ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

راوييه (١).

على انه قد ورد نحوه من طريق أبي الهياج السالف (٢) وقد نقله الشيخ في الخلاف (٣) وهو من صحاح العامة ، وهو يعطي صحة الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف والتسوية عليه ، ويعطي انّ المثال هنا هو التمثال هناك ، وهو : الصورة ، وقد ورد في النهي عن التصوير وفي إزالة التصاوير أخبار مشهورة (٤).

واما الخروج من الإسلام بهذين ، فاما على طريقة المبالغة زجرا عن الاقتحام على ذلك ، واما لأنّه فعل ذلك مخالفة للإمام عليه‌السلام.

الرابعة : يكره الحدث بين القبور ، لتأذى المترحمين به ، ولما روي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا أبالي ، أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق » (٥).

ويكره الضحك بينها ، قال الصدوق : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّ الله تعالى كره لي ست خصال ، فكرهتهن للأوصياء من بعدي واتباعهم : العبث في الصلاة ، والرفث في الصوم ، والمنّ بعد الصدقة ، وإتيان المساجد جنبا ، والتطلّع في الدور ، والضحك بين القبور » (٦).

الخامسة : يجوز الدفن ليلا‌ ، لما مرّ في الصلاة (٧) ، وقد فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذي النجادين (٨) وعلي عليه‌السلام بفاطمة (٩) والحسنان بعلي ( عليه‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٠٤.

(٢) تقدم في ٢٨ الهامش ٢.

(٣) الخلاف ١ : ٧٠٧ المسألة ٥٠٥.

(٤) لاحظ : صحيح مسلم ٢ : ٦٦٦ ح ٩٦٩ ، سنن السنائي ٤ : ٨٩ ، السنن الكبرى ٤ : ٣.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٩ ح ١٥٦٨.

(٦) الفقيه ١ : ١٢٠ ح ٥٧٥ ، أمالي الصدوق : ٦٠.

(٧) تقدم في ص ٤١٣ الهامش ٣.

(٨) أخرجه ابن قدامة في المغني ٢ : ٤١٧ عن الخلال في الجامع.

(٩) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٥٢١ ح ٦٥٥٣ ـ ٦٥٥ ، المصنف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٤٦.

٤١

السلام ) (١) والصحابة بالأولين (٢) وبعائشة (٣). وما روي انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زجر عن الدفن ليلا إلاّ لضرورة (٤) لا يمنع الجواز ، وغايته انّ النهار أفضل تكثيرا للمصلين والمترحّمين ، وللتمكّن من اتباع السّنة في وظائفه نهارا.

السادسة : أجمع العلماء على أنّه لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين كافر ، لئلاّ يتأذّى المسلمون بعذابهم ، ولأنّها إن كانت وقفا ففيه إخراج له عن شرطه ، ولأنّه أنسب بتعظيم المسلم ، وقد سبق استثناء الحامل من مسلم (٥).

فعلى هذا ، لو دفن نبش ان كان في الوقف ، ولا يبالي بالمثلة فإنه لا حرمة له. ولو كان في غيره ، أمكن صرفا للأذى عن المسلمين ، ولأنّه كالمدفون في الأرض المغصوبة.

__________________

(١) ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ٣ : ٣١٢ ح ١٤١٦ ، ١٤١٧.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٥١٠ ح ٦٥٥٣ ، المصنف لابن أبي شيبة : ٣ : ٣٤٦ ، صحيح البخاري ٢ : ١١٣.

(٣) مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر ٢ : ٢٧٨ ، أسد الغابة ٦ : ١٩٢ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٥٤.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٥١ ح ٩٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٧ ح ١٥٢١ ، سنن النسائي ٤ : ٨٢.

(٥) تقدم في ص : ٩ ، المسألة الثانية.

٤٢

البحث الثاني : في التعزية.

وهي تفعلة من العزاء ، أي : الصبر ، يقال : عزّيته فتعزّى ، أي : صبّرته فتصبّر. والمراد بها طلب التسلّي عن المصاب ، والتصبّر عن الحزن والاكتئاب ، بإسناد الأمر الى الله عزّ وجلّ ونسبته الى عدله وحكمته ، وذكر لقاء وعد الله على الصبر ، مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبته. وهي مستحبّة إجماعا ، ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا ، والدفن خاتمة أمره لا أمر أهله.

وقد روى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ليس التعزية إلاّ عند القبر ثم ينصرفون ، لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت » (١) ، ويظهر من كلام ابن البراج.

لنا : عموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عزّى مصابا فله مثل أجره » ، رواه العامّة (٢) ورواه الكليني بزيادة : « من غير أن ينتقص من أجر المصاب شي‌ء » عن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبته إلاّ كساه الله من حلل الكرامة » (٤) رواه عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده.

وروى الكليني ، عن إسماعيل الجزري ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عزّى حزينا كسي في الموقف حلّة يحبى بها » (٥) وروي : « يحبر بها » (٦) أي : يسر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ح ١٥١١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥١١ ح ١٦٠٢ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٨٥ ح ١٠٧٣.

(٣) قرب الاسناد : ٢٥ ، الكافي ٣ : ٢٠٥ ح ٢ ، ثواب الأعمال : ٢٣٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥١١ ح ١٦٠١ ، السنن الكبرى ٤ : ٥٩.

(٥) الكافي ٣ : ٢٢٦ ح ٢ ، وفيه : عن إسماعيل الجوزي.

(٦) الكافي ٣ : ٢٠٥ ، ح ١ ، ثواب الأعمال : ٢٣٥.

٤٣

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « التعزية تورث الجنة » (١).

وقال هشام بن الحكم : رأيت الكاظم عليه‌السلام يعزّي قبل الدفن وبعده (٢).

وخبر إسحاق ليس بصريح في كونه قبل الدفن ، ولو سلّم حمل على تعزية خاصّة كأقلّ التعزية ، كما قال الصادق عليه‌السلام : « كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة » (٣) ، ولا تحمل على الأفضل ، لأنّ ابن أبي عمير أرسل عن الصادق عليه‌السلام : « التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن » (٤) وظاهره : أنها الكاملة ، ولأن ابن بابويه روى عنه عليه‌السلام : « التعزية الواجبة بعد الدفن » (٥). ومن ثم حكم الشيخ بأفضليتها بعد الدفن (٦) وتبعه الفاضلان (٧) ، لاشتغال المعزّى قبل دفنه بتجهيزه ، واشتداد جزعهم بعده بمفارقته.

ولا حدّ لزمانها ، عملا بالعموم. نعم ، لو أدّت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى. ويمكن القول بثلاثة أيام ، لنقل الصدوق عن أبي جعفر عليه‌السلام : « يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات » (٨). ونقل عن الصادق عليه‌السلام : « انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فاطمة عليها‌السلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساؤها ، وان تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام ، فجرت بذلك السنّة » (٩).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٣٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٥ ح ٩ ، الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٣ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ح ١٥١٦ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٩.

(٣) الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٥.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٤ ح ٢ التهذيب ١ : ٤٦٣ ح ١٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٧٠.

(٥) الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٤.

(٦) الخلاف ١ : ٧٢٩ المسألة ٥٥٦.

(٧) المعتبر ١ : ٣٤٢ ، تذكرة الفقهاء : ١ : ٥٨.

(٨) الكافي ٣ : ٢١٧ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٥.

(٩) المحاسن : ١٤٩ ، الكافي ٣ : ٢١٧ ح ١ ، الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٩.

٤٤

قال : وقال الصادق عليه‌السلام : « ليس لأحد ان يحدّ أكثر من ثلاثة أيام ، إلاّ المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها » (١). قال : واوصى أبو جعفر عليه‌السلام بثمانمائة درهم لمأتمه ، وكان يرى ذلك (٢) السنة ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باتخاذ طعام لآل جعفر عليه‌السلام (٣).

وفي كلّ هذه إيماء الى ذلك ، والشيخ أبو الصلاح قال : من السنّة تعزية أهله ثلاثة أيام ، وحمل الطعام إليهم (٤).

والشيخ في المبسوط نقل الإجماع على كراهية الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة (٥). وردّه ابن إدريس بأنّه اجتماع وتزاور (٦). وانتصر المحقّق بأنّه لم ينقل عن أحد من الصحابة والأئمة الجلوس لذلك ، فاتخاذه مخالف لسنّة السلف ، ولا يبلغ التحريم (٧).

قلت : الأخبار المذكورة مشعرة به ، فلا معنى لاغترام حجّة التزاور ، وشهادة الإثبات مقدّمة ، إلاّ أن يقال : لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية بل هو مقصور على الاهتمام بأمور أهل الميت لاشتغالهم بحزنهم ، لكن اللغة والعرف بخلافه ، قال الجوهري : المأتم : النساء يجتمعن ، قال : وعند العامّة : المصيبة (٨) ، وقال غيره : المأتم : المناحة (٩) وهما مشعران بالاجتماع.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٥٠.

(٢) في المصدرين زيادة : « من ».

(٣) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٦ ، الكافي ٣ : ٢١٧ ح ٤.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٤٠.

(٥) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٦) السرائر : ٣٤.

(٧) المعتبر ١ : ٣٤٤.

(٨) الصحاح ٥ : ١٨٥٧.

(٩) قاله ابن بري كما في لسان العرب ـ مادة أتم.

٤٥

تنبيه‌

الإجماع على استحباب إطعام أهل الميت ، لما سبق. ويكره الأكل عندهم ، لقول الصادق عليه‌السلام : « الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية » (١). نعم ، لو أوصى الميت بذلك نفّذت وصيته ، لأنّه نوع من أنواع البرّ يلحقه ثوابه بعد موته ، ولكن لو فوّض الى غير أهله لكان أنسب ، لاشتغالهم بمصابهم عن ذلك كما دلّ عليه الخبر.

وليقل المعزّي ما قاله الصادق عليه‌السلام لقوم : « جبر الله وهنكم ، وأحسن عزاكم ، ورحم متوفاكم » (٢).

وعزّى عليه‌السلام آخر بابن له ، فقال : « الله خير لابنك منك ، وثواب الله خير لك منه » ، فلمّا بلغه شدّة جزعه عاد اليه ، فقال له : « قد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفما لك به أسوة ». فقال : انه كان مرهقا ، أي : يظن به السوء. قال : « انّ أمامه ثلاث خصال : شهادة ألاّ إله إلاّ الله ، ورحمة الله ، وشفاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلن تفوته واحدة منهنّ ان شاء الله » (٣).

وعن زين العابدين : « لمّا توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمعوا قائلا يقول : انّ في الله عزاء من كلّ مصيبة ، وخلفا من كلّ هالك ، ودركا ممّا فات ، فبالله فثقوا ، وإيّاه فارجوا ، فان المصاب من حرم الثواب » (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٨.

(٢) الفقه ١ : ١١٠ ح ٥٠٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٤ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٨ ، ثواب الأعمال : ٢٣٥ ، التهذيب ١ : ٤٦٨ ح ١٥٣٧.

(٤) كمال الدين : ٣٩٢.

٤٦

البحث الثالث : في البكاء وتوابعه.

وهو جائز إجماعا ، قبل خروج الروح وبعده ، لما روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قبّل عثمان بن مظعون وهو ميت ، ورفع رأسه وعيناه تهرقان (١).

وفي البخاري ومسلم عن أنس : دخلنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله. فقال : « يا بن عوف انّها رحمة » ثم أتبعها بأخرى. فقال : « انّ العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا ، وانّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون » (٢).

وفي الكليني : عن ابن القداح عن الصادق عليه‌السلام : « لما مات إبراهيم هملت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدموع ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وانّا بك يا إبراهيم لمحزونون » (٣).

وعن ابن عمر : عاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سعد بن عبادة فوجده في غشيته ، فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا. فقال : « الا تسمعون انّ الله لا يعذّب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذّب بهذا » وأشار الى لسانه « أو يرحم » (٤).

وروينا عن الحارث بن يعلى بن مرّة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قبض‌

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٥٩٦ ح ٦٧٧٥ ، مسند أحمد ٦ : ٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٨ ح ١٤٥٦ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٠١ ح ٣١٦٣ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣١٤ ح ٩٨٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٦١.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٠٥ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٠٧ ح ٢٣١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٦٢ ح ٤٥.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٠٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٣٦ ح ٩٢٤.

٤٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فستر بثوب وعليّ عند طرف ثوبه ، وقد وضع خدّيه على راحتيه ، والريح تضرب طرف الثوب على وجه عليّ ، والناس على الباب وفي المسجد ينتحبون ويبكون (١).

قال الصدوق : لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وقعة أحد إلى المدينة ، سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء ، ولم يسمع من دار حمزة عمّه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكنّ حمزة لا بواكي له ». فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه ، حتى يبدءوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه ، فهم الى اليوم على ذلك (٢).

ولما مرّ من بكاء أمير المؤمنين عليه‌السلام على فاطمة (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من خاف على نفسه من وجد بمصيبة ، فليفض من دموعه ، فإنّه يسكّن عنه » (٤).

وعنه عليه‌السلام : « انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام وزيد بن حارثة رضي‌الله‌عنه كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ، ويقول : كانا يحدّثاني ويؤنساني فذهبا جميعا » (٥).

وروى الشيخ في التهذيب بالسند الى محمد بن الحسن الواسطي ، عن الصادق عليه‌السلام : « ان إبراهيم خليل الرحمن سأل ربّه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته » (٦).

ولا يكره عندنا البكاء بعد الموت. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٨ ح ١٥٣٥.

(٢) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٥٣ ، السنن الكبرى ٤ : ٧٠.

(٣) مصادرة كثيرة للمثال انظر : الكافي ١ : ٤٥٩ ، روضة الواعظين : ١٥١ ، كشف الغمة ١ : ٥٠١ ، البحار ٤٣ : ١٧٨.

(٤) الفقيه ١ : ١١٩ ح ٥٦٨.

(٥) الفقيه ١ : ١١٣ ح ٥٢٧.

(٦) التهذيب ١ : ٤٦٥ ح ١٥٢٤.

٤٨

وجبت فلا تبكينّ باكية » (١) يحمل على رفع الصوت بالبكاء ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما بكى وقال عبد الرحمن : أو لم تكن نهيت عن البكاء ، قال : « لا ، ولكن نهيت عن صوتين فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه ، وشق جيوب. ورنّة شيطان » (٢) وفي صحيح مسلم : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زار قبر امّه ، فبكى وأبكى من حوله (٣).

ويستحبّ الاسترجاع عند المصيبة ، للآية (٤) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أربع من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم : من كان عصمة أمره شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ومن إذا أصاب خيرا قال : الحمد لله ، ومن إذا أصاب خطيئة قال استغفر الله وأتوب اليه » (٥).

وقال الباقر عليه‌السلام : « ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا ، فيسترجع عند المصيبة ، ويصبر حين تفجؤه المصيبة ، إلاّ غفر الله ما مضى من ذنوبه إلاّ الكبائر التي أوجب الله عليها النار. وكلّما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره ، فاسترجع عندها وحمد الله عزّ وجلّ ، إلاّ غفر الله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير ، إلاّ الكبائر من الذنوب » (٦).

رواهما ابن بابويه ، وأسند الكليني الثاني إلى معروف بن خربوذ عن الباقر عليه‌السلام ولم يستثن منه الكبائر.

وروى الكليني بالإسناد الى داود بن زربي ـ بكسر الزاء ثم الراء الساكنة ـ

__________________

(١) الموطأ ١ : ١٠٨ ح ٣٠٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣.

(٢) الجامع الصحيح ٣ : ٣٢٨ ح ١٠٠٥.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٧١ ح ٩٧٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠١ ح ١٥٧٢ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٨ ح ٣٢٣٤ ، سنن النسائي ٤ : ٩٠.

(٤) سورة البقرة : ١٥٦.

(٥) المحاسن : ٧ ، الفقيه ١ : ١١١ ح ٥١٤ الخصال : ٢٢٢ ، ثواب الأعمال : ١٩٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢٤ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١١١ ح ٥١٥ ، ثواب الأعمال : ٢٣٤.

٤٩

عن الصادق عليه‌السلام : « من ذكر مصيبته ولو بعد حين ، فقال : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، و ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ). اللهم أجرني على مصيبتي ، واخلف عليّ أفضل منها ، كان له من الأجر مثلما كان عند أول صدمة » (١).

وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من مسلم تصيبه مصيبة ، فيقول ما أمره الله به : انّا لله وانّا إليه راجعون. اللهم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها ، إلاّ أخلف الله له خيرا منها ». فلمّا مات أبو سلمة ، قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ثم اني قلتها فاخلف لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وفي الترمذي عن أبي موسى عبد الله بن قيس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : أقبضتم ولد عبدي. فيقولون : نعم. فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون : نعم. فيقول : ما ذا قال عبدي. فيقولون : حمدك واسترجع. فيقول الله : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة ، وسموه : بيت الحمد » (٣).

ونحوه رواه الكليني بسنده إلى السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤). وكذا رواه ابن بابويه (٥).

وفي البخاري : « فيقول الله عزّ وجلّ : ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيّة من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاّ الجنة » (٦).

وعن ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان له فرطان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢٤ ح ٦.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٣١ ح ٩١٨.

(٣) الجامع الصحيح ٣ : ٢٤١ ح ١٠٢١.

(٤) الكافي ٣ : ٢١٨ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١١٢ ح ٥٢٣.

(٦) صحيح البخاري ٨ : ١١٢.

٥٠

من أمتي أدخله الله بهما الجنة ». فقيل : فمن كان له فرط؟ قال : « ومن كان له فرط ». فقيل : فمن لم يكن له فرط؟ فقال : « فانا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي » (١).

وروى ابن بابويه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انه قال : « لا يدخل الجنة رجل ليس له فرط ». فقال له رجل : فمن لم يولد له ولم يقدم ولدا؟ فقال : « إنّ من فرط الرجل أخاه في الله » (٢) وعن الصادق عليه‌السلام : « الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن جميل ، وأفضل من ذلك الصبر عند ما حرّم الله عزّ وجلّ عليك فيكون لك حاجزا » (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من قدّم ولدا ، كان خيرا له من سبعين يخلفونه من بعده ، كلّهم قد ركب الخيل وقاتل في سبيل الله » (٤).

قال : وعنه عليه‌السلام : « ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة ، صبر أو لم يصبر » (٥).

وعنه عليه‌السلام : « من أصيب بمصيبة ، جزع عليها أو لم يجزع ، صبر عليها أو لم يصبر ، كان ثوابه من الله الجنة » (٦).

ويلحق بذلك فوائد شتى أوردت في الكافي وغيره :

منها : عن سليمان النخعي عن الصادق عليه‌السلام : « من أصيب بمصيبة ، فليذكر مصابه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّها من أعظم المصائب » (٧).

ومنها : عن عمرو بن سعيد الثقفي عن الباقر عليه‌السلام : « فاذكر‌

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٣٤ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٧٦ ح ١٠٦٢.

(٢) الفقيه ١ : ١١٢ ح ٥٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ١١٨ ح ٥٦٥ ، وفي الكافي ٢ : ١٧٤ ح ١١.

(٤) الفقيه ١ : ١١٢ ح ٥١٩ ، وفي الكافي ٣ : ٢١٨ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١١٢ ، ٥١٨ ، وفي الكافي ٣ : ٢١٩ ح ٨.

(٦) الفقيه ١ : ١١١ ، ح ٥١٧.

(٧) الكافي ٣ : ٢٢٠ ح ١.

٥١

مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله » (١).

ومنها : عن عبد الله بن الوليد بإسناده : لما أصيب علي عليه‌السلام بعثني الحسن الى الحسين عليهما‌السلام وهو بالمدائن : فلمّا قرأ الكتاب قال : « يا لها من مصيبة ما أعظمها ، مع انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي ، فإنّه لن يصاب بمصيبة أعظم منها » (٢).

ومنها : عن هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لما مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمعوا صوتا ولم يروا شخصا ، يقول : « كلّ نفس ذائقة الموت » إلى قوله : « فقد فاز ». وقال : انّ في الله خلفا من كلّ هالك ، وعزاء من كلّ مصيبة ، ودركا ممّا فات ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا ، فإنّما المحروم من حرم الثواب » (٣).

ومنها : عن الحسين بن مختار ، عنه عليه‌السلام : « لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء جبرئيل عليه‌السلام والنبي مسجّى ، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين ( صلّى الله عليهم ) ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ ). الآية ، انّ في الله جلّ وعزّ عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كلّ هالك ، ودركا لمن فات ، فبالله عزّ وجلّ فثقوا وإياه فارجوا ، فانّ المصاب من حرم الثواب. هذا آخر وطئي من الدنيا » (٤).

ومنها : عن زيد الشحام عنه عليه‌السلام : « لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاهم آت ، يسمعون حسّه ولا يرون شخصه ، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) الآية ، في الله عزاء من كلّ مصيبة ، وخلف من كل هالك ، ودركا لما فات ، فبالله فثقوا وإياه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢١ ح ٤ ، تفسير العياشي : ٢١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢١ ح ٥ ، تفسير العياشي : ٢٠٩.

٥٢

فارجوا ، فانّ المحروم من حرم الثواب ، والسلام عليكم » (١).

ومنها : عن عبيد بن الوليد عن الباقر عليه‌السلام مثله ، وفي آخره : « والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال بعضهم : هذا ملك من السماء بعثه الله عزّ وجلّ ليعزيكم. وقال بعضهم : هذا الخضر » (٢).

ومنها : عن جابر عن الباقر عليه‌السلام : « أشدّ الجزع : الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ، وجزّ الشعر. ومن اقام النواحة فقد ترك الصبر ، ومن صبر واسترجع وحمد الله جلّ ذكره ، فقد رضي بما صنع الله ووقع أجره على الله جلّ وعزّ ، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم ، وأحبط الله عزّ وجلّ أجره » (٣).

ومنها : عن ربعي بن عبد الله عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ان الصبر والبلاء يستبقان إلى المؤمن ، يأتيه البلاء وهو صبور. وانّ الجزع والبلاء يستبقان الى الكافر ، فيأتيه البلاء وهو جزوع » (٤).

ومنها : عن السكوني عنه عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره » (٥).

ومنها : عن موسى بن بكر عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : « ضرب الرجل يده على فخذه عند المصيبة إحباط أجره » (٦).

ومنها : عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام : « يا إسحاق : لا تعدّن مصيبة أعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله عزّ وجلّ الثواب ، انّما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢١ ح ٦ ، تفسير العياشي : ٢١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢٢ ح ٨ ، عن عبد الله بن الوليد عن الباقر عليه‌السلام.

(٣) الكافي ٢٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٣ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١١٣ ح ٥٢٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢٢٤ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢٥ ح ٩.

٥٣

المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها » (١).

ومنها : عن ( أبي ميسرة ) (٢) ، قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فجاءه رجل وشكا إليه مصيبة ، فقال له : « اما انّك ان تصبر تؤجر ، وإلاّ تصبر يمضي عليك قدر الله عزّ وجلّ الذي قدّر عليك » (٣).

تتمة :

يستحبّ تعزية جميع أهل الميت ، ويتأكّد في النساء ، لضعف صبرهنّ.

وروى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « فيما ناجى به موسى عليه‌السلام ربه تعالى : يا رب ما لمن عزّى الثكلى؟ فقال : أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي » (٤).

وعن عبد الله العمري عن علي عليه‌السلام : « من عزّى الثكلى أظلّه الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ الا ظلّه » (٥).

وروى أبو داود عن أبي برزة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عزّى ثكلى كسي بردا في الجنة » (٦).

نعم ، لا تعزّى الشابة الأجنبية خوف الفتنة.

ويعزّى الصغير ، للعموم.

وقال ابن بابويه : إن كان المعزى يتيما مسح يده على رأسه ، فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مسح يده على رأس يتيم ترحما له ، كتب الله له‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢٤ ح ٧.

(٢) في المصدر : فضيل بن ميسر.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢٥ ح ١٠ ، وتمامه : « وأنت مأزور ».

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٦ ح ١ ، ثواب الأعمال : ٢٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٢٧ ح ٣ ، عن عيسى بن عبد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ..

(٦) الجامع الصحيح ٣ : ٣٨٧ ح ١٠٧٦.

٥٤

بعدد كل شعرة مرّت عليها حسنة ». قال : وان وجد باكيا سكّت بلطف ، فعن العالم عليه‌السلام : « إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش ، فيقول الله تبارك وتعالى : من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه ، فو عزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يسكته عبد إلاّ وجبت له الجنة » (١).

ويعزّى المسلم بقريبه الذمي ، والدعاء للمسلم. واختلف في تعزية الذمي ، فمنعه في المعتبر ، لأنّه موادّة منهي عنها (٢) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تبدءوهم بالسلام » (٣) وهذا في معناه. وجوزه في التذكرة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاد يهوديا في مرضه وقال له : « أسلم » ، فنظر الى أبيه فقال له أبوه : أطع أبا القاسم فأسلم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي أنقذه من النار » ، والتعزية في معنى العيادة (٤). وأجيب : لعلّه لرجاء إسلامه.

وبالغ ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ فمنع من تعزية المخالف للحق مطلقا إلاّ لضرورة ، فيدعو له بإلهام الصبر لا بالأجر ، ويجوز الدعاء لهم بالبقاء ، لما ثبت من جواز الدعاء لهم به في أخبار الأئمة عليهم‌السلام. قال : وليقل لأخيه في الدين : ألهمك الله صبرا واحتسابا ، ووفّر لك الأجر ، ورحم المتوفّى وأحسن الخلف على مخلّفيه ، أو يقول : أحسن الله لك العزاء ، وربط على قلبك بالصبر ، ولا حرمك الأجر. ويكفي : آجرك الله (٥).

قال : وليس في تعزية النساء سنّة (٦). ويدفعه ما سبق.

__________________

(١) بنصه في الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٢ ، وهو ينسب ـ فيما ينسب إليه ـ لعلي بن بابويه. راجع مقدّمة الكتاب ص ٣٧ ـ ٤٢.

(٢) المعتبر ١ : ٣٤٣.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٧٠٧ ح ٢١٦٧٠ ، سنن أبي داود ٤ : ٣٥٢ ح ٥٢٠٥ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٥٤ ح ١٦٠٢.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٨.

والرواية في مسند أحمد ٣ : ٢٨٠ ، صحيح البخاري ٢ : ١١٨ ، سنن أبي داود ٣ : ١٨٥ ح ٣٠٩٥.

(٥) السرائر : ٣٤.

(٦) السرائر : ٣٤.

٥٥

البحث الرابع : في النياحة.

يحرم اللطم والخدش وجزّ الشعر ، إجماعا ـ قاله في المبسوط (١) ـ ولما فيه من السخط لقضاء الله ، ولرواية خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام : « لا شي‌ء في لطم الخدود ، سوى الاستغفار والتوبة » (٢).

وروى العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحاحهم : « أنا بري‌ء ممّن حلق وصلق » (٣) أي : حلق الشعر ، ورفع صوته.

وفي الفقيه : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة حين قتل جعفر بن أبي طالب : « لا تدعينّ بويل (٤) ، ولا ثكل ، ولا حرب ، وما قلت فيه فقد صدقت » (٥).

وروى مسلم : « أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة » (٦). والمراد به المشتملة على ذلك ، لما يأتي من إباحة النوح الخالي من ذلك.

واستثنى الأصحاب ـ إلاّ ابن إدريس (٧) ـ شقّ الثوب على موت الأب والأخ لفعل العسكري على الهادي (٨) ، وفعل الفاطميات على الحسين عليه‌السلام. روى فعل الفاطميات أحمد بن محمد بن داود ، عن خالف بن سدير ، عن الصادق‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ح ١٢٠٧.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ٥٥٨ ح ٦٦٨٤ ، صحيح مسلم ١ : ١٠٠ ح ١٠٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٥ ح ١٥٨٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٤ ح ٣١٣٠ ، سنن النسائي ٤ : ٢٠ ، السنن الكبرى ٤ : ٦٤.

(٤) في المصدر : « بذل » ، وزيادة : « ولا حزن ».

(٥) الفقيه ١ : ١١٢ ح ٥٢١.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٤٤ ح ٩٣٤.

(٧) السرائر : ٣٤.

(٨) الفقيه ١ : ١١١ ح ٥١١.

٥٦

عليه‌السلام ، وسأله عن شقّ الرجل ثوبه على أبيه وأمّه وأخيه ، أو على قريب له؟ فقال : « لا بأس بشق الجيوب ، قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون ، ولا يشق الوالد على ولده ، ولا زوج على امرأته ، وتشق المرأة على زوجها » (١).

وفي نهاية الفاضل : يجوز شق النساء الثوب مطلقا (٢) وفي الخبر إيماء اليه.

وروى الحسن الصفار عن الصادق عليه‌السلام : « لا ينبغي الصياح على الميت ، ولا شقّ الثياب » (٣) وظاهره الكراهة. وفي المبسوط : روي جواز تخريق الثوب على الأب والأخ ، ولا يجوز على غيرهما (٤).

ويجوز النوح بالكلام الحسن وتعداد فضائله باعتماد الصدق ، لأنّ فاطمة عليها‌السلام فعلته في قولها : « يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه » (٥) ، وروي انها أخذت قبضة من تراب قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعتها على عينيها وأنشدت :

ما ذا على المشتم تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبت على الأيام عدن لياليا (٦)

ولما سبق من النوح على حمزة (٧).

وروى ابن بابويه : ان الباقر عليه‌السلام أوصى أن يندب في المواسم‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ح ١٢٠٧.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٢٩٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢٥ ح ٨ ، عن امرأة حسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٥) صحيح البخاري ٦ : ١٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٢ ، ١٦٣٠ ، سنن النسائي ٤ : ١٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٨٢ ، باختلاف يسير.

(٦) المغني لابن قدامة ٢ : ٤١١ ، المعتبر ١ : ٣٤٥ ، إرشاد الساري ٢ : ٤٠٧ ، وفاء الوفا ٤ : ١٤٠٥ ، الوفا بأحوال المصطفى ٢ : ٨٠٣.

(٧) تقدّم في ص ٤٨ الهامش ٢.

٥٧

عشر سنين (١).

وسئل الصادق عليه‌السلام عن أجر النائحة ، فقال : « لا بأس ، قد نيح على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

وفي خبر أخر عنه : « لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا » (٣).

وفي خبر أبي بصير عنه عليه‌السلام : « لا بأس بأجر النائحة » (٤).

وروى حنان بن سدير عنه عليه‌السلام : « لا تشارط ، وتقبل كلّ ما أعطيت » (٥).

وروى أبو حمزة عن الباقر عليه‌السلام : « مات ابن المغيرة ، فسألت أم سلمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فاذن لها ، وكان ابن عمها ، فقالت :

أنعى الوليد بن الوليد

أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجدا

يسمو الى طلب الوتيرة

قد كان غيثا للسنين

وجعفرا غدقا وميرة

وفي تمام الحديث : فما عاب عليها النبي ذلك ولا قال شيئا » (٦).

مسائل ثلاث :

الأولى : يجوز الوقف على النوائح‌ ، لأنّه فعل مباح فجاز صرف المال اليه ، ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال لي أبي : يا جعفر‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٧.

(٢) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٥١.

(٣) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٥٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٥٩ ح ١٠٢٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ ح ١٩٩.

(٥) قرب الاسناد : ٥٨ ، الكافي ٥ : ١١٧ ح ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ح ١٠٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ ح ٢٠٠.

(٦) الكافي ٥ : ١١٧ ح ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ح ١٠٢٧.

٥٨

قف من مالي كذا وكذا ، لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى » (١). والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى بها ، ويعلم ما كان عليه أهل هذا البيت لتقتفى آثارهم ، لزوال التقية بعد الموت.

والشيخ ـ في المبسوط ـ وابن حمزة حرّما النوح ، وادّعى الشيخ الإجماع (٢). والظاهر : انّهما أرادا النوح بالباطل ، أو المشتمل على المحرّم كما قيّده في النهاية (٣). وفي التهذيب جعل كسبها مكروها بعد روايته أحاديث النوح (٤).

واحتجّ المانع بما سبق (٥) ، وبما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « النائحة إذا لم تتب ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران » (٦).

وفي السنن عن أبي سعيد الخدري : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النائحة والمستمعة (٧).

وروى مسلم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « ليس منا من ضرب الخدود ، وشقّ الجيوب » ، رواه ابن مسعود (٨).

وعن أم عطية : اتخذ علينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند البيعة ألاّ ننوح (٩).

وجوابه : الحمل على ما ذكرناه ، جمعا بين الأخبار ، ولأنّ نياحة الجاهلية‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٧ ح ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ح ١٠٢٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٨٩ ، الوسيلة ١ : ٦٩.

(٣) النهاية : ٣٦٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٥٩.

(٥) تقدّم في ص ٥٦ الهامش ٣.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٤٤ ح ٩٣٤ ، وفي : مسند أحمد ٥ : ٣٤٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٤ ح ١٥٨٢ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٨٣.

(٧) مسند أحمد ٣ : ٦٥ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٣ ح ٣١٢٨.

(٨) صحيح مسلم ١ : ٩٩ ح ١٠٣ ، وفي : مسند أحمد ١ : ٤٥٦ ، صحيح البخاري ٤ : ٢٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٤ ح ١٥٨٤ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٢٤ ح ٩٩٩ ، سنن النسائي ٤ : ٢٠.

(٩) صحيح مسلم ٢ : ٦٤٥ ح ٩٣٦.

٥٩

كانت كذلك غالبا ، ولأنّ أخبارنا خاصة والخاص مقدّم.

الثانية : المراثي المنظومة جائزة عندنا‌ ، لما مرّ ، ولأنّها نوع من النوح وقد دللنا على جوازه ، وقد سمع الأئمة عليهم‌السلام المراثي ولم ينكروها.

الثالثة : لا يعذّب الميت بالبكاء عليه ، سواء كان بكاء مباحا أو محرّما كالمشتمل على المحرّم ، لقوله تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١).

وما في البخاري ومسلم في خبر عبد الله بن عمر ـ انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « انّ الميت ليعذّب ببكاء أهله » (٢). وفي رواية اخرى : « أنّ الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله » (٣). ويروى أنّ حفصة بكت على عمر ، فقال : مهلا يا بنية ألم تعلمي أنّ رسول الله قال : « انّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه » (٤) ـ مأوّل. قيل وأحسنه : أنّ الجاهلية كانوا ينوحون ويعدّون جرائمه كالقتل وشنّ الغارات ، وهم يظنونها خصالا محمودة ، فهو يعذّب بما يبكون به عليه (٥). ويشكل : انّ الحديث ظاهر في المنع عن البكاء بسبب استلزامه عذاب الميت ، بحيث ينتفي التعذيب بسبب انتفاء البكاء قضية للعلية ، والتعذيب بجرائمه غير منتف بكى عليه أولا.

وقيل : لأنهم كانوا يوصون بالندب والنياحة ، وذلك حمل منهم على المعصية وهو ذنب ، فإذا عمل بوصيتهم زيدوا عذابا (٦). وردّ : بأنّ ذنب الميت الحمل على الحرام والأمر به ، فلا يختلف عذابه بالامتثال وعدمه ، ولو كان للامتثال أثر لبقي الإشكال بحاله.

وقيل : لأنّهم إذا ندبوه يقال له : أكنت كما يقولون (٧). وردّ : بأنّ هذا توبيخ‌

__________________

(١) سورة فاطر : ١٨.

(٢) ، (٣) صحيح البخاري ٢ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤٠ ح ٩٢٧ ، ٩٢٨.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٣٨ ح ٩٢٧ ، المصنف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٩١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٠٩ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٤ : ٢٤٨ ، عمدة القارئ ٨ : ٧٩.

(٦) قاله المزني وجمهور العلماء ، المجموع ٥ : ٣٠٨ ، عمدة القارئ ٨ : ٧٩.

(٧) فتح العزيز ٥ : ٢٦٦.

٦٠