الفصل الثاني
في
التمسك بالآيات المشتملة على لفظ «الخلق»
الكلام في تقرير هذا المطلوب ، يستدعي تقديم مقدمة في لفظ «الخلق» فنقول : لفظ الخلق ، جاء بمعنى الإحداث تارة ، وبمعنى التقدير أخرى.
أما الأول : فيدل عليه أمور :
الأول : قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١) ولو كان الخلق
__________________
(١) سورة القمر ، آية : ٤٩ ...
ويقول الدكتور علاء الدين أمير محمد مهدي. القزويني :
«أما ما يتعلق بأفعال الإنسان. فيمكن القول أن الله تعالى قضى بها عليه. على معنى : حكم بها عليه ، وألزمه إياها وأوجبها ، وهذا الإلزام : هو أمره له وليس على سبيل الإلجاء والإجبار. كما يمكن أيضا القول أن الله قدر أفعال الإنسان على معنى أنه بين مقاديرها وأوضح تفاصيلها واختلاف أحوالها ، من حسنها وقبحها ، وفرضها وحلالها ، وحرامها ومندوبها. وأما أنه قضاها بمعنى خلقها في الإنسان فباطل لا يجوز ، لأنه إن أريد أنه خلقها فيه ، لقال سبحانه : وقضى في خلقه بالعصيان ولا يقول قضى عليهم ، لأن الخلق إنما يكون في الإنسان لا عليه ، مع أنه تعالى قد أبطل هذا القول بقوله :» (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة ٧] فهو صريح في عدم وجود القبيح في خلقه ، وأن كل فعله حسن ، والمعاصي قبائح باتفاق المسلمين ، فوجب نفيها عنه سبحانه. وإن أريد أنه قضى عليه بالمعاصي بمعنى أمره بها فقد أبطل هذا القول أيضا ، قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ. أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟) [الأراف ٢٨] فهذا صريح في عدم إرادة هذا المعنى. وإن أريد أن الله قضى على الإنسان بالمعاصي بمعنى أعلمه بها ، فغير صحيح أيضا. لأن الإنسان لا يعلم في المستقبل بأنه يطيع أو يعصي. ولا يستطيع أن يحيط علما بما يكون فيه على التفصيل. ولأنه لو خلق الطاعة والمعصية في عباده ، ليسقط اللوم ـ