ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

وفي خبر حفص بن البختري ، وابن أبي عمير عن غير واحد ، عن الصادق عليه‌السلام : « يشقّ الكفن من عند رأسه » (١). قال في المعتبر : هذا مخالف لما عليه الأصحاب ، ولأنّ فيه إفسادا للمال على وجه لم يتحقّق شرعه ، والصّواب : الاقتصار على حلّ عقده (٢).

قلت : يمكن أن يراد بالشقّ : الفتح ، ليبدو وجهه فان الكفن كان منضمّا ، فلا مخالفة ولا إفساد.

السادسة : يستحبّ وضع التربة معه ، قاله الشيخان (٣) ولم نعلم مأخذه ، والتبرّك بها كاف في ذلك.

والأحسن جعلها تحت خدّه ، كما قاله المفيد في المقنعة (٤). وفي العزيّة : في وجهه ، وكذا في اقتصاد الشيخ (٥). وقيل : تلقاء وجهه (٦) وقيل : في الكفن. وفي المختلف : الكل جائز (٧).

وقد نقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لفاحشة كانت تصنع ، فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها فاستقرت ، قال الشيخ نجيب الدين يحيى ابن سعيد في درسه : يصلح أن يكون هذا متمسكا. ونقل الفاضل أنّها كانت تزني وتحرق أولادها ، وإنّ أمها أخبرت الصادق عليه‌السلام ، فقال : « إنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٦ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ح ٩٢١ ، ٤٥٨ ح ١٤٩٣.

(٢) المعتبر ١ : ٣٠١.

(٣) المبسوط ١ : ١٨٦ ، وعن المفيد في السرائر : ٣٣ ، مختلف الشيعة : ١٢١.

(٤) قال في مفتاح الكرامة ـ بعد نقله ما في المقنعة عن الذكرى ـ ١ : ٤٩٨ : ولم أجده فيها ، ويؤيد عدم وجوده اني لم أجد أحدا سواه نسبه إليها ، وفي السرائر : ٣٣ ، والمعتبر ١ : ٣٠١ نسباه إلى المفيد من دون ذكر المقنعة.

(٥) الاقتصاد : ٢٥٠.

(٦) نسبه في السرائر : ٣٣ إلى الشيخ الطوسي.

(٧) مختلف الشيعة : ١٢١.

٢١

فاستقرّت » (١).

السابعة : ينبغي تشريج اللّحد ، أي : تنضيده باللبن وشبهه ، وإن سوّاه بالطّين كان ندبا ، لما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في قبر ابنه خللا فسوّاه بيده ، ثم قال : « إذا عمل أحدكم عملا فليتقن » (٢). وهو في رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام : « تضع الطين واللبن ، وتقول ما دمت تضعه : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك ، فإنّما رحمتك للظالمين » (٣).

قال الراوندي : عمل العارفين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس ، ثم يخرج من القبر ويقول : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، اللهم ارفع درجته في علّيين ، واخلف على أهله في الغابرين ، عندك نحتسبه يا ربّ العالمين (٤) ، وقد تقدّم هذا برواية أخرى (٥).

الثامنة : يستحبّ في المرأة نزول الزوج أو المحارم ، وفي الرجل : الأجانب ، لخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « قال علي عليه‌السلام : مضت السّنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حال حياتها » (٦).

وخبر عبد الله بن محمد بن خالد ، عن الصادق عليه‌السلام : « الوالد لا ينزل في قبر ولده ، والولد لا ينزل في قبر والده » (٧).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٣ ، منتهى المطلب ١ : ٤٦١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦٢ ح ٤٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٢.

(٤) الدعوات : ٢٦٦.

(٥) تقدم في ص ١٩ الهامش ١.

(٦) الكافي ٣ : ١٩٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ح ٩٤٨.

(٧) وكذا نقله المصنف في روض الجنان : ٣١٨ ، ولكن في التهذيب ١ : ٣٢٠ ح ٩٢٩ بلفظ : ( والولد ينزل ).

قال في مفتاح الكرامة ـ بعد ذكره لصيغة الرواية عند المصنف ـ ١ : ٤٩٥ : وفي التهذيب وكثير من

٢٢

ولا ينافيه خبر عبد الله العنبري عنه عليه‌السلام : « لا يدفن ابنه ، ولا بأس بدفن الابن أباه » (١) لأنّ المكروه لا بأس به ، وهو مشعر بأنّ الكراهة في جانب الأب الدافن أشدّ.

وعلّل الأصحاب كراهة نزول الرحم بالقسوة. وقد روى عبيد بن زرارة أنّ الصادق عليه‌السلام رأى والدا يطرح على ابنه التراب ، فأخذ بكفّيه وقال : « لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ». ثمّ قال : « أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام ، فإنّ ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربّه » (٢).

فرع :

الزوج أولى من المحرم بالمرأة ، لما تقدم في الصلاة. ولو تعذّر فامرأة صالحة ، ثم أجنبي صالح ، وإن كان شيخا فهو أولى ، قاله في التذكرة (٣). يدخل يده من قبل كتفيها ، وآخر يدخل يده تحت حقويها ، قاله ابن حمزة (٤).

التاسعة : يكره فرش القبر بساج أو غيره ، إلاّ لضرورة كنداوة القبر ، لمكاتبة علي بن بلال إليه : ربّما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية ، فنفرش القبر بالساج ، أو نطيّن عليه؟ فكتب : « ذلك جائز » (٥) والظاهر أنّه الإمام مع الاعتضاد بفتوى الأصحاب (٦).

__________________

كتب الاستدلال تركها ـ أي لفظة : لا ـ في الشق الأخير.

(١) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٣٢٠ ح ٩٣٠.

(٢) الكافي ١ : ١٩٩ ح ٥ ، علل الشرائع : ٣٠٤ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ح ٩٢٨.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٢.

(٤) الوسيلة : ٦٨.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٦ ح ١٤٨٨.

(٦) راجع : المبسوط ١ : ١٨٧ ، المهذب ١ : ٦٥ ، الوسيلة : ٦٩ ، المعتبر ١ : ٣٠٤ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٨٣.

٢٣

أمّا وضع الفرش عليه والمخدة فلا نصّ فيه. نعم ، روى ابن عبّاس من طريقهم أنّه جعل في قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطيفة حمراء (١). والترك أولى ، لأنّه إتلاف للمال فيتوقّف على اذن ، ولم يثبت.

وقال ابن الجنيد : لا بأس بالوطاء في القبر ، وإطباق اللحد بالساج.

العاشرة : اختلفت عبارة الأصحاب في تغشية القبر بثوب عند إنزال الميت.

ففي الخلاف : نعم ، محتجّا بالإجماع على جوازه ، والاحتياط على استعماله (٢) ولرواية جعفر بن كلاب عن الصادق عليه‌السلام : « يغشّى قبر المرأة بالثوب ، ولا يغشّى قبر الرجل » ، قال : « وقد مدّ على قبر سعد بن معاذ ثوب ، والنبي عليه‌السلام شاهد فلم ينكر ذلك » (٣). وهو يدل على أهمّية تغطية الثوب للمرأة وعلى إباحته للرجل ، ولما ذكر في خبر ابن أبي عمير السالف : حتى يمدّ الثوب على رأس من في القبر (٤). فإنّه كما يجوز حمله على الإمكان يجوز حمله على الوقوع ، ولأنّه أنسب بستر الميت لما يخشى من حدوث حادث فيه ، وأقلّه بدو شي‌ء ممّا ينبغي ستره عند حلّ العقد.

وقال المفيد ـ في أحكام النساء ـ وابن الجنيد : يجلّل قبر المرأة الى أن يغشى باللبن دون الرّجل (٥) لمناسبته للستر ، ولما روي أنّ عليا عليه‌السلام مرّ بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب ، فجذبه وقال : « إنّما يصنع هذا بالنساء » (٦) ، وهو الذي ارتضاه في المعتبر (٧).

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٢٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٦٥ ح ٩٦٧ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٦٥ ح ١٠٤٨ ، سنن النسائي ٤ : ٨١.

(٢) الخلاف ١ : ٧٢٨ المسألة : ٥٥٢.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦٤ ح ١٥١٩.

(٤) تقدم في ص ١٤ الهامش ٣.

(٥) حكاه عن المفيد ابن إدريس في السرائر : ٣٤ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ١٢١ عن بعض نسخ احكام النساء ، والنسخة التي تحت أيدينا خالية منه.

(٦) السنن الكبرى ٤ : ٥٤.

(٧) المعتبر ١ : ٣٣٥.

٢٤

وابن إدريس أنكر استحباب التغشية في الرّجل ، وأحال المرأة على ثبوت ذلك بنص (١).

قلنا : ما ذكر كاف في هذا المطلوب.

الحادية عشر : يستحبّ الخروج من قبل الرجلين ، لخبر عمار عن الصادق عليه‌السلام : « لكل شي‌ء باب ، وباب القبر ممّا يلي الرجلين » (٢). ومثله رواية الأصحاب عن جبير بن نفير الحضرمي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وروى السكوني عن الباقر عليه‌السلام عن أبيه : « من دخل القبر ، فلا يخرج منه إلاّ من قبل الرّجلين » (٤).

والظاهر انّ هذا النهي أو النفي للكراهية.

ووافق ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ في الرجل ، وقال في المرأة : يخرج من عند رأسها (٥) لإنزالها عرضا ، أو للبعد عن العورة ، والأحاديث مطلقة.

الثانية عشرة : يستحبّ إهالة الحاضرين عليه التراب بظهور الأكف ، لخبر محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام. وهو في جنازة فحثى التراب على القبر بظهور كفيه (٦).

وأقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعا ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك (٧) ، وفي خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : انه حثا على ميت ممّا‌

__________________

(١) السرائر : ٣٤.

(٢) التهذيب ١ : ٣١٦ ح ٩١٩.

(٣) التهذيب ١ : ٣١٦ ح ٩١٨.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٣ ح ٤ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي التهذيب ١ : ٣١٦ ح ٩١٧ عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام.

(٥) مختلف الشيعة : ١٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٣١٨ ح ٩٢٥ ، عن احمد بن محمد الأصبغ.

(٧) السنن الكبرى ٣ : ٤١٠.

٢٥

يلي رأسه ثلاثا بكفّيه (١).

وليدع بما دعا به الباقر عليه‌السلام ـ في هذه الرواية ـ باسطا كفّيه على القبر : « اللهم جاف الأرض عن جنبه ، وصعّد إليك روحه ، ولقّه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك » (٢).

أو يدعو بما رواه السكوني بسند الخبر الأول الى علي عليه‌السلام : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من حثا على ميت وقال : إيمانا بك ، وتصديقا بنبيّك ، هذا ما وعد الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه الله بكل ذرّة حسنة » (٣).

وليقولوا : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

قال الأصحاب : ولا يهيل ذو الرّحم (٤) لما مرّ.

ويرفع القبر عن الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات لا أكثر من ذلك ، قاله المفيد (٥). وابن زهرة خيّر بينها وبين شبر (٦).

وفي خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « ويلزق القبر بالأرض ، إلاّ قدر أربع أصابع مفرجات ، ويربّع قبره » (٧).

وفي خبر سماعة عن الصادق عليه‌السلام : « يرفع من الأرض قدر أربع أصابع مضمومة ، وينضح عليه الماء » (٨). وعليها ابن أبي عقيل.

وفي خبر حماد بن عثمان عنه عليه‌السلام : انّ أباه عليه‌السلام أمر أن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ح ٩٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ح ٩٢٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ح ٩٢٦.

(٤) راجع : المقنعة : ١٢ ، المبسوط ١ : ١٨٧ ، المعتبر ١ : ٣٠٠.

(٥) المقنعة : ١٢.

(٦) الغنية : ٥٠٢.

(٧) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٥ ح ٩١٦ ، ٤٥٨ ح ١٤٩٤.

(٨) الكافي ٣ : ١٩٩ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٠ ح ٩٣٢.

٢٦

يرفع قبره أربع أصابع ، وأن يرشّه بالماء (١).

وفي خبر عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : « أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات ، وذكر أنّ الرشّ بالماء حسن » (٢).

قلت : اختلاف الرواية دليل التخيير. وما رووه عن جابر : أنّ قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع قدر شبر (٣) ورويناه عن إبراهيم بن علي عن الصادق عليه‌السلام أيضا (٤) يقارب التفريج. ولما كان المقصود من رفع القبر أن يعرف ليزار ويحترم كان مسمّى الرفع كافيا ، وابن البراج : شبر أو أربع أصابع (٥).

ورشّ الماء عليه مستحب ، لما مر. وصورته ما رواه موسى بن أكيل ـ بضم الهمزة وفتح الكاف ـ عن الصادق عليه‌السلام : « السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى الرجلين ، ثمّ تدور على القبر من الجانب الآخر ، ثمّ ترشّ على وسط القبر » (٦). وليكن متصلا الى أن يرجع الى الرأس ، قاله الصّدوق (٧).

الثالثة عشرة : يستحبّ تربيع القبر ، لما سلف من خبر محمد بن مسلم (٨). وليكن مسطّحا بإجماعنا ـ نقله الشيخ (٩) ـ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم (١٠) وقال القاسم بن محمد : رأيت قبر النبي ( صلّى الله عليه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٠ ح ٩٣٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢١ ح ٩٣٤.

(٣) السنن الكبرى ٣ : ٤١٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤٩٦ ح ١٥٣٨.

(٥) المهذب ١ : ٦٣.

(٦) التهذيب ١ : ٣٢٠ ح ٩٣١.

(٧) الفقيه ١ : ١٠٩ ، الهداية : ٢٨.

(٨) تقدم في ص ٢٦ الهامش ٧.

(٩) الخلاف ١ : ٧٠٦ المسألة : ٥٠٥.

(١٠) الام ١ : ٢٧٣ ، مختصر المزني : ٣٧ ، الخلاف ١ : ٧٠٦ ، المعتبر ١ : ٣٠٢.

٢٧

وآله ) والقبرين عنده مسطّحة لا مشرفة ، ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء (١) ولأنّ التربيع يدلّ على التسطيح ، ولأنّ قبور المهاجرين والأنصار بالمدينة مسطحة وهو يدلّ على أنّه أمر متعارف.

واحتجّ الشيخ أيضا في الخلاف بما رواه أبو الهياج ، قال قال علي عليه‌السلام : « أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ترى قبرا مشرفا إلاّ سوّيته ، ولا تمثالا إلاّ طمسته » (٢) وفيه أيضا دلالة على عدم رفعه كثيرا. وفي خبر زرارة وجابر عن الباقر عليه‌السلام : « وسوّي قبره » (٣). « وسوّي عليه » (٤) دليل على التسطيح.

الرابعة عشرة : لا يطرح في القبر من غير ترابه ، ونقل فيه في التذكرة الإجماع (٥) لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزاد في القبر على حفيرته ، وقال : « لا يجعل في القبر من التراب أكثر ممّا خرج منه » رواه عقبة بن عامر (٦) رويناه عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه » (٧).

وفي الفقيه : قال الصادق عليه‌السلام : « كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر ، فهو ثقل على الميت » (٨).

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ٢١٥ ح ٣٢٢٠ ، مسند أبي يعلى ٨ : ٥٣ ح ٤٥٧١ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٦٩ ، السنن الكبرى ٤ : ٣.

(٢) الخلاف ١ : ٧٠٧ المسألة : ٥٠٥.

والرواية في : صحيح مسلم ٢ : ٦٦٦ ح ٩٦٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٥ ح ٣٢١٨ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٦٦ ح ١٠٤٩ ، السنن الكبرى ٤ : ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤٥٩ ح ١٤٩٦.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٣.

(٦) السنن الكبرى ٣ : ٤١٠.

(٧) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ح ١٥٠٠.

(٨) الفقيه ١ : ١٢٠ ح ٥٧٦.

٢٨

وابن الجنيد : لا يزاد من غير ترابه وقت الدفن ، ولا بأس بذلك بعد الدفن.

وعن السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « لا تطيّنوا القبر من غير طينه » (١).

ويستحبّ كثرة الدعاء له والاستغفار في كلّ حال ، ويسأل الله تثبيته عند الفراغ من دفنه.

الخامسة عشرة : يستحبّ أن يوضع عند رأسه حجر أو خشبة علامة ، ليزار ويترحّم عليه ، كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أمر رجلا بحمل صخرة ليعلم بها قبر عثمان بن مظعون ، فعجز الرجل فحسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذراعيه ، فوضعها عند رأسه ، وقال : « اعلم بها قبر أخي ، وأدفن اليه من مات من أهله » (٢).

وروينا عن يونس بن يعقوب ، قال : لما رجع الكاظم عليه‌السلام من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد (٣) فأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر (٤).

وقال ابن الجنيد : لا بأس أن يوضع عليه الحصا والصندوق والعلامة.

وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « لا يصلح البناء على القبر ، ولا الجلوس ، ولا تجصيصه ، ولا تطيينه » (٥).

فيمكن الجمع بحمل المطلق هنا على المقيّد في خبر السكوني ، وحمل التجصيص المكروه على ما كان بعد اندراسه لا ما وقع ابتداء ، كما قاله الشيخ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ح ١٤٩٩.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٢١٢ ح ٣٢٠٦ ، السنن الكبرى ٣ : ٤١٢.

(٣) فيد : بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ، معجم البلدان ١ : ٢٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠١ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٧.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٧.

٢٩

ـ رحمه‌الله ـ (١).

وفي المعتبر قوى الكراهية مطلقا ، وحمل خبر يونس على الجواز (٢).

وروى العامة : « ان الميت لا يزال يسمع الأذان ما لم يطيّن قبره » (٣) وفيه دلالة على إباحة الكتابة على القبر ، وقد روي فيه نهي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق العامة (٤) ولو صحّ حمل على الكراهة لأنّه من زينة الدنيا.

السادسة عشرة : يستحب وضع الحصباء عليه ، لما مرّ ، ولما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله بقبر إبراهيم ولده (٥) ولخبر ابان عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محصب حصباء حمراء » (٦).

السابعة عشرة : يستحب ما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « فإذا حثي عليه التراب وسوّي قبره ، فضع كفك على قبره عند رأسه ، وفرّج أصابعك ، واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء » (٧) وليقل ما مرّ في خبر محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام (٨).

وقال الصدوق : متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة (٩) وعلى ذلك عمل الأصحاب‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٧.

(٢) المعتبر ١ : ٣٠٥.

(٣) الفردوس بمأثور الخطاب ٥ : ٩٨ ح ٧٥٨٧ ، الدعوات للراوندي : ٢٧٦ ح ٧٩٧.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٨ ح ١٥٦٣ ، سنن النسائي ٤ : ٨٦ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٧٠.

(٥) السنن الكبرى ٣ : ٤١١.

(٦) الكافي ٣ : ٢٠١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٢.

(٧) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٠.

(٨) تقدم في ص ٢٦ الهامش ٢.

(٩) الهداية : ٢٨. لم نعثر عليه في كتبه ما عدا الهداية ، وفيها : « من يزور القبر يستقبل القبلة ».

٣٠

وقد روى إسحاق بن عمار ، قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : انّ أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميت ، لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر ، أفسنّة ذلك أم بدعة؟ فقال : « ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه » (١) وبسند آخر عن محمد بن إسحاق عن الصادق عليه‌السلام : « إنّما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه ، فامّا من أدرك الصلاة فلا » (٢).

وروى زرارة ـ في الحسن ـ عن الباقر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين ، كان إذا صلّى على الهاشمي ونضح قبره بالماء ، وضع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين ، فكان الغريب يقدم أو المسافر فيرى القبر الجديد عليه أثر كفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول : من مات من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

وليس في هاتين مخالفة للأول ، لأنّ الوجوب على من لم يحضر الصلاة لا ينافي الاستحباب لغيره ، والمراد به انّه يستحبّ مؤكدا لغير الحاضر للصلاة ، ولهذا لم يذكر الوجوب في الخبر الآخر ، فهو وان كان مستحبا للحاضر لكنه غير مؤكد ، وإخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجّة في نفسه ، وتقرير الإمام عليه يؤكّده ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة فليتأس به ، وتخصيص بني هاشم لكرامتهم عليه.

وقد روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده الى الأرض فوضعها عليه وهو مقابل القبلة (٤) وهذا يشمل حالة الدفن وغيره.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٢ ح ١٥٠٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦٧ ح ١٥٣٢ ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٠ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ح ١٤٩٨.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦٢ ح ١٥٠٨.

٣١

الثامنة عشرة : أجمع الأصحاب على تلقين الولي أو من يأمره الميت (١) بعد انصراف الناس عنه. وقد رواه العامة عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إذا مات أحدكم وسوّيتم عليه التراب ، فليقم أحدكم عند رأس قبره ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يسمع ولا يجيب. ثم يقول : يا فلان بن فلانة ، فيستوي قاعدا فإنّه يقول : أرشدنا يرحمك الله. فيقول : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلاّ الله ، وانّ محمدا عبده ورسوله ، وانك رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما ، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ، فيقول : انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقّن حجّته » : قال يا رسول الله : فان لم نعرف اسم امّه؟ قال : « انسبه الى حواء » (٢).

وروينا عن يحيى بن عبد الله ـ بعدّة طرق ـ قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « ما على أهل الميت منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير ». قلت : كيف نصنع؟ قال : « إذا أفرد الميت ، فليتخلّف عنده أولى الناس به ، فيضع فمه عند رأسه ، وينادي بأعلى صوته ، يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه ، من شهادة ان لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله سيد النبيين ، وانّ عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، وان ما جاء به محمد حق ، وان الموت حق ، والبعث حق ، وان الله يبعث من في القبور. قال : فيقول منكر لنكير : انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجّته » (٣).

وعن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : « ما على أحدكم إذا دفن ميّته ، وسوّى عليه وانصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره ، ثمّ يقول : يا فلان ابن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به ، من شهادة انّ لا إله إلاّ الله ، وان‌

__________________

(١) في س ، ط : الولي.

(٢) مجمع الزوائد ٢ : ٣٢٤ ، تلخيص الحبير ٥ : ٢٤٣ ، كنز العمال ١٥ : ٦٠٤ عن الطبراني وابن عساكر والديلمي.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠١ ح ١١ ، الفقيه ١ : ١٠٩ ح ٥٠١ ، التهذيب ١ : ٣٢١ ح ٩٣٥.

٣٢

محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان عليا أمير المؤمنين إمامك ، وفلان وفلان حتى تأتي على آخرهم ، فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه : قد كفينا الدخول عليه ومسألتنا إيّاه فإنّه قد لقّن ، فينصرفان عنه ولا يدخلان عليه » (١).

فرع :

لم يتعرض الشيخان والخبران لكيفية الوقوف.

وقد قال ابن إدريس : انّ الملقّن يستقبل القبلة والقبر (٢).

وقال ابن البراج (٣). وابن إدريس (٤) والشيخ يحيى (٥) : يستدبر القبلة والقبر أمامه.

وكلاهما جائز ، لإطلاق الخبر الشامل لذلك ، ولمطلق النداء عند الرأس على أي وضع كان المنادي.

قال ابن البراج : ومع التقيّة يقول ذلك سرا (٦).

تنبيه :

نقل الشيخ المحقق عن الفقهاء الأربعة إنكار التلقين (٧). وقال الشيخ‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥٩ ح ١٤٩٦.

(٢) السرائر : ٣٣.

(٣) المهذب ١ : ٦٤.

(٤) تقدم قول ابن إدريس في الهامش ٢ بما يخالف هذا ، والظاهر ان ذكره هنا سهو ، والمراد منه أبو الصلاح الحلبي كما في كتابه الكافي في الفقه : ٢٣٩ ، وكما نسبه اليه ابن إدريس في السرائر : ٣٣.

راجع : الحدائق الناضرة ٤ : ١٢٩ ، مفتاح الكرامة ١ : ٥٠١.

(٥) الجامع للشرائع : ٥٥.

(٦) المهذب ١ : ٦٤.

(٧) المعتبر ١ : ٣٠٣.

٣٣

الفاضل : خلافا للجمهور (١).

وقد قال الرافعي ـ من الشافعية ـ : يستحبّ أن يلقّن الميت بعد الدفن ، فيقال : يا عبد الله بن أمة الله ، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، شهادة ان لا إله إلاّ الله ، وان محمدا رسول الله ، وان الجنّة حق ، وانّ النار حق ، وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور ، وأنك رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما ، وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين إخوانا. قال : ورد الخبر به عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وقال صاحب الروضة (٣) : هذا التلقين استحبه جماعة من أصحابنا ، منهم : القاضي حسين ، وصاحب التتمة ، ونصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم ، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا. والحديث الوارد فيه ضعيف ، لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم ، وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث الصحيحة ، كحديث : « اسألوا الله له التثبيت » ، ووصية عمرو بن العاص : أقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور. قال : ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به. قال : قال أصحابنا : ويقعد الملقّن عند رأس القبر ، والطفل لا يلقّن (٤).

قلت : ولا ينافي هذا صحة نقل الفاضلين ، لأنّ المنقول انّما هو عن أصحاب الشافعي لا عن نفسه.

واما الطفل ، فظاهر التعليل يشعر بعدم تلقينه ، ويمكن أن يقال يلقّن ، إقامة للشعار وخصوصا المميز ، وكما في الجريدتين.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٢٤٢.

(٣) الروضة في الفروع ـ روضة الطالبين وعمدة المتقين ـ لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ، المتوفّى سنة ٦٧٦ ، وقد اختصره من شرح الوجيز للرافعي ـ لاحظ. كشف الظنون ١ : ٩٢٩.

(٤) أورده ـ وباختلاف يسير ـ النووي في مصنف آخر ، هو المجموع ٥ : ٣٠٤. والحديث النبوي في : سنن أبي داود ٣ : ٣١٥ ح ٣٢٢١ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٧٠ ووصية عمرو في صحيح مسلم ١ : ١١٢ ح ١٢١.

٣٤

المطلب الثالث : في التوابع‌ ، وفيه ثمانية مباحث.

الأول : في الأحكام ، وفيه مسائل :

الأولى : لو اجتمع أموات ، ولم يمكن الجمع بين تجهيزهم في وقت واحد ، بدئ بمن يخشى فساده. فلو تساووا في ذلك ، أو في عدم الفساد ، قال الشيخ : يقدّم الأب ، ثم الابن وابن الابن ، ثم الجد. وان كان أخوان في درجة واحدة قدم أسنهما ، وان تساويا أقرع بينهما ، وان كان أحدهما أقوى سببا قدّم. والزوجتان تقدّم أسنّهما ، فان تساوتا أقرع بينهما (١).

قال المحقق : لست أعرف وجه ما ذكره مع التساوي ، إذ ليس هنا إشكال فيخرج بالقرعة ، والأقرب : تخيير الولي في البدأة (٢).

قلت : لا ريب ان التعجيل مستحب ( كما مر ، فالمعجّل مرجّح في هذا الاستحباب ) (٣) فيحتاج الى مرجّح. وتخيير الولي لا شك في جوازه ، وانما الكلام في تخصيص الولي أحد المتساويين بالاستحباب ، هل هو مستند الى اختياره أو هو مرجّح بما جعله الشارع مرجّحا؟ فيمكن الترجيح بخصال دينية أو بالذكورية ، كما سبق. ويمكن القرعة ، لإطلاق الأخبار في استعمالها عند الاشتباه. ومع التساوي في المرجحات فالقرعة ، لأن ترجيح الله تعالى أولى من ترجيح الولي.

والظاهر : ان هذا كلّه على سبيل الاستحباب إلاّ مع خشية الفساد ، لأنّ الغرض التجهيز وهو يحصل ، ولم يفت الا التعجيل وهو مستحب.

الثانية : المشهور كراهة البناء على القبر واتخاذه مسجدا ، وكذا يكره القعود على القبر. وفي المبسوط نقل الإجماع على كراهة البناء عليه (٤). وفي النهاية : يكره‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٧٦.

(٢) المعتبر ١ : ٣٤٦.

(٣) العبارة ساقطة من س.

(٤) المبسوط ١ : ١٨٧.

٣٥

تجصيص القبور وتظليلها (١).

وكذا يكره المقام عندها ، لما فيه من إظهار السخط لقضاء الله ، أو الاشتغال عن مصالح المعاد والمعاش ، أو لسقوط الاتعاظ بها.

وقد روى يونس بن ظبيان عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يصلّى على قبر ، أو يقعد عليه ، أو يبنى عليه » (٢).

وفي صحاح العامة عن جابر : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يجصّص القبر ، أو أن يبنى عليه ، وأن يقعد عليه (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلّوا إليها » (٤).

وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « لا يصلح البناء عليه ، ولا الجلوس » (٥) وظاهره الكراهية ، فيحمل النهي الأول وغيره عليها ، كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا تبنوا على القبور ، ولا تصوّروا سقوف البيوت » ، رواه جراح المدائني ، عن الصادق عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لان يجلس أحدكم على جمر ، فتحرق ثيابه فتصل النار الى بدنه ، أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر » (٧) وهو في صحيح مسلم بنحو هذه العبارة (٨). وهذا مبالغة في الزجر عن ذلك لاحترام القبر ، « فإنّ‌

__________________

(١) النهاية : ٤٤.

(٢) المقنع : ٢١ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٤ و ٣ : ٢٠١ ح ٤٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٦٩.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٧ ح ٩٧٠ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٦٨ ح ١٠٥٢ ، سنن النسائي ٤ : ٨٧.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٨ ح ٩٧٢ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٧ ح ٣٢٢٩ ، السنن الكبرى ٤ : ٧٩.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٧.

(٦) المحاسن ٦١٢ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٥.

(٧) مسند أحمد ٤ : ٧٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٩ ح ١٥٦٦ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٧ ح ٣٢٢٨ ، سنن النسائي ٤ : ٩٥ ، السنن الكبرى ٤ : ٧٩.

(٨) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٧ ح ٩٧١.

٣٦

حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا » (١) كما سبق.

وزاد الشيخ في الخلاف : كراهة الاتكاء عليه والمشي (٢) ، ونقله في المعتبر عن العلماء (٣). وقد نقل الصدوق في الفقيه عن الكاظم عليه‌السلام : « إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن كان مؤمنا استروح الى ذلك ، ومن كان منافقا وجد ألمه » (٤). ويمكن حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل الى قبر إلاّ بالمشي على آخر ، أو يقال : تختصّ الكراهية بالقعود لما فيه من اللبث المنافي للتعظيم.

وروى الصدوق عن سماعة ، انّه سأله عليه‌السلام عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها ، قال : « زيارة القبور لا بأس بها ، ولا يبنى عندها مساجد » (٥).

قال الصدوق : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تتخذوا قبري قبلة ، ولا مسجدا ، فان الله تعالى لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (٦).

قلت : هذه الأخبار رواها الصدوق والشيخان وجماعة المتأخّرين في كتبهم ، ولم يستثنوا قبرا ، ولا ريب انّ الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه : إحداهما البناء ، والأخرى الصلاة ، وتانك ما في المشاهد المقدسة. فيمكن القدح في هذه الأخبار لأنها آحاد ، وبعضها ضعيف الاسناد ، وقد عارضها أخبار أشهر منها ، وقال ابن الجنيد : لا بأس بالبناء عليه ، وضرب الفسطاط يصونه ومن يزوره (٧). أو تخصّص هذه العمومات بإجماعهم في عهود كانت الأئمة ظاهرة فيهم وبعدهم من غير نكير ، وبالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم وعمارتها وأفضلية الصلاة عندها ، وهي كثيرة منها :

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٣٢٤ ، ٤٦٥ ح ١٥٢٢.

(٢) الخلاف ١ : ٧٠٧ المسألة ٥٠٧ ، المبسوط ١ : ١٨٨.

(٣) المعتبر ١ : ٣٠٥.

(٤) الفقيه ١ : ١١٥ ح ٥٣٩.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٨ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١١٤ ح ٥٣١.

(٦) الفقيه ١ : ١١٤ ح ٥٣٢.

(٧) مختلف الشيعة : ١٢٢.

٣٧

ما رواه الشيخ في التهذيب عن عامر البناني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انه قال لعلي عليه‌السلام : « يا أبا الحسن انّ الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة ، وعرصة من عرصاتها. وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوة من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها ، تقرّبا منهم الى الله ، ومودّة منهم لرسوله ، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زوّاري (١) غدا في الجنة.

يا علي ، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمّه ، فأبشر وبشّر أوليائك ومحبيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها ، أولئك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي » (٢). وقد روى كثيرا من أهل (٣) الحديث ، وذكر تعيير الحثالة الحافظ ابن عساكر من علماء العامة (٤).

قال المفيد ـ رحمه‌الله ـ : وقد روي انّه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام ، ويصلّي الزائر ممّا يلي رأس الامام ، وهو أفضل (٥).

وقال الشيخ : وقد روي جواز الصلاة الى قبور الأئمة عليهم‌السلام ، خاصة في النوافل (٦).

__________________

(١) في المصدر زيادة : « وجيراني ».

(٢) التهذيب ٦ : ١٠٧ ح ١٨٩.

(٣) في « م » و « س » : أهل.

(٤) انظر : ١١١ ـ ١١٢ من هذا الجزء.

(٥) المقنعة : ٢٥.

(٦) المبسوط ١ : ٨٥.

٣٨

قلت : الذي رواه في التهذيب بإسناده الى محمد بن عبد الله الحميري ، قال : كتبت الى الفقيه أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة ، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز للمصلّي أن يقوم وراء القبر ويجعله قبلة؟ فأجاب : « أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ، ولا فريضة ، ولا زيارة ، ولكن يضع خدّه الأيمن على القبر. وأمّا الصلاة فإنّها خلفه ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، لأنّ الإمام لا يتقدّم ، ويصلّى عن يمينه وشماله » (١).

وقد روى المفيد عن ابن قولويه ، بسنده الى ابن أبي عمير ، عمن روى عن الباقر عليه‌السلام : « انّ الصلاة الفريضة عند قبر الحسين تعدل عمرة » (٢).

وبسنده الى أبي علي الحراني ، عن الصادق عليه‌السلام : « من أتاه وزارة ، وصلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات ، كتبت له حجّة وعمرة ». قال : وكذلك لكلّ من أتى قبر إمام مفترض الطاعة ، قال : « نعم » (٣).

وبسنده الى شعيب العقرقوفي ، عن الصادق عليه‌السلام : « ما صلّى عنده أحد صلاة إلاّ قبلها الله منه ، ولا دعا عنده أحد دعوة إلاّ استجيبت له عاجلة وآجلة » (٤).

والأخبار في ذلك كثيرة ، ومع ذلك فقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبنيّ عليه في أكثر الأعصار ، ولم ينقل عن أحد من السلف إنكاره بل جعلوه أنسب لتعظيمه. وأمّا اتخاذ القبور مسجدا ، فقد قيل هو لمن يصلّي فيه جماعة ، أمّا فرادى فلا.

الثالثة : روى الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من حدّد قبرا ، أو مثّل مثالا ، فقد خرج من الإسلام » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٨ ح ٨٩٨.

(٢) المزار للمفيد ١١٦ ح ١.

(٣) المزار للمفيد ١١٧ ح ٣.

(٤) المزار للمفيد ١١٨ ح ٤.

(٥) المحاسن : ٦١٢ ، الفقيه ١ : ١٢٠ ح ٥٧٩ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ ح ١٤٩٧.

٣٩

وقد نقل الصدوق في الفقيه اختلافا في لفظه : فعن محمد بن الحسن الصفار : جدد ـ بالجيم ـ فحكى ابن الوليد عنه : عدم جواز تجديده وتطيين جميعه بعد مرور الأيام عليه ، ويجوز ابتداء ، ويجوز الرم من غير تجديد. وعن سعد بن عبد الله : حدّد ـ بالحاء المهملة ـ أي سنّم قبرا. وعن أحمد بن أبي عبد الله البرقي : جدّث ـ بالثاء المثلثة أخيرا. قال الصدوق رحمه‌الله : الجدث : القبر ، ولا ندري ما عني به.

والذي أذهب اليه أنّه جدّد ـ بالجيم ـ ومعناه : نبش قبرا ، لأنّ من نبش قبرا فقد جدّده ، أو أحوج إلى تجديده. وأقول : انّ المعاني الثلاثة في الحديث ، وانّ من خالف الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحلّ شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام (١).

قال : ومعنى مثّل مثالا : أبدع بدعة دعا إليها ، ووضع دينا. ثم قال : فإن أصبت فمن الله على ألسنتهم ، وان أخطأت فمن عند نفسي (٢).

ونقل الشيخ في التهذيب عن شيخه المفيد : خدّد ـ بالخاء المعجمة والدالين ـ من قوله تعالى ( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ). والخدّ هو : الشق ، فالمعنى : شقّ القبر ليدفن فيه ، أو على جهة النبش. قال : ويمكن أنّ معنى جدث : جعل القبر دفعة اخرى قبرا لآخر ، لأنّ الجدث : القبر ، فيؤخذ الفعل منه ، والكلّ محتمل ، والله أعلم بالمراد والذي صدر الخبر عنه عليه‌السلام (٣).

قلت : اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة ، مؤذّن بصحة الحديث عندهم وان كان طريقه ضعيفا ، كما في أحاديث كثيرة اشتهرت وعلم موردها وان ضعف اسنادها ، فلا يرد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمد بن سنان وأبي الجارود‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢١.

(٢) الفقيه ١ : ١٢١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٩.

٤٠