وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ (١) صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) هذا النوع من السلوك الشائن الغبي كان بعضهم يثني صدره أي يطأطىء رأسه ويميله على صدره حتى لا يراه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبعضهم يفعل ذلك ظنا منه أنه يخفي نفسه عن الله تعالى وهذا نهاية الجهل ، وبعضهم يفعل ذلك بغضا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى لا يراه فرد تعالى هذا بقوله : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) أي يتغطون بها (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فلا معنى لاستغشاء الثياب استتارا بها عن الله تعالى فإن الله يعلم سرهم وجهرهم ويعلم ما تخفي صدورهم وإن كانوا يفعلون ذلك بغضا (٢) للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبئس ما صنعوا وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ مظهر من مظاهر إعجاز القرآن وهو أنه مؤلف من الحروف المقطعة ولم تستطع العرب الإتيان بسورة مثله.

٢ ـ بيان العلة في إنزال الكتاب وأحكام آيه وتفصيلها وهي أن يعبد الله تعالى وحده وأن يستغفره المشركون ثم يتوبون إليه ليكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة.

٣ ـ وجوب التخلي عن الشرك أولا ، ثم العبادة الخالصة ثانيا.

٤ ـ المعروف لا يضيع عند الله تعالى إذا كان صاحبه من أهل التوحيد (وَيُؤْتِ (٣) كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ).

٥ ـ بيان جهل المشركين الذين كانوا يستترون عن الله برؤوسهم وثيابهم. (٤)

٦ ـ مرجع الناس إلى ربهم شاءوا أم أبوا والجزاء عادل ولا يهلك على الله إلا هالك.

__________________

(١) روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة ويظهرون خلافه ، ونزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنطق يلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يحب وينطوي له بقلبه على ما يسوء ، وقيل نزلت في بعض المنافقين كان أحدهم إذا مرّ به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطّى وجهه كي لا يراه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيدعوه إلى الإيمان.

(٢) لا مانع من توجيه الآية إلى هذا إذ ما زال الناس إلى اليوم ، إذا كرهوا الداعية إلى الله تعالى لا يحبون أن يروه أو يسمعوا صوته وقد يثنون صدورهم ويغطون وجوههم حتى لا يروه بغضا له وكرها. والله عليم خبير.

(٣) الثني : الطيّ. طوى الثوب إذا ثناه ، وهو مأخوذ من جعل الواحد اثنين.

(٤) أي : يطأطئون رؤوسهم على صدورهم ويتغطون بثيابهم إذ روي أن المشرك كان يدخل بيته ويرخي الستر عليه ، ويستغشي ثوبه ويحنى ظهره ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي؟ وذلك لجهلهم بعظمة الله تعالى وقدرته وعلمه.