ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

أخرى؟ قطع به في المعتبر (١). وقرّبه في التذكرة ، لزوال المشروط بزوال شرطه (٢). والأقرب : بقاء الطهارة ، لأنها طهارة شرعيّة ولم يثبت كون هذا ناقضا ، والمشروط انّما هو فعل الطهارة لا بقاء حكمها ، وأحدهما غير الآخر.

الخامس : لا فرق عندنا مع الضرورة بين كون الخفّ بشرج أو غيره ، ولا بين الجورب والخف ، ولا بين الجورب المنعّل وغيره ، ولا بين الجرموق فوق الخفّ وغيره ، ولا بين اللبس على طهارة أو حدث ، ولا بين كونه ساترا قويا حلالا أو لا .. الى غير ذلك مما فرّعوه.

الواجب السادس : الترتيب ، عند علمائنا ، لأنّه تعالى غيّا الغسل بالمرافق والمسح بالكعبين وهو يعطي الترتيب.

ولأنّ « الفاء » في ( فَاغْسِلُوا ) تفيد الترتيب قطعا بين إرادة القيام وبين غسل الوجه ، فيجب البدأة بغسل الوجه قضية للفاء ، وكلّ من قال بوجوب البدأة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء.

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطّهور مواضعه : فيغسل وجهه ، ثم يغسل يديه ، ثم يمسح رأسه ، ثم رجليه » (٣).

ولعموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ابدءوا بما بدأ الله به » (٤) ولأنّ الوضوء البياني وقع مرتّبا. ولأنّ « الواو » للترتيب ، عند الفراء وثعلب وقطرب والربعيّ ، ونقله في التهذيب عن أبي عبيد القاسم بن‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٥٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨.

(٣) تلخيص الحبير ١ : ٣٥٨.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٢٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٤. ونحوه في : الموطأ ١ : ٣٧٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٦ ح ١٢١٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٢ ح ١٩٠٥ ، الجامع الصحيح ٣ : ٢١٦ ح ٨٦٢.

١٦١

سلام (١).

ولرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « تابع كما قال الله تعالى : ابدأ بالوجه ، ثم باليدين ، ثم امسح الرأس والرجلين. ولا تقدّمن شيئا بين يدي شي‌ء ، ابدأ بما بدأ الله به ، فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه ثم أعد على الذراع ، وان مسحت الرجلين قبل الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على الرجلين » (٢).

وفي هذه الرواية دلالة من عدّة أوجه على الترتيب ، إلاّ أنّه لم يبيّن فيها وجوب تقديم غسل اليمنى على اليسرى ، لاستفادته من الوضوء البياني ومن أخبار أخر :

كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البادي بالشمال قبل اليمين : يعيد اليمين ويعيد الشمال (٣).

وكبيان الباقر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثم غمس كفه فغسل يده اليمنى ، ثم غمس يده فغسل اليسرى (٤).

وأمّا رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام فيمن نسي غسل يساره : « يغسل يساره وحدها ، ولا يعيد وضوء شي‌ء غيرها » (٥) فالمراد بالوحدة من بين المغسولات ، وبنفي الإعادة لما سبق عليها ، توفيقا بينها وبين غيرها :

كرواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وان نسي شيئا من الوضوء المفروض ، فعليه أن يبدأ بما نسي ، ويعيد ما بقي لتمام الوضوء » (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨ ح ٨٩ ، التهذيب ١ : ٩٧ ح ٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ح ٢٢٣.

(٣) التهذيب ١ : ٩٧ ح ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ح ٢٢٥.

(٤) التهذيب ١ : ٥٦ ح ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٨.

(٥) قرب الاسناد : ٨٣ ، التهذيب ١ : ٩٨ ح ٢٥٧ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ح ٢٢٦.

(٦) التهذيب ١ : ٨٩ ح ٢٣٥ ، ٩٩ ح ٢٦٠ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ح ٢٢٩.

١٦٢

ولمطابقة تأويلها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وان كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال ، ولا يعيد على ما كان وضّأه » (١).

وما رواه العامّة عن علي عليه‌السلام وابن مسعود : « ما أبالي بأي أعضائي بدأت » (٢) معارض بما رووه عن عليّ عليه‌السلام أنّه سئل ، فقيل : أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شي‌ء؟ فقال : « لا ، حتى يكون كما أمر الله تعالى » (٣).

مسائل ثلاث :

الأولى : اختلف الأصحاب في وجوب الترتيب بين الرجلين.

فابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلار عليه (٤) للاحتياط ، والوضوء البياني.

والأكثر لا (٥) للأصل ، ولقوله تعالى ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ، مع عدم قيام مناف له كما قام في اليدين.

قال ابن إدريس في الفتاوى : لا أظنّ أحدا منا يخالف في ذلك. نعم ، هو مستحب لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّ الله يحب التيامن » (٦) وعليه قول الصدوقين (٧).

الثانية : لا يكفي في الترتيب عدم تقديم المؤخر‌ بل يعتبر تقديم المقدّم ، إذ هو المفهوم منه ، وللأخبار. فلو غسل الأعضاء معا بطل ، لفقد المعنى الثاني وان وجد الأول ، فحينئذ يحصل الوجه ، فإن أعاد الغسل الدفعيّ فاليمنى ، فان أعاده‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ ح ٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ح ٢٢٨.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ٨٨ ، السنن الكبرى ١ : ٨٧ ، معرفة السنن : ٢٤٨.

(٣) المغني ١ : ١٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٩.

(٤) المراسم : ٣٨ ، مختلف الشيعة : ٢٥.

(٥) منهم المفيد في المقنعة : ٤ ، العلاّمة في المختلف : ٢٥ ، المحقّق في الشرائع ١ : ٢٢.

(٦) نصب الراية ١ : ٣٤.

(٧) الفقيه ١ : ٢٨ ، مختلف الشيعة : ٢٥.

١٦٣

فاليسرى ويمسح بمائها.

ولو ارتمس ناويا صحّ الوجه ، فإن أخرج اليدين مرتّبا صحتا ، ولو أخرجهما معا فاليمنى إذا قصد بالإخراج الغسل.

ولو كان في جار ، وتعاقبت الجريات ناويا ، صحّت الأعضاء الثلاثة. والأقرب : انّ هذه النية كافية في الواقف أيضا ، لحصول مسمّى الغسل مع الترتيب الحكمي ، ويمسح بماء الاولى.

ولو غسل عضوا قبل الوجه لم يعتدّ به ، فإذا غسل الوجه صح. ولو نكس مرارا ، ترتب الوضوء مهما أمكن وصحّ إن نوى عنده ، أو كان قد تقدمت النية في موضع استحباب التقدّم. والأقرب : انه لا يضر عزوبها بعد ، لتحقق الامتثال فيخرج عن العهدة. ويحتمل الإعادة مع العزوب ، لوجود الفصل بأجنبي ، بخلاف ما إذا أتى بأفعال الوضوء مرتّبة.

الثالثة : الترتيب ركن في الوضوء‌ فيبطل بتركه ولو نسيانا ، لعدم الإتيان بالجزء الصوري ، وتحقّق الماهية موقوف عليه فلا يعدّ ممتثلا.

وانما يتحقّق البطلان إذا لم يستدرك في محلّه ، فلو راعاه بعد صحّ ما دام البلل ، ولو كان عمدا فكذلك الاّ انّه يأثم هنا. وجاهل الحكم غير معذور وان استند الى شبهة ، لأنّه مخاطب بالعلم. نعم ، لا يعيد ذو الشبهة ما صلاّه بهذا الوضوء ، للخبر المتقدم في عدم إعادة ما عدا الزّكاة (١).

الواجب السابع :

الموالاة ، إجماعا. وقد حكى المتأخرون فيها خلافا بين المتابعة ومراعاة الجفاف ، وعند التأمل يمكن حمل كلام الأكثر على اعتبار الجفاف ، فلنورد عباراتهم هنا تحصيلا للمراد ، ونفيا للشبهة.

قال علي بن بابويه : وتابع بينه كما قال الله عزّ وجلّ : ابدأ بالوجه ، ثم باليدين ، ثم امسح بالرأس والقدمين. فان فرغت من بعض وضوئك ، فانقطع‌

__________________

(١) تقدم في ١٥٩ الهامش ١.

١٦٤

بك الماء من قبل أن تتمّه وأوتيت بالماء ، فأتمّ وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، وان كان قد جفّ فأعد الوضوء. وان جفّ بعض وضوءك قبل أن تتمّ الوضوء ، من غير أن ينقطع عنك الماء ، فاغسل ما بقي ، جفّ وضوؤك أو لم يجف (١).

ولعله عوّل على ما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ كما أسنده ولده في كتاب مدينة العلم ، وفي التهذيب وقفه على حريز ـ قال : قلت : إن جفّ الأول من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال : « إذا جفّ أو لم يجف ، فاغسل ما بقي » (٢). وحمله في التهذيب على جفافه بالرّيح الشديد ، أو الحرّ العظيم ، أو على التقية.

قلت : التقيّة هنا أنسب ، لأنّ في تمام الحديث : قلت : وكذلك غسل الجنابة؟ قال : « هو بتلك المنزلة ، وابدأ بالرأس ، ثم أفض على سائر جسدك ». قلت : فان كان بعض يوم؟ قال : « نعم ». وظاهر هذه المساواة بين الوضوء والغسل فكما ان الغسل لا يعتبر فيه الريح الشديدة والحر ، كذلك الوضوء.

وفي من لا يحضره الفقيه اقتصر على حكاية كلام والده (٣) وظاهره اعتقاده. وهذا فيه تصريح بأن المتابعة الترتيب ، وان الموالاة ما أتي بعدها. وفي المقنع ذكر ذلك ولم يذكر المتابعة (٤).

وقال المفيد : ولا يجوز التفريق بين الوضوء ، فيغسل وجهه ثم يصبر هنيهة ثم يغسل يده ، بل يتابع ذلك ويصل غسل يده بغسل وجهه ، ومسح رأسه بغسل يديه ، ومسح رجليه بمسح رأسه ، ولا يجعل بين ذلك مهلة إلا لضرورة. ثم اعتبر الجفاف عند الضرورة (٥).

واحتج له في التهذيب بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٥.

(٢) التهذيب ١ : ٨٨ ح ٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ح ٢٢٢.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥.

(٤) المقنع : ٦.

(٥) المقنعة : ٥.

١٦٥

« إذا توضأت بعض وضوئك ، فعرضت بك حاجة حتى يبس وضوؤك ، فأعد فإنّ الوضوء لا يبعّض » (١).

وبخبر معاوية بن عمار ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما توضأت فنفذ الماء ، فدعوت بالجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي؟ قال : « أعد » (٢).

وليس في هذين الخبرين تصريح بوجوب المتابعة.

وقال الجعفي : والوضوء على الولاء .. الى قوله : ومن فرّق وضوءه حتى يبس أعاده. وهو أيضا ظاهر في أنّ الولاء مراعاة الجفاف.

وقال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الناصرية : الموالاة عندنا واجبة بين الوضوء ولا يجوز التفريق ، ومن فرّق بين الوضوء بمقدار ما يجفّ مع (٣) غسل العضو الذي انتهى اليه ، وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل ، وجب عليه إعادة الوضوء (٤).

وقال في المصباح ـ حسب ما نقله عنه في المعتبر ـ : هي أن يتابع بين غسل الأعضاء ولا يفرّق إلاّ لعذر وتمّمه بنحو من كلامه في الناصرية (٥). وهو أيضا غير صريح في المطلوب ، لانصباب قوله : ومن فرّق .. الى آخره على تفسير الموالاة ، فكأنّها المرادة بعدم التفريق.

وقال تلميذه سلاّر : والموالاة واجبة ، وهي : أن يغسل اليدين والوجه رطب ، ويمسح الرأس والرجلين واليدان ورطبتان ، في الزمان والهواء المعتدل (٦). وهو تصريح بمراعاة الجفاف.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥ ح ٧ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ، التهذيب ١ : ٨٧ ح ٢٣٠ ، ٩٨ ح ٢٥٥ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ح ٢٢٠.

(٢) التهذيب ١ : ٨٧ ح ٢٣١ ، ٩٨ ح ٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ح ٢٢١.

(٣) كذا في النسخ الثلاث ، وفي المصدر : معه.

(٤) الناصريات : ٢٢١ المسألة ٣٣.

(٥) المعتبر ١ : ١٥٧.

(٦) المراسم : ٣٨.

١٦٦

وابن الجنيد اعتبر الجفاف ، واشترط بقاء البلل على جميع الأعضاء ، إلاّ لضرورة فلا يضرّ الجفاف.

وقال الشيخ في النهاية : والموالاة أيضا واجبة في الطهارة ، ولا يجوز تبعّضها إلاّ لعذر ، فإن بعّض لعذر أو انقطاع الماء جاز ، إلاّ أنّه يعتبر ذلك بجفاف ما وضّأه من الأعضاء ، فإن كان قد جفّ وجب استئناف الوضوء ، وإن لم يكن قد جف بنى عليه (١). ثم قال في غسل الرجلين : ولا يحلّ غسلهما بين أعضاء الطهارة (٢).

وقال في المبسوط : والموالاة واجبة في الوضوء ، وهي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار ، فإن خالف لم يجزه. وإن انقطع عنه الماء انتظره ، فإذا وصل إليه وكان ما غسله عليه نداوة بنى عليه ، وإن لم يبق فيه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء من أوله (٣).

وقال في الخلاف : عندنا أن الموالاة واجبة ، وهي أن يتابع بين أعضاء الطهارة ، ولا يفرق بينهما إلاّ لعذر بانقطاع الماء ، ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء ، فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء ، وإن بقي في يده نداوة بنى عليه (٤).

وفي التهذيب احتجّ للمتابعة : باقتضاء الأمر الفور ، فيجب فعل الوضوء عقيب توجه الأمر إليه ، وكذلك جميع الأعضاء الأربعة ، لأنّه إذا غسل وجهه فهو مأمور بعد ذلك بغسل اليدين ، فلا يجوز له تأخيره (٥).

وكلام الشيخين ظاهر في وجوب المتابعة ، وظاهر المبسوط عدم الإجزاء بالمخالفة ففيه وفاء بحق الواجب ، إلاّ أنّه في الجمل وافق الأصحاب في اعتبار الجفاف (٦) ، فانحصرت المتابعة في المفيد ـ رحمه‌الله ـ ولو حمل قوله : ( لا يجوز ) على‌

__________________

(١) النهاية : ١٥.

(٢) النهاية : ١٥.

(٣) المبسوط ١ : ٢٣.

(٤) الخلاف ١ : ٩٣ المسألة ٤١.

(٥) التهذيب ١ : ٨٧.

(٦) الجمل والعقود : ١٥٩.

١٦٧

الكراهية انعقد الإجماع.

وقال ابن البرّاج ـ رحمه‌الله ـ في المهذّب : والترتيب والموالاة يجبان في الوضوء ، فإن توضّأ على خلاف الترتيب المقدّم ذكره لم يكن مجزئا ، وإن ترك الموالاة حتى يجفّ الوضوء المتقدّم لم يجزه أيضا ، اللهم إلاّ أن يكون الحرّ شديدا أو الريح يجف منهما العضو المتقدّم بينه وبين طهارة العضو الثاني من غير إمهال لذلك ، فإنّه يكون مجزئا (١).

وفي الكامل : والموالاة ، وهي : متابعة بعض الأعضاء ببعض ، فلا يؤخّر المؤخر عما يتقدّمه بمقدار ما يجفّ المتقدم في الزمان المعتدل. وهاتان العبارتان ظاهرتان في مراعاة الجفاف.

وقال أبو الصلاح : والموالاة ، وهي : أن تصل توضئة الأعضاء بعضا ببعض ، فإن جعل بينها مهلة حتى جفّ الأول بطل الوضوء (٢). وليس فيه تصريح بوجوب المتابعة ، بل ظاهره اعتبار الجفاف.

وقال السيد ابن زهرة ـ رحمه‌الله ـ : الموالاة ، وهي : ان لا يؤخّر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم في الهواء المعتدل (٣).

وقال ابن حمزة : والموالاة ، وهي : ان يوالي بين غسل الأعضاء ، ولا يؤخّر بعضه عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم (٤). وهو ظاهر في مراعاة الجفاف.

وقال الكيدري ـ في سياق الواجب ـ : وأن لا يؤخّر غسل عضو عن عضو الى أن يجفّ ما تقدم مع اعتدال الهواء (٥).

وقال ابن إدريس : والموالاة واجبة في الصغرى فحسب ، وحدّها المعتبر عندنا على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصّلين هو : ان لا يجفّ غسل العضو‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٤٥.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٣) الغنية : ٤٩٢.

(٤) الوسيلة ٣٨.

(٥) إصباح الشيعة : ٢٩.

١٦٨

المتقدّم في الهواء المعتدل. ولا يجوز التفريق بين الوضوء ، بمقدار ما يجف غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل. وبعض أصحابنا يذهب الى أنّ اعتبار الجفاف عند الضرورة ، وانقطاع الماء وغيره من الأعذار (١) وفيه تصريح باعتبار الجفاف ، ومصير الى ما قاله السيد من اعتبار جفاف العضو السابق على ما يبتدئ منه ، ولا يكفيه بقاء البلل على غيره في ظاهر كلامهما.

وقال الشيخ نجيب الدين ابن سعيد في الجامع : والمتابعة بين أعضاء الطهارة ، فإن فرّق وجفّ ما سبق استأنف الوضوء ، وإن لم يجف بنى عليه (٢). وليس فيه تصريح بأحدهما.

وأمّا الفاضلان فتبعا الشيخ المفيد في كتبهما ، واحتجّا بحجته ، وبأنّ الوضوء البياني وقع متابعا تفسيرا للأمر الإجمالي ، فتجب المتابعة كوجوب المفسّر (٣). وفي المختلف احتج بخبر الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « أتبع وضوءك بعضه بعضا » (٤).

والمختار : المراعاة ، والأخبار لا تدلّ على أكثر منها.

والجواب عن تمسّك الشيخ : بأنّ الفورية لا ينافيها هذا القدر من التأخير ، خصوصا مع كونه مبيّنا في الأخبار بالجفاف.

ومتابعة الوضوء البياني مسلمة ، ولكن لم قلتم بمنافاة هذا اليسير من التأخير لها؟ وإلاّ لوجب مراعاة القدر الذي تابع فيه من الزمان ومطابقته له ، مع اعتضاده بأحاديث الجفاف.

وأمّا خبر الحلبي فهو في سياق وجوب الترتيب في الوضوء ، والمراد بالمتابعة اتباع كل عضو سابقه بحيث لا يقدّمه عليه ، لأنّه قال فيه : « إذا نسي الرجل أن‌

__________________

(١) السرائر : ١٧.

(٢) الجامع للشرائع : ٣٦.

(٣) المعتبر ١ : ١٥٦ ، تذكرة الفقهاء : ١ : ٢٠ ، منتهى المطلب ١ : ٧٠.

(٤) مختلف الشيعة : ٢٥.

وخبر الحلي في الكافي ٣ : ٣٤ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ ح ٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ح ٢٢٨.

١٦٩

يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه ، فذكر بعد ذلك ، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه. وإن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال ، ولا يعد على ما كان توضّأ » ، وقال : « أتبع وضوءك بعضه بعضا » (١).

ومثله ما رواه الصدوق عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « تابع بين الوضوء كما قال الله عزّ وجلّ : ابدأ بالوجه ، ثم باليدين ، ثم امسح الرأس والرجلين ، ولا تقدّمن شيئا بين يدي شي‌ء تخالف ما أمرت به » (٢) ، وأسنده الكليني ـ رحمه‌الله ـ عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٣).

ولأن المتابعة بهذا المعنى لو وجبت لبطل الوضوء بالإخلال بها قضية لعدم الإتيان به على الوجه ، وهما لا يقولان به.

ولأن ضبط الموالاة بالجفاف أولى من الاتباع ، لاختلافه باختلاف حركات المكلّفين.

وإنّما أوردنا عبارة الأصحاب هنا ، لأنّ بعض الأفاضل نسب كثيرا منهم إلى القول بالمتابعة.

فروع :

الأول : ظاهر ابني بابويه أن الجفاف لا يضرّ مع الولاء ، والأخبار الكثيرة بخلافه ، مع إمكان حمله على الضرورة.

الثاني : ظاهر المرتضى وابن إدريس اعتبار العضو السابق.

وابن الجنيد مصرّح باشتراط البلل على الجميع الى مسح الرجلين إلاّ لضرورة.

وظاهر الباقين : انّ المبطل هو جفاف الجميع لا جفاف البعض ، قال في‌

__________________

(١) راجع ص ١٦٩ الهامس ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨ ح ٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٩٧ ح ٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ح ٢٢٣.

١٧٠

المعتبر : لإطباقهم على الأخذ من اللحية والأشفار للمسح ، ولا بلل هنا على اليدين (١). وبه يشهد خبر زرارة والحلبي عن الصادق عليه‌السلام في الأخذ من اللحية (٢) ، ورواه الكليني عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٣) ورواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام ، ثم قال فيه : « وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك » (٤). وفي التهذيب من مراسيل حمّاد عن الصادق عليه‌السلام ذكر الحاجبين والأشفار أيضا (٥).

قلت : هذا يلزم منه أحد أمور ثلاثة : إمّا أنّ الجفاف للضرورة غير مبطل كما قاله ابن الجنيد ، وإمّا تخصيص هذا الحكم بالناسي ، وإمّا أنّ المبطل جفاف الجميع.

الثالث : لو كان الهواء رطبا جدا ، بحيث لو اعتدل جفّ البلل ، لم يضر لوجود البلل حسّا. وتقييد الأصحاب بالهواء المعتدل ، ليخرج طرف الإفراط في الحرارة. وكذا لو أسبغ الماء ، بحيث لو اعتدل لجفّ ، لم يضر.

الرابع : لو تعذّر بقاء بلل للمسح جاز الاستئناف ، للضرورة ، ونفي الحرج. ولو أمكن غمس العضو ، أو إسباغ العضو المتأخر ، وجب ولم يستأنف.

الخامس : لو نذر المتابعة في الوضوء وجبت ، أمّا على المشهور فظاهر لأنّها مستحبة ، وأمّا على الوجوب فللتأكيد. فلو أخلّ بها ولما يجف ، ففي صحة الوضوء وجهان مبنيان على اعتبار حال الفعل أو أصله. فعلى الأول لا يصح ، وعلى الثاني يصحّ.

أمّا الكفارة ، فلازمة مع تشخّص الزمان قطعا ، لتحقق المخالفة. وهذا مطّرد في كل مستحب أوجب بأمر عارض.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٩٩ ح ٢٦٠ ، ١٠١ ح ٢٦٣ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ح ٢٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٣٦ ح ١٣٤.

(٥) التهذيب ١ : ٥٩ ح ١٦٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ح ١٧٥.

١٧١

الواجب الثامن : المباشرة بنفسه ، فيبطل لو ولاّه غيره اختيارا ـ تفرد به الإمامية على ما نقله المرتضى في الانتصار (١) وفي المعتبر : هو مذهب الأصحاب (٢) ـ لقوله تعالى ( فَاغْسِلُوا ) (٣) ، ( وَامْسَحُوا ) (٤). واسناد الفعل الى فاعله هو الحقيقة ، ولتوقف اليقين بزوال الحدث عليه.

وقال ابن الجنيد : يستحب ان لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره ، بأن يوضئه أو يعينه عليه (٥). والدليل والإجماع يدفعه.

ويجوز مع العذر تولية الغير ، لأنّ المجاز يصار إليه مع تعذّر الحقيقة ، فحينئذ يتولّى المكلّف النية ، إذ لا يتصوّر العجز عنها مع بقاء التكليف. فلو أمكن غمس العضو في الماء لم تجز التولية ، ولو أمكن في البعض تبعّض.

ولو احتاج الى أجرة وجبت ، قضية لوجوب مقدمة الواجب ، ولو زادت عن أجرة المثل مع القدرة ، إلاّ مع الإجحاف بماله دفعا للحرج. فلو تعذّر وأمكن التيمّم وجب ، ولو تعذرا فهو فاقد الطهارة. ولو قدر بعد التولية ، فالأقرب : بقاء الطهارة ، لأنّها مشروعة ، ولم يثبت كون ذلك ناقضا ، ويتخرّج وجها ذي الجبيرة والتقية هنا.

__________________

(١) الانتصار : ٢٩.

(٢) المعتبر ١ : ١٦٢.

(٣) سورة المائدة : ٦.

(٤) سورة المائدة : ٦.

(٥) مختلف الشيعة : ٢٥.

١٧٢

البحث الثاني : في مستحباته :

وهي ستة عشر :

الأول : وضع الإناء على اليمين إن توضّأ منه ، وكان مما يغترف منه باليد. قاله الأصحاب ، لما روي : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحبّ التيامن في طهوره ، وتنعّله ، وشأنه كلّه (١).

الثاني : الاغتراف باليمين ، لما قلناه ، ولأنّ الباقر عليه‌السلام فعل ذلك لمّا وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وليدره بها الى اليسار ، قاله الأصحاب (٣). وفي خبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « أنّه أخذ باليسرى فغسل اليمنى » (٤). وروي أيضا عنه عليه‌السلام الأخذ باليمنى (٥).

الثالث : التسمية‌ إجماعا. وهي ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين » (٦).

وقال الصدوق : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا توضأ قال : « بسم الله وبالله ، وخير الأسماء وأكبر الأسماء لله (٧) وقاهر لمن في السماوات قاهر لمن في الأرض‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٥٣ ، صحيح مسلم ١ : ٢٢٦ ح ٢٦٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤١ ح ٤٠١ ، سنن النسائي ١ : ٢٠٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٤ الفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤.

(٣) راجع : المراسم : ٣٩ ، الوسيلة : ٥١ ، المهذب ١ : ٤٣ ، المعتبر ١ : ١٦٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣.

(٦) التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩٢ عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٧) ليست في م ، س.

١٧٣

الله (١). الحمد لله الذي جعل من الماء كل شي‌ء حي ، وأحيا قلبي بالإيمان. اللهم تب عليّ ، وطهرني ، واقض لي بالحسنى ، وأرني كل الذي أحب ، وافتح لي الخيرات من عندك ، يا سميع الدعاء » (٢) ، وهذا أكمل.

ولو اقتصر على ( بسم الله ) أجزأ ، لإطلاق قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله ، وإذا لم تسم لم يطهر إلاّ ما أصابه الماء » (٣) وعن الصادق عليه‌السلام : « من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنّما اغتسل » (٤) والمراد : ثواب الغسل. وفيه إشارة الى عدم وجوبها والاّ لم يطهر من جسده شي‌ء ، مع عدم دلالة آية الوضوء عليها.

وما رووه من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه » (٥) لم يثبت عندهم ، ولو سلّم حمل على نفي الكمال. وفي مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من توضّأ بإعادة وضوئه ثلاثا حتى سمّى (٦) دلالة على تأكّد الاستحباب ، أو يحمل على النية كما مرّ (٧).

ولو نسيها في الابتداء ، فالأقرب : التدارك في الأثناء ، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ، وكما في الأكل. ولو تعمّد تركها ، فالأقرب انه كذلك ، لما فيه من القرب الى المشروع.

__________________

(١) ليست في المصدر.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧ ح ٨٧.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٧٤ ، السنن الكبرى ١ : ٤٤.

(٤) الفقيه ١ : ٣١ ح ١٠١ ، التهذيب ١ : ٣٥٨ ح ١٠٧٣ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ح ٢٠٣.

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤١٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤٠ ح ٣٩٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥ ح ١٠١ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٨ ح ٢٥ ، مسند أبي يعلى ١١ : ٢٩٣ ح ٦٤٠٩ ، سنن الدار قطني ١ : ٧٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٦.

(٦) التهذيب ١ : ٣٥٨ ح ١٠٧٥ ، الاستبصار ١ : ٦٨ ح ٢٠٦.

(٧) تقدم في ص ١٠٥ الهامش ٢.

١٧٤

ويستحبّ الدعاء بعد التسمية بقوله : « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ، ولم يجعله نجسا » (١) لما يأتي. ويقرأ الحمد والقدر ، قاله المفيد (٢).

الرابع : غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ، مرة من النوم والبول ، ومن الغائط مرتين ، وقد تقدّم (٣).

ولا يجب ، لعدم تحقق النجاسة ، ولقول أحدهما عليهما‌السلام : « نعم » في جواب محمد بن مسلم في الرجل يبول ولم يمسّ يده شيئا ، أيغمسها في الماء؟ (٤).

وما روى أبو هريرة من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا ، فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يده » (٥) لم يثبت عندنا ، مع إنكار بعض الصحابة على الراوي ، وقالوا : فما نصنع بالمهراس؟ (٦). ولو سلم حمل على الندب ، فانّ ظاهر التعليل يدلّ عليه.

وما رويناه عن عبد الكريم بن عتبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من نهيه عن إدخال يده بعد البول حتى يغسلها ، وكذا بعد النوم لأنّه لا يدري حيث كانت يده (٧) محمول على الكراهية توفيقا.

ولا فرق بين نوم الليل والنهار ، ولا بين كون اليد مطلقة أو مشدودة ، وكون النائم مسرولا أو غيره. والمعتبر مطلق النوم ، فلا يشترط فيه الزيادة على نصف الليل. واليد هنا من الزند اقتصارا على المتيقن ، ولا فرق بين غمس بعضها‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، أمالي الصدوق : ٤٤٥ ، التهذيب ١ : ٥٣ ح ١٥٣.

(٢) انظر المقنعة : ٤٣ من دون : ويقرأ الحمد والقدر.

(٣) تقدم في ص ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٧ ح ٩٨ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ح ١٤٣.

(٥) تقدم في ص ١٠٩ الهامش ٤.

(٦) السنن الكبرى ١ : ٤٨.

المهراس : حجر منقور يدق فيه ، ويتوضأ منه. الصحاح ـ مادة هرس.

(٧) الكافي ٣ : ١١ ح ٢ ، علل الشرائع : ٢٨٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ح ١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٥١ ح ١٤٥.

١٧٥

وجميعها في الكراهية.

ثمّ إن نوى للضوء عند الغسل ، وإلاّ نوى له لأنه عبادة يعدّ من أفعال الوضوء. وللفاضل وجه بعدم النية ، بناء على أنّ الغسل لتوهم النجاسة (١).

قلنا : لا ينافي كونه عبادة باعتبار اشتمال الوضوء عليه.

الخامس : المضمضة والاستنشاق ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عشر من الفطرة » وعدّهما (٢). ولأنّ أبا عبد الله عليه‌السلام حكى وضوء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « ثم تمضمض ، فقال : اللهم لقّني حجتي يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكرك ، ثم استنشق » رواه عبد الرحمن بن كثير (٣).

وعن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلا تعد » (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام : « المضمضة والاستنشاق ممّا سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » رواه عبد الله بن سنان (٥).

وقوله عليه‌السلام في رواية أبي بكر الحضرمي : « ليس عليك استنشاق ، ولا مضمضة ، إنّهما من الجوف » (٦) نفي للوجوب ، لدلالة لفظ « عليك ».

وقول الباقر عليه‌السلام في رواية زرارة : « ليسا من الوضوء » (٧) يعني من واجباته.

وروى زرارة أيضا عنه عليه‌السلام : « ليس المضمضة والاستنشاق‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ : ٢٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٢٣ ح ٢٦١ ، سنن أبي داود ١ : ١٤ ح ٥٣ ، سنن النسائي ٨ : ١٢٦ ، السنن الكبرى ١ : ٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، أمالي الصدوق : ٤٤٥ ، التهذيب ١ : ٥٣ ح ١٥٣.

(٤) التهذيب ١ : ٧٨ ح ٢٠٠ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ح ٢٠٠.

(٥) التهذيب ١ : ٧٩ ح ٢٠٣ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ح ٢٠٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ ح ٢٠١ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ح ٣٩٥.

(٧) التهذيب ١ : ٧٨ ح ١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٦٦ ح ١٩٩.

١٧٦

فريضة ، ولا سنة ، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » (١) ، يحمل على نفي سنة خاصة ، أي : ممّا سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما ، فانّ ذلك قد يسمى سنة لثبوته بالسنّة وإن كان واجبا. ويمكن تأويل كلام ابن أبي عقيل : ليسا بفرض ولا سنة (٢) بهذا أيضا فيرتفع الخلاف في استحبابهما.

وما روي عن عائشة انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « هما من الوضوء الذي لا بدّ منه » (٣) طعن فيه الدار قطني بإرساله ، ووهّم من وصله (٤). ولو سلّم حمل على الندب.

وكيفيتهما : أن يبدأ بالمضمضة ثلاثا بثلاث أكفّ من ماء ، ومع الإعواز بكف واحدة ، فيدير الماء في جميع فيه ثم يمجّه ، ثم يستنشق. وليبالغ فيهما بإيصال الماء إلى أقصى الحنك ، ووجهي الأسنان ، واللّثات ، ممرّا إصبعيه (٥) عليهما ، وإزالة ما هناك (٦) من الأذى ، ويجذب الماء الى خياشيمه إلاّ أن يكون صائما ، لما رووه عن لقيط بن صبرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : « أسبغ الوضوء ، وخلّل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق الاّ أن تكون صائما » (٧) ، وروينا عن يونس : « انّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض » (٨) وهو محمول على المبالغة. والاستنشاق أيضا بثلاث أكفّ أو كف.

ويدعو عندهما بما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ١ : ٧٨ ح ٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ح ٢٠١.

(٢) مختلف الشيعة : ٢١.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٨٤ ، السنن الكبرى ١ : ٥٢.

(٤) سنن الدار قطني ١ : ٨٤.

(٥) في س : إصبعه.

(٦) في س : هنا.

(٧) مسند أحمد ٤ : ٢١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤٢ ح ٤٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٦ ح ١٤٢ ، الجامع الصحيح ٣ : ١٥٥ ح ٧٨٨ سن النسائي ١ : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ١٤٨.

(٨) الكافي ٤ : ١٠٧ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ح ٥٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ ح ٣٠٤.

١٧٧

عن علي عليه‌السلام كما مرّ ، وانه قال عند استنشاقه : « اللهم لا تحرّم عليّ ريح الجنة ، واجعلني ممّن يشمّ ريحها وروحها وطيبها » (١) هكذا في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه. والذي في المقنعة والمصباح « وريحانها » بدل « وطيبها » ، وأوّله « اللهم لا تحرمني طيبات الجنان » (٢). وفي الكافي بسنده : « اللهم لا تحرم علي ريح الجنة ، واجعلني ممّن يشمّ ريحها وطيبها وريحانها » (٣). والكل حسن.

السادس : السواك. والظاهر أنّه مقدّم على غسل اليدين ، لرواية المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام : « الاستياك قبل أن تتوضأ » (٤). ولو فعله عند المضمضة جاز ، وكذا لو تداركه بعد الوضوء ، لقول الصادق عليه‌السلام في ناسية قبل الوضوء : « يستاك ، ثم يتمضمض ثلاثا » (٥).

واستحبابه في الجملة مجمع عليه ، وخصوصا عند القيام من النوم ، وخصوصا لقيام صلاة الليل ، لرواية أبي بكر بن سماك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا قمت بالليل فاستك ، فإنّ الملك يأتيك فيضع فاه على فيك ، وليس من حرف تتلوه إلا صعد به الى السماء فليكن فوك طيّب الريح » (٦).

ولنذكر أحاديث أوردها الصدوق :

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما زال جبرئيل عليه‌السلام يوصيني بالسواك ، حتى خشيت أن أحفي أو أدرد » (٧) وهما رقة الأسنان وتساقطها.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته لعلي عليه‌السلام : « عليك بالسواك‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، أمالي الصدوق : ٤٤٥ ، التهذيب ١ : ٥٣ ح ١٥٣. وتقدم صدره في ص ١٧٦ الهامش ٣.

(٢) المقنعة : ٤ ، مصباح المتهجد : ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٣ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٣ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٢٣ ح ٧ ، علل الشرائع : ٢٩٣ ، وفيهما : أبي بكير بن أبي سماك.

(٧) الفقيه ١ : ٣٢ ح ١٠٨ ، وفي الكافي ٣ : ٢٣ ح ٣.

١٧٨

عند كل وضوء صلاة » (١).

وقال عليه‌السلام : « السواك شطر الصلاة » (٢).

وقال عليه‌السلام : « لكلّ شي‌ء طهور ، وطهور الفم السواك » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لا أن أشقّ على أمتي ، لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة » (٤).

قال الصدوق : وروي « أنّ الكعبة شكت الى الله ما تلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى الله تعالى إليها : قرّي كعبة ، فإنّي مبدلك منهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر. فلما بعث الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل عليه الروح الأمين عليه‌السلام بالسّواك » (٥).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ أفواهكم طرق القرآن ، فطهّروها بالسّواك » (٦).

وقال الباقر والصادق عليهما‌السلام : « صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك » (٧).

وقال الصادق عليه‌السلام : « في السواك اثنتا عشرة خصلة : هو من السنّة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب الحفر ، ويشد اللّثة ، ويشهي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة » (٨) إلى أخبار كثيرة أوردها‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢ ح ١١٣.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢ ح ١١٤ ، وفيه : « شطر الوضوء ».

(٣) الفقيه ١ : ٣٣ ح ١١٦.

(٤) الفقيه ١ : ٣٤ ح ١٢٣ ، وفي الكافي ٣ : ٢٢ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٤ ح ١٢٥ ، وفي المحاسن : ٥٥٨ ، والكافي ٤ : ٥٤٦ ح ٣٢.

(٦) الفقيه ١ : ٣٢ ح ١١٢ ، المقنع : ٨.

(٧) الفقيه ١ : ٣٣ ح ١١٨ ، وفي الكافي ٣ : ٢٢ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ٣٤ ح ١٢٦ ، وفي المحاسن : ٥٢٦ ، الكافي ٦ : ٤٩٥ ح ٦ ، ثواب الأعمال : ٣٤ ، والخصال : ٤٨١.

١٧٩

هو وغيره.

وروى العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب » (١) ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا استيقظ استاك (٢).

وهنا مسائل :

الأولى : استحبابه يعمّ الصائم والمحرم ، أمّا الصائم فلرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « يستاك الصائم أيّ النهار شاء ، ولا يستاك بعود رطب » (٣) ، وفيها دلالة على أصل السواك ، وعلى كراهيته بالرطب للصائم ، كما أفتى به ابن أبي عقيل ، والشيخ في الاستبصار (٤).

وفي ورائه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أيستاك الصائم بالعود الرطب يجد طعمه؟ قال : « لا بأس به » (٥). وفي رواية موسى الرازي عن الرضا عليه‌السلام : « الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب » ، وأشار إلى أن المضمضة إذا كانت للسنة فكذلك السواك (٦).

قال في التهذيب : الكراهية لمن لم يضبط نفسه عن استرسال رطوبته ، أمّا من تمكن من ذلك فلا بأس به (٧).

أمّا المحرم ، فلرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سأله عن‌

__________________

(١) مسند أحمد ٦ : ١٤٦ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٤ ، صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، سنن النسائي ١ : ١٠ ، السنن الكبرى ١ : ٣٤.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣٧٣ ، صحيح مسلم ١ : ٢٢١ ح ٢٥٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥ ح ٥٥ ، السنن الكبرى ١ : ٣٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٢ ح ٧٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٩١ ح ٢٩٢.

(٤) الاستبصار ١ : ٩٢ ، مختلف الشيعة : ٢٣٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٣ ح ٩٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٩١ ح ٢٩١.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٦٣ ح ٧٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٩٢ ح ٢٩٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٦٣.

١٨٠