) لعدم وجود نسخة من كتاب الذخيرة بين أيدينا يمكن الاطلاع على ما يقارب

هذه الالفاظ والمعاني في الذريعة ٤٩٨ ـ ٥٠٥ .

٢٧١

عليه الكذب ولا يعلم ذلك من حاله الا من علم انه عالم بقبح القبيح وغنى عن فعله وانه اذا كان كذلك لا يجوز أن يختار القبيح، وقدبينا جملة من القول فيه .

وأما خبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فانه يعلم به صدقه لان العلم المعجز (۱) قد دل على انه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، ولا يجوز أن يرسل الله من يكذب فيما يؤديه عنه وقد أمرنا بتصديقه في كل أخباره، فيجب أن يكون صدقاً ، لان تصديق الكذاب قبيح، والله يتعالى عن ذلك، فعلم عند ذلك ان أخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله صدق .

والقول فى أخبار الامام القائم مقامه ، كالقول في أخباره . لان الدليل الدال على وجوب عصمته امننا من وقوع القبيح من

____________________________________________

(۱) قوله (العلم المعجز) بفتح العين واللام بمعنى العلامة ، يؤيده أن يجمع على اعلام كما سيجيء . ويحتمل ان يكون بكسر العين وسكون اللام. قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) (٢) وان عيسى البلا لشرط من اشراطها ، يعلم به قسمي الشرط ، علماً لحصول العلم به، وقرأ ابن عباس «العلم أي علامة (انتهى) (۳) .

__________________

(۲) الزخرف : ٦١ .

(۳) مجمع البيان ٩ : ٥٤ ، وفيه : في الشواذ قرائة ابن عباس وقتادة والضحاك روانه لعلم بفتح العين واللام أى امارة وعلامة .

٢٧٢

جهته، وفي ذلك امان من أن يكون خبره كذباً .

وأما خبر الامة (۱) اذا اعتبرناه (۲) فانما نعلم مخبره لما تقدم لنا من العلم بكون المعصوم فيها .

وأما خبر الواحد بمحضر من الجماعة الكثيرة وادعاؤه عليهم المشاهدة، كنحو من ينصرف من الجامع ويخبر بوقوع الامام من المنبر، ويدعى على جميع المنصرفين من الجامع مشاهدة ذلك ، ويعلم انه لا صارف لهم عن تكذيبه ، فمتى لم يكذبوه ، علمنا انه صادق. لانه لولم يكن صادقاً لانكروه على مقتضى العادة .

فأما خبر المخبر بحضرة النبى صلى الله عليه و آله عن الشيء، اذا لم ينكر عليه، فان كان هذا المخبر يدعى المشاهدة لذلك، ولم ينكر عليه، فذلك دليل على صدقه وان أطلق الخبر اطلاقاً، فانه لا يدل على ذلك .

____________________________________________

(۱) قوله (وأما خبر الامة) أراد به الاجماع ، وانما اطلق عليه الخبر لان الافتاء خبر عن ان المفتي به حكم الله .

(۲) قوله (اذا اعتبرناه) أي نظرنا اليه بعين الاعتبار والتفتيش ، أو قلنا بحجيته وهو حينئذ احتراز عما اذا تعين شخص الامام منهم فانه ليس بمعتبر، انما المعتبر قول الامام ، وقد مر نظير هذه العبارة في الفصل الأول من الكتاب.

٢٧٣

فأما الامة اذا تلقت الخبر بالقبول (۱) وصدقت به (۲)، فذلك دليل على صحته، لانه لو لم يكن صحيحاً لادى الى اجتماعها على خطأ، وذلك لا يجوز مع كون المعصوم فيها .

ومتى تلقت الخبر بالقبول ولم تصدق به (۳) فذلك لا يدل على صدقه، لان هذا حكم أكثر أخبار الاحاد .

وأما الخبر اذاروى وعلمت الامة بأجمعها بموجبه لاجله فعند من قال: لا يجوز العمل بخبر الواحد (٤) ينبغى أن يكون دلالة على صحته ، لانه لو لم يكن صحيحاً لادى الى اجماعهم على العمل به وهو خطأ وذلك غير جائز عليهم .

____________________________________________

(۱) قوله (اذا تلقت الخبر بالقبول) أي عملت بمضمونه ، ولا يعتبر في مفهوم التلقي بالقبول أن يكون العمل لاجله .

(۲) قوله (وصدقت به) أي قالت ان هذا صدق أو شبهه ، وهذا القول انما يجوز عند المصنف بعد حصول العلم بالصدق كما سيجيء في قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٥) .

(۳) قوله ( ومتى تلقت الخبر بالقبول ولم تصدق به) هذا اذا لم يعلم منهم العمل لاجله بقرينة ذكره بعد هذا .

(٤) قوله (فعند من قال : لا يجوز العمل بخبر الواحد) المراد عدم جواز عمل جميع الامة بخبر الواحد ، أي على القول بوجود المعصوم القاطع في جميع أحكامه .

__________________

(٥) الاعراف : ٣٣ .

٢٧٤

وأما من قال: يجوز العمل بخبر الواحد، فلا يمكنه أن يقول ان ذلك دلالة على صحته ، لانهم اذا اعتقدوا جواز العمل بخبر الواحد (۱) جاز أن يجمعوا عليه وان لم يكن صحيحاً (۲) في الاصل كما انهم يجوز أن يجمعوا على شيء من طريق الاجتهاد عندهم وان لم يكن طريق ذلك العلم .

وأما الخبر اذا ظهر بين الطائفة المحقة وعمل به أكثرهم ، وأنكروا على من لم يعمل به ، فان كان الذي لم يعمل به، علم انه امام، أو الامام داخل في جملتهم ، علم ان الخبر باطل. وان علم انه ليس بامام، ولا هو داخل معهم ، علم ان الخبر صحيح ، لان الامام داخل في الفرقة التي عملت بالخبر، وهذه جملة كافية في هذا الباب .

____________________________________________

(۱) قوله (اذا اعتقدوا جواز العمل بخبر الواحد) أي عمل جميع الامة بأن لا يقولوا بوجود المعصوم .

(۲) قوله (جاز أن يجمعوا عليه وان لم يكن صحيحاً) هذا مبنى على ما سيجيء في بحث الاجماع من عدم تمام أدلة حجية الاجماع من حيث انه اجماع من غير ملاحظة دخول المعصوم وسيجيء بسط الكلام فيه ان شاء الله تعالى .

٢٧٥

فصل

في أن في الاخبار المروية ما هو كذب

والطريق الذي يعلم به

ذلك من المعلوم الذى لا يتخالج فيه شك ، ان في الاخبار المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذباً، كما ان فيها صدقا ، فمن قال: ان جميعها صدق، فقد أبعد (۱) القول فيه. ومن قال : انها كلها كذب فكذلك لفقد الدلالة على كلا القولين .

وقد توعد (۲) النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله على الكذب عليه بقوله :

____________________________________________

(۱) قوله قدس سره (فقد أبعد الخ) أي جعل القول بعيداً عن الحق .

(۲) قوله (وقد توعد الخ) ظاهره انه دلالة على ما تقدم من ان في الاخبار المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذباً .

وقال سيدنا المرتضى أعلى الله درجته : وليس ذلك بمعتمد لانه يتضمن الوعيد ، ولا يعلم وقوع الفعل (انتهى) (۳) .

وفي كتاب فضل العلم من الكافي ، في باب اختلاف الحديث ، عن أمير المؤمنين الا انه قال في حديث طويل : وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده ، حتى قام خطيباً فقال: «أيها الناس قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (۴) .

__________________

(٣) الذريعة : ٥١٦ .

(٤) الكافي ١ : ٦٢ .

٢٧٦

« من كذب على متعمداً فليتبوأ (۱) مقعده من النار » (۲) .

وتجنب كثير من أصحابه الرواية نحو الزبير (۳) والبراء بن عازب (٤) لما تبينوا انه وقع فيها الكذب. فروى عن البراء انه قال: سمعنا كما سمعوا لكنهم رووا ما لم يسمعوا .

وروى عن شعبة (٥) انه قال : نصف الحديث كذب .

ولاجل ما قلنا ، حمل أصحاب الحديث نفوسهم على فقد الحديث، وتمييز الصحيح منها من الفاسد .

____________________________________________

(۱) قوله (فليتبوأ ) تبؤ المكان حله وأقام فيه ، والمقعد المجلس (۶) .

__________________

(۲) سنن ابن ماجه ۱ : ۳ ، وسنن الترمذى ٥ : ٣٥ ، وسنن أبي داود ۳۲۰:۳ (باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) .

(۳) الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الاسدى ، أبو عبد الله ، صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وروى عنه . وروى ابن حجر في الاصابة ١ : ٥٤٦ عن أبي يعلى من طريق أبى جرو المازني قال : شهدت عليا و الزبير تو افيا يوم الجمل فقال له على عليه‌السلام انشدك الله أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : انك تقاتل علياً وانت ظالم له ؟ قال نعم ولم أذكر ذلك الى الان فانصرف قتل سنة ( ٣٦ هـ .) .

(٤) البراء بن عازب بن الحارث بن عدى بن جشم الانصارى الأوسى يكنى أبا عمارة ويقال : أبا عمرو . له صحبة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . توفى سنة اثنتين وسبعين (۷۲ هــ .) .

(٥) مشترك بين عده، و لعله شعبة بن الحجاج بن الورد ، أبو بسطام البصرى ، أصله واسطى . روى عنه الثورى ومحمد بن اسحاق وابراهيم بن سعد .

(٦) الى هنا سقط من النسخة المطبوعة .

٢٧٧

وليس لاحد أن يقول : ان ما يتعلق بالدين اذا لم يقم به الحجة وجب القطع على كذبه كما نعلم (۱) كذب المدعى للنبوة اذا لم يظهر عليه المعجز، وذلك انه لا يمتنع أن يتعبد (۲) بالخبر وان لم تقم بــه الحجة كما تعبد بالشهادات (۳) وان لم تعلم صحتها .

ولا يجوز أن يتعبد (٤) بتصديق نبى ولا علم له ، أو بتصديق كذاب، فلذلك كذبنا المدعى للنبوة اذا لم يكن له معجزة. وغاية ما في هذا ألا يجب العمل به .

وليس اذا لم يجب العمل به وجب القطع على كذبه ، بل ينبغى أن يتوقف فيه الى أن يدل دليل عقلى أو شرعى على كذبه، أو كذب بعضه .

____________________________________________

(۱) قوله (وجب القطع على كذبه كما نعلم الخ) ظاهره انه ادعى البداهة وذكر له نظيراً ، لانه قاسه به .

(۲) قوله (لا يمتنع أن يتعبد) هذا منع لما ادعى بداهته ، و انما ذكر في السند جواز التعبد مع انه غير محتاج اليه استظهاراً ، ولذا تنزل عنه بقوله وغاية ما في هذا الخ) وسيجيء الكلام في جواز التعبد به .

(۳) قوله (كما تعبد بالشهادات الخ) سيجيء الفرق بين التعبد بالخبر وبين التعبد بالشهادات

(٤) قوله (ولا يجوز ان يتعبد) تسليم للبداهة في النظير، وسكوت عن بيان الفرق اعتماداً على ما سيجيء من الفرق بين ما طريقه العلم ، وبين ما طريقه العمل ، وسيجيء الكلام فيه ان شاء الله تعالى .

٢٧٨

فأما الطريق الذى به يعلم كذب الخبر، فلا يجوز أن يكون الخبر سواء أوجب (۱) العلم ضرورة أو اكتساباً. ويفارق الكذب في هذا الباب الصدق، لانا بالخبر نعلم صدق الخبر ولا نعلم به كذبه، بل العلم بكذبه يحتاج الى امور اخر .

والاخبار على ضربين أحدهما : يعلم كونه كذباً ضرورة، وهو أن يعلم ضرورة ان مخبره على خلاف ما تناوله فيعلم انه كذب ، ولذلك قلنا : ان المخبر عن كون فيل بحضرتنا، يعلم بطلان خبره بالاضطرار، لانه لو كان هناك فيل لرأيناه .

والضرب الاخر يعلم كونه كذباً باكتساب، وهو كل خبر نعلم ان مخبره على خلاف ما تناوله بدلیل عقلى، أو بالكتاب، أو السنة أو الاجماع .

وقد يعلم ذلك بأن يكون لو كان صحيحاً، لوجب قيام الحجة به على المكلفين أو بعضهم. فاذا لم تقم به الحجة، علم انه باطل .

والعلة في ذلك ، ان الله تعالى لا يجوز أن يكلف عباده فعلا ولا يزيح (۲) علتهم (۳) في معرفته، فاذا صح ذلك، وكان ذلك الفعل

____________________________________________

(۱) قوله (أن يكون الخبر سواء أوجب) ضمير يكون واجب للطريق .

(۲) قوله ( ولا يزيح) من الازاحة ، أي لا يزيل .

(۳) قوله (علتهم) أي عذرهم .

٢٧٩

مما طريقه العلم لا العمل (۱)، أو مما علم بالدليل ، انه مما يجب أن يعلمه المكلف، وان كان طريقه العمل، فيجب ورود الخبر به على وجه يعلم مخبره ، اذا لم يعرض من جهة المكلفين ، مما يمنع من وروده. فاذا لم يكن ذلك حاله علم بطلانه .

أللهم الا أن يكون هناك طريق آخر يعلم به صحة ما تضمنه ذلك الخبر ، فيستغنى بذلك الطريق عن الخبر ، ولا يقطع على كذبه

ولذلك نقول : ان الخبر اذا صار بحيث لا تقوم به الحجة، قام قول الامام في ذلك مقامه اذا اوجب العلم، وصارت الحجة به قوله دون الخبر .

والعلة في ذلك ان ما تضمنه الخبر اذا كان من باب الدين (۲) .

ومصلحة المكلف ، فلا بد من أن يكون للمكلف طريق الى العلم به فان كان حاصلا من طريق النقل ، والا فما ذكرناه من قول الامام ، لانه ان لم يكن أحد هذين، أدى الى أن لا يكون للمكلف طريق يعلم به ما هو مصلحة له، وذلك لا يجوز .

ومنها : أن يكون المخبر عنه مما لو كان على ما تناوله الخبر،

____________________________________________

(۱) قوله (لا العمل) سيجيء ما في الفرق بين العلم والعمل .

(۲) قوله (اذا كان من باب الدين) أي من باب العلم ، والذي هو من باب العمل سيذكره بقوله (فاما الاخبار التي هي من باب العمل الخ) .

٢٨٠