ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

وتخويف له وهو نوع من العذاب ، فليس في هذا سوى بيان نوع التعذيب ، فلم يعذب بما يفعلون.

وعن عائشة : رحم الله ابن عمرو الله ما كذب ، ولكنه أخطأ أو نسي ، انّما مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يهودية وهم يبكون عليها فقال : « انّهم يبكون وانّها لتعذب في قبرها » (١). وروي أنّها قالت : وهل ، أنّما قال رسول الله : « أنّ أهل الميت ليبكون عليه وأنّه ليعذّب بجرمه » (٢). وهذا نسبة الراوي الى الخطأ ، وهو علّة من العلل المخرجة للحديث عن شرط الصحة.

ولك أن تقول : انّ ( الباء ) بمعنى ( مع ) ، أي : يعذب مع بكاء اهله عليه ، يعني : انّ الميت يعذّب بأعماله وهم يبكون عليه فما ينفعه بكاؤهم ، ويكون زجرا عن البكاء لعدم نفعه ، وتطابق الحديث الآخر.

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٤٣ ح ٩٣٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٨ ح ١٥٩٥ ، سنن النسائي ٤ : ١٧.

(٢) المصنف لابن أبي شيبة : ٣ : ٣٩٢ صحيح مسلم ٢ : ٦٤٣ ح ٩٣٢.

وهل : غلط ونسي ، لسان العرب ـ مادة وهل.

٦١

البحث الخامس : في زيارة القبور.

وهي مستحبة للرجال إجماعا.

روى مسلم عن بريدة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة » (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « زوروا القبور فإنها تذكّر الموت » (٢).

وروى الكليني عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم ، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر امّه ، بعد ما يدعو لهما » (٣).

وروينا عن علي بن بلال وقد زار قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع بفيد ـ في طريق مكة شرّفها الله ـ قال : قال صاحب هذا القبر عن الرضا عليه‌السلام : « من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية كان ، فوضع يده وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر أمن الفزع الأكبر » (٤).

وعن هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « عاشت فاطمة عليها‌السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوما ، لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرتين : الاثنين ، والخميس » (٥). وعن يونس عنه عليه‌السلام : « انّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت ، فتأتي قبر حمزة‌

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٥٦٩ ح ٦٧٠٨ صحيح مسلم ٢ : ٦٧٢ ح ٩٧٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠١ ح ١٥٧١ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٧٠ ح ١٠٥٤ ، سنن النسائي ٤ : ٨٩.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧١ ح ٩٧٦ ، سنن النسائي ٤ : ٩٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ١٠ ، الخصال : ٥٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٩ ، كامل الزيارات : ٣١٩ ، التهذيب ٦ : ١٠٤ ح ١٨٢ ، وفي الجميع : « قرأ إنا أنزلناه سبع مرات ». ولاحظ : رجال الكشي : ٥٦٤ رقم ١٠٦٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٢٨ ح ٣.

٦٢

فتترحّم عليه وتستغفر له » (١).

وفيه دليل على جوازه للنساء ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة بضعة مني » (٢). ولأنّ عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن ، فقيل لها : قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن زيارة القبور فقالت : نهى ثم أمر بزيارتها (٣) وان النساء داخلات في الرخصة.

وكرهه في المعتبر لهنّ ، لمنافاته الستر والصيانة (٤). وهو حسن إلاّ مع الأمن والصون ، لفعل فاطمة عليها‌السلام. ولو كانت زيارتهنّ مؤدّية إلى الجزع والتسخّط لقضاء الله لضعفهن عن الصبر منعن منها ، وعليه يحمل ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لعن الله زوّارات القبور » (٥).

وليقل الزائر ما رواه أبو المقدام عن الباقر عليه‌السلام ، أنّه قال على قبر رجل من الشيعة بالبقيع واقفا عليه : « اللهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك ، وألحقه بمن كان يتولاّه » ، ثم قرأ القدر سبعا (٦).

وسأل جرّاح الصادق عليه‌السلام عن كيفية التسليم على أهل القبور؟ قال : « يقول : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، رحم الله‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٤ ح ٥٣٧ ، التهذيب ١ : ٤٦٥ ح ١٥٢٣.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٣٢٨ ، صحيح البخاري ٥ : ٢٦ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٣ ح ٢٤٩٩ ، حلية الأولياء ٢ : ٤٠.

(٣) مسند أبي يعلى ٨ : ٢٨٤ ح ٤٨٧١ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٧٦ ، السنن الكبرى ٤ : ٧٨.

(٤) المعتبر ١ : ٣٤٠.

(٥) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٥٦٩ ح ٦٧٠٤ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٧١ ح ١٠٥٦ ، السنن الكبرى ٤ : ٧٨.

(٦) التهذيب ٦ : ١٠٥ ح ١٨٣.

٦٣

المستقدمين (١) والمستأخرين ، وانا إن شاء الله بكم لاحقون » (٢).

وروى في الفقيه عن محمد بن مسلم ، قلت للصادق عليه‌السلام : الموتى نزورهم ، قال : « نعم ». قلت : أفيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال : « أي والله انّهم ليعلمون بكم ، ويفرحون بكم ، ويستأنسون إليكم ». قال : فأي شي‌ء نقول إذا أتيناهم؟ قال : قل : « اللهم جاف الأرض عن جنوبهم ، وصاعد إليك أرواحهم ، ولقّهم منك رضوانا ، واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم ، وتؤنس به وحشتهم ، انك على كلّ شي‌ء قدير » (٣).

وروى إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام : أنّه يعلم بزائره ، ويأنس به ، ويستوحش لانصرافه (٤).

وقال فيه : قال الرضا عليه‌السلام : « من أتى قبر مؤمن ، يقرأ عنده إنّا أنزلناه سبع مرات ، غفر الله له ولصاحب القبر » (٥).

قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مرّ على القبور قال : « السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين ، وانّا إن شاء الله بكم لاحقون » (٦).

وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام يقول : « السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا فرط ، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون » (٧).

وروى مسلم عن بريدة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلّمهم إذا خرجوا الى المقابر : « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وانّا إن‌

__________________

(١) في المصدرين زيادة : « منا ».

(٢) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١١٤ ح ٥٣٣.

(٣) الفقيه ١ : ١١٥ ح ٥٤٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٨ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١١٥ ح ٥٤١ ، باختلاف يسير.

(٦) الفقيه ١ : ١١٤ ح ٥٣٤ ، وفي الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٧ مضمرا.

(٧) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٥.

٦٤

شاء الله بكم لاحقون » (١).

وفي الترمذي عن ابن عباس : مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه ، فقال : « السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر » (٢).

تنبيه‌

ظهر من ذلك استحباب قراءة القرآن عند زيارة الميت ، للخبرين السالفين ، ولما روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من دخل المقابر فقرأ سورة يس ، خفّف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد ما فيها حسنات » (٣) ولأنّا سنبيّن أنّ الميت يلحقه أعمال الخير ، ولأنّ الدعاء عقيب القراءة أقرب الى الإجابة والدعاء ينفع الميت.

تتمة :

لا يستحبّ لمن دخل المقبرة خلع نعله ، للأصل ، وعدم ثبت.

قالوا : رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا يمشي في المقبرة وعليه نعلان ، فقال : « يا صاحب السّبتين ألق سبتيك فرمى بهما » (٤).

قلنا : حكاية حال ، فلعلّه لما في هذا النوع من الخيلاء لأنّه لباس أهل التنعم ، لا لأجل المقبرة.

والسبت ـ بكسر السين وسكون الباء ـ : جلود البقر المدبوغة بالقرظ ، لأنّ شعرها سبت عنها ، أي : حلق. وقيل : لأنّها انسبتت بالدباغ ، أي : لأنت.

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٤٠ صحيح مسلم ٢ : ٦٧١ ح ٩٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٤ ح ١٥٤٧.

(٢) الجامع الصحيح ٣ : ٣٦٩ ح ١٠٥٣.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٤١٣.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢١٧ ح ٣٢٣٠ ، سنن النسائي ٤ : ٩٦.

٦٥

البحث السادس : فيما يلحق الميت من الأفعال بعد موته.

قال الفاضل : اما الدعاء ، والاستغفار ، والصدقة ، وأداء الواجبات التي تدخلها النيابة ، فإجماع (١).

قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ) (٢).

وقال تعالى ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) (٣).

وقد سبق في الدعاء للميت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم اغفر لحينا وميتنا » (٤). وعن الأئمة عليهم‌السلام نحو ذلك (٥).

وفي الفقيه عن الصادق عليه‌السلام : « انّ الميت يفرح بالترحم عليه والاستغفار له ، كما يفرح الحي بالهدية تهدى اليه » (٦).

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمرو بن العاص : « لو كان أبوك مسلما ، فاعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم ، بلغه ذلك » (٧).

وفي البخاري وغيره عن ابن عباس ، قال رجل : انّ أختي نذرت أن تحجّ وانها ماتت. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان عليها دين ، أكنت قاضيه؟ » قال : نعم. قال : « فاقض دين الله فهو أحقّ بالقضاء » (٨).

وأمّا ما عداها فعندنا انّه يصل اليه. روى ابن بابويه عن الصادق ( عليه‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٨.

(٢) سورة الحشر : ١٠.

(٣) سورة محمد : ١٩.

(٤) تقدم في ج ١ ص ٤٤٠ ، الهامش ٣.

(٥) فلاح السائل : ٢٥٠ ، إقبال الأعمال : ٧٠ ، ٣٧٦.

(٦) الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٤.

(٧) سنن أبي داود ٣ : ١١٨ ح ٢٨٨٣.

(٨) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، السنن الكبرى ٥ : ١٧٩.

٦٦

السلام ) : « ستة تلحق المؤمن بعد وفاته : ولد يستغفر له ، ومصحف يخلفه ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجريه ، وقليب يحفره ، وسنّة يؤخذ بها من بعده » (١).

قلت : هذا الحديث يتضمّن المهم من ذلك ، إذ قد روى ابن بابويه أيضا عن الصادق عليه‌السلام : « من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا ، أضعف له أجره ، ونفع الله عز وجلّ به الميت » (٢).

قال : وقال عليه‌السلام : « يدخل على الميت في قبره : الصلاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة ، والبرّ ، والدعاء. ويكتب أجره للذي فعله وللميت » (٣).

ولنذكر هنا أحاديث من هذا الباب ، ضمنها السعيد المرتضى رضي الدين أبو القاسم علي بن الطاوس الحسني ـ طيب الله سره ـ في كتابه المسمى « غياث سلطان الورى لسكان الثرى » وقصد به بيان قضاء الصلوات عن الأموات.

الحديث الأول : رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ـ وقد ضمن صحّة ما اشتمل عليه ، وانّه حجّة بينه وبين ربّه ـ انّ الصادق عليه‌السلام سأله عمر بن يزيد ، أنصلّي عن الميت؟ فقال : « نعم ، حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسع [ الله ] عليه ذلك الضيق ، ثم يؤتى فيقال له : خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك » ) (٤).

الثاني : ما رواه علي بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : حدّثني أخي موسى بن جعفر ، قال : « سألت أبي جعفر بن محمد عن الرجل ، هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال : نعم ، فيصلي ما أحب ، ويجعل تلك للميت ، فهو للميت إذا جعل ذلك له » (٥).

ولفظ « ما أحب » للعموم ، وجعلها نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن تكون‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٥ ، وفي الكافي ٧ : ٥٧ ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٦ ،.

(٣) الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٧.

(٤) الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٤ ، ومنه ما أثبتناه بين المعقوفين.

(٥) مسائل علي بن جعفر : ١٩٩ ح ٤٢٩.

٦٧

هدية صلاة مندوبة.

الثالث : من مسائله أيضا عن أخيه موسى عليه‌السلام : وسأله عن الرجل هل يصلح أن يصلّي ويصوم عن بعض أهله بعد موته ، فقال : « نعم ، يصلّي ما أحبّ ، ويجعل ذلك للميت ، فهو للميت إذا جعله له » (١).

الرابع : ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده الى محمد بن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يصلّى عن الميت؟ قال : « نعم ، حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك ، ثم يؤتى فيقال له : خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك » (٢).

الخامس : ما رواه بإسناده إلى عمار بن موسى الساباطي ـ من كتاب أصله المروي عن الصادق عليه‌السلام ـ : وعن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم ، هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال : « لا يقضيه الاّ مسلم عارف » (٣).

السادس : ما رواه الشيخ أيضا بإسناده الى محمد بن أبي عمير ، عن رجاله ، عن الصادق عليه‌السلام ، في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضيه أولى الناس به » (٤).

السابع : ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بإسناده الى ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضي عنه أولى الناس به (٥).

الثامن : هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر الى كتابه الذي هو من‌

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٣ ، وفيه : « يصوم ».

(٢) الفقيه ١ : ١١٧ ـ ٥٥٤ ، وفيه : أخيك عنك ، ولعل نسبته للشيخ من سهو القلم لاتحادهما في الكنية.

(٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٥.

(٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٣ ح ١ ، وفيه : « بميراثه ».

٦٨

الأصول (١)

التاسع : ما روي في أصل هشام بن سالم ، من رجال الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، ويروي عنه ابن أبي عمير. قال هشام في كتابه : وعنه عليه‌السلام ، قال : قلت : يصل الى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟

قال : « نعم ». قلت : أو يعلم من صنع ذلك به؟ قال : « نعم ». ثم قال : « يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه » (٢) وظاهره أنّه من الصلاة الواجبة التي تركها سبب في السخط.

العاشر : ما رواه علي بن أبي حمزة في أصله ، وهو من رجال الصادق والكاظم أيضا عليهما‌السلام. قال : وسألت عن الرجل يحجّ ويعتمر ويصلّي ويصوم ويتصدّق عن والديه وذوي قرابته؟ قال : « لا بأس به؟ يؤجر فيما يصنع ، وله أجر آخر بصلته قرابته ». قلت : وان كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال : « يخفّف عنه بعض ما هو فيه » (٣) أقول : وهذا أيضا ذكره ابن بابويه في كتابه. (٤)

الحادي عشر : ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي ـ في كتاب المنسك ـ بإسناده الى علي بن أبي حمزة ، قال : قلت : لأبي إبراهيم عليه‌السلام : أحجّ وأصلّي وأتصدّق عن الاحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال : « نعم ، صدّق عنه ، وصلّ عنه ، ولك أجر آخر بصلتك إياه » (٥).

قال ابن طاوس ـ رحمة الله عليه ـ يحمل في الحيّ على ما تصحّ فيه النيابة من الصلوات ، ويبقى الميت على عمومه.

__________________

(١) مخطوط.

(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٨.

(٤) لم نجده بلفظه ولكن انظر الفقيه ١ : ١١٧ ذيل الحديث ٥٥٤.

(٥) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٩.

٦٩

الثاني عشر : ما رواه الحسن بن محبوب ـ في كتاب المشيخة ـ عن الصادق عليه‌السلام ، انه قال : « يدخل على الميت في قبره : الصلاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة ، والبرّ ، والدعاء ». قال : « ويكتب أجره للذي يفعله وللميت » (١).

وهذا الحسن بن محبوب يروي عن ستين رجلا من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام. وروى عن الرضا عليه‌السلام ، وقد دعا له الرضا عليه‌السلام واثنى عليه ، فقال ـ فيما كتبه ـ : « أنّ الله قد أيّدك بحكمة وأنطقها على لسانك ، قد أحسنت وأصبت ، أصاب الله بك الرشاد ، ويسرّك للخير ، ووفّقك لطاعته » (٢).

الثالث عشر : ما رواه محمد بن أبي عمير ـ بطريق آخر ـ عن الامام عليه‌السلام : « يدخل على الميت في قبره : الصلاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة ، والبرّ ، والدعاء ». قال : « ويكتب أجره للذي يفعله وللميت » (٣).

قال السيد : هذا عمّن أدركه محمد بن أبي عمير من الأئمة ، ولعله عن مولانا الرضا عليه‌السلام.

الرابع عشر : ما رواه إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « يدخل على الميت في قبره : الصلاة ، والصوم ، والحج والصدقة ، والبرّ ، والدعاء ». قال : « ويكتب أجره للذي يفعله وللميت » (٤).

الخامس عشر : روى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام : « يدخل على الميت في قبره : الصلاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة ، والعتق » (٥).

السادس عشر : ما رواه عمر بن محمد بن يزيد ، قال : قال أبو عبد الله‌

__________________

(١) رواه الصدوق في الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٧ مرسلا.

(٢) عنه بحار الأنوار ٨٨ : ٣١١.

(٣) انظر : الصدوق في الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٧ مرسلا.

(٤) انظر : الصدوق في الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٧ مرسلا.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٩ ح ١٣٦٩.

٧٠

عليه‌السلام : « انّ الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة ، وكلّ عمل صالح ، ينفع الميت حتى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه ، ويقال : انّ هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان ـ أخوه في الدين ـ ». (١)

قال السيد : قوله عليه‌السلام : « أخوه في الدين » إيضاح لكلّ ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.

السابع عشر : ما رواه علي بن يقطين ، وكان عظيم القدر عند أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، له كتاب المسائل عنه. قال : وعن الرجل يتصدّق على الميت ويصوم ويعتق ويصلّي؟ قال : « كلّ ذلك حسن تدخل منفعته على الميت » (٢).

الثامن عشر : ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي ـ في أصل كتابه ـ قال : حدثني كردين ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصدقة والحجّ والصوم تلحق بالميت؟ فقال : « نعم ». قال : فقال : « هذا القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك ». قال : قلت : وما أنا وذا ، فو الله لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه ، قال : فضحك (٣).

قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن الصلاة على الميت أتلحق به؟ قال : « نعم » (٤).

قال : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : اني لم أتصدّق بصدقة منذ ماتت أميّ إلاّ عنها. قال : « نعم ». قلت : أفترى غير ذلك؟ قال : « نعم نصف عنك ، ونصف عنها ». قلت : أتلحق بها؟ قال : « نعم » (٥).

قال السيد : قوله ( الصلاة على الميت ) ، أي : التي كانت على الميت أيام‌

__________________

(١) عنه بحار الأنوار ٨٨ : ٣١١.

(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١١.

(٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٢.

(٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٣.

(٥) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٤.

٧١

حياته ، ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.

التاسع عشر : ما رواه حماد بن عثمان ـ في كتابه ـ قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « انّ الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة ، وكلّ عمل صالح ، ينفع الميت حتى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه ، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان ـ أخوه في الدين ـ » (١).

العشرون : ما رواه عبد الله بن جندب ، قال : كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام اسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبرّ والخير أثلاثا : ثلثا له وثلثين لأبويه ، أو يفردهما من أعماله بشي‌ء ممّا يتطوّع به ، وان كان أحدهما حيا والآخر ميتا؟ فكتب إليّ : « أمّا الميت فحسن جائز ، وأمّا الحي فلا إلاّ البرّ والصلة » (٢).

قال السيد : لا يراد بهذا الصلاة المندوبة ، لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات والحج وغيرهما.

الحادي والعشرون : ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري : أنّه كتب الى الكاظم عليه‌السلام مثله ، واجابه بمثله (٣).

الثاني والعشرون : ما رواه ابان بن عثمان ، عن علي بن مسمع ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انّ أمّي هلكت ولم أتصدّق بصدقة .. كما تقدّم الى قوله : أفيلحق ذلك بها؟ قال : « نعم ». قلت : والحج؟ قال : « نعم ». قلت : والصلاة؟ قال : « نعم ». قال : ثم سألت أبا الحسن عليه‌السلام بعد ذلك أيضا عن الصوم فقال : « نعم » (٤).

الثالث والعشرون : ما رواه الكليني بإسناده الى محمد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيين وميتين ،

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٥.

(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٦.

(٣) قرب الإسناد : ١٢٩.

(٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٧.

٧٢

يصلّي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك ، فيزيده الله ببرّه وصلاته خيرا كثيرا » (١).

الرابع والعشرون : عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « الصلاة التي حصل وقتها ، قبل أن يموت الميت ، يقضي عنه أولى الناس به » (٢).

ثم ذكر ـ رحمه‌الله ـ عشرة أحاديث تدلّ بطريق العموم :

الحديث الأول : ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحجّ ، والصوم ، والعتق ، وفعاله الحسن » (٣).

الثاني : ما رواه صفوان بن يحيى ، وكان من خواص الرضا والجواد عليهما‌السلام ، وروى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحج ، والصوم ، والعتق ، وفعاله الحسن » (٤).

الثالث : ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحج ، والصوم ، والعتق ، وفعاله الحسن » (٥).

الرابع : ما رواه العلاء بن رزين في كتابه ، وهو أحد رجال الصادق عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحج ، والصوم ، والعتق ، وفعاله الحسن » (٦).

الخامس : ما رواه البزنطي رحمه‌الله ، وكان من رجال الرضا عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحج ، والصوم ، والعتق ، وفعله الحسن » (٧).

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢٧ ح ٧.

(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٨.

(٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٩.

(٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ١٩.

(٥) عنه بحار الأنوار ٨٨ : ٣١٣.

(٦) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢٠.

(٧) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢١.

٧٣

السادس : ما ذكره صاحب الفاخر ـ مما اجمع عليه وصحّ من قول الأئمة عليهم‌السلام ـ قال : ويقضى عن الميت أعماله الحسنة كلّها (١).

السابع : ما رواه ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت ، أضعف الله أجره ، ونفع الله به الميت » (٢).

الثامن : ما رواه عمر بن يزيد ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا ، أضعف الله أجره ، وينعم بذلك الميت » (٣).

التاسع : ما رواه العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحجّ ، والصوم ، والعتق ، وفعاله الحسن » (٤).

العاشر : ما رواه حماد بن عثمان ـ في كتابه ـ قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا ، أضعف الله أجره ، وينعم له بذلك الميت » (٥).

قلت : وروى يونس ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « يقضى عن الميت : الحج ، والصوم ، والعتق ، والفعل الحسن » (٦). ومما يصلح هنا ما أورده في التهذيب بإسناده عن عمر ابن يزيد ، قال : كان أبو عبد الله يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين ، وعن والديه‌

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢٢.

(٢) الفقيه ١ : ١١٧ ح ٥٥٦.

(٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢٥.

(٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢٣.

(٥) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢٤.

(٦) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب ١٢ ح ٢٧.

٧٤

في كل يوم ركعتين. قلت : جعلت فداك ، كيف صار للولد الليل؟ قال : « لأن الفراش للولد ».

قال : وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر (١). فان هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب ، وهو حجّة على من ينفي الوقوع أصلا ، أو ينفيه الاّ من الولد.

ثم ذكر ـ رحمه‌الله ـ ان الصلاة دين ، وكل دين يقضى عن الميت. اما ان الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث :

الأول : ما رواه حماد عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام في اخباره عن لقمان عليه‌السلام : « وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشي‌ء ، صلّها واسترح منها ، فإنها دين » (٢).

الثاني : ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر : إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‌ء ، صلّها واسترح منها ، فإنها دين (٣).

الثالث : ما رواه ابن بابويه ـ في كتاب معاني الأخبار ـ بإسناده الى محمد بن الحنفية في حديث الأذان : لمّا اسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. الى قوله : ثمّ قال : « حيّ على الصلاة ، قال الله جلّ جلاله : فرضتها على عبادي ، وجعلتها لي دينا » (٤) إذا روي بفتح الدال.

الرابع : ما رواه حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه ، فخاف أن يدركه الصّبح ، ولم يصلّ صلاة ليلته تلك ، قال : « يؤخّر القضاء ، ويصلّي صلاة ليلته‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٧ ـ ١٥٣٣.

وفي « س » : والدته بدل والدية.

(٢) روضة الكافي : ٣٤٩ ـ ٥٤٧ ، الفقيه ٢ : ١٩٥ ـ ٨٨٤ ، المحاسن : ٣٧٥ ـ ١٤٥ ، الأمان : ٩٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٩٥ ـ ٨٨٤.

(٤) معاني الأخبار : ٤٢.

٧٥

تلك » (١).

وأمّا قضاء الدّين عن الميت ، فلقضية الخثعمية لما سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك؟ ». قالت : نعم. قال : « فدين الله أحقّ بالقضاء » (٢).

إذا تقرّر ذلك ، فلو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيّته ، لعموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٣). ولأنّه لو أوصى ليهوديّ أو نصراني وجب إنفاذ وصيّته فكيف الصّلاة المشروعة ، لرواية الحسين بن سعيد بسنده الى محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله ، قال : « أعطه لمن أوصى له وان كان يهوديّا أو نصرانيا ، ان الله عزّ وجلّ يقول ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٤).

وذكر الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام : « لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهود ونصارى لوضعت فيهم ، إنّ الله يقول : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) الآية (٥).

قال السيّد بعد هذا الكلام : ويدلّ على أنّ الصلاة عن الميت أمر مشروع تعاقد صفوان بن يحيى وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام :

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب ٦١ ح ٥١٧٨.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٥ : ٢٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٣ ح ١٣٣٤ ، سنن النسائي ٥ : ١١٦ ، السنن الكبرى ٥ : ١٧٩.

(٣) سورة البقرة : ١٨١.

(٤) بسند آخر في : الكافي ٧ : ١٤ ح ١ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٨ ح ٥١٤ ، التهذيب ٩ : ٢٠١ ح ٨٠٤ ، الاستبصار ٤ : ١٢٨ ح ٤٨٥.

(٥) بسند آخر في : الكافي ٧ : ٢٠١ ح ٤ ، الفقيه ٤ : ١٤٨ ح ٥١٥ ، التهذيب ٩ : ٢٠٢ ح ٨٠٥.

٧٦

أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته ، ويصوم عنه ، ويحجّ عنه ما دام حيّا ، فمات صاحباه وبقي صفوان ، فكان يفي لهما بذلك فيصلّي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة (١). وهؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب والرواة (٢) عن الأئمة عليهم‌السلام.

قال السيد رحمه‌الله ـ وحسنا قال ـ : انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعيّة وجدت الأخبار فيها مختلفة ، حتى صنف لأجلها كتب ولم تستوعب الخلاف ، والصّلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع هذه الأخبار ، ولم نجد خبرا واحدا يخالفها. ومن المعلوم انّ هذا المهم في الدين لا يخلو عن شرع : بقضاء أو ترك ، فإذا وجد المقتضي ولم يوجد المانع ، علم موافقة ذلك للحكمة الإلهيّة ، وقد ذكر ذلك الأصحاب لأنّهم مفتون بلزوم قضاء الصلاة على الولي.

وقد حكى ابن حمزة ـ في كتابه في قضاء الصلاة ـ عن الشيخ أبي جعفر محمد ابن الحسين الشوهاني : أنّه كان يجوّز الاستئجار عن الميت.

واستدلّ ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع : أنها تجري مجرى الصّوم والحج. وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام ، حيث قال : والعليل إذا وجبت عليه الصلاة ، وأخّرها عن وقتها الى أن فاتت ، قضاها عنه وليّه كما يقضي حجة الإسلام والصيام. قال : وكذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن سام عن أبي عبد الله عليه‌السلام. فقد سوّيا بين الصّلاة وبين الحج ، ولا ريب في جواز الاستئجار على الحج.

قلت : هذه المسألة ـ أعني الاستئجار على فعل الصّلاة الواجبة بعد الوفاة ـ مبنيّة على مقدمتين :

إحداهما : جواز الصلاة عن الميت ، وهذه إجماعيّة والأخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه.

__________________

(١) الاختصاص : ٨٥ ، فهرست الطوسي : ٨٣ رقم ٣٤٦ ، رجال النجاشي : ١٩٧ ح ٥٢٤.

(٢) في س : والرواية.

٧٧

والثانية : انّه كلّما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه.

وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر ، ولا يخالف فيها أحد من الإمامية بل ولا من غيرهم لأنّ المخالف من العامة إنّما منع لزعمه أنّه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه. اما من يقول بإمكان وقوعها له ـ وهم جميع الإمامية ـ فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار ، إلاّ أن يخرق الإجماع في إحدى المقدمتين على أنّ هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية ـ الخلف والسّلف ـ من عهد المصنّف وما قبله الى زماننا هذا ، وقد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعية.

فإن قلت : فهلاّ اشتهر الاستئجار على ذلك والعمل به عن النبي والأئمة عليهم‌السلام ، كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة؟.

قلت : ليس كلّ واقع يجب اشتهاره ، ولا كلّ مشهور يجب الجزم بصحته ، فربّ مشهور لا أصل له ، وربّ متأصّل لم يشتهر ، إمّا لعدم الحاجة إليه في بعض الأحيان [ أو ] (١) لندور وقوعه.

والأمر في الصلاة كذلك ، فإنّ سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة والنافلة ، على حدّ لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلاّ لعذر بعيد ، كمرض موت أو غيره. وإذا اتفق فوات فريضة بادروا الى فعلها لأنّ أكثر قدمائهم على المضايقة المحضة ، فلم يفتقروا الى هذه المسألة ، واكتفوا بذكر قضاء الوليّ لما فات الميت من ذلك على طريقة الندور. يعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها.

فخلف من بعدهم قوم تطرّق إليهم التقصير ، واستولى عليهم فتور الهمم ، حتّى آل الحال إلى أنّه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلاّ أوحديّهم ، ولا مبادر بقضاء الفائت إلاّ أقلّهم ، فاحتاجوا الى استدراك ذلك بعد الموت لظنّهم عجز‌

__________________

(١) من دونها في النسخ ، ويحتمل سقوطها في الشق الثاني. ولعل العدم صحيح فهي علّة لما قبلها ، وقد أعرض المصنّف عن الشق الثاني لـ « امّا » ، والظاهر هو الأوّل.

٧٨

الولي عن القيام به ، فوجب ردّ ذلك الى الأصول المقرّرة والقواعد الممهّدة. وفيما ذكرناه كفاية.

على انّ قضاء الصلاة عن الميت غير متروك ذكره بين أرباب المذاهب المباينة للشيعة على طرف النقيض ، ولا مهمل روايته (١) عند نقلة حديثهم.

فإنّ شارح صحيح مسلم ـ من الشافعيّة ـ قال فيه ما هذا لفظه : وذهب جماعة من العلماء إلى أنّه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصّلاة والصّوم والقراءة وغير ذلك.

وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنّهما قالا بجواز الصّلاة عن الميت. ومال الشيخ أبو سعد عبد الله بن محمّد بن هبة الله بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه الانتصار الى اختيار هذا. ودليلهم القياس على الدعاء والصّدقة والحج فإنّها ممّا تصل بالإجماع. واختلف أصحاب الشافعي في ركعتي الطّواف : هل تقع عن الأجير أو عن المستأجر؟

قلت : وهو قد حكى في الكتاب المذكور أنّ أبا إسحاق الطالقاني ـ بفتح اللام ـ ذكر أنّ شهاب بن خراش حدّث عن الحجّاج بن دينار ـ وهما ثقتان ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إنّ من البرّ بعد البرّ أن تصلّي لأبويك مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صومك » ، ثمّ ضعّف الحديث بالإرسال مع اعترافه بثقتهما نقلا عن الحافظ الكبير عبد الله بن المبارك. وجماعة من العلماء يعتمدون مراسيل الثقات (٢).

فهذه أربعون حديثا خالية عن معارض.

وفي البخاري ـ في باب من مات وعليه نذر ـ : ( أنّ ابن عمر أمر من ماتت‌

__________________

(١) في س : روايتهم.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١ : ٨٨ ـ ٩٠ بتصرف. وانظر ٨ : ٢٥ ـ ٢٦ عنه ، والحاوي الكبير ١٥ : ٣١٣.

٧٩

أمها وعليها صلاة أن تصلّي عنها ) (١) ، ومذهب الصّحابي عند كثير من العلماء أنّه حجّة (٢) ، وخصوصا فيما خالف القياس ، أو لم ينقل مخالفة غيره ، والأمران حاصلان هنا.

واحتجّ مانع لحوق ما عدا الدعاء والصدقة والحج عن الميت بقوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) (٣) وبقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له » (٤). وعلى هذين اعتمد النووي وغيره (٥).

والجواب : انّهما عام مخصوص بمحل الوفاق ، فمهما أجيب عنه فهو جوابنا. وهذا كاف في الجواب ، ثم نقول : الأعمال الواقعة نيابة عنه بعد موته ، نتيجة سعيه في تحصيل الإيمان وأصول العقائد المسوّغة للنيابة عنه ، فهي مسنده إليه ، وأمّا الخبر فدالّ على انقطاع عمله وهذا يصل إليه من عمل غيره. ثم نقول : عمل صالح اهدي الى الميت فيقع عنه كمحل الوفاق ، ولا خلاص عن ذلك إلاّ بالتزام المدّعى ، أو عدم دلالة الآية والخبر على ما ادّعوه.

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧.

(٢) انظر : مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف.

(٣) سورة النجم : ٣٩.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٣٧٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٥ ح ١٦٣١ ، سنن أبي داود ٣ : ١١٧ ح ٢٨٨٠ ، الجامع الصحيح ٣ : ٦٦ ح ١٣٧٦ ، سنن النسائي ٦ : ٢٥١ ، مسند أبي يعلى ١١ : ٣٤٣ ح ٦٤٥٧.

(٥) شرح صحيح مسلم ٧ : ٨٩ ـ ٩٠ ، ولاحظ المغني ٢ : ٤٢٨.

٨٠