ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

صنع بشماله كما صنع بيمينه (١).

نعم ، قال المفيد في كتاب الأركان في ظاهر كلامه بالضربتين مطلقا ، وهو مروي ـ صحيحا ـ عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قلت : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بكفيك مرتين ، ثم تنفضهما نفضة للوجه ، ومرة لليدين » (٢).

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام سألته عن التيمم ، فقال : « مرتين مرتين للوجه واليدين » (٣).

وروي ـ حسنا ـ عن إسماعيل بن همام عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « التيمم ضربة للوجه ، وضربة للكفين » (٤).

وأوّل الأوّل : بتمام الكلام عند قوله : « ضرب واحد للوضوء » ، ويبتدأ بقوله : « والغسل من الجنابة تضرب بكفيك مرتين » ، وعلى هذا يقرأ الغسل بالرفع ، وهو الذي لحظه الشيخ (٥) وتبعه في المعتبر (٦) فلا يخلو عن تكلف.

والآخران : بان لا عموم للمصدر المحلى بلام الجنسية مع إمكان أن تكون عهدية أيضا.

والأكثر على ان الضربة للوضوء والضربتين للغسل (٧) ، جمعا بين هذين وبين أخبار مطلقة في الضربة ـ كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٨) وخبر عمرو‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٦٠٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١١ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٥٩٩.

(٣) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٥٩٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٥٩٧.

(٥) التهذيب ١ : ٢١١.

(٦) المعتبر ١ : ٣٨٨.

(٧) راجع : المقنعة : ٨ ، الفقيه ١ : ٥٧ ، المبسوط ١ : ٣٣ ، المعتبر ١ : ٣٣٨.

(٨) التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٤.

٢٦١

ابن أبي المقدام عن الصادق عليه‌السلام (١) ـ والاعتضاد بعمل الأصحاب ، ولا بأس به.

وليس التخيير بذاك البعيد ان لم يكن فيه إحداث قول ، أو يحمل المرتان على الندب ، كما قاله المرتضى في شرح الرسالة (٢) واستحسنه في المعتبر ، قال : ولا نمنع جواز ثلاث ضربات كما دلت عليه الرواية السالفة (٣).

مسألتان :

الأولى : لا يشترط علوق الغبار باليدين ، لما روي : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفض يديه (٤) وفي رواية : نفخ فيهما (٥) وهو موجود في رواياتنا كثيرا (٦). ولأنّ الصعيد وجه الأرض لا التراب ، ولما بيناه من جواز التيمم بالحجر.

ولا يجب النفض والنفخ ، للأصل ، وظاهر الآية. وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام لبيان الندب.

فان احتج ابن الجنيد لاعتبار الغبار بظاهر قوله تعالى‌ : ( منه‌ ) ومن للتبعيض (٧) منعناه بجواز كونها لابتداء الغاية ، مع أنّه في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « ان المراد من ذلك التيمم » ، قال : « لأنّه علم أنّ ذلك اجمع لم يجر على الوجه ، لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (٨)

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٥.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ٣٨٨.

(٣) المعتبر ١ : ٣٨٨.

وتقدمت الرواية في ص ٢٦١ الهامش ٢.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٩٦ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٠ ح ٣٦٨ ، سنن أبي داود ١ : ٨٧ ح ٣٢١ ، سنن النسائي ١ : ١٧.

(٥) مسند أحمد ٤ : ٣١٩ ، صحيح البخاري ١ : ٩٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ ح ٥٦٩ ، سنن أبي داود ١ : ٨٨ ح ٣٢٢ ، سنن النسائي ١ : ١٦٨ ، سنن أبي يعلى ٣ : ١٨١ ح ١٦٠٦.

(٦) لاحظ : الكافي ٣ : ٦١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٤ ، ٦١٥.

(٧) مختلف الشيعة : ٥٠.

(٨) تفسير العياشي ١ : ٢٩٩ ح ٥٢.

٢٦٢

وفي هذا إشارة الى أنّ العلوق غير معتبر.

الثانية : ظاهر الأصحاب أنّ الأغسال سواء في كيفية التيمم ، قال في المقنعة : وكذلك تصنع الحائض والنفساء والمستحاضة بدلا من الغسل (١).

وروى أبو بصير ، قال : سألته عن تيمم الحائض والجنب ، أسواء إذا لم يجدا ماء؟ قال : « نعم » (٢) ، وعن عمار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام مثله (٣).

وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب ، بناء على وجوب الوضوء هنالك (٤). ولا بأس به ، والخبران غير مانعين منه ، لجواز التسوية في الكيفية لا في الكميّة.

الواجب الرابع : مسح الجبهة من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى ، وهذا القدر متفق عليه بين الأصحاب. وأوجب الصدوق مسح الحاجبين أيضا (٥) ولا بأس به.

ولا يجب استيعاب الوجه ، لإفادة الباء التبعيض كما سلف ، ولأصل البراءة ، ولبناء التيمم على التخفيف ، ونقل المرتضى في الناصرية إجماع الأصحاب عليه (٦).

وقد روي من طرق شتى : كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في قضية عمار : « ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى » (٧). وموثق زرارة عنه عليه‌السلام : « ثم مسح بهما جبهته وكفّيه مرة واحدة » (٨). ومثله رواية عمرو‌

__________________

(١) المقنعة : ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٦.

(٣) الفقيه ١ : ٥٨ ، ح ٢١٥ ، التهذيب ١ : ١٦٢ ح ٤٦٥.

(٤) قاله العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٢٠٨.

(٥) الفقيه ١ : ٥٧ ، المقنع : ٩ ، الهداية : ١٨.

(٦) الناصريات : ٢٢٤ المسألة ٤٦.

(٧) الفقيه ١ : ٥٧ ح ٢١٢.

(٨) الكافي ٣ : ٦١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٦٠١ ، ٢١١ ح ٦١٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩٠.

٢٦٣

ابن أبي المقدام (١).

وكلام علي بن بابويه يعطي استيعاب الوجه (٢) ، وفي كلام الجعفي إشعار به ، للخبر السالف (٣). ولمضمر سماعة : « فمسح بهما وجهه وذراعيه الى المرفقين » (٤). وبرواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (٥). وبرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « ثم تنفضهما وتمسح وجهك ويديك » (٦).

وأجاب المرتضى والشيخ : بان المراد به الحكم لا الفعل (٧) ، وكأنّه إذا مسح الجبهة وظاهري الكف غسل الوجه والذراعين.

قال في المعتبر : وهو تأويل بعيد ، ثم أجاب بالطعن في السند ، وذكر الطعن في خبر ليث المرادي بأنّ راويه الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان ، وهو ضعيف (٨).

قلت : قد أوردنا غيره مما لا طعن فيه ، والذي في التهذيب عن ابن سنان ، ولعله عبد الله وهو ثقة. بل لو حمل ذلك على الاستحباب ، والباقي على الوجوب كان حسنا. وقد حكم بالتخيير في المعتبر (٩) وهو ظاهر ابن أبي عقيل (١٠).

وفي رواية عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المجنب‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٤.

(٢) مختلف الشيعة : ٥٠.

(٣) راجع : صفحة ٦٥٣ الهامش ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٨ ح ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٩ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٦.

(٦) التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٥.

(٧) التهذيب ١ : ٢٠٨ ، وحكاه عن المرتضى : المحقق في المعتبر ١ : ٣٨٦.

(٨) المعتبر ١ : ٣٨٦.

(٩) المعتبر ١ : ٣٨٦.

(١٠) المعتبر ١ : ٣٨٦ ، مختلف الشيعة : ٥٠.

٢٦٤

معه ما يكفيه للوضوء ، أيتوضأ به أو يتيمم؟ قال : « لا ، بل يتيمم ، الا ترى انما جعل عليه نصف الوضوء » (١). وفي رواية الحسين بن أبي العلاء عنه عليه‌السلام مثله ، الا انه قال : « جعل عليه نصف الطهور » (٢) فيمكن ان يفهم منهما عدم استيعاب الوجه والذراعين ، ويمكن ان يراد بهما سقوط مسح الرأس والرجلين.

فروع ثلاثة :

الأول : يجب ان يبدأ في مسح الجبهة بالأعلى إلى الأسفل. فلو نكس ، فالأقرب المنع ، اما لمساواة الوضوء ، واما تبعا للتيمم البياني.

الثاني : يجب المسح بالكفين معا. فلو مسح بأحدهما لم يجز ، لما قلناه ، وللاقتصار على المتيقن. واجتزأ ابن الجنيد باليد اليمنى ، لصدق المسح (٣) ويعارض بالشهرة.

الثالث : الأقرب : وجوب ملاقاة بطن الكفين للجبهة ، لما قلناه من البيان.

الواجب الخامس : مسح ظهر الكفين من الزند إلى أطراف الأصابع عند الأكثر ، لإفادة ( الباء ) التبعيض ، ومساواة المعطوف فيه للمعطوف عليه ، ولأنّ اليد حقيقة في ذلك وان كانت تقال على غيره فليقتصر على المتيقن ، وروى حماد بن عيسى عن بعض الأصحاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، انه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (٤) ، ثم قال : « وامسح على كفيك من حيث موضع القطع » (٥) ولما سبق.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ ح ٢١٣.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٤ ح ١٢٦٦.

(٣) مختلف الشيعة : ٥١.

(٤) سورة المائدة : ٣٨.

(٥) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٨٨.

٢٦٥

وابن بابويه كما حكيناه عنه لما احتج به. ويردّ : بعمل الأكثر ، وبالحمل على الجواز كما قاله في المعتبر (١).

ويجب تقديم اليمنى على اليسرى كما قاله الأصحاب ، ولأنّه بدل مما يجب فيه التقديم.

ونقل ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ عن بعض الأصحاب ان المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رءوسها (٢) ، ولعل هذا القائل اعتبر رواية القطع فإنه مخصوص بذلك عند الأصحاب ، وفي كلام الجعفي ما يوهم هذا القول.

قلنا : معارض بما رواه في التهذيب صحيحا عن داود بن النعمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قضية عمار : « فمسح وجهه [ ويديه ] فوق الكف قليلا » (٣) وعليه الأكثر ، وربما فهم وجوب تجاوز الرّسغ بعض الأصحاب (٤).

وتؤوّل « قليلا » بأنّه لا يجب إيصال الغبار الى جميع العضو وان وجب استيعابه بالمسح. أو يكون الراوي قد رأى الامام عليه‌السلام ماسحا من أصل الكف ، فتوهّم المسح من بعض الذراع. وهو تكلّف ، فإنّ الأصحاب لما أوجبوا المسح من الزند أوجبوا إدخاله ، وذلك يستلزم المسح فوق الكف بقليل صريحا.

ويجب البدأة بالزند الى آخر اليد ، فلو نكس بطل كما قلناه في الوجه.

ويجب إمرار البطن أيضا على الظهر. نعم ، لو تعذّر المسح بالبطن ، لعارض من نجاسة أو غيرها ، فالأقرب : الاجتزاء بالظهر في المسحين ، لصدق المسح.

ولو كان له يد زائدة فكما سلف في الوضوء. ولو مسح باليد الزائدة التي لا يجب مسحها ، فالأقرب : عدم الإجزاء. اما لو مسح بغير اليد ـ كالآلة ـ لم يجز قطعا. ولو قطع من الزند ، فالظاهر : عدم وجوب مسح الرّسغ ، لأنّه غير محل‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٨٧.

(٢) السرائر : ٢٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩١ ، ومنهما ما أثبتناه بين المعقوفين.

(٤) انظر : الفقيه ١ : ٥٧ ذيل الحديث ٢١٢ ، المقنع : ٩.

٢٦٦

الوجوب.

الواجب السادس : الترتيب‌ ـ كما ذكرناه ـ بين الضرب فالجبهة فاليدين ، لتصريح الأخبار به والأصحاب ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

قال في التذكرة : ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم‌السلام (١). وفي الخلاف احتج عليه بما دلّ على ترتيب الوضوء وبالاحتياط (٢).

فلو أخلّ به استدرك ما يحصل معه الترتيب.

الواجب السابع : الموالاة ، ذكره الأصحاب. ويتوجّه على القول بالتضيق وعلى غيره ، لتعقب إرادة القيام إلى الصلاة به ، والإتيان بالفاء في : « فتيمموا » ، « فامسحوا » وهي دالة على التعقيب بالوضع اللغوي ، ولأنّ التيمم البياني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته توبع فيه فيجب التأسّي.

وفي المعتبر نقل عن الشيخ وجوب الموالاة ، واحتج له بالبناء على آخر الوقت (٣).

ولو أخل بها بما لا يعدّ تفريقا لم يضر ، لعسر الانفكاك منه. وان طال الفصل أمكن البطلان ، وفاء لحق الواجب. ويحتمل الصحة وان أثم ، لصدق التيمم مع عدمها.

الواجب الثامن : يشترط طهارة مواضع المسح من النجاسة ، لأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا ، ولمساواته أعضاء الطهارة المائية. نعم ، لو تعذرت الإزالة ولم تكن النجاسة حائلة ولا متعدية ، فالأقرب : جواز التيمم ، دفعا للحرج ، وعموم شرعيته ، ولأنّ الأصحاب نصوا على جواز تيمم الجريح مع تعذّر الماء.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٦.

(٢) الخلاف ١ : ١٣٨ المسألة ٨٢.

(٣) المعتبر ١ : ٣٩٤ ، ولاحظ : الخلاف ١ : ١٣٨ المسألة ٨٣.

٢٦٧

أمّا غير الأعضاء ، فهل يشترط خلوها من النجاسة؟ فيه وجهان حكاهما في المعتبر :

أحدهما : نعم ، نقله عن النهاية في قوله بناء على تضيق الوقت.

الثاني : لا ـ ونسبه الى الخلاف ـ كالوضوء (١).

والذي في النهاية والمبسوط : وجوب تقديم الاستنجاء على التيمم ولو بالتنشيف بالخرق وغيرها وان كان مخرج البول أو المني (٢) ، يعني : مع تعذر الماء ، ولم يذكر شرطيته في صحة التيمم.

وفي الخلاف : يجوز تقديم التيمم (٣). ولعله أراد به اجزاءه لو قدمه ، ولهذا احتج بأن الأمرين واجبان فكيف وقعا تحقق الامتثال.

قال : وكل ظاهر يتضمن الأمر بالوضوء والاستنجاء يدل على ذلك (٤).

قلت : هذا أقوى ، وما ذكره في تضيق الوقت مسلم ، لكن الاستنجاء وازالة النجاسة من مقدمات الصلاة فلا بد لهما من وقت مضروب ، وكما لا يجب تحصيل القبلة والساتر قبل التيمم فكذا هنا.

هذا كله مع إمكان الإزالة ، اما مع تعذره فلا إشكال في الجواز. وعلى ما نقلناه عن الشيخ ليس في كلامه اختلاف صريح ، مع ان المفيد ـ رحمه‌الله ـ ذكر أيضا تقديم الاستنجاء على التيمم (٥) وكذا ذكر ابن البراج (٦) وما هو الا كذكر تقديم الاستنجاء على الوضوء ، مع انه لو قدم الوضوء كان صحيحا معتدا به في الأظهر من المذهب.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٤.

(٢) النهاية : ٥٠ ، المبسوط ١ : ٣٤.

(٣) الخلاف ١ : ٩٨ المسألة ٤٥.

(٤) الخلاف ١ : ٩٩ المسألة ٤٥.

(٥) المقنعة : ٨.

(٦) المهذب ١ : ٤٨.

٢٦٨

الواجب التاسع : المباشرة بنفسه ، لقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) (١) والأمر حقيقة في طلب الفعل من المأمور.

ويجوز عند الضرورة الاستنابة في الأفعال لا في النية. وهل يضرب المعين بيدي نفسه أو بيدي المؤمّم؟

قال ابن الجنيد : يضرب الصحيح بيديه ، ثم يضرب بهما يدي العليل. ولم نقف على مأخذه ، والأقرب : أنه يضرب بيدي العليل إن أمكن والا فبيدي نفسه ، ولا يحتاج الى ان يضرب بهما يدي العليل.

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

٢٦٩

البحث الثاني : في مستحباته.

وهي تسعة :

الأول : السواك ، اما لأجل الصلاة ، أو لأجل التيمم الذي هو بدل مما يستحب فيه السواك.

الثاني : الأقرب : استحباب التسمية‌ كما في المبدل منه ، لعموم البدأة باسم الله أمام كل أمر ذي بال ، وأوجبها الظاهرية.

الثالث : قصد الرّبى والعوالي ، وقد مر.

الرابع : تفريج الأصابع عند الضرب ، نص عليه الأصحاب (١) لتتمكن اليد من الصعيد. ولا يستحب تخليلها في المسح ، للأصل.

الخامس : نفض اليدين ، لما مر ، ولما فيه من إزالة تشويه الخلقة ، وقال الشيخ : ينفضهما ويمسح إحداهما بالأخرى (٢).

السادس : استيعاب الأعضاء بالمسح‌ كما تقدم ، ولكنه غير مشهور في العمل فتركه أولى.

السابع : مسح الأقطع الباقي ، ذكره في المبسوط بهذه العبارة : وإذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم ، ويستحب ان يمسح ما بقي (٣). مع إمكان حمل ( ما بقي ) على الجبهة ، وفيه إشكال ، إذ الأقرب : وجوب مسحها ، لأنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٤). فلا يتم هذا التفسير ، ولا قوله : بسقوط فرض التيمم ، الا ان يريد فرض التيمم بالنسبة إلى الذراعين ، ونحوه قال‌

__________________

(١) راجع : النهاية : ٤٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٠٤.

(٢) المبسوط ١ : ٣٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣.

(٤) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

٢٧٠

في الخلاف (١).

الثامن : أن لا يكرر المسح ، لما فيه من التشويه ، ومن ثم لم يستحب تجديده لصلاة واحدة.

التاسع : الأقرب استحباب أن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل مسحه ، لما فيه من المبالغة في الموالاة. ويمكن تقدير لموالاة بزمان جفاف الماء لو كان وضوءا ، فيستحب نقص زمان التيمم عن ذلك ، ولو بلغه فالأقرب : البطلان.

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧ المسألة ٨٤.

٢٧١

البحث الثالث : في أحكامه‌

وهي تسع مسائل :

الأولى : يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة المائية ، من صلاة وطواف واجبين أو ندبين ، ودخول مسجد ولو كان الكعبة ، وقراءة عزيمة ، وغير ذلك من واجب ومستحب ، قاله الشيخ ـ في المبسوط والخلاف بعبارة تشمل ذلك (١) ـ والفاضلان (٢) لقوله تعالى ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (٣).

ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وطهورا » (٤).

ولقوله لأبي ذر : « يكفيك الصعيد عشر سنين » (٥).

ولرواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٦).

الثانية : يستباح بالتيمم ما لم ينتقض بحدث أو وجود الماء ، عند علمائنا أجمع ، سواء خرج الوقت أولا ، وسواء كانت التالية فريضة أو نافلة ، لما قلناه.

وروي عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أيصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال : « نعم ، ما لم يحدث أو يصب ماء » (٧) ، ومثله روى السكوني عن الصادق عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٤ ، الخلاف ١ : ١٣٨ ، المسألة ٨٤.

(٢) المعتبر ١ : ٣٩١ ، نهاية الإحكام ١ : ٢١٢.

(٣) سورة المائدة : ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٥ ح ٧٢٤ ، أمالي الصدوق : ١٧٩ مسند أحمد ٥ : ١٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ ح ٥٦٧ ، سنن النسائي ١ : ٢١٠.

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٩ ح ٥٧٨.

(٦) الكافي ٣ : ٦٦ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ ح ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ ح ١٢٦٤.

(٧) الكافي ٣ : ٦٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٤ ح ٥٧٠.

(٨) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٧.

٢٧٢

وعن حماد بن عثمان عنه عليه‌السلام ، أيتيمم لكل صلاة؟ قال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (١).

وأمّا رواية أبي همام عن الرضا عليه‌السلام : « يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء » (٢). ورواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه قال : « لا تستبح بالتيمم أكثر من صلاة واحدة » (٣) فمحمولان على التقية أو على الندب ، قال الشيخ : أو على رؤية الماء بين الصلاتين ، وبانّ أبا همام تارة يرويها عن الرضا عليه‌السلام ، وتارة بإسناده إلى السكوني ، وهو اضطراب يضعف الخبر ، ولأنّ السكوني روى خلاف هذا (٤) كما ذكرناه.

الثالثة : لا إعادة فيما صلى بالتيمم المشروع ،

لأنّ امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء ، ولما مر في المسألة السالفة ، ولقول أبي الحسن عليه‌السلام فيما رواه عنه عبد الله بن سنان : « قد أجزأته صلاته » (٥).

واستثني من ذلك مواضع :

أحدها : من صبّ الماء في الوقت ، وقد سلف.

وثانيها : من تيمم في أوّل الوقت ـ إذا قلنا به ـ ثم وجد الماء في الوقت ، فأوجب ابن الجنيد وابن أبي عقيل الإعادة (٦) ، لرواية يعقوب بن يقطين السالفة (٧).

لنا : ما روي عن أبي سعيد الخدري ، أن رجلين تيمما فوجدا الماء وصليا في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٤ ح ٥٦٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠١.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٣ ح ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ح ٥٤٩ ، ١٦١ ح ٥٥٨ ، عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٦) مختلف الشيعة : ٥٤.

(٧) تقدّمت في ص ٢٥٥ الهامش ٣.

٢٧٣

الوقت ، فأعاد أحدهما ، وسألا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لمن لم يعد : « أصبت السنة ، وأجزأتك صلاتك » ، وللآخر : « لك الأجر مرتين » (١).

ورواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. الى قوله : ثمّ أتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت ، أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال : « يمضي على صلاته ، فان رب الماء رب التراب » (٢).

والجواب عن خبر ابن يقطين : بحمل الإعادة على بطلان التيمم مع سعة الوقت ، وحمل عدم الإعادة على كون التيمم وقع آخر الوقت. هكذا أجاب الفاضل (٣) وفيه نوع من التحكّم ، والحمل على الاستحباب حسن كما دل عليه الخبر النبوي.

وثالثها : إعادة متعمّد الجنابة.

ورابعها : ذو الثوب النجس.

وخامسها : الممنوع بزحام الجمعة وعرفة.

وسادسها : إعادة ما صلاه بالتيمم في الحضر ، وقد سلفت في الفصل الثاني.

الرابعة : الردة لا تبطل التيمم ، فلو عاد إلى الإسلام صلّى به ، للاستصحاب ، ولعدم ثبوت كونه ناقضا.

وكذا لا يبطله نزع العمامة والخف ، ولا بظن الماء أو شكّه ، عملا بأصالة البقاء ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : « الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج ، فإذا وجده فليمسه بشرته » (٤) ، علّق ذلك على الوجود‌

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٢٣٠ ح ٨٩٠ ، سنن الدارمي ١ : ١٩٠ ، سنن أبي داود ١ : ٩٣ ح ٣٣٨ ، سنن النسائي ١ : ٢١٣ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ١٧٨.

(٢) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢٠ ، التهذيب ١ : ١٩٥ ح ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ح ٥٥٤.

(٣) مختلف الشيعة : ٥٤.

(٤) مسند أحمد ٥ : ١٥٥ ، ١٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ٩١ ح ٣٣٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٢١٢ ح ١٢٤ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ : ٣٠٢ ح ١٣٠٨ ،

٢٧٤

والظنّ لا يحصّله ، ووجوب الطلب عند الظن أو الشك لا يلزم منه الانتقاض ، ولا يكفي في الانتقاض وجود الماء إذا لم يتمكن من استعماله لأنّه كلا وجود.

الخامسة : إذا وجد المتيمم الماء وتمكّن من استعماله ، ففيه صور :

أحديها : ان يجده قبل الصلاة ، فينتقض تيممه إجماعا ويجب استعمال الماء ، فلو فقده بعد أعاد التيمم.

الثانية : ان يجده بعد الصلاة ، وقد سلف.

الثالثة : ان يجده في أثناء الصلاة ، والروايات فيه مختلفة.

إحداها : رواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في المتيمم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : « يمضي في الصلاة » (١). وعليها المفيد (٢) والشيخ في أحد قوليه (٣) والمرتضى في مسائل الخلاف (٤) وابن البراج (٥) وابن إدريس (٦) والفاضلان (٧).

واجتزءوا بتكبيرة الإحرام ، حتى قال في الخلاف : لأصحابنا فيه روايتان : إحداها ـ وهي الأظهر ـ : أنّه إذا كبر تكبيرة الإحرام مضى في صلاته (٨) فكأنه جعل حين يدخل مبدأ الدخول.

ويؤيّدها ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٩) والاستصحاب.

__________________

المستدرك على الصحيحين ١ : ١٧٦.

(١) التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٥.

(٢) المقنعة : ٨.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣.

(٤) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة : ٥١.

(٥) المهذب ١ : ٤٨.

(٦) السرائر : ٢٧.

(٧) المعتبر ١ : ٤٠٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٢١٠.

(٨) الخلاف ١ : ١٤١ المسألة ٨٩.

(٩) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٣٣.

٢٧٥

وثانيتها : رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فيمن صلّى بتيمم ركعة (١) فأصاب الماء ، قال : « يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم » (٢) ، وفي الرواية : إذا كان قد صلى ركعتين ثم وجد الماء لم يقطعها (٣).

وابن الجنيد يقرب كلامه من هذه في بعض الأحكام ، حيث قال : وإذا وجد المتيمم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية ، فإن ركعها مضى في صلاته. فان وجده بعد الركعة الاولى ، وخاف من ضيق الوقت ان يخرج ان قطع ، رجوت أن يجزئه ان لا يقطع صلاته ، فاما قبله فلا بدّ من قطعها مع وجود الماء (٤).

وثالثتها : رواية عبد الله بن عاصم ـ رواها في التهذيب بثلاث طرق عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في الرجل يتيمم ويقوم في الصلاة فيجد الماء : « إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وان كان قد ركع فليمض » (٥). وعليها عمل : ابن أبي عقيل (٦) والجعفي ، والصدوق (٧) والمرتضى في القول الآخر (٨).

والشيخ في النهاية وفي التهذيب قيّد الرجوع قبل الركوع بسعة الوقت للوضوء والصلاة إذا انصرف ، لأنّه يكون قد تيمم قبل آخر الوقت (٩). وهو بعيد ،

__________________

(١) في المصادر بزيادة : ( وأحدث ) وستأتي الإشارة إليها في المسألة السادسة.

(٢) الفقيه ١ : ٥٨ ذيل ح ٢١٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٥ ذيل ح ٥٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ ذيل ح ٥٨٠.

(٣) وهي رواية عمر بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وهي صدر الرواية المتقدمة.

(٤) مختلف الشيعة : ٥١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٤ ح ٥٩١ ـ ٥٩٣ ، وفي الكافي ٣ : ٦٤ ح ٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٦ ـ ٥٧٨.

(٦) مختلف الشيعة : ٥١.

(٧) الفقيه ١ : ٥٨.

(٨) جمل العلم والعمل ٣ : ٢٦.

(٩) النهاية : ٤٨ ، التهذيب ١ : ٢٠٣.

٢٧٦

لأنّه لو كان المقتضي للإعادة تيممه مع سعة الوقت لم يفرق الامام بين الراكع وغيره من غير استفصال.

قال في المعتبر : رواية ابن حمران أرجح من وجوه :

منها : انّه أشهر في العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدّم.

ومنها : انّها أخفّ وأيسر واليسر مراد لله تعالى.

ومنها : أنّ مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد الله بالتنزيل على الاستحباب ، ولو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل (١).

قلت : ويؤيدها ما سلف ، وظاهر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلا ينصرف أحدكم من الصلاة ، حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا » (٢).

وفي التذكرة ـ بعد ذكر نقض هذه ـ أجاب عن رواية ابن عاصم : بان المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان ، وبقوله : « ما لم يركع » ما لم يتلبس بالصلاة ، وبقوله : « وان كان قد ركع » دخوله عليها ، إطلاقا لاسم الجزء على الكل (٣).

وهذا الحمل شديد المخالفة للظاهر ، مع انّ لمانع ان يمنع تعارض الروايتين ، إذ المطلق يحمل على المقيد ، ورواية محمد بن حمران مطلقة ، فتحمل على ما إذا ركع. وليس في قوله : حتى يدخل ، تصريح بأول وقت الدخول حتى يتعارضا ، وحينئذ لا يحتاج إلى الترجيح بما ذكر.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٠٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٧٦ ح ٣٦٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧١ ح ٥١٤ ، الجامع الصحيح ١ : ١٠٩ ح ٧٥ ، سنن النسائي ١ : ٩٨.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٥.

والظاهر ان العلامة أجاب عن رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام الشبيهة برواية ابن عاصم ، وهي في الكافي ٣ : ٦٣ ح ٤ ، ولفظها : .. قلت : فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال : « فلينصرف وليتوضأ .. » وتمامها كما في رواية ابن عاصم بزيادة : « فإن التيمم أحد الطهورين ».

٢٧٧

وقال سلار : يرجع ما لم يقرأ (١). كأنّه اعتبر مسمى الصلاة الذي يحصل بهذا القدر ، أو اعتبر أكثر الأركان وهو : القيام والنيّة والتكبير ، وأكبر الأفعال وهي : القراءة.

ولابن حمزة في الواسطة قول غريب ، وهو : أنه إذا وجد الماء بعد الشروع ، وغلب ظنه على أنّه ان قطعها وتطهر بالماء لم تفته الصلاة ، وجب عليه قطعها والتطهر بالماء ، وان لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر ، وقيل : قطع ما لم يركع ، وهو محمول على الاستحباب. فاشتمل على وجوب القطع على الإطلاق مع سعة الوقت ، ولا أعلم به قائلا منا الا ما نقلناه عن ابن أبي عقيل ، واختاره ابن الجنيد (٢) فإنه قريب من هذا ، الا ان حكم ابن حمزة باستحباب القطع والفرض ضيق الوقت مشكل.

فروع :

الأول : إذا حكمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء : اما لكونه قد تجاوز محل القطع ، أو قلنا بالاكتفاء بالشروع ، فهل يعيد التيمم لو فقد الماء بعد الصلاة؟

ظاهر المبسوط نعم ، حيث قال : ان فقده استأنف التيمم لما يستأنف من الصلاة ، لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة ، وهو الأحوط (٣).

والفاضل : مال إليه تارة ، لأنه تمكن عقلا من استعمال الماء ، ومنع الشرع من إبطال الصلاة لا يخرجه عن التمكن ، فان التمكن صفة حقيقية لا تتغير بالأمر الشرعي أو النهي ، والحكم معلق على التمكن.

واعرض عنه اخرى بالمنع الشرعي من قطع الصلاة والحكم بصحتها ، ولو انتقض لبطلت (٤).

وكذا قال الشيخ : لو كان في نافلة ثم وجد الماء (٥).

__________________

(١) المراسم : ٥٤.

(٢) مختلف الشيعة : ٥٤ ، المعتبر ١ : ٤٠٠.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣.

(٤) مختلف الشيعة : ٥٤.

(٥) المبسوط ١ : ٣٣.

٢٧٨

وربما كان هذا لعدم تحريم قطع النافلة فليس لها حرمة الفريضة ، والشيخ حكم بصحة النافلة والتيمم بعدها.

وفرّع بعضهم على قول الشيخ : انه لا يجوز العدول إلى فائتة سابقة ، لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كلّ صلاة غير هذه (١).

والأقرب : الجزم بعدم انتقاضة في صورتي الفريضة أو النافلة. اما بالنسبة إلى ما هو فيها فظاهر ، لأنا بنينا على إتمام الصلاة. واما بالنسبة إلى غيرها ، فلاستصحاب الحكم بصحة التيمم إلى الفراغ ، وعند الفراغ لا تمكّن من استعمال الماء ـ لأنه المقدر ـ فنقول : هذا تيمم صحيح ، وكل تيمم صحيح لا ينقضه الا الحدث ، أو التمكن من استعمال الماء ، والمقدمتان ظاهرتان ، وهو مختار المعتبر (٢).

واما قضية العدول فأبلغ في الصحة ، لأن العدول ان كان واجبا فالمعدول اليه بدل مما هو فيها بجعل الشرع ، فكيف يحكم ببطلانها؟ وان كان مستحبا ـ كمن عدل عن الحاضرة إلى الفائتة عند من لم يقل بالترتيب بين الفوائت والحاضرة ـ فهو أيضا انتقال الى واجب من واجب ، غايته ان الانتقال غير متعين وان كان واجبا مخيرا. وبالجملة المحكوم عليه بالصحة هو نوع الصلاة التي شرع فيها لا هذا الشخص بعينه ، والشيخ انما قال في حق الصلوات المستقبلة.

الفرع الثاني : حيث قلنا لا يرجع فهو للتحريم ، للنهي عن إبطال العمل ، ولحرمة الصلاة فلا يجوز انتهاكها.

وتفرد الفاضل بجواز العدول الى النفل ، لأن فيه الجمع بين صيانة الفريضة عن الابطال ، وأداء الفريضة بأكمل الطهارتين (٣).

__________________

(١) تعرض إلى ذكر ذلك المدارك ٢ : ٢٤٨ والحدائق ٤ : ٣٨٥ والذخيرة : ١٠٩ ومن غير نسبة.

(٢) المعتبر ١ : ٤٠١.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٥.

٢٧٩

والأصح المنع ، لأن العدول الى النفل إبطال للعمل قطعا ، فيحافظ على حرمة الفريضة. والحمل على ناسي الأذان والجمعة (١) قياس باطل. ولأنه لو جاز العدول الى النفل لجاز الابطال بغير واسطة ، وهو لا يقول به. ولو ضاق الوقت حرم ذلك قطعا.

الفرع الثالث : لو كان في صلاة غير مغنية عن القضاء ـ كبعض الصور السالفة عند من أوجب القضاء ، وكمن ترك شراء الماء لغلائه ـ فإنه يتيمم ويصلي ثم يقضي عند ابن الجنيد (٢) ـ فالأجود البطلان ، لوجوب الإعادة بوجود الماء بعد الفراغ ، ففي أثناء الصلاة أولى. ويمكن المنع ، لعموم النهي عن الابطال ، والمحافظة على حرمة الصلاة.

المسألة السادسة : لو أحدث المتيمم في الصلاة ووجد الماء ، قال المفيد : ان كان الحدث عمدا أعاد ، وان كان نسيانا تطهر وبنى (٣). وتبعه الشيخ في النهاية (٤) وابن حمزة في الواسطة.

وابن أبي عقيل حكم بالبناء في المتيمم ولم يشرط النسيان في الحدث (٥) ـ وشرطوا عدم تعمد الكلام ، وعدم استدبار القبلة ، وعولوا على صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت له : رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء ، قال : « يخرج ويتوضأ ، ثم يبني على ما بقي من صلاته التي صلى بالتيمم » (٦).

وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام القطع والبناء إذا وجد الماء ولم‌

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) المعتبر ١ : ٣٦٩.

(٣) المقنعة : ٨.

(٤) النهاية : ٤٨.

(٥) مختلف الشيعة : ٥٣.

(٦) التهذيب ١ : ٢٠٤ ح ٥٩٤ ، وفيه : « على ما مضى ».

٢٨٠