الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) (١) أي يعاهدون فيها (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) أي لا يخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلاعب بها حسب أهوائهم. وقوله تعالى (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ (٢) مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) يرشد رسوله آمرا إياه بما يجب أن يتخذه إزاء هؤلاء الناكثين للعهود المنغمسين في الكفر. بحيث لا يخرجون منه بحال من الأحوال ويشهد لهذه الحقيقة أنهم لما حوصروا في حصونهم ونزلوا منها مستسلمين كان يعرض على أحدهم الإسلام حتى لا يقتل فيؤثر باختياره القتل على الإسلام وماتوا كافرين وصدق الله إذ قال (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فهؤلاء إن ثقفتهم في حرب أي وجدتهم متمكنا منهم فاضربهم بعنف وشدة وبلا هوادة حتى تشرد أي تفرق بهم من خلفهم من أعداء الإسلام المتربصين بك الدوائر من كفار قريش وغيرهم لعلهم يذكرون أي يتعظون فلا يفكروا في حربك وقتالك بعد ، وقوله (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً (٣) فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) هذا إرشاد آخر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتعلق بالخطط الحربية الناجحة وهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن خاف من قوم معاهدين له خيانة ظهرت أماراتها وتأكد لديك علاماتها فاطرح تلك المعاهدة ملغيا لها معلنا ذلك لتكون وإياهم على علم تام بإلغائها ، وذلك حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة ، والله لا يحب الخائنين. وقاتلهم مستعينا بالله عليهم وستكون الدائرة على الناكث الخائن ، وهذا ضرب من الحزم وصحة العزم إذ ما دام قد عزم العدو على النقض فقد نقص فليبادر لافتكاك عنصر المباغتة من يده ، وهو عنصر مهم في الحروب. وقوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم من هرب من بدر من كفار قريش (سَبَقُوا) (٤) أي فاتوا فلم يقدر الله تعالى عليهم (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أي إنهم لا يعجزون الله بحال فإنه

__________________

(١) سبحان الله ، هذا الوصف الخسيس ما زال ملازما لليهود إلى اليوم فلا يوفون بعهد ولا ذمّة أبدا ، وصدق الله العظيم إذ قال عنهم. (كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ).

(٢) يقال : شرد البعير أو الدابة إن فارقت صاحبها ، وشرّده إذا عمل على تشريده بسبب ، وشردت بني فلان : إذا حملتهم على مفارقة منازلهم قال الشاعر :

أطوّف في الأباطح كل يوم

مخافة أن يشرّد بي حكيم

(٣) غشا ونقضا للعهد والآية عامة ، فهي مبدأ حربي يأخذ به المسلمون إلى يوم القيامة ، ولا وجه لذكر الخلاف هل هي في بني قريظة أو بني النضير؟ وخوف الخيانة هنا معناه : الظن الغالب وذلك بظهور علامات خيانة العدو واضحة.

(٤) أي : من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة ، وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أي : في الدنيا حتى يظفرك الله بهم.