المحرجة هذه قوم من قبلكم (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) (١) ، لأنهم كلفوا ما لم يطيقوا وشق عليهم جزاء تعنتهم في أسئلتهم لأنبيائهم فتركوا العمل بها فكفروا. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (١٠١) والثانية (١٠٢) وأما الثالثة (١٠٣) فقد قال تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) ومن الجائز أن يكون هناك من يسأل الرسول عن البحيرة وما بعدها فأنزل الله تعالى قوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) أي ما بحر الله بحيرة ولا سيب سائبة ولا وصل وصيلة ولا حمى حاميا ، ولكن الذين كفروا هم الذين فعلوا ذلك افتراء على الله وكذبا عليه (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، ولو عقلوا ما افتروا على الله وابتدعوا وشرعوا من أنفسهم ونسبوا ذلك إلى الله تعالى ، وأول من سيب السوائب وغير دين اسماعيل عليه‌السلام عمرو بن لحي الذي رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجرّ قصبه في النار أي أمعاءه في جهنم. هذا ما تضمنته الآية الثالثة أما الرابعة (١٠٤) فقد أخبر تعالى أن المشركين المفترين على الله الكذب بما ابتدعوه من الشرك إذ قيل لهم (تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) ليبين لكم كذبكم وباطلكم في بحر البحائر وتسييب السوائب ، يرفضون الرجوع إلى الحق ويقولون : (حَسْبُنا) أي يكفينا (ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) فلسنا في حاجة إلى غيره فرد تعالى عليهم منكرا عليهم قولهم الفاسد (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً) أي يتبعونهم ويحتجون بباطلهم ولو كان أولئك الآباء جهالا حمقا لا يعقلون شيئا من الحق ، (وَلا يَهْتَدُونَ) إلى خير أو معروف.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ كراهية الإلحاف في السؤال والتقعر في الأسئلة والتنطع فيها.

٢ ـ حرمة الابتداع في الدين وأنه سبب وجود الشرك في الناس.

٣ ـ وجوب رد المختلف فيه إلى الكتاب والسنة والرضا بحكمهما.

٤ ـ حرمة تقليد الجهال واتباعهم في أباطيلهم.

__________________

(١) من أمثلة ذلك : سؤال قوم صالح الناقة ، وقوم عيسى المائدة ، وفي الآية تحذير للمؤمنين أن يقعوا فيما وقع فيه غيرهم فيهلكوا كما هلكوا. وفي صحيح مسلم يقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم عن المسلمين فحرم من أجل مسألته».