• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • تم فهرس الجزء الأول من كتاب نفح الطيب
  • شفت الصدور من أمراضها ، ووفت النفوس بأغراضها ، واستولت على ما كان لملّة الكفر من جواهرها وأعراضها ، ثم وقع الاختلاف ، بعد ذلك الائتلاف ، فعصفت ريح العدوّ والحروب سجال ، وأعيا العلاج حكماء الرجال ، فصار أهل الأندلس يتذكّرون موسى بن نصير وطارق ، ومن بعدهما من ملوك الأندلس الذين راعت العدوّ الكافر منهم طوارق (١).

    وما أحسن ما أعرب الإمام الكاتب القاضي أبو المطرف بن عميرة ، عمّا يشمل هذا المعنى وغيره ، في كتاب بعث به إلى الشيخ أبي جعفر بن أمية ، حين حلّ الرّزء ببلنسية (٢) ، وهو : [الطويل]

    ألا أيها القلب المصرّح بالوجد

    أما لك من بادي الصّبابة من بدّ

    وهل من سلوّ يرتجى لمتيّم

    له لوعة الصادي وروعة ذي الصّدّ (٣)

    يحنّ إلى نجد ، وهيهات! حرّمت

    صروف الليالي أن يعود إلى نجد

    فيا جبل الريّان ، لا ريّ بعدما

    عدت غير الأيام عن ذلك الورد

    ويا أهل ودّي والحوادث تقتضي

    خلوّي عن أهل يضاف إلى الودّ

    ألا متعة يوما بعارية المنى

    فإنّا نراها كلّ حين إلى الردّ

    أمن بعد رزء في بلنسية ثوى

    بأحنائنا كالنّار مضمرة الوقد

    يرجّي أناس جنّة من مصائب

    تطاعن فيهم بالمثقّفة الملد (٤)

    ألا ليت شعري هل لها من مطالع

    معاد إلى ما كان فيها من السّعد

    وهل أذنب الأبناء ذنب أبيهم

    فصاروا إلى الإخراج من جنّة الخلد

    مرحبا بالسّحاءة (٥) ، وما أعارت أفقي من الإضاءة ، وردت تسحر النّهى ، وتسحب ذيلا على السّها ، وتهزّ من المسرّة أعطافا ، وتردّ من نجوم المجرّة نطافا ، عامت من الظلمة في موجها ، ثم غلبت الشهب على أوجها ، فقلب العقرب يجب ، وسهيل بداره يحتجب ، والطّرف غضيض ، وجناح الطائر مهيض ، وصاحب الأخبية يقرض ، والذابح عن ذبيحته يعرض ، ورامح السماكين تخونه السلاح ، وواقع النّسرين يودّ لو (٦) أنه يخفيه الصباح ، بلاغة تفتن كلّ لبيب ،

    __________________

    (١) الطوارق : جمع طارقة وهي الحادثة الفاجئة.

    (٢) الرزء : المصيبة.

    (٣) اللوعة : الحرقة. والصادي : العطشان.

    (٤) الجنة ـ بضم الجيم ـ الوقاية ، والمثقفة : الرماح. والملد : الطرية المهتزة.

    (٥) السحاءة : أراد بها القرطاس المكتوب فيه.

    (٦) في ب : يودّ أن يخفيه.