محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣
الفصل الثالث
في الأحكام :
وفيه مسائل :
الأولى : تكره النافلة المبتدأة في أوقات خمسة : عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة ، قاله المفيد (١) وفي الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « حتى ترتفع » (٢). وغروبها حتى يذهب الشفق المشرقي ، ويراد به ميلها للغروب وهو الاصفرار حتى يكمل الغروب. وقيامها في الاستواء حتى تزول ، إلاّ في يوم الجمعة فإنّه يجوز عند القيام. وبعد صلاتي الصبح إلى طلوع الشمس ، والعصر الى غروبها.
واحترزنا بالنافلة عن الفريضة ، وبالمبتدأة عن ذات السبب ـ كقضاء النافلة ، والتحية ، والاستسقاء ، وصلاتي الطواف ، والإحرام ـ فإنّ ذلك لا يكره في المشهور.
والأصل فيه ما رواه عقبة بن عامر ، قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ثلاث أن نصلّي بهن ، أو نقبر فيهن موتانا : إذا طلعت الشمس حتى ترتفع ، وحين تقوم ، وإذا تضيّفت للغروب (٣) أي : مالت.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « انّ الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، ثم إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، وإذا
__________________
(١) المقنعة : ٢٣.
(٢) مسند أحمد ٤ : ١٥٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٨ ح ٨٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ح ١٥١٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٠٨ ح ٣١٩٢ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٤٨ ح ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، مسند أبي يعلى ٣ : ٢٩١ ح ١٧٥٥.
(٣) مسند أحمد ٤ : ١٥٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٨ ح ٨٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ح ١٥١٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٠٨ ح ٣١٩٢ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٤٨ ح ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٧ ، مسند أبي يعلى ٣ : ٢٩١ ح ١٧٥٥.
دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها » ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات (١) ونحوه روينا عن أبي الحسن الثاني عليهالسلام (٢).
فقيل : قرن الشيطان حزبه ، وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات.
وقال بعض العامة : إنّ الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ، ليكون الساجد للشمس ساجدا له (٣).
وفي التهذيب في خبر مرفوع الى أبي عبد الله عليهالسلام ، انّ رجلا قال له عليهالسلام : إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، قال : « نعم ، إنّ إبليس اتّخذ عريشا بين السّماء والأرض ، فإذا طلعت الشّمس وسجد في ذلك الوقت الناس ، قال إبليس لشياطينه : إنّ بني آدم يصلّون لي » (٤).
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : انّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان » ، وقال : « لا صلاة بعد العصر حتى تصلّى المغرب » (٥).
وإنّما اختص يوم الجمعة لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : انه نهى عن الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة (٦). وعن أبي قتادة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : انّه كره الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة وقال : « إنّ جهنم تسجر إلاّ يوم
__________________
(١) الموطأ ١ : ٢٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٥٥ ح ١٦٣ ، المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٤٢٥ ح ٣٩٥٠ ، مسند أحمد ٤ : ٤٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٧ ح ١٢٥٣ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، مسند أبي يعلى ٣ : ٣٧ ح ١٤٥١ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٥٤.
(٢) علل الشرائع : ٣٤٣.
(٣) فتح العزيز ٣ : ١٠٥.
(٤) الكافي ٣ : ٢٩٠ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ ح ١٠٦٨.
(٥) التهذيب ٢ : ١٧٤ ح ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ح ١٠٦٥.
(٦) ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٣٩ ح ٤٠٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٦٤.
الجمعة » (١). وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام : « لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة » (٢).
وإنّما قيّدنا المبتدأة : لتظافر الروايات بقضاء النافلة فيها ، منها :
رواية عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : لا بأس بقضاء صلاة الليل والوتر بعد صلاتي الفجر والعصر (٣).
وعن جميل بن درّاج عن أبي الحسن عليهالسلام نحوه ، قال : « وهو من سرّ آل محمد المخزون » (٤).
وعن سليمان بن هارون عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إنّما هي النوافل ، فاقضها متى ما شئت » (٥).
وعن أبي عبد الله عليهالسلام بطريقين : « اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت » (٦).
وقد روى ابن بابويه بإسناده عن أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري ـ رضي الله عنهما ـ : وأمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، فإن كان كما يقول الناس : انّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة فصلّها ، وأرغم الشيطان (٧) وأورده الشيخ في التهذيب أيضا عن ابن بابويه (٨). وهذا يعطي عدم الكراهية مطلقا.
وبإزاء هذا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إن نام
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ٢٨٤ ح ١٠٨٣ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٦٤ ، ٣ : ١٩٣.
(٢) التهذيب ٣ : ١٣ ح ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ ح ١٥٧٦.
(٣) التهذيب ٢ : ١٧٣ ح ٦٨٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ ح ١٠٥٨.
(٤) التهذيب ٢ : ١٧٣ ح ٦٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ح ١٠٦٠.
(٥) التهذيب ٢ : ١٧٣ ح ٦٩٠ ، وفي الاستبصار ١ : ٢٩٠ ح ١٠٦١ عن أبي الحسن عليهالسلام.
(٦) التهذيب ٢ : ١٧٣ ح ٦٩١ ، ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ح ١٠٦٢ ، ١٠٦٣.
(٧) الفقيه ١ : ٣١٥ ح ١٤٣١ ، إكمال الدين : ٥٢٠.
(٨) التهذيب ٢ : ١٧٥ ح ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٦٩١ ح ١٠٦٧.
رجل ولم يصلّ المغرب والعشاء أو نسي ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ (١) المغرب ، ويدع العشاء حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ، ثمّ ليصلّها » (٢) وفي هذا الخبر دلالة على امتداد وقت العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر ، كما مر.
وروى الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام : انّ الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل ، ولو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلّى المغرب بعدها ولا يعدل ، لأنّ العصر ليس بعدها صلاة (٣).
وفي خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام : « فليصلّ الصبح ، ثم المغرب ، ثم العشاء ، قبل طلوع الشمس » (٤).
وحملها الشيخ على التقية ، لتظافر الأخبار بقضاء الفرائض في أي وقت شاء (٥).
قلت : هذه الروايات لا دلالة فيها على نفي كراهية ماله سبب. وقد قال المرتضى في الناصرية : يجوز أن يصلّى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كلّ صلاة لها سبب متقدم ، وإنّما لا يجوز أن يبتدأ فيها بالنوافل (٦) ، وعنى : الطلوع ، والغروب ، والاستواء.
والشيخ في الخلاف قال : فيما بعد الصبح والعصر لا يكره ما له سبب ، كالأمثلة الماضية. وقال : فيما نهي عنه لأجل الوقت ـ وهي المتعلقة
__________________
(١) في المصدرين زيادة : « الفجر ، ثم المغرب ، ثم العشاء الآخرة ، قبل طلوع الشمس. فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين ، فليصل ».
(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٤.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٥.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٦ ، وفي الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٣ عن ابن مسكان.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٧١.
(٦) الناصريات : ٢٣٠ المسألة ٧٧.
بالشمس ـ : لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام ، إلاّ يوم الجمعة فإنّه يصلّى عند قيامها النوافل. قال : وفي أصحابنا من قال التي لها سبب مثل ذلك (١).
وفي المبسوط : عمّم الأوقات الخمسة بالكراهية ، إلاّ فيما له سبب (٢).
وقال المفيد ـ رحمهالله ـ : تقضى النوافل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر الى اصفرارها ، ولا يجوز قضاؤها ولا ابتداؤها عند طلوع الشمس ولا غروبها. ولو زار بعض المشاهد عند طلوعها أو غروبها أخّر الصلاة ، حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها ، أو صفرتها عند غروبها (٣).
وحكم الشيخ في النهاية بكراهة صلاة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ، ولم يعيّن شيئا (٤).
وقال ابن أبي عقيل : لا نافلة بعد طلوع الشمس الى الزوال ، وبعد العصر الى أن تغيب الشمس ، إلاّ قضاء السنة فإنّه جائز فيهما ، وإلاّ يوم الجمعة (٥).
وقال ابن الجنيد : ورد النهي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس ، وغروبها ، وقيامها نصف النهار ، إلاّ يوم الجمعة في قيامها (٦).
وقال الجعفي : وكان يكره ـ يعني الصادق عليهالسلام ـ أن يصلّى من طلوع الشمس حتى ترتفع ، ونصف النهار حتى تزول ، وبعد العصر حتى تغرب ، وحين يقوم الإمام يوم الجمعة إلاّ لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة من
__________________
(١) الخلاف ١ : ٥٢٠ المسألة ٢٦٣.
(٢) المبسوط ١ : ٧٦.
(٣) المقنعة : ٢٣ ، ٣٥.
(٤) النهاية : ٦٢.
(٥) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٧٦.
(٦) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٧٦.
يوم الجمعة.
وقال المرتضى في الانتصار : يحرم التنفّل بالصلاة بعد طلوع الشمس الى الزوال (١). وكأنّه عنى به صلاة الضحى لذكرها من قبل.
والأقرب على القول بالكراهية استثناء ماله سبب ، لأن شرعيته عامة. وإذا تعارض العمومان وجب الجمع ، والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع ، فإنّ مثل قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا دخل أحدكم المسجد ، فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين » (٢) يشمل جميع الأوقات ، وكذا كلّ ذي سبب ، فإنّ النصّ عليه شامل. وقد ظهر استثناء القضاء من ذلك بالأخبار الصريحة ، فإذا جاز إخراجه بدليل جاز إخراج غيره.
فروع :
الأول : النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر لمن صلاّهما ، سواء صلاهما غيره أولا. ولو لم يصلّ الصبح أو العصر فلا كراهية في سنّتهما ، وأما غيرها فمبني على إيقاع النافلة في وقت الفريضة وقد سبق.
وبعض العامة يجعل النهي معلّقا على طلوع الفجر (٣) ، لما روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلّوا بعد الفجر إلاّ سجدتين » (٤) ، ولعموم قوله عليهالسلام : « لا صلاة بعد الفجر » (٥).
والحديث الأول لم نستثبته ، وأمّا الثاني فنقول بموجبه ، ويراد به صلاة
__________________
(١) الانتصار : ٥٠.
(٢) صحيح البخاري ١ : ١٢٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٩٥ ح ٧١٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٤ ح ١٠١٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٢٧ ح ٤٦٧ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٢٩ ح ٣١٦ ، سنن النسائي ٢ : ٥٣ ، السنن الكبرى ٣ : ٥٣.
(٣) المغني ١ : ٧٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٢.
(٤) مسند أحمد ٢ : ١٠٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٥ ح ١٢٧٨ ، مسند أبي يعلى ٩ : ٤٦٠ ح ٥٦٠٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٤١٩ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٦٥.
(٥) سنن الدارمي ١ : ٣٣٥ ، سنن الترمذي ١ : ٣٤٣ ح ١٨٣ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٨.
الفجر توفيقا بينه وبين الأخبار.
الثاني : لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات ، فالظاهر : انعقادها إن لم نقل بالتحريم ، إذ الكراهية لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة. وتوقّف فيه الفاضل من حيث النهي (١).
قلنا : ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات. فعلى قولنا ينعقد ، وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده (٢) لأنّه مرجوح.
ولقائل أن يقول بالصحة أيضا ، لأنّه لا يقصر عن نافلة لها سبب ، وهو عنده جائز ، ولأنّه جوّز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات (٣).
الثالث : يجوز اعادة الصبح والعصر في جماعة ، لأنّ لها سببا ، ولأنّه روي انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى الصبح ، فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد ، فقال : « لم لم تصليا معنا »؟ فقالا : كنا قد صلّينا في رحالنا ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا جئتما فصليا معنا ، وإن كنتما قد صلّيتما في رحالكما تكن لكما سبحة » (٤).
الرابع : لو تعرّض للسبب في هذه الأوقات ـ كأن أراد الإحرام ، أو دخل المسجد ، أو زار مشهدا ـ لم تكره الصلاة ، لصيرورتها ذات سبب ، ولأنّ شرعية هذه الأمور عامة.
ولو تطهّر في هذه الأوقات ، جاز أن يصلّي ركعتين ولا يكون هذا ابتداء ،
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٠.
(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٠.
(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٠.
(٤) سنن الدار قطني ١ : ٤١٤.
وبلفظ : « فإنها لكم نافلة » في : مسند الطيالسي ١٧٥ ح ١٢٤٧ ، مسند أحمد ٤ : ١٦١ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ح ٥٧٥ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٢٤ ح ٢١٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٢ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٤٤ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٠١.
للحث على الصلاة عقيب الطهارة ، ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم روي انّه قال لبلال : « حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني سمعت دقّ نعليك بين يديّ في الجنة ». قال : ما عملت عملا أرجى عندي من أنّني لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار ، إلاّ صلّيت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي. وأقرّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على ذلك (١).
الخامس : ليس سجود التلاوة صلاة ، فلا يكره في هذه الأوقات ، ولا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه. ولو سمّي جزءا أو شارك الصلاة في الشرائط فله سبب ، وكذا سجود الشكر. اما سجود السهو ، ففي رواية عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام : « لا تسجد سجدتي السهو ، حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » (٢) ، وفيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.
السادس : الظاهر انّه لا فرق بين مكة وغيرها ، للعموم.
وأمّا قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلّى في أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار » (٣) فلا يدلّ على الاستثناء ، لأنّ الصلاة لها سبب. هذا إن حملت الصلاة على صلاة الطواف ، وإن حملت على مطلق الصلاة فنحن نقول به ، إذ لا تحريم هنا فلا منع ، أو يراد به ماله سبب ، أو نستثني الأوقات الخمسة بدليل آخر فيكون المراد ما عداها.
السابع : لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر ، تخيّر في جمع الظهر والعصر ، أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة. ولو ائتم في العصر فالظاهر التخيير أيضا.
__________________
(١) مسند أحمد ٢ : ٤٣٣ ، صحيح البخاري ٢ : ٦٧ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩١٠ ح ٢٤٥٨.
(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٦.
(٣) مسند أحمد ٤ : ٨٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٨ ح ١٢٥٤ ، الجامع الصحيح ٣ : ٢٢٠ ح ٨٦٨ ، سنن النسائي ١ : ٢٨٤ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان ٣ : ٤٦ ـ ١٥٥٠ ، سنن الدار قطني ١ : ٤٢٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٤٨.
ويأتي على قول من عمّم كراهية النافلة ان تقدّم في الأوليين النافلة ، ويجعل العصر في الأخيرتين ، وقد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق عليهالسلام (١) ، قال الشيخ : إنّما فعل ذلك لأنه تكره الصلاة بعد العصر (٢).
المسألة الثانية : قال الجعفي : خمس صلوات يصلّين على كل حال وفي كل وقت : فريضة نسيتها تقضيها ، وركعتا الإحرام ، وركعتا الطواف ، وكسوف الشمس ، وصلاة الجنازة. والصلوات الفائتة تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة ، فإذا دخل عليه وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها.
وقال الشيخ في المبسوط : خمس صلوات تصلّى في كل وقت ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة : الفائتة الواجبة إذا ذكرها وفائت النافلة ما لم يدخل وقت فريضة ، وصلاة الكسوف ، وصلاة الجنازة ، وركعتا الإحرام ، وركعتا الطواف (٣).
وقد روى الكليني عن أبي بصير عن الصادق عليهالسلام : « خمس صلوات تصلّيهن في كل وقت : ـ صلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ، وصلاة الإحرام ، والصلاة التي تفوت ، وصلاة الطواف ـ من الفجر الى طلوع الشمس وبعد العصر الى الليل » (٤) ونحوه روى معاوية بن عمار عنه عليهالسلام (٥).
وهذا ظاهره انعقاد صلاتي الإحرام والطواف لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة.
وظاهر الجعفي المواسعة في القضاء ، وسيأتي إن شاء الله بسطه. وقد تقدّم ذكر التنفّل في أوقات الفرائض واختلاف الروايات فيه.
__________________
(١) التهذيب ٣ : ١٦٥ ح ٣٦٠ ، ٢٢٦ ح ٥٧٣.
(٢) التهذيب ٣ : ١٦٦.
(٣) المبسوط ١ : ٧٦.
(٤) الكافي ٣ : ٢٨٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ح ٦٨٢.
(٥) الكافي ٣ : ٢٧٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٣.
وابن بابويه حكم بصلاة سنة الصبح قضاء ، ثم قضاء الفريضة كما جاءت به الرواية (١).
وابن الجنيد : إذا وسع الوقت القضاء والحاضرة جاز قضاء التطوّع والواجب مرتّبا كما كان حال الأداء ، وجعل الأحبّ إليه البدأة بالفريضة (٢).
وفي خبر زرارة عن الباقر عليهالسلام : « ولا تتطوّع بركعة حتى تقضي الفريضة » (٣).
وفي صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليهالسلام فيمن فاته الوتر والصبح : « يبدأ بالفريضة » (٤).
ورواية محمّد بن النعمان السابقة تدلّ على جواز النافلة في وقت الفريضة ، وقد ذكرها الشيخ في باب القضاء من التهذيب (٥).
الثالثة : لا يجوز التعويل في الوقت على الظن إلاّ مع تعذّر العلم ، فيبني على الأمارات المفيدة للظن الغالب ، أو يصبر حتى يتيقّن. وقد روى الحسن العطار عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لأن أصلّي الظهر في وقت العصر ، أحبّ إليّ من ان أصلّي قبل أن تزول الشمس » (٦).
وعن سماعة ، قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : « اجتهد رأيك وتعمّد القبلة جهدك » (٧) ، وهذا يشمل
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٣٣ ، المقنع : ٣٣.
والرواية في الفقيه ١ : ٢٣٣ ح ١٠٣١.
(٢) مختلف الشيعة : ١٤٨.
(٣) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٥ ، ٣ : ١٥٩ ح ٣٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٦.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ح ١٠٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٧.
(٥) التهذيب ٣ : ١٦٥ ح ٣٦٠ ، ٢٢٦ ح ٥٧٣.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٥٤ ح ١٠٠٦.
(٧) الكافي ٣ : ٢٨٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ ح ٦٦٧ ، التهذيب ٢ : ٤٦ ح ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ح ١٠٨٨.
الاجتهاد في الوقت والقبلة.
ومن الأمارات ما رواه الكليني والشيخ عن عبد الله الفرّاء عن أبي عبد الله عليهالسلام ، انّه سئل عن اشتباه الوقت بالغيم ، فقال : « أتعرف الدّيكة؟ إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس » أو قال : « فصلّ » (١). ورويا مرسل الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ، ودخل وقت الصلاة » (٢) ، وأورده أيضا ابن بابويه رحمهالله في الفقيه (٣) ، وظاهره الاعتماد عليه. وصار إليه بعض العامة إذا علم من عادة الديك مصادفة الوقت (٤). ونفى ذلك في التذكرة بالكلية (٥) ، وهو محجوج بالخبرين المشهورين.
ولو كان له أوراد من صلاة ، أو درس علم ، أو قراءة قرآن ، أو صنعة استفاد بها الظن ، عمل عليه. ولو ظهر فساد ظنه أعاد الصلاة ، لوقوعها في غير وقتها ، ولرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : « من صلّى في غير وقت فلا صلاة له » (٦) وقد روى زرارة عن الباقر عليهالسلام في رجل صلّى الغداة بليل ، غرّه القمر فأخبر بذلك ، قال : « يعيد » (٧).
أمّا لو دخل عليه الوقت في أثنائها ، فالأقرب : الإجزاء ، لأنّه متعبّد بظنّه ، خرج عنه ما إذا لم يدرك شيئا من الوقت. وقد روى إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ـ ولم يدخل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٨٤ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٤٣ ح ٦٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٥٥ ح ١٠١٠.
(٢) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٥٥ ح ١٠١١.
(٣) الفقيه ١ : ١٤٤ ح ٦٦٩.
(٤) المجموع ٣ : ٧٤.
(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٥.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٥٤ ح ١٠٠٥.
(٧) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٨ ، ٢٥٤ ح ١٠٠٨.
الوقت ـ فدخل الوقت وأنت في الصلاة ، فقد أجزأت عنك » (١). وهذه محمولة على الظان الذي لا طريق له الى العلم ، قاله المفيد والشيخ في المبسوط (٢).
امّا المتعمّد ، فالأجود الإعادة ، لأنّه منهي عن الشروع مع العمد ، والنهي مفسد. والشيخ في النهاية طرد الحكم فيه ، مع حكمه بعدم جواز الدخول في الصلاة قبل العلم بدخول وقتها ، أو غلبة الظن (٣). ويمكن حمل كلامه على الظان ، فإنّه يسمّى متعمدا للصلاة ، ليجمع بين كلامية.
وأمّا الناسي : إمّا لمراعاة الوقت ، وإما لجريان الصلاة منه حال عدم خطور الوقت بالبال ، فاختلف الأصحاب فيه :
ففي النهاية والكافي لأبي الصلاح انّه كالظان (٤) إذ المعتبر له إدراك وقت الصلاة وقد حصل ، مع رفع الخطأ عن الناسي ، وفحوى الخبر يدلّ عليه.
وقال المرتضى : لا بدّ من كون وقوع جميع الصلاة في الوقت ، ومتى صادف شيء من اجزائها خارج الوقت بطلت عند محقّقي الأصحاب ومحصّليهم ، وقد وردت روايات به (٥).
وأطلق ابن أبي عقيل بطلان صلاة العامد والساهي قبل الوقت (٦).
وقال ابن الجنيد : ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره ان يصلّي إلاّ عند تيقّنه بالوقت ، ومن صلّى أول صلاته أو جميعها قبل الوقت ثم أيقن ذلك استأنفها (٧).
وظاهر كلام هؤلاء إعادة الظانّ كالناسي. والأقرب إعادة الناسي وإن دخل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٨٦ ح ١١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ ح ٦٦٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥ ح ١١٠ ، ١٤١ ح ٥٥٠.
(٢) المقنعة : ١٤ ، المبسوط ١ : ٧٤.
(٣) النهاية : ٦٢.
(٤) النهاية : ٦٢ ، الكافي في الفقه : ١٣٨.
(٥) أجوبة المسائل الرسية الاولى ٢ : ٣٥٠.
(٦) حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : ٧٣.
(٧) حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : ٧٣.
الوقت عليه ، لتفريطه بعدم التحفّظ مع قدرته عليه ، ولأنّ المسبّب لا يثبت مع عدم سببه ، والوقت سبب الوجوب فلا يتقدّم الوجوب عليه ، والإجزاء تابع للوجوب ، خرج عنه الظانّ للرواية وتعبّده باجتهاده ، فيبقى الباقي على أصله.
واستدل في المختلف على بطلان صلاة الجميع بظاهر خبر أبي بصير السالف ، فإنّه شامل للصلاة الكاملة وغيرها (١). ويدفعه بناء العام على الخاص إن سلم العموم.
وقال السيد : معنى ضرب الوقت : التنبيه على عدم الإجزاء في غيره ، فالمصلّي قبله مخالف للمشروع فتفسد صلاته ، ولأنّ القطع بالبراءة لا يتم إلاّ بفعل الجميع في الوقت (٢).
وجوابه : لا مخالفة إذ هو مأمور بالعمل بظنّه ، والقطع بالبراءة غير معتبر في العبادات غالبا ، وإلاّ لكان تكليفا بالمحال أو الحرج.
وأمّا الجاهل ، فقد صرّح المرتضى ببطلان صلاته (٣) وألحقه أبو الصلاح بالناسي (٤). ويمكن تفسيره بجاهل دخول الوقت فيصلّي لأمارة على دخوله ، أو لا لأمارة بل لتجويز الدخول ، وبجاهل اعتبار الوقت في الصلاة ، وبجاهل حكم الصلاة قبل الوقت.
فإن اُريد الأول فهو معنى الظان ، وقد مر. وإن أريد باقي التفسيرات ، فالأجود البطلان ، لعدم الدخول الشرعي في الصلاة ، وتوجّه الخطاب على المكلّف بالعلم بالتكليف فلا يكون جهله عذرا ، وإلاّ لارتفع المؤاخذة على الجاهل.
__________________
(١) مختلف الشيعة : ٧٤.
وقد تقدم خبر أبي بصير في ص ٣٩١ الهامش ٦.
(٢) أجوبة المسائل الرسية الأولى ٢ : ٣٥٠.
(٣) أجوبة المسائل الرسية الأولى ٢ : ٣٥٠.
(٤) الكافي في الفقه : ١٣٨.
تنبيه :
لو صادف الوقت صلاة الناسي والجاهل بدخول الوقت أو بالحكم ، ففي الإجزاء نظر ، من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر ، والأول أقوى. وأولى بالبطلان تارك الاجتهاد مع القدرة عليه ، أو تارك التقليد مع العجز عن الاجتهاد ، لعصيانهما. ولو لم يتذكّر الاجتهاد والتقليد فكالأول.
الرابعة : الأعمى يقلّد العدل العارف بالوقت ، لظهور عذره ، وقصوره عن العلم والظن ، ويكتفي بأذان العدل. وكذا العامي الذي لا يعرف الوقت ، أو الممنوع من عرفانه بحبس أو غيره.
اما غيرهما ، فلا يجوز له التقليد مع إمكان العلم ، لأنّه مخاطب بعلم الوقت ، والتقليد لا يفيد العلم.
ولو تعذّر العلم ، فأخبره عدل عن علم بأذان أو غيره ، فالظاهر انّه كالممنوع من عرفانه ، فيكتفي بقوله. ويمكن المنع ، لأنّ الاجتهاد في حقه ممكن ، وهو أقوى من التقليد. اما لو أخبره عدل عن اجتهاد لم يعتد بقوله قطعا ، لتساويهما في الاجتهاد ، وزيادة اجتهاد الإنسان على غيره بالنسبة الى ما يجده من نفسه.
ولو قدّر رجحان اجتهاد غيره في نفسه على اجتهاد نفسه ، أمكن العدول إلى الغير ، لامتناع العمل بالمرجوح مع وجود الراجح. ويمكن التربص ليصير ظنه أقوى من قول الغير ، وهو قوي ، بخلاف القبلة ، لأنّ التربّص فيها غير موثوق فيه باستفادة الظن ، فيرجّح هناك ظن رجحان اجتهاد غيره.
بل يمكن وجوب التأخير للمشتبه عليه الوقت مطلقا حتى يتيقّن الدخول ، ولا يكفيه الاجتهاد ولا التقليد ، لأنّ اليقين أقوى وهو ممكن. أمّا لو كان الصبر لا يحصل منه اليقين ، فلا إشكال في جواز الاجتهاد والتقليد ، لأنّه معرض
بالتربّص لخروج الوقت.
والوجه عدم وجوب التربّص مطلقا ، لأنّ مبنى شروط العبادات وأفعالها على الظن في الأكثر ، والبقاء غير موثوق به. وهذا الفرع جزئي من جزئيات صلاة أصحاب الأعذار مع التوسعة ، أو مع الضيق ، وسيأتي إن شاء الله.
الخامسة : قطع في المعتبر بجواز التعويل على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المؤذّنون أمناء » ، ولأنّ الأذان مشروع للإعلام بالوقت ، فلو لم يعوّل عليه لم تحصل الغاية من شرعه (١) ، وظاهره عموم ذلك للمتمكّن من العلم وغيره. ويمكن حمل أمانة المؤذّن وشرعية الأذان للإعلام على ذوي الأعذار ، ولتنبيه المتمكن على الاعتبار.
وأطلق في المبسوط (٢) جواز التعويل على الغير مع عدم المانع.
نعم لو قدّر حصول العلم بالأذان لتظاهر الأمارات جاز التعويل ، ولا يكون ذلك لمجرّد الأذان. ولا فرق في المنع من تقليد المؤذّن بين الصحو والغيم ، لأنّه يصير الى الظن مع إمكان العلم ، ولا اعتبار بقطعه في الصحو.
وقد روى ذريح ، قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت » (٣). وروى محمّد بن خالد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أخاف أن أصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس ، فقال : « إنّما ذاك على المؤذّنين » (٤). وفي هذين إشعار بما قال المحقق رحمهالله.
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٦٣.
وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في : ترتيب مسند الشافعي ١ : ٥٨ ح ١٧٤ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٧٧ ح ١٨٣٩ ، السنن الكبرى ١ : ٤٣.
(٢) المبسوط ١ : ٧٤.
(٣) الفقيه ١ : ١٨٩ ح ٨٩٩ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٦.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٧ ، ٣ : ٢٤٤ ح ٦٦١.
ولكن روى ابن أبي قرّة بإسناده الى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ، ولا يدري أطلع أم لا ، غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع؟ قال : « لا يجزئه حتى يعلم أنّه قد طلع ».
السادسة : لو صلّى المقلّد بالتقليد في الوقت فانكشف الفساد ، فالأقرب أنّه كالظّان ، فتلحقه أحكامه ، لتعبّده بذلك. ولو عارضه اخبار آخر بعدم الدخول ، فإن تساويا أو كان الأول أرجح فلا التفات ، وإن كان الثاني أرجح فحكمه حكم التعارض في القبلة ، وسيأتي إن شاء الله.
السابعة : كلّ من انكشف فساد ظنّه في أثناء الصلاة ولمّا يدخل الوقت ، أو دخل وقلنا بعدم الإجزاء ، ففي وقوع صلاته نافلة وجهان :
أحدهما ـ واختاره الفاضل (١) ـ : لا ، لعدم نيّته ، « ولا عمل إلاّ بنيّة » ، ولقول الصادق عليهالسلام في خبر معاوية في رجل قام في المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة ، أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة ، قال : « هي على ما افتتح عليه الصلاة » (٢) ، وفي عبارة أخرى : « هي ما افتتح الصلاة عليه » (٣) ، وهذا افتتحها على الفريضة.
وفي خبر عمار عنه عليهالسلام في الرجل يريد أن يصلّي ثماني ركعات فيصلّي عشرا ، أيحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يصلّيها عمدا ، فإن لم ينو ذلك فلا » (٤).
وعن عبد الله بن أبي يعفور عنه عليهالسلام : « إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته » (٥).
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٥.
(٢) التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٦.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤١٩.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢١.
(٥) التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢٠.
والثاني : نعم ، لأنّ النفل يكفي فيه التقرّب مع القصد إلى الصلاة وقد وقع ، ولفتوى الأصحاب بأنّ الاحتياط مع الغناء عنه نافلة ، وقد رواه ابن أبي يعفور وغيره عن أبي عبد الله عليهالسلام : « فإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة » (١).
ويمكن الجواب بأنّ هذا مع تمام الصلاة ، ولا يلزم منه الحكم بالنافلة لا مع التمام. وعلى القول بأنها لا تقع نافلة لا تصير بالعدول نافلة ، لبطلانها من أصلها.
ويؤيّد الثاني عموم ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٢) فنعمل به مهما أمكن ، ومن الممكن جعلها نافلة.
ويقوى الإشكال لو ركع في الثالثة ، وقلنا بأنّ النافلة لا تتجاوز الركعتين إلاّ أن يلتحق بإعادة اليومية في صورة الندب ، وعلى التقديرين ففي جواز العدول بها الى القضاء احتمال. نعم ، لو كان قد عدل بها قبل عرفان بطلانها صحّ قطعا.
الثامنة : لو اجتهد أو قلّد في موضعه ، فصادفت الصلاة بأسرها خارج الوقت ، أو صادف ما يخرجها عن الأداء ، أجزأ لأنّ نيّة الأداء فرضه ، ونية القضاء إنّما هي مع التذكّر.
ولو ظنّ الخروج نوى القضاء ، فلو كذب ظنّه فالأداء باق ، فإن كان في الأثناء فالوجه العدول إليه ، لأنّه دخل دخولا مأمورا به فيقتضي الإجزاء ، والآن صار متعبّدا بالأداء.
ولو تبين بعد فراغه مصادفة الوقت. فالوجه الإجزاء ، للامتثال. ويمكن الإعادة إن أمكن الأداء ، لما قلناه. ويحتمل الإعادة مطلقا ، بناء على انّ ما
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ح ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ح ١٤١٥.
(٢) سورة محمد : ٣٣.
صلاّه لم يطابق نفس الأمر.
التاسعة : يستحبّ تأخير صلاة الظهر إذا اشتدّ الحرّ إلى وقوع الظلّ الذي يمشي الساعي فيه إلى الجماعة ، لما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم انّه قال : « إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة ، فإنّ شدة الحرّ من فيح جهنم » (١).
ومن طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « كان المؤذّن يأتي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلاة الظهر ، فيقول له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أبرد أبرد » (٢).
وفي المبسوط قال : إذا كان الحرّ شديدا في بلاد حارّة ، وأرادوا أن يصلّوا جماعة في مسجد ، جاز أن يبردوا بصلاة الظهر قليلا ، ولا تؤخّر إلى آخر الوقت (٣). فقد اشتمل كلامه على قيود :
أحدها : شدة الحر ، وهو مصرّح الخبر.
وثانيها : في البلاد الحارّة ، ويفهم من فحوى الخبر ، لقلّة أذى الحرّ في البلاد المعتدلة. ولعلّ الأقرب عدم اعتباره ، أخذا بالعموم ، وقد يحصل التأذّي بإشراق الشمس مطلقا.
وثالثها : التقييد بالجماعة ، فلو صلّى منفردا في بيته فلا إبراد ، لعدم المشقة المقتضية للإبراد. ولو أراد المنفرد الصلاة في المسجد حيث لا جماعة فالأقرب : الإبراد ، لظاهر الخبر.
ورابعها : المسجد ، فلو صلّوا في موضع هم فيه مجتمعون فلا إبراد. ولو اتفق اجتماعهم في المسجد ولا يأتيهم غيرهم ، فعلى فحوى كلامه يجوز
__________________
(١) الموطأ ١ : ١٦ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٥٢ ح ١٥٢ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٥٢ ح ٢٠٤٩ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٣٢ ح ٦١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ح ٦٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١١٠ ح ٤٠٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٢٩٥ ح ١٥٧ ، سنن النسائي ١ : ٣٤٨.
(٢) الفقيه ١ : ١٤٤ ح ٦٧١.
(٣) المبسوط ١ : ٧٧.
الإبراد ، وعلى اعتبار المشقة لا إبراد. ولو أمكنهم المشي الى المسجد في كنّ أو ظل فهو كاجتماعهم في المسجد.
وخامسها : التقييد بالظهر ، ولا ريب في انتفاء الإبراد في الأربع الأخر. أمّا الجمعة ، فهل تنزّل منزلة الظهر؟ فيه وجهان : نعم ، لإطلاق الخبر. ولا ، لشدة الخطر في فواتها ، وعموم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أول الوقت رضوان الله ، وآخر الوقت عفو الله » (١) خرج عنه الظهر فبقي ما عداها ، ويؤيّده قول الباقر عليهالسلام : « وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول » (٢).
وسادسها : قوله : جاز أن يبردوا ، ظاهره أنّ الإبراد رخصة ، فلو تحمّلوا المشقة وصلّوا في أول الوقت فهو أفضل ، ولابن بابويه قول بأنّ المراد بالإبراد الإسراع في فعلها (٣) ، وهو غريب. والأصح : الاستحباب ، لأنّه أقلّ مراتب الأمر ، وتكراره في الخبر مشعر بتأكّده.
وسابعها : تقييده بالقليل ، والظاهر انّه ما قدّرنا به ، لدفع الأذى بهذا القدر. وفي قوله : ولا تؤخّر إلى آخر الوقت ، إيماء إلى جوازه الى آخر النصف الأول من الوقت ـ أعني : وقت الفضيلة ، كما قاله بعض العامة (٤) ـ ولا بأس به.
وقال في الخلاف : تقديم الظهر في أول وقتها أفضل ، وإن كان الحرّ شديدا جاز تأخيرها قليلا رخصة (٥). وهذا يشعر بعدم استحباب الإبراد ، خصوصا وكان قد حكى الإبراد عن العامة (٦).
العاشرة : في باقي الأسباب التي يستحبّ لها التأخير ، وقد مضى
__________________
(١) الجامع الصحيح ١ : ٣٢١ ح ١٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٤٩ ، السنن الكبرى ١ : ٤٣٥.
(٢) الفقيه ١ : ٤٣ ح ٦٦٥ ، ٢٦٧ ح ١٢٢٠.
(٣) الفقيه ١ : ١٤٤.
(٤) حلية العلماء ٢ : ٢١ ، المجموع ٣ : ٥٩.
(٥) الخلاف ١ : ٢٩٣ المسألة ٣٩.
(٦) الخلاف ١ : ٢٩٢ المسألة ٣٩.
استحباب تأخير التيمّم أو وجوبه ، واستحباب تأخير المستحاضة الظهرين حتى تأتي بالسبحتين ، واستحباب تفريقهما وتفريق العشاءين ، وتأخير نافلة الليل.
وهنا أمور أخر :
منها : استحباب تأخير الحاج العشاءين ـ ليصلّيهما في المزدلفة ـ ولو الى ربع الليل.
ومنها : المشتغل بقضاء الفرائض يستحبّ له تأخير الأداء الى ضيق وقته ، لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى ، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت ، فابدأ بالتي فاتتك. وإن كنت تعلم انّك إذا صلّيت التي فاتتك ، فاتتك التي بعدها ، فابدأ بالتي أنت في وقتها » (١) وإنّما حملناه على الندب جمعا بين الأخبار.
ومنها : الصائم إذا نازعته نفسه ، أو كان من يتوقع إفطاره ، وسيأتي مستند ذلك إن شاء الله. وقد روى عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام في المغرب تؤخّر ساعة : « لا بأس ، إن كان صائما أفطر ثم صلّى ، وإن كانت حاجة قضاها ثم صلّى » (٢).
وروى الكليني عن سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام في الصلاة تحضر وقد وضع الطعام ، قال : « إن كان أول الوقت فابدأ بالطعام ، وإن خاف تأخير الوقت فليبدأ بالصلاة » (٣).
ومنها : جميع أصحاب الأعذار مع رجاء زوال العذر بالتأخير ، لأنه مصير الى جعل الصلاة على الوجه الأكمل.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٩٤ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٦ ، ٢٦٨ ح ١٠٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥١.
(٢) التهذيب ٢ : ٣١ ح ٩٣ ، ٢٦٥ ح ١٠٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٦ ح ٩٦٣.
(٣) المحاسن : ٤٢٣ ، الكافي ٦ : ٢٩٨ ح ٩ ، التهذيب ٩ : ١٠٠ ح ٤٣٣.